مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم


abomokhtar
18-01-2014, 08:09 AM
حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى
اعتاد كثير من المسلمين أن يجعلوا من شهر ربيع الأول شهرًا لاستحضار سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاعتناء بتفاصيل حياته المشرقة، ودقائق خصاله الجليلة، وأسرار أخلاقه الحميدة، ويريدون أن يعبروا من خلال ذلك عن شديد حبهم لشخصه، وعظيم تقديرهم لجنابه، وجليل احترامهم لمكانته من ربه، تلك المكانة التي ارتقت به إلى درجة خصه الله عز وجل بأن يقسم به دون سائر الأنبياء فقال: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]. قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما خلق الله تعالى، وما ذرأ، وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره"، ثم ذكر هذه الآية. وخاطب الحق سبحانه عباده المحبين لرسوله الكريم فقال: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
وشقَّ له منْ اسمه ليجلَّه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذو العرش محمود وهذا محمدُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



غير أن جميل الاعتناء برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتحقق على وجهه المطلوب إلا بتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس، وعلى كل عزيز؛ قال الله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]. قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يتم لهم مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم، فضلًا عن أبنائهم وآبائهم". وهو ما جاء صريحا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فو الذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين" متفق عليه. قال بدر الدين العيني: "فكأنه قال: حتى أكون أحب إليه من أعزته".

ولما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" البخاري. قال ابن حجر رحمه الله: "عَرَف عمر بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه؛ لكونه السببَ في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى".

وفي حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.

ولا تتحقق هذه المحبة المذكورة إلا بجملة شروط منها:
1- الاعتراف بأن سنته صلى الله عليه وسلم هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وأنها مفسرة لكلام الله، مفصلة لمجمله، مقيدة لمطلقه، مخصصة لعامه، بل ومؤسسة لأحكام جديدة غير موجودة فيه. قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]. قال مجاهد: "لتبين بتفسيرك المجمل، وشرحك ما أشكل، فيدخل في هذا ما تبينه السنة من أمر الشريعة". وهو بين في قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]. قال في البحر: "وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بمعصيتكم إياهما".

ولقد ظهر قوم يسمون بالقرآنيين، قالوا:
نؤمن بالقرآن وحده، ولا حاجة لنا بالسنة، فضلوا عن الحق ضلالا بعيدا. وقد أخبر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، (وفي لفظ: "شَبْعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ") يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ" صحيح سنن ابن ماجة.

2- فإذا تحقق هذا الشرط، كان الشرط الثاني وجوبَ الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في فعل أوامره، واجتناب نواهيه.قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".

قال الحسن البصري: "زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية".

وقال ابن كثير: " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدينَ النبوي في جميع أقواله، وأفعاله، وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد]".

وقال ابن القيم رحمه الله: "فمحب الله ورسوله، يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله، وإذا خلا قلبه من الغَيرة لله ولرسوله، فهو من المحبة أخلى، وإن زعم أنه من المحبين.. فكيف يصح لعبد أن يدعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت، ولا لحقوقه إذا ضيعت؟".

ونحن نقول: كيف يزعم أحدهم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يطعن في القرآن، ويطعن في السنة، وإن صام وصلى؟ كيف يتجرأ بعضهم على النصوص القطعية، ويسعى في رمي بعضها بالتخلف، وأنها من سيئات الجاهلية، كما قالوا عن تعدد الزوجات، أو أنها من العادات البائدة، كما قالوا عن الحج، أو أنها من الظلم والاعتداء، كما قالوا عن التفاضل في الإرث بين الذكر والأنثى، أو أنها من الوصاية على الحريات، كما قالوا في تحريم الخمر والزنا، وفرض الحجاب والعفاف، أو أنها من الكبت والتعقيد، كما في الأمر بغض البصر، والنهي عن الاختلاط..؟ فأية محبة هاته، وهم يتنكرون لمن يحبون، ولا يسلكون سبيل المحبة الحقيقية؟
إني أرى حبَّ النبي عبادة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ينجو بها يوم الحساب المسلمُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لكن إذا سلَك المحبُّ سبيلَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
متأسيًا ولهديه يترسَّمُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



3- وإن من شروط محبة النبي صلى الله عليه وسلم عدمَ الرضا بالإساءة إليه، والجهرَ بالحق في وجه من ينال منه، وقولَ كلمة الحق في وجوه الشاتمين، وبين يدي الشامتين. ذكر الواقدي في المغازي، "أن الصحابية السميراء بنت قيس أصيب ابناها في أحد، فلما نُعيا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: خيرًا، هو بحمد الله على ما تحبين. قالت: أرونيه أنظر إليه. فأشاروا لها إليه، فقالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل".

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
فإن أبي ووالده وعِرضي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لعِرض محمد منكم فِداءُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


الخطبة الثانية
لقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة، في تحقيق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه: "إنا كنا إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا".

وكثير منا اليوم قلبه تجاه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بارد، وأذنه عن نصحه صماء، وعينه عن إبصار الهدي الذي جاء به عمياء، ونفسه عن الاعتراف بخيره وفضله ملأها الجفاء، وجوارحه عن الاقتداء به شلاء، إلا من رحم الله، يملؤون مجامعهم، ونواديهم، وحفلاتهم، بما ينافي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذكرتهم بكلام الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اشمأزوا، وازوروا، ووصموك بالتخلف والرجعية. "وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون".

روى البيهقيفي شُعب الإيمان، أن الصحابة كانوا إذا كلموا الرسول صلى الله عليه وسلم خفضوا أصواتهم، ومنهم أبو بكرحيث قال: "لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل ".

وروى البيهقي أيضًا عن بريدة بن الحصيبقال: "كنا إذا قعدنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، لم نرفع رؤوسنا إليه إعظامًا له".

وقال البراء: "خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير من السكون والهيبة والصمت، إجلالًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام".

وروى الشعبي "أن رجلًا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، وولدي، وأهلي، ومالي، ولولا أني آتيك فأراك، لظننت أني سأموت. وبكى الأنصاري، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أبكاك؟" فقال: ذكرت أنك ستموت ونموت، فترفع مع النبيين، ونحن إذا دخلنا الجنة كنا دونك. فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فأنزل الله على رسوله: [ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء] إلى قوله: [عليمًا] فقال: أبشر يا أبا فلان".

ومما زادني شرفًا وتيهًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكدت بأخمصي أطأ الثريا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

دخولي تحت قولك يا عبادي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأن صيرت أحمد لي نبيا



د. محمد ويلالي (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/967/)

BUDDY
18-01-2014, 06:37 PM
جزاك الله خير