aymaan noor
20-12-2014, 12:42 PM
جمهورية السيسي امتداد للمشروع الوطني المصري (http://www.rcssmideast.org/Article/2917/%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A#.VJVOwsB0)
محمد شومان
الشرعية مفهوم أساسي في العلوم السياسية، ومع ذلك يصعب الاتفاق على تعريفها ومصادرها وقياسها. ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة حول مداخل دراسة أو تحليل الشرعية، يمكن القول إن هناك اتفاقاً عاماً على اعتبار الشرعية هي الرضا العام على الحكم أو القبول الطوعي لغالبية المجتمع بحق النخبة الحاكمة في ممارسة السلطة واحتكار استخدام العنـف المشروع. أما المشروعية فهي تعني ببساطة التزام النخبة الحاكمة ومؤسسات الدولة والمواطنين بالدستور والقانون.
تطبيق هذا الكلام النظري على جمهورية عبدالفتاح السيسي يقود بداية إلى الإقرار بشرعيتها ومشروعيتها، فهي نتاج ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وموجتها الثانية في 30 حزيران (يونيو) 2013، والتي أعقبتها تظاهرات مليونية عدة فوّضت السيسي محاربة الإرهاب، وصولاً إلى إقرار الدستور ثم انتخاب السيسي رئيساً بما يشبه الإجماع. من زاوية أخرى، فإن جمهورية السيسي هي امتداد تاريخي للمشروع الوطني المصري في تأسيس دولة وطنية مدنية مستقلة ذات «نظام جمهوري ديموقراطي يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها...» (المادة الاولى من الدستور)، كما أن «السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين» (المادة الرابعة من الدستور).
ومع ذلك، فإن شرعية السيسي ومشروعيته تواجهان عدداً من الصعوبات والتحديات لا بد من مناقشتها بصراحة، وأهمها:
أولاً: يمثل الانقسام والاستقطاب في المجتمع والمعارضة التي تقودها جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها تهديداً محدوداً لشرعية السيسي ولمشروعية النظام، لكنها في الوقت نفسه تمثل أحد مصادر دعم شرعيته! حيث تدفع أخطار عودة «الإخوان» وفزاعة الدولة الدينية غالبية المصريين الى القبول الطوعي بحكم السيسي والتغاضي عن تجاوزات أو أخطاء الأجهزة الأمنية التي زاد الاعتماد عليها لمواجهة «الإخوان» وخطر الإرهاب وإهمال الحلول السياسية. وعلى رغم عدم وجود قياسات علمية لمسألة الشرعية والمشروعية، إلا أنه يمكن القول إن غالبية المصريين تدعم حكم السيسي، حيث ترصد استطلاعات الرأي العام أنه يتمتع بتأييد حوالى 75 في المئة من المصريين، مع الإقرار بوجود اختلافات وتأثيرات متبادلة بين الشعبية والشرعية والمشروعية، إضافة إلى وجود تحفظات منهجية على استطلاعات الرأي العام التي تجرى في مصر.
ثانياً: محاولة بعض الأطراف المنتمية الى نظام حسني مبارك الالتحاق بنظام السيسي والانتساب إليه، كمدخل للدفاع عن مصالحها واستعادة مكانتها، ما أعطى إشارات سلبية باعدت بين الحكم الجديد وشباب الثورة وفتحت المجال أمام مزايدات «الإخوان» والادعاء بعودة «الفلول» وإعادة إنتاج نظام مبارك. ولا بد من الاعتراف هنا بأن «الفلول» أو رموز نظام مبارك يمتلكون الكثير من عناصر القوة الاقتصادية، والنفوذ السياسي والإعلامي داخل مؤسسات الدولة وخارجها، ما مكّنهم من لعب دور مؤثر في الإطاحة بـ «الإخوان» في 30 حزيران ودعم السيسي، علاوة على تشويه شباب الثورة وإعادة كتابة تاريخ 25 كانون الثاني (يناير) وتصوير ذلك كمؤامرة كبرى. والغريب أن الفلول استعملوا سردية المؤامرة وفزاعة «الإخوان» وخطر الإرهاب كثلاث آليات لدعم شرعية نظام السيسي، وتضييق المجال العام وعزل أو تهميش أصوات بعض القوى المدنية المعارضة والتي كانت جزءاً من معسكر 30 يونيو. وهناك مخاوف من أن يهيمن «الفلول» على البرلمان المقبل (لا يستبعد أحمد عز وكثير من نواب برلمان 2010 المزور خوض الانتخابات)، ما يؤثر سلباً في شرعية الحكم الجديد ومشروعيته، لأن برلماناً بهذه التركيبة لن يعمل لتحقيق أهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل ربما يتصادم مع تطلعات الرئيس السيسي الذي أكد مراراً احترامه لثورة 25 كانون الثاني (يناير) والتزامه السعي لتحقيق أهدافها.
ثالثاً: إن الأساس الثوري والشعبي لشرعية حكم السيسي يصطدم برجعية وسوء أداء أجهزة الدولة ومؤسساتها، والتي تعودت خلال سنوات حكم مبارك على مستويات أداء وإنجاز بيروقراطية متواضعة، تفتقر الى الشفافية، فضلاً عن التعالي على المواطنين وعدم احترام القوانين والالتفاف عليها. من هنا يصح الوصف الشائع بأن السيسي يحكم من خلال دولة مبارك، وبالتالي فإن عليه الثورة على دولته أو على الأقل إصلاح أجهزة الدولة ومؤسساتها بحيث تساعده في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو، وبحيث يشعر المواطن بأن هناك تغييراً حدث في حياته الى الأحسن عوضاً عن الركود والشعور بأن التغيير المنشود لم يتحقق، إذ لم يتغير توزيع السلطة والثروة في المجتمع، ولم تتحسن الخدمات التي تقدم الى غالبية المواطنين.
رابعاً: يواجه السيسي ونظامه خطر تآكل الشرعية والمشروعية مثل أي نظام سياسي عرفته البشرية. وهنا لا بد من الإشارة إلى العلاقة القوية بين الشرعية والإنجازات أو ما يعرف بشرعية الإنجاز، بمعنى أن القبول الطوعي للمواطنين بأي نظام سياسي يحتاج إلى مقدار من المنجزات المادية في أرض الواقع والتي تنعكس بشكل مباشر في تحسين أوضاع الغالبية. وعلى رغم ان جمهورية السيسي لم تبدأ فعلياً إلا في 8 حزيران الماضي، إلا أن رهان غالبية المصريين على قدرته على تحقيق منجزات ملموسة وفي وقت قصير يشكل تحدياً كبيراً. والحقيقة أن هناك تحسناً ملحوظاً في الأوضاع الأمنية وفي مظاهر عودة الدولة وتفعيل سلطاتها، لكن الإرهاب لم يختف، ولم يتحسن الأداء الاقتصادي. وبالتالي لا تزال معدلات الفقر والبطالة على حالها. والأهم أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي وخفض الدعم أثرت سلباً في الفقراء والطبقة الوسطى.
خامساً: اخطار المبالغات الحكومية والإعلامية في حجم الإنجازات وفي الدعاية لمشاريع تنموية عملاقة لم تبدأ ولا تتوافر لها مصادر تمويل محددة - باستثناء قناة السويس الجديدة - كما لا توجد رؤية ناظمة لتلك المشاريع أو لمجمل توجهات النظام السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والخطر أن تلك المبالغات ترفع من سقف تطلعات الجماهير كما تتناقض في الوقت نفسه مع الواقع الذي تعيشه غالبية الناس. والمفارقة أن الخطاب السياسي للرئيس لا يعتمد على المبالغات بينما تعتمد الماكينة الدعائية على المبالغة والتهويل، مع ملاحظة أن القنوات التلفزيونية الخاصة أكثر تورطاً في تلك المبالغات من قنوات الدولة. ولا شك في أن المبالغات الدعائية لا تخلق شرعية ولا يمكن الاعتماد عليها كأحد مصادر الشرعية لجمهورية السيسي.
سادساً: التوتر والتعارض أحياناً بين بعض مصادر الشرعية والمشروعية، فبعض مواد الدستور الذي يعتبر أصل المشروعية لم تفعّل أو يجرِ الالتزام بها مثل المواد الخاصة بحقوق الإنسان وحق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات وأشكال الاحتجاجات السلمية، ومثل المادة 154 التي تنص على أن يقوم رئيس الجمهورية بتقديم إقرار بذمته المالية عند توليه المنصب وعند تركه وفي نهاية كل عام وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية. علاوة على المادة 230 التي تنص على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعد أقصاه 6 أشهر من تاريخ العمل بالدستور... وعلى رغم مرور عام كامل، إلا أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لم يناقش مع الأحزاب قبل إصداره، تماماً مثل قانون الانتخابات، ما يثير إشكاليات صعبة ستؤثر من دون شك في صدقية النظام الانتخابي وفاعليته. من جهة أخرى، لم يلتقِ الرئيس السيسي قادة الأحزاب، بينما التقى الإعلاميين مرات عدة، كما كلف إحدى الصحف تنظيم حوار سياسي بين الأحزاب والقوى السياسية، ما أعطى رسالة خاطئة بأن مؤسسات الدولة غير مهتمة بالحوار السياسي، فهي تتخلى عن أحد أهم أدوارها لمصلحة صحيفة خاصة، ويمكن القول إن ضعف الأحزاب المصرية ربما شجع الدولة - وتحديداً مؤسسة الرئاسة - على عدم الحوار معها، لكن تظل هذه الأحزاب بضعفها أحد مكونات النظام السياسي الذي لا بد من الحرص على تقويته وتطويره، لأن نجاحه وفاعليته يدعمان شرعية جمهورية السيسي ومشروعيتها.
محمد شومان
الشرعية مفهوم أساسي في العلوم السياسية، ومع ذلك يصعب الاتفاق على تعريفها ومصادرها وقياسها. ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة حول مداخل دراسة أو تحليل الشرعية، يمكن القول إن هناك اتفاقاً عاماً على اعتبار الشرعية هي الرضا العام على الحكم أو القبول الطوعي لغالبية المجتمع بحق النخبة الحاكمة في ممارسة السلطة واحتكار استخدام العنـف المشروع. أما المشروعية فهي تعني ببساطة التزام النخبة الحاكمة ومؤسسات الدولة والمواطنين بالدستور والقانون.
تطبيق هذا الكلام النظري على جمهورية عبدالفتاح السيسي يقود بداية إلى الإقرار بشرعيتها ومشروعيتها، فهي نتاج ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وموجتها الثانية في 30 حزيران (يونيو) 2013، والتي أعقبتها تظاهرات مليونية عدة فوّضت السيسي محاربة الإرهاب، وصولاً إلى إقرار الدستور ثم انتخاب السيسي رئيساً بما يشبه الإجماع. من زاوية أخرى، فإن جمهورية السيسي هي امتداد تاريخي للمشروع الوطني المصري في تأسيس دولة وطنية مدنية مستقلة ذات «نظام جمهوري ديموقراطي يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها...» (المادة الاولى من الدستور)، كما أن «السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين» (المادة الرابعة من الدستور).
ومع ذلك، فإن شرعية السيسي ومشروعيته تواجهان عدداً من الصعوبات والتحديات لا بد من مناقشتها بصراحة، وأهمها:
أولاً: يمثل الانقسام والاستقطاب في المجتمع والمعارضة التي تقودها جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها تهديداً محدوداً لشرعية السيسي ولمشروعية النظام، لكنها في الوقت نفسه تمثل أحد مصادر دعم شرعيته! حيث تدفع أخطار عودة «الإخوان» وفزاعة الدولة الدينية غالبية المصريين الى القبول الطوعي بحكم السيسي والتغاضي عن تجاوزات أو أخطاء الأجهزة الأمنية التي زاد الاعتماد عليها لمواجهة «الإخوان» وخطر الإرهاب وإهمال الحلول السياسية. وعلى رغم عدم وجود قياسات علمية لمسألة الشرعية والمشروعية، إلا أنه يمكن القول إن غالبية المصريين تدعم حكم السيسي، حيث ترصد استطلاعات الرأي العام أنه يتمتع بتأييد حوالى 75 في المئة من المصريين، مع الإقرار بوجود اختلافات وتأثيرات متبادلة بين الشعبية والشرعية والمشروعية، إضافة إلى وجود تحفظات منهجية على استطلاعات الرأي العام التي تجرى في مصر.
ثانياً: محاولة بعض الأطراف المنتمية الى نظام حسني مبارك الالتحاق بنظام السيسي والانتساب إليه، كمدخل للدفاع عن مصالحها واستعادة مكانتها، ما أعطى إشارات سلبية باعدت بين الحكم الجديد وشباب الثورة وفتحت المجال أمام مزايدات «الإخوان» والادعاء بعودة «الفلول» وإعادة إنتاج نظام مبارك. ولا بد من الاعتراف هنا بأن «الفلول» أو رموز نظام مبارك يمتلكون الكثير من عناصر القوة الاقتصادية، والنفوذ السياسي والإعلامي داخل مؤسسات الدولة وخارجها، ما مكّنهم من لعب دور مؤثر في الإطاحة بـ «الإخوان» في 30 حزيران ودعم السيسي، علاوة على تشويه شباب الثورة وإعادة كتابة تاريخ 25 كانون الثاني (يناير) وتصوير ذلك كمؤامرة كبرى. والغريب أن الفلول استعملوا سردية المؤامرة وفزاعة «الإخوان» وخطر الإرهاب كثلاث آليات لدعم شرعية نظام السيسي، وتضييق المجال العام وعزل أو تهميش أصوات بعض القوى المدنية المعارضة والتي كانت جزءاً من معسكر 30 يونيو. وهناك مخاوف من أن يهيمن «الفلول» على البرلمان المقبل (لا يستبعد أحمد عز وكثير من نواب برلمان 2010 المزور خوض الانتخابات)، ما يؤثر سلباً في شرعية الحكم الجديد ومشروعيته، لأن برلماناً بهذه التركيبة لن يعمل لتحقيق أهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل ربما يتصادم مع تطلعات الرئيس السيسي الذي أكد مراراً احترامه لثورة 25 كانون الثاني (يناير) والتزامه السعي لتحقيق أهدافها.
ثالثاً: إن الأساس الثوري والشعبي لشرعية حكم السيسي يصطدم برجعية وسوء أداء أجهزة الدولة ومؤسساتها، والتي تعودت خلال سنوات حكم مبارك على مستويات أداء وإنجاز بيروقراطية متواضعة، تفتقر الى الشفافية، فضلاً عن التعالي على المواطنين وعدم احترام القوانين والالتفاف عليها. من هنا يصح الوصف الشائع بأن السيسي يحكم من خلال دولة مبارك، وبالتالي فإن عليه الثورة على دولته أو على الأقل إصلاح أجهزة الدولة ومؤسساتها بحيث تساعده في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو، وبحيث يشعر المواطن بأن هناك تغييراً حدث في حياته الى الأحسن عوضاً عن الركود والشعور بأن التغيير المنشود لم يتحقق، إذ لم يتغير توزيع السلطة والثروة في المجتمع، ولم تتحسن الخدمات التي تقدم الى غالبية المواطنين.
رابعاً: يواجه السيسي ونظامه خطر تآكل الشرعية والمشروعية مثل أي نظام سياسي عرفته البشرية. وهنا لا بد من الإشارة إلى العلاقة القوية بين الشرعية والإنجازات أو ما يعرف بشرعية الإنجاز، بمعنى أن القبول الطوعي للمواطنين بأي نظام سياسي يحتاج إلى مقدار من المنجزات المادية في أرض الواقع والتي تنعكس بشكل مباشر في تحسين أوضاع الغالبية. وعلى رغم ان جمهورية السيسي لم تبدأ فعلياً إلا في 8 حزيران الماضي، إلا أن رهان غالبية المصريين على قدرته على تحقيق منجزات ملموسة وفي وقت قصير يشكل تحدياً كبيراً. والحقيقة أن هناك تحسناً ملحوظاً في الأوضاع الأمنية وفي مظاهر عودة الدولة وتفعيل سلطاتها، لكن الإرهاب لم يختف، ولم يتحسن الأداء الاقتصادي. وبالتالي لا تزال معدلات الفقر والبطالة على حالها. والأهم أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي وخفض الدعم أثرت سلباً في الفقراء والطبقة الوسطى.
خامساً: اخطار المبالغات الحكومية والإعلامية في حجم الإنجازات وفي الدعاية لمشاريع تنموية عملاقة لم تبدأ ولا تتوافر لها مصادر تمويل محددة - باستثناء قناة السويس الجديدة - كما لا توجد رؤية ناظمة لتلك المشاريع أو لمجمل توجهات النظام السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والخطر أن تلك المبالغات ترفع من سقف تطلعات الجماهير كما تتناقض في الوقت نفسه مع الواقع الذي تعيشه غالبية الناس. والمفارقة أن الخطاب السياسي للرئيس لا يعتمد على المبالغات بينما تعتمد الماكينة الدعائية على المبالغة والتهويل، مع ملاحظة أن القنوات التلفزيونية الخاصة أكثر تورطاً في تلك المبالغات من قنوات الدولة. ولا شك في أن المبالغات الدعائية لا تخلق شرعية ولا يمكن الاعتماد عليها كأحد مصادر الشرعية لجمهورية السيسي.
سادساً: التوتر والتعارض أحياناً بين بعض مصادر الشرعية والمشروعية، فبعض مواد الدستور الذي يعتبر أصل المشروعية لم تفعّل أو يجرِ الالتزام بها مثل المواد الخاصة بحقوق الإنسان وحق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات وأشكال الاحتجاجات السلمية، ومثل المادة 154 التي تنص على أن يقوم رئيس الجمهورية بتقديم إقرار بذمته المالية عند توليه المنصب وعند تركه وفي نهاية كل عام وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية. علاوة على المادة 230 التي تنص على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعد أقصاه 6 أشهر من تاريخ العمل بالدستور... وعلى رغم مرور عام كامل، إلا أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لم يناقش مع الأحزاب قبل إصداره، تماماً مثل قانون الانتخابات، ما يثير إشكاليات صعبة ستؤثر من دون شك في صدقية النظام الانتخابي وفاعليته. من جهة أخرى، لم يلتقِ الرئيس السيسي قادة الأحزاب، بينما التقى الإعلاميين مرات عدة، كما كلف إحدى الصحف تنظيم حوار سياسي بين الأحزاب والقوى السياسية، ما أعطى رسالة خاطئة بأن مؤسسات الدولة غير مهتمة بالحوار السياسي، فهي تتخلى عن أحد أهم أدوارها لمصلحة صحيفة خاصة، ويمكن القول إن ضعف الأحزاب المصرية ربما شجع الدولة - وتحديداً مؤسسة الرئاسة - على عدم الحوار معها، لكن تظل هذه الأحزاب بضعفها أحد مكونات النظام السياسي الذي لا بد من الحرص على تقويته وتطويره، لأن نجاحه وفاعليته يدعمان شرعية جمهورية السيسي ومشروعيتها.