مشاهدة النسخة كاملة : حكم صلاة الإمام على غَالٍّ أو قاتلِ نفسه عمداً


abomokhtar
07-09-2014, 06:03 AM
حكم صلاة الإمام على غَالٍّ أو قاتلِ نفسه عمداً

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


قوله: (ولا يُسن أن يصلي الإمام على الغالِّ، وعلى قاتل نفسه عمداً...) إلى آخره[1].

قال في "الإفصاح": "واتفقوا على أن قاتل نفسه والغال يصلي عليه المسلمون، عدا إمامهم[2]، واختلفوا: هل يصلي الإمام على هذين؟

فقال أبو حنيفة[3] والشافعي[4]: يصلي عليهما أيضاً.

وقال مالك[5]: من *** نفسه أو *** في حد، فإن الإمام لا يصلي عليه.

وقال أحمد[6]: لا يصلي الإمام على الغالّ، ولا على قاتل نفسه (http://www.alukah.net/social/0/23410)"[7].

وقال ابن رشد: "وأجمع أكثر أهل العلم على إجازة الصلاة على كل من قال: لا إله إلا الله[8]، وفي ذلك أثر أنه قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله)[9] وسواء كان من أهل الكبائر، أو من أهل البدع، إلا أن مالكاً[10] كره لأهل الفضل الصلاة على أهل البدع، ولم ير أن يصلي الإمام على من ***ه حداً.

واختلفوا في من *** نفسه، فرأى قوم أنه لا يصلى عليه، وأجاز آخرون الصلاة عليه، ومن العلماء من لم يجز الصلاة على أهل الكبائر، ولا على أهل البغي والبدع. والسبب في اختلافهم في الصلاة:

أما في أهل البدع؛ فلاختلافهم في تكفيرهم ببدعهم. فمن كفرهم بالتأويل البعيد لم يجز الصلاة عليهم، ومن لم يكفرهم - إذ كان الكفر عند إنما هو تكذيب الرسول، لا تأويل أقواله عليه الصلاة والسلام - قال: الصلاة عليهم جائزة.

وإنما أجمع المسلمون على ترك الصلاة على المنافقين مع تلفظهم بالشهادة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]... الآية.

وأما اختلافهم في أهل الكبائر فليس يمكن أن يكون له سبب إلا من جهة اختلافهم في القول بالتكفير بالذنوب، لكن ليس هذا مذهب أهل السنة؛ فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلاة على أهل الكبائر [186أ].

وأما كراهية مالك[11] الصلاة على أهل البدع؛ فذلك لمكان الزجر والعقوبة لهم، وإنما لم ير مالك صلاة الإمام على من ***ه حداً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُصل على ماعز، ولم ينه عن الصلاة عليه. خرجه أبو داود[12].

وإنما اختلفوا في الصلاة على من *** نفسه؛ لحديث جابر بن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يصلي على رجل *** نفسه[13]. فمن صحح هذا الأثر قال: لا يُصلى على قاتل نفسه، ومن لم يصححه رأى أن حكمه حكم المسلمين، وإن كان من أهل النار، كما ورد به الأثر[14]، لكن ليس هو من المخلدين؛ لكونه من أهل الإيمان، وقد قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه: (أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من الإيمان)[15]"[16].

وقال البخاري: "باب: ما جاء في قاتل النفس.

حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زُريع، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن *** نفسه بحديدة عُذب به في نار جهنم)[17].

وقال حجاج بن منهال: حدثنا جرير بن حازم، عن الحسن، حدثنا جندب رضي الله عنه في هذا المسجد فما نسينا، وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان برجل جراح ف*** نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه؛ حرمت عليه الجنة)[18].

حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخنق نفسه؛ يخنقها في النار، والذي يطعنها؛ يطعنها في النار)[19]".

قال الحافظ: "قوله: (باب: ما جاء في قاتل النفس).

قال ابن رشيد:
مقصود الترجمة حكم قاتل النفس، والمذكور في الباب حكم قاتل نفسه، فهو أخص من الترجمة، ولكنه [186 ب] أراد أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب الأولى؛ لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد، فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه.

قال ابن المُنير في "الحاشية": عادةُ البخاري إذا توقف في شيء ترجم عليه ترجمة مبهمة، كأنه ينبه على طريق الاجتهاد.

وقد نقل عن مالك[20]: أن قاتل النفس لا تُقبل توبته، ومقتضاه ألا يُصلى عليه، وهو نفس قول البخاري.

قال الحافظ:
لعل البخاري أشار بذلك إلى ما رواه أصحاب السُنن من حديث جابر بن سمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل *** نفسه بمشاقص؛ فلم يُصل عليه[21].

وفي رواية للنسائي: (أما أنا ف أُصلي عليه)[22] لكنه لما لم يكن على شرطة أومأ إليه بهذه الترجمة، وأورد فيها ما يشبهه من قصة قاتل نفسه"[23].

وقال البخاري أيضاً: "باب: ما يُكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين. وذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما مات عبدالله بن أبي ابن سلول دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه..." الحديث[24].

قال الحافظ:
"قوله: (باب: ما يُكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين) قال الزين بن المُنير: عدل عن قوله كراهة الصلاة على المنافقين؛ لينبه على أن الامتناع من طلب المغفرة لمن لا يستحقها، لا من جهة العبادة الواقعة من صورة الصلاة، فقد تكون العبادة طاعة من وجه، معصية من وجه، والله أعلم"[25].

وقال البخاري أيضاً: "باب: إذا أسلم الصبي فمات، هل يُصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟
وقال الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة: إذا أسلم أحدهما فالولد مع المسلم، وكان ابن عباس رضي الله عنهما مع أمه من [187أ] المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: الإسلام يعلو ولا يُعلى. وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر انطلق [مع النبي صلى الله عليه وسلم] في رهط قبل ابن صياد... الحديث[26].

وحديث أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض؛ فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه - وهو عنده - فقال: أطع أبا القاسم؛ فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار)[27].

حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، قال ابن شهاب: يصلى على كل مولود مُتوفى، وإن كان لغية من أجل أنه وُلد على فطرة الإسلام يدعي أبواه الإسلام، أو أبوه خاصة، وإن كانت أمه على غير الإسلام إذا استهل صارخاً صُلي عليه، ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط، فإن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة...) الحديث[28]".

قال الحافظ: "قوله: باب: إذا أسلم الصبي فمات، هل يُصلى عليه؟
وهل يعرض على الصبي الإسلام؟).
هذه الترجمة معقودة لصحة إسلام الصبي، وهي مسألة اختلاف وقوله: (وهل يعرض عليه؟) ذكره هنا بلفظ الاستفهام، وترجم في كتاب: (الجهاد) بصيغة تدل على الجزم بذلك، فقال: وكيف يُعرض الإسلام على الصبي؟! وكأنه لما أقام الأدلة هنا على صحة إسلامه استغنى بذلك، وأفاد هناك ذكر الكيفية...

إلى أن قال: وقول ابن شهاب (لغية) بكسر اللام والمعجمة، وتشديد التحتانية، أي: من زنى، ومراده أنه يُصلى على ولد الزنى، ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه؛ لأنه محكوم بإسلامه تبعاً لأُمه، وكذلك من كان أبوه مسلماً دون أمه.

وقال ابن عبد البر: لم يقل أحد إنه لا يصلى على ولد الزنى إلا قتادة وحده.

واختُلف في الصلاة على الصبي:
فقال سعيد بن جبير (http://www.alukah.net/library/0/18677): لا يُصلى عليه حتى يبلغ.

وقيل: حتى يُصلي.

وقال الجمهور[29]: يُصلى عليه حتى السقط إذا استهل"[30] [187ب].

وقال البخاري أيضاً: "باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله. وذكر قصة أبي طالب (http://www.alukah.net/sharia/0/66770)[31]".

قال الحافظ:
"قوله: (باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله) قال الزين بن المنير: لم يأت بجواب (إذا) لأنه صلى الله عليه وسلم لما قال لعمه: (قل: لا إله إلا الله؛ أشهد لك بها) كان محتملاً لأن يكون ذلك خاصاً به؛ لأن غيره إذا قالها وقد أيقن بالوفاة لم ينفعه، ويحتمل أن يكون ترك جواب (إذا) ليفهم الواقف عليه أنه موضع تفصيل وفكر، وهذا هو المعتمد"[32].

وقال في "الاختيارات": "ومن مات وكان لا يزكي ولا يصلي إلا في رمضان ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليه؛ عقوبة ونكالاً لأمثاله؛ لتركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه، وعلى الغال والمدين الذي ليس له وفاء، ولابُد أن يصلي عليه بعض الناس، وإن كنا منافقاً كمن عُلم نفاقه لم يُصل عليه، ومن لم يعلم نفاقه صلي عليه.

ولا يجوز لأحد أن يترحم على من مات كافراً، ومن كان مظهراً للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر، فلا بُد أن يُصلي عليه بعض الناس، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم؛ زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً، [ومن صلى على أحدهم يرجو له رحمة الله؛ ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان حسناً] ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن؛ ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما"[33] [188أ].

[1] الروض المربع ص149.

[2] فتح القدير 1/479، وحاشية ابن عابدين 2/224. والشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/424. وتحفة المحتاج 3/192، ونهاية المحتاج 3/28.
وكشاف القناع 4/157، وشرح منتهى الإرادات 2/124.

[3] فتح القدير 1/479، وحاشية ابن عابدين 2/224.

[4] تحفة المحتاج 3/192، ونهاية المحتاج 3/28.

[5] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/424.

[6] كشاف القناع 4/157، وشرح منتهى الإرادات 2/124.

[7] الإفصاح 1/281.

[8] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/220. وتحفة المحتاج 3/158 - 159، ونهاية المحتاج 2/493. وشرح منتهى الإرادات 2/105، وكشاف القناع 4/117 - 118.

[9] أخرجه الدارقطني 2/56، والطبراني 12/447 13622، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، به.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/35: أخرجه الدارقطني من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عمر. وعثمان كذبه يحيى بن معين. ومن حديث نافع عنه، وفيه خالد بن إسماعيل عن العمري، به. وخالد متروك... وتابعه أبو البختري وهب، وهو كذاب. ومن طريق مجاهد، عن ابن عمر، وفيه محمد بن الفضل، وهو متروك. وهو في الطبراني أيضاً. وله طريق أخرى من رواية عثمان بن عبد الله العثماني، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وعثمان رماه ابن عدي بالوضع.

[10] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/424.

[11] انظر التعليق السابق.

[12] 3186، عن أبي كامل، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، حدثني نفر من أهل البصرة، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
قال ابن الجوزي في التحقيق: هذا الحديث يرويه مجاهيل.
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 2/668: انفرد أبو داود برواية هذا الحديث، وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد، إلا على الغال وقاتل نفسه.

[13] أخرجه مسلم 978.

[14] أخرجه البخاري 5778، ومسلم 109، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[15] أخرجه البخاري 44، ومسلم 193، من حديث أنس رضي الله عنه.

[16] بداية المجتهد 1/221 - 222.

[17] البخاري 1363 تعليقاً، ووصله 3463. وأخرجه أيضاً مسلم 110.

[18] البخاري 1364. وأخرجه أيضاً مسلم 113.

[19] البخاري 1365.

[20] الفواكه الدواني 2/246.

[21] أخرجه الترمذي 1068، وابن ماجه 1526، وأبو داود 3185.
قلت: وهو عند مسلم 978 بلفظه سواء.

[22] أخرجه النسائي 4/66 1938.

[23] فتح الباري 3/227.

[24] البخاري 1366.

[25] فتح الباري 3/228.

[26] البخاري 1354 وأخرجه أيضاً مسلم 2930.

[27] البخاري 1356.

[28] البخاري 1358. وأخرجه أيضاً مسلم 2658.

[29] فتح القدير 1/465، وحاشية ابن عابدين 2/240 - 241. والشرح الصغير 1/203، وحاشية الدسوقي 1/427. وتحفة المحتاج 3/162، ونهاية المحتاج 2/495 - 496. وشرح منتهى الإرادات 2/95، وكشاف القناع 4/94 - 95.

[30] فتح الباري 3/219 - 221.

[31] البخاري 1360.

[32] فتح الباري 3/222.

[33] الاختيارات الفقهية ص87.





الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (http://www.alukah.net/authors/view/sharia/2842/)