abomokhtar
07-11-2014, 09:09 AM
ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه! (1)
بعدما أخبرني بعض الغيورين عن حلقات تلفزيونية متكررة، وكمٍّ من المقالات كُتب مؤخرًا، وقد قرأتُ بعضه في هجمة تكاد تكون "منظَّمة" على صحيح الإمام البخاري (http://www.alukah.net/sharia/0/1293/) - رحمه الله - وصلت إلى أن بعضهم ذكر أن هناك مُطالَبة شعبية لإلغاء صحيح البخاري! وإنا لله وإنا إليه راجعون!
وذكروا في حلقاتهم ومقالاتهم بعض الشبهات - بزعمهم هم - أما الصحيح فليس فيه شبهات - ولله الحمد - بل الشبهات عليهم ترد.
وطلبوا ردًّا على كل ما ذكروه من انتقاصات في الصحيح؛ لاشتباه بعضها على الناس، وبحيث يكون الرد لكل حديث في مقال على حِدَة، فكتبتُ على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي بعضَ الردود، ولما لاقتِ استحسانًا قررت أن أنشرَها على مستوى أكبر؛ لعلَّ الناس تَنتفِع بها إن شاء الله.
وقد سميتُ هذه المقالات: "ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه"؛ وذلك لأن البخاري وصحيحِه لا يحتاجان في الحقيقة أي دفاع، إنما المسألة بالنسبة للدعاة والعلماء: إزالة لبس وقع فيه البعض، وتصحيح معتقد، أو إقامة حُجة!
فالأمة تلقَّت الصحيح بالقَبول منذ كتابته من أكثر من ألف عام إلى يومنا هذا، وما عرف أن أحدًا طالب بحَجبِ الصحيح أو إلغائه أو حذف أحاديث منه أو غير ذلك من مطالب هي في الحقيقة "شاذَّة" ومتعمَّدة.
لذلك، قبل أن نجيب على أوهام الزاعمين والمنتقصين لأحاديث صحيح الإمام البخاري، نود أن نقدم بمقدمة مهمَّة، وهي سوء الفهم عند كثير من الناس عن كتاب الإمام البخاري، وليُعلَم ابتداء أنالعلماء وأهل العلم لا "يخترعون" من عند أنفسهم دينًا جديدًا، وإنما يقتصر دورهم على إرشاد الناس إلى "الطريق الصحيح" الذي مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورائه السلف الصالح.
فقط هم - أي العلماء - يعرفون الطريق وعلاماته المميزة الصحيحة التي يستطيعون من خلالها أن يُرشدوا الناس إلى الطريق.
و ليس دورهم أبدًا أن يمهِّدوا لهم طريقًا جديدًا، ولا موازيًا، ولا قاطعًا، ويمكنك أن تسترشد لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم بأفضل وأوضح خريطة على الإطلاق، ألا وهي: "صحيح الإمام البخاري (http://www.alukah.net/culture/0/21392/)".
سوء الفهم الأول:
"البخاري هو واضع أو مؤلف هذه الأحاديث":
وهذا إشكال ضخم في الحقيقة من جهتين:
الأول: ضحالة الثقافة والمعرفة للتراث الإسلامي العِلمي عامة.
الثاني: الجهل بقواعد علم الحديث خاصة.
والحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع جيدًا أن الإمام البخاري لم يأتِ بهذه الأحاديث من كيسِه، ولا ألَّفها، ولا انفرد بها.
هذه الأحاديث الموجودة عند الإمام البخاري في صحيحه موجودة بنصها في دواوين العلماء الأخرى مثل: صحيح مسلم، وكتاب الترمذي، وأبي داود، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، وإسحاق بن راهويه، ومصنَّف ابن أبي شيبة، ومصنَّف عبدالرزاق، والمئات أو الآلاف من المصنَّفات الحديثية التي أُلِّفت في عصر البخاري أو قبله أو بعده.
يعني أن البخاري "كعالم للحديث" شارك زملاء له في رواية نفس الأحاديث التي أخرجها هو في صحيحه، ولم يأت هو بجديد لم يُخرِّجوه هم في كتبهم، بل قد قال البخاري: "صنفتُ الصحيح في ست عشرة سنة، وخرَّجته من ستِّمائة ألف حديث، وجعلته حُجَّةً فيما بيني وبين الله"، وقال: "صنفتُ كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلتُ فيه حديثًا حتى استخرتُ الله تعالى، وصلَّيتُ ركعتين، وتيقَّنتُ صحته"، بل في رواية: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين"، وصحَّ عنه أيضًا أنه لم يضع كل ما صحَّ عنده من أحاديث في كتابه الصحيح.
إذًا ما فائدة كتاب البخاري على غيره من الكتب؟
والجواب: أن عبقرية البخاري ظهرت في ملمحَين أساسيين؛ الأول: هو انتقاؤه لأحاديث كتابه، واختيارها بعناية فائقة، في زمن انتشرت فيه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر نقَلتُها "الرواة"، وكان فيهم الكذاب والصادق، فكان البخاري من هؤلاء العلماء الراسخين الذين تصدوا للكذابين على رسول الله، وبيَّن حال الرواة من ضعف أو قوة، ثم وضع البخاري كتابًا مختصرًا جامعًا لما صحَّ من سُنَّة رسول الله في جميع أحواله ورُتَبِه، وبوَّبه تبويبًا بديعًا، وهذا هو الملمح الثاني من عبقريته في هذا الكتاب بعد الجمع لما صحَّ واتَّفق عليه العلماء.
سبق كتابَ البخاريِّ كتابُ الإمام مالك "الموطأ"، وهو أيضًا كتاب جمَع بعضًا من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب أصل في السنَّة والفقه ومذهب المالكية.
وقيل: كان هناك مصنفات في الأحاديث سبقَت كتاب البخاري؛ كمسند إسحاق بن راهويه وغيره، لكن البخاري كان أول من صنَّف كتابًا بهذا الشكل وهذه الطريقة العلمية المتقَنة التي ثبَتَ عليها من أول الكتاب إلى آخره بمنهج رصين، جعل كل من ألَّف بعده إما مقلدًا له، أو مُستفيدًا به.
وأما كتابه "التاريخ الكبير" الذي جمع فيه حال الرواة، فهو بديع جدًّا، وكل من ألف في علم الرجال أو صنف في الرواة إنما هم عيال على كتاب البخاري "التاريخ الكبير".
المهم في هذه النقطة، والذي يهمني أن يفهمه الناس هو أن البخاري لم يجلس في شرفتِه يَحتسي قهوتَه وينظر في السماء وفي يده قلَمٌ وأخذ يؤلف أحاديث كتابه الصحيح، بل البخاري أخرج الأحاديث التي اتفق على صحتها أهل العلم في عصره من جهابذة الرواة، وكانت عبقرية البخاري في انتقاء الأحاديث من بين مئات الألوف من الأحاديث، ثم حسن تبويبها ووضعها في كتاب مختصر ليبيِّن للناس أصح ما عُرف عن رسول الله من سنن وآداب.
يتبع....
محمود بن أحمد أبو مسلّم (http://www.alukah.net/authors/view/home/6652/)
بعدما أخبرني بعض الغيورين عن حلقات تلفزيونية متكررة، وكمٍّ من المقالات كُتب مؤخرًا، وقد قرأتُ بعضه في هجمة تكاد تكون "منظَّمة" على صحيح الإمام البخاري (http://www.alukah.net/sharia/0/1293/) - رحمه الله - وصلت إلى أن بعضهم ذكر أن هناك مُطالَبة شعبية لإلغاء صحيح البخاري! وإنا لله وإنا إليه راجعون!
وذكروا في حلقاتهم ومقالاتهم بعض الشبهات - بزعمهم هم - أما الصحيح فليس فيه شبهات - ولله الحمد - بل الشبهات عليهم ترد.
وطلبوا ردًّا على كل ما ذكروه من انتقاصات في الصحيح؛ لاشتباه بعضها على الناس، وبحيث يكون الرد لكل حديث في مقال على حِدَة، فكتبتُ على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي بعضَ الردود، ولما لاقتِ استحسانًا قررت أن أنشرَها على مستوى أكبر؛ لعلَّ الناس تَنتفِع بها إن شاء الله.
وقد سميتُ هذه المقالات: "ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه"؛ وذلك لأن البخاري وصحيحِه لا يحتاجان في الحقيقة أي دفاع، إنما المسألة بالنسبة للدعاة والعلماء: إزالة لبس وقع فيه البعض، وتصحيح معتقد، أو إقامة حُجة!
فالأمة تلقَّت الصحيح بالقَبول منذ كتابته من أكثر من ألف عام إلى يومنا هذا، وما عرف أن أحدًا طالب بحَجبِ الصحيح أو إلغائه أو حذف أحاديث منه أو غير ذلك من مطالب هي في الحقيقة "شاذَّة" ومتعمَّدة.
لذلك، قبل أن نجيب على أوهام الزاعمين والمنتقصين لأحاديث صحيح الإمام البخاري، نود أن نقدم بمقدمة مهمَّة، وهي سوء الفهم عند كثير من الناس عن كتاب الإمام البخاري، وليُعلَم ابتداء أنالعلماء وأهل العلم لا "يخترعون" من عند أنفسهم دينًا جديدًا، وإنما يقتصر دورهم على إرشاد الناس إلى "الطريق الصحيح" الذي مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورائه السلف الصالح.
فقط هم - أي العلماء - يعرفون الطريق وعلاماته المميزة الصحيحة التي يستطيعون من خلالها أن يُرشدوا الناس إلى الطريق.
و ليس دورهم أبدًا أن يمهِّدوا لهم طريقًا جديدًا، ولا موازيًا، ولا قاطعًا، ويمكنك أن تسترشد لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم بأفضل وأوضح خريطة على الإطلاق، ألا وهي: "صحيح الإمام البخاري (http://www.alukah.net/culture/0/21392/)".
سوء الفهم الأول:
"البخاري هو واضع أو مؤلف هذه الأحاديث":
وهذا إشكال ضخم في الحقيقة من جهتين:
الأول: ضحالة الثقافة والمعرفة للتراث الإسلامي العِلمي عامة.
الثاني: الجهل بقواعد علم الحديث خاصة.
والحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع جيدًا أن الإمام البخاري لم يأتِ بهذه الأحاديث من كيسِه، ولا ألَّفها، ولا انفرد بها.
هذه الأحاديث الموجودة عند الإمام البخاري في صحيحه موجودة بنصها في دواوين العلماء الأخرى مثل: صحيح مسلم، وكتاب الترمذي، وأبي داود، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، وإسحاق بن راهويه، ومصنَّف ابن أبي شيبة، ومصنَّف عبدالرزاق، والمئات أو الآلاف من المصنَّفات الحديثية التي أُلِّفت في عصر البخاري أو قبله أو بعده.
يعني أن البخاري "كعالم للحديث" شارك زملاء له في رواية نفس الأحاديث التي أخرجها هو في صحيحه، ولم يأت هو بجديد لم يُخرِّجوه هم في كتبهم، بل قد قال البخاري: "صنفتُ الصحيح في ست عشرة سنة، وخرَّجته من ستِّمائة ألف حديث، وجعلته حُجَّةً فيما بيني وبين الله"، وقال: "صنفتُ كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلتُ فيه حديثًا حتى استخرتُ الله تعالى، وصلَّيتُ ركعتين، وتيقَّنتُ صحته"، بل في رواية: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين"، وصحَّ عنه أيضًا أنه لم يضع كل ما صحَّ عنده من أحاديث في كتابه الصحيح.
إذًا ما فائدة كتاب البخاري على غيره من الكتب؟
والجواب: أن عبقرية البخاري ظهرت في ملمحَين أساسيين؛ الأول: هو انتقاؤه لأحاديث كتابه، واختيارها بعناية فائقة، في زمن انتشرت فيه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر نقَلتُها "الرواة"، وكان فيهم الكذاب والصادق، فكان البخاري من هؤلاء العلماء الراسخين الذين تصدوا للكذابين على رسول الله، وبيَّن حال الرواة من ضعف أو قوة، ثم وضع البخاري كتابًا مختصرًا جامعًا لما صحَّ من سُنَّة رسول الله في جميع أحواله ورُتَبِه، وبوَّبه تبويبًا بديعًا، وهذا هو الملمح الثاني من عبقريته في هذا الكتاب بعد الجمع لما صحَّ واتَّفق عليه العلماء.
سبق كتابَ البخاريِّ كتابُ الإمام مالك "الموطأ"، وهو أيضًا كتاب جمَع بعضًا من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب أصل في السنَّة والفقه ومذهب المالكية.
وقيل: كان هناك مصنفات في الأحاديث سبقَت كتاب البخاري؛ كمسند إسحاق بن راهويه وغيره، لكن البخاري كان أول من صنَّف كتابًا بهذا الشكل وهذه الطريقة العلمية المتقَنة التي ثبَتَ عليها من أول الكتاب إلى آخره بمنهج رصين، جعل كل من ألَّف بعده إما مقلدًا له، أو مُستفيدًا به.
وأما كتابه "التاريخ الكبير" الذي جمع فيه حال الرواة، فهو بديع جدًّا، وكل من ألف في علم الرجال أو صنف في الرواة إنما هم عيال على كتاب البخاري "التاريخ الكبير".
المهم في هذه النقطة، والذي يهمني أن يفهمه الناس هو أن البخاري لم يجلس في شرفتِه يَحتسي قهوتَه وينظر في السماء وفي يده قلَمٌ وأخذ يؤلف أحاديث كتابه الصحيح، بل البخاري أخرج الأحاديث التي اتفق على صحتها أهل العلم في عصره من جهابذة الرواة، وكانت عبقرية البخاري في انتقاء الأحاديث من بين مئات الألوف من الأحاديث، ثم حسن تبويبها ووضعها في كتاب مختصر ليبيِّن للناس أصح ما عُرف عن رسول الله من سنن وآداب.
يتبع....
محمود بن أحمد أبو مسلّم (http://www.alukah.net/authors/view/home/6652/)