مشاهدة النسخة كاملة : الأسبلة وجه من وجوه الحضارة الإنسانية


abomokhtar
28-06-2013, 06:47 PM
الأسبِلة وجه من وجوه الحضارة الإنسانية


لم يسبق لحضارة من الحضارات الإنسانية، أن تركت لنا مآثر لها في تكريم الإنسان والحيوان، كتكريم الحضارة الإسلامية للإنسان ورفيق دربه على الأرض الحيوان، والموضوع المعني الحديث عنه هو الإنفاق الخيري في المجتمعات الإسلامية، فمن أهم هذه الوجوه في الإنفاق، ما عرف بالصدقة الجارية لصاحب الوقف، فالوجوب في الصدقات الجارية من الأفعال الخيرية متعددة، وقد كان منها وقف الأسبلة، فما هي هذه الأسبلة؟ وما غرضها في المجتمع المدني المسلم والإنساني أيضاً؟

الأسبلة:

جمع لكلمة سبيل، والسبيل في العرف القائم اليوم وقبل اليوم، هو منشأة مائية قد أقامها أحد المحسنين من المسلمين، بقصد الأجر والثواب عند الله، والأسبلة لعبت دوراً عظيماً في تاريخ الإسلام ودوله، فهي تقدم لابن الراحلة -المسافر- أعظم الخدمات، ولابن البلد من الفقراء توفر له ما يحتاجه من الماء، والأمر في هذا إنما هو قائم على شعور الغني المسلم بحق أخيه المسلم الفقير فيما له عليه من حق في مال الله الذي منحه إياه ورزقه به.

والسبيل الواحد يكلف الأموال الكثيرة والطائلة، لأنه يتكون من بناء ضخم، قاعدته الأولى صهريج مائي تحت الأرض، يتسع لمخزون مائي يمون السبيل لمدة سنة تقريباً في حالة انقطاع الماء، وبعد الصهريج تأتي حجرة التسبيل وملحقاتها (الشاذوران) وهو بلاط رخامي يمر عليه الماء ليتبرد، ومن الشاذوران هذا يخرج الماء إلى فتحات النوافذ، حيث توجد صنابير المياه المصنوعة من أنابيب رصاصية.

وهذه الظاهرة اليوم نجدها بجوار العديد من البيوت في مجتمعاتنا الإسلامية، حيث تخدم ابن السبيل وصاحب الحاجة إلى الماء، ومنه ما يعرف اليوم بالمبردات التي تحمل أسماء أصحابها.

تاريخها:

يعود تاريخ ظهور الأسبلة في المجتمعات الإسلامية بشكلها المعروف إلى العهود الأيوبية والمملوكية، وقد ازدادت في العهد العثماني بشكل كبير، وحتى يكتب لهذا السبيل الديمومة، يذهب صاحب السبيل فيجعل له وقفاً من البساتين والأملاك، لتوفر له حاجاته من الأموال لإنفاقها على من يقوم بخدمته من العاملين فيه، وغير ذلك مما يحتاجه السبيل من نفقات.

ويوجد في القاهرة اليوم أكثر من ثلاثمائة سبيل عثماني ومملوكي، يظهر فيها جمالية الفن المعماري، وكذلك في القدس وفي دمشق وحلب واستنبول، بل العديد من مدن وحواضر العالم الإسلامي.

ويعتبر أول صاحب سبيل في الإسلام هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عندما اشترى بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر رومة في المدينة المنورة، فاشتراه من صاحبه اليهودي وأوقفه لسقاية المسلمين بعد أن كان اليهودي يأخذ مبالغ طائلة من المسلمين ثمناً للمياه التي يأخذونها من البئر، وكان المسلمون يومها أهل فاقة. وتعد السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد ممن حفظ التاريخ اسمها، في شقها لقناتها المعروفة لخدمة حجيج بيت الله ولا زالت آثار هذه القناة موجودة في منى وعرفات إلى اليوم.

وقد قدمت الحضارة الإسلامية في أسمى وجه من وجوهها المتعددة قضية رعاية الحيوان والرفق فيه، فأرض ما بين النهرين في مدينة دمشق، وهي المعروفة اليوم بأرض المعرض - معرض دمشق الدولي سابقاً - هي أرض وقف جعلت للحيوانات الهرمة والمريضة والسائبة، فهذا هو الإسلام في إنسانيته وفي حضارته وسمو قيمه وفضائله الكريمة على جميع الحضارات الإنسانية، فالحضارة الإسلامية هي عطاء رسالة الإسلام، عطاء رسالة السماء إلى الأرض.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1042/56561/#ixzz2XWve4HWp