mhz2000
14-01-2014, 12:26 AM
قصةغلام من بني هاشم والحجاج بن يوسف الثقفي
خرج الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغيرالسن عمره نحوعشر سنوات وله ذوائب.
فقال له الحجاج : ماذاتفعل هناأيهاالغلام؟
فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : ياحامل الأخبارلقد نظرت إلىّ بعينالاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاجله:أماعرفتني؟
فقال الغلام :عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبلالسلام.
فقال الحجاج ويلك أنا الحجاج بن يوسف.
فقال الغلام:لاقرب الله داركولامزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فماأتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه منكل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أميرالمؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذاالغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في مجلسهوالناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون
وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلامفلما مثل بين يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم بل قال : السلام عليكمفلم يرد الحجاج السلام
فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياًومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقال الغلام : أتبنونبكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوىالحجاج جالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم علىأمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟
فقال الغلام : يابراغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلىأميرالمؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.
فقال الغلام : والله ياحجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
فقال بعضالغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلكيا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.
فقالالغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمنعنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاجعلى من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولمذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعضالجلساء ا***ه يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بنمروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائهبالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءهموسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقالالرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلىالحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاج للغلام : من أيبلد أنت ؟
فقال للغلام: من مصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها منذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهل خرسان.
فقالالحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قالالحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُمنهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولم ذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح وعاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قالالحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهل مكة.
فقال الحجاج : أنت إذنمن أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قومبعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقالالغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثنيب***ك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أنيأنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمتالمدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلىبنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا ونسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر ب***ه.
فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق ال*** وهو دون سن البلوغ أيهاالأمير.
فقال الحجاج : لا بد من ***ه ولو يناد منادى من السماء.
فقالالغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بينيوبين ***ك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين ***ي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على ***ك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على***ي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤالفأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
_فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ١ولا جزع أنا من أولاد رسول الله ـــ صلى الله عليهوسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولاتلقوا بأيدكم إلى _التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أناابن أبي و أمي. _
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحب الأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسألهالحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.
فقال الحجاج : فمنأشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقالالغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجسالعرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفيالحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظالحجاج غيظاً شديداً وأمر ب***ه فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعىأوراق الصوان.
فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوانورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعتالقرآن ؟
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أمافهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآيةأخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآيةصدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكم آية إن الله يأمربالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةشراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم
وأرجى آية قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهارلآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا علىقميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة
وأما الآية التي صدق فيهااليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهودعلى شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقتالجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاقذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذنالله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهبعنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإنعدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلكبالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛
وأما الذي هلكبالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظبالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت منعصا موسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛
والذي هلكبالخشب زكريا عليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجامن الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدمعليه السلام؛؛
والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛
والذي هلك بالماءفرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛
والذي نجا من النار إبراهيم عليهالسلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيهاانهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى...
وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجدنظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم فيالدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.
فقالالحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هي حيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً فيالنساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛
والحياء عشرةتسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛
والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً فيالنساء؛؛
والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛
والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقالالحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام مناستطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيتصبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أنا أهللذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفوويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
_فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني
سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشريننزهة للناظرين؛؛
وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنتالخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها
فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوزفي الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فقال لهالحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلكلما *** قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول:
بكــت عــينـي وحـق لـهابكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـبدمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاًأخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيحتـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيمبـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــلالشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــكتسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفيالفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـىوقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــشالرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول: ـــ
وأكرم الضيف حتما حينيطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقدغمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جاريةوسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها ***ته فلماقدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ
وقــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني
أخـافإذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذاوقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــاف إذا فـقــدتالمـــــال عــندي *** تــــمــيلي للخصــــام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول : ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتمسر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذا عاشـــــرتني وعرفتطـــــــبعي *** ستــعــلم أنـــني خـــــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أماإن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم
تدله على باب النقمةوالعذاب ؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشارمؤتمن..
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضلذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه.
((ارجو أن ينال الموضوع إعجابكم))
(( لا تنسونا من خالص دعائكم))
خرج الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغيرالسن عمره نحوعشر سنوات وله ذوائب.
فقال له الحجاج : ماذاتفعل هناأيهاالغلام؟
فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : ياحامل الأخبارلقد نظرت إلىّ بعينالاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاجله:أماعرفتني؟
فقال الغلام :عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبلالسلام.
فقال الحجاج ويلك أنا الحجاج بن يوسف.
فقال الغلام:لاقرب الله داركولامزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فماأتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه منكل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أميرالمؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذاالغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في مجلسهوالناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون
وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلامفلما مثل بين يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم بل قال : السلام عليكمفلم يرد الحجاج السلام
فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياًومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقال الغلام : أتبنونبكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوىالحجاج جالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم علىأمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟
فقال الغلام : يابراغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلىأميرالمؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.
فقال الغلام : والله ياحجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
فقال بعضالغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلكيا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.
فقالالغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمنعنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاجعلى من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولمذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعضالجلساء ا***ه يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بنمروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائهبالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءهموسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقالالرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلىالحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاج للغلام : من أيبلد أنت ؟
فقال للغلام: من مصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها منذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهل خرسان.
فقالالحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قالالحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُمنهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولم ذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح وعاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قالالحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهل مكة.
فقال الحجاج : أنت إذنمن أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قومبعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقالالغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثنيب***ك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أنيأنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمتالمدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلىبنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا ونسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر ب***ه.
فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق ال*** وهو دون سن البلوغ أيهاالأمير.
فقال الحجاج : لا بد من ***ه ولو يناد منادى من السماء.
فقالالغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بينيوبين ***ك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين ***ي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على ***ك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على***ي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤالفأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
_فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ١ولا جزع أنا من أولاد رسول الله ـــ صلى الله عليهوسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولاتلقوا بأيدكم إلى _التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أناابن أبي و أمي. _
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحب الأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسألهالحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.
فقال الحجاج : فمنأشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقالالغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجسالعرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفيالحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظالحجاج غيظاً شديداً وأمر ب***ه فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعىأوراق الصوان.
فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوانورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعتالقرآن ؟
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أمافهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآيةأخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآيةصدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكم آية إن الله يأمربالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةشراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم
وأرجى آية قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهارلآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا علىقميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة
وأما الآية التي صدق فيهااليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهودعلى شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقتالجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاقذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذنالله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهبعنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإنعدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلكبالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛
وأما الذي هلكبالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظبالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت منعصا موسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛
والذي هلكبالخشب زكريا عليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجامن الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدمعليه السلام؛؛
والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛
والذي هلك بالماءفرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛
والذي نجا من النار إبراهيم عليهالسلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيهاانهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى...
وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجدنظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم فيالدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.
فقالالحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هي حيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً فيالنساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛
والحياء عشرةتسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛
والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً فيالنساء؛؛
والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛
والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقالالحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام مناستطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيتصبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أنا أهللذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفوويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
_فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني
سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشريننزهة للناظرين؛؛
وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنتالخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها
فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوزفي الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فقال لهالحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلكلما *** قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول:
بكــت عــينـي وحـق لـهابكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـبدمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاًأخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيحتـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيمبـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــلالشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــكتسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفيالفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـىوقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــشالرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول: ـــ
وأكرم الضيف حتما حينيطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقدغمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جاريةوسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها ***ته فلماقدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ
وقــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني
أخـافإذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذاوقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــاف إذا فـقــدتالمـــــال عــندي *** تــــمــيلي للخصــــام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول : ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتمسر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذا عاشـــــرتني وعرفتطـــــــبعي *** ستــعــلم أنـــني خـــــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أماإن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم
تدله على باب النقمةوالعذاب ؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشارمؤتمن..
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضلذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه.
((ارجو أن ينال الموضوع إعجابكم))
(( لا تنسونا من خالص دعائكم))