حمدى حسام
09-09-2014, 11:07 PM
تقاليدُ دولة الضُبّاط الأولى أنور الهواري (http://www.almasryalyoum.com/editor/details/1601)
http://www.almasryalyoum.com/news/details/519794
ليس أمامنا من خيار إلَّا أن نحترم الدستور القائم، وليس أمامنا إلا أن ندافع عنه إذا لزمت الضرورة. ليس أمامنا من خيار إلا احترام خريطة الطريق، وليس أمامنا إلا أن نُذَكِّركم بها. تجاوزتم مراحل الخريطة- وكانت عندنا فيكم شُكوك- وقدّمتم الرئاسة على البرلمان. وها أنتم تتلكأون - والشكوك فيكم تزداد- فى الوفاء بالخطوة المستحقة بانتخابات البرلمان. إذا لعبتم على خريطة الطريق أكثر من هذا، فسوف تُتعبون أنفسكم، وتُتعبون البلد معكم. إذا ضللتُم بالخريطة، ضللتُم وزللتُم إلى توهان، يهوى بكم وبالبلد إلى هاوية سحيقة.
الديكتاتوريات الناشئة لا تُحبُّ البرلمانات. الديمقراطيات الوليدة تنشأُ فى أحضان البرلمانات. حُجّتُكم داحضةٌ فى إطلاق تلك الأصوت المُنكرة، التى تُردد مقولات حقّ يُراد بها باطلٌ. نعم: الأحزاب ضعيفة، وكثيرة العدد، وليست ملتصقة بطين الشارع، وليس لها جذور شعبية، وليس لها تقاليد تنظيمية، وليس لديها خبرات فى الحكم، وبعضُها واجهاتٌ لمن يختبئ خلفها، ولم تتمكّن من إفراز قيادات ذات تأثير كبير، الأحزابُ فيها هذه العيوب وأكثر.
ولكن، ما تتغافلونه: أنّ هذه الأحزاب أكثرُها وليدٌ جديدٌ لم يبلغ سنّ الفطام إلا بقليل، ثلاث سنوات- مضطربة- ليست كافية لتنضج الأحزاب. وما تتغافلونه- أيضاً- أن تراث أكثر من ستة عقود من دولة الضباط الأولى- ناصر- التى أصدرت القرار بحلّ الأحزاب 1953م وأحلّت نظام الحزب الواحد، إلى دولة الضباط الثانية- السادات ومبارك- التى أبقت الحزب الواحد المهيمن وسمحت على هوامشه بما تيسَّر من أحزاب، بعضُها تم خلقُه اختلاقاً فى معامل السلطة، وبعضُها تم خنقُه اختناقاً مقصوداً فى مقامع السلطة. كانت الدولتان- دولةُ الضباط الأولى والثانية- إمّا أنّها تفُضّل عدم وجود معارضة على الإطلاق كما فعل ناصر، وإمّا أنّها تفضل المعارضة الدينية وتعطيها الفرصة والأولوية على المعارضة المدنية، كما فعل السادات حين أطلق يد الإخوان والجماعات الدينية فى الجامعات، وكما فعل مُبارك، حين أكمل الطريق، فاستوعبهم فى أول برلمان 1984م- فى سابقة هى الأولى فى تاريخ البرلمان وفى تاريخ الإخوان معاً، لاحظ أنّ ذاك البرلمان حُجبت عنه كل الأحزاب المدنية باستثناء الوفد، وكان حليف الإخوان.
الديكتاتورياتُ الناشئةُ لا تُحبّ البرلمانات. على أساس أنّها تُعطّل خُطى القائد المُلهم. وعلى أساس أن التفاف قطاعات واسعة حول القائد يكفى بديلاً عن البرلمان. وعلى أساس أن كاريزما القائد المحبوب لا تسعُ إلى جوارها كاريزما حزبية أو غير حزبية تُعارضُها أو تُنافسُها أو تُناكفُها أو تُزاحمُها فى قلب الصورة وفى أصل المشهد. ثُمّ- وهذه هى الأكذوبةُ الأخطر- أن البلد على حافّة أخطار عظيمة جسيمة تتهدّدُه من كل جانب، بما يلزم أن نلزم الصّمت، ونوحِّد الصّف الوطنى، ونصطفّ خلف القائد المُلهم، ونلتقى على قلب رجُل واحد.
هذه هى تقاليدُ دولة الضُباط الأولى، لا تحملُ عاطفةً حميدةً تجاه القاموس الديمقراطى، لا تحملُ مودّة قليلة ولا كثيرةً لفكرة دولة المؤسسات والدستور والقانون. ألغت دستور 1923م فى ديسمبر 1952م، وألهت النخبة بوضع دستور جديد، عُرف بدستور 1954م، ماطلتهم عامين كاملين، فترة كانت كافية لتغيير التوازنات السياسية، تمكّنت دولةُ الضباط الأولى على مراحل: تطهير الأحزاب، حلّ الأحزاب، إلغاء الدستور القديم، تمويت الدستور الجديد، حلّ نقابة الصحفيين، حلّ نقابة المحامين. بل أصدرت ما يكاد يتطابق- بالحرف- مع الإعلان الدستورى الذى أصدره الإخوان فى نوفمبر 2012م وكان سبباً فى سقوطهم بعد ستة أشهر. وسبحانك يا رب، كان فى نوفمبر أيضاً، نوفمبر 1952م، وقد اعتبر قرارات القائد العام للجيش وحركة الجيش- لم يكن اسمها ثورة فى ذاك الوقت- من أعمال السيادة، التى لا يجوز النظر فيها أو الطعن عليها أمام القضاء، سواء كان القضاء العادى أو قضاء مجلس الدولة.
دولةُ الضباط الأولى لم تكُن ترغب فى عودة البرلمان القديم، ولم تكُن توافق على الدعوة لانتخاب برلمان جديد، كانت فى حاجة إلى عامين كاملين، حتّى تقضى على المجتمع السياسى، وتنهى الوجود المؤثر للطبقة المدنية فى المجتمع السياسى. الفقيهُ الجليلُ الدكتور عبدالرازق السنهورى- وكان رئيساً لمجلس الدولة- أفتى بجواز أن يحلّ مجلسُ الوزراء محلّ البرلمان، وأن يمُارس اختصاصاته، دون الحاجة إلى دعوته للانعقاد. الدكتور عبدالرازق السنهورى يتحدّثُ عن نفسه فى مذكراته، فيقول فى صراحة بريئة، إنّه ورث عن السيدة والدته سُرعة الاندفاع وطيبة القلب. على الأرجح، هو اندفع- فى الأيام الأولى- فى دعم دولة الضباط الأولى، وربما كان للجفاء القديم بينه وبين الوفد دورٌ فى هذا الاندفاع. ولكن كان الرجل، وكان معه مجلس الدولة، مؤسسة قضائية تعملُ على أعلى معايير النزاهة القانونية. بدأ لا يستجيبُ لدولة الضباط الأولى، دخلت عليه المظاهرات مكتبه فى مجلس الدولة، تهتف: «لا للخونة والعملاء»، كاد الرجلُ من فُرط الضرب أن يموت، حاول عبدالناصر أن يعتذر للفقيه الكبير، رفضت زوجتُه أن تُكمل المكالمة مع ناصر، ورفضت زيارته لهم فى بيتهم. لم يقف الأمرُ عند هذا الحد، صدر تشريعٌ من دولة الضباط يُحرّمُ على من تولّى أى منصب وزارى من عام 1942م أن يتولّى وظيفةً عامّةً، ولم يكُن ينطبق إلا على السنهورى فقط، حتّى يتمّ إخراجُه من رئاسة مجلس الدولة، ثم صدر قانونٌ جديد، تمّ بموجبه حلّ مجلس الدولة، وإعادة تشكيله على النحو الذى تُريده دولةُ الضباط الأولى.
http://www.almasryalyoum.com/news/details/519794
ليس أمامنا من خيار إلَّا أن نحترم الدستور القائم، وليس أمامنا إلا أن ندافع عنه إذا لزمت الضرورة. ليس أمامنا من خيار إلا احترام خريطة الطريق، وليس أمامنا إلا أن نُذَكِّركم بها. تجاوزتم مراحل الخريطة- وكانت عندنا فيكم شُكوك- وقدّمتم الرئاسة على البرلمان. وها أنتم تتلكأون - والشكوك فيكم تزداد- فى الوفاء بالخطوة المستحقة بانتخابات البرلمان. إذا لعبتم على خريطة الطريق أكثر من هذا، فسوف تُتعبون أنفسكم، وتُتعبون البلد معكم. إذا ضللتُم بالخريطة، ضللتُم وزللتُم إلى توهان، يهوى بكم وبالبلد إلى هاوية سحيقة.
الديكتاتوريات الناشئة لا تُحبُّ البرلمانات. الديمقراطيات الوليدة تنشأُ فى أحضان البرلمانات. حُجّتُكم داحضةٌ فى إطلاق تلك الأصوت المُنكرة، التى تُردد مقولات حقّ يُراد بها باطلٌ. نعم: الأحزاب ضعيفة، وكثيرة العدد، وليست ملتصقة بطين الشارع، وليس لها جذور شعبية، وليس لها تقاليد تنظيمية، وليس لديها خبرات فى الحكم، وبعضُها واجهاتٌ لمن يختبئ خلفها، ولم تتمكّن من إفراز قيادات ذات تأثير كبير، الأحزابُ فيها هذه العيوب وأكثر.
ولكن، ما تتغافلونه: أنّ هذه الأحزاب أكثرُها وليدٌ جديدٌ لم يبلغ سنّ الفطام إلا بقليل، ثلاث سنوات- مضطربة- ليست كافية لتنضج الأحزاب. وما تتغافلونه- أيضاً- أن تراث أكثر من ستة عقود من دولة الضباط الأولى- ناصر- التى أصدرت القرار بحلّ الأحزاب 1953م وأحلّت نظام الحزب الواحد، إلى دولة الضباط الثانية- السادات ومبارك- التى أبقت الحزب الواحد المهيمن وسمحت على هوامشه بما تيسَّر من أحزاب، بعضُها تم خلقُه اختلاقاً فى معامل السلطة، وبعضُها تم خنقُه اختناقاً مقصوداً فى مقامع السلطة. كانت الدولتان- دولةُ الضباط الأولى والثانية- إمّا أنّها تفُضّل عدم وجود معارضة على الإطلاق كما فعل ناصر، وإمّا أنّها تفضل المعارضة الدينية وتعطيها الفرصة والأولوية على المعارضة المدنية، كما فعل السادات حين أطلق يد الإخوان والجماعات الدينية فى الجامعات، وكما فعل مُبارك، حين أكمل الطريق، فاستوعبهم فى أول برلمان 1984م- فى سابقة هى الأولى فى تاريخ البرلمان وفى تاريخ الإخوان معاً، لاحظ أنّ ذاك البرلمان حُجبت عنه كل الأحزاب المدنية باستثناء الوفد، وكان حليف الإخوان.
الديكتاتورياتُ الناشئةُ لا تُحبّ البرلمانات. على أساس أنّها تُعطّل خُطى القائد المُلهم. وعلى أساس أن التفاف قطاعات واسعة حول القائد يكفى بديلاً عن البرلمان. وعلى أساس أن كاريزما القائد المحبوب لا تسعُ إلى جوارها كاريزما حزبية أو غير حزبية تُعارضُها أو تُنافسُها أو تُناكفُها أو تُزاحمُها فى قلب الصورة وفى أصل المشهد. ثُمّ- وهذه هى الأكذوبةُ الأخطر- أن البلد على حافّة أخطار عظيمة جسيمة تتهدّدُه من كل جانب، بما يلزم أن نلزم الصّمت، ونوحِّد الصّف الوطنى، ونصطفّ خلف القائد المُلهم، ونلتقى على قلب رجُل واحد.
هذه هى تقاليدُ دولة الضُباط الأولى، لا تحملُ عاطفةً حميدةً تجاه القاموس الديمقراطى، لا تحملُ مودّة قليلة ولا كثيرةً لفكرة دولة المؤسسات والدستور والقانون. ألغت دستور 1923م فى ديسمبر 1952م، وألهت النخبة بوضع دستور جديد، عُرف بدستور 1954م، ماطلتهم عامين كاملين، فترة كانت كافية لتغيير التوازنات السياسية، تمكّنت دولةُ الضباط الأولى على مراحل: تطهير الأحزاب، حلّ الأحزاب، إلغاء الدستور القديم، تمويت الدستور الجديد، حلّ نقابة الصحفيين، حلّ نقابة المحامين. بل أصدرت ما يكاد يتطابق- بالحرف- مع الإعلان الدستورى الذى أصدره الإخوان فى نوفمبر 2012م وكان سبباً فى سقوطهم بعد ستة أشهر. وسبحانك يا رب، كان فى نوفمبر أيضاً، نوفمبر 1952م، وقد اعتبر قرارات القائد العام للجيش وحركة الجيش- لم يكن اسمها ثورة فى ذاك الوقت- من أعمال السيادة، التى لا يجوز النظر فيها أو الطعن عليها أمام القضاء، سواء كان القضاء العادى أو قضاء مجلس الدولة.
دولةُ الضباط الأولى لم تكُن ترغب فى عودة البرلمان القديم، ولم تكُن توافق على الدعوة لانتخاب برلمان جديد، كانت فى حاجة إلى عامين كاملين، حتّى تقضى على المجتمع السياسى، وتنهى الوجود المؤثر للطبقة المدنية فى المجتمع السياسى. الفقيهُ الجليلُ الدكتور عبدالرازق السنهورى- وكان رئيساً لمجلس الدولة- أفتى بجواز أن يحلّ مجلسُ الوزراء محلّ البرلمان، وأن يمُارس اختصاصاته، دون الحاجة إلى دعوته للانعقاد. الدكتور عبدالرازق السنهورى يتحدّثُ عن نفسه فى مذكراته، فيقول فى صراحة بريئة، إنّه ورث عن السيدة والدته سُرعة الاندفاع وطيبة القلب. على الأرجح، هو اندفع- فى الأيام الأولى- فى دعم دولة الضباط الأولى، وربما كان للجفاء القديم بينه وبين الوفد دورٌ فى هذا الاندفاع. ولكن كان الرجل، وكان معه مجلس الدولة، مؤسسة قضائية تعملُ على أعلى معايير النزاهة القانونية. بدأ لا يستجيبُ لدولة الضباط الأولى، دخلت عليه المظاهرات مكتبه فى مجلس الدولة، تهتف: «لا للخونة والعملاء»، كاد الرجلُ من فُرط الضرب أن يموت، حاول عبدالناصر أن يعتذر للفقيه الكبير، رفضت زوجتُه أن تُكمل المكالمة مع ناصر، ورفضت زيارته لهم فى بيتهم. لم يقف الأمرُ عند هذا الحد، صدر تشريعٌ من دولة الضباط يُحرّمُ على من تولّى أى منصب وزارى من عام 1942م أن يتولّى وظيفةً عامّةً، ولم يكُن ينطبق إلا على السنهورى فقط، حتّى يتمّ إخراجُه من رئاسة مجلس الدولة، ثم صدر قانونٌ جديد، تمّ بموجبه حلّ مجلس الدولة، وإعادة تشكيله على النحو الذى تُريده دولةُ الضباط الأولى.