محمد رافع 52
04-04-2014, 04:46 PM
إن المال من نعم الله على العباد ، وهو نوع من أنواع الزينة في هذه الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46) .
ولا شك أن المال ضروري لقيام حياة الناس في مصالحهم ومعاشهم ، والعقلاء من الناس يعلمون هذه الحقيقة ، ولهذا تراهم لا يبددون أموالهم فيما لا يجدي نفعا في دنياهم أو أخراهم.
وكما أمر الله تعالى أن يكتسب العباد أموالهم من حلال طيب كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (البقرة: من الآية168).فإنه نهاهم عن إضاعة المال وإعطائه السفهاء فتفوت بذلك مصالح كثيرة ويكون الفقر والحاجة :(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: من الآية5).وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " إن الله كره لكم ثلاثا "، ذكر منها "إضاعة المال".
من أجل ذلك حرم الله الاعتداء على الأموال بأي صورة من الصور فقال عز وجل : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188) .
كما حرم السرقة ووضع حدا للسارق يقام عليه بعد ثبوت ارتكابه السرقة : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (المائدة:38).إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تحرم الاعتداء على الأموال وإضاعتها.
ومن صور إضاعة المال الإسراف ، والإسراف في اللغة هو مجاوزة الحد ،ويعرفه الجرجاني بأنه مجاوزة الحد في النفقة. والإسراف كما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير ، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف ".
محمد رافع 52
04-04-2014, 04:49 PM
الشرع ينهى عن الإسراف:
ولأن الإسراف من مساوىء الأخلاق التي تعود على صاحبها وعلى المجتمع والأمة بالكثير من الأضرار فإن الله عز وجل قد نهى عباده عنه فقال: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31).
وقال تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).
وقال عز وجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة ".
والأدلة في هذا كثيرة.
ومن أسباب الإسراف:
للإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها:
1 - جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره ، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين).. ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلى الإسراف. جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف..".
2 النشأة الأولى: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولى، أي الحياة الأولى، ذلك أن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي،وصدق من قال:
وينشأ ناشىء الفتيان فينا --- على ما كان عوده أبوه
3- الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة. والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر.
4 - السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر، فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماماً، فيكون الإسراف والتبذير.
5- صحبة المسرفين: وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ أن المرء كما قال صلى الله عليه وسلم: "على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
6 حب الظهور والتباهي: وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.
7 المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها.
محمد رافع 52
04-04-2014, 04:51 PM
من صور الإسراف في واقعنا
هناك صور كثيرة في دنيا الناس حين يراها العبد بمنظار الشرع يراها إسرافا وتبذيرا وتجاوزا للحدود ، قد أشار أبو الحسن الماوردي رحمه الله إلى كثير منها حين قال:
( من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذماً ويحمل إلى آخرته إثماً كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين، ومن التبذير أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه، ومن التبذير أن يجعل المال في الفُرش الوثيرة والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها.." ثم يقول: "وكل ما أنفقه الإنسان ما يكسبه عند الله أجراً ويرفع له إليه منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمداًً فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر. وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثماً وعند العقلاء ذماً فهو تبذير وإن قلّ...).
فإنفاق المال على الدخان والمخدرات والمسكرات من أعظم صور الإسراف والتبذير ، وإنفاقه في فضول الطعام والشراب بل ورمي الطعام والشراب في القمامة من صور الإسراف والتبذير ، والعجيب أن بعض الدول الإسلامية تبلغ نسبة فضلات الأطعمة الملقاة في القمامة فيها 45% ، أليس هذا إسرافا وتبذيرا؟!.
ثم إن من صور الإسراف والتبذير متابعة الموضة والانشغال بجنون الأزياء والاستجابة لضغوط الحملات الإعلامية الصاخبة التي تحمل كثيرا من متابعيها على شراء ما لا يحتاجون.
وبالجملة فإن صور الإسراف والتبذير كثيرة ، نسأل الله أن يقينا والمسلمين شرها ، وأن يجنبنا جميعا كل مكروه وسوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد رافع 52
04-04-2014, 05:11 PM
الإسراف في الماء
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن ترشيد استهلاك المياه، وكثرت الدعوات من جانب المنظمات والهيئات الدولية والمحلية لمراعاة جوانب الترشيد وعدم الإسراف في استخدامات هذه النعمة، التي أنعم الله بها على البشرية، وجعل منها كل شيء حي «وجعلنا من الماء كل شيء حي». ووجوه الإسراف أكثر من أن تحصى أو تعد، كما أن وجوه الترشيد أيضا كثيرة لا تعد ولا تحصى، والمهم أن نتخذ الخطوة الأولى في نشر ثقافة الترشيد أو الاقتصاد في كل شيء، بدءا من البيت مرورا بالمدرسة وانتهاء بالدوائر والمؤسسات والجمعيات والهيئات. ويحتاج ذلك إلى وقفة من الوالدين ومن المعلمين ومن وسائل الإعلام المختلفة، فالوالدان هما المعنيان في المقام الأول لتعويد أطفالهما على الاقتصاد وعدم الإسراف سواء في الطعام أو اللباس أو استخدام الماء في الاستحمام أو حتى الوضوء، الذي يعتبر من القربات إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تصح الصلاة إلا بها، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الإسراف في الوضوء، فقد مر النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضأ فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ ؟» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ: « نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَار» رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
والإسلام يربي في نفوس أهله كراهية الإسراف في كل شيء بل يبلغ الأمر إلى وصف الإسراف بالطغيان وربط ذلك بغضب الله تعالى في قوله عز وجل: «كُلُوا مِن طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُم وَلاَ تَطْغَوا فِيهِ فَيَحِل عَلَيْكُم غَضَبِي وَمَن يَحْلِل عَلَيْه غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» طه 81، ويقول سبحانه «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً» الفرقان:67.
وعدم الإسراف يمكن أن يكون منهج حياة لكل إنسان يود أن يعيش بدون مشاكل صحية والتي تنتج من الإسراف في الأكل أو الشرب، كما أن عدم الإسراف في الوضوء يمكن أن يكون ملازما للشخص طوال حياته إذا كان مؤمنا بفائدة ذلك، ومؤمنا بأن هذا هو هدي الإسلام وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى ولو لم تكن الحنفيات الموجودة في المساجد أو البيوت أو أماكن العمل مصممة للتخفيف أو الحد من اندفاع الماء، فيمكن أن يخفف من فتحها قليلا وإغلاقها مع الانتقال من غسل عضو إلى غسل عضو آخر.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم في ذلك أروع الأمثلة، فعن سَفِينةَ رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُغَسِّلُه الصَّاع مِنَ الْمَاءِ مِنَ الْجَنَابَة، وَيُوَضِّئُه الْمُدُّ. رواه مسلم.
محمد رافع 52
04-04-2014, 05:17 PM
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء، فقد روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال (ما هذا الإسراف؟)، فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال (نعم وان كنت على نهر جار) أخرجه بن ماجه في سننه.
لا شك بأن الكثير سمِع كلمة إسراف دون فهم معناها ..
فالإسراف لغةً : تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان
و الإسراف إصطِلاحاً : هو صرف المال فيما يستقبحه العقلاء او فيما لا ينبغي
أشكال الإسراف :
1)الإسراف في الماء :
- فالماء أساس كل حي، قال تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30]
- نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء، فقد روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال (ما هذا الإسراف؟)، فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال (نعم وان كنت على نهر جار) أخرجه بن ماجه في سننه.
2)الإسراف في المأكل و المشرب :
- وقد نهى القرآن الكريم عن الإسراف فيه ، فقال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين}[الأعراف: 31]،
- وقال تعالى: {كلوا من ثمرة إذا أثمر، وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين} [الأنعام: 141]
2) الإسراف في الإنفاق :
- وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان: 67].
نهى الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال ،
روى البخاري (5975) ومسلم (593) عن الْمُغِيرَة بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ ثَلاثٍ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ .
وسوف يُسأل كل إنسان يوم القيامة عن ماله : من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ؟ رواه الترمذي (2417) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
- و المال : قوام الحياة , سبب في تلبية حاجات الإنسان و توفير حياة كريمة , و إعتبره الإسلام من الضرورات الخمس .
- وفي جامع معمر :عن علي ، قال : « ما أنفقت على نفسك ، أو على أهل بيتك في غير سرف ، ولا تبذير فلك ، وما تصدقت رياءً وسمعةً ، فذلك حظ الشيطان »
هذا والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب والحق .
4) الإسراف في اللباس :
- وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده» ورواه النسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة»
- وقول ابن عباس رضي الله عنهما : « كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف أو مخيلة »
رواهما البخاريُّ تعليقًا ووصلهما ابن حجر .
مخاطر الإسراف :
- وتوعد القرآن المسرفين بالهلاك فقال تعالى: {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} [الأنبياء: 9].
- وعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين)..
- ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وعدم السيطرة على الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلى الإسراف.
- جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف..".
أسباب الإسراف :
1) جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعاً على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نُهى عنه.
2) قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي.
3)الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة.
4) صحبة المسرفين ,ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ أن المرء كما قال صلى الله عليه وسلم: "على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
5) السعة بعد الضيق: وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر
6) المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل
7) حب الظهور والتباهي , أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم.
8) الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير.
الإعتدال :
- أمرنا الله تعالى بالاعتدال في النفقة فقال سبحانه " وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ "
وروى عبدُ بنُ حُمَيد في تفسيره عن الحسن: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } قال: ذلك ألا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس.
- و لا ننسى بأنه يجب علينا الإعتدال في كل شيء و لا نقتصر فقط على النفقة
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه ( دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه)
كما قال تعالى (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا))
..............................
تبين من خلال دراسة ميدانية عن المشكلات الاقتصادية التي تواجه الشباب أن معظم التعبيرات الحرة من أفراد عينة البحث كانت تعبر عن التبذير والإسراف في غير مكانه بنسبة 8،3% ومن نماذج تعبيراتهم الحرة: "عدم التوازن في النفقات وعدم تنظيم الصرف"، "عدم قدرتي على حفظ نفسي من صرف المال"، هذه التعبيرات تبرز حاجة الشباب خاصة إلى المنهج الإسلامي في معالجة ظاهرة الإسراف
و أخيرا أنتهي بقول الرحمن لا إله إلا هو سبحانه
قال اللهُ تعالى :" وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " (سورة الأنعام 141- سورة الأعراف 31)
محمد رافع 52
04-04-2014, 05:26 PM
النهي عن الإسراف
د. أمين بن عبدالله الشقاوي (http://www.alukah.net/Authors/View/sharia/450/)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فمِن الصفات المذمومة التي نهى الشارع عنها صفةُ الإسراف.
قال الراغب: "هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أَشْهَرَ"[1] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn1).
وقال سفيان بن عُيَيْنة: "ما أنفقتَ في غير طاعة الله سَرفٌ، وإن كان ذلك قليلاً"[2] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn2).
قال - تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
والإسراف يتناول المال وغيره؛ قال - تعالى - محذرًا عبادَه من الإسراف: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
قال بعض السَّلف: "جَمَعَ اللَّهُ الطِّب في نصف آية: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}"[3] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn3).
وقال – تعالى -: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].
قال عطاء بن أبي رباح: "نُهوا عن الإسراف في كلِّ شيءٍ"[4] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn4).
قال ابن كثير: "أيْ: ولا تسرفوا في الأكل؛ لما فيه من مضرَّة العقل والبَدَن"[5] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn5).
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كُلُوا، وتصدَّقوا، والبسوا، في غير إسرافٍ ولا مَخِيلَةٍ[6] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn6)))[7] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn7).
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "كُلْ ما شئتَ، والْبَسْ ما شئتَ، ما أخطأَتْكَ اثنتانِ: سَرفٌ أو مَخِيلَةٌ"[8] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn8).وعن المِقدام بن معدِي كَرِب - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شرًّا مِن بطنه، بحسْبِ ابن آدم أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لِشَرَابه، وثُلُثٌ لِنَفَسِه))[9] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn9).
وفرَّق بعض العلماء بين التبذير والإسراف الذي جاء النهي عنه في قوله – تعالى -: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27]، فقالوا: إن التبذير هو صرف الأموال في غير حقِّها؛ إما في المعاصي، وإما في غير فائدة؛ لعبًا وتساهلاً بالأموال، أما الإسراف: فهو الزيادة في الطعام والشراب واللِّباس، في غير حاجةٍ.
قال - تعالى - مادحًا عبادَه المقتصِدين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}؛ أي: ليسوا بمبذِّرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصِّرون في حقِّهم، فلا يكفونهم؛ بل عدلاً خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا"[10] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn10).اهـ.
وقال – تعالى -: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء:29]، وهذا هو التوسُّط المأمور به: لا بخل، ولا إمساك، ولا إسراف، ولا تبذير، لكن بين ذلك.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "يقول - تعالى - آمرًا بالاقتصاد في العيْش، ذامًّا للبخل، ناهيًا عن الإسراف: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ}؛ أي: لا تكن بخيلاً مَنُوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا، {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}؛ أي: ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، وتُخرج أكثرَ من دَخْلِكَ؛ {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}؛ أي: فتقعد إن بخلت ملومًا؛ يلومك الناس، ويذمُّونك، ويستغنون عنك، ومتى بسطتَ يدك فوق طاقتك، قعدتَ بلا شيءٍ تنفقه؛ فتكون كالحسير، وهي الدابَّة التي عجزت عن السَّيْر"؛ ا هـ[11] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn11).
قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ما أنفقت على نفسكَ وأهلِ بيتكَ، في غير سَرفٍ ولا تبذير، وما تصدَّقتَ به، فهو لك، وما أنفقت رياءً وسمعةً، فذلك حظُّ الشيطان"[12] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn12).
وقال ابنُ الجَوْزي: "العاقل يدبِّر بعقله معيشته في الدنيا، فإن كان فقيرًا اجتهد في كسبٍ وصناعةٍ تَكُفُّه عن الذُّلِّ للخَلْق، وقلَّل العلائقَ، واستعملَ القَناعة؛ فعاش سليمًا من مِنَن الناس، عزيزًا بينهم، وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يدبِّر في نَفَقَتِه؛ خوفَ أن يفتقر، فيحتاج إلى الذُّلِّ للخَلْق..."؛ إلى آخر ما قال[13] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn13).
وينبغي أن يُنْتَبَهَ لأمرٍ:
وهو أن الإنفاق في الحقِّ لا يُعَدُّ تبذيرًا؛ قال مجاهد: "لو أنفق إنسانٌ مالَهُ كلَّهُ في الحقِّ، لم يكن مبذِّرًا، ولو أنفق مُدًّا في غير حقٍّ كان مبذِّرًا"[14] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn14).
ومن الإسراف الذي يقع فيه بعض الناس: الإسْرَاف في الولائم، وحَفَلات الزَّوَاجِ، وغَيْرها مِنَ المناسبات، صغيرة أو كبيرة؛ حيثُ تُقدَّم بها الأَطعمةُ أَكْثَرَ من الحاجة.
ومنها: الإسراف في استخدام نعمة الماء؛ فعن أنس - رضي الله عنه -: "إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضَّأ بالمُدِّ، ويغتسل بالصَّاع، إلى خمسة أمداد[15] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn15)"[16] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn16).
وقد نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المؤمنَ أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات؛ فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: "جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا"، ثم قال: ((هكذا الوضوء؛ فمَن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظَلَم))"[17] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn17).
ومنها: الإسراف في استخدام نعمة المال؛ فعن خَوْلَة الأنصارية قالت: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة))[18] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn18).
ويدخل في هذا الحديث: الذين يسافرون إلى بلاد الكفار، فينفقون المبالغ الطائلة في تلك الرحلات، وهم بهذا جمعوا بين معصيتين:
الأولى: السفر إلى بلاد الكفار، وقد نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ فعن جرير - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يقيم بين أظهر المشركين؛ لا تَرَاءَى ناراهما))[19] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn19).
الثانية: دعم اقتصاد هذه الدول الكافرة بهذه الأموال التي تُنْفَق فيها.
عن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه فيمَ فعل؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟))[20] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftn20)؛ الحديث، وغير ذلك من الصور.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref1) "موسوعة نضرة النعيم"، (9/3884).
[2] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref2) "موسوعة نضرة النعيم"، (9/3884).
[3] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref3) "تفسير ابن كثير"، (2/210).
[4] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref4) "تفسير ابن كثير"، (2/182).
[5] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref5) "تفسير ابن كثير"، (2/182).
[6] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref6) مَخِيلَة: هي العجب والكبر.
[7] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref7) "سنن النسائي"، (5/79)، برقم (558)، ورواه البخاري معلقًا مجزومًا به، (4/53).
[8] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref8) "صحيح البخاري"، (4/53).
[9] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref9) "سنن الترمذي"، (4/590)، برقم (2380)، وقال: حديث حسن صحيح.
[10] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref10) "تفسير ابن كثير"، (3/325).
[11] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref11) "تفسير ابن كثير"، (3/36).
[12] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref12) "الدر المنثور"، (5/275).
[13] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref13) "صيد الخاطر"، (ص: 404).
[14] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref14) "تفسير ابن كثير"، (3/36).
[15] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref15) المد: مِلء كفَّيِ الرجل المُعْتَدِلِ.
[16] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref16) "صحيح البخاري"، (1/85)، برقم (201)، و"صحيح مسلم"، (1/258)، برقم (325).
[17] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref17) "سنن النسائي"، (1/288)، برقم (140).
[18] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref18) "صحيح البخاري"، (2/393)، برقم (3118).
[19] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref19) "سنن الترمذي"، (4/155) برقم (1604)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير"، برقم (1461).
[20] (http://www.alukah.net/sharia/0/8471/#_ftnref20) "سنن الترمذي"، (4/612)، برقم (2426).