مشاهدة النسخة كاملة : الحب في الإسلام


محمود حربي
06-09-2013, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحب في الإسلام

الحب من المعاني العظيمة التي يسعد الإنسان بها، وهي من الصفات التي لا تنفك عن ابن آدم، فكل آدمي لابد أن تجري هذه المعاني عليه؛ الحب، والبغض، والرضا، والكره، والفرح، والشدة، والحزن...
والحب يسمو بالنفس ويحلق بها في فضاء من السعادة والجمال، ويضفي على حياتنا بهجة وسروراً، ويكسو الروح بهاءً وحبوراً. وللحب صور عديدة، فما هي هذه الصور؟ وما موقف الإسلام منها؟هذا ما سيدركه القارئ الكريم في هذا المقال بإذن الله تعالى..

فمن صور الحب:
حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
وهذا من أعظم الواجبات؛ فإن الله تعالى أوجب علينا ذلك وتوعد من خالف فيه بقوله: }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([1]).
ودلت السنة النبوية على أنه لا إيمان لمن لم يقدم حبَّ الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم على كلِّ محبوب، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»([2]).
وقال عبدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ رضي الله عنه : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي-وما كانوا يكذبون رضي الله عنهم- فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْآنَ يَا عُمَرُ»([3]).
قال ابن حجر رحمه الله: "قال الخطابي: حبُّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه؛ لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: «الآن يا عمر». أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب"([4]).
ومحبة الله ورسوله خير ما يعده الإنسان للقاء الله، فهو سبب دخول الجنة، ففي حديث أنس رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها». قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت»؛ أنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم([5]).

حب شرع الله:
ولقد أعلمنا ربنا في كتابه أن من صفات الكافرين بغضَ شرع الله، قال تعالى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ([6]).
أي: والذين كفروا فهلاكًا لهم، وأذهب الله ثواب أعمالهم؛ ذلك بسبب أنهم كرهوا كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكذبوا به، فأبطل أعمالهم.
وفي حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»([7]).

حب الزوجة:
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ، فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ"([8]).
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عائشة»([9]).
وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ([10]) مؤمن مؤمنة، إنْ كرِه مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ منها آخر»([11]).
وقد قال الله ممتناً على الأزواج: }وجعل بينكم مودة ورحمة{. والمودة هي المحبة، وفرق الرازي رحمه الله بين المودة و الرحمة بقوله: " }مودة{ حالة حاجة نفسه، }ورحمة{ حالة حاجة صاحبه إليه، وهذا لأن الإنسان يحب مثلاً ولده فإذا رأى عدوه في شدة من جوع وألم قد يأخذ من ولده ويصلح به حال ذلك، وما ذلك لسبب المحبة وإنما هو لسبب الرحمة... ولهذا فإن الزوجة قد تخرج عن محل الشهوة بكبر أو مرض ويبقى قيام الزوج بها وبالعكس"([12]).

محبة الإخوان:
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أصحابه رضي الله عنهم..
ففي حديث عمرو السابق لما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم على سؤاله: من أحب الناس إليك؟ بقوله: «عائشة». قال له عمرو رضي الله عنه : فمِن الرجال؟ قال: «أبوها».
وهو الذي قال في شأنه: «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ»([13]). والخلة: أعلى درجات المحبة. فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم خليل بنص هذا الحديث، ولكن الحديث دال على أن الصديق أحب الناس إليه.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال: «يا معاذ والله إني لأحبك». فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك. قال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»([14]).
وكان أسامة من أحب الناس إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامةُ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة([15]).
فلا يوجد دين يحث أبناءه على التحابب والمودة كدين الإسلام؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإخبار بمشاعر الحب؛ لأن هذا يقويه ويفضي إلى شيوع الألفة بيننا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه»([16]). وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعلمته»؟ قال: لا. قال: «أعلمه». قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله. فقال: أحبَّك الذي أحببتني فيه([17]).

والمحبة في الله سبب لنيل محبة الله:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك: إن الله قد أحبك كما أحببته فيه»([18]).

والحب في الله من علامات صدق الإيمان:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله»([19]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»([20]).

وممن يظلهم الله في ظله المتحابُّون فيه:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»([21]).
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجلان تحابا في الله»([22]).

والحب في الله سبيل الجنة:
قال نبينا صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»([23]).

محبة الأقارب والعشيرة والمتاع والنعم:
قال تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([24]).
ولم يلم الله تعالى على حب هذه المذكورات؛ فإن حبها مغروز في نفوسنا، وإنما على تقديم حبها على حب الله ورسوله وشرعه والجهاد في سبيله.
وعن قرة بن إياس رضي الله عنه ، أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحبه»؟ قال: نعم يا رسول، الله أحبك الله كما أحبه. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما فعل فلان بن فلان»؟ -للابن الصغير- قالوا: يا رسول الله مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: «ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك»؟ فقال رجل: يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال: «بل لكلكم»([25]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يروي عن ربه تعالى-: «من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة»([26]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون{([27]) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون{، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح»([28]).

حب المساكين والأعمال الصالحة:
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»([29]).

حب الأوطان:
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبَك من بلد! وأحبَّك إلي! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»([30]).

هل للحب عيد؟ وما قصته؟
قيل: لما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج؛ لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتاين) وصار يجري عقود الزواج للجند سرا، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن وحكم عليه بالإعدام.
وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان، وكان هذا سراً حيث يحرم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، ونفذ فيه حكم ال*** يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير، ومن يومها أطلق عليه لقب قديس واحتُفل بعيد الحب([31]).

فما هي مظاهر الاحتفال بعيد الحب؟
1/ إظهار الفرح به.
2/ تبادل الورود الحمراء والهدايا.
3/ ارتداء الملابس الحمراء.
4/ تنزه العشيقين في هذا اليوم.
5/ تعليق البالونات المكتوب عليها عبارات الحب والغرام.
6/ توزيع صور (كيوبد) إله الحب عند الرومان، وهو طفل صغير له جناحان ويحمل قوساً.
7/ إقامة الحفلات.

حكم الاحتفال به:
انظر -غير مأمور- لحكم الاحتفال بأعياد المشركين المقال الموصل إليه الرابط التالي:
http://saaid.net/Doat/mehran/030.doc (http://saaid.net/Doat/mehran/030.doc)

ماذا قال علماؤنا في الاحتفال بعيد الحب؟
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله وجمعني به في دار كرامته-: "الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التهادي، أو غير ذلك.
وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه، وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق"([32]).

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة - وعلى ذلك أجمع سلف الأمة- أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى. وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة، لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم؛ لأن في ذلك تشبهاً بهم، ونوع موالاة لهم. وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه العزيز، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»([33]).
وعيد الحب هو من *** ما ذكر؛ لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية، فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ، بل الواجب تركه واجتنابه؛ استجابة لله ورسوله، وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته. كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء؛ من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك؛ لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول، والله جل وعلا يقول: }وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب{([34]).
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله، لاسيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد. وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يرفعون بالإسلام رأساً. وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها؛ فإنه لا هادي إلا الله، ولا مثبت إلا هو سبحانه، وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" ([35]).

هل هناك حب قبل الزواج؟
هذا سؤال مهم.
وإذا أحببنا أن ندرك الإجابة عنه قبل قراءتها فيمكن أن يعدل السؤال على هذا النحو: لو أن شخصا مقبلا على الزواج دُلَّ على فتاة متدينة، وأُخبر بصفاتها فلم ينكر منها شيئاً، وعزم على أن يتقدم لخطبتها، هل ينكر على مثله أن يميل إليها بقلبه؟ إن ذلك كائن لا محالة. فمثل هذا لا ينكر عليه أن مال إليها وأحبها، وحبه لها هو الذي دفعه إلى خطبتها، وإذا وافقت الفتاة وأهلها فإن مخطوبته ستشعر بحبها له .. فهل يُنكر هذا؟ لا أظن أحداً يفعله.

فأين المحظور؟
أن يترجم هذا الحب إلى أعمال تسخط الله.. أن ينعكس على سلوكنا بممارسات نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالواجب أن لا يجر هذا الحب إلى حرام.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل، وذات علم؛ فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل، وعلم، ودين؛ فترغبه. لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور. فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل ويقول: إنه يرغب في زواجها. بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخير هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما. وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة"([36]).
فهذا الشاب الذي قذف الله في قلبه حب فتاة عليه أن يبادر وأن يأتي البيوت من أبوابها. فإن خطبها فليعلم أن الذي يترتب على الخطبة أمران:
الأول: أنه لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها حتى يَدع الأول أو يُرَد؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ»([37]) .
الثاني: أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرْ إِلَيْهَا ؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»([38]).
وعليه؛ فلا يجوز له أن يخلو بها، وإذا أراد أن يحادثها فليكن ذلك بوجود محرمها، فالمخطوبة أجنبية عن الخاطب.
وكم من خطبة كان الفشل مآلها لأن الخطيبين لم يلتزما أمر الله، فدخل الخاطب على مخطوبته وخرج معها، ونال منها كلَّ شيء، فازدراها واحتقرها ثم نبذها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا»([39]).
والخاطب كما أنه لا يحب لأحد أن يمارس تصرفا مشينا مع أخته فعليه أن يكون حريصا على أعراض إخوانه؛ لئلا يسلط عليه من يريه ما يسوؤه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ»([40]).
والأفضل أن يعجل بالزواج، أو أن يعقد لهما؛ ولكن ينبغي ألا يُفضَّ خاتمٌ إلا بإعلان دخولٍ، وعلى الفتاة أن لا تمكن نفسها ممن عقد عليها ولم يُعلَن دخوله عليها؛ فإنه إذا فعل ومات أو طلَّق ساءت سمعتها، وسيء الظن بها.
هذا هو الحب الذي لا ينكر.. أما حب المراهقين، والذين يريدون منه قضاء أوقاتهم وشغل سنوات دراستهم فهذا منكر لابد من الخلاص منه؛ لئلا يفتك بصاحبه. فكم عُذِّب به أناس؟ ومرض به صحاح؟ وكم أدخل قبراً؟ وأتعس وأبأس إبآساً؟
اللهم طهر قلوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وصل وسلم وبارك على سيد الأنام، والحمد لله في البدء والختام.

محمود حربي
06-09-2013, 04:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتبعاه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون: كلمة الحب مؤلفة من حرفين، إنها في الإسلام تعني شيئاً كبيراً، إنها أصل من أصول الدين، إنها حقيقة راسخة من حقائق الإيمان.
أيها الإخوة الكرام: هذه الكلمة الكبيرة مُسِخت عند أهل الدنيا إلى ميل الذكر للأنثى، وللناحية الحسّية فيها، بينما هي في الإسلام شيء كبير، هذه الكلمة أيها الإخوة ينهج بذكرها العابدون، ويوصي بها الأطباء والمصلحون، ويسعى إلى ترسيخها الدعاة إلى الله عز وجل، العالم الإسلامي اليوم يعاني أزمة في المحبة، هذه الأزمة جعلت الإنسان لا يفهم معنى إنسانيته، يعيش لنفسه، أو يعيش الناس له، أما أن يعيش للناس أما أن يحس بما يحس الآخرون، فهذا بعيد عن معظم المسلمين.
أيها الإخوة المؤمنون: نحن كمسلمين في فقر مدقع إلى الحب ! بمعانيه السامية التي جاء بها القرآن، بمعانيه النبيلة التي وردت في أحاديث النبي العدنان، بينما الكراهية والبغضاء سمة في علاقات الناس، ولعل أسباب ذلك نرجع إلى قانون مستنبط من قوله تعالى: ﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
(سورة المائدة)
فكل تقصير في حق الله، وكل معصية لله، وكل مخالفة لمنهج الله تنعكس فيما بين الناس عداوة وبغضاء لأن المصالح تتضارب، بينما الأخوّة في الله تتنامى و تتسامى.
أيها الإخوة الكرام: لا يمكن أن تكون هذه الكلمة الكبيرة ممسوخة بميل الذكر للأنثى فحسب، إنها ميل شهوة وحاجة، ولكن الإسلام أعطى كلمة الحب مفهومات واسعة جداً، قال أحدهم مرة وهو من علماء النفس: الإنسان الذي لا يجد حاجة أن يُحِب ولا أن يُحَب ليس من بني البشر، فكأنما الطائرة إن لم تطر ليست طائرة، سمّها ما شئت ليست طائرة ما لم تطر في الأجواء، كذلك الإنسان لا يعد إنساناً إلا إذا وجد في نفسه رغبة قوية أن يُحِب، وأن يُحَب، أوسع هذه الدوائر أن تحب الله الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، وأن تحب دينه القويم وصراطه المستقيم، وأن تحب إخوانك المؤمنين الذين تلتقي معهم في عدد لا يعدّ ولا يحصى من القواسم المشتركة، أن تحب رسول الله الذي جاءك بهذا الدين القويم، أن تحب أسرتك التي خلق الله بينك وبينها المودة والرحمة، حتى أن المؤمن يحب لقاء الله، الشيء الذي يفرق منه معظم الناس ويرونه أكبر مصيبة، المؤمن يحب لقاء الله، بعض علماء الرياضيات له مقولة مشهورة هي: أنا أفكر إذاً أنا موجود، لكن علماء القلوب يقولون: أنا أحب الله إذاً أنا مؤمن، علامة إيمانك أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما.
أيها الإخوة الكرام: شئنا أم أبينا أحببنا أم كرهنا، الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وما لم يتوازن بين هذين الخطين فإن خللاً خطيراً في شخصيته، ينبغي أن يعالج عقل يدرك وقلب يحب، جسم يتحرك وروح تتسامى، وفي قلبه تعتلج عواطف كثيرة منها عاطفة الحب وعاطفة البغض وعاطفة الرغبة وعاطفة الرهبة ومنها عاطفة الرجاء وعاطفة الخوف، هذا هو الإنسان الحي، ولكن حبّه وبغضه ورغبته ورهبته ورجائه وخوفه منضبطان بالشرع يحب لله ويبغض لله، ويخاف لله ويرجو لله، وكل أعمال قلبه إن صحّ التعبير منوطة بالله عز وجل، يحب المرأة كزوجة أو أماً أو أختاً أو ابنتاً هناك حدود لا يتجاوزها.
أيها الإخوة الكرام: بل إن المؤمن تتساوق نفسه مع الكون، أليس الكون من خلق الله، هناك علاقة طيبة بينه وبين كل من حوله، إلا أن يكون عدواً لله، أو إلا أن يكون مفسداً في الأرض، يحب الشجر يحب الأطيار يحب الأسماك، كل شيء خلقه الله عز وجل، حتى الحيوانات التي أُمِرنا ب***ها ي***ها وفق منهج الحب، لا يعذبها.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)).
(سنن الترمذي)
أيها الإخوة الكرام، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي)).
(سنن الترمذي)
أهم ما في الحديث أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، الإنسان مفطور شاء أم أبى على حب النوال العطاء وحب الكمال وحب الجمال، وحين يكتشف المؤمن أن الله جل جلاله هو مصدر العطاء وأن الله منبع الكمال ومصدر الجمال، تحب الكمال والنوال والجمال وهي عند الله عز وجل لذلك:

﴿آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
(سورة البقرة)
يقول الله عز وجل:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
وحينما يكتشف الإنسان حبه لله بعد فوات الأوان أن القوة لله جميعاً، لعل القوة في العطاء أو لعلها في الكمال أو لعلها في الجمال، الشيء الذي يهواه الإنسان مخزون عند الله تعالى، لذلك المؤمن يحب الله، ويحب في الله، ولا يحب مع الله أحداً.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ.... فَقَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صِيَامٍ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحَهُمْ بِذَلِكَ))
(مسند الإمام أحمد)
فأن تحب رسول الله وان تحب الصحابة الكرام وأن تحب أولياء الله، وان تحب المؤمنين وأن تحب المساجد وان تحب القرآن وأن تحب كل ما يتّصل بالواحد الديّان هذا حب في الله، أما الحب مع الله أن تحب أعداء الله، أن تحب لمصالح ومآرب ولأهواء، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، بل إن مما يلفت النظر أن المؤمن يحب كل ما حوله النبي عليه الصلاة والسلام في معركة مؤلمة جداً لم يكتب للمسلمين فيها النصر، لكنه رأى جبل أُحد فقال عليه الصلاة والسلام:
((أحد جبل يُحبنا ونحبه ))
(الجامع الصغير الإصدار لجلال الدين السيوطي)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

(مسند الإمام أحمد)
أرأيت إلى هذه الشفافية ؟
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ ))
(صحيح مسلم)
((كان النبي عليه الصلاة والسلام قد دخل إلى بستان أحد الأنصار فرأى ناقة، وقد ذرفت دموعها فمسح ذفريها وقال: من صاحب هذه الناقة ؟ فجاؤوا بأنصاري من فتيان الأنصار قال أنا صاحبها يا رسول الله قال: ألا تتقي الله في هذا الجمل الذي سخره الله لك ؟ فإنه شكا إلي أنك توجعه وتدئبه ))
المؤمن يحب كل شيء، يحب مخلوقات الله، يحب النبات، يحب البيئة لا يلوثها، هو منسجم مع خلق الله عز وجل، هؤلاء الشاردون عن الله عز وجل يقولون: قهرنا الطبيعة غزونا الفضاء عبارات نابية وعبارات قاسية وعبارات تدل على همجية، الله جل جلاله قال:

﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
(سورة لقمان)
ففرق بين التسخير والتبذير، وبين قهر الطبيعة وبين غزو الفضاء.
أيها الإخوة الكرام: النبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن تمني الموت فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي))
(صحيح البخاري)
بل إن بعض أحد الصحابة الكرام كان في أسعد لحظات حياته حينما غادر الدنيا.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
((لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ قَالَتْ فَاطِمَةُ وَا كَرْبَ أَبَتَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
(سنن ابن ماجة)
أيها الإخوة الكرام: الحب اصل من أصول الدين، وسمة بارزة من سمات المؤمن، لأن هذا الكون بُني على المحبوبية، لو أن الله أراد أن نطيعه فقط لأجبرنا على طاعته، لكنه أراد قلوبنا أراد محبتنا، أراد مبادرتنا وسعينا إلى مرضاته، فلذلك هناك آيات كثيرة:

﴿لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
(سورة الرعد)
لو شاء أن نطيعه طاعة مجردة من المحبة لأجبرنا على طاعته، ولكنه شاء أن نطيعه عن حب وأن نطيعه عن اختيار، وأن نطيعه عن مبادرة.
ثم إن الموت الذي يخافه الناس جميعاً ويفرقون بذكر اسمه ويفرقون بمقدماته ولأي مرض ينقلهم إلى الدار الآخرة هؤلاء الناس يفهمون الموت على أنه عَدَم ! مع أن الموت رحلة، الموت انتقال، النفس البشرية لا تموت ولكنها تذوق الموت.

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
(سورة العنكبوت)
فأن تذوق الموت شيء وأن يذوق الإنسان الموت شيء آخر، الموت في وهم الناس عدم.

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)﴾
(سورة آل عمران)
في أعلى درجات الحياة، بل إن المؤمن ليعذب ببكاء أهله عليه، حينما يرى أهله يلدمون صدورهم ويصرخون ويبكون يتألم لألمهم لأنه في جنات النعيم، بل إن المؤمن حينما يحضر أجله يرى مقامه في الجنة ! فيعرق خجلاً من الله عز وجل، ويصيح صيحة لم أرَ شراً قط، كل ما تحمله في الدنيا من متاعب وابتلاءات وامتحانات يراها ثمناً لهذا النعيم المقيم.

(( غَدًا نَلْقَى الأَحِبَّهْ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ ))
(مسند الإمام أحمد))
أيها الإخوة الكرام: لو قرأتم تاريخ الصحابة أجمعين لوجدتم في سيرهم قاسماً مشتركاً واحداً ألا وهو أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم حين لقاء ربهم ! إنسان في النزع الأخير في ساحة المعركة، تفقده النبي فأرسل من يتفقده، فرآه بين الموتى قال له سيدنا سعد بن الربيع: يا فلان أنت بين الأحياء أم مع الأموات ؟ قال هل: أنا مع الأموات، كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن أبلغ رسول الله مني السلام، قل له: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وقل لصحابه لا عذر لكم إذا خُلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
هو يغادر الدنيا، لو نظرت إلى من يغادر الدنيا من البشر المتفلتين لرأيت شيء لا يوصف، صراخ وعويل وضرب وندم واصفرار وإغماء، إذا اقتربت الطائرة من أن تقع انظر ! بينما المؤمن لأنه عمل عملاً يرضي الله عز وجل، فهو في عرس، الموت عرس المؤمن وتحفته.
أيها الإخوة الكرام: قلب المؤمن يعتلج فيه الحب أحد سماته البارزة أنه يحب الله محبة تدفعه إلى طاعته.

﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
(سورة آل عمران)
تعصي الإله و أنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كـان حبك صـادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيـع
أيها الإخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96) ﴾
(سورة مريم)
قال بعض علماء التفسير: ودّا مع الله، وقال بعض آخر ودّاً فيما بينهم،

﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾
(سورة الأنفال)
هذا الودّ بين المؤمنين من خلق الله عز وجل، من خلق الله وينبغي أن يكون، وإن لم يكن فنحن في خطر عظيم

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
(سورة الحشر)
هذا الذي يكيد لإخوته المؤمنين، هذا الذي يرتاح لفاحشة ظهرت بينهم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾
(سورة النور)
يحب سقوط المؤمن وانهياره وإخفاقه، هو ليس مؤمناً هو في صف المنافقين لقوله تعالى:

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
(سورة التوبة)
لكن علامة الإيمان أن يمتلئ قلبك فرحاً لخير أصاب أخيك، من خيري الدنيا والآخرة، هذه علامة إيمانك، ولك أن تمتحن إيمانك من حين إلى آخر، هل تفرح إن أصاب أخيك خير مشروع في الدنيا أو الآخرة ؟ أم تتألم ؟ وتتمنى زوال هذا الخير عنه ؟ وتمنى أن يسقط ؟
أيها الإخوة الكرام: الحب في الله يعني أن تحب إنساناً من دون منفعة ولا شهوة ولا قرابة ولا خدمة أداها لك، تحبه لله، لذلك ورد في بعض الأحاديث في صحيح مسلم:
((أن رجلاً أراد أن يزور رجلاً، فأرسل له الله على مدرجته ملكاً في الطريق في صورة رجل وسأله: أين تذهب ؟ فقال أريد أن أزور أخي فلان،
قال: ألقرابة بينك وبينه ؟ قال: لا، قال: أفبنعمة له عندك ؟ قال: لا قال: فما الذي ؟ قال: أحبه لله، قال: أبشر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه))
هذا هو الحب في الله، أن تحب إنساناً من دون منفعة ولا مصلحة ولا قرابة ولا نسب، من هنا ورد في بعض الأحاديث القدسية، حدثني معاذ فقال عبادة رحمه الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تبارك وتعالى إنه قال:
((حقت محبتي على المتحابين في يعني نفسه، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي على المتزاورين في، وحقت محبتي على المتباذلين في، على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون))


(مجمع الزوائد الإصدار للحافظ الهيثمي)
يجب أن يعود الحب بين المؤمنين يجب ان تضع تحت قدمك كل قضية تبعد أخاك عنك، تسيء العلاقة مع أخيك، أكبر رأس مال للمؤمنين اليوم الحب بينهم، التعاون التكاتف التضامن لأن قضيتنا اليوم قضية مصيرية، نكون أو لا نكون، الطرف الآخر يتمنى دمارنا وإفقارنا، ويتمنى أن نكون جاهلين وأن يكون بيننا عداوة وبغضاء، يعيش على هذه العداوة والبغضاء (فرق تَسود) ما من ردّ إسلامي حار مخلص إلا أن نتعاون.

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
(سورة المائدة)
كم من طاقات هُدِرت ؟ كم من ثروات تبدلت ؟ كم من أموال أنفقت من أجل العداوة والبغضاء ؟ ولعل مشكلة البشرية اليوم العداوة والبغضاء، وكلها بسبب البعد عن الله، كلما ابتعدت عن الله امتلأ القلب حسداً وحقداً وبغضاً وإساءة، وكلما اقتربت من الله امتلأ رحمة وتواضعاً وحباً للخلق.
إنسان يبالِغ في الإساءة إليك لم يدّخر نوعاً من الإساءة إلا وفعلها فلما فتحت مكة قال: أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وحينما ذهب إلى الطائف وبالغ أهلها في الإساءة إليه قال:
((... نَادَانِي جِبريل فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
(صحيح البخاري)
هذا هو النبي الكريم،

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ﴾
(سورة التوبة)
أيها الإخوة الكرام يقول الله عز وجل:

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
دققوا: هناك حب في الدنيا مصالح وشهوات، والحقيقة هذا الحب هو حب للذات، لأن حبك لذاتك يدفعك أن تحب امرأة تمتعك، لأن حبك لذاتك يدفعك لأنه تحب رجلاً يعطيك، هذا الحب المبني على مصالح هو حب للذات في الحقيقة، كل أنواع هذا الحب يوم القيامة ينقلب إلى عداوة، قال تعالى:

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
لأنك أحببت أخاك في الله، هذا الحب يبدأ في الدنيا ويستمر إلى أبد الآبدين

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
لو أن إنساناً أحب زوجته، ولأنه يحب زوجته عصى ربه فأكل المال الحرام إرضاءً لها، فتنقلب هذه المحبة يوم القيامة غلى عداوة منكرة، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾
(سورة التغابن)
فإذا حملتك محبتك لزوجتك أو محبتك لابنك أن تعصي الله فهذه المحبة في الدنيا تنقلب عداوة في الآخرة، هذه البنت التي أرضت أباها في الدنيا فخرجت كما تريد، أو أرضاها أبوها في الدنيا وسمح لها بالقيام بما تشاء تقف يوم القيامة وتقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ! كل أنواع المودة في الدنيا المبنية على مصالح والأهواء وشهوات تنقلب عداوة في الآخرة:

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
آية ثانية:

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً (29) ﴾
(سورة الفرقان)
هذه المودة في الدنيا انقلبت إلى عداوة.
أيها الإخوة الكرام: دققوا في هذا الحديث المروي عن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ انْعَتْهُمْ لَنَا يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُؤَالِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُورًا وَثِيَابَهُمْ نُورًا يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ))
(مسند الإمام أحمد)
عجيب ليسوا بأنبياء ولا شهداء ! نحن في فقر مدقع إلى حب ومودة بيننا إلى تعاون وإيثار وتضامن. سأل النبي في تبوك عن إحدى أصحابه فقال بعضهم: شغله بستانه يا رسول الله، فقام صحابي جليل وقال: لا والله يا رسول الله، إن أناساً تخلفوا عنك ما نحن بأشد حب لك منهم ! ولو علموا أنك تلقى عدوا ما تخلفوا عنك، ما علمنا عليه إلا خيراً.
هكذا كان أصحاب النبي، ينبغي أن تدافع عن أخيك وتحبه، وتعاونه على الخير.
أيها الإخوة الكرام، من أدعية القرآن الكريم:

﴿/رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
(سورة الحشر)
فكيف بقلب يمتلئ عداوة وحقداً على مؤمن ؟

﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام فيما أعلمه الله عن آخر الزمان يقول:
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ...))
(مسند الإمام أحمد)
هؤلاء الأمم الشاردة كل حياتها حروب واستنزاف، كل حياتها كيد وتآمر، هؤلاء هم الشاردون عن الله، ولكن المؤمنين قوم متميزون يقول عليه الصلاة والسلام:
((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ ما هو داء الأمم ؟ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ...))
من منا يصدق وينبغي أن يصدق ؟ أن هذه البغضاء التي بين المؤمنين تحلق دينهم جميعاً، لا تبغض الأصح ينبغي أن تعامل أخاك معاملة تنتهي بمحبته لك، ينبغي أن تتقصى أسباب الودّ بينك وبين أخيك، يجب أن تهنئه إذا أصابه خير، وأن تواسيه وأن تعزيّه وأن تقرضه وتزوره، ينبغي أن تتفقد أحواله، هكذا ما من عمل يقرب المؤمنين بعضهم من بعضاً إلا وقد أمر النبي به، وما من عمل يضعضع الثقة بين المؤمنين إلا ونهى النبي عنه، فحرم الغيبة والنميمة، وحرم الإفك والبهتان، وحرم المحاكاة وحرم أن تسلم أخاك إلى أعدائه، وحرم أشياء كثيرة لو طبقها المسلمون لكانوا في حال غير هذا الحال، مظاهر الدين صارخة، ولكن حقيقة الدين ضعيفة، مظاهر الدين مساجد فخمة جداً، في المغرب مسجد بلغت كلفته ألف مليون دولار ! مساجد فخمة جامعات كتب أشرطة محاضرات مؤتمرات كله صارف ولكن الحب الذي كان بين الصحابة جميعا هذا ضعيف جداً، وكلما نما هذا الحب بين المؤمنين كانوا كتلة واحدة، وكانوا صفاً واحداً مرصوصاً.
أيها الإخوة الكرام: بشكل ملخص علاقتك مع أخوك المؤمن تضبطها ثلاثة مستويات: مستوى الإيثار وهو أعلى أنواع الحب، تجوع ليشبع، وتعرى ليكتسي، وتضع نفسك في الظل ليقوى، تعينه وتنجده وتدافع عنه وترفع قدره.

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
(سورة الحشر)
المستوى الثاني: أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وأن تبغض له ما تبغض لنفسك، والمستوى الضعيف الحد الأدنى مع العلاقة مع أخيك أن تكون سليم الصدر تجاهه، أن يكون قلبك خالياً من الحقد والحسد والبغضاء فإذا كان هناك أعمال تؤدي إلى قطع العلاقة فما بالكم ؟ أين مكانها هذه ؟ الحد الأدنى أن تكون سليم الصدر تجاه إخوانك فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ))
(سنن أبي داود)
سلامة الصدر هي الحد الأدنى، وأن تحب له ما تحب لنفسك، وأن تبغض له ما تبغض لنفسك، الحد الوسط، لكنك إذا كنت مؤمناً حقاً ومخلصاً وتحب الله ورسوله تؤثره على نفسه ولو كان بك خصاصة !
أيها الإخوة الكرام، لو لم تكن هذه المحبة ما الذي يحل محلها ؟ لو أن ابناً أحب أمه حباً جماً أعطاها كل ما يملك، لكن متى نقيم العدل ؟ إذا فقدت المحبة ! ماذا يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
(سورة النحل)
فالقضية مع أخيك إن لم يسعها العدل وسعها الإحسان، ويأمرك بالإحسان أمره لك بالعدل، سيدنا عمر كان حين يرى قاتل أخيه ضرار ابن الخطاب يقول له: أنا لا أحبك ! ولا أحب أن أرى وجهك، فكلما رأيتك تذكرت ***ك لأخي، فقال له: يا أمير المؤمنين: أو يمنعني هذا البغض من أن تعطيني حقي ؟ قال: لا والله، أعطيك حقك، قال: إنما يأسف على الحب النساء.
أيها الإخوة الكرام: إن لم يكن بينك وبين أخيك حب ينبغي أن يكون العدل بينك وبين أخيك، قالوا: زوّج ابنتك لمؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها.
أيها الإخوة: الحقد والحسد والبغضاء هذه تسبب موتاً مرضاً آفة، تسبب مرضاً عضالاً وإليكم الدليل:

﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾
(سورة آل عمران)
هذه عبّر عنها الأطباء بالشدة النفسية ! ما أكثر هذا المرض لأنه ينمي في غياب الإيمان، حتى في علاقتك مع زوجتك قال تعالى:

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) ﴾
(سورة النساء)
لعل الخير كله يتأتّى من هذه الزوجة التي لا تحبها ! والمعاشرة بالمعروف ليس أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))
(مسند الإمام أحمد)
ينبغي أن يأخذ الرجل زوجته بمجموعها لا بالتفاصيل، بالتفاصيل يوجد أشياء مزعجة، أما بالمجموع فهناك علامات، حصّلت سبعين إذاً هي ناجحة، أما على التفاصيل قد لا يعجبك خلقاً من خلقها، خذها جملة لا تفصيلاً.
أيها الإخوة الكرام: هذا هو الحب، لكن أهل الدنيا الرومان مسخوه إلى علاقة حسّية بين ذكر وأنثى، وجعلوا لهذه العلاقة عيداً.
يا أيها الإخوة الكرام: الحب أحد أُسس الإسلام، وأحد سمات المؤمن العميقة.

﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
(سورة الروم)
المؤمن يحب زوجته ويحب أمه ويحب أخته ويحب ابنته ويحب محارمه، أما هذه العلاقة بين أي ذكر، وأي أنثى هذه علاقة محرّمة وهذا حب محرم !
أيها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ، وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواننا الكرام معظم المسلمين يمتع عينيه من محارم النساء ويغطي هذا بقول النبي الكريم:
((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال))
الحديث أيها الإخوة ورد في الصحاح بهذا السياق: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ))
(صحيح مسلم)
فإن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب، المسؤول عنه في نفس الحديث، ويدخل عنه العموم الجمال في كل شيء، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))
(صحيح مسلم)
وفي سنن الترمذي:
(( بَاب مَا جَاءَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ))
(سنن الترمذي)
عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
((رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ أَطْمَارٌ فَقَالَ هَلْ لَكَ مَالٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مِنْ أَيِّ الْمَالِ قُلْتُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ قَالَ فَلْتُرَ نِعَمُ اللَّهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ...))
(مسند الإمام أحمد)
فهو سبحانه وتعالى حينما أخبرنا النبي الكريم أن الله جميل يحب الجمال، يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه الله عز وجل، وهذا من شكره على نعمه وهو جمال باطن، فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة.
أيها الإخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾
(سورة الأعراف)
ذكر الله جل جلاله في هذه الآية الجمال الباطن وهو التقوى، والجمال الظاهر وهو لباساً وريشاً، وقال تعالى:

﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾
(سورة الإنسان)
فجمّل وجوههم بالنضرة، وبواطنهم بالسرور، وأبدانهم بالحرير ‍! القول الجميل جيد جداً، وجمال الأفعال واللباس والهيئة، وإن الله يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئات.
أيها الإخوة الكرام: هذه حقيقة أن الله جميل يحب الجمال، استخدم الكلمة اللطيفة، والبس الثوب النظيف، ليس الغالي بل النظيف.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَنَا إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ))
(مسند الإمام أحمد عن أبي الدرداء)
نظّف بيتك، اجعل في بيتك مسحة جمال، هذا من معاني الحديث، ما فهمه المسلمون أن يمتع عينيه بما هو حرام ويقول: بأن الله جميل يحب الجمال.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين، يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين