abomokhtar
07-12-2013, 10:13 PM
التأديب بالضرب
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم بحاجة إلى التوجيه والدلالة على الخير والمتابعة على أداء ذلك وعدم ترك ما وجب عليهم وكذلك يجب عليهم عدم الإضرار بالآخرين بالاعتداء عليهم فالناس على اختلاف مشاربهم وديناتهم بحاجة إلى ولاية عامة تسوسهم فتردع الظالم عن ظلمه وتحاسب المقصر على تقصيره وبعدم الولاية العامة يقع الظلم والاعتداء فلذا كان من أوجب الواجبات على الأمة تنصيبها لحاكمها وطاعته بالمعروف.
وكذلك الولاية الخاصة فالرجل ولي على أهل بيته من زوجة وأولاد وهذه الولاية ولاية نظر في مصلحتهم وما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة فإذا قصر في ذلك استحق الوعيد الشديد فعن معقل بن يسار المزني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة رواه البخاري (7150) ومسلم (142) وهذا الحديث وأمثاله مصروف الظاهر بإجماع أهل السنة فمعناه إذا عاقب الله صاحبه فعقوبته أنه لا يدخل الجنة ابتداء أو أن الله يحرم عليه نوعا خاصا من الجنان. وهذا الحديث عام في كل الولايات سواء كانت عامة أو خاصة.
فالقصد من الولاية هي النصح والبحث عن الأفضل لمن تحت ولايته وليس المقصد منها التسلط والظلم والإذلال ومن القواعد الفقهية تصرف الإمام منوط بالمصلحة وهنا يقع الخطأ من البعض حيث يسيء فهم مقصد الولاية فيتعدى حدود الله فتنقلب الولاية من كونها نعمة على المولى عليه إلى نقمة يتجرع مرارتها المولى عليهم.
ومن مقتضى الولاية التأديب. فالتأديب أمر مشروع في حق الزوجة والأولاد دلت النصوص الشرعية عليه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6] ووقايتهم بمتابعتهم على فعل الواجبات وترك المحرمات وتأديب المقصر.
والتأديب مضبوط بالنصوص الشرعية ولم يترك إلى أهواء الناس وأمزجتهم فمن الخطأ حينما يقصر التأديب على الضرب فإذا وقع الخطأ من الزوجة بادر الزوج بالضرب وكأن الأصل في التأدب الضرب وهذا خطأ بين فلا يلجأ للضرب إلا إذا لم تفلح الأساليب الأخرى في تعديل سلوك الزوجة والأولاد وكان في الضرب مصلحة يرشدنا تبارك وتعالى في علاج ترفع الزوجة على زوجها ومعصيتها له بغير حق بقوله تعالى ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] سورة النساء فالتشريع الإلهي في علاج أخطاء المرأة أولا بالنصح والتوجيه وبيان حق الزوج إذا كان لم يخل بواجباته وتخويفها بعاقبة عصيان الزوج في الدنيا من الفرقة وتشتت شمل الأسرة ومن العقوبة الأخروية فأفضل طرق الإصلاح التأثير الداخلي خشية لله ورغبة في مرضاته فهذا التأثير أبقى وأصدق فلذا بدأ به من يعلم أسرار النفس البشرية ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] وقد قيل سوط الوجدان ولا سوط السلطان.
فإذا لم يفلح النصح يلجأ للعقاب المعنوي وهو الهجر فإذا أعيت الرجل المرأة ولم تجد معها أساليب التوجيه يلجأ الزوج للضرب الذي يقصد منه التأديب لا التشفي والانتقام إذا رأى أن في ذلك تقويما لسلوكها وردها للجادة والأمر بالضرب في الآية للإباحة وليس مندوبا فضلا عن كونه واجبا إنما يجب الضرب في الحدود الشرعية المقدرة.
فالعقاب البدني الناس فيه طرفان ووسط فمن الناس من لا يحسن إلا الضرب فحين فقد القدر على الإقناع والتوجيه حينما فقد القدرة على التأثير بالقدوة الحسنة لجأ إلى الضرب فتجده مع أولاده وزوجته جلادا إذا دخل البيت خيم الحزن والكآبة على أهل البيت أسعد الأوقات عند أهله إذا خرج من البيت وتزداد الفرحة إذا سافر فما الظن بأب هذه نظرة أولاده إليه. ومن هذه حاله فقد الود والاحترام بينه وبين زوجته وأولاده ولم يفلح في توجيه أولاده صغارا وكبارا فحينما أعتاد أولاده منه الضرب لم يكن للضرب أثر في تعديل سلوكهم فلسان حال الواحد منهم أفعل ما أريد وأتحمل ألم لحظات وحينما يكبر أولاده يبدأون بالتمرد عليه وعصيان أوامره فهم مصدر إزعاج في حيهم وفي محيط عائلتهم فالتخويف نفعه مؤقت وإذا زال الخوف فلا تسأل عن النتائج.
وطائفة أخرى على النقيض من ذلك لا تعرف العقاب البدني فلذا ليس للأب قدرة على التأثير على أولاده والطائفة الثالثة هي التي ترى أن العقاب البدني يلجأ إليه عند الحاجة في أضيق نطاق لبعض الأولاد وليس لكلهم فبعض الأولاد ربما نشأ صغيرا وتجاوز مرحلة المراهقة من غير أن يحتاج للعقاب البدني فتجدي معه أساليب أخرى في تعديل سلوكه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
من الخطأ في ضرب التأديب الضرب أكثر من عشر جلدات فعن أبي بردة الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" رواه البخاري (6850) ومسلم (1708) فالزيادة على عشرة أسواط خاصة بحقوق الخالق أما التأديب في التقصير العام فلا يزاد على عشر أسواط.
ومن الخطأ ضرب أماكن تضر بالمؤدب كضرب الوجه فالقصد الأدب وليس الإضرارَ وتشويه الخلقة فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه " رواه مسلم (2612).
ومن الخطأ الضرب وقت الغضب فالغضبان يؤثر الغضب عليه فلا يتصرف تصرفا سليما بل يندم على تصرفه حينما يزول الغضب فعلى المؤدب أن يتجنب التأديب عموما وقت الغضب فكان من حكمة الشارع النهي عن الحكم حال الغضب.
ومن الخطأ ضرب المؤدب وهو لم يبلغ السن المعتبر شرعاً لإباحة ضربه فوقت ضرب الولد إن كان على الأمور التعبدية كالتقصير في الصلاة ففي سن العاشرة فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود (495) بإسناد حسن.
أما الضرب على أمور الحياة فإن كان غير مميز فلا يضرب لأنه لا يعقل ولا يدرك الخطأ. أما إن كان مميزا قد بلغ سبعا فأهل العلم من الفقهاء يرون ضربه لأنه يفهم فإذا رأى المربي المصلحة في ضربه ضربا خفيفا لكف شره ضربه.
ويحرم الضرب المُبَرِّح الذي يضر مما يؤدي إلى كسر أو خروج دم أو إعاقة أو ألم شديد ففي حديث جابر حينما خطبهم النبي في عرفة قال في خطبته "وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ "رواه مسلم (1218).
فليتق الله من يتعدى حدود الله فيضرب من لا يستحق الضرب أو يزيد على المباح في الضرب يزيد في قدره أو في صفته وليعلم أن الله أقدر عليه من قدرته على من تحت يده ليتق الله المعلمون والمعلمات فلا يعاقبون أبناء المسلمين وبناتهم بغير حق ولا يتجاوزون في أدبهم حدود الله فلا يرضون لهم إلا ما يرضونه لأولادهم وإخوانهم.
أعجز الناس وأقلهم قدرة على التأثير وتهذيب السلوك من يلجأ للضرب فالكمل من الناس لديهم من أساليب تقويم السلوك ما يغنيهم عن الضرب فأكمل المربين النبي لم يكن يلجأ للضرب في التربية فعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله " رواه مسلم (2328).
فمن أساليب التأديب الهجر كما أرشد ربنا تبارك وتعالى في تأديب الزوجة وكما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أزواجه وليس الهجر خاصا بالزوجة بل حتى الأولاد حتى الكبار منهم يهجرون للمصلحة الراجحة كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خلفوا وأمر الناس أن لا يكلموهم.
ومن أساليب التأديب المنع فالمربي أب أو أم أو معلم قد يمنع المخطئ من أمر يستحقه لو لم يحصل منه تقصير أو تعدي فالمنع أحد أساليب التأديب فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ قَالَ اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ " رواه مسلم (1753) فلما أساء هذا المجاهد إلى أميره حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - سلب القاتل الذي يستحقه لولا إساءته.
الشيخ أحمد الزومان (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/1052/)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم بحاجة إلى التوجيه والدلالة على الخير والمتابعة على أداء ذلك وعدم ترك ما وجب عليهم وكذلك يجب عليهم عدم الإضرار بالآخرين بالاعتداء عليهم فالناس على اختلاف مشاربهم وديناتهم بحاجة إلى ولاية عامة تسوسهم فتردع الظالم عن ظلمه وتحاسب المقصر على تقصيره وبعدم الولاية العامة يقع الظلم والاعتداء فلذا كان من أوجب الواجبات على الأمة تنصيبها لحاكمها وطاعته بالمعروف.
وكذلك الولاية الخاصة فالرجل ولي على أهل بيته من زوجة وأولاد وهذه الولاية ولاية نظر في مصلحتهم وما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة فإذا قصر في ذلك استحق الوعيد الشديد فعن معقل بن يسار المزني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة رواه البخاري (7150) ومسلم (142) وهذا الحديث وأمثاله مصروف الظاهر بإجماع أهل السنة فمعناه إذا عاقب الله صاحبه فعقوبته أنه لا يدخل الجنة ابتداء أو أن الله يحرم عليه نوعا خاصا من الجنان. وهذا الحديث عام في كل الولايات سواء كانت عامة أو خاصة.
فالقصد من الولاية هي النصح والبحث عن الأفضل لمن تحت ولايته وليس المقصد منها التسلط والظلم والإذلال ومن القواعد الفقهية تصرف الإمام منوط بالمصلحة وهنا يقع الخطأ من البعض حيث يسيء فهم مقصد الولاية فيتعدى حدود الله فتنقلب الولاية من كونها نعمة على المولى عليه إلى نقمة يتجرع مرارتها المولى عليهم.
ومن مقتضى الولاية التأديب. فالتأديب أمر مشروع في حق الزوجة والأولاد دلت النصوص الشرعية عليه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6] ووقايتهم بمتابعتهم على فعل الواجبات وترك المحرمات وتأديب المقصر.
والتأديب مضبوط بالنصوص الشرعية ولم يترك إلى أهواء الناس وأمزجتهم فمن الخطأ حينما يقصر التأديب على الضرب فإذا وقع الخطأ من الزوجة بادر الزوج بالضرب وكأن الأصل في التأدب الضرب وهذا خطأ بين فلا يلجأ للضرب إلا إذا لم تفلح الأساليب الأخرى في تعديل سلوك الزوجة والأولاد وكان في الضرب مصلحة يرشدنا تبارك وتعالى في علاج ترفع الزوجة على زوجها ومعصيتها له بغير حق بقوله تعالى ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] سورة النساء فالتشريع الإلهي في علاج أخطاء المرأة أولا بالنصح والتوجيه وبيان حق الزوج إذا كان لم يخل بواجباته وتخويفها بعاقبة عصيان الزوج في الدنيا من الفرقة وتشتت شمل الأسرة ومن العقوبة الأخروية فأفضل طرق الإصلاح التأثير الداخلي خشية لله ورغبة في مرضاته فهذا التأثير أبقى وأصدق فلذا بدأ به من يعلم أسرار النفس البشرية ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] وقد قيل سوط الوجدان ولا سوط السلطان.
فإذا لم يفلح النصح يلجأ للعقاب المعنوي وهو الهجر فإذا أعيت الرجل المرأة ولم تجد معها أساليب التوجيه يلجأ الزوج للضرب الذي يقصد منه التأديب لا التشفي والانتقام إذا رأى أن في ذلك تقويما لسلوكها وردها للجادة والأمر بالضرب في الآية للإباحة وليس مندوبا فضلا عن كونه واجبا إنما يجب الضرب في الحدود الشرعية المقدرة.
فالعقاب البدني الناس فيه طرفان ووسط فمن الناس من لا يحسن إلا الضرب فحين فقد القدر على الإقناع والتوجيه حينما فقد القدرة على التأثير بالقدوة الحسنة لجأ إلى الضرب فتجده مع أولاده وزوجته جلادا إذا دخل البيت خيم الحزن والكآبة على أهل البيت أسعد الأوقات عند أهله إذا خرج من البيت وتزداد الفرحة إذا سافر فما الظن بأب هذه نظرة أولاده إليه. ومن هذه حاله فقد الود والاحترام بينه وبين زوجته وأولاده ولم يفلح في توجيه أولاده صغارا وكبارا فحينما أعتاد أولاده منه الضرب لم يكن للضرب أثر في تعديل سلوكهم فلسان حال الواحد منهم أفعل ما أريد وأتحمل ألم لحظات وحينما يكبر أولاده يبدأون بالتمرد عليه وعصيان أوامره فهم مصدر إزعاج في حيهم وفي محيط عائلتهم فالتخويف نفعه مؤقت وإذا زال الخوف فلا تسأل عن النتائج.
وطائفة أخرى على النقيض من ذلك لا تعرف العقاب البدني فلذا ليس للأب قدرة على التأثير على أولاده والطائفة الثالثة هي التي ترى أن العقاب البدني يلجأ إليه عند الحاجة في أضيق نطاق لبعض الأولاد وليس لكلهم فبعض الأولاد ربما نشأ صغيرا وتجاوز مرحلة المراهقة من غير أن يحتاج للعقاب البدني فتجدي معه أساليب أخرى في تعديل سلوكه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
من الخطأ في ضرب التأديب الضرب أكثر من عشر جلدات فعن أبي بردة الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" رواه البخاري (6850) ومسلم (1708) فالزيادة على عشرة أسواط خاصة بحقوق الخالق أما التأديب في التقصير العام فلا يزاد على عشر أسواط.
ومن الخطأ ضرب أماكن تضر بالمؤدب كضرب الوجه فالقصد الأدب وليس الإضرارَ وتشويه الخلقة فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه " رواه مسلم (2612).
ومن الخطأ الضرب وقت الغضب فالغضبان يؤثر الغضب عليه فلا يتصرف تصرفا سليما بل يندم على تصرفه حينما يزول الغضب فعلى المؤدب أن يتجنب التأديب عموما وقت الغضب فكان من حكمة الشارع النهي عن الحكم حال الغضب.
ومن الخطأ ضرب المؤدب وهو لم يبلغ السن المعتبر شرعاً لإباحة ضربه فوقت ضرب الولد إن كان على الأمور التعبدية كالتقصير في الصلاة ففي سن العاشرة فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود (495) بإسناد حسن.
أما الضرب على أمور الحياة فإن كان غير مميز فلا يضرب لأنه لا يعقل ولا يدرك الخطأ. أما إن كان مميزا قد بلغ سبعا فأهل العلم من الفقهاء يرون ضربه لأنه يفهم فإذا رأى المربي المصلحة في ضربه ضربا خفيفا لكف شره ضربه.
ويحرم الضرب المُبَرِّح الذي يضر مما يؤدي إلى كسر أو خروج دم أو إعاقة أو ألم شديد ففي حديث جابر حينما خطبهم النبي في عرفة قال في خطبته "وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ "رواه مسلم (1218).
فليتق الله من يتعدى حدود الله فيضرب من لا يستحق الضرب أو يزيد على المباح في الضرب يزيد في قدره أو في صفته وليعلم أن الله أقدر عليه من قدرته على من تحت يده ليتق الله المعلمون والمعلمات فلا يعاقبون أبناء المسلمين وبناتهم بغير حق ولا يتجاوزون في أدبهم حدود الله فلا يرضون لهم إلا ما يرضونه لأولادهم وإخوانهم.
أعجز الناس وأقلهم قدرة على التأثير وتهذيب السلوك من يلجأ للضرب فالكمل من الناس لديهم من أساليب تقويم السلوك ما يغنيهم عن الضرب فأكمل المربين النبي لم يكن يلجأ للضرب في التربية فعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله " رواه مسلم (2328).
فمن أساليب التأديب الهجر كما أرشد ربنا تبارك وتعالى في تأديب الزوجة وكما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أزواجه وليس الهجر خاصا بالزوجة بل حتى الأولاد حتى الكبار منهم يهجرون للمصلحة الراجحة كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خلفوا وأمر الناس أن لا يكلموهم.
ومن أساليب التأديب المنع فالمربي أب أو أم أو معلم قد يمنع المخطئ من أمر يستحقه لو لم يحصل منه تقصير أو تعدي فالمنع أحد أساليب التأديب فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ قَالَ اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ " رواه مسلم (1753) فلما أساء هذا المجاهد إلى أميره حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - سلب القاتل الذي يستحقه لولا إساءته.
الشيخ أحمد الزومان (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/1052/)