مشاهدة النسخة كاملة : الاخوان المسلمون ومفهوم الوطن


صوت الحق
23-10-2014, 09:56 PM
الاخوان المسلمون ومفهوم الوطن



رفعت عوض الله (http://civicegypt.org/?cat=74)
عاش العرب قبل ألأسلام في شبه جزيرتهم في قبائل .

وكان الجدب وقلة الماء وندرة المرعي ،
وغلبة الصحراء الجافة هي البيئة الطبيعية التي عاش
فيها أولئك القوم . فنشب صراع مرير علي المراعي
وبقاع وجود الماء بين تلك القبائل . في جو الغارة والحرب
هذا كان لابد للفرد من مظلة اكبر يحتمي بها ،وتشبع احتياجه

النفسي والمادي للشعور بالأمن والأمان ، من هنا ارتباط الفرد

بالقبيلة التي توفر له الحماية والامن .


وكان العرب يطلقون لفظ الحمي علي ما يخص القبيلة ،
لاحظ العلاقة اللغوية بين لفظي الحمي والحماية .

وهكذا تولد في نفوس الأفراد الولاء والأنتماء للقبيلة

والأستعداد للقتال دفاعا وزودا عن حماها ،لأن الفرد
لا حياة ولا أمان له بعيدا عن قبيلته . فكانت القبيلة

وحماها بمثابة الوطن للفرد أنذاك .


جاء الأسلام وأنتشر بين العرب فاصبحوا مسلمين فتجاوز

العرب الرابطة القبيلية الي رابطة الاسلام، فتحول الانتماء

والولاء من القبيلة والحمي الي الأسلام ودولة المسلمين .

ووجد الفرد المسلم قوته وأمنه ،وأمانه في أنتماؤه الي

الأسلام ،ودولة المسلمين .


توسع العرب وسيروا جيوشا خارج حدود جزيرتهم ،وبنوا

أمبراطورية مترامية الأطراف ،وكانت الرابطة الدينية الأسلامية

بمثابة عامل الربط والوحدة بين الرعايا في مختلف بقاع

وأمصار دولة الخلافة ،فلا ولاء ولا أنتماء للمكان والأرض ولكن

للأسلام الذي منه أستمد المسلمون الشعور بالعزة والقوة

والحماية . علي خلاف الدول والامبراطوريات الدينية التي

أزدهرت في العصور الوسطي بحكم ان الدين كان مركز الحياة

والحاكم للنشاط الفكري والسياسي ، شهد العصر الحديث

مولد الدولة القومية الوطنية .


في الدولة القومية الأعتبار الأول يكون للأرض والجغرافيا

،بمعني أن الدولة القومية لم تعد دولة عابرة للأقطار مثلما

كانت دولة الخلافة الاسلامية مثلا ،والتي فيها يشكل الأيمان

بالدين الواحد العمود الفقري الذي يربط ويوحد ويوجه الناس

في هذه الدولة .

الدولة القومية الحديثة دولة ذات حدود فاصلة بينها وبين ما

يجاورها من دول ،والذي يوحد ويربط بين من يعيشون داخل

حدود هذه الدولة هو كونهم يعيشون علي تراب تلك الدولة

،من هنا خروج فكرة الوطن الحاضن لأبناءه والرابط بينهم

،فتوارت فكرة الرابطة الدينية ،وحلت محلها فكرة الرابطة

الوطنية .


في داخل الوطن الواحد يعيش من يدينون بدين ما ،وآخرون

يدنيون بدين آخر . هنا يبرز مفهوم المواطنة التي تعلو فوق

التمايز والأختلاف الديني ، وتوحد المواطنين من خلال تساوي

الجميع في الحقوق والواجبات طارحة الاختلاف في الدين

جانبا .


وهكذا ظهرت الدولة القومية الوطنية التي أعلت من مفهوم

الوطن والمواطنة ،فعززت في النفوس الولاء للوطن قبل
الولاء للدين .
في الدولة الوطنية القومية يعيش مواطنون لهم رؤاهم

وتطلعاتهم ،ولهم دوافع للمشاركة في المجال

العام فتأسست الأحزاب السياسية التي تعبر عن فكر ورؤية

قطاعات مختلفة من المواطنين . أنعكس كل هذا في برامج سياسية تتنافس وتتصارع في حلبة الوطن السياسية . وعبر الأنتخابات او الأنقلابات يصل فريق الي الحكم ،ويُزاح آخر، وهكذا يتوالي علي حكم الوطن الواحد اطياف سياسية قد تكون متناقضة . والمُلاحظ ان فصيل ما حين يخسر الحكم او يُزاح عنوة او بأنقلاب ، او مؤامرة يسلم يالأمر الواقع ، ويعد نفسه للعودة الي الحكم من جديد عبر أليات العمل السياسي، يُخلي موقعه ويتقوقع علي ذاته يأسا وقنوطا . ومن واقع كونه فصيل وطني ،ويزعم انه يعمل ويناضل من أجل مصلحة الوطن لا ينتقم ولا يثأر لنفسه حين يُجبر علي ترك كرسي الحكم ولو عنوة او عبر مؤامرة.
هذا ما يحكم الواقع السياسي في الدولة الوطنية الحديثة ، من هنا رأينا ملك مصر السابق “فاروق الاول ” لا يقاوم أنقلاب حركة الضباط الأحرار عليه في يوليو 1952 فسلم بالأمر الواقع الجديد ، انطلاقا من إرادة الحفاظ علي الوطن والدولة المصرية ،وتجنيب الوطن والدولةالأحتراب والأنقسام . وهذا هو ما فعله الرئيس الأسبق حسني مبارك حين تخلي عن الحكم في 11فبراير 2011 حفاظا علي مصر الوطن ،وتجنيب المصريين ويلات الصراع بين المؤيدين والمعارضين .

بيد ان هذا ما لم تفعله جماعة الاخوان التي لم تسلم بإرادة المصريين الذين خرجوا في ثورة شعبية عارمة ضد مرسي وحكم جماعة الأخوان في 30 /6 ولما تم خلع ذلك الرئيس في 3/7 ، فعلت الجماعة وأنصارها كل ما يخطر ولا يخطر علي البال من أجل عودة الرجل .. وهاهم بعد فض الاعتصام المسلح في رابعة والنهضة يعمدون الي حرق مصر الوطن ،فأرتكبوا جرائم بشعة لن ينساها المصريون ولا التاريخ !

لماذا أقترفوا كل هذا الأثم في حق مصر والمصريين ؟ أجيب فأقول لأنهم جماعة دينية وليست وطنية ، أعني ان ولاءها للدين بل لفهمها وتصورها هي للدين ، وليس للوطن ،بل أن الوطن والوطن المقصود هنا هو مصر ليس له قيمة وأعتبار !

وهم ناضلوا وجاهدوا منذ ثلاثنيات القرن العشرين وعملوا لكي يتولوا الحكم والسلطة . إلا ان سعيهم هذا للسلطة لم يكن نابعا من كونهم اصحاب مشروع سياسي وطني يرون فيه الصلاح وبه يتم النهوض بمصر والمصريين ،ولكن لأن لديهم فهم محدد للأسلام مستمدين تصورات أبن تيمية الأصولية .. مشروع يبغي إعادة مجد الأسلام وقوته وسيطرته من خلال إحياء دولة الخلافة الماضوية ،والتي قامت علي الرابطة الدينية الأسلامية ،والتي أعلت من شأن الرعايا المسلمين السنة ،واغدقت عليهم أمتيازات علي حساب بقية رعايا الأمبراطورية الاسلامية من مسلمين شيعة ومسيحيين ويهود وغيرهم ..فمشروعهم لإحياء الخلافة مشروع عنصري يفرق ويميز بين المواطنين علي أسس دينية ، مما يهدم اهم ركن في الدولة الوطنية الحديثة “مفهوم المواطنة” ،مما يعني أيضا تقويض الدولة الوطنية الحديث

وهم في درسهم وفهمهم للأسلام يصدرون عن فهم أصولي قطعي ،فيتوهمون انهم يملكون الحقيقة المطلقة بلغة الفيلسوف مراد وهبه . ولما كانت الحقيقة المطلقة واحدة ،فأن كل مختلف معهم ومعارض لهم علي ضلال مطلق .

وكما كان حكام الدول الدينية في العصور الوسطي يرمون معارضيهم بالكفر والزندقة والضلال والهرطقة ، كذلك يفعل الأخوان المسلمون مع معارضيهم ،فليس عندهم مجال للأحتمالية وتعدد الرؤي!

وكما كان الحكم علي الخصوم والمعارضين ” الكفار” في العصور الوسطي هو الأعدام وال*** واهدار الحياة ،كذلك يحكم الأخوان المسلمون علي معارضيهم .

تصورا معي حال وشعور من ينتظر الوصول للسلطة والحكم بعد طول انتظار وعمل دؤوب علي مدي عقود طويلة ، لكي يحقق ما اسلفنا إيضاحه ، أقول يفقد توازنه وأتزانه فيثور ،وتتملكه حالة من الهياج الشديد فيدمر ويحرق وي*** ،ويضيع وطنا هو اصلا لا يحبه ،ولا يدين له بالولاء ،ولايعمل من أجل صالحه !!

اولئك هم الأخوان المسلمون الخارجون من كهوف التاريخ .