مشاهدة النسخة كاملة : مسؤولية الأخت الكبرى بعد وفاة والدها


abomokhtar
02-01-2015, 12:15 AM
السؤال

♦ ملخص السؤال:
فتاة في الثلاثين مِن عمرها، لديها عشرة إخوة، مات والدها، وهي مَن تتحمل المسؤولية كاملة، تشكو من أمها التي تُدَلِّل إخوتها وتعاملها معاملةً جافة، حتى دبَّت الغيرة في قلبها.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من جهود في هذه الشبكة المتميزة.

أنا فتاة في الثلاثين من عمري، متفوقة في دراستي وعملي، ومحبوبة اجتماعيًّا، مشكلتي هي معاناتي مع أسرتي؛ فأنا الأخت الكبرى لعشرة من الإخوة، تُوُفِّي عنا والدنا، وأنا مَن يحمل مسؤوليتهم جميعًا.

أرعاهم وأُنفق ما لديَّ مِن أجْل إسعادهم وإسعاد أمي، فلإخوتي متطلبات كثيرة في الحياة، وأنا مَن يلبي كل ذلك، حتى أرهقتُ إرهاقًا شديدًا.

قررتُ عدم الزواج، والتفرع لعملي، ومراعاة إخوتي، لكن المشكلة أن أمي شديدة الإسراف والتدليل، وكثيرًا ما كنتُ أنصحها بضرورة الاقتصاد والحزْم في التربية، لكنها تُقابل ذلك بالصراخ، والحديث بأسلوب صعب جدًّا؛ فهي تريد أن تعوضهم عن فقد الأب.

فشلتْ محاولاتي كلها في منْع أسلوب التدليل والإسراف، حتى إن إخوتي وبكل أسف أصبحوا غير مبالين بشيء، ولا يتحملون المسؤولية، بل يعتمدون عليَّ في كل صغير وكبيرٍ، حتى أرهقتني الديون بسبب هذه المتطلبات الكثيرة.

كانت لديَّ أختٌ تساعدني في المسؤولية، إلا أنها فضَّلت الزواج، ومن ثم تحمَّلتُ العبء وحدي، وزاد المشكلة أن أمي برغم كل ما أقدم تُفَضِّل إخوتي عليَّ، وتُدللهم وتُعاملهم معاملةً طيبةً، وتعاملني أنا معاملة جافة؛ فلا تهتم بي، وإذا مرضتُ لا أجدها ترعاني، بل كأني لست موجودة أو كأني خادمة فقط!

كثيرًا ما أدعو الله أن يرزقني زوجًا، وأن يقف معي، وأن يوفقني في حياتي، وأحتسب تعبي هذا عند الله تعالى.

بدأت أغار مِن إخوتي، فإذا ما وجدتُ أمي تدلِّل أحدهم أغار وأفتعل المشكلات، ثم أعود وأستغفر، لأني لستُ حقودًا إلى هذه الدرجة.

تأثرتُ كثيرًا بهذه المعاملة، وأصبحتُ عصبية، أبكي بسرعة، ولديَّ آلام نفسية شديدة والتهاب في القولون العصبي.

أشيروا عليَّ بحل عمليٍّ أستطيع أن أُحَسِّنَ به مِن تصرُّفاتي، وجزاكم الله خيرًا

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نشكر لك أختي الكريمة ثقتك في شبكة الألوكة، ونتمنى أن نكونَ عند حُسن الظن.

أُهَنِّئك على أخلاقك، وتعامُلك الطيب مع أمك وإخوانك، والله يكتب أجْر ما سعيتِ به من أجلهم.

أختي الكريمة، لعل الظروف التي مرَّتْ بها والدتك ابتداءً من وفاة والدك ووجود عددٍ لا بأس به من الأطفال، جعلها تلجأ لمن مدَّتْ يد العون لها، وحملتْ عنها ما يثقل كاهلها، ووجدت فيك الفتاة الطيبة المتعاونة التي ضَحَّت بالكثير من أجلهم؛ لذلك تعلقت بك، وأوكلتْك مسؤولية مع مرور الوقت أصبحتْ فوق طاقتك.

قد يكون والدك - رحمه الله - كان يتحمل مسؤوليتكم كاملة؛ لذلك عندما فقدتْهُ ووجدتْ مَن يحل مكانه جعلت المسؤولية كلها عليك، ولا مانع من أن تُقَدِّمي يد العون والمساعدة لإخوتك الذين يَرَوْن فيك القدوة الحسنة بحكم ترتيبك في الأسرة، ولكن لا يكون ذلك على حساب نفسك ووقتك وجهدك.

هناك عدة أمور لعلها تساعدك في حل مشكلتك لو اتبعتِها:
• تستطيعين تقسيم الأدوار بينكم في البداية على أن تكون على أشياء بسيطة ومسؤوليات يستطيع أي شخص أن يقوم بها، وخاصة إخوتك، ثم بعد ذلك تتدرجين من الصعب إلى الأصعب، إلى أن يأتي يوم يستطيعون فيه أن يقوموا بما تقومين به، ويصبحون قادرين على تحمُّل المسؤولية.

• بالنسبة للأمور المادية، لا تأخذي أكثر مِن طاقتك، ولا تحملي نفسك ديونًا زائدة، إلا ما ترينه مناسبًا وفيه مصلحة للجميع، أما الأشياء الكماليةُ التي مِن الممكن الاستغناء عنها، فلا تلتفتي إليها، وابذلي الأسبابَ بالدعاء لله وحده أن يقضيَ عنك هذا الدين، ولا تنسي أن تدعي بدعاء قضاء الدين؛ فقد روى أبو داود مِن حديث أبي سعيد الخُدْري قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجلٍ من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهْر الرجال))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عز وجل همِّي، وقضى عني ديني.

• تحدَّثي إلى أحدٍ قريبٍ مِن والدتك، وتأخذ برأيه؛ كأخت لها، أو أخ لها، أو صديقة؛ لتقنع والدتك بأن تخففَ عنك بعض المسؤوليات، وتحث الأبناء على العمل، وتوضح لها أن اليُتْمَ ليس نهاية الحياة؛ فرسولُنا عليه أفضل الصلاة والسلام كان يتيمًا، وأصبح قائداً للأمة الإسلامية، على أن ترشد بألا تحاول تلبية رغبات أبنائها جميعًا، وأن توازن في ذلك، فتوفر لهم المهم فقط.

• اجعلي لك رأيًا، لا تُوافقي على كلِّ ما يطلبونه منك مباشرة، بل اجعلي ردك: سأرى - إذا ناسبني - في المرة القادمة - لا تسمح ظروفي، وغير ذلك.

• غَيْرَتُك التي تشعرين بها الآن ما هي إلا نتيجة للضغوط الزائدة التي تمرين بها، وهي التي جعلتْ منك شخصًا يُلاحظ هذه الأشياء، ولا تنسي كيد الشيطان؛ فهو يفرح عندما يوقع بينك وبين إخوتك ووالدتك، كما أنه في نظر والدتك أنك البنت الكبرى، وأنك في مكانها لا تحتاجين إلى الاهتمام الزائد، أو ما شابه ذلك.

• لا تصرحي أمام أهلك بعدم الزواج، ولا تحرمي نفسك من ذلك؛ فهذه سُنةُ الحياة، فقد يرزقك الله زوجًا صالحًا يُعينك على خدمة أهلك، وتعيشين حياة زوجية كريمة، فتكسبين الاثنين، أرى ألا ترفضي مَن يتقدم إليك إذا كان ممن ترضون دينه وخلقه، واجعلي الزواج مِن أهداف الحياة، ولا تحرمي نفسك؛ فإخوتك غدًا سيكبرون ويعيشون حياتهم ويتزوَّجون، فلا تجعلي تحمُّل مَسؤوليتهم في الوقت الحالي يُؤثِّر على مستقبلك.

وفي الختام أسأل الله لك التوفيق السعادة في الدنيا والآخرة