مشاهدة النسخة كاملة : خطر الكلمة


مواطن بسيط
13-09-2013, 07:46 AM
خطر الكلمة


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبدالله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، وبعد:
فالكلمة، ما الكلمة؟ بها رفع الله أقوامًا، وحط بها آخرين، بها عُدِّلَ من عُدلَ، وبها جُرحَ مَنْ جُرح، فلها ثقلها في الإسلام، ولها خَطْب جسيم؛ فبالكلمةِ يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرَّق بين الحلال والحرام، وبها تنفَّذ الأحكام، وبها تُستحَلُّ الفروج، وبها تحرم، وبها يجلد القاذف، وبها ينطق الشاهد، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنْهى عن المنكر، وبها يقرأ القرآن، ويسبَّحُ الرحمن، وبها يجرح اللئيم، ويعدل الكريم، وبها تثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وبها تشتعل الحروب، وبها تتوقف، وبها يتم البيع وينفسخ.

وقال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 24 - 27].

لذلك قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري بسنده من حديث سهل بن سعدٍ: ((مَن يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رِجْليه أضمَنْ له الجنة))[1] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn1)، وبسنده أيضًا عن عبدالله بن عمرو رفَعه: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويده))[2] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn2)، وبسنده أيضًا إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمت))؛ الحديث ([3] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn3))، وبسنده أيضًا إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: ((إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم))[4] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn4).

وفي الترمذي أيضًا من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، حدِّثْني بأمرٍ أعتصم به، قال: ((قل: ربيَ اللهُ، ثم استقم))، قلت: يا رسول الله، ما أخوفُ ما تخاف عليَّ؟ فأخَذ بلسان نفسه، ثم قال: ((هذا))، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ[5] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn5)، وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الثواب، والبيهقي في الشُّعب من حديث أبي جحيفة رفعه: ((أحب الأعمال إلى الله حفظُ اللسان))[6] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn6)، ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث البراء: ((وكُفَّ لسانَك إلا من خيرٍ))، وعن عقبةَ بن عامرٍ قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسِكْ عليك لسانَك))؛ الحديث أخرجه الترمذي وحسنه[7] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn7)، وفي حديث معاذٍ مرفوعًا: ((ألا أخبرك بمِلاكِ الأمر كلِّه، كُفَّ هذا، وأشار إلى لسانِه، قلت: يا رسول الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟! قال: ((وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتِهم))؛ أخرجه أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم من طريق أبي وائلٍ عن معاذٍ مطولًا، وأخرجه أحمد أيضًا من وجهٍ آخر عن معاذٍ، وزاد الطبراني في روايةٍ مختصرةٍ: ((ثم إنك لن تزال سالِمًا ما سكَتَّ، فإذا تكلمتَ كُتِب عليك أو لك))، وفي حديث أبي ذر مرفوعًا: ((عليك بطولِ الصَّمت؛ فإنه مَطردةٌ للشيطان))؛ أخرجه أحمد، والطبراني، وابن حبان، والحاكم وصححاه، وعن ابن عمر رفعه: ((مَن صمَت نجا))؛ أخرجه الترمذي، ورواته ثقاتٌ، وعن أبي هريرة رفعه: ((مِن حُسن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يَعنيه))؛ أخرجه الترمذي وحسنه[8] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn8).

وفي الأثر عن عمرَ وأبي الدرداء - رضي الله عنهما -: قال: "والله لولا أن أجالسَ إخوة لي ينتَقُون أطايبَ القول كما يلتقط أطايب الثمر، لأحبَبْتُ أن ألحق بالله الآن))، وفي الأثر: "الصمت حكمة، وقليلٌ فاعله"؛ قال العراقي: أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، والبيهقي في الشعب من حديث أنس بلفظ: ((حكم)) بدل ((حكمة))، وقال غلِط فيه عثمانُ بن سعد، والصحيح رواية ثابت، قال: والصحيح عن أنس أن لقمان قال، ورواه كذلك هو وابن حبان في كتاب روضة العقلاء بسند صحيح إلى أنس[9] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn9).

وفي الأثر عن أنس: "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانُه، ولا يدخُل الجنة رجُلٌ لا يأمن جارُه بوائقه"، قال العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، والخرائطيُّ في مكارم الأخلاق بسند فيه ضعف[10] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn10).

وفي الأثر عن أنس: "من سرَّه أن يسلَمَ فليلزمِ الصَّمتَ" قال العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، وأبو الشيخ في فضائل الأعمال، والبيهقي في الشُّعب من حديث أنس بإسناد ضعيف[11] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn11).

وفي الأثر عن أبي سعيد الخدري: "إذا أصبَح ابن آدم أصبحت الأعضاءُ كلُّها تذكِّر اللسان؛ أي تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنك إن استقَمْتَ استقمنا، وإن اعوجَجْتَ اعوججنا"، قال العراقي: أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رفعه، ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير مرفوعًا، وإنما هو عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد رفعه، ورواه الترمذي موقوفًا على عمار بن زيد، وقال: هذا أصح[12] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn12).

وفي الأثر: أن عمر اطَّلع على أبي بكر وهو يمد لسانه بيده، فقال: ما تصنَعُ يا خليفة رسول الله؟ قال: إنَّ هذا أوردني الموارد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله - عز وجل - اللسان على حدته))، قال العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، وأبو يعلى في مسنده، والدارقطني في العلل، والبيهقي في الشعب من رواية أسلم مولى عمر، وقال الدارقطني: إن المرفوع وهم على الدراورديِّ، قال: ورُوي هذا الحديثُ عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر، ولا علة له[13] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn13).

وفي الأثر عن ابن عمر: "من كف لسانه ستَر الله عورته، ومن ملَك غضبه وقاه الله عذابه، ومن اعتذر إلى الله قبِل الله عُذرَه"، قال العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت بسند حسن[14] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn14).

ومما دفعني إلى أن أخط بيميني هذه الكلمات حوار دار بيني وبين أحد أصدقائي منذ عدة سنوات، وكان الحوار كالتالي:
قال لي صاحبي - وكان مهمومًا -: إنه سيذهب اليوم بعد العشاء مع أخته وزوج أخته عند المأذون لكي ينفصلا عن بعضهم البعض، وكنتُ لا أعلم أن بين أخته وبين زوجها شيئًا.

فقلتُ لصديقي: ممكن تخبرني عن السبب الذي من أجلِه سيحدث الطلاق؟

فقال: إن هناك بعض المشاكل بين أخته وعائلة زوجها، وقد اتسع الأمرُ حتى وصلا إلى ما هم عليه الآن، وكان بالنسبة لي كل ما حكاه أمر لا يستدعي أبدًا ما وصلوا إليه.

فقلت له: ممكن أسألك سؤالاً؟
قال: تفضل.

قلت: ماذا ستصنَع أختك بعد انفصالها عن زوجها - وكانت في العشرينيات من عمرها؟ أي هل ستتزوج مرة أخرى أم لا؟
قال: بالطبع ستتزوج.

قلت له: تمام، كم عدد أولاد أختك؟
قال: اثنان.

قلتُ: من تتوقَّع أن يُقبل على الزواج من امرأة عندها ولدان؟
قال: أنا أفعل.

قلت: تمام، هل تظن أن يوافقَ أهلك على ذلك؟
قال: لا.

قلت: ومعهم حق، وهكذا حثَّنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على نكاح الأبكار.

قلت له: حسنًا! نفترض أنها ستتزوج من شاب مثلها؟ كيف تفترض أنه سيعامل أولادها؟ هل سيعاملهم مثل والدهم سواء ماديًّا أو معنويًّا؟ وهل سيوافق والدهم على أن يتربى أولاده بعيدًا عنه؟

سكت صاحبي!

ثم قلت له: والأصل أنها لن تتزوج بشاب، بل لن يكون أمامها إلا بعض الأمور التي لا تخفى عليك:
1 - أن تكون زوجة ثانية، (وأنت تعلم ما يكون في هذا الزواج الثاني من كثرة المشاكل)، خاصة في وقتنا هذا.

2 - أن تكون زوجة لرجل أرمل تربي أولاده.

3 - أن تكون زوجة لرجل آخر مطلق، ومعه أولاد.

4 - أن تكون زوجة لرجل كبير في السن، وغير ذلك.

فقلت له: بالله خبِّرني! من في هؤلاء خير من زوج أختك بالنسبة لها؟
ثم أتبعت قولي وقلت له: رأيي أنا - وهي شهادة أحاسب عليها - أن هذه الأمور التي حدثتني عنها بين أختك وزوجها أمور هيّنة جدًّا، يكاد لا يخلو منها بيت.

فسكت، ثم انتقلنا إلى حديث آخر.

ثم بعد مدة ليست بالقصيرة قابلني صديقي، وقال لي: تذكر يوم تكلمنا عن مشكلة أختي، وتكلمت معك بخصوص هذا الأمر؟

قلت له: نعم، أذكر.
قال لي: تفكَّرت فيما قلتَه لي، فعندما ذهبت إلى البيت، اتصلت بزوج أختي وقلت له: انتظرني في بيتك، فقال له: حسنًا، ثم قال لأخته: ارتدي ثيابك، أنتِ وأولادك، سأرجعك إلى زوجك - الغريب في الأمر أن أختَه لم تتردَّدْ في الأمر، بل لبِست، وألبست أولادها في لمح البرق، وكانت تبدو عليها السعادة - فنظَر إليه أبوه باستغراب، ولم يعقبْ على فعله، إلا بقوله: أنت ترى ذلك؟ قال له: نعم، ثم أخَذ أختَه وذهب بها إلى زوجها، والذي يظهر أن زوج أخته رجلٌ يقدر أفعال الرجال، ثم تجاذبا أطراف الحديث، ثم ترك أخته لزوجها وانصرف، واستمرت الحياة، بل وأصبحا في سعادة أكثر مما كانا عليه، ورُزقا بطفل آخر.

فقال لي صاحبي: إنه كان مدعوًّا مع زوج أخته والعائلة، فقال: الحمد لله، لولاك يا فلان (وسمى صاحبي)، ما كنت الآن في هذه النعمة مع زوجتي، فقال صاحبي: لا تشكرني أنا، بل الحمد لله أن وفَّق لي أحد أصدقائي (وسماني له) ما كنت لأفعل ما فعلت، لولا نصيحته لي، فالحمد لله أولاً وآخرًا.

يعلم الله، وأنا أنصح صديقي، ما كنت أظن أن كلامي سيكون سببًا في هذه النعمة، وأكون سببًا في إغاظة الشيطان؛ كما ثبت عند الإمام أحمد بسند قوي على شرط مسلم من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبليس يضَعُ عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ويجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرَّقْتُ بينه وبين أهله، قال: فيُدنِيه منه - أو قال: فيلتزمه - ويقول: نعم أنت أنت))[15] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftn15).

[1] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref1) البخاري (6474).

[2] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref2) البخاري (10).

[3] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref3) البخاري (6018).

[4] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref4) البخاري (6477).

[5] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref5) الترمذي (2410/ بشار).

[6] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref6) فتح الباري لابن حجر (11/ 309/ ط المعرفة).

[7] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref7) الترمذي (2406/ بشار).

[8] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref8) فتح الباري لابن حجر (11/ 309/ ط المعرفة).

[9] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref9) المغني عن حمل الأسفار (1/ 996/ ط ابن حزم).

[10] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref10) المغني عن حمل الأسفار (1/ 997/ ط ابن حزم).

[11] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref11) المغني عن حمل الأسفار (1/ 997/ ط ابن حزم).

[12] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref12) المغني عن حمل الأسفار (1/ 997/ ط ابن حزم).

[13] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref13) المغني عن حمل الأسفار (1/ 997/ ط ابن حزم).

[14] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref14) المغني عن حمل الأسفار (1/ 998/ ط ابن حزم).

[15] (http://www.alukah.net/Sharia/1/59869/#_ftnref15) أحمد في المسند (22/ 274 رقم 14377 ط الرسالة).





عبدالحميد الأزهري (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/4749/)

مستر محمد سلام
15-09-2013, 12:16 AM
[.جزاااااااااك الله خيرااااااااااا ايها المواطن)
https://fbcdn-sphotos-g-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash3/578724_326663704089309_435508605_n.jpg