مشاهدة النسخة كاملة : قصه حياه الرئيس جمال عبد الناصر


محمد حامد الغنام
17-07-2008, 07:58 PM
جمال عبد الناصر


كان للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر دور جوهري في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تزعم حركة القومية العربية التي هدفت إلى الوحدة العربية وهزيمة إسرائيل، وخاض الحروب التي اندلعت بين العرب وإسرائيل في أعوام 1948 و1956 و1967 وحرب الاستنزاف 1968-1970.

الميلاد والنشأة
ولد جمال عبد الناصر في حي باكوس بالإسكندرية عام 1918 لأسرة تنتمي إلى قرية بني مرة بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، وكان والده يعمل في مصلحة البريد.

التعليم
انتقل جمال عبد الناصر في مرحلة التعليم الأولية بين العديد من المدارس الابتدائية حيث كان والده دائم التنقل بحكم وظيفته في مصلحة البريد، فأنهى دراسته الابتدائية في قرية الخطاطبة إحدى قرى دلتا مصر، ثم سافر إلى القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية

نضج جمال عبد الناصر مبكراً، ففي المدرسة الثانوية كانت القيادة في دمه والزعامة في طبيعته وكان واضحاً أن القدر يهيئه لدور ما، كان يؤمن بأنه يستطيع أن يعمل شيئاً، ولعل هذا المعنى هو الذي دفعه إلى آفاق الأحزاب والهيئات ليدرس لأي مدى تستطيع هذه الأحزاب أداء الواجب الوطني المقدس، كان يؤمن بنفسه وبمصر ويقرأ بنهم عجيب وكان محباً لتاريخ الأبطال والزعماء ومن محرري البلاد وكان مهتماً بأبطال الإسلام وشخصيات التاريخ

وفي التاسعة عشرة من عمره حاول الالتحاق بالكلية الحربية لكن محاولته باءت بالفشل، فاختار دراسة القانون في كلية الحقوق بجامعة فؤاد (القاهرة حاليا). وحينما أعلنت الكلية الحربية عن قبولها دفعة استثنائية تقدم بأوراقه ونجح هذه المرة، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان عام 1938

عندما انتقل إلى القاهرة وجد نفسه داخل حركة عامة تنطق بالاحتجاج والتذمر من واقع الحال الذي وصل إليه الإنسان المصري، وفي إحدى المرات شارك في مسيرة ضد الإنجليز واعتقل مع مجموعة من رفاقه وكانت هذه التجربة المرة الثانية في حياته بعد وفاة والده، كان كثير القراءة والتي لم تقتصر على الأدباء والمفكرين المصريين بل تعدتها إلى المفكرين الفرنسيين وحياة كثير من الشخصيات السياسية التي أثرت في مجرى التاريخ، تأثر بمصطفى كامل وسعد زغلول كما غذته قصائد أحمد شوقي، كان لديه شغف عارم بالحياة ومفاهيم الشرف والعزة والكرامة والحرية، الأمر الذي أدى به إلى الاقتناع بضرورة العمل من أجل التغيير وبلورة هذا الشغف إلى ممارسة يستمد من ثورة الشعب المصري مقومات مصداقيتها، استطاع جمال عبد الناصر أن يحصل من ملابسات هذه المرحلة قاعدة استقطاب داخل صفوف الضباط والجنود عندما انضم إليهم بعد تخرجه من الكلية الحربية، وبجهده لم ينته عام 1951م حتى كانت نواة الضباط الأحرار قد تشكلت، وأصبح الضباط الأحرار يشكلون خلايا سرية على رأس كل واحدة منها ضابط في القوات المسلحه

وقد سارع جمال عبد الناصر بعد حوادث القناة وحريق القاهرة في يناير 1952م إلى وضع منهج عمل تتركز في ست نقاط هي:-

1- تصفية الاستعمار وعملائه.

2- تصفية الإقطاع الذي يملك أراضي واسعة جداً ووضع حد لتحكم الإقطاعيين في فلاحيهم.

3- وضع حد لسيطرة رأس المال على الحكم.

4- تحقيق العدالة الاجتماعية.

5- إنشاء جيش وطني قوي.

6- إنشاء نظام ديمقراطي سليم

الحالة الاجتماعية
تزوج جمال عبد الناصر في سن مبكرة وأنجب أربعة من الأولاد.

التوجهات الفكرية
آمن عبد الناصر بالفكر الاشتراكي خاصة في المجال الاقتصادي، فاتخذ عدة قرارات غيرت من وجهة الحياة الاجتماعية في مصر، كان أهمها قرارات التأميم وإعادة توزيع الملكية الزراعية بين صغار الملاك. وفي المجال السياسي سيطر الفكر الشمولي على تسيير دفة الحكم، ولم يلتفت إلى المسألة الديمقراطية، فكان الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الأوحد، ومنع قيام أحزاب للمعارضة، وظهرت مراكز للقوى، وارتكبت العديد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وعلى الصعيد العربي روج عبد الناصر لفكرة القومية العربية، ودعا إلى قيام الوحدة العربية، وحاول تطبيق ذلك مع سوريا لكن محاولته باءت بالفشل. واهتم بدعم حركات التحرر الوطني خاصة في الجزائر واليمن.

حياته العسكرية والسياسية
عمل جمال عبد الناصر في منقباد بصعيد مصر فور تخرجه، ثم انتقل عام 1939 إلى السودان ورقي إلى رتبة ملازم أول، بعدها عمل في منطقة العلمين بالصحراء الغربية ورقي إلى رتبة يوزباشي (نقيب) في سبتمبر/ أيلول 1942 وتولى قيادة أركان إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك. وفي العام التالي انتدب للتدريس في الكلية الحربية وظل بها ثلاث سنوات إلى أن التحق بكلية أركان حرب وتخرج فيها يوم 12 مايو/ أيار 1948، وتولى تدريس مادة شؤون إدارية ورقي إلى رتبة صاغ ثم بكباشي (مقدم)، وظل بكلية أركان حرب إلى أن قام مع مجموعة من الضباط الأحرار بالثورة يوم 23 يوليو/ تموز 1952.

حرب 1948
شارك عبد الناصر في حرب 1948 خاصة في أسدود ونجبا والفالوجا، وربما تكون الهزيمة العربية وقيام دولة إسرائيل قد دفعت بعبد الناصر وزملائه الضباط للقيام بثورة 23 يوليو/ تموز 1952.

الضباط الأحرار
كان لعبد الناصر دور مهم في تشكيل وقيادة مجموعة سرية في الجيش المصري أطلقت على نفسها اسم الضباط الأحرار، حيث اجتمعت الخلية الأولى في منزله بكوبري القبة في يوليو/ تموز 1949 وضم الاجتماع ضباطا من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وانتخب عام 1950 رئيسا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار. وحينما توسع تنظيم الضباط الأحرار انتخبت قيادة للتنظيم وانتخب عبد الناصر رئيسا لتلك اللجنة، وانضم إليها اللواء محمد نجيب الذي أصبح في ما بعد أول رئيس جمهورية في مصر بعد نجاح الثورة.

ثورة 23 يوليو/ تموز 1952
نجح تنظيم الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو/ تموز 1952 في القيام بانقلاب عسكري أطلق عليه في البداية حركة الجيش، ثم اشتهرت بعد ذلك باسم "ثورة 23 يوليو". وأسفرت تلك الحركة عن طرد الملك فاروق وإنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية. وبعد أن استقرت أوضاع الثورة أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار وأصبحت تعرف باسم مجلس قيادة الثورة وكان يتكون من 11 عضوا برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب.






رئيسا للجمهورية
سرعان ما دب الخلاف بين عبد الناصر ومحمد نجيب مما أسفر في النهاية عن إعفاء مجلس قيادة الثورة محمد نجيب من جميع مناصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وقيام مجلس القيادة برئاسة عبد الناصر بمهام رئيس الجمهورية، ثم أصبح في يونيو/ حزيران 1956 رئيسا منتخبا للجمهورية بعد حصوله في استفتاء شعبي على نسبة 99,8% من مجموع الأصوات البالغة حينذاك خمسة ملايين صوت.

تأميم قناة السويس
من أهم القرارات التي اتخذها جمال عبد الناصر قرار تأميم الشركة العالمية لقناة السويس في 26 يوليو/ تموز 1956، وكان هذا القرار سببا في العدوان الثلاثي على مصر.

العدوان الثلاثي
شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل هجوما على مصر بسبب قرار تأميم شركة قناة السويس، حيث بدأ الهجوم بقصف إسرائيلي مكثف لمنطقتي الكونتلة ورأس النقب المصريتين، وبعد مقاومة شعبية عنيفة وتدخل روسي انسحبت القوات البريطانية والفرنسية من مصر في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1956 وتبعتهما بعد ذلك إسرائيل، وقد ازدادت شعبية عبد الناصر داخليا وخارجيا بعد هذه الحرب.

الوحدة مع سوريا
أعلن عبد الناصر اتحادا يضم مصر وسوريا أطلق عليه الجمهورية العربية المتحدة في 22 فبراير/ شباط 1958، لكن الاتحاد لم يستمر طويلا فانفصلت الدولتان مرة أخرى عام 1961 وظلت مصر محتفظة بلقب الجمهورية العربية المتحدة.

مساندة حركات التحرر
ساند عبد الناصر حركات التحرر الوطني في الدول العربية والأفريقية وبالأخص ثورة الجزائر في الفترة من 1954 إلى 1962 وثورة اليمن في 1962.






هزيمة 1967
تحرشت القوات الإسرائيلية بسوريا في مايو/ أيار 1967 فأعلنت مصر حالة التعبئة العامة في قواتها المسلحة. وتصاعدت الأحداث بسرعة حتى كانت الشرارة التي فجرت الحرب قرار الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق مضايق تيران في البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية، فشنت إسرائيل هجومها العنيف في 5 يونيو/ حزيران 1967 مما ألحق هزيمة كبرى بمصر والأردن وسوريا، فاحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية، فأعلن عبد الناصر تحمله لمسؤولية هزيمة القوات المسلحة المصرية وضياع سيناء فأعلن استقالته، إلا أن الجماهير المصرية خرجت في مظاهرات تطالب بعدوله عن الاستقالة وإعداد البلاد لمحو آثار الهزيمة، وعاد بالفعل مرة أخرى لتولي منصبه.

حرب الاستنزاف
اهتم عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة المصرية، ودخل في حرب استنزاف مع إسرائيل عام 1968، وكان من أبرز أعماله في تلك الفترة بناء شبكة صواريخ الدفاع الجوي.

مشروع روجرز
عرض وزير الخارجية الأميركي وليم روجرز مبادرة سياسية لتشجيع الدول العربية وإسرائيل على وقف إطلاق النار والبدء في مباحثات سلام تحت إشراف الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة جونار يارنغ بهدف تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الداعي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في5 يونيو/ حزيران 1967. ووافقت مصر والأردن على المبادرة وأعلمتا واشنطن بذلك يوم 8/7/1970 إلا أن العديد من الدول العربية رفضت المبادرة ومنها منظمة التحرير الفلسطينية التي أصدرت بيانا في 25/7/1970 اعتبرت فيه أن أي مبادرة تقوم على أساس قرار 242 تمثل اعترافا ضمنيا بدولة إسرائيل، وتنازلا نهائيا عن هدف تحرير فلسطين التي احتلت عام 1948. وفسرت المنظمة نص قرار 242 الذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من أراض احتلت قبل عام 1967 تفريطا بالقدس، وفسرت كذلك النص على إعادة وقف إطلاق النار على أنه حظر لنشاط المقاومة الفلسطينية.

جمال عبد الناصر وقضية فلسطين:

اكتسبت ثورة23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر الصراع العربي- الصهيوني سمة هامة، أثبتت التطورات الأخيرة التي تعيشها قصة الصراع اليوم صحتها، وهي أن طبيعة الصراع حضارية. ويرى عبد الناصر أن الصراع الذي يجري على ارض فلسطين كان ولا يزال صراع وجود وصراع بقاء بين الأمة العربية من جانب وقوى الاستعمار من جانب آخر، وأن الصراع العربي الإسرائيلي يرجع في الأصل إلى التناقض بين أهداف الأمة العربية الراغبة في التحرر السياسي والاجتماعي وبين الاستعمار الراغب في السيطرة ومواصلة الاستغلال. لقد كان سلاح الاستعمار ضد الأمة العربية هو سلاح التمزيق وبعد حربين عالميتين ومع تعاظم الإيمان بالوحدة أضاف الاستعمار سلاح التخويف إلى سلاح التمزيق واستغل في ذلك الدعاوي الأسطورية للحركة الصهيونية. وهكذا سلم وطننا من أوطان الأمة العربية غنيمة مستباحة للصهيونية لكي يتم تكريس تمزيق الأمة العربية ولمواصلة تخوينها وباستمرار عن طريق إيجاد عدة في قلبها لتهديدها فضلاً عما يتبع ذلك من استنزاف في إمكانيات القوة العربية.

لقد زاد من حدة التناقص بين الأمة العربية ولاستعمار ظهور الحركة التقدمية العربية الأمر الذي دفع الاستعمار إلى مغامرات عنيفة ومخيفة عبرت عن نفسها عام1967 والتي عرفت بحرب الأيام الستة والتي هي مقدمة لحرب ما تنته بعد.

ومن هذا يتضح لنا كيف أن عبد الناصر أدرك طبيعة الصراع العربي- الصهيوني وهي أن هذا الصراع صراع مصيري وقومي وحضاري ومن هذه القناعة تعامل عبد الناصر من هذا الصراع وتفاعل مع أحداثه.

بعد عام 1948 حاول الاستعمار أن يستغل المأساة التي حلت بالأمة العربية في حرب فلسطين ليبث في قلوب العرب روح الضعف والهزيمة ولكن القومية العربية النابضة في قلب كل عربي كانت لهم بالمرصاد. وان كان الأعداء قد انتصروا في حرب 1948 على شعب فلسطين فان القومية العربية أيضاً انتصرت لأن كل عربي أخذ يشعر في قرارة نفسه أنه لا بد من أن يتحد مع أخيه العربي حتى يحافظ على أمته من الزوال والتفتت والضياع. كانت مأساة فلسطين نصراً للعرب لأنها أشعلن نار القومية العربية في الصدور.

كان جمال عبد الناصر يرى أن الاستعمار قد أقان في قلب الوطن العربي للقضاء على القومية العربي ولضرب هذه الأمة ومنعها من بناء نفسها اجتماعيا واقتصاديا ودبلوماسيا. ولكن هل نجحوا؟ إن إصرار شعبنا على إزالة الاحتلال من جزء من الوطن العربي وهو فلسطين هو تعميم على تصفية جيب من أخطر جيوب العدوان الانتقادي ضد نضال الشعوب.

كان جمال عبد الناصر يرى أن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي تتمثل في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ثم في استعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وفي تجميد الخطر الإسرائيلي في حدود قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 باعتبار أن مواجهة الوجود الإسرائيلي هي عملية الأجل الطويل.

وكان بعد نكسة حزيران خرج الشعب الفلسطيني ليأخذ بنفسه زمام المبادرة ويدافع عن قضيته بنفسه. وانطلق حركة المقاومة الفلسطينية واستطاعت بنضالها أن تحول الشعب الفلسطيني من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين واستطاع العمل الفلسطيني أن يفرض نفسه على العالم.

كان لجمال عبد الناصر دوره في دعم المقاومة الفلسطينية فهو يقول " لا يستطيع أحد أن ينكر دور جماهير الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويضيف ليس هناك معيار أو في أدق من الموقف الذي يتخذه أي فرد أو أي جماعة أو حكومة من قضية المقاومة الفلسطينية وأنباء الشعب الفلسطيني. ونرى الآن محاولات العدو وعدوانه للوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة الشركاء في الواقع الواحد والمصير الواحد، ونرى ضرورة هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات الموقف أعمق وأشمل مما نتصور، ولهم القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها.

"إن واجب الأمانة يتطلب منا أن نحدد موقفنا على النحو التالي: ولقد كان ذلك موقفنا دائماً إن المقاومة الفلسطينية تعتبر من أهم الظواهر الصحية في نضالنا العربي، وهي التجسيد العملي للتحول الكبير الذي طرأ على الشعب الفلسطيني تحت ضغوط القهر وحوله من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين". كان جمال عبد الناصر يرى أن ليس أمامنا جميعاً بديل عن القتال من أجل الحق الذي نطلبه والسلام الذي نسعى إليه. كان دائماً يفرق بين القتال وبيت الاقتتال فيقول: "الاقتتال رصاص طائش يعرض الأخ لسلاح أخيه والقتال شرف.. الاقتتال جريمة".

كانت نكسة 5 يونيو حزيران 1967 هي النهاية الأصلية لمرحلة جمال عبد الناصر السياسية، كانت الظروف المحيطة بالحدث والسابقة له تؤكد أن نظام جمال عبد الناصر وبعد كل هذه الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي بات مطلوباً وقفة عند حده وإعادته إلى داخل ملعبه. ومن هنا اتفقت الارادات الدولية على اختلافها على الإيقاع بجمال عبد الناصر. وقد أعدوا المسرح وهيؤا المكان جيداً لاستقبال واقعة سنة 1967.

في يوم 13 مايو وردت معلومات من الاتحاد السوفيتي إلى رئاسة الجمهورية بأن إسرائيل حشدت حشوداً ضخمة أمام الجبهة السورية بغرض الهجوم عليها والاستيلاء على دمشق بغرض تغيير النظام التقدمي فيها. وجددت معلومات الاتحاد السوفيتي موعداً للهجوم الإسرائيلي ما بين 17/5-21/5/1967م وقد اختارت إسرائيل عام 1967 ليكون عاما لعدوانها على البلدان العربية لعدة أسباب:

أولها: استكمال استعداد إسرائيل العسكري مع انشغال القوات الخاصة المصرية في حرب اليمن. وثانيها: تأكد إسرائيل من الدعم الأمريكي غير المحدود لها مثالتها: تدهور العلاقات الأمريكية مع الدول العربية التقدمية وثالثها: تفكك الصف العربي بسبب حرب اليمن وما ترتب عليها من نزاعات بين الدول العربية وعدم فاعلية مؤتمرات القمة العربي ورابعها: تهيئة الرأي العام العالمي واقتناعه بوجهة النظر الإسرائيلي التي استخدمت مقررات مؤتمرا القمة العربية مادة لها. وخامسها أن إسرائيل كانت تعاني من مشاكل اقتصادية وعجز مالي كبير والحرب هي الوسيلة الوحيدة لخلاصها من تلك المشاكل.

اتجهت إسرائيل إلى سوريا لتكون ذريعتها لعدوانها على البلدان العربية وخصوصاً أن سوريا في إحدى الدول الثلاث التي تعمل لتحويل مجرى نهر الأردن في أراضيها لتفسد المشروعات الإسرائيلية في هذا الخصوص. كما أن سوريا تقدم المساعدات لحركات التحرر ضد إسرائيل بالإضافة إلى ذلك هناك أطماع إسرائيل الخاصة بالهضبة السورية ذات الموقع الاستراتيجي المهددة لأمن إسرائيل.

بدأت إسرائيل بالتهديد بغزة سوريا واحتلال دمشق وقامت بأول هجوم كبير لها في أوائل عام 1967. وفي مايو أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ الجزئية مما اضطر مصر إلى المسارعة لمساعدة سوريا بحشد قواتها في سيناء. ثم طلبت من 16 مايو من الأمم المتحدة تجميع قواتها التي تحتل نقط المراقبة على الحدود المصرية الإسرائيلية في قطاع غزة. ولكن الأمم المتحدة قررت سحب قوات الطوارئ من شرم الشيخ ودخلتها القوات المصرية. وفي يوم 23 مايو 1967 أعلنت مصر عن قرارها بعدم السماح للسفن الإسرائيلية أو تلك التي تحمل بضائع استراتيجية لإسرائيل بالمرور في خليج العقبة. وهنا قررت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ضرورة الإسراع لشن الحرب قبل أن تتمكن القوات المصرية في التحصين في مواقعها الجديدة واستغلال ميزة المبادأة.

وفي يوم 30 مايو تم توقيع ميثاق الدفاع المشترك بين مصر والأردن. وكان رد إسرائيل هو تكوين حكومة ائتلافية دخلتها كافة الأحزاب الإسرائيلية. وفي يوم 4 يونيو 1967 عقد مجلس الوزراء الإسرائيلي اجتماعا قرر فيه الحرب. وفي اليوم التالي أي يوم 5 يونيو قامت إسرائيل بضرب القواعد الجوية المصرية، وهكذا اشتعلت الحرب. وواصلت إسرائيل الحرب إلى أن وصلت إلى مياه قناة السويس على الجبهة المصرية واحتلت الضفة الغربية وأصبح نهر الأردن يفصل بينها وبين باقي الأراضي الأردنية كما احتلت المرتفعات السورية وأصبح الطريق إلى دمشق مفتوحاً.

كانت لتلك الحرب نتائج خطيرة في الصراع العربي الإسرائيلي. فقد تم تحطم القوات المسلحة لثلاث دول عربية ووصلت إسرائيل إلى الوضع الجغرافي والعمق الاستراتيجي الذي تريده.

تحمل الرئيس جمال عبد الناصر المسؤولية عن النكسة بشجاعة الرجال وأعلن التنحي. ولكن الشعب المصري خرج كالطوفان يومي 9و10 يوليو وأعلن أنه سيواصل القتال مع جمال عبد الناصر إلى النهاية فعدل الرئيس جمال عبد الناصر عن استقالته معلناً أنه سيقف في المكان الذي يطلب منه الشعب القائد أن يقف فيه. وفوت الشعب المصري وقائده الفرصة على المراهنين.

وبدأ جمال عبد الناصر العمل في طريقين: الأول: طريق إعادة بناء القوات المسلحة إيماناً منه بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة والثاني طريق العمل الدبلوماسي كفيل بقرار مجلس الأمن 242 لحل نزاع الشرق الأوسط. وقصة حرب الاستنزاف معروفة للجميع والمساعي الدبلوماسية لحل مشكلة الشرق الأوسط وتطبيق قرارات مجلس الأمن أيضاً معروفة.


وفاته

ولكن القدر لم يمهل الرئيس جمال عبد الناصر ليشهد تحرير الأرض ففي 28/9/1970 رحل جمال عبد الناصر عن اثنين وخمسين عاماً. رحل وهو يحاول إيقاف نزيف الدم بين الأشقاء في الأردن، وكانت هذه آخر إنجازات الزعيم جمال عبد الناصر على الصعيد العربي. رحل تاركاً خلفه قضايا وصراعات وإنجازات لم تحسم بعد. وفي جنازته سار عدة ملايين من أبناء الشعب المصري والعربي وقد أذهلت الجنازة الأعداء والأصدقاء على حد سواء. خرج الشعب المصري بالملايين لينعى نفسه قبل نعي عبد الناصر فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر بكل ما له وما عليه حلماً لم يكتمل ومشروعاً قومياً عظيماً لم يكتمل أيضاً. كانت جنازته تعبيراً جياشاً عن حجم الكارثة التي ستحدث في الأيام المقبلة.

بكى الشعب المصري جمال عبد الناصر بمرارة وبكاه العرب والعالم المتحضر أجمع. بكاه العالم وسنظل نبكيه كلما عظمت الخطوب واشتدت المحن وبلغت القلوب الحناجر.

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:00 PM
موضوع جميل ولا ايه رايكم

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:09 PM
ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .
كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .

جمال عبد الناصر في المرحلة الابتدائية:



فى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ \"دافيد مورجان\" مندوب صحيفة \"الصنداى تايمز\" – ثم أضاف: \"لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين \".
وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .



جمال عبد الناصر في المرحلة الثانوية:

التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .

وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.


ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: \"كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.


ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار في نفسه: \"حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضي البعيد ... وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة، وباسم مصر... أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من جرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي على نفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلم معناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه\". لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب
تحكم الاستعمار وإلغاء الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.
وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.


وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن \"روسو\" و\"فولتير\" وكتب مقالة بعنوان \"فولتير رجل الحرية\" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن \"نابليون\" و\"الإسكندر\" و\"يوليوس قيصر\" و\"غاندى\" وقرأ رواية البؤساء لـ \"فيكتور هيوجو\" وقصة مدينتين لـ \"شارلز ديكنز\".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية).
كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.

وفى ١٩٣٥ في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور \"يوليوس قيصر\" مسرحية \"شكسبير\" وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال،

ويكشف خطاب من جمال عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة، فيقول: \"لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية... قال مصطفى كامل \' لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرك الأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ \' ... كل ذلك مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتها ويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لم يدخل في حيز العمل إلى الآن\".
وبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح \"صمويل هور\" – وزير الخارجية البريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).


وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: \"وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز. وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر\".


وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.

وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.
وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: \"يقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...\".


ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب \"فلسفة الثورة\" فقال: \"وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور\".
إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب \"فلسفة الثورة\"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦ التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان.


وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.


ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها ،\"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية\".

كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد \"بلفور\" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.


جمال عبد الناصر ضابطاً:

لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.
تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.
في البدايه عام 1936 رفض دخوله الكليه الحربيه ولكن وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.

لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو \"أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً\"، وفعلاً أصبح \"رئيس فريق\"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.



تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.
وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل \"بونابرت\" و\"الإسكندر\" و\"جاليباردى\" و\"بسمارك\" و\"مصطفى كمال أتاتورك\" و\"هندنبرج\" و\"تشرشل\" و\"فوش\". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩
التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول.



لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط \"عديمي الكفاءة وفاسدين\"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد. وقد كتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من جبل الأولياء بالسودان: \"على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال.
شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن.. الرؤساء. الرؤساء يا حسن يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوءهم ذلك الذي لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء وهم شبوا على الذلة في كنف الاستعمار.. يقولون.. كما كنا يجب أن يكونوا. كما رأينا يجب أن يروا.. والويل كل الويل لذلك... الذي تأبى نفسه السير على منوالهم... ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم متملقاً.. ويحزنني يا حسن أن أقول أننا نسير إلى الهاوية – الرياء – النفاق الملق - تفشى في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار. أما أنا فقد صمدت ولازلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم مستمر مع هؤلاء الكبار...\".
وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان \"روميل\" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.



ويذكر جمال عبد الناصر: \"في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة\".

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:10 PM
قصة حياة جمال عبد الناصر فى مسلسل
يستعد الكاتب الكبير يسري الجندي خلال الفترة القادمة لكتابة قصة حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لتقديمها في حلقات تلفزيونية.
ويتعرض المسلسل لمشوار حياته منذ صغره وحتى توليه قيادة تنظيم الضباط الأحرار، مرورا بكل مراحل النضال الوطني التي تحمل مسئولياتها أثناء حكمه لمصر منذ عام 1953 وحتى وفاته في 28 سبتمبر عام 1970.
ومن المقرر أن يخرج مسلسل "جمال عبدالناصر" المخرج محمد فاضل وينتجها محمد فوزي، كما رصدت للمسلسل ميزانية ضخمة ليأتي العمل على مستوى فني عال.

الاندلس
17-07-2008, 08:13 PM
تسلم ايدك بجد كان ومازال رئيس يستاهل كل خير وربنا يرحمه ويدخله جناته امين يارب

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:14 PM
ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .

كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين
عبد الناصر حسين

الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة
تعلم عبد الناصر حسين القرآن في كتاب قرية بني مر ثم سافر إلى الإسكندرية مع خاله محمد عتمان في ١٨ فبراير ١٩٠٤ والتحق بالمدرسة الابتدائية. وفى العام التالي، وبعد وفاة والدته، التحق بالمدرسة الأمريكية التبشيرية في أسيوط، وكان يسافر يومياً من قرية بني مر إلى المدرسة. وقد ساعده مدرسه القسيس الأمريكي Chaplain Blyth في تقوية لغته الإنجليزية. وفى أول أكتوبر ١٩٠٧ انتقل عبد الناصر حسين إلى مدرسة الأقباط بأسيوط، وكان يعمل في الإجازة الصيفية حتى يستطيع أن يوفر نفقاته أثناء الدراسة. وفى عام ١٩٠٨ حصل على الشهادة الابتدائية ثم سافر إلى الإسكندرية والتحق بمصلحة البريد. وفى ١٥ فبراير ١٩١٧ تزوج عبد الناصر حسين في الإسكندرية من فهيمه حماد وأنجب ابنه الأول جمال في ١٥ يناير ١٩١٨. وفى ٢١ أبريل ١٩٢٦ رحلت والدة جمال عبد الناصر تاركة أربعة أبناء أكبرهم جمال، وكان عنده ثمان سنوات ثم عز العرب والليثى، وأصغرهم شوقي الذي كان عمره يوماً واحداً فقط. بعد خمس سنوات، وفى ٣ مايو ١٩٣١ تزوج عبد الناصر حسين للمرة الثانية من عنايات صقر ورزق منها بستة أبناء، مصطفى وحسين ورفيق وعادل وطارق وعايدة.

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:17 PM
الكتب التي كان يقرأها جمال عبد الناصر
في المرحلة الثانوية
في الكلية الحربية

أولاُ: في المرحلة الثانوية
م اسم الكتاب اسم المؤلف
١
الذئب الأسمر (مصطفى كمال) أرمسترونج
٢
غوردون والخرطوم
جون بوكان

٣
بونابرت حاكم مصر
شارل رو
٤
مطلع حياتى ونستن تشرشل
٥
الإسكندر الأكبر آرثر ويجال
٦
بسمارك هيدلام مورلى
٧
فوش - بطل أورليان ليدل هارت
٨
غاريبالدى - الرجل والأمة بول فريشووير
٩
هندنبورج والثورة الألمانية إميل لودفيج
١٠
لورانس والعرب ب. جريفس
١١
مارلبوروة ك.ت. إتكنسون
١٢
الرجال والأعمال جون بوكان
١٣
نابليون إميل لودفيج
١٤
الجنود والساسة (جزءان) روبرتسون
١٥
ت. لورانس فى الجزيرة العربية ليدل هارت
١٦
الجغرافية العسكرية الإمبراطورية كول
١٧
بحر من (رحلة فى البحر الأبيض المتوسط) ج. مارتيلى
١٨
داخل أوروبا جون جونتر
١٩
أمس واليوم فى سيناء جارفيس
٢٠
حملة فلسطين ويفل
٢١
الأزمة العالمية و. تشرشل
٢٢
غاليبولى جون ماسفيلد
٢٣
موقعة المارن لويل تينج
٢٤
الاستراتيجية الألمانية فى الحرب العظمى نيم
٢٥
تاريخ الحرب العالمية من سنة (١٩١٤- ١٩١٨) ليدل هارت
٢٦
استراتيجية موقعة مصر وفلسطين (١٩١٧-١٩١٨) كيرس
٢٧
غوردون والسودان ب.م. ألين
٢٨
نابليون وواترلو (جزءان) بيك
٢٩
حرب النهر ونستن تشرشل
٣٠
تاريخ فلسطين وسورية أولمسند
٣١
مغامرة بونابرت فى مصر الجود
٣٢
الاستراتيجية الإنجليزية سير ف. موريس
٣٣
كتاب عن الأعمال المجيدة كنيون وين
٣٤
رحلتى الأولى لبحار الجنوب كينجستون
٣٥
التدريب على السلاح المراجع البريطانية الرسمية
٣٦
تاريخ الثورة المصرية ٣،٢،١ عبد الرحمن الرافعى

المجلات
٣٧
التايمس الأسبوعية لندن نيوز المصورة
٣٨
مجلة الجيش (التى تصدر كل ٣ أشهر)
٣٩
جريدة هيئة الجيش الملكية المتحدة القوات المحاربة
٤٠
مجلة الجغرافيا
٤١
جريدة "اجبشيان غازيت" صحيفة يومية

ثانياً: في الكلية الحربية
م اسم الكتاب اسم المؤلف
١
اليابان تحارب فى آسية جونى جويت
٢ لماذا كانت اليابان قوية؟
جون باتريك

٣ جرانت ولى ماجور جنرال فولر
٤ كيتشنر بولارد
٥ تألق نجم بونابرت ويلكنسون
٦ ستونوال جاكسون (جزءان) كولونيل ج. هندرسن
٧ العالم تحت السلاح إرنست دوبوى
٨ دائرة المعارف البريطانية (٢٤ جزءاً) إرنست دوبوى
٩ البحر الخطر جورج سلوكومب
١٠ إنجلترا فى البحر الأبيض المتوسط (جزءان) كوربيت
١١ جغرافية منطقة البحر الأبيض المتوسط لمبل
١٢ البحر الأبيض المتوسط فى السياسة إليزابيث مورو
١٣ مشكلات البحر الأبيض المتوسط جوردون إيست
١٤ السويس وبناما أندريه سيجفريد
١٥ أربعون يوماً فى عام ١٩١٤ ف. موريس
١٦ حملة بلاد ما بين النهرين (٤ أجزاء) (١٩١٤-١٩١٨) (المصادر البريطانية الرسمية)
١٧ العمليات الحربية: مصر وفلسطين (جزءان وخرط) (المصادر البريطانية الرسمية)
١٨ العمليات الحربية: فرنسا وبلجيكا (جزءان وخرط) (المصادر البريطانية الرسمية)
١٩ الحرب الحقيقية ليدل هارت
٢٠ الحرب فى الجو (٣ أجزاء وخرط) وولتر وجونس
٢١ معارك الجيش الإنجليزى بلوكوود
٢٢ الحملة على مصر عام ١٨٨٢ (خرط) (المصادر البريطانية الرسمية)
٢٣ الحروب الحاسمة فى التاريخ ليدل هارت
٢٤ السودان المصرى ١٩٠٨ ألفورد وسوورد
٢٥ معارك الجيش الإنجليزى ر.م. بلاكوود
٢٦ دراسة استراتيجية و"تاكتيك" كيرسى
٢٧ التنظيم والإدارة العسكرية ليندسل
٢٨ من جبل طارق إلى السويس لورد سترابولجى
٢٩ تنمية الشرق الأوسط الاقتصادية بون
٣٠ الحرب فى سبيل السلطة العالمية ستراتيجيكوس
٣١ اللنبى فى مصر ويفل
٣٢ مصر والجيش الجود
٣٣ مصر منذ عهد كرومر (جزءان) لورد لويد
٣٤ قناة السويس أرنولد ويلسون
٣٥ المشكلات المصرية فالنتان شيرول
٣٦ إنشاء مصر الحديثة كولفين
٣٧ مصر الحديثة (جزءان) كرومر
٣٨ عبور مصر الجود
٣٩ مرشد الضباط (مصدر رسمى-الولايات المتحدة الأمريكية)
٤٠ كيف تكتسب الأصدقاء وتؤثر فى الناس ديل كارنجى
٤١ الحرب وشروط السلم السيكولوجية وليم براون
٤٢ الحرب بغير مدافع وليم براون
٤٣ صانعو الاستراتيجية الحديثة إدوارد ميد آرل
٤٤ عن الحرب (٣ أجزاء) فون كلاوسويتز
٤٥ مبادئ الحرب فون كلاوسويتز
٤٦ حرب الغد ستيفن بوسونى
٤٧ كوماندو (الفدائيون) يوميات جندى من البوير عن حرب البوير دنيس ريتز (قدم له جنرال سماتس)
٤٨ استراتيجية الجو كابتن نورمان ماكمولان
٤٩ لغز الرايخ و. وليمس
٥٠ قصة الغواصة ج. جاكسون
٥١ التربية والجيش كولونيل لورد جوريل
٥٢ الثورة الفرنسية هلير بيلوك
٥٣ أطلس أكسفورد الحربى
٥٤ الحرب الآلية ماجور فولر
٥٥ امتحان القبول لكلية أركان الحرب
٥٦ التاريخ العسكرى لامتحان القبول بكلية أركان الحرب (المصادر المصرية الرسمية)
٥٧ بيان موجز عن تقدم الحملة المصرية (١٩١٤-١٩١٨) المصادر الرسمية
٥٨ أهل الكهف توفيق الحكيم
٥٩ موجز عن حملة بلاد ما بين النهرين إيفانس
٦٠ السنة الثالثة للحرب بالصور
٦١ هتلر - سيرة حياته كونارد هايدن

٦٢ الأعمال المجيدة فى البحر الأبيض المتوسط ريتشارد ماكميلان

نقلان عن موقع الرئيس جمال عبد الناصر

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:18 PM
تسلم ايدك بجد كان ومازال رئيس يستاهل كل خير وربنا يرحمه ويدخله جناته امين يارب

تسلم ايدك انته ياعسل

ربنا يخليك

محمد حامد الغنام
17-07-2008, 08:20 PM
من كتاب سامى شرف وزير رئاسة الجمهورية الأسبق وسكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات "أيام وسنوات مع عبد الناصر " أنقل لكم قصة بناء السد العالى


قصة بناء السد العالي.. والشروط الأمريكية


مشروع السد العالي هو مشروع قديم يرجع الفضل في طرحه إلى المهندس اليوناني “دانينيوس”، وقد سبق أن تقدم به لأكثر من حكومة مصرية قبل الثورة، ولكنه لم يكن يلقى أدنى استجابة حتى على سبيل الوعد ببحث المشروع وجدواه الاقتصادية، وفي عام 1953 تقدم بمشروعه من جديد إلى مجلس قيادة الثورة، ولكنه هذه المرة حظي باهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولي مسؤولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة الخ.

لقد سبق أن وضعت القيادة الثورية التي تولت السلطة بعد يوليو/ تموز 1952 قضية التنمية على رأس اهتماماتها وفي مقدمة جدول أعمالها، وحرصت على إزالة أية عقبات كانت تعترض مساهمة رأس المال الوطني أو الأجنبي في التنمية، كما أصدرت القانون رقم 213 لسنة 1952 في أكتوبر/ تشرين الأول 1952 الذي تم بموجبه إنشاء المجلس الدائم للإنتاج كهيئة مستقلة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء ويتولى مهمة بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية الكبرى التي يكون من شأنها تنمية الإنتاج على المستوى القومي، ووضع مخطط وطني متكامل للتنمية الاقتصادية.

وبدأ هذا المجلس في وضع الدراسات التفصيلية لعديد من مشروعات التنمية في قطاعات الري والتوسع الزراعي وتكرير البترول وخطوط أنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات وغيرها من القطاعات في إطار رؤية بعيدة المدى للاقتصاد المصري.

وبالتالي كان من الطبيعي أن يلقى مشروع السد العالي الاهتمام الواجب في مجلس الإنتاج بعد أن تحمست له قيادة الثورة على المستوى السياسي، وبالفعل تم تشكيل لجنة فرعية تضم عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدداً من أعضاء مجلس الإنتاج من الخبراء والفنيين برئاسة جمال سالم لإجراء مزيد من البحث والدراسة لهذا المشروع، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات في مقر مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، حضر بعضها المهندس اليوناني دانينيوس، وإنتهت بعد دراسات مستفيضة إلى الإقرار بجدوى المشروع وضرورة تنفيذه وقدمت أيضا توصيات بهذا المعنى لمجلس قيادة الثورة الذي وافق من حيث المبدأ على تنفيذ المشروع والبدء في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الشأن.

وكانت الخطوة الأولى هي تنظيم سلسلة من المحاضرات عن السد العالي، وبدأت بمحاضرات وندوات في نادي ضباط الجيش بالزمالك تحدث فيها عدد من المهندسين المتخصصين وشرحوا أبعاد المشروع وما ينتظر منه من عائد، كما عقدت سلسلة محاضرات أخرى في نقابة المهندسين، وفي جمعية المهندسين المصرية استهدفت كلها تهيئة الرأي العام على المستويات العلمية والسياسية والشعبية لهذا المشروع.

لقد تمثل العائق الأساسي الذي حال دون بحث أو تنفيذ مشروع بهذا الحجم في عهود ما قبل الثورة هو غياب الاستقرار السياسي، على سبيل المثال فقد كان هناك مشروع كهربة خزان أسوان وهو مشروع كان محل مزايدة بين الأحزاب في برامجها، وتستخدمه كأداة للدعاية ووسيلة للوصول إلى السلطة ثم سرعان ما يطاح بها ويطوى المشروع في غياهب النسيان لتأتي حكومة حزبية أخرى تجدد نفس السيناريو، فلما جاءت الثورة قامت بتنفيذ فوري لمشروع كهربة خزان أسوان، وعملت في الوقت نفسه على إشراك مكاتب استشارية أجنبية في دراسة مشروع السد العالي إلى جانب الخبراء المصريين الذين يمتازون بقدرات وكفاءات كبيرة وعالمية أيضا في هذا المجال، وكل الدراسات أكدت سلامة المشروع من حيث الجدوى الاقتصادية لمستقبل مصر، وكان من بين من تولى دراسة المشروع بصورة رسمية البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد أعد بالفعل دراسة قدمها يوجين بلاك، كان ملخصها أن حالة الاقتصاد المصري تسمح بإتمام مشروع السد العالي.

كما جاء خبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا للتنسيق مع المجموعة المكلفة ببحث المشروع، وتولى كل من المهندسين محمد صدقي سليمان و محمود يونس وسمير حلمي وأحمد عبده الشرباصي وإبراهيم زكي قناوي وموسى عرفة وآخرين التنسيق مع هؤلاء الخبراء وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لوضع الدراسات المطلوبة حول المشروع.

ان مشروعا بهذا الحجم كان في حاجة إلى قرار سياسي جريء، وكان جمال عبدالناصر يتمتع برؤية إستراتيجية بعيدة المدى ولم يكن يتخذ القرار المتسرع ولم تكن مواقفه نابعة من رد الفعل، ومن ثم فقد استوعب كل النتائج التي توصلت إليها الدراسات الفنية المتخصصة لمشروع السد العالي وسعى إلى تحويله إلى “حلم قومي” يستحق أن تجند له كل الطاقات والخبرات لوضعه موضع التنفيذ وبدأ يضعه في جدول أعماله في مناقشاته واجتماعاته مع كل المسؤولين العرب والأجانب كما تداول بشأنه في حواراته المستمرة مع الرئيسين تيتو ونهرو، وأخذ يبحث عن مصادر لتمويله، وبدا بعرضه على البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي أكد في تقرير نشره في شهر يونيو/ حزيران 1955 سلامة المشروع، وورد بهذا التقرير أيضاً “أن مصر اعتمدت ثمانية ملايين دولار لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع وتشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع”، وفي أغسطس/ آب من نفس العام أصدر البنك تقريرا آخر يؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تنفيذ المشروع، وفي سبتمبر/ ايلول 1955 أعلنت بعض الشركات الألمانية الغربية والفرنسية والبريطانية تقدمها بعروض للمشاركة في تنفيذ المشروع في شكل “كونسورتيوم”.

لقد بدا أن المشروع يحظى باهتمام في الدوائر السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقد اعتبروه فرصة للربط بين دعم خطط التنمية التي بدأتها الثورة من جانب، وإقامة نظام إقليمي يضمن المصالح الغربية ويفتح الطريق للتسوية مع “إسرائيل” من جانب آخر. وبدأ الاتحاد السوفييتي يدخل كطرف ثالث في التنافس خاصة بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية ففي سبتمبر/ ايلول عام،1955 وفي نفس وقت إعلان أنباء الصفقة صرح السفير السوفييتي في القاهرة أن بلاده مستعدة للمساهمة في بناء السد العالي،وحدد هذه المساهمة بالمعونة الفنية والمعدات وأموال يتم تسديدها بسلع خلال خمسة وعشرين عاما، وأدى ذلك إلى فزع كبير في الغرب، وتحركت بريطانيا لتحذير واشنطن من التهديد السوفييتي القادم.

وقد اختار عبدالناصر أن يختبر نوايا الغرب مرة أخرى بعد أن فشلت محاولات الحصول على السلاح منه فبدأ الدكتور عبدالمنعم القيسوني وزير الاقتصاد سلسلة من الزيارات للعواصم الغربية وجرت العديد من المفاوضات، أسفرت عن اتفاق من حيث المبدأ أعلنته الخارجية الأمريكية في 16ديسمبر/ كانون الأول 1955 ويقضي بأن يتولى كل من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي بتكلفة تبلغ 1،3 مليار دولار يتم توزيعه كالتالي:

1- تقديم 70 مليون دولار للمرحلة الأولى في المشروع (تقدم الولايات المتحدة مبلغ 56 مليون دولار، وتقدم بريطانيا مبلغ 14 مليون دولار).

2- تقديم 200 مليون دولار للمرحلة الثانية في صورة قرض من البنك الدولي بالإضافة إلى 130 مليون دولار أخرى كقرض من الولايات المتحدة الأمريكية ومبلغ 80 مليون دولار قرضا من بريطانيا، على أن تدفع في صور أقساط سنوية بفائدة 5% تسدد على مدى أربعين سنة.

3- باقي المبلغ تتحمله مصر بالعملة المحلية.

4- يضاف إلى ذلك منحتان الأولى من الولايات المتحدة وقدرها عشرون مليون جنيه والثانية من بريطانيا وقدرها خمسة ملايين ونصف المليون جنيه.

وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات حول تمويل السد العالي تتخذ هذا المسار الإيجابي على السطح كانت العلاقات السياسية بين مصر من جانب وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب آخر تتخذ مسارا مختلفا بسبب معركة الأحلاف وصفقة الأسلحة والاعتداءات “الإسرائيلية” على غزة وغيرها كما أوضحت، وقد بدا واضحا حرص الدولتين على امتلاك أوراق ضغط على ثورة يوليو تتعارض والإستراتيجية التي انتهجتها الأخيرة بشأن استقلالية قرارها والإصرار على استكمال التحرر من أية ضغوط أجنبية 0 وجاءت الشروط التي وضعتها الدولتان لتنفيذ اتفاق تمويل السد العالي مؤكدة لهذا الاتجاه، فقد اقترن العرض السابق بالشروط التالية:

1- أن تركز مصر برنامجها التنموي على السد العالي بتحويل ثلث دخلها القومي ولمدة عشر سنوات لهذا المشروع مع فرض رقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى.

2- وضع ضوابط للحد من زيادة التضخم والإنفاق الحكومي، وفرض رقابة على مصروفات الحكومة المصرية وعلى الاتفاقيات الأجنبية أو الديون الخارجية. وألا تقبل مصر قروضا أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الشأن إلا بعد موافقة البنك الدولي.

3- الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل في حالات الضرورة.

وأثارت هذه الشروط غضب الرئيس عبدالناصر، فقد كانت أشبه بالوضع الذي كان سائدا في عهد الخديوي إسماعيل، وأنتج ذلك كله حالة فقدان الثقة في إمكانية معاونة الولايات المتحدة في تنفيذ المشروع، وانتهى الرئيس إلى تقدير موقف اقتنع به بهذا المعنى، لكنه حرص على تفادي المواجهة لآخر لحظة حتى يتكشف الموقف الأمريكي بوضوح وجلاء وصراحة في ضوء الرسائل المتكررة التي حملتها القنوات الخلفية والزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، والتي أكدت حقيقة واحدة هي إصرار الجانب الأمريكي على التحكم في سياسات الثورة ودفعها إلى مسار يخدم الإستراتيجية الأمريكية ومصالح الغرب في الأساس، وخاصة فيما يتعلق بالتفاهم مع “إسرائيل”، وكان ذلك يجري بتنسيق محكم مع الجانب البريطاني تكشفت أبعاده في أكثر من مناسبة وكما كشفته الوثائق الأمريكية والبريطانية التي نشرت مؤخرا.

وفي هذا الإطار استقبل الرئيس جمال عبدالناصر يوجين بلاك رئيس البنك الدولي، وبعد مفاوضات وافق عبدالناصر فقط على أن يكون للبنك الدولي حقوق معقولة في تفقد الإجراءات التي سوف تتخذها مصر للحد من التضخم عقد اتفاق أعلن في 8 فبراير/ شباط 1956 يقدم البنك بموجبه قرضاً قيمته مائتا مليون دولار على أن يتوقف تنفيذه على التوصل إلى اتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول الشروط التي أعلنوها لتقديم المساعدة.

وفي الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 1956 استقبل الرئيس عبدالناصر السفير أحمد حسين سفير مصر في واشنطن في استراحة برج العرب غرب الإسكندرية، ودار الحديث حول الموقف الأمريكي من تمويل مشروع السد العالي، وكان أحمد حسين معروفا بميوله الأمريكية ومن أنصار تطوير العلاقات والتعاون مع واشنطن وقد حاول في هذا الاجتماع أن يبرر موقف جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي الذي اتسم بالمماطلة والتعنت وأخذ يسهب في تفسير الضغوط التي يتعرض لها من الدوائر الصهيونية وبعض رجال الكونجرس الأمريكي.

ولكن عبدالناصر كان يدرك في قرارة نفسه أن الأمر لا يخرج عن حدود المناورة، وأن أمريكا لن تقدم على المساهمة في تنفيذ المشروع، وتمسك أحمد حسين بموقفه ومحاولاته للتفسير والتبرير، وبعد أن استمع له عبدالناصر مطولا بادره قائلاً: “حسنا (قالها بالإنجليزية All Right) سأعطيك الفرصة لكي تثبت شيئا من أجل مصر يا أحمد، ترجع لدالاس وتقول له إنك قبلت بجميع شروطه، ثم لاحظ ردود فعله، وحانشوف إيه اللي حا يجري بعد كده؟”.

وأسقط في يد أحمد حسين واستفسر من الرئيس عما إذا كان لا يريد أن يعدل من الشروط الأمريكية.

فقال له عبدالناصر: “لا تعديل في الشروط، وأنت مفوض تفويضا كاملا ومعا” “Carte blanche”، وتقول لدالاس: “إنني قبلت بشروطكم وبأن يتجدد الالتزام الأمريكي تجاه السد العالي سنويا، لكني أحذرك يا أحمد إياك أن تقول أو تفعل أي شىء يمس كرامة مصر وهذا لسبب واضح تماما هو أننا لن نحصل على السد العالي من الأمريكان”.

وتوجه أحمد حسين إلى واشنطن عن طريق لندن، وعلى خلاف اتفاقه مع الرئيس عبدالناصر أدلى بتصريحات دلت على تخاذل لا مبرر له على الإطلاق فقد قال: “إن مصر تقبل بجميع المقترحات المقررة بشأن السد العالي، وأنها ترجو مساعدتها في بناء السد العالي، وتعتمد على هذه المساعدة وتطلبها”.

كنا في هذه الأثناء في صحبة الرئيس جمال عبدالناصر في زيارة رسمية ليوغوسلافيا عندما أدلى أحمد حسين بهذه التصريحات وأعرب الرئيس عن ضيقه إذ شعر أن مصر قد أهينت وما كان لأحمد حسين أن يصرح بكلمة قبل أن يقابل دالاس حسب التعليمات ويفاجئه بموقفه.

ذكّرت الرئيس بما لدينا من معلومات مسبقة بشأن أحمد حسين وتزايد ارتباطاته في هذه الفترة 1955-1956 مع بعض الجهات في أمريكا وقد رأيت هذا التصريح بمثابة تسريب للموقف المصري بشكل مفصل ويحمل معنى التخريب في سياستنا، خاصة وأن الرئيس قد حذره من عدم الإقدام على أي قول أو فعل يترتب عليه المساس بكرامة مصر. فلماذا تطوع أحمد حسين بهذا الموقف ؟ ولماذا في لندن بالذات؟ ولماذا قبل اجتماعه بدالاس في واشنطن؟ خاصة وأنه سمع تقديراً محدداً من جمال عبدالناصر يعرب فيه عن اعتقاده الجازم بأن أمريكا لن تقدم السد العالي لمصر.

كان رأي أحمد حسين الذي عبر عنه فيما بعد، أنه قصد المناورة وممارسة الضغط على الجانب الأمريكي خاصة وأنه ألمح في تصريحاته إلى استعداد الاتحاد السوفييتي لتقديم المساعدة في بناء السد العالي. والحقيقة أنه لم يجر أي اتصال من جانب مصر مع الاتحاد السوفييتي حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد إلا بعد سنة ،1957 وكل ما حققه التصريح هو إعطاء الفرصة لدالاس لأن يعد نفسه جيدا.

وما أن وصل أحمد حسين إلى واشنطن حتى تتابعت الأحداث على النحو التالي:

- عندما تسلم دالاس تصريح احمد حسين سارع بإبلاغ أيزنهاور الذي كان متواجدا في كامب ديفيد اثر إصابته بأزمة قلبية، ولإحساس دالاس أنه سيواجه حرجا شديدا إذا ما أبلغه أحمد حسين رسميا قبول مصر للشروط الأمريكية، أبلغ أيزنهاور بأن المصريين لا يتجاوبون معه البتة، وأنه يقترح سحب عرض المساعدة في بناء السد العالي.. ورد أيزنهاور بأنه يفوضه للتصرف بحرية مطلقة وفق ما يراه.

- تحدد ظهر يوم 19 يوليو/ تموز 1956 موعدا لاستقبال دالاس لأحمد حسين في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وبعد دخوله مكتب دالاس بدقائق معدودة أصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية “لينكولن وايت”، بيانا يعلن فيه سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وكان ذلك قبل أن يبدأ الحديث بين أحمد حسين وجون فوستر دالاس.

وقد بعث أحمد حسين بتقرير إلى الرئيس عبدالناصر عن اللقاء جاء فيه:

- أن دالاس فاجأه عندما هم بالجلوس بقوله أن الولايات المتحدة الأمريكية يا سيادة السفير ستصدر بيانا الآن، وأننا نأسف لأننا لن نساعدكم في بناء السد العالي وأن بلاده قد قررت سحب عرضها لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل هذا المشروع.

وهنا حاول السفير أحمد حسين أن يحتج لكن دالاس واصل قراءة ما هو مكتوب أمامه والذي أعد مسبقا حيث استطرد قائلا:

- إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن من يبني السد العالي -أياً كان- سيكسب كراهية الشعب المصري لأن الأعباء المترتبة عليه ستكون مدمرة وساحقة، وأضاف انه ليس في وسع الشعب المصري أن يتحمل عبء تنفيذ هذا المشروع الضخم، فمتطلباته تتجاوز ما تستطيع مصادر مصر احتماله خاصة بعد التزامها بشراء الأسلحة (يقصد صفقة الأسلحة التشيكية)، وإننا في الولايات المتحدة الأمريكية لا نريد أن نكون مكروهين في مصر، وسوف نترك هذه المنفعة للاتحاد السوفييتي إذا كان يعتقد أنه يريد أن يبني السد العالي.

- ويضيف دالاس ان بلاده تعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يملك المصادر الكافية لإنجاز المشروع ولو تعهد بتنفيذه فإن الدول التابعة له ستتمرد عليه حيث أنهم يساعدون مصر بينما يرفضون تقديم المساعدات المماثلة التي تطلبها هذه الدول.

- يؤكد دالاس أن صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها مصر ستسبب للحكومة الأمريكية حرجا في شأن استمرار مساعدتها الاقتصادية لمصر لأن كرامة أمريكا أصبحت الآن في التراب بسبب مزاعم بعض الأصوات في أمريكا بأن وسيلة مصر للحصول على المساعدات هي التشهير بالسياسة الأمريكية ومعارضتها.

- أنه منزعج شخصيا من صفقة الأسلحة خاصة وأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد أثبتت في السنوات الأخيرة صدق نيتها في مساعدة مصر كما لعبت دورا مهما في التوصل لاتفاقية الجلاء، والتزمت موقفا غير منحاز بين العرب و”إسرائيل”، بل ومارست الضغط على “إسرائيل” عندما حاولت تنفيذ مشروعاتها في بحيرة طبرية برغم قرار مجلس الأمن بإيقاف هذه المشروعات. وقال أيضا أن ممثلي “إسرائيل” صرحوا له بأن “إسرائيل” لا يمكن أن تنتظر حتى يكمل العرب استعدادهم للقضاء عليها، كما ذكر النتائج الخطيرة التي تترتب على تمكين الشيوعية من بترول البلاد العربية وحرمان الدول الغربية منه، وأنه شخصيا يجد نفسه محرجا ومركزه صعب لأن “إسرائيل” ستطالب ولا شك بالحصول على الأسلحة وبضمانات أمريكية وستستخدم في سبيل تحقيق مطالبها كل وسائل الضغط التي إن نجحت فسوف تسيء لأمريكا عند العرب.

وفي رد عاجل على هذه الآراء أوضح أحمد حسين ما يلي:

- أنه نقل إلى وزير الخارجية الأمريكي تأكيد الرئيس جمال عبدالناصر بأن صفقة الأسلحة التشيكية ما هي في الواقع إلا صفقة تجارية لا تحمل في طياتها أي طابع آخر.

- أن مصر لن تسمح بتسرب أي نفوذ أجنبي إليها وتحرص كل الحرص على مقاومة الشيوعية، وأنها قبلت بالعرض التشيكي نتيجة الصعوبات التي واجهتها في الحصول على السلاح من الدول الغربية.

- ويضيف أحمد حسين أنه دلل في هذه المناسبة على سياسة مصر الواقعية والبناءة مذكرا بالدور الكبير الذي قام به الفنيون المصريون لمساعدة إيريك جونستون في وضع مشروعه الخاص بنهر الأردن، وان الرئيس عبدالناصر نفسه قد عبر للوفود العربية الأخرى عن تأييده للمشروع وهو ما ساعد جونستون على إقناع بعضها بجدوى المشروع وسلامته.

- كما تطرق إلى المساعدات الاقتصادية الأمريكية في العام الحالي، وأوضح أن مصر تريد التقدم بطلب 360 ألف طن من القمح الأمريكي وفقا للقانون “480 ب”.

ولكن الولايات المتحدة الأمريكية صممت على رفضها تمويل مشروع السد العالي كما توقع الرئيس جمال عبدالناصر.

هكذا لم تكن القضية التي تشغل بال المسؤولين الأمريكيين أو الخارجية الأمريكية على وجه الخصوص هي قدرة الاقتصاد المصري أو الآثار السياسية أو الاقتصادية المترتبة على مشروع السد العالي بل تكمن الأزمة الحقيقية في عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تقبل الأوضاع الجديدة في المنطقة التي ترتبت على قيام ثورة يوليو ،1952 وعدم قدرتها على التعامل مع القوة الجديدة بما طرحته من أهداف تحمل في طياتها من وجهة النظر الأمريكية تحديا لكل الثوابت التي أرستها القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الطويلة السابقة، وكان على مصر الثورة أن تقبل التحدي، وتواصل خططها في البناء والنمو والتنمية، وتعتمد في ذلك على مواردها، فكان تأميم شركة قناة السويس.

كلفت السد بلغت 400 مليون جنيه ولو بني اليوم سيتكلف 18 مليار جنيه

بدأ التفكير في المشروع في نهاية سنة 1952 المهندس اليوناني المصري دانينيوس.

بدأ تنفيذ المشروع في 9 يناير/ كانون الثاني 1960.

انتهت المرحلة الأولى في منتصف مايو/ أيار 1964 بتحويل مياه النهر إلى قناة التحويل.

في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1967 ارتفع جسم السد إلى منسوب 172 متراً، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في 9 يناير/ كانون الثاني 1969 بتشغيل ثلاثة توربينات.

في يوليو/ تموز 1970 اكتمل المشروع بتشغيل 12 توربيناً.

بلغت تكلفة بناء السد العالي حوالي 400 مليون جنيه، ولو أردنا بناءه اليوم سيتكلف 18مليار جنيه. (حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي).

السد بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني.

السد يغلق مجرى النهر على مسيرة حوالي سبعة كيلومترات إلى الجنوب من سد أسوان القديم ويحول المياه إلى مجرى جديد عبارة عن قناة مكشوفة تتوسطها ستة أنفاق متصلة في نهايتها بمحطة كهرباء مزودة باثنتي عشرة وحدة.

سعة بحيرة ناصر 164مليار متر مكعب منها 30 مليار متر مكعب لاستيعاب الطمي بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية، و97 مليار متر مكعب تمثل السعة الحية للخزان التي تضمن تصرفاً سنوياً ثابتاً مقداره: 84 مليار متر مكعب يخص مصر منها 5ر55 مليار ويخص السودان 18،5 مليار، والباقي 10 مليارات مقدر أن يفقد من حوض الخزان بالتبخر والتسرب.

عرض مجرى النهر عند موقع السد 205 أمتار.

طول السد عند القمة 3820 متراً.

أقصى ارتفاع للسد 111 متراً.

عرض قاعدة السد 980 متراً.

عرض الطريق فوق السد 40 متراً.

* البحيرة:

- طول البحيرة 500 كيلومتر.

- متوسط عرض البحيرة 11،8 كيلومتر.

- مساحة سطح البحيرة 5900 كيلومتر مربع.

- أقصى سعة للتخزين في البحيرة 164 مليار متر مكعب.

* مجرى التحويل:

- الطول الكلي لمجرى التحويل 1950 متراً.

- طول القناة الأمامية المكشوفة 1150 متراً.

- طول الأنفاق شاملا محطة توليد الكهرباء 315 متراً.

- طول القناة الخلفية المكشوفة 485 متراً.

- طول النفق 282 متراً.

- عدد الأنفاق 6.

- أقصى تصرف يمكن تمريره بمجرى التحويل 11000 متر مكعب/ ثانية.

- القطر الداخلي للنفق 15 متراً.

* محطة توليد الكهرباء:

- مجموع القوة المركبة 2،1 مليون كيلووات.

- عدد الوحدات الكهربائية 12.

- قوة كل وحدة 175000 كيلووات.

- الضاغط التصميمي 57،5 متر.

القطاع العام والسد العالي

* المقاولون العرب:

حجم الأعمال التي أوكلت لشركة المقاولون العرب في بناء السد العالي لم تتعد نسبة 12% بميزانية لم تتعد 40 مليون جنيه من جملة التكاليف التي بلغت 330 مليون جنيه.

و”المقاولون العرب” قامت بأعمال حفر وهدم. ولم يشرف عثمان أحمد عثمان على أي عملية بل كان المشرفون هم أمين عمر وأحمد عوض.

* مصر للأسمنت المسلح:

كان حجم أعمالها 60 مليون جنيه بنسبة 18% وهو يعادل مرة ونصف حجم الأعمال الذي أنجزته “المقاولون العرب”.

وأهم الأعمال كالتبطين للأنفاق وبناء محطات الكهرباء والستارة الرئيسية للحقن قامت بها شركة مصر للأسمنت المسلح والهيئة العامة للسد العالي.