مشاهدة النسخة كاملة : كيف أتخلص من المقارنة السلبية؟


abomokhtar
07-11-2014, 08:55 AM
السؤال

♦ ملخص السؤال:
رجل ناجح في حياته، مشكلته أنه يقارن نفسه بالآخرين ويتطلَّع إلى ما أيدي الناس، ويُصاب بضيق شديد في صدره إذا رأى أحدًا أفضل منه! ويسأل عن السبيل لتحقيق القناعة والإيمان بالقضاء والقدَر؟

♦ تفاصيل السؤال:
الإخوة الكرام في شبكة الألوكة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا - ولله الحمدُ والفضل - إنسانٌ ناجحٌ في حياتي، شهاداتي عاليةٌ، ووظيفتي ممتازة ولله الحمد.

مشكلتي أنني إنسانٌ، نَعَمْ إنسانٌ وكائنٌ بشريٌّ يتطلَّع إلى مَن هو أعلى منه، وتنتابني هذه الحالة بين فينةٍ وأخرى، وأُصاب أحيانًا بضيق شديد في صدري، وأظل أسأل: لماذا سبَقني أخي في الأمر الفلاني؟ لماذا نال زميلي شهادةً أعلى مِن شهادتي؟ لماذا رُزِقَ بمُكافأةٍ أعلى مِن مُكافأتي؟

وأنا حين أسأل هذه الأسئلة فإنني لا أحسد أحدًا - مَعاذ الله - فأنا أخشى الله، وأخشى عَواقِب الحسَد على ديني ونفسي، وما أشكوه هو رغبتي الصادِقة في إصلاح ذاتي؛ كي أتخلَّصَ مِن هذه الصفة الذَّميمة، وهي التطلُّع إلى ما عند الآخرين.

فما السبيلُ إلى التخلُّص من هذه الصفة، وتحقيق القناعة والإيمان بالقضاء والقدر؟

انصحوني جزاكم الله خيرًا.

الجواب

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
أيها الفاضل, "اعلمْ أن السخاء سخاءان: سَخاوة نفسِ الرجلِ بما في يديه، وسخاوته عما في أيدي الناس, وسخاوة نفس الرجلِ بما في يديه أكثرهما وأقربهما مِن أن تدخلَ فيه المفاخَرة, وترْكه ما في أيدي الناس أمحض في التكرُّم، وأبرأ مِن الدنس وأنزَه, فإن هو جمعهما فبذل وعفَّ، فقد استكمل الجُود والكرَم"؛ الأدب الكبير.

لكن عليك أن تُميزَ أولًا: هل تتطلَّع إلى ما في أيدي الناس لمجرد أنه لديهم؟ أو لأنك تتطلَّع لكل ما هو أفضل وتسعى إليه، وتعمل على الوصول إلى القمة حيث تكون؟

مِن الناس مَن تملأ نفسَه الحسراتُ، وتطوف بقلبِه الأحزانُ؛ لمجرَّد أن يرى غيرَه قد أنعم الله عليه بنعمةٍ، أو اخْتَصَّه برحمةٍ, وليس لأنه يحرص على الخير لنفسِه كما يُحبه للجميع, يبقى في حالةٍ مِن التبرُّم والضيق إذا ما رأى غيره قد سعد بمكانةٍ أو نال شرفًا, وحينها يحرص على النَّيْل منه - إن استطاع - ويعمل بكلِّ حِقْدٍ على التقليل مِن شأنِه، والحدِّ مِن رفعتِه بألسنةٍ ناريةٍ، لا تقدر إلا على التلميح بأنه لم يفعلْ شيئًا ولم يأتِ بخيرٍ, فيأخذ في تلميع نفسِه، وتحقير أخيه، بصورةٍ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ؛ ليرتقي على حسابِه، ويعلوَ ذلك العلو الكاذب، وهذا الارتفاع الأجوف, فيسعد بمكانةٍ حصَل عليها بالزيف والنيل مِن إخوانه, وهذا الذي مُلِئَتْ نفسُه بالشرور، وشُحِن قلبه بالبغضاء، وتشرَّب هواه حب النفس الأعمى, فإن أصابك شيءٌ مِن ذلك فاسأل الله الشفاء مِن داء لا يقدِر على علاجِه سوى مالكِ القلوب عزَّ وجلَّ.

وأما إن كنتَ تتطلَّع لغيرك مِن باب: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26], فليكنْ نظرُك إليهم مملوءًا بالمحبة، مخلوطًا بالحرص، ممزوجًا بالسعادة لأجْلِهم, وهذا ما أحسبه قد أصابك, بيد أنها النفسُ البشريةُ جُبِلَتْ على حبِّ الخير, والرغبة فيه؛ فما المشكلة في ذلك؟

الخير الذي تراه قد أصاب غيرك على صنفَيْنِ:
• إما أن يكونَ مما لا سبيل لك إليه، ولو بذلتَ فيه ما يُبذل، أو جمعت له كلَّ طاقاتك؛ كجمال الخِلقة، أو علو النسَب، أو غيرها مِن الأمور غير الإرادية.

• أو أن يكونَ متاحًا لك كما أُتيح لغيرك ببذل الجدِّ والاجتهاد والتعَب والمثابَرة.

فإن كانت الأولى؛ فرأسُ العقل وقلبُ الحكمة أن ينصرفَ المرءُ عما لا سبيل له إليه, وأن يعملَ على تذكير نفسِه بنِعَمِ الله عليه, وأن يدرأ كل خاطرة شيطانية تطرق قلبه وعقله بالاستعاذة بالله مِن شرِّ الشيطان ووساوسه؛ ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 200، 201], ولا خير مِن تعديد نِعَمِ الله، والتحدُّث بها، ولو مع نفسك أو الأقربين إليك؛ ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11], والتفكُّر أيضًا فيمَن دونك في النِّعَم ولا شك أنهم كُثر، بيد أن النفْسَ لا تتنبَّه لهم إلا قليلًا، وقد صحَّ عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجْدَرُ ألا تزدروا نعمةَ الله))؛ رواه مسلم.

ومِن الكتب التي أنصحك بقراءتها حيث تهتم بالحديث حول القناعة والرضا بالقدر بوجهٍ عامٍّ:
شفاء العليل, لابن قيم الجوزية - رحمه الله.
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=10301

الإيمان بالقدر "ثمانون مسألة في القدَر"؛ لمحمد بن شامي شيبة.
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=8236

الإيمان بالقَدَر؛ لمحمد بن إبراهيم الحمد.
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=4591

حياة القلوب؛ صالح بن عواد المغامسي.
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=81&book=5390

ولا مانع مِن أن تُدَوِّن بعض حالات مَن حولك ممن ابتلاهم الله وعافاك, أو فضَّلك عليهم في النِّعَم - بصرف النظَر عن نوع النِّعم - ووجهة التفضيل, وتقرأ ما كتبتَ كل فترة.

وإن كانت الثانية، فعليك أن تتذكرَ الفرْقَ الكبير بين الحسد والغبطة، ولستُ أحسب ما يصيبك مِن إحساسٍ وما ينتابك من شعورٍ إلا مِن باب ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فَسَلَّط على هلكتِه في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها).

والمقصودُ بالحسد هنا: "الغبطة"؛ وهي: تمني مثل ما يُصيب غيرك مِن نِعَم، مع حِرْصِك ورغبتك في استمرارها لأخيك.

ماذا عليك أن تعملَ في هذه الحالة؟
أولًا: ورد في السنة العلاجُ أو اللقاح الواقي لمن يرى ما يعجبه مِن أخيه, أو ما يصيبه من نِعَم؛ فيتمنى مثلها, أيًّا كانتْ هذه النِّعم؛ لينجوَ بنفسه، ويصون أخاه مما قد يصيبه من شرٍّ, فقد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا رأيتَ ما يعجبك, برَّكت))؛ أي تقول: اللهم باركْ على فلان، وباركْ له فيما رزقتَه, ولا تشغل بالك بالأمر بعدها, أو تخشَ أن تُصيبَه بمكروهٍ.

ثانيًا: انظرْ إلى المجال الذي نجح فيه زميلُك، أو الترقية التي حصَل عليها، وابحثْ بخطواتٍ عمليةٍ عن كيفية الوصول لمثْلِ ذلك, واتبعْ سُبُل الرقي بنفسك، مُتخذًا منه مثالًا طيبًا لتحقيق النجاح، ونيل أعلى درجاته, دون لَوْم نفسك أو تقريعها, بل بالبحث الطيب، والعمل الجيد، واستغلال الوقت فيما ينفع، واقتفاء أثَر السائرين على هذا الدَّرْب, عاقدًا بينك وبينهم مُقارنة إيجابية؛ هل كنتَ مُترددًا في أمرٍ تجرَّأ هو عليه؟ هل قصَّرْتَ في عملٍ كان عليك فعله؟ أو لم تشعرْ له بأهمية، بينما فَعَل هو؟

وهكذا تطرح على نفسك الأسئلةَ، حتى يفتق ذهنك لمواطن الضعْف، ومكامِن الخَلَل لديك, وتذكَّرْ أنَّ حديقة النجاح لا يُمكن الوصول إليها إلا بعد أن تمرَّ ببوابات الإحباط واليأس، وتَعْبُر ممرات الألم, فتحمَّلْ واعْبُرْ بثقةٍ وأملٍ.

ثالثًا: فكِّرْ في قدراتك، واعملْ على تطويرها بكلِّ السُّبل، ولا تُعِرِ المثبطين أُذنًا, فستجد مثلًا مَن يحطُّ مِن قدْرك، ويُقَلِّل مِن شأنك، وربما يهاجمك أو يحقر أسلوبك، وينهاك عن الالتحاق بالدورات؛ بحجَّة أنها لا تفيد أو غيرها من الحجج التي نسمعها من أصحاب الهِمَم الدنيَّة أو ذوي الأيدي القصيرة, فاعملْ على تحسين كفاءتك بالقراءة والالتحاق بالدورات النافعة، والبحث ومُصاحبة الخيرين والتوكُّل على اللهِ.

رابعًا: دعْ عنك الوسوسة؛ فإنْ طرأ على عقلك أو قلبك ما لا تجد سبيلًا لدَفْعِه، فلا تُعِرْه اهتمامًا، ولا تبث لنفسك الأفكار بأنك رجلٌ سيئٌ لمجرد أنك تُفكِّر فيمن فوقك، إلا أن تستشعرَ بالفعل ازدراء نِعَم الله عليك, أو أن تخشى مِن نفسك الحسد، فاتبعْ حينها وصيةَ رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: ((الدعاء بالبركة))، واكتفِ بذلك؛ فالنفسُ البشرية جُبِلَتْ على حبِّ الخير، والرغبة في تحصيله, فلا تقهرْ طبيعتك البشرية إلا إن تعدَّت الحدود.

خامسًا: مِن الخطأ وظُلْمِ النفس أن نحصرَ أنفسنا بين مجموعةٍ مِن غير الناجحين أو ذوي البلايا والمِحَن؛ لنستشعر نعمةَ الله علينا؛ فالإنسانُ الناجح الذي يُرافق أهل النجاح، ويرتقي بنفسه بمعونتهم, ويخالطهم مخالطةً تعلو به ولا تُيَئِّسه, فعليك أن تجمعَ بين الحُسْنَيَيْنِ؛ مُرافقة ذوي النِّعَم، والنظر في حال ذوي البلايا, وتتأمَّل حكمة الله ورحمته وعدله؛ ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

وفَّقك الله لكلِّ خيرٍ وفلاح, وأعاذَك مِنْ شرِّ نفسك، وفتَح عليك مِن أبواب العلم والنجاح.

والله الموفِّق, وهو الهادي إلى سواء السبيل

libero
08-11-2014, 06:32 PM
جزاك الله خيراً

cried eye
09-11-2014, 12:01 AM
جميل جدا
جزاكم الله خير