abomokhtar
20-07-2014, 10:47 PM
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
(حق الميراث)
من أبرز الانتقادات التقليدية التي تتكرر في نطاق الحديث عن المساواة وضرورتها بين الرجل والمرأة، والوقوف عند قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، والنظر إليه على أنه وثيقة إدانة للشريعة الإسلامية، التي ضُبطت من خلال هذا الكلام متلبسة بتهمة التفريق بين الرجل والمرأة في أبرز
ما ينبغي أن تناله من حقوق ألا وهو حق الميراث.
وسبب هذا الوهم الكبير في فهم الآية؛ لأن سماسرة هذا الانتقاد يفهمون من قوله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] قانوناً عاماً سارياً في أحكام الميراث؛ بل إن كلمة ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] غدت في وهم المروجين لهذا الانتقاد وكثير من دهماء الناس بمثابة دستور اجتماعي مطلق يفرضه الدين في كل مسألة وفي سائر الأحوال، وبالنسبة إلى سائر القضايا والمشكلات! في حين أن الآية إنما رسمت هذا الحكم في ميراث الأولاد دون غيرهم. وللورثة الآخرين ذكوراً وإناثاً أحكامهم الواضحة الخاصة بهم، ونصيب الذكور والإناث واحد في أكثر هذه الأحكام.
وإليك هذه الأمثلة:
1- إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، ودون وجود أي سلطان للدستور الوهمي المطلق: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] وذلك عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 11].
2- إذا ترك الميت أخاً لأمه أو أختاً لأمه، ولم يكن ثمة من يحجبهما من الميراث فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس، دون أي فرق بين الذكر والأنثى، ودون نظر إلى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]؛ وذلك عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 12].
3- إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم، اثنين فصاعداً، وعدداً من الأخوات للأم ثنتين فصاعداً، فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة، والأخوات - أيضاً - يرثن الثلث مشاركة، دون تفريق بين الإناث والذكور، ودون نظر إلى ما يظن بعضهم أنه دستور قانون مطلق هو: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]؛ وذلك بموجب قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾ [النساء: 12].
4- إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن ابنتها ترث النصف، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة الربع... أي: إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر.
5- إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له، فإن الزوجة ترث ثمن المال، وترث الابنتان الثلثين، وما بقى فهو لعمهما، وهو شقيق الميت، وبذلك يرث كل من البنتين أكثر من عمهما. إذ إن نصيب كل منهما يساوي (8/24) بينما نصيب عمها (5/24)، وهذا ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته امرأة سعد بن الربيع بابنتيها قائلة: (يا رسول الله! هاتان ابنتا سعد *** أبوهما يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا بمال.قال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث. فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك"[1].
إذاً: فقد تبين أن قوله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] ليس قاعدة نافذة مستمرة تطبق كلما اجتمع ذكر وأنثى، وكان لهما نصيب من الميراث كما يتصور بعض الناس؛ بل هو قيد للحالة التي ذكرها الله تعالى وهي أن يرث جمع من الأولاد من أحد الأبوين، يتبين ذلك واضحاً من الجملة التي جاءت قبل هذا الحكم، وهي قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11] فإذا اجتمع من الأولاد ذكور وإناث فإن الذكور بمقتضى كونهم عصبة يعصبون أخواتهم، فيأخذ الجميع ما يفضل عن حصص أصحاب الفروض، على أن يكون للذكور الأولاد مثل حظ الأنثيين[2].
وبذلك نعرف أن الشارع الحكيم قد راعى وضع الوارث ومدى حاجته، ونوع العلاقة بينه وبين مورثه ذكراً كان أو أنثى، والدليل على ذلك أنه يجعل الابن هو المكلف بالإنفاق، ولا يتطلب من المرأة أن تنفق شيئاً من مالها على غير نفسها وزينتها، (إلا حيث تكون العائل الوحيد لأسرتها وهي حالات نادرة في ظل النظام الإسلامي؛ لأن أي عاصب من الرجال مكلف بالإنفاق ولو بعدت درجته) فأين الظلم الذي يزعمه دعاة المساواة المطلقة؟!
إن المسألة مسألة حساب لا عواطف ولا ادعاء، تأخذ المرأة - كمجموعة - ثلث الثروة الموروثة لتنفقها على نفسها، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجه - أي: على امرأة - وثانياً: على أسرة وأولاد، فأيهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام؟
وإذا كانت هناك حالات شاذة لرجال ينفقون كل ثرواتهم على أنفسهم ولا يتزوجون ولا يبنون أسرة، فتلك أمثلة نادرة، وإنما الأمر الطبيعي أن ينفق الرجل ثروته على بناء أسرة فيما امرأة بطبيعة الحال هي الزوجة،وهو ينفق عليها لا تطوعاً بل تكليفاً، ومهما كانت ثروتها الخاصة فلا يحق له أن يأخذ منها شيئاً ألبتة إلا بالتراضي الكامل بينهما، وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً، ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق أو قتر فيه بالنسبة لما يملك، ويحكم لها الشرع بالنفقة أو بالانفصال، فهل بقيت بعد ذلك شبهة في القدر الحقيقي الذي تناله المرأة من مجموع الثروة؟
وهل هو امتياز حقيقي في حساب الاقتصاد أن يكون للرجل مثل حظ الأنثيين وهو مكلف ما لا تكلفه الأنثى؟
على أن هذه النسبة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب، فهو تقسيم بمقتضى العدل الرباني الذي يعطي لكل حسب حاجته، ومقياس الحاجة هو التكاليف المنوطة بمن يحملها. أما المال المكتسب فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة، لا في الأجر على العمل، ولا في ربح التجارة ولا ريع الأرض... إلخ؛ لأنه يتبع مقياساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء، وإذن فلا ظلم ولا شبهة في ظلم، وليس وضع المسألة أن قيمة المرأة هي نصف قيمة الرجل في حساب الإسلام كما يفهم العوام من المسلمين، وكما يقول المشنعون من أعداء الإسلام، وقد رأينا بحساب الأرقام أن ذلك غير صحيح[3].
[1] أبو داود (3/121) (2892)، الترمذي (4/414) (2092)، ابن ماجه (2/908) (2720)، أحمد (3/352)، الحاكم (4/370).
[2] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني: د. محمد سعيد البوطي (ص:107) وما بعدها.
[3] انظر: شبهات حول الإسلام، محمد قطب (ص:119-120).
علي محمد مقبول الأهدل (http://www.alukah.net/authors/view/sharia/9618/)
abomokhtar
20-07-2014, 10:49 PM
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
(القوامة)
القوامة لغة هي:
من قام على الشيء يقوم قياماً، أي: حافظ عليه وراعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه[1].
والمقصود بالقوامة هنا: أن الزوج أمين على المرأة يتولى أمرها ويصلحها في حالها، ويقوم عليه آمراً وناهياً كما يقوم الوالي على رعيته[2].
والقوامة لا تعني القوامة في البيت، بل هي أعم وأشمل؛ فالرجل يقوم على زوجته بكل شيء تحتاجه، فهو الذي يحميها ويحفظها، ويراجع لها معاملاتها وأموالها وتجارتها ونحو ذلك، فالقوامة أعم وأشمل من أن تكون محصورة في البيت فقط.
والقوامة التي سنتحدث عنها والتي هي من اختصاص الرجل بدليل قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34] هذه القوامة استحقها الرجل؛ لأنه هو الذي يبذل وينفق على المرأة، ومن ثم استحق القوامة؛ لأنه هو المنفق. هذا أولاً.
ثانياً: لأن الله العليم اللطيف الخبير هو الذي أعطى الرجل هذه القوامة بما لديه من استعداد نفسي وعقلي وبدني... كما سيأتي توضيحه إن شاء الله.
فالقوامة للرجل بنص القرآن، لكن أعداء الإسلام شغبوا على الدين، واتهموا الإسلام أنه يهين المرأة؛ لأنه جعل القوامة بيد الرجل، ونحن سوف نناقش هذه المسألة بالعقل والمنطق لنرى هل ظلم الإسلام المرأة حين جعل القوامة بيد الرجل أو لا؟!
لنفرض أن البيت بما فيه من المرأة والأولاد والرجل شركة أو مؤسسة، ولابد لهذه المؤسسة أو الشركة من رئيس أو قيِّم أو مدير، وعليه فهناك احتمالات ثلاثة هي:
1- إما أن يكونا قيمين معاً (الرجل والمرأة).
2- إما أن تكون المرأة قيمة.
3- إما أن يكون الرجل قيماً.
أما الاحتمال الأول فنستبعده؛ لأنه ثبت بالتجربة أن وجود رئيسين للعمل الواحد أدعى إلى الإفساد من ترك الأمر فوضى بلا رئيس.
والقرآن يقرر أنه: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22] ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [المؤمنون: 91] فإذا كان هكذا الأمر بين الآلهة المتوهمين فكيف يكون بين البشر العاديين؟!
وعلم النفس يقرر أن الأطفال الذين يتربون في ظل أبوين يتنازعان على السيادة تكون عواطفهم مختلة، وتكثر في نفوسهم العقد والاضطرابات.
بقي الاحتمالان الثاني والثالث، وقبل الخوض في بحثهما نسأل: أيهما أولى وأجدر أن تكون وظيفته القوامة بما فيها من تبعات العقل (الفكر) أو العاطفة؟ فإذا كان الجواب البدهي هو العقل، فقد انحلت المسألة دون حاجة إلى جدال كثير[3].
إذاً: بقي الاحتمال الأخير وهو أن الرجل أولى بالقوامة؛ لأنه بطبيعته المفكرة لا المنفعلة، وبما يحتوي كيانه من قدرة على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته، أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت، بل إن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغباتها، بل تحتقره بفطرتها، ولا تقيم له أي اعتبار.
بل إن المرأة بعاطفتها الجياشة إذا دخل ابنها وقد سالت الدماء من وجهه انفجرت بالبكاء مباشرة على ولدها، أما الرجل فيفكر قليلاً، ثم يقول لابنه: ماذا فعلت يا بني حتى فُعِلَ بك هذا؟!
على أن المرأة لو طالبت بالقوامة والسيادة في أول عهدها بالزواج وهي فارغة البال من الأولاد، وتكاليف تربيتهم التي تزهق البدن والأعصاب، فسرعان ما تنصرف عنها حين تأتي المشاغل، وهي آتية بطبيعة الحال، فحينذاك لا تجد في رصيدها الفكري والعصبي ما تحتمل به مزيداً من التبعات، فتعود القوامة والسيادة إلى الأصل وهو الرجل.
وخلاصة القول: إننا إذا اتفقنا على أن القوامة تكون بيد الرجل فليس معنى ذلك أن يستبد الرجل بالمرأة، أو بإدارة البيت، فالرئاسة الناجحة لهذه المؤسسة (البيتية) تعني المشاورة والمعاونة، والتفاهم الكامل، والتعاطف المستمر، وهي قوامة إدارة ورعاية لا قوامة تسلط وتحكم، وكل توجيهات الإسلام تهدف إلى إيجاد هذه الروح داخل الأسرة، وإلى تغليب الحب والتفاهم على النزاع والشقاق، فالقرآن يقول: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله) وهو ميزان صادق الدلالة، فما يسيء رجل معاملة شريكته في الحياة إلا أن تكون نفسه من الداخل منطوية على انحرافات شتى، تفسد معين الخير أو تعطله عن الانطلاق[4].
وقد يقول قائل من المتأثرين بالنظام الغربي: إن هذه القوامة التي ميز الله بها الرجل، وأخضع المرأة لها، تنطوي على إجحاف بحقها، كما أنه شاهد بيّن على غياب المساواة المزعومة بين الرجل والمرأة في أحكام الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي!
والرد على ذلك مع ما سبق ذكره آنفاً أن نقول:
أولاً: إن الله خلق الناس من ذكر وأنثى... زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون، وجعل من وظائف المرأة: أن تحمل، وتضع، وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينهما وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولاً، وخطيرة ثانياً، وليست هينة ولا يسيرة بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى! فكان عدلاً كذلك أن يناط بالشطر الثاني -الرجل- توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة، ولا يحمل عليها وتكلف أن تحمل وترضع وتتكفل.. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد.
ثانياً: من العدل - كذلك - أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظيفة القوامة وغيرها من الوظائف.. وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك.
وكان هذا فعلاً... ولا يظلم ربك أحداً.
ثالثاً: أن من الخصائص التي جعلت الرجل أولى بالقوامة أنه كُلِّف بالإنفاق -وهو فرع من توزيع الاختصاصات- يجعله بدوره أولى بالقوامة؛ لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها... [5].
وقبل أن أنهي موضوع القوامة أريد أن أذكر مقلدة الغرب وحضارته ممن يزعم نصرة المرأة، والذي يتذمر من تشريع قِوامة الرجل ويدعي أن فيه هضماً للمرأة وظلماً... ويريد أن لا يكون للزوج عليها سبيل مهما فعلت.
أريد أن أذكره بقول الغربيين أنفسهم في هذه القضية:
فقد عالج موضوع قوامة الرجل وحلله تحليلاً نفسياً واجتماعياً موفقاً الباحث الدكتور "أوجست فوريل" وخلص إلى نتيجة هامة جداً قرر فيها: أن حماية الرجل للمرأة أساس جوهري لاستقرار الأسرة، ولتمتع الزوجة نفسها بالسعادة قال تحت عنوان له: (سيادة المرأة):
"يؤثر شعور المرأة بأنها في حاجة إلى حماية زوجها على العواطف المشعة من الحب فيها تأثيراً كبيراً، ولا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام، ويجب أيضاً أن ترى فيه مثَلَها الأعلى[6] في ناحية من النواحي، إما في القوة البدنية، أو في الشجاعة، أو في التضحية وإنكار الذات، أو في التفوق الذهني، أو في أي صفة طيبة أخرى، وإلا فإنه سرعان ما يسقط تحت حكمها وسيطرتها، أو يفصل بينهما شعور من النفور والبرود وعدم الاكتراث...
ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة إلى السعادة الزوجية؛ لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته، لا تسوده هي بقلبها وعاطفتها" [7].
كذلك دلت الدراسات الأحصائية لأجوبة الطالبات المثقفات ثقافة عالية في أمريكا، وفي دراسات أجريت في عدد كبير من المدارس الأجنبية - أيضاً - في العراق والأردن ومصر ولبنان وهي بيئة لا تُتَّهم بالرجعية، دلت الدراسات على أن الفتيات "يرغبن في البيت والأطفال، وفي زوج يأخذ المسئولية على عاتقه؛ ليخلق من هذا البيت مكاناً مريحاً سعيداً" وقد ذُكرت هذه الإحصاءات ونتائجها في كتاب (مشكلات المرأة في البلاد العربية) والغريب أن مؤلفة الكتاب تعارض الفتيات في ذلك!! [8].
[1] لسان العرب مادة (قوم)، والمصباح المنير مادة (قوم).
[2] الموسوعة الفقهية الكويتية: فصل قوامة (34/77).
[3] انظر: شبهات حول الإسلام، محمد قطب (ص:121).
[4] للتوسع راجع: المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد البوطي (ص:98)، وفي ظلال القرآن (2/650)، وشبهات حول الإسلام، محمد قطب (ص:21).
[5] في ظلال القرآن (2/650).
[6] المثل الأعلى لنا هو الرسول ص.
[7] انظر: ماذا عن المرأة؟ د. نور الدين عتر (ص:115).
[8] المرجع السابق نفسه.
abomokhtar
20-07-2014, 10:50 PM
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل:
الطلاق
أباح المنهج الإسلامي المحكم الطلاق كعلاج أخير لإنهاء المنازعات الزوجية؛ لأنه الحل العملي الحاسم الذي يلجأ إليه الزوج حين يعجز عن الوصول إلى التقارب والتفاهم مع زوجته من خلال الأساليب التربوية المتدرجة التي أمر بها الإسلام، وبعد أن قام الزوج بخطواتها المطلوبة فقدم لها الموعظة الحسنة وكررها، هجرها في المضاجع، وعمل على التأديب بالضرب غير المبرح - بشروطه - ثم لجأ إلى التحكيم العائلي، وقد كان من رحمة الله بكيان الأسرة، وفضله على الزوجين أن جعل الطلاق على مرتين؛ ليترك للزوجين فرصة تراجعهما عن الخطأ، وليشعرا بالندم والحسرة على ما صدر منهما بعد أن اقتربا من حافة الخطر[1].
لكن أعداء الإسلام جعلوا الطلاق هضم وظلم لحق المرأة، واستهانة بكرامتها، وقالوا: نحن نسمع كثيراً من القصص والمآسي التي تنجم عن الطلاق، من تشريد للزوجة والأطفال، ومنازعات في المحاكم لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.
تكون المرأة في بيتها هادئة مستقرة؛ بل مكدودة ناصبة، ترضع طفلاً وتنظر في طلبات طفل آخر، وتعمل مع هذا وذاك على تهيئة راحة الزوج، فإذا هي تفاجأ دون إنذار سابق بوثيقة الطلاق على يد المأذون.
لماذا؟
لأن نزوة طارئة خطرت في نفس الزوج: رأى امرأة أخرى ظنها أجمل، أو مل (الروتين) الزوجي فرغب في التغيير، أو لأنه طلب من زوجته أن تسقيه فرفضت أو تكاسلت لأنها متعبة!
قالوا: أما من طريق لتحطيم هذا السلاح الخطر الذي يلهو به الرجل في لحظة غادرة بكيان امرأة صابرة، وعش هادئ، ومستقبل سعيد ينتظر أفراخه الصغار؟
ولا شك في وجود هذه المآسي الكثيرة، ولكن ما السبيل؟
قالوا:
1- نلغي الطلاق: بمعنى يَحْرم الطلاق ويبقى القيد مؤبداً.
الرد: ماذا نصنع في المآسي التي تنجم من تحريم الطلاق، تلك المآسي التي تعرفها جيداً الدول الكاثوليكية التي لم تأخذ بمبدأ الإباحة؟!
وهل يصير البيت بيتاً وأحد الطرفين أو كلاهما يكره الآخر ولا يطيق عشرته؟ ومع ذلك فالقيد مؤبد، والخلاص مستحيل، أوليس هذا يؤدي إلى الجريمة؟ يتخذ الزوج عشيقة يلبي معها دوافع ال***، والزوجة المنبوذة تتخذ نفس الطريق[2].
ومما يؤكد ذلك أن أحد القراء المسيحيين بعث لإحدى الصحف قائلاً: نحن الآن واقعون في مشكلة من أعقد المشكلات، هي الكره الشديد من بنت أخي لزوجها الذي تزوجته، وهي الآن لا تريده، وتستغيث ولا مغيث، أفلا يخشى من نتيجة ذلك أن تخون زوجها، أو تهرب، أو تنتحر، أو... إلخ فتسيء إلينا جميعاً؟ أليس من الخير لها ولنا ولزوجها الحالي الآن أن تطلق منه صيانة لنا ولزوجها، ولهذه الأسرة المضطربة الآن؟[3] [4].
وكذلك هل ينفع الأطفال أن ينشأوا في مثل هذا الجو المكهرب الملبد بالغيوم؟ ليس المهم هو مجرد حياتهم في كنف الوالدين، ولكن المهم هو الجو الذي يعيشون فيه.
ومع فشل هذه الطريقة وهي تحريم الطلاق، وحسبنا العبرة في ذلك في أعتى دولتين متعصبتين ضد تشريع الطلاق: ألا وهما: إيطاليا وأسبانيا، فقد أباحت الدولتان الطلاق، حيث أقر البرلمان الإيطالي قانوناً بإباحة الطلاق، ورقص الجمهور احتفاءً بهذا القانون؛ لكي لا تواجه المحاكم الإيطالية العدد الضخم من قضايا الطلاق، والذي يبلغ مليون قضية أو يزيد.
وكذلك أقرت حكومة أسبانيا تشريع الطلاق[5].
إذن: هذه طريقة فاشلة!
قالوا: نقيد حق الرجل في الطلاق:
بمعنى: أنه لا يقع الطلاق بمجرد إلقاء الرجل كلمة الطلاق، وإنما يقع في المحكمة، والمحكمة ترسل في طلب حكمٍ من أهله، وحكمٍ من أهلها، ويبحثون الموضوع، ويراجعون الزوج، ويعظونه ويحاولون الصلح، فلعل ذلك كله أن يرد الرجل عن غيه، ويبقي على الأسرة وروابط الزوجية، فإذا لم تجد المحاولة فعند ذلك فقط ينفذ الطلاق على يد القاضي لا على يد الزوج[6].
وهذا الإجراء لا مانع منه؛ لأنه ينفذ في جزء منه وصية الشرع في مراجعة الأهل ومحاولة التوفيق، ولكن عند التطبيق نجد أنه يحتوي على صعوبات كثيرة منها:
1- كثرة المعاملات في المحاكم، وانتظار الوقت حتى ينظر القاضي في المعاملة.
2- إمكانية ضياع المعاملة.
3- إهانة الرجل المرأة أثناء وجود المعاملة للقاضي للنظر فيها، وإصدار حكمه بالطلاق إذا أصر الرجل على ذلك.
4- هناك أمم متحضرة لا تطبق التشريع الإسلامي، ولا يتم الطلاق إلا في المحكمة، وبعد تقديم المواعظ والإرشادات، ومحاولة التوفيق، فكم بلغت نسبة الطلاق هناك؟ لقد وصلت في أمريكا -وهي ممن يقيد حق الرجل في الطلاق- إلى (40%) وزيادة، وهي أعلى نسبة في العالم كله.
5- كيف نصنع برجل لا يريد الزوجة ولا يرغب بها، وأن الطلاق لا يتم ولا يثبت إلا إذا كانت الزوجة هي المخطئة؛ فأين كرامة المرأة في أن تبقى في بيت رجل يكرهها ولا يريدها في بيته؟! ويذكرها صباح مساء بأنه لا يرغب فيها ولا محل لها في قلبه؛ بل ينبذها وأحياناً قد يخبرها أنه يتصل بغيرها أو يفكر بغيرها أو نحو ذلك. أرى أننا أردنا أن نكرم المرأة فأهينت من حيث لا نشعر.
هل تبقى المرأة في بيت زوجها للمكايدة؟ أو هل تبقى وهي مسلوبة الكرامة والسلطان؟!
أم هل تبقى لتربية الأولاد؟ أكرم للأولاد - ألف مرة - وأقوم لتربيتهم أن يكونوا منفصلين مع أمهم، من أن يكونوا ليل نهار في هذا الجو المظلم الكريه.
إذاً: كلا. فليس لهؤلاء المتطرفون، وليس لأعداء الإسلام توفيق في هذه المسألة أبداً... ولا تحل المشكلة بتغيير الشرع.
إذاً: ما الحل؟!
تحل هذه المسألة بالتربية.. برفع المستوى الثقافي والنفسي والروحي لمجموع الشعب.. بتهذيب المشاعر حتى يكون الخير هو الغالب، وتكون المودة هي الأصل في الحياة.. بتعويد الرجل على أن ينظر إلى علاقته الزوجية على أنها رباط مقدس لا ينبغي له أن يقطعه لأتفه الأسباب، وأن الطلاق حكم شرعي لا يتلاعب به أو يهدد به المرأة، فلا يليق برجل يحترم نفسه وذاتيته أن يجعل من الطلاق تهديداً مستمراً للمرأة؛ فليس ذلك من المعاشرة بالمعروف.
فالتربية طريق طويل وبطيء، لكنه الطريق الصحيح للتربية على الإسلام، وتحكيم الإسلام في أمورنا كلها، والتربية تحتاج إلى جهد دائم في البيت، والمدرسة، ووسائل الإعلام والصحافة، والكتب، والمسجد، وكل مكان يتواجد فيه الناس؛ ليعرفوا حقيقة الإسلام، ويقوموا بتطبيقه عملاً وواقعاً في حياتهم.
وأخيراً: فالإسلام يكفيه عدالة وتكريماً للمرأة والرجل، أن يعطي الحق للطرفين، فيعطي المرأة كذلك حق الانفصال حين ترى حياتها مع الرجل لا تؤدي إلى الوفاق المنشود عن طريق الخلع.
بل إن بعض الفقهاء نص على أن المرأة إذا خافت الرجل أو أن سمعته أو معاملته قد لا تكون جيدة فلها أن تشترط في العقد أن يكون أمرها بيدها، ولها ذلك إذا وافق الرجل؛ لأن المسلمين على شروطهم. وبعد هذا كله فالإسلام يقرر: أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، أو هو الحلال البغيض...
[1] مزايا نظام الأسرة المسلمة: أحمد حسن كرزون (ص:191).
[2] شبهات حول الإسلام: محمد قطب (ص:132).
[3] حقوق المرأة بين الإسلام والديانات الأخرى: محمود عبد الحميد محمد (ص:225).
[4] راجع بالتفصيل: الطلاق في الديانة المسيحية، المرجع السابق نفسه.
[5] انظر: ماذا عن المرأة؟ د. نور الدين عتر (ص:163).
[6] شبهات حول الإسلام: محمد قطب (ص:133).
abomokhtar
20-07-2014, 10:52 PM
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
(تعدد الزوجات)
هذه واحدة من أبرز المسائل التي يتعلق بها محترفو الافتئات على الإسلام مصطنعو الغيرة على المرأة وحقوقها.. وهي عندهم عنوان كبير على أن المرأة تعاني في المجتمعات الإسلامية من مشكلة اللامساواة مع الرجل، فما هو وجه الحقيقة في ذلك؟
بوسعنا أن نقول - ابتداءً - إن الأصل هو أن يحبس كل من الزوجين نفسه لرعاية الآخر وإسعاده.
ولكن الشريعة الإسلامية تضع في اعتبارها احتمال وجود ظروف وأسباب تجعل الزوج عاجزاً عن الاكتفاء بالزوجة الواحدة، وليس في الناس من يمتري ويجادل في وجود هذه الأسباب في كثير من الأحيان أياً كان نوعها، وهي تعلن عن نفسها في الغرب وتهيمن بسلطانها هناك على الرجال، أكثر مما تعلن عن نفسها هنا في المجتمعات الإسلامية[1].
إذاً: ونظراً لاحتمال وجود هذه الأسباب - والتي سيجيء ذكرها لاحقاً - فإن الزوج قد يجد نفسه أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة من الصالحات للزواج، ثم تبقى واحدة أو أكثر - حسب درجة الاختلال الواقعية - بدون زواج، تقضي حياتها - أو حياتهن - لا تعرف الرجال.
2- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج واحدة فقط زواجاً شرعياً نظيفاً، ثم يخادن أو يسافح واحدة أو أكثر من هؤلاء اللواتي ليس لهن مقابل في المجتمع من الرجال، فيعرفن الرجل خديناً أو خليلاً في الحرام والظلام!
3- أن يتزوج الرجال الصالحون - كلهم أو بعضهم - أكثر من واحدة، وأن تعرف المرأة الأخرى الرجل زوجة شريفة في وضح النور لا خدينة ولا خليلة في الحرام والظلام.
أما الاحتمال الأول: فهو ضد الفطرة، وضد الطاقة، بالقياس إلى المرأة التي لا تعرف في حياتها الرجال. ولا يدفع هذه الحقيقة ما يتشدق به المتشدقون من استغناء المرأة عن الرجل بالعمل والكسب، فالمسألة أعمق بكثير مما يظنه هؤلاء المتحذلقون الجهال عن فطرة الإنسان، وألف عمل وألف كسب لا تغني المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية سواء في ذلك مطالب الجسد والغريزة، ومطالب العقل والروح، من السكن والأنس بالزوج.. والرجل يجد الكسب والعمل؛ ولكن هذا لا يكفي، فيروح يسعى للحصول على الزوجة، والمرأة كالرجل - في هذا - فهما من نفس واحدة.
وأما الاحتمال الثاني: فهو ضد اتجاه الإسلام النظيف، وضد قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف، وضد كرامة المرأة الإنسانية. والذين لا يحفلون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، هم أنفسهم الذين يتعالمون على الله، ويتطاولون على شريعته؛ لأنهم لا يجدون من يردعهم عن هذا التطاول.
أما الاحتمال الثالث: فهو الذي يختاره الإسلام.. يختاره رخصة مقيدة لمواجهة الواقع.. يختاره متمشياً مع واقعية الإنسان وفطرته وظروف حياته[2].
أسباب تعدد الزوجات:
ومن هنا نرى أن الإسلام كان واقعياً حين شرع التعدد لما سبق ذكره وللأسباب والظروف الآتية:
أولاً: حالات الحروب التي تفني عدداً كبيراً من الشباب:
فيختل الميزان ويزيد عدد النساء على عدد الرجال، وعند ذلك يكون تعدد الزوجات ضرورة لاتقاء الفساد الخلقي والفوضى الاجتماعية التي تنشأ لا محالة عن وجود نساء بلا رجل، وقد تعمل المرأة لتعول نفسها وأهلها. نعم، ولكن حاجتها الطبيعية إلى ال*** كيف تقضيها؟ وما لم تكن هذه المرأة قديسة أو ملاكاً فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار؟
ثم حاجتها إلى الأولاد كيف تشبعها؟ والنسل شهوة بشرية لا ينجو منها أحد، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير منها عند الرجل؛ إنها كيانها الأصيل الذي لا تشعر دونه بطعم الحياة.
وأعرف نساءً كثيرات كان زوجها عقيماً وهي تحبه حباً شديداً ومع ذلك طلبت الانفصال، ورضيت أن تتزوج برجل متزوج من أجل شهوة النسل والولد.
فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات كلها بالنسبة للمرأة ذاتها -بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي لها دور في التاريخ- هل من سبيل إلى ذلك بغير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد، علانية وبتصريح من القانون، على أن تكون كل منهن أصيلة ذات حقوق متساوية في كل شيء (إلا عواطف القلب المضمرة فهذه ليس لأحد عليها سلطان) ذلك بعض هدف الإسلام في هذا التشريع، وما يقول أحد أن اشتراك امرأة في رجل مع امرأة أخرى فضلاً عن اثنتين أو ثلاث يريح نفسها ويمنحها السعادة التي تهفو إليها، ولكنها ضرورة، ولولا أنها تجد في هذا الاشتراك ضرراً أخف من بقائها عاطلة بلا رجل ما قبلت الإقدام على ما فيه من منغصات[3].
ثانياً: ما هو شبيه بحالة الحروب:
كالأعمال الخطرة والحوادث، وهذه الحوادث تخل التوازن بين الرجال والنساء؛ ومن ثَمَّ شرع التعدد.
ثالثاً: الطاقة ال***ية الحادة عند بعض الرجال:
حيث أن بعض الرجال لا يكتفي بواحدة؛ ولا يمكن له أن يصبر عليها، ونحن هنا نجد أنفسنا أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1- أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع الذي نصدره بعدم التعدد، وقوة السلطان، ونقول له: عيب يا رجل! إن هذا لا يليق، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك ولا مع كرامتها.
2- أن نطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء!
3- أن نبيح لهذا الرجل التعدد - وفق ضرورات الحال - ونتوقى طلاق الزوجة الأولى التي لا تكفيه أو تكون عائقاً أمام شهوته العارمة.
الاحتمال الأول: ضد الفطرة، وفوق الطاقة، وضد احتمال الرجل العصبي والنفسي، وثمرته القريبة - إذا نحن أكرهناه بحكم القانون وقوة السلطان - هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت، ومعاناة جحيم هذه الحياة.. وهذا ما يكرهه الإسلام؛ الذي جعل من البيت سكناً، ومن الزوجة أنساً ولباساً.
والاحتمال الثاني: ضد اتجاه الإسلام الخلقي، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية، ورفعها وتطهيرها وتزكيتها كي تصبح لائقة بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان!
والاحتمال الثالث: هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية، ويلبي منهج الإسلام الخلقي، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية، ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما وعلى ذكرياتهما، وييسر على الإنسان الرفق واليسر والواقعية[4].
رابعاً: عجز الزوجة لعقم، أو عيب ***ي، أو مرض عضال[5]:
قد تعجز المرأة عن الوفاء باحتياجات الحياة الزوجية، وذلك بسبب عقمها فلا يتحقق التناسل وهو من المقاصد الرئيسة للزواج، أو بسبب عيبها ال***ي - كل ما يمنع الاتصال ال***ي بين الزوجين أو يحول دون كماله - وهنا يكون البلاء أشد، وقد يطرأ العجز نتيجة مرض عضال يصيب الزوجة فيشل حركتها عن القيام بما تتطلبه الحياة الزوجية من أعباء.
قد يبدو أن المثل العليا تفرض على زوج هذه المرأة أن يرعاها ويسهر على راحتها، لا يتخلى عنها بفراق أو طلاق، ولا يزيد آلامها بزواج جديد عليها من أخرى، فهو قد اختارها برضاه شريكة لحياته.. يقتسمان معاً مرارة الحياة وحلاوتها، وما كان في امرأته أو ما طرأ عليها من عجز كان أمراً خارجاً عن إرادتها لا ذنب لها فيه.
غير أن الواقع يحدثنا بأنه من غير المستساغ أن نطلب من الرجل أن يعيش مع هذه الزوجة وحدها إلى الأبد في عش زوجية تخيم عليه ظلال البؤس أو المرض، ولا يتزوج غير هذه العاجزة مهما كلف ذلك من مشقة وعناء. نعم، لا ذنب للمرأة في عجزها؛ ولكن ما ذنب الرجل معها، ولماذا نحكم عليه بالعجز مثلها؟
هكذا يحدث التعارض بين مصلحة كلٍّ من هذين الزوجين؛ فإذا حدث مثل هذا التعارض نرى معظم التشريعات - مستهدفة مصلحة الجماعة - تجيز للزوج غير العاجز طلب التفريق بينه وبين زوجه العاجز، حتى لا يجر العجز الفعلي لأحد الزوجين إلى عجز حكمي للزوج الآخر، وحتى يتحقق الكمال في العلاقات الزوجية، وقد يلجأ الرجل إلى طلاق زوجته عند عجزها، أو طلب فراقها إذا لم يكن الطلاق مباحاً، أو إلى الزواج عليها إذا كان له أن يعدد زوجاته، وتلجأ المرأة كذلك إلى طلب التفريق بينها وبين زوجها لعيبه ال***ي، أو للضرر إن أصابه مرض عضال، أو حتى لعقمه؛ تشهد على ذلك القضايا العديدة في المحاكم.
وإذا كانت المثل العليا تفرض على الزوج أن يبقى مع زوجته العاجزة مراعاة لمصلحتها، وكانت التشريعات لا تستطيع أن تحيد عن الواقع في أحكامها فتراعي مصلحة الزوج غير العاجز ومصلحة الجماعة في تكامل الأسرة؛ فإن تعدد الزوجات هنا حلاً تشريعياً لصالح المرأة، يوفق بين الرغبة في العمل بالمثل العليا وبين ما يفرضه الواقع من أحكام، ذلك أن تعدد الزوجات في هذه الحالات يحقق في وقت واحد مصلحة الزوج ومصلحة امرأة أخرى تشرق عليها شمس حياة زوجية كريمة؛ بل ومصلحة الزوجة العاجزة ومصلحة المجتمع في أن لا تفترق هذه الزوجة عن زوجها واستمرار الزوجة العاجزة في حياة زوجية -ولو كانت ذات مرارة- خير لها من أن تكون بغير زواج طريدة الطلاق، أو التطليق أو الفسخ، لعيب ***ي أو عقم أو مرض عضال؛ لأن الزواج عليها دون فراقها يبقي لها أمل الشفاء، ويحفظ لها كرامة الحياة الزوجية، وعيش هذه الزوجة العاجزة مع زوجها وهو راض النفس بعد الزواج الجديد خير لها من عيشها معه وهو ضجر ضيق الصدر.
حقاً.. إن البقاء مع الزوج العاجز رجلاً كان أو امرأة دون زواج جديد، هو بلا شك إيثار من الزوج الآخر، والإيثار - من الناحية الخلقية - مطلوب من الإنسان، ولكنه غير مفروض عليه. ولا شك أن هناك نوادر من الوفاء من جانب بعض الرجال أو من جانب بعض النساء ولكنها «نوادر» وليست الوضع الغالب في الحياة، ولذلك يتحدث الناس عنها كأعمال بطولية، والتشريع يعنيه الغالب من الحوادث دون النادر منها؛ لأنه حكم بين الناس يحسم مشكلة، وعلى غيره تقع مسئولية الوعظ والإرشاد، والتشريع الإسلامي هنا عندما يبيح تعدد الزوجات لا تغيب هذه المثل عن باله، وإنما يقدر مصلحة عامة أولى بالاعتبار من المصالح الخاصة بالأفراد؛ بل ويراعي في هذه المصلحة مصلحة المرأة العاجزة؛ لأن الزوج لو كان عاجزاً ورفضت المرأة البقاء معه لحصل الفسخ؛ ولذلك نجد أن كثيراً من خصوم التعدد يعترف بهذا الدافع، ويعتبره مسوغاً مشروعاً لتعدد الزوجات.
خامساً: الفارق العددي أو "العنوسة":
قد تتأخر المرأة عن الزواج لأيِّ سبب كان فيتقدم بها العمر؛ والعانس هي المرأة التي تمكث في بيت أهلها ولم يتقدم لها أحد، وتختلف وجهات النظر في تحديد العمر الذي تصبح فيه المرأة عانساً؛ لأن تحديده أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان، والأعراف والمجتمعات، فالمرأة في مجتمعات سابقة إذا بلغت العشرين ولم تتزوج يمكن أن تُعدَّ عانساً، ولا تُعدُّ في زماننا عانساً، كما أنه في الزمان الواحد تختلف من مجتمع لآخر، فالعنوسة مرتبطة بالسن الذي ينصرف فيه عنها الخُطَّاب الأكْفاءُ الذين ترغبهم، ويتجهون إلى من هي أصغر منها.
وأنا أميل إلى أن بداية سن العنوسة بلوغ (25) سنة؛ بينما ذكرت «منظمة الأسكوا» استناداً إلى إحصاءات أجرتها أن عنوسة الفتاة تبدأ في سن الثامنة والعشرين ونصف[6].
فالفارق العددي للنساء الذي وصل في بعض البلدان (1: 4) يجعل التشريع الإسلامي ينظر إلى التعدد إلى أنه وسيلة مهمة جداً لإباحة التعدد؛ ومن ثم -أيضاً- مكافحة العنوسة والرحمة بهذه المرأة التي قد فاتها قطار الزواج لسبب من الأسباب.
وهذه طبيبة مشهورة حصلت على شهادة الدكتوراة في فنِّها وهي متخصصة في النساء والولادة تقول عن نفسها بعد أن فاتها قطار الزواج:
"إن النساء اللاتي يعالجن عندي في عيادتي ينظرن إلى هذه العيادة إلى أنها جنتي وهي سجني، وأن هذا الثوب الأبيض الذي ألبسه ينظرن إليه إلى أنه ثوب من حرير وهو ثوب كفني.. خذوا شهاداتي.. خذوا كل ما أملك وأسمعوني كلمة «ماما». ثم تقول بملء الحسرة: وأنا اليوم قد تجاوزت الأربعين من عمري، إنني اليوم مجرد امرأة فاقدة أي إحساس بالسعادة على الرغم من تفوقي ونجاحي العملي؛ لأني فقط لست أماً!!".
وتقول عانس أخرى: "ليت والديَّ أجبراني على الزواج.. لقد ضرني والدي كثيراً حين ترك لنا الحرية في تأجيل الزواج لمواصلة تعليمنا، وكذلك ضرتني والدتي حين لم تحذرني من أنني قد أندم حين أكبر وأبقى دون زواج"[7].
وخلاصة القول:
إن نظام التعدد يتيح الفرصة أمام كثير من العانسات، فعيش هؤلاء العانسات بدون زواج أشد ضرراً من عيش بعضهن بنصف أو ثلث أو ربع زوج.
سادساً: حب الرجل لأخرى كسبب لتعدد الزوجات:
من المعروف أن الحب الذي قد ينشأ بين الرجل والمرأة ويدفعه إلى زواجها له أسبابه العديدة، ومن الخطأ أن نتوهم سبباً ***ياً وراء كل حب بين الرجل والمرأة يدفعهما إلى الزواج؛ ذلك أن ظروف العصر الحديث تصنع البؤرة الصالحة لنشأة الحب بين الرجل والمرأة، ولو كان أحدهما متزوجاً فالمرأة اليوم لم تعد بعيدة عن الرجل الأجنبي عنها؛ بل قد تكون أقرب إليه من زوجته في أكثر الأحوال، فهو يقضي معها في محل عملها زهاء ست ساعات متواصلة -وقد تطول أكثر- وقد لا يقضي مثل هذا الوقت مع زوجته اللهم إلا نائماً أو مشغولاً عنها، وقد يرى الرجل من زميلته في العمل ما لا يراه من زوجته، فيرى من زميلته جمالاً باهراً، وقد تربطه بها علاقة طيبة من حيث المعاملة في المكتب، وقد يسمع أحياناً منطقاً ساحراً.. ومن السهل أن يلتقي الرجل بالمرأة الأجنبية عنه في كل مكان، وللعيون نظرة، وللقلوب هوى، ولمشاعر الرجل والمرأة تفاعل قد يفوق التفاعل بين أية عناصر طبيعية أخرى.
ومن هنا نجد أن الشرع الحكيم نظر إلى المصالح المتعارضة: مصلحة الزوجة في أن لا يتزوج الزوج عليها، ومصلحة الزوج والمرأة الجديدة التي أحبها في أن يجمع بينهما عش الزوجية كما سبق للحب أن جمع بين قلبيهما، ومصلحة المجتمع في أن يحافظ على الأسرة القديمة، وفي أن يراقب العلاقة الجديدة خشية في أن تجري في السر وفي غير حلال وضد الدين.
ولو منعنا التعدد هنا وقالت المرأة: أفضل أن يزني زوجي ولا يتزوج عليَّ - كما قالته البعض منفعلة - فإننا نقع في أمرين خطيرين:
الأول: إما فتح باب الخليلات.
الثاني: أو طرق باب التخلص من الزوجة السابقة بطلاق أو بغيره، وليس ذلك في صالح المرأة ولا في صالح الرجل، ولا في صالح النظام الاجتماعي، تشهد على ذلك المآسي والمشاكل التي نسمعها ونقرأها في وسائل الإعلام.
والحق يقال: إن زواج الرجل بمن أحبها على زوجته أكرم له من انحرافه وخيانته، وتضييع وقته وجهده وماله على الحبيبة الجديدة، وأكرم كذلك لامرأته السابقة ولأولاده، وأشرف للمجتمع وأطهر للمرأة الجديدة، وهو كذلك خير من فراقه لزوجته السابقة في أكثر الأحوال مع ما يحصل للأولاد من تشرد وضياع[8].
سابعاً: كره الرجل زوجته:
قد يكره الرجل زوجته لسبب من الأسباب ولا يجد نحوها ميلاً أو رغبة، ربما لأنها سيئة الخلق، أو دميمة الخلقة، الأمر الذي يفقد الرجل رغبته ال***ية نحوها، وترى هذه المرأة أن من مصلحتها وخيرها أن تعيش مع زوجها الكاره لها لأسباب تحتم عليها ذلك، فيتزوج الرجل بامرأة أخرى تعصمه عن الوقوع في الفاحشة.
ثامناً: الرغبة في الإنجاب:
فالرجل ينجب حتى بلوغ السبعين سنة وأزيد، والمرأة تتوقف عن الإنجاب في الأربعين أو الخامسة والأربعين، والغالبية في سن الخمسين، والفارق تقريباً ثلاثين سنة، فيتزوج الرجل ليستفيد من هذا الفارق ويكثر من الأولاد ومن هذه الرغبة الفطرية لديه.
تاسعاً: وفاة زوج لامرأة قريبة للرجل:
كأن يموت زوج إحدى قريبات الرجل كابنة العم أو الخال مثلاً، ولديها أطفال ويريد هذا الرجل أن يتزوج هذه القريبة ليحفظها ويحفظ أولادها، ولا يريد من الغرباء أن يرعوا أولاد قريبته؛ وربما لو لم يتزوجها لعرض المرأة أو أولادها للضياع والتشرد والعوز.
عاشراً: الجمال البسيط أو وجود عاهة بالمرأة[9]:
امرأة تولد وجمالها بسيط أو يكون بها عاهة، وهي بطبيعة الحال ليس لها دخل في خلقها، فهل يجوز لنا أن نحرمها من متعة الحياة الزوجية وإنجاب الأطفال؟
الجواب: لا يجوز لنا ذلك، والإسلام يشحذ همم المؤمنين ويشجعهم على الزواج بأمثال هذه المرأة وإدخال الفرحة والسرور إلى قلبها.
حادي عشر: غلط الرجل على المرأة:
قد يكون التعدد في بعض الأحيان تصحيحاً لغلط وقع بين الرجل وامرأة؛ والمرأة بطبيعة الحال هي كبش الفداء لهذا الخطأ فإنه يؤذيها في شرفها وكرامتها وسمعتها، وعلاج هذا الخطأ هو أن يتزوجها الرجل الذي غلط معها ولو كان متزوجاً من ذي قبل[10].
ثاني عشر: عودة المطلقة إلى عصمة زوجها السابق:
قد يفترق الزوجان بطلاق أو تطليق، ثم يرى الزوج بعد زواجه بأخرى أن يضم إلى عصمته زوجته السابقة وتبادله هذه الرغبة، بعد أن عفى الزمان على أسباب الخلاف بينهما، أو بدافع رعاية أبنائهما، أو لغير ذلك من الأسباب. وتعدد الزوجات هو الحل الأمثل لمثل هذه الحالات، فهو يبقي الزوجة الجديدة دون فراق، ويعيد المطلقة إلى زوجها السابق، ويكفل لأولاد المطلقة العودة إلى العيش الذي كان يجمع والدهم ووالدتهم معاً، وإذا لم يكن تعدد فتضيع الأسرتين...
وخلاصة القول:
إن هذه ليست كل المسوغات للأخذ بنظام تعدد الزوجات، وهناك بالتأكيد مسوغات أخرى تختلف من مجتمع إلى آخر، وتكون دافعاً للرجل المسلم على التعدد والإسلام حين أباح التعدد لم يترك الأمر لهوى الرجل؛ ولكنه ليقيد التعدد بالعدل وإلا امتنعت الرخصة المعطاة للرجل!!
وقد كان الرجل في الجاهلية يتزوج ويعدد ما شاء من النساء، فجاء الإسلام ليحدد التعدد. روى البخاري بإسناده أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة؛ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اختر منهن أربعاً)[11].
وروى - أيضاً - أن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اختر منهن أربعاً)[12] [13].
فقد جاء الإسلام إذن وتحت الرجل عشر نسوة أو أكثر أو أقل - دون حد ولا قيد - فجاء ليقول للرجال: إن هناك حداً لا يتجاوزه المسلم هو أربع، وإن هناك قيداً هو إمكان العدل وإلا فواحدة[14].
كما أن الإسلام لم يجعل نظام تعدد الزوجات فرضاً لازماً على الرجل المسلم، ولا أوجب على المرأة أو أهلها أن يقبلوا الزواج برجل له زوجة أو أكثر، وأعطت الشريعة المرأة وأهلها الحق في القبول إذا وجد أن في هذا الزواج منفعة ومصلحة لابنتهم، أو الرفض إذا كان الأمر على العكس من ذلك. وإذا قبلت المرأة الزواج برجل متزوج فهذا دليل واضح على قناعتها التامة بأن زواجها لن يلحق بها ضرراً، ولن يكون فيه إجحاف لحقها أو إهدار لكرامتها[15].
شروط التعدد:
اشترطت الشريعة الإسلامية شروطاً للتعدد هي:
الشرط الأول: العدد: فيباح تعدد الزوجات حتى أربع كحد أعلى.
الشرط الثاني: النفقة: وتشمل هذه النفقة على الطعام، والشراب، والكسوة، والمسكن والأثاث اللازم له؛ فالرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة فإنه لا يحل له شرعاً أن يتزوج بأخرى، فالقدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها واجب كما يظهر من قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3] فقوله: ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾، أي: لا تكثر عيالكم فتصبحوا غير قادرين على تأمين النفقة لهم.
الشرط الثالث: العدل: فالتعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، ومن لم يكن متأكداً من قدرته على تحقيق العدل بين زوجاته فإنه لا يجوز له أن يتزوج بأكثر من واحدة. ولو تزوج الرجل بأكثر من واحدة وهو واثق من عدم قدرته على العدل بينهن؛ فعقد الزواج صحيح وهو آثم.
فالعدل المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة، أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بني الإنسان؛ لأنه خارج عن إرادة الإنسان، وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية في هذه السورة: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ [النساء: 129] هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلاً على تحريم التعدد، والأمر ليس كذلك، وشريعة الله ليست هازلة حتى تُشرِّعَ الأمر في آية وتُحرمه في آية بهذه الصورة التي تعطي باليمين وتسلب بالشمال! فالعدل المطلوب في الآية الأولى، والذي يتعين عدم التعدد إذا أضيف ألا يتحقق هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيء منها؛ وبحيث لا تُؤْثِر واحدة دون الأخرى بشيء منها على نحو ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أرفع إنسان عرفته البشرية يقوم به، في الوقت الذي لم يكن أحد يجهل من حوله ولا من نسائه أنه كان يحب عائشة رضي الله عنها، ويؤثرها بعاطفة قلبية خاصة لا تشاركها فيها غيرها، فالقلوب ليست ملكاً لأصحابها، إنما هي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعرف دينه ويعرف قلبه فكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)[16] [17].
فالميل القلبي ليس على الزوج فيه سلطان؛ لكن يجب عليه أن لا ينصرف كلية عن زوجته فيذرها كالمعلقة، فلا هي ذات زوج ولا هي معلقة، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ بل على الزوج أن يعامل زوجته بالحسنى حتى يكسب مودتها، وأن الله لا يؤاخذه على بعض الميل إلا إذا أفرط في الجفاء، ومال كل الميل عن الزوجة الأولى[18]. فحينئذٍ يؤاخذ ويأثم، ويدل لذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان الرجل عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط)[19].
وإذا وجد العدل خفت الغيرة بين النساء كثيراً، واطمأنت المرأة على مستقبلها مع زوجها وضرتها. وهذا معاذ بن جبل ت يُروى عنه أنه ماتت له زوجتان في يوم واحد، وبعد الانتهاء من مراسم الجنازة وعند القبر أقرع بينهما ت أيهما تدخل في قبرها أولاً. قمة العدل والمراعاة حتى بعد الممات رضي الله عنهم أجمعين.
[1] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني: د. محمد سعيد البوطي (ص:121).
[2] في ظلال القرآن: سيد قطب (1/580).
[3] شبهات حول الإسلام: محمد قطب (ص:135-136).
[4] انظر في ظلال القرآن: سيد قطب (1/581).
[5] انظر: تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية: عبد الناصر العطار (ص:25) وما بعدها.
[6] شريك العمر كيف تخططين بوعي للاقتران به: عبد الله المديفر (ص:44).
[7] المرجع السابق (ص:53)، وراجع للزيادة: غير متزوجات ولكن سعيدات: محمد رشيد العويِّد، وكيف تزوج عانساً، خالد الجريسي.
[8] بتصرف من كتاب: التعدد من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية: د. عبد الناصر العطار (ص:28) وما بعدها.
[9] نظرات في تعدد الزوجات: د. محمد مسفر الزهراني (ص:74).
[10] المرجع السابق (ص:75).
[11]أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/248) عن عثمان بن محمد، ورواه أحمد (2/13، 44، 83)، وابن ماجه (1/628)(1953)، الترمذي (3/435)(1128)، الحاكم (2/210)، الدارقطني(3/269) عن بن عمر.
[12] البخاري في التاريخ الكبير (2/262).
[13] راجع: في ظلال القرآن (1/578) وما بعدها.
[14] راجع: في ظلال القرآن (1/578) وما بعدها.
[15] نظرات في تعدد الزوجات: د.محمد بن مسفر الزهراني (ص:40).
[16] أبو داود (2/242) (2134)، النسائي (7/63-64)، الترمذي (3/446) (1140)، ابن ماجه (1/633) (1971)، الدارمي (2/193) (2207)، ابن حبان (10/5) (4205)، الحاكم (2/204).
[17] في ظلال القرآن (1/582).
[18] نظرات في تعدد الزوجات: محمد الزهراني (ص:41).
[19] الترمذي (3/447) (1141)، أبو داود (2/242) (2133) عن أبي هريرة.
abomokhtar
22-07-2014, 05:06 PM
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
الشهادة
جعل الإسلام الشهادة التي تثبت الحقوق شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين، وذلك في قوله تعالى في آية المداينة: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282].
ومن الواضح أن هذا التفاوت لا علاقة له بالإنسانية ولا بالكرامة ولا بالأهلية، فما دامت المرأة إنساناً كالرجل، كريمة كالرجل، ذات أهلية كاملة لتحمل الالتزامات المالية كالرجل، لم يكن اشتراط اثنتين مع رجل واحد إلا لأمر خارج عن كرامة المرأة واعتبارها واحترامها، وإذا لاحظنا أن الإسلام -مع إباحته للمرأة التصرفات المالية- يعتبر رسالتها الاجتماعية هي التوفر على شئون الأسرة، وهذا ما يقتضيها لزوم بيتها في غالب الأوقات -وخاصة أوقات البيع والشراء- أدركنا أن شهادة المرأة في حق يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس لا يقع إلا نادراً، وما كان كذلك فليس من شأنها أن تحرص على تذكره حين مشاهدته، فإنها تمر به عابرة لا تلقي له بالاً، فإذا جاءت تشهد به كان أمام القاضي احتمال نسيانها أو خطأها ووهمها، فإذا شهدت امرأة أخرى بمثل ما تشهد به زال احتمال النسيان والخطأ، والحقوق لابد من التثبت فيها، وعلى القاضي أن يبذل غاية جهده لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هذا هو كل ما في الأمر، وقد جاء النص عليه صراحة في الآية ذاتها حيث قال تعالى في تعليل اشتراط المرأتين بدلاً من الرجل الواحد: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282] أي: خشية أن تنسى أو تخطئ إحداهما فتذكر الأخرى بالحق كما وقع.
ولهذا المعنى نفسه ذهب كثير من الفقهاء إلى أن شهادة النساء لا تقبل في الجنايات، وليس ذلك إلا لما ذكر من أن المرأة تكون غالباً قائمة بشئون بيتها، ولا يتيسر لها أن تحضر مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم ال*** وما أشبهها، وإذا حضرتها فقل أن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة ال*** بعينها، وتظل رابطة الجأش؛ بل الغالب أنها إذا لم تستطع الفرار تلك الساعة كان منها أن تغمض عينيها وتولول وتصرخ، وقد يغمى عليها، فكيف يمكن بعد ذلك أن تتمكن من أداء الشهادة، فتصف الجريمة والمجرمين وأداة الجريمة، وكيفية وقوعها؟ ومن المسلم به أن الحدود تدرأ بالشبهات، وشهادتها في ال*** وأشباهه تحيط بها الشبهة: شبهة عدم إمكان تثبتها من وصف الجريمة لحالتها النفسية عند وقوعها.
وما يؤكد هذا الاحتياط أن الشريعة قبلت شهادتها وحدها فيما لا يطلع عليه غيرها، أو ما تطلع عليه دون الرجال غالباً، وقد قرر الفقهاء أن شهادتها وحدها تقبل في إثبات الولادة، وفي الثيبوبة والبكارة، وفي العيوب ال***ية لدى المرأة، وهذا حين كان لا يتولى توليد النساء وتطبيبهن والاطلاع على عيوبهن ال***ية إلا النساء في العصور الماضية.
فليست المسألة إذاً مسألة إكرام وإهانة، أو أهلية وعدمها، وإنما هي مسألة تثبت في الأحكام واحتياط في القضاء بها، وهذا ما يحرص عليه كل تشريع عادل.
وبهذا نعلم أنه لا معنى للشغب والتشنيع على الإسلام في هذه القضية، واتخاذها سلاحاً للادعاء بأنه انتقص المرأة، وعاملها دون الرجل كرامة ومكانة، وقد تقدم فيما سبق أنه عامل المرأة كالرجل، وبنصوص صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض[1].
[1] انظر: المرأة بين الفقه والقانون: د. مصطفى السباعي (ص:31) وما بعدها.