مشاهدة النسخة كاملة : كيف بدأ الزحف العسكرى إلى إدارة المجتمع؟ (1 ـ 2)


علوة حامد
22-03-2014, 10:01 PM
د. سعيد اسماعيل علي

عند قيام ثورة يوليو على أكتاف القوات المسلحة عام 1952، لم تكن لها كوادر مدنية يمكن أن تطمئن بها على تحقيق غاياتها بمنهجها الخاص بها ، فقد كانت الكوادر المدنية صاحبة الخبرة فى كل شئ من التعليم إلى الدبلوماسية ، ومن الصناعة إلى الرى والزراعة ، رغم تعاطفها مع الثورة العسكرية فى بعض غاياتها ، لا تقر بعض هذه الغايات ، وهو أمر طبيعى واجهته كل ثورات العالم فى مراحل الانتقال : أن تجد الموالين والأعداء للقديم والجديد ، ولكن الثورات المدنية كان دائما لديها الحد الأدنى من الكوادر صاحبة الخبرة والولاء فى وقت واحد . كان لديها الضباط الأحرار والاقتصاديون الأحرار والمهندسون الأحرار والمعلمون الأحرار ، والثوار فى كل مهنة وحرفة ممن يمكن لهم تسيير الأمور . لكن الثورة العسكرية فى مصر لم تجد سبيلا لحماية نفسها من أصحاب القديم ومن التيارات الثورية الأخرى المتلاطمة طوال عهد الثورة إلا بالاعتماد على " الضباط الأحرار " ومن لاذ بهم من ضباط الصف الثانى أو المدنيين المتقربين على أساس الولاء الشخصى ، دون أى قيد فنى أو شرط فكرى .



وفرض تطور الأحداث ، بعد أسابيع معدودة من قيام الثورة ، أن يتقدم العسكريون لتولى السلطة سافرين بعد أن تخفوا شهرا وراء وزارة مدنية برئاسة على ماهر ، حيث تولى محمد نجيب رئاسة الوزارة فى 7/9/1952 ، وفى 16/6/1953 دخل حكومة نجيب أربعة أعضاء من مجلس قيادة الثورة وساعد ظروف متعددة على إقدام العسكريين للظهور على مسرح القيادة.


وقد ذهب الدكتور أنور عبد الملك إلى أن الضباط – فيما يبدو- أنكروا على كل الفئات الاجتماعية ، وعلى كل مجموعة وطنية ما عدا الجيش ، حق وواجب قيادة بعث مصر . هم وحدهم كانوا يملكون القوة التى لا غنى لبلد عنها ما زال تحت سيطرة الاستعمار العسكرية .


والعسكريون فى عملهم لهم طبيعة خاصة ، وكل مهنة لها مواصفات معينة تجمع المنتمين إليها وتصبغهم بصبغتها ، والحياة العسكرية تنمى فى الضباط الروح الفردية والطاعة لأن كل فرد فى العسكريين له سلطة إصدار الأوامر على من هم أحدث منه ، وعليه واجب تنفيذ أوامر من هم أقدم منه بلا اعتراض أو مناقشة ، ومثل هذه الحياة تخلق فى الضباط ما يسمى " عيوب المهنة " ، ولكل مهنة عيوبها كما لها فضائلها ، وهى عند الضباط تتمثل فى هذا الالتزام الشهير بتنفيذ الأوامر ، وتجنب المناقشة أو عدم القدرة عليها ، والانعزال عن المجتمع لارتباطهم غالبا بحياة المعسكرات ، ووجود صلات شخصية وثيقة بينهم لتواجدهم الدائم مع بعضهم وخاصة فى المناطق الخارجية والنائية ، وعزوفهم فى الغالب عن الثقافة والقراءة حيث لا تلتزم حياتهم بذلك إلا فى حدود الشئون العسكرية. وظل الجيش هو المصدر الرئيسى لتوريد الوزراء والمحافظين ورؤساء مجالس الإدارة ووكلاء الوزارات والسفراء وغيرهم من أصحاب المناصب الرئيسية ...


ولم يكن جميع نواب الرئيس ضباطا عسكريين فحسب ، ولا أعضاء فى " هيئة الضباط الأحرار" ، بل كانوا – باستثناء على صبرى – أعضاء فى " اللجنة التنفيذية العليا للضباط الأحرار" أيضا. كذلك ، لم يكن جميع رؤساء الوزارات عسكريين من أعضاء " هيئة الضباط الأحرار" فحسب ، بل كانوا – باستثناء على صبرى، وصدقى سليمان العسكريين – أعضاء فى " اللجنة التنفيذية " أيضا ، وعندما أعاد الدستور ا الثالث منصب نائب رئيس الوزراء فى 25/64 ، كان عشرة من أصل السبعة عشر الذين احتلوا ذلك المنصب حتى نهاية سبتمبر 70 من أعضاء هيئة الضباط الأحرار . وعلى الصعيد الوزارى ، تولى وزارة الحربية( الدفاع) حتى سبتمبر 62 ثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية ، ومنذئذ حتى نهاية 70 تم تعيين جميع وزراء الحربية ( باستثناء محمد فوزى ) من بين أعضاء هيئة الضباط الأحرار ، علما بأنه كان ابن عم سكرتير الرئيس للمعلومات .


أما وزارة الداخلية فكانت حكرا على زكريا محيى الدين حتى مارس 1968 ، حيث تولاها ضابط من هيئة الضباط الأحرار هو شعراوى جمعة ، وباستثناء فترة قصيرة تولاها ضابط شرطة (عبد العظيم فهمى) . وتولى عسكريون كذلك وزارات الشئون البلدية والقروية ، والشئون الاجتماعية ، ووزارة الثقافة ، ووزارة الإرشاد القومى ، والتربية والتعليم ، والأوقاف وشئون الأزهر ، والشباب ، فترات مختلفة.



كما تدفق العسكريون على المراكز الكبرى فى وزارة الخارجية ، ففى 1952 لم يكن يوجد فى الخارجية المصرية سفراء من العسكريين سوى اثنين ، وفى عام 62 بلغ عدد العسكريين 72 ضابطا من بين مائة هم إجمالى المناصب الرئيسية فى الوزارة ، وكان جميع سفراء مصر فى أوربا فى عام 62 من الضباط عدا ثلاثة من المدنيين .



وعندما طبق نظام الإدارة المحلية لأول مرة عام 60 نجد أنه من بين 21 محافظا كان عدد ضباط الجيش بينهم 11 ضابطا ، وخمس من ضباط الشرطة ، ليصبح المجموع 16 عشر عسكريا. وفى المواقع القيادية العليا فى الإدارة المصرية ، فيما يلى مستوى وكلاء الوزراء ، بلغ عدد العسكريين 3714 من بين 5766 .



وحدث الشئ نفسه فى التنظيمات السياسية التى أقامتها الثورة ، من هيئة التحرير ، إلى الاتحاد القومى ، إلى الاتحاد الاشتراكى ، فكانت نسبة العسكريين حتى الأمانة العامة 75% عام 62 ، وفى عام 64 ، أصبحت 61,9 % ، ثم وصلت إلى 56,3 % فى 65 . وكان رجال حاشية عبد الناصر ، الذين أحسوا بالقوة التى منحها إياهم قربهم من "الريس " ، يتصرفون على أساس أن كل واحد منهم " ريس " صغير فى دائرة اختصاصه ، وكان الذين خضعوا لتصرفات " مسئولى المستوى الثانى " الفوقية ، يدركون ، وربما أكثر من اللازم ، حقيقة قرب مسئوليهم من الريس ، بحيث أصبحوا ، إما فعلا ، خانعين لرجال الحاشية أولئك ، أو ، كى يتجنبوا الأسوأ ، تظاهروا وتصرفوا بطريقة خانعة. للحديث بقية...




http://almesryoon.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/blog/285-%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89/420513-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D8%9F-1-%D9%80-2