aymaan noor
18-01-2014, 11:07 AM
Global Risks
2014..عام جديد من الاضطرابات العالمية؟ (http://rcssmideast.org/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D 8%AA/%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/Global-Risks-2014.html)
الجمعة, 10 يناير 2014
http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/774bb955a81e24ffe3f4f5e23f5de178_L.jpg
محمد الحسين عبد المنعم
في عالم مفرط الاتصالية، تتسم العلاقات والتفاعلات بقدر كبير من التعقيد والاعتماد المتبادل بين الأطراف والأنظمة الفرعية المختلفة داخل النظام العالمي. وبقدر ما يقدم ذلك النمط من الترابط آفاقًا لتحسين جودة الحياة؛ فإنه في الوقت ذاته، يطرح تحديًا يرتبط على نحو أساسي بالقدرة على فهم وإدراك الأنماط المعقدة لشبكة العلاقات داخل النظام العالمي، وما يمكن أن يترتب على الاعتمادية المتزايدة بين مكوناته، من مخاطر وصدمات غير متوقعة. الأمر الذي يتطلب تطويرًا وتحديثًا لاقترابات وأدوات إدارة المخاطر، بما يمكن من إدراك الصورة الكاملة للتفاعلات العالمية.
ويحل عام 2014، بينما يترقب البشر، مسارات الأحداث والتفاعلات خلاله، ما بين امتدادات لأحداث بدأت في الماضي، وما بين ما قد يطفو على السطح نتيجة تراكمات وتفاعلات سابقة، مكونة ما يطلق عليه "المخاطر العالمية"، التي تمتد آثارها وتداعياتها على نطاق واسع عبر الحدود، إلى الحد الذي تعجز عن مواجهته دولة واحدة، مهما بلغت قدراتها وإمكاناتها، الأمر الذي يؤكد الطبيعة شديدة التعقيد للنظام العالمي، ونظمه الفرعية، ويدفع تجاه إحداث نقلة نوعية في المنظور الذي يتم من خلاله اتخاذ القرار، وإدراك المخاطر، من خلال تنمية القدرات القيادية وتطوير "المرونة الوطنية" للدول كخط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات العالمية.
عام جديد من الاضطرابات العالمية
تحتل مسألة استشراف المستقبل ومساراته، جانبًا كبيرًا من اهتمام الحقل البحثي، خصوصًا في ظل بيئة نظام عالمي شديدة التعقيد، تتسم التغيرات فيها بالسرعة والفجائية في أحيان كثيرة، ولذلك يحرص عدد من المؤسسات على المتابعة المستمرة والدقيقة للتفاعلات على نطاق عالمي، في محاولة لاستخلاص الارتباطات الشبكية بين الأحداث من ناحية، وتنمية تطوير حلول للوقاية، أو استعادة التوازن والتكيف من جهة أخرى في مواجهة "المخاطر العالمية".
ويعرف منتدى الاقتصاد العالمي "المخاطر العالمية"، وفق خمسة معايير أساسية، يمكن معها وصف تهديد معين بأنه "عالمي"، وهي:
النطاق العالمي: بصرف النظر عن مصدر التهديد، سواء كان إقليميًّا أو حتى محليًّا، فإن احتمالية أن تتضرر من التهديد ثلاثة أقاليم عالمية موزعة على قارتين على الأقل، تعني أن التهديد يمكن لمس آثاره على مستوى عالمي.
التأثير العابر للصناعات: بمعنى أن تؤثر المخاطرة سلبًا على ثلاث صناعات أو أكثر.
عدم اليقين: بحيث يحيط الغموض بكيفية ظهور المخاطرة خلال السنوات العشر المقبلة، فضلا عن عدم القدرة على تقدير تأثيرها بشكل دقيق، عدم اليقين بخصوص الاحتمالية والحدة.
التأثير الاقتصادي: بأن لا تقل الخسائر الاقتصادية المحتملة، من جراء المخاطرة المحتملة، عن 10 مليارات دولار أمريكي.
اقتراب تعدد أصحاب المصلحة: إذ إن قدر ما تتسم به المخاطرة من تعقيد فيما يتعلق بتأثيرها ومحفزاتها، فضلا عن الارتباطات بالمخاطر الأخرى، يتطلب نهجًا يتشارك فيه أصحاب المصلحة المتعددون للتخفيف من آثار التهديدات. (وتُصنف المخاطر إلى خمسة نطاقات أساسية: اقتصادية، وجيوسياسية، وبيئية، ومجتمعية، وتكنولوجية).
ثلاثة مخاطر عالمية
وفي سياق متصل، رصد منتدى الاقتصاد العالمي، من خلال استطلاعات للرأي شملت خبراء وعلماء متخصصين من جميع أنحاء العالم، ثلاثًا من المخاطر العالمية، وفقًا للمعايير السابقة، يواجهها العالم في 2014، والتي تكشف عن استمرار موجة الاحتجاجات والاضطرابات العالمية لعام آخر.
استمرار البطالة الهيكلية: يتفق المختصون أن استمرار النمط الحالي من البطالة المزمنة؛ يعد واحدًا من أهم أسباب نشوب الاضطراب الاجتماعي، وتصاعد معدلات الجريمة، بالإضافة إلى إحداث المزيد من الركود الاقتصادي، وتهتك النسيج الاجتماعي.
وبالرغم من وعي معظم الحكومات بحجم المشكلة؛ فإن إيجاد حلول لها يتطلب قدرًا من الابتكار والاستثمار، وضرورة إدراك كل من الحكومات والقطاع الخاص بأن قضية البطالة هي مشكلة عابرة للحدود، لا يمكن التعامل معها إلا من خلال منظور عالمي، وهو ما يتطلب مقاومة النزعات الحمائية فيما يتعلق بانتقال العمالة.
ويبدو دور الحكومات ضروريًّا فيما يتعلق بخلق هياكل منظمة، تقوم من خلالها بتشجيع التوظيف والاستقرار الاقتصادي، عن طريق تحفيز الشركات على خلق الوظائف، ومن ثمّ الاستثمار في موظفيها. وتكتسب مسألة الاستثمار في الموظفين أهمية خاصة؛ إذ إن تنافس العمالة في بيئة عالمية، يتطلب قدرًا متزايدًا من الجودة في مجالات التعليم، والتدريب، وتنمية المهارات.
وفي سياق التعقيد، فإن التطور التكنولوجي، لا يعد مسئولا عن ارتفاع معدلات البطالة، كما هو شائع، فالوظائف لا تختفي وإنما تتطور، بحيث يمكن اعتبار الخسارة في قطاع معين مكسبًا في قطاع آخر. فاستخدام التكنولوجيا في إنهاء المعاملات في المطارات، قد يعني في جانب ما تسريح العمالة المسئولة عن ذلك في السابق؛ إلا أننا نغفل أن آلافًا قد عملوا لتطوير ذلك النظام التكنولوجي.
اتساع التفاوتات في الدخل: يمتد تأثير اتساع التفاوتات في الدخل لجميع مناحي الحياة، لما له من تداعيات على الاستقرار الاجتماعي داخل المجتمعات، فضلا عن تهديده للأمن العالمي. وتتلخص القضية في أن ثروات طائلة تتكون، بينما تقتصر الاستفادة منها على نسبة صغيرة جدًّا من السكان.
ولا تقتصر آثار تزايد تفاوت الدخل على الدول الفقيرة فقط، بل تمتد إلى الدول الكبرى، سواء الدول الصاعدة مثل الصين والهند، أو الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ويعد عدم القدرة على الحصول على تعليم "عالي الجودة" لكافة فئات المجتمع، نظرًا لارتفاع كلفته عن مقدرة الكثير من الأسر متوسطة الدخل؛ من التداعيات المرتبطة بالظاهرة.
ويُعزى انتشار الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسكر، إلى أنماط النظام الغذائي الفقيرة، نظرًا لارتفاع كلفة الأغذية الصحية عن مقدرة الكثير من سكان العالم، فضلا عن عدم توفير أماكن آمنة لمارسة الرياضة، بالإضافة إلى فقر نظم التأمين الصحي.
وقد أظهر العديد من سكان العالم وعيًا بالتهديدات السابقة، وظهرت العديد من الحركات الاحتجاجية حول العالم، تطالب بتغيير القيادات السياسية. ويلعب الشباب دورًا كبيرًا في هذه الحركات؛ إذ ليس لديه ما يخسره، في ظل ما يعانيه من بطالة. وتُظهر الإحصاءات أنه خلال العقد القادم سترتفع نسبة الشباب دون الثلاثين، الأمر الذي يُنذر بتفاقم حدة مخاطر النزاعات السياسية والاجتماعية.
إن الوصول إلى حلول لقضية تفاوتات الدخل؛ تتطلب إرادة سياسية، ومبادرات استراتيجية، تعالج الفقر من منظور متكامل، ذي تأثير طويل الأجل، بالإضافة إلى إجراءات على المدى القصير، تمنح الأفراد مزيدًا من المرونة، واكتساب المزيد من المهارات. كما يجب الاهتمام بشكل متوازٍ بالتفاوتات الاجتماعية مثل التمييز النوعي ضد الفتيات والنساء، كونهن إحدى الحلقات الضعيفة في هذا السياق.
تصاعد التوترات المجتمعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: يشير فشل المجتمعات العربية، التي تمر بمرحلة انتقال، في مأسسة التعددية المجتمعية والديمقراطية، وتحقيق إصلاحات اقتصادية؛ إلى مقدار الغموض وعدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل المنطقة على أرضية من الاستقطاب الحاد.
وفيما كان الاستقطاب في الماضي يتعلق بالعوامل الاقتصادية؛ فإن الوضع في أعقاب "الربيع العربي" تداخلت فيه عوامل أيديولوجية، الأمر الذي أفضى إلى غياب الثقة المتبادلة بين الأحزاب السياسية، وسيادة مناخ من التعصب. هذا، بالإضافة إلى مجتمع دولي ينأى بنفسه عن الانخراط في المنطقة، وقوى إقليمية توجه مسار الأحداث في دول الانتقال، وفق منظورها.
وتجري الآن معركة بين الأفكار في المنطقة العربية، تزيد من الاستقطابات داخلها، فيما يظل استشراف مستقبل المنطقة غامضًا بشكل كبير.
التعقيد والمخاطر العالمية
المخاطر السابقة ليست الوحيدة التي يواجهها العالم في 2014؛ إذ لا تزال قضايا التغير المناخي، والتهديدات الرقمية، وغيرها؛ تمثل "مخاطر عالمية". وبقراءة سريعة للمهددات السابقة، يمكن الخروج بنتيجتين أساسيتين، الأولى تتعلق بكون تلك المهددات ليست وليدة اللحظة، وإنما لها جذورها وتراكماتها عبر الزمن، أما الثانية فتتعلق بالطبيعة المعقدة والمتداخلة لتلك المخاطر. فالحديث حول تفاوتات الدخول، وما يرتبط بمشكلات توزيع الثروة في المجتمعات، ومن ثم التأثير على مستوى وجودة التعليم الذي يتلقاه الفرد؛ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتزايد معدلات البطالة، ونقص العمالة المدربة أو المؤهلة جسمانيًّا وصحيًّا. كما أن ما تمر به دول الربيع العربي من توترات لا تنفصل عن المشكلات الأخرى مثل تزايد معدلات البطالة بين الشباب، الذي يعد قوام الحراك الدائر هناك.
وبالمثل فإن مشكلات مثل التغير المناخي، لها تداعياتها الاقتصادية وثيقة الصلة بأزمات الماء والغذاء، فضلا عن أنماط النمو والتصنيع. كما ترتبط التهديدات الرقمية مثل: القرصنة، ونشر الإشاعات والأخبار المزورة، بالخسائر الاقتصادية، والتوترات المجتمعية والصراعات الإثنية. وعليه، فإنه لا يمكن معالجة أي من المخاطر السابقة، دون نظرة كلية لمجمل التفاعلات الشبكية المعقدة في النظام العالمي.
مما سبق، يمكن استخلاص عدد السمات تتمتع بها النظم المعقدة الديناميكية، منها أن تفاعلاتها لا تتبع النمط الخطي الذي ييسر عملية التوقع، بالإضافة إلى أنها لا تعتمد على معادلة توازن واحدة؛ إذ إنها قابلة للتطور والتكيف وفقًا للظروف. كما أنها، أي النظم الديناميكية المعقدة، يصعب السيطرة عليها، لذلك غالبًا ما يلائمها نمط الإدارة الذاتية، فضلا عن صعوبة توقع سلوك ومخرجات النظام.
المرونة الوطنية كاقتراب لمواجهة المخاطر العالمية
تمثل قدرة النظام على التعافي السريع في أعقاب التعرض للصدمات والمخاطر غير المتوقعة، التحدي الأكبر، الذي يواجه النظام العالمي الذي يتسم بقدر كبير من التعقيد والديناميكية، وهو ما يُطلق عليه "المرونة".
ويعرف منتدى الاقتصاد العالمي "الدولة المرنة" بأنها "الدولة القادرة على التكيف مع السياقات المتغيرة، ومقاومة / تحمل الصدمات المفاجئة، واستعادة التوازن المرغوب فيه، سواء كان بالعودة للوضع الأصلي، أو بالتكيف مع الوضع الجديد، مع الحفاظ على استمرارية أدائها لوظائفها".
وفقًا للتعريف السابق؛ تعد كل من القدرة على التعافي، والقدرة على التكيف؛ مكونات أساسية من مكونات المرونة، إذ يمكن التفرقة في هذا السياق ما بين احتمالين للتعافي، الأول هو العودة إلى الوضع الأصلي، ما قبل وقوع الصدمة أو الحدث غير المتوقع. بينما ينطوي الاحتمال الثاني على عدم القدرة على العودة للوضع الأصلي، وبالتالي تقاس كفاءة مرونة النظام وفق قدرته على التكيف (بمعنى التجديد، وإعادة التنظيم، والتطوير والتنمية)، مع التغير الحادث. بعبارة أخرى، مدى قدرة النظام على القيام بوظائفه بطرق أو أساليب جديدة تتفق والوضع الجديد. لذلك توصف المرونة في بعض الكتابات بأنها قدرة كل من النظام والبيئة على "التطور المشترك".
قدم منتدى الاقتصاد العالمي نموذجًا مبدئيًّا، تحت اسم "مؤشر المخاطر العالمية"، يمكن الاعتماد عليه لقياس مرونة الدولة، وذلك بالاعتماد على تقييم مدى توافر مكونات المرونة في الأنظمة الفرعية الخمسة للدولة، وهي:
النظام الاقتصادي: ويتضمن عدة جوانب، مثل بيئة الاقتصاد الكلي، وسوق السلع والخدمات، وسوق المال، وسوق العمل، والاستدامة والإنتاجية.
النظام البيئي: ويشير إلى عدة جوانب مثل الموارد الطبيعية، والتمدن، والنظام الإيكولوجي.
الحوكمة: وتحتوي جوانب مثل المؤسسات، والحكومة، والقيادة، والسياسات، وحكم القانون.
البنية التحتية: وتتضمن جوانب مثل البنية التحتية الحرجة (الاتصالات، والطاقة، والمواصلات، والمياه، والصحة).
النظام الاجتماعي: ويشمل جوانب مثل رأس المال البشري، والصحة، والمجتمع، والفرد.
وفيما يتعلق بمكونات المرونة، فإنها تنقسم بدورها إلى فئتين، الأولى: خصائص المرونة، وتشتمل على:
القوة Robustness: تشير إلى اعتمادية النظام الفرعي، فضلا عن قدرته على امتصاص وتحمل الاضطرابات والأزمات. وتتأتى الاعتمادية من خلال ضبط وتقييم منتظم للنظام الفرعي، بينما تتحقق قدرة النظام على مواجهة الاضطرابات والأزمات من خلال تصميم آليات لمنع انتشار الصدمات غير المتوقعة، فضلا عن تبني نماذج تكيفية لصنع القرار.
الوفرة Redundancy: وتنطوي على وجود وفرة في الأنظمة الاحتياطية والبديلة، على نحو يُمكن من الحفاظ على قدرة النظام الفرعي على القيام بوظائفه الأساسية، في حالات الاضطراب أو الأزمات. وهو ما يتحقق إذا ما كانت البنية التحتية الحرجة للدولة مصممة على نحو يدمج مجموعة من الطرق، والأساليب، والسياسات، والاستراتيجيات المتنوعة والمتداخلة، بما يحقق الهدف منها.
سعة الحيلة Resourcefulness: وتعني القدرة على التكيف مع الأزمة، والاستجابة على نحو مرن، وتحويل الأثر السلبي إلى أثر إيجابي، إذا اقتضت الحاجة.
بينما تشير الفئة الثانية إلى أداء المرونة من خلال:
الاستجابة Response: وتعني القدرة على التحرك سريعًا في مواجهة الأزمات، ويمكن هذا المكون من مكونات المرونة من تقدير إذا ما كانت الدولة لديها أساليب ناجحة لجمع المعلومات ذات الصلة من كافة أطراف المجتمع، بالإضافة إلى نقل البيانات والمعلومات للآخرين، فضلا عن قدرة صانعي القرار على إدراك القضايا الناشئة سريعًا.
التعافي Recovery: ويشير إلى القدرة على استعادة درجة من الاستقرار في أعقاب كارثة أو حادث معين، بما يتضمن قدرة النظام على أن يكون مرنًا وقابلا للتكيف، فضلا عن التطور للتعاطي مع ظروف جديدة أو متغيرة، في أعقاب التعرض للمخاطر. يقدر هذا المكون قدرات الدولة واستراتيجياتها في الاستفادة من المعلومات في صورة سياسات عامة، واستراتيجيات أعمال، فضلا عن مقدرة صناع القرار على اتخاذ إجراءات للتكيف مع الظروف المتغيرة.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن قياس مرونة الدولة بمعزل عن مرونة الأنظمة الفرعية داخلها، أي أن مرونة الدولة هي حاصل تجميع مرونة الأنظمة الفرعية داخلها (المجتمع، الشركات... إلخ).
وتعتبر المرونة الوطنية خط الدفاع الأول في مواجهة المخاطر العالمية، بيد أن تنمية المرونة وتطويرها لتصبع أكثر كفاءة لا يجب أن تظل مسألة وطنية داخلية، خصوصًا أن الدول قد تتفاوت في هذا المجال تبعًا لمدى تطورها وتقدمها، فضلا عن أن فشل أي من الدول في مواجهة التهديدات؛ لن يقتصر على حدود تلك الدول التي تفشل في تطوير قدراتها، فأزمات مثل البطالة، أو تفاوتات الأجور، أو انتشار النزاعات والتوترات داخل المجتمعات، أو التغير المناخي؛ لا تؤثر فقط على الدول المصابة، أو المصدر لهذه التهديدات؛ إذ تمتد هذه التهديدات للدول المجاورة وجميع أنحاء العالم في صورة لاجئين، وأزمات غذاء، وجريمة منظمة، واتجار بالبشر.. إلخ، الأمر الذي يتطلب قدرًا من التعاون العالمي في هذا الصدد، تلعب المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية فيه أدوارًا تنسيقية، فضلا عن اتخاذها كمنصات للحوار، وتبادل الأفكار، والخبرات، وبناء القدرات، من أجل تدعيم المناعة العالمية للصدمات، والقدرة على التكيف.
2014..عام جديد من الاضطرابات العالمية؟ (http://rcssmideast.org/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D 8%AA/%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/Global-Risks-2014.html)
الجمعة, 10 يناير 2014
http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/774bb955a81e24ffe3f4f5e23f5de178_L.jpg
محمد الحسين عبد المنعم
في عالم مفرط الاتصالية، تتسم العلاقات والتفاعلات بقدر كبير من التعقيد والاعتماد المتبادل بين الأطراف والأنظمة الفرعية المختلفة داخل النظام العالمي. وبقدر ما يقدم ذلك النمط من الترابط آفاقًا لتحسين جودة الحياة؛ فإنه في الوقت ذاته، يطرح تحديًا يرتبط على نحو أساسي بالقدرة على فهم وإدراك الأنماط المعقدة لشبكة العلاقات داخل النظام العالمي، وما يمكن أن يترتب على الاعتمادية المتزايدة بين مكوناته، من مخاطر وصدمات غير متوقعة. الأمر الذي يتطلب تطويرًا وتحديثًا لاقترابات وأدوات إدارة المخاطر، بما يمكن من إدراك الصورة الكاملة للتفاعلات العالمية.
ويحل عام 2014، بينما يترقب البشر، مسارات الأحداث والتفاعلات خلاله، ما بين امتدادات لأحداث بدأت في الماضي، وما بين ما قد يطفو على السطح نتيجة تراكمات وتفاعلات سابقة، مكونة ما يطلق عليه "المخاطر العالمية"، التي تمتد آثارها وتداعياتها على نطاق واسع عبر الحدود، إلى الحد الذي تعجز عن مواجهته دولة واحدة، مهما بلغت قدراتها وإمكاناتها، الأمر الذي يؤكد الطبيعة شديدة التعقيد للنظام العالمي، ونظمه الفرعية، ويدفع تجاه إحداث نقلة نوعية في المنظور الذي يتم من خلاله اتخاذ القرار، وإدراك المخاطر، من خلال تنمية القدرات القيادية وتطوير "المرونة الوطنية" للدول كخط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات العالمية.
عام جديد من الاضطرابات العالمية
تحتل مسألة استشراف المستقبل ومساراته، جانبًا كبيرًا من اهتمام الحقل البحثي، خصوصًا في ظل بيئة نظام عالمي شديدة التعقيد، تتسم التغيرات فيها بالسرعة والفجائية في أحيان كثيرة، ولذلك يحرص عدد من المؤسسات على المتابعة المستمرة والدقيقة للتفاعلات على نطاق عالمي، في محاولة لاستخلاص الارتباطات الشبكية بين الأحداث من ناحية، وتنمية تطوير حلول للوقاية، أو استعادة التوازن والتكيف من جهة أخرى في مواجهة "المخاطر العالمية".
ويعرف منتدى الاقتصاد العالمي "المخاطر العالمية"، وفق خمسة معايير أساسية، يمكن معها وصف تهديد معين بأنه "عالمي"، وهي:
النطاق العالمي: بصرف النظر عن مصدر التهديد، سواء كان إقليميًّا أو حتى محليًّا، فإن احتمالية أن تتضرر من التهديد ثلاثة أقاليم عالمية موزعة على قارتين على الأقل، تعني أن التهديد يمكن لمس آثاره على مستوى عالمي.
التأثير العابر للصناعات: بمعنى أن تؤثر المخاطرة سلبًا على ثلاث صناعات أو أكثر.
عدم اليقين: بحيث يحيط الغموض بكيفية ظهور المخاطرة خلال السنوات العشر المقبلة، فضلا عن عدم القدرة على تقدير تأثيرها بشكل دقيق، عدم اليقين بخصوص الاحتمالية والحدة.
التأثير الاقتصادي: بأن لا تقل الخسائر الاقتصادية المحتملة، من جراء المخاطرة المحتملة، عن 10 مليارات دولار أمريكي.
اقتراب تعدد أصحاب المصلحة: إذ إن قدر ما تتسم به المخاطرة من تعقيد فيما يتعلق بتأثيرها ومحفزاتها، فضلا عن الارتباطات بالمخاطر الأخرى، يتطلب نهجًا يتشارك فيه أصحاب المصلحة المتعددون للتخفيف من آثار التهديدات. (وتُصنف المخاطر إلى خمسة نطاقات أساسية: اقتصادية، وجيوسياسية، وبيئية، ومجتمعية، وتكنولوجية).
ثلاثة مخاطر عالمية
وفي سياق متصل، رصد منتدى الاقتصاد العالمي، من خلال استطلاعات للرأي شملت خبراء وعلماء متخصصين من جميع أنحاء العالم، ثلاثًا من المخاطر العالمية، وفقًا للمعايير السابقة، يواجهها العالم في 2014، والتي تكشف عن استمرار موجة الاحتجاجات والاضطرابات العالمية لعام آخر.
استمرار البطالة الهيكلية: يتفق المختصون أن استمرار النمط الحالي من البطالة المزمنة؛ يعد واحدًا من أهم أسباب نشوب الاضطراب الاجتماعي، وتصاعد معدلات الجريمة، بالإضافة إلى إحداث المزيد من الركود الاقتصادي، وتهتك النسيج الاجتماعي.
وبالرغم من وعي معظم الحكومات بحجم المشكلة؛ فإن إيجاد حلول لها يتطلب قدرًا من الابتكار والاستثمار، وضرورة إدراك كل من الحكومات والقطاع الخاص بأن قضية البطالة هي مشكلة عابرة للحدود، لا يمكن التعامل معها إلا من خلال منظور عالمي، وهو ما يتطلب مقاومة النزعات الحمائية فيما يتعلق بانتقال العمالة.
ويبدو دور الحكومات ضروريًّا فيما يتعلق بخلق هياكل منظمة، تقوم من خلالها بتشجيع التوظيف والاستقرار الاقتصادي، عن طريق تحفيز الشركات على خلق الوظائف، ومن ثمّ الاستثمار في موظفيها. وتكتسب مسألة الاستثمار في الموظفين أهمية خاصة؛ إذ إن تنافس العمالة في بيئة عالمية، يتطلب قدرًا متزايدًا من الجودة في مجالات التعليم، والتدريب، وتنمية المهارات.
وفي سياق التعقيد، فإن التطور التكنولوجي، لا يعد مسئولا عن ارتفاع معدلات البطالة، كما هو شائع، فالوظائف لا تختفي وإنما تتطور، بحيث يمكن اعتبار الخسارة في قطاع معين مكسبًا في قطاع آخر. فاستخدام التكنولوجيا في إنهاء المعاملات في المطارات، قد يعني في جانب ما تسريح العمالة المسئولة عن ذلك في السابق؛ إلا أننا نغفل أن آلافًا قد عملوا لتطوير ذلك النظام التكنولوجي.
اتساع التفاوتات في الدخل: يمتد تأثير اتساع التفاوتات في الدخل لجميع مناحي الحياة، لما له من تداعيات على الاستقرار الاجتماعي داخل المجتمعات، فضلا عن تهديده للأمن العالمي. وتتلخص القضية في أن ثروات طائلة تتكون، بينما تقتصر الاستفادة منها على نسبة صغيرة جدًّا من السكان.
ولا تقتصر آثار تزايد تفاوت الدخل على الدول الفقيرة فقط، بل تمتد إلى الدول الكبرى، سواء الدول الصاعدة مثل الصين والهند، أو الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ويعد عدم القدرة على الحصول على تعليم "عالي الجودة" لكافة فئات المجتمع، نظرًا لارتفاع كلفته عن مقدرة الكثير من الأسر متوسطة الدخل؛ من التداعيات المرتبطة بالظاهرة.
ويُعزى انتشار الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسكر، إلى أنماط النظام الغذائي الفقيرة، نظرًا لارتفاع كلفة الأغذية الصحية عن مقدرة الكثير من سكان العالم، فضلا عن عدم توفير أماكن آمنة لمارسة الرياضة، بالإضافة إلى فقر نظم التأمين الصحي.
وقد أظهر العديد من سكان العالم وعيًا بالتهديدات السابقة، وظهرت العديد من الحركات الاحتجاجية حول العالم، تطالب بتغيير القيادات السياسية. ويلعب الشباب دورًا كبيرًا في هذه الحركات؛ إذ ليس لديه ما يخسره، في ظل ما يعانيه من بطالة. وتُظهر الإحصاءات أنه خلال العقد القادم سترتفع نسبة الشباب دون الثلاثين، الأمر الذي يُنذر بتفاقم حدة مخاطر النزاعات السياسية والاجتماعية.
إن الوصول إلى حلول لقضية تفاوتات الدخل؛ تتطلب إرادة سياسية، ومبادرات استراتيجية، تعالج الفقر من منظور متكامل، ذي تأثير طويل الأجل، بالإضافة إلى إجراءات على المدى القصير، تمنح الأفراد مزيدًا من المرونة، واكتساب المزيد من المهارات. كما يجب الاهتمام بشكل متوازٍ بالتفاوتات الاجتماعية مثل التمييز النوعي ضد الفتيات والنساء، كونهن إحدى الحلقات الضعيفة في هذا السياق.
تصاعد التوترات المجتمعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: يشير فشل المجتمعات العربية، التي تمر بمرحلة انتقال، في مأسسة التعددية المجتمعية والديمقراطية، وتحقيق إصلاحات اقتصادية؛ إلى مقدار الغموض وعدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل المنطقة على أرضية من الاستقطاب الحاد.
وفيما كان الاستقطاب في الماضي يتعلق بالعوامل الاقتصادية؛ فإن الوضع في أعقاب "الربيع العربي" تداخلت فيه عوامل أيديولوجية، الأمر الذي أفضى إلى غياب الثقة المتبادلة بين الأحزاب السياسية، وسيادة مناخ من التعصب. هذا، بالإضافة إلى مجتمع دولي ينأى بنفسه عن الانخراط في المنطقة، وقوى إقليمية توجه مسار الأحداث في دول الانتقال، وفق منظورها.
وتجري الآن معركة بين الأفكار في المنطقة العربية، تزيد من الاستقطابات داخلها، فيما يظل استشراف مستقبل المنطقة غامضًا بشكل كبير.
التعقيد والمخاطر العالمية
المخاطر السابقة ليست الوحيدة التي يواجهها العالم في 2014؛ إذ لا تزال قضايا التغير المناخي، والتهديدات الرقمية، وغيرها؛ تمثل "مخاطر عالمية". وبقراءة سريعة للمهددات السابقة، يمكن الخروج بنتيجتين أساسيتين، الأولى تتعلق بكون تلك المهددات ليست وليدة اللحظة، وإنما لها جذورها وتراكماتها عبر الزمن، أما الثانية فتتعلق بالطبيعة المعقدة والمتداخلة لتلك المخاطر. فالحديث حول تفاوتات الدخول، وما يرتبط بمشكلات توزيع الثروة في المجتمعات، ومن ثم التأثير على مستوى وجودة التعليم الذي يتلقاه الفرد؛ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتزايد معدلات البطالة، ونقص العمالة المدربة أو المؤهلة جسمانيًّا وصحيًّا. كما أن ما تمر به دول الربيع العربي من توترات لا تنفصل عن المشكلات الأخرى مثل تزايد معدلات البطالة بين الشباب، الذي يعد قوام الحراك الدائر هناك.
وبالمثل فإن مشكلات مثل التغير المناخي، لها تداعياتها الاقتصادية وثيقة الصلة بأزمات الماء والغذاء، فضلا عن أنماط النمو والتصنيع. كما ترتبط التهديدات الرقمية مثل: القرصنة، ونشر الإشاعات والأخبار المزورة، بالخسائر الاقتصادية، والتوترات المجتمعية والصراعات الإثنية. وعليه، فإنه لا يمكن معالجة أي من المخاطر السابقة، دون نظرة كلية لمجمل التفاعلات الشبكية المعقدة في النظام العالمي.
مما سبق، يمكن استخلاص عدد السمات تتمتع بها النظم المعقدة الديناميكية، منها أن تفاعلاتها لا تتبع النمط الخطي الذي ييسر عملية التوقع، بالإضافة إلى أنها لا تعتمد على معادلة توازن واحدة؛ إذ إنها قابلة للتطور والتكيف وفقًا للظروف. كما أنها، أي النظم الديناميكية المعقدة، يصعب السيطرة عليها، لذلك غالبًا ما يلائمها نمط الإدارة الذاتية، فضلا عن صعوبة توقع سلوك ومخرجات النظام.
المرونة الوطنية كاقتراب لمواجهة المخاطر العالمية
تمثل قدرة النظام على التعافي السريع في أعقاب التعرض للصدمات والمخاطر غير المتوقعة، التحدي الأكبر، الذي يواجه النظام العالمي الذي يتسم بقدر كبير من التعقيد والديناميكية، وهو ما يُطلق عليه "المرونة".
ويعرف منتدى الاقتصاد العالمي "الدولة المرنة" بأنها "الدولة القادرة على التكيف مع السياقات المتغيرة، ومقاومة / تحمل الصدمات المفاجئة، واستعادة التوازن المرغوب فيه، سواء كان بالعودة للوضع الأصلي، أو بالتكيف مع الوضع الجديد، مع الحفاظ على استمرارية أدائها لوظائفها".
وفقًا للتعريف السابق؛ تعد كل من القدرة على التعافي، والقدرة على التكيف؛ مكونات أساسية من مكونات المرونة، إذ يمكن التفرقة في هذا السياق ما بين احتمالين للتعافي، الأول هو العودة إلى الوضع الأصلي، ما قبل وقوع الصدمة أو الحدث غير المتوقع. بينما ينطوي الاحتمال الثاني على عدم القدرة على العودة للوضع الأصلي، وبالتالي تقاس كفاءة مرونة النظام وفق قدرته على التكيف (بمعنى التجديد، وإعادة التنظيم، والتطوير والتنمية)، مع التغير الحادث. بعبارة أخرى، مدى قدرة النظام على القيام بوظائفه بطرق أو أساليب جديدة تتفق والوضع الجديد. لذلك توصف المرونة في بعض الكتابات بأنها قدرة كل من النظام والبيئة على "التطور المشترك".
قدم منتدى الاقتصاد العالمي نموذجًا مبدئيًّا، تحت اسم "مؤشر المخاطر العالمية"، يمكن الاعتماد عليه لقياس مرونة الدولة، وذلك بالاعتماد على تقييم مدى توافر مكونات المرونة في الأنظمة الفرعية الخمسة للدولة، وهي:
النظام الاقتصادي: ويتضمن عدة جوانب، مثل بيئة الاقتصاد الكلي، وسوق السلع والخدمات، وسوق المال، وسوق العمل، والاستدامة والإنتاجية.
النظام البيئي: ويشير إلى عدة جوانب مثل الموارد الطبيعية، والتمدن، والنظام الإيكولوجي.
الحوكمة: وتحتوي جوانب مثل المؤسسات، والحكومة، والقيادة، والسياسات، وحكم القانون.
البنية التحتية: وتتضمن جوانب مثل البنية التحتية الحرجة (الاتصالات، والطاقة، والمواصلات، والمياه، والصحة).
النظام الاجتماعي: ويشمل جوانب مثل رأس المال البشري، والصحة، والمجتمع، والفرد.
وفيما يتعلق بمكونات المرونة، فإنها تنقسم بدورها إلى فئتين، الأولى: خصائص المرونة، وتشتمل على:
القوة Robustness: تشير إلى اعتمادية النظام الفرعي، فضلا عن قدرته على امتصاص وتحمل الاضطرابات والأزمات. وتتأتى الاعتمادية من خلال ضبط وتقييم منتظم للنظام الفرعي، بينما تتحقق قدرة النظام على مواجهة الاضطرابات والأزمات من خلال تصميم آليات لمنع انتشار الصدمات غير المتوقعة، فضلا عن تبني نماذج تكيفية لصنع القرار.
الوفرة Redundancy: وتنطوي على وجود وفرة في الأنظمة الاحتياطية والبديلة، على نحو يُمكن من الحفاظ على قدرة النظام الفرعي على القيام بوظائفه الأساسية، في حالات الاضطراب أو الأزمات. وهو ما يتحقق إذا ما كانت البنية التحتية الحرجة للدولة مصممة على نحو يدمج مجموعة من الطرق، والأساليب، والسياسات، والاستراتيجيات المتنوعة والمتداخلة، بما يحقق الهدف منها.
سعة الحيلة Resourcefulness: وتعني القدرة على التكيف مع الأزمة، والاستجابة على نحو مرن، وتحويل الأثر السلبي إلى أثر إيجابي، إذا اقتضت الحاجة.
بينما تشير الفئة الثانية إلى أداء المرونة من خلال:
الاستجابة Response: وتعني القدرة على التحرك سريعًا في مواجهة الأزمات، ويمكن هذا المكون من مكونات المرونة من تقدير إذا ما كانت الدولة لديها أساليب ناجحة لجمع المعلومات ذات الصلة من كافة أطراف المجتمع، بالإضافة إلى نقل البيانات والمعلومات للآخرين، فضلا عن قدرة صانعي القرار على إدراك القضايا الناشئة سريعًا.
التعافي Recovery: ويشير إلى القدرة على استعادة درجة من الاستقرار في أعقاب كارثة أو حادث معين، بما يتضمن قدرة النظام على أن يكون مرنًا وقابلا للتكيف، فضلا عن التطور للتعاطي مع ظروف جديدة أو متغيرة، في أعقاب التعرض للمخاطر. يقدر هذا المكون قدرات الدولة واستراتيجياتها في الاستفادة من المعلومات في صورة سياسات عامة، واستراتيجيات أعمال، فضلا عن مقدرة صناع القرار على اتخاذ إجراءات للتكيف مع الظروف المتغيرة.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن قياس مرونة الدولة بمعزل عن مرونة الأنظمة الفرعية داخلها، أي أن مرونة الدولة هي حاصل تجميع مرونة الأنظمة الفرعية داخلها (المجتمع، الشركات... إلخ).
وتعتبر المرونة الوطنية خط الدفاع الأول في مواجهة المخاطر العالمية، بيد أن تنمية المرونة وتطويرها لتصبع أكثر كفاءة لا يجب أن تظل مسألة وطنية داخلية، خصوصًا أن الدول قد تتفاوت في هذا المجال تبعًا لمدى تطورها وتقدمها، فضلا عن أن فشل أي من الدول في مواجهة التهديدات؛ لن يقتصر على حدود تلك الدول التي تفشل في تطوير قدراتها، فأزمات مثل البطالة، أو تفاوتات الأجور، أو انتشار النزاعات والتوترات داخل المجتمعات، أو التغير المناخي؛ لا تؤثر فقط على الدول المصابة، أو المصدر لهذه التهديدات؛ إذ تمتد هذه التهديدات للدول المجاورة وجميع أنحاء العالم في صورة لاجئين، وأزمات غذاء، وجريمة منظمة، واتجار بالبشر.. إلخ، الأمر الذي يتطلب قدرًا من التعاون العالمي في هذا الصدد، تلعب المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية فيه أدوارًا تنسيقية، فضلا عن اتخاذها كمنصات للحوار، وتبادل الأفكار، والخبرات، وبناء القدرات، من أجل تدعيم المناعة العالمية للصدمات، والقدرة على التكيف.