مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾


abomokhtar
08-12-2013, 10:32 PM
تفسير قول الله تعالى:

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾



بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2] إخبار من الله تعالى بأن هذا القرآن الذي يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يتطرق الريب إليه من أي ناحية، ولا يخطر الشك في نفس سامعه منصفًا، في ذلك الأسلوب المعجز، وفي تلك المعاني، والأحكام والشرائع، والقصص، والأخبار الغابرة والآتية التي لن يستطيع البشر مجتمعين، فضلا عن ذلك الأمي -: أن يقولها من نفسه، أو ينطق بها لسانه. من سمع القرآن كذلك منصفًا ما يشك لحظة أنه من عند الله العليم الحكيم؛ اللطيف الخبير. ويعلم أيضًا: أنه ليس للشك إلى حقائقه سبيل، ولا للريب إلى أخباره ومقاصده أي استطراق، وتفهم هذا أوضح إذا قرأت قوله تعالى في سورة فصلت ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

فتستفيد من قوله ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ معنيين:
الأول: أن القرآن من عند الله لا شك فيه.
الثاني: أنه منزه في جملته وتفصيله، وألفاظه ومعانيه، وغايته ومقاصده عن الباطل. فصفات الله التي وصف بها نفسه فيه: حق لا شك فيه. وما وصف الأمم السابقة: حق لا شك فيه. وما وصف الدار الآخرة: حق لا شك فيه. وما صف به خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان والجان: حق لا شك فيه. وما وصف به المؤمنين وما أعد لهم: حق لا شك فيه. وما وصف به أنواع الكفر والشرك والكافرين والمشركين وما أعد لهم: حق لا شك فيه. وما فصل فيه من آداب وأخلاق، ضمن لمن تأدب بها وتخلق سعادة الدنيا والآخرة: حق لا شك فيه. وما فصل فيه من أسباب رقي الأمم وعزتهم وأسباب انحلالهم وضعفهم وذلتهم: حق لا شك فيه.

﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ التقوى هي اتخاذ الوقاية التي تقيك وتحفظك من كل ما يضرك في نفسك وروحك وجسمك، ودنياك وآخرتك. ومن الناس من يكون عنده استعداد فطري، وتهيئ طبيعي؛ وتوجه باطني، يدفعه دائما إلى تعرف أسباب الخير والفلاح، فيتخذها سبيلا لوقاية نفسه، وتعرّف جالبات الشقاء فيتجنبها جهد استطاعته، فصاحب هذا الاستعداد ينتفع بهداية القرآن في تحديد أسباب الخير والفلاح تحديدًا دقيقا، والكشف عن أسباب الشقاء كشفًا يجلوها عن كل لبس وزخرف، فيكون القرآن له سراجًا منيرًا، ويكون القرآن له هاديًا وإمامًا يقوده إلى كل خير؛ ويباعده عن كل شر، في نفسه وعقله وروحه وجسمه؛ ودنياه وآخرته.

ومن الناس من هو جامد الطبع؛ خامل النفس، ميت الفكر، لا يعنى بتعرف أسباب الهدى بنفسه، ويرى أنه أصغر وأقل من أن يصل إلى ذلك بنفسه، فهو "إمعة" يقلد غيره تقليدًا أعمى، ويضع نفسه موضع البهائم التي تقاد من أعناقها، فأولئك الذين يقولون ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23] وأولئك الذين قال الله فيهم ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165] وأولئك هم الذين يجمدون بالتقليد الأعمى على ما ورثوا عن الآباء، وعلى ما وجدوا عليه الشيوخ والجمهور وأكثر الناس؛ وأولئك هم الذين يقولون الآن وغير الآن "حطها في رقبة عالم واطلع سالم" وهم الذين يقولون "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل" والذين يقولون "شيخك جاسوس قلبك" وهم الذين يطعنون في صدر القرآن بمذاهبهم، ويردون صريح الحديث الصحيح بأقوال متبوعيهم، يردون قول المعصوم الصادق لقول غير المعصوم، وأولئك هم الذين تدل أحوالهم هذه وأقوالهم على أنهم في ريب من الكتاب؛ وأنهم في شك من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم مريب، وأولئك هم الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون؛ وأولئك هم البلاء الناصب، والشر المستطير على أنفسهم وعلى ما ينتسبون إليه من دين، وأولئك هم الذين ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31] وهم الذين يقولون يوم القيامة ﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 67] وهم الذين ذكر الله من خزيهم ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167،166] وحذرهم الله عاقبة تقليدهم الأعمى وما ينالون من عذاب وحسرة ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27، 28] وما ذلك الشيطان الذي خذلهم وأغواهم وأضلهم عن سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ذلك الشيخ الذي زعموه وزعم نفسه الفاجرة لهم جاسوس قلوبهم ودعاهم وأخذ عليهم عهدًا وثيقا أن يذكروه قبل أن يذكروا الله؛ وأن يستحضروه في قلوبهم قبل أن يستحضروا عظمة الله وجلال الله. وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا. وأكبر الطوام، وأنكى المصائب أن يزعم أولئك المفسدون أنهم أتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إنهم ليتبجحون أنه ليس على السنة أحد سواهم، مع هذا الضلال والفجور، فكيف يهتدي أولئك بالقرآن وهم حرب للقرآن؟ وكيف تنتفع قلوبهم بالقرآن وفيها ذلك الشيخ الشيطان يصدهم عن القرآن، وعما وصف الله به نفسه في القرآن؟ وكيف يستنيرون بنور القرآن وقلوبهم صدئة رجسة بأولئك الأنداد المعبودة مع الله؟ وكيف يهتدون به وهم يعتقدون أن صريح لفظه وواضح معناه ضلال؛ وغير لائق بالله، فهم يظنون أنفسهم أعرف بالله من الله، فهل يمكن لهم بعد هذا أن ينتفعوا بهدايته؟ بل إن على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر وهو عليهم عمى.

نسأل الله العافية ونحمد الله أن أنقذ قلوبنا من تلك الظلمات، وطهرها من هذه القذارات، وطيبها من تلك الشركيات، وجعل القرآن لها هدى ونورًا؛ والهدى هدى الله ولا حول ولا قوة إلا الله.

محمدالجهينى
09-12-2013, 06:29 PM
يسلموو ع ـاْلمجهوود الرآائع


يعطيك الف ع ـآْاْفيه


عوآآفي ع الطرح يالغلااآـآ


لآـاْ حرمنَآأ الإبدآع و ـاْلتميُز منكَـ


كُلْ ـاآلشُكًرْ

أبو سارة وأميرة
15-12-2013, 03:58 PM
اللهم أعنا علي قراءة كتابك

على العربى
15-08-2016, 06:10 AM
جزاك الله خيراً وبارك فيك

alandalos1
25-08-2016, 01:49 PM
جزاكم الله خيرا