مشاهدة النسخة كاملة : الخيار الغائب


aymaan noor
20-01-2014, 11:58 AM
هل يمثل التصنيع شرطًا أساسيًا للتقدم الاقتصادي بدول الإقليم؟ (http://rcssmideast.org/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D 8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D 9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A6%D8%A8.html)

الإثنين, 20 يناير 2014

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/4adfd8370fcfda7ab752a20618c2d427_L.jpg

كشف التدهور الاقتصادي الحاد اللاحق علي اندلاع الثورات والاحتجاجات العربية نهاية عام 2010، العوار الهيكلي المزمن في بنية أغلب اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، وبالذات فيما يتعلق بتراجع معدلات التصنيع وزيادة الاعتماد على استيراد المدخلات الإنتاجية الوسيطة، نتيجة توقف عمليات التعميق الصناعي بعد بدايات واعدة فى الستينيات، وما تلى ذلك من تدهور شديد في معدلات الصادرات الصناعية، بالتزامن مع انحدار واضح في دور قطاع البحث والتطوير والاعتماد على المشروعات التكنولوجية المستوردة، الأمر الذي أدى إلى تكريس تبعية معظم دول المنطقة التكنولوجية للعالم الغربي المتقدم في حين شقت الدول الآسيوية الناهضة طريقها نحن كسر التبعية التكنولوجية للغرب، بشكل يطرح من جديد جدلية العلاقة الارتباطية بين التصنيع والتقدم الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، والتي اكتسبت أهمية وزخمًا خاصًا خلال الفترة الماضية.

جدل متجدد:

قبيل اندلاع الثورات العربية، ومع توالي الأزمات المالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي منذ عام 2008، تجدد الاهتمام بالسؤال الأبدي المتعلق بمدى أهمية التصنيع لتحقيق التقدم الاقتصادي، حيث يرى البعض أنه لا يمكن لأي اقتصاد الانطلاق إلى آفاق تنموية أرحب دون تأسيس قاعدة صناعية قوية، وأن الاقتصادات التي أهملت التصنيع واعتمدت على الخدمات، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، تعاني من أزمات مالية متلاحقة، بينما استطاعت نظيراتها التي أبقت على قاعدتها الصناعية متماسكة أن تحافظ على أداء تنموي قوي ومستدام، فلا تزال ألمانيا تحقق معدلات نمو مذهلة، كقوة تصنيعية أثبتت جدارتها عبر السنين، كما نجحت الصين في الصعود كقوة اقتصادية عالمية منافسة.

وعلى النقيض من ذلك، يذهب البعض الآخر إلى أن وجود مثل هذه القاعدة الصناعية لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق التقدم أو الحفاظ عليه، فاليابان التي بنت ازدهارها الاقتصادي على التصنيع والتصدير، عانت من ركود طويل دام لمدة 20 عامًا، وكذا فإن تصاعد نمو الاقتصاد الهندي، كان مدفوعًا بالأساس بنمو قطاع الخدمات وليس الصناعات التحويلية كما هو الحال في الصين.

بينما يري فريق ثالث في عملية التحول بعيدًا عن التصنيع والاتجاه نحو الخدمات - سواء في بنية الناتج الإجمالي أو في هيكل القوة العاملة - حتمية تاريخية تعكس بالأساس سرعة معدلات نمو الإنتاجية في القطاع الصناعي ذاته، فدول مثل سويسرا وسنغافورة، والتي تبدو متقدمة بفضل قوة صناعة خدمات مثل التمويل والسياحة والتجارة، هي في الواقع دول ذات قواعد صناعية رصينة، فبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية - اليونيدو، تصدرت سويسرا قائمة مؤشر القيمة المضافة للتصنيع بالنسبة للفرد في العالم، في عام 2002، وبنسبة تزيد بمقدار 24% عن معدل القيمة المضافة للتصنيع في اليابان والتي احتلت المركز الثاني آنذاك، وفي عام 2005، جاءت سويسرا في المركز الثاني بعد اليابان بالنسبة للمؤشر ذاته، فيما احتلت سنغافورة المرتبة الثالثة، وبالتالي فإن هاتين الدولتين واللتين تطرحان كنموذجين لاقتصادات الخدمات المفترضة، تمثلان في الحقيقة اثنتين من أقوى الدول الصناعية في العالم.

واقع صعب:

رغم البدايات التصنيعية الواعدة لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط في ستينيات القرن العشرين، إلا أن الهياكل الإنتاجية في معظم هذه الدول لم تشهد إلا القليل من التنويع نحو التصنيع – المرتبط بالصناعات التحويلية في الغالب - على مدار السنوات الثلاثين الماضية، في الوقت نفسه تقلصت حصة قطاع الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي دون أن يقترن ذلك بتحسن نوعي في الإنتاجية الزراعية، فيما ارتفع الوزن النسبي لقطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي والعمالة، إذ يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر عام 2012 تحت عنوان "فرص وتحديات الشرق الأوسط" إلى ضعف معدلات أداء دول الاقليم في مجال التصنيع بصفة عامة، حيث لم تتجاوز مساهمة قطاع التصنيع نسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي في أي من دول الشرق الأوسط، حيث بلغ نصيب الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي أقصاه بدول الأقليم في الأردن بنسبة 20%، تلاه في ذلك قطاع الصناعة في كل من مصر وتونس والمغرب بنسبة 16% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما جاءت العراق ضمن أقل دول الإقليم في معدلات التصنيع بنسبة وصلت بالكاد لحدود 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه المساهمات المتواضعة لقطاع الصناعة ترجع بالأساس إلى نمو القيمة المضافة للصناعات الاستخراجية بدول الاقليم، وذلك على خلفية تزايد الطلب العالمي على الطاقة، ولا سيما النفط وارتفاع متوسط أسعاره خلال الأعوام القليلة الماضية، ورغم تزايد حصة الصناعات التحويلية من إجمالي مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول الاقليم، حيث وصلت لحدود 17% من الناتج المحلي الإجمالي في كل من الأردن وتونس وفقًا لتقرير صندوق النقد العربي عن القطاع الصناعي، إلا أن هذه النسب تعتبر متدنية بالمقارنة مع مثيلاتها في الدول الصاعدة الأخرى كالصين وكوريا الجنوبية والتي تعدت حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي في كل منهما حاجز الـ30%.

وفي كل الأحوال يمكن قياس مدى تدهور أداء قطاع التصنيع في دول الشرق الأوسط طبقًا لمؤشرين رئيسين: أولهما يتمثل في تراجع حجم صادرات منتجات الصناعة التحويلية والتي لم تتعدى نسبتها حاجز 22% من إجمالي الصادرات في دول الاقليم، وثانيهما يتعلق بتراجع حجم الاستثمارت الأجنبية في مجال التصنيع من ناحية وتركزه في بعض الصناعات التحويلية البسيطة مثل صناعة المواد الكيميائية والمعادن والمعدات والأدوات ومواد البناء من ناحية أخرى.

تغيير مطلوب:

تشير النتائج التجريبية الدولية إلى أن تحقيق التقدم الاقتصادي في بلد ما يرتبط بشكل وثيق بوجود قاعدة تصنيعية صلبة تؤسس لخلق قطاع تصديري قوي، وأن وجود قطاع خدمات محدث ليس بديلا بأي حال عن تأسيس قطاع التصنيع، إذ يكمل كل منهما الآخر، بمعنى أدق يعتبر وجود قطاع تصنيعي متين شرطًا ضروريًا لازدهار قطاع الخدمات، وهو الوضع الذي يبدو معكوسًا تمامًا في أغلب دول الاقليم ومن بينها الدول الغنية بالموارد، وعليه توجد مجموعة متنوعة من الدوافع البنيوية التي تحفز دول منطقة الشرق الأوسط على زيادة مساهمة قطاع الصناعة في تركيبة اقتصاداتها المعتلة على وجه السرعة كالتالي:

1- يساعد قيام اقتصادات الإقليم بتحويل جزء من مواردها الاقتصادية بعيدًا عن الخدمات ونحو التصنيع، في تسريع معدلات نمو الإنتاجية ليس فقط في قطاع الصناعة ولكن أيضًا في قطاع الخدمات، حيث يتسم قطاع التصنيع بكونه أكثر دفعًا للناحية التكنولوجية بالمقارنة مع قطاع الخدمات، وإن كان هناك بعض الأنشطة الخدمية مثل التمويل والاتصالات والنقل قد حققت معدلات نمو إنتاجية سريعة في السنوات الأخيرة بفضل حيوية قطاع الصناعات التحويلية، ومن ثم يدفع هذا التحول التدريجي نحو التصنيع جهود دول المنطقة للتنويع الاقتصادي، وبما يشجع على زيادة تدفقات الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي في القطاعات الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي يسهم في النهاية في تقليل تقلبات النمو في اقتصادات المنطقة.

2- يعد تنويع الاقتصاد بالاتجاه نحو زيادة حصة التصنيع - كثيف التشغيل - من الناتج أساسيًا لإيجاد فرص عمل منتجة ومستدامة، خصوصًا في ظل الارتفاع المتنامي لأعداد القادمين إلى سوق العمل في بلاد المنطقة، وعدم إمكانية الاستمرار في الاعتماد على القطاع العام، الذي ظل لفترات طويلة أكبر مُشغِّل للعمالة في كثير من دول المنطقة، ومن ثم يساعد هذا التوجه في التخفيف من معدلات البطالة المرتفعة، لا سيما بين فئات قوة العمل المنتجة من الشباب، في الوقت نفسه تمتلك أغلب دول المنطقة مقومات متنوعة تستطيع مساعدتها على تنمية تنافسية اقتصاداتها في مجال التصنيع (الصناعات التحويلية)، ليس أقلها ما تمتلكه من سمات ديموغرافية تضمن توافر الأيدى العاملة بتكلفة تنافسية، علاوة على الموارد التي تتمتع بها كثير من دول المنطقة والتي تدعم توفير مصادر رخيصة للطاقة، بالإضافة إلى اتساع حجم السوق المحلية وما يمكن أن توفره من طلب فعال على المنتجات الصناعيىة الوليدة، علاوة على الحوافز التي تقدمها الأنظمة التجارية والمالية والنقدية للدولة.

3- يفتح التنويع في قطاع التصنيع صاحب القيمة المضافة المرتفعة العديد من الأبواب أمام تصدير منتجات جديدة بدلا من تصدير المنتجات ذاتها بصورة أولية، إذ يساعد انتعاش قطاع الصناعات التصديرية البلاد على تحسين تنافسية اقتصاداتها الدولية من خلال زيادة معدل إنتاج وتصدير السلع المصنعة القابلة للتبادل، الأمر الذي يخفض من عجوزات الموازين التجارية في المدى القصير ويحسن من مستويات المعيشة على المدى الطويل، حيث أن ضعف حصة الصناعة في الاقتصاد يعني ضمنًا تراجع عائدات الصادرات السلعية، وبما يقلص من القدرة التنافسية للاقتصاد على المدى الطويل، وهذا ما حدث بالفعل في الاقتصاد الأمريكي خلال العقود الثلاث الماضية، فرغم كونه الأكثر تقدمًا في تصدير الخدمات، إلا أن الفائض التجاري الذي تولده لا يتعدى على أقصي تقدير 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما لا يكفي لتغطية العجز التجاري الناتج عن التصنيع السلبي والذي يقدر بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وبما يدفع الولايات المتحدة إلى الاقتراض بكثافة من الخارج لتغطية مثل هذا العجز التصنيعي.