صوت الحق
25-08-2014, 05:13 AM
كيف يُمكنك أن تصنع دولة عظيمة؟!
وكيف يُمكنك النهوض بدولة متعثّرة؟!
السؤالان طرحهما على نفسه محمد علي عام 1805،
عندما نصّبه الشعب المصري واليا على مصر،
وأَوْلاه ثقته، وهتف باسمه، وهو الألباني الأصل
الذي أحبّ مصر أكثر مما أحبّها مَن وُلِدوا على أرضها.
كان قد تولّى الحكم عقب الحملة الفرنسية (1798-1801)،
عندما رحل الفرنسيون وسادت الفوضى البلاد عقب رحيلهم.
ومنذ اللحظة الأولى؛ قرّر محمد علي أن يجمع شتات هذا
الشعب الذي فرّقته الفوضى.. لقد أدرك بروح القائد في
أعماقه أن الوسيلة الأولى للنهوض بدولة هي أن يجمع لا أن
يطرح.. أن يضمّ فئات الشعب إلى بعضها البعض، لا أن يُفرّقها،
استنادا إلى كثرة عدد مؤيّديه من بينهم، ووجد محمد علي أن
السبيل إلى هذا هو سيادة القانون.
بلا محاباة..
أو تفرقة..
أو حتى مجاملة..
وكانت أوّل مواجهة له مع سيادة القانون، هي عندما أقدم تاجر
مسلم على ق ت ل رجل مسيحي، وتمّ عرضه على القضاء الذي
حكم بإعدامه جزاء ما اقترف.
وقتها ثار الإسلاميون، ورفضوا أن يُعدم مسلم ل ق ت ل ه مسيحي؛ باعتبار أن الدين السائد في مصر هو الإسلام وليس
المسيحية.
ولكن محمد علي -القائد والزعيم بالفطرة- رفض أن تُنتهك
سيادة القانون تحت أي مسمّى أو مبرّر، وأقرّ حُكم الإعدام.
وثار الإسلاميون أكثر، ولكنه -وبكل حزم- أعلن أنه سيعدم كل
مَن يقف في وجه سيادة القانون.
وتمّ إعدام التاجر المسلم..
وهنا وضع محمد علي أوّل درس للمواطنة في تاريخ مصر الحديث..
ورفع راية سيادة القانون عالية خفّاقة..
فأرسل رسالة في الوقت ذاته لكل مَن يحيا على أرض مصر..
مصر هي وطن مَن يحيا على أرضها..
وأيا كان..
وأيا كانت عقيدته..
وهكذا جمع محمد علي.. ولم يطرح..
ولأنه من المستحيل الوقوف في وجه عدالة تساوي بين الجميع دون تحيّز؛ فقد خضع كل مصري للمبدأ الجديد..
مبدأ المواطنة..
وهنا، انتقل محمد علي إلى مرحلة النهوض بالبلاد وإعلاء
رايتها..
كان يُدرك جيّدا أنه ما مِن دولة ذات سيادة تعتمد على غيرها
في طعامها وشرابها ودخلها القومي..
ولهذا بدأ أكبر مشروع نهوض في تاريخ مصر..
أنشأ الصناعات..
بنى المدارس والمعاهد..
أدخل زراعات جديدة..
أرسل البعثات التعليمية والفنية والزراعية إلى
دول أوروبا العريقة..
وكما صدّر العرب العلم إلى أوروبا في عصور عظمتهم،
عادوا يستوردونه منهم في عصر محمد علي..
المزِيّة التي تميّز بها محمد علي كانت قدرته على
الإبداع والابتكار..
ولهذا أنشأ أوّل مصنع للسلاح والذخيرة، عن قناعة بأنه لا بد
لكي تنال مصر سيادتها أن تصنع سلاحها بأيديها..
وعندما أدخل زراعة التوت إلى مصر كان له هدف كبير طموح؛
فزراعة التوت ستوسّع الرقعة الزراعية، وتجلب العمل إلى أيادٍ
عاطلة عديدة، بالإضافة إلى أنها ستُنشئ صناعة جديدة
وتجارة واسعة الانتشار..
فمع زراعة التوت، سيُمكنه تربية أعداد هائلة من دود القز
الذي يفرز خيوط الحرير، وهكذا ستصبح هناك صناعة جديدة
في مصر..
صناعة النسيج الحريري..
ولمّا كان النسيج الحريري سلعة مرغوبة وغالية الثمن في كل
دول العالم؛ فهذا سيعني إنشاء تجارة واسعة النطاق، تدرّ الكثير من الأموال على الخزانة المصرية..
وقد كان..
ولأن الحرير رقيق يحتاج إلى أصابع دقيقة رقيقة للتعامل معه، .اختار محمد علي النساء لمهنة غزل الحرير...
وكانت أوّل مرة تنزل فيها المرأة المصرية إلى سوق العمل .والصناعة..
والحديث عن محمد علي يطول لما يحويه تاريخه مِن منجزات
.عظيمة، ولكن يكفي اختصارا أنه قد حوّل دولة تنتشر فيها
.الفوضى إلى دولة عظيمة، قوية، مرهوبة الجانب، لها واحد
.من أقوى جيوش المنطقة العربية.
دولة لا تحتاج إلى اقتراض جنيه واحد من أي دولة في العالم،
.مكتفية بدخلها القومي الذي تصنعه برجالها ونسائها.
وهذا مثال تاريخي لما يمكن أن يفعله الجمع، ويستحيل أن
.يفعله الطرح.
نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا استوعب هذا الدرس، عندما
.تولّى أمر الدولة بعد عقود من السجن الاستبدادي.
أي شخص غيره كان سيشعر بنقمة على البيض الذين فعلوا
.به هذا، وكان سيترك العنان لروح الانتقام في أعماقه.
ولكن نيلسون مانديلا زعيم حقيقي...
والزعيم الحقيقي لا يستسلم لنزعاته..
ولكن لصالح وطنه..
فقط..
ولأنه زعيم يسعى لنهضة أمته؛ فقد قرّر أن يجمع لا أن يطرح.
كان يُدرك جيّدا أن السود الذين هم السواد الأعظم من شعبه
لديهم ضغائن كثيرة تجاه البيض الذين أذوهم لعقود وعقود.
وأن البيض يشعرون بالخوف من السود، ومن احتمالات الانتقام
المتوقّعة، ولكن مانديلا خرج بسياسة المصالحة.
صالح السود على البيض؛ باعتبار أن الوطن يضمّهم جميعا،
وكلهم يستظلّون بظلّه، ولا يمكن أن ينهض أي وطن في ظلّ
فرقة تطرح ولا تجمع.
مبادرة مانديلا جمعت شعبه في بوتقة واحدة، اسمها
"جنوب إفريقيا"..
ومع الجمع نهضت جنوب إفريقيا.
نهضت في سرعة.
وعظمة.
وقوة.
ومرة أخرى، أتى الدرس.
الجمع يصنع أمة، والطرح يهدم أمة.
محمد علي أدرك هذا.
ونيلسون مانديلا تعلّم الدرس.
وطبّقه.
وكلاهما نهض بأمته.
وكلاهما دخل التاريخ.
ومِن أوسع وأعظم أبوابه.
وأحمق هو، مَن تمرّ عليه دروس التاريخ فلا يتعلّم منها شيئا،
ويتركها تمرّ، كما لو أنه مصاب بعمى العقل، وخلل البصر،
وغشاوة الفهم.
فالدرس واضح جلي.
جمع تصنع أمة عظيمة.
اطرح تهدم أمة عظيمة.
في النهاية.. هي مسألة جمع وطرح.
راجعوا كل ما سبق.
واحسبوها أنتم..
من أجل الوطن..
من أجل مصر،،،
الدكتور نبيل فاروق
وكيف يُمكنك النهوض بدولة متعثّرة؟!
السؤالان طرحهما على نفسه محمد علي عام 1805،
عندما نصّبه الشعب المصري واليا على مصر،
وأَوْلاه ثقته، وهتف باسمه، وهو الألباني الأصل
الذي أحبّ مصر أكثر مما أحبّها مَن وُلِدوا على أرضها.
كان قد تولّى الحكم عقب الحملة الفرنسية (1798-1801)،
عندما رحل الفرنسيون وسادت الفوضى البلاد عقب رحيلهم.
ومنذ اللحظة الأولى؛ قرّر محمد علي أن يجمع شتات هذا
الشعب الذي فرّقته الفوضى.. لقد أدرك بروح القائد في
أعماقه أن الوسيلة الأولى للنهوض بدولة هي أن يجمع لا أن
يطرح.. أن يضمّ فئات الشعب إلى بعضها البعض، لا أن يُفرّقها،
استنادا إلى كثرة عدد مؤيّديه من بينهم، ووجد محمد علي أن
السبيل إلى هذا هو سيادة القانون.
بلا محاباة..
أو تفرقة..
أو حتى مجاملة..
وكانت أوّل مواجهة له مع سيادة القانون، هي عندما أقدم تاجر
مسلم على ق ت ل رجل مسيحي، وتمّ عرضه على القضاء الذي
حكم بإعدامه جزاء ما اقترف.
وقتها ثار الإسلاميون، ورفضوا أن يُعدم مسلم ل ق ت ل ه مسيحي؛ باعتبار أن الدين السائد في مصر هو الإسلام وليس
المسيحية.
ولكن محمد علي -القائد والزعيم بالفطرة- رفض أن تُنتهك
سيادة القانون تحت أي مسمّى أو مبرّر، وأقرّ حُكم الإعدام.
وثار الإسلاميون أكثر، ولكنه -وبكل حزم- أعلن أنه سيعدم كل
مَن يقف في وجه سيادة القانون.
وتمّ إعدام التاجر المسلم..
وهنا وضع محمد علي أوّل درس للمواطنة في تاريخ مصر الحديث..
ورفع راية سيادة القانون عالية خفّاقة..
فأرسل رسالة في الوقت ذاته لكل مَن يحيا على أرض مصر..
مصر هي وطن مَن يحيا على أرضها..
وأيا كان..
وأيا كانت عقيدته..
وهكذا جمع محمد علي.. ولم يطرح..
ولأنه من المستحيل الوقوف في وجه عدالة تساوي بين الجميع دون تحيّز؛ فقد خضع كل مصري للمبدأ الجديد..
مبدأ المواطنة..
وهنا، انتقل محمد علي إلى مرحلة النهوض بالبلاد وإعلاء
رايتها..
كان يُدرك جيّدا أنه ما مِن دولة ذات سيادة تعتمد على غيرها
في طعامها وشرابها ودخلها القومي..
ولهذا بدأ أكبر مشروع نهوض في تاريخ مصر..
أنشأ الصناعات..
بنى المدارس والمعاهد..
أدخل زراعات جديدة..
أرسل البعثات التعليمية والفنية والزراعية إلى
دول أوروبا العريقة..
وكما صدّر العرب العلم إلى أوروبا في عصور عظمتهم،
عادوا يستوردونه منهم في عصر محمد علي..
المزِيّة التي تميّز بها محمد علي كانت قدرته على
الإبداع والابتكار..
ولهذا أنشأ أوّل مصنع للسلاح والذخيرة، عن قناعة بأنه لا بد
لكي تنال مصر سيادتها أن تصنع سلاحها بأيديها..
وعندما أدخل زراعة التوت إلى مصر كان له هدف كبير طموح؛
فزراعة التوت ستوسّع الرقعة الزراعية، وتجلب العمل إلى أيادٍ
عاطلة عديدة، بالإضافة إلى أنها ستُنشئ صناعة جديدة
وتجارة واسعة الانتشار..
فمع زراعة التوت، سيُمكنه تربية أعداد هائلة من دود القز
الذي يفرز خيوط الحرير، وهكذا ستصبح هناك صناعة جديدة
في مصر..
صناعة النسيج الحريري..
ولمّا كان النسيج الحريري سلعة مرغوبة وغالية الثمن في كل
دول العالم؛ فهذا سيعني إنشاء تجارة واسعة النطاق، تدرّ الكثير من الأموال على الخزانة المصرية..
وقد كان..
ولأن الحرير رقيق يحتاج إلى أصابع دقيقة رقيقة للتعامل معه، .اختار محمد علي النساء لمهنة غزل الحرير...
وكانت أوّل مرة تنزل فيها المرأة المصرية إلى سوق العمل .والصناعة..
والحديث عن محمد علي يطول لما يحويه تاريخه مِن منجزات
.عظيمة، ولكن يكفي اختصارا أنه قد حوّل دولة تنتشر فيها
.الفوضى إلى دولة عظيمة، قوية، مرهوبة الجانب، لها واحد
.من أقوى جيوش المنطقة العربية.
دولة لا تحتاج إلى اقتراض جنيه واحد من أي دولة في العالم،
.مكتفية بدخلها القومي الذي تصنعه برجالها ونسائها.
وهذا مثال تاريخي لما يمكن أن يفعله الجمع، ويستحيل أن
.يفعله الطرح.
نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا استوعب هذا الدرس، عندما
.تولّى أمر الدولة بعد عقود من السجن الاستبدادي.
أي شخص غيره كان سيشعر بنقمة على البيض الذين فعلوا
.به هذا، وكان سيترك العنان لروح الانتقام في أعماقه.
ولكن نيلسون مانديلا زعيم حقيقي...
والزعيم الحقيقي لا يستسلم لنزعاته..
ولكن لصالح وطنه..
فقط..
ولأنه زعيم يسعى لنهضة أمته؛ فقد قرّر أن يجمع لا أن يطرح.
كان يُدرك جيّدا أن السود الذين هم السواد الأعظم من شعبه
لديهم ضغائن كثيرة تجاه البيض الذين أذوهم لعقود وعقود.
وأن البيض يشعرون بالخوف من السود، ومن احتمالات الانتقام
المتوقّعة، ولكن مانديلا خرج بسياسة المصالحة.
صالح السود على البيض؛ باعتبار أن الوطن يضمّهم جميعا،
وكلهم يستظلّون بظلّه، ولا يمكن أن ينهض أي وطن في ظلّ
فرقة تطرح ولا تجمع.
مبادرة مانديلا جمعت شعبه في بوتقة واحدة، اسمها
"جنوب إفريقيا"..
ومع الجمع نهضت جنوب إفريقيا.
نهضت في سرعة.
وعظمة.
وقوة.
ومرة أخرى، أتى الدرس.
الجمع يصنع أمة، والطرح يهدم أمة.
محمد علي أدرك هذا.
ونيلسون مانديلا تعلّم الدرس.
وطبّقه.
وكلاهما نهض بأمته.
وكلاهما دخل التاريخ.
ومِن أوسع وأعظم أبوابه.
وأحمق هو، مَن تمرّ عليه دروس التاريخ فلا يتعلّم منها شيئا،
ويتركها تمرّ، كما لو أنه مصاب بعمى العقل، وخلل البصر،
وغشاوة الفهم.
فالدرس واضح جلي.
جمع تصنع أمة عظيمة.
اطرح تهدم أمة عظيمة.
في النهاية.. هي مسألة جمع وطرح.
راجعوا كل ما سبق.
واحسبوها أنتم..
من أجل الوطن..
من أجل مصر،،،
الدكتور نبيل فاروق