مشاهدة النسخة كاملة : الله لا يحب الظالمين


abomokhtar
02-01-2015, 12:30 AM
الله لا يحب الظالمين


قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140]، والظُّلم هو: وضع الشيء في غير موضعه؛ جاء في المصباح المنير للفيومي: "وأصل "الظُّلْمِ" وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل: "مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ"[1]، والظلم مذموم بأنواعه كافة؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الظُّلمُ ظلماتٌ يومَ القيامةِ))[2] وجاء بيان أنَّ الله - جل جلاله - لا يحبُّ الظالمين في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، والتي اشتملت على أنواع الظلم في الحياة، وهي:
النوع الأولى: الظلم في الحُكْمِ؛ والمقصود بالحكم هو تطبيق شريعة تضمُّ أنظمة وقوانين تضبط علاقة الناس مع الله - جل جلاله - وكذلك العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الناس بشكل عام؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140]، فإذا دالتِ الأيام لأُمَّةٍ ومُكِّنت وحَكَمتْ فعليها أنْ تحكم بما أنزل الله - جل جلاله - فإنْ لم تحكم بذلك فإنها أمة ظالمة، ولن يستمر لها التمكين، جاء في تفسير الرازي: "قال القَفَّال: المداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر، يقال: تداولته الأيدي إذا تناقلته ومنه قوله تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7]؛ أي: تتداولونها ولا تجعلون للفقراء منها نصيبًا، ويقال: الدنيا دول؛ أي: تنتقل من قوم إلى آخرين، ثم عنهم إلى غيرهم، ويقال: دالَ له الدهر بكذا، إذا انتقل إليه، والمعنى أنَّ أيام الدنيا هي دُوَل بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارُّها، فيوم يحصل فيه السـرور له والغم لعدوه، ويوم آخر بالعكس من ذلك، ولا يبقى شـيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها"[3]، والخطاب في هذه الآية موجَّه للمسلمين في معركة أحد، فيذكِّرهم ربهم - جل جلاله - بأنهم قد أصابوا من عدوهم يوم بدر مثلما أصاب عدوهم منهم يوم أُحد، وهو خطاب لعامة أهل الإيمان يأمرهم حين يُمكِّن الله لهم فيحكمون فعليهم بالحكم بما أنزل الله وعليهم بالعدل، وإلا سيكونون من الظالمين الذين لا يحبهم الله - جل جلاله - فإنَّ هذا التمكين هو امتحان للإيمان كما تُقرر الآية.

النوع الثاني: الظلم في العبادة: قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57]، فالظالمون هنا هم من لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات، فالعمل الصالح هو العبادة، وإنَّ "العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويَرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث، وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله - جل جلاله - ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحُكمِه، والشكر لنِعَمِه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك - هي من العبادة لله - جل جلاله - وذلك أنَّ العبادة لله - جل جلاله - هي الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خلَق الخلْق لها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وبها أرسل جميع الرسل"[4].

والعبادة ينبغي أنْ تكون خالصة لله - جل جلاله - وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُكنا العبادة هما الإخلاص والاتباع، فأما الإخلاص فقد قال تعالى فيه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وأما الاتِّباع فقال تعالى فيه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، فمن زاغ عنهما فقد ظلم، ومن يظلم فإنَّ الله - جل جلاله - لا يُحبه.

والظلمُ في العبادة على أنواع، بيَّنها القرآن الكريم، وهي:
أ‌- منع الناس من عبادة الله في بيوت الله - جل جلاله - ومُحاربتهم من أجل ذلك، وإنَّ الذي يمنع الناس من عبادة الله - جل جلاله - في المساجد فهو في أعلى مراتب الظلم؛ قال تعالى ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 114].

ب‌- نكران وتكذيب آيات الله - جل جلاله - وعدم الاستجابة لها والإعراض عنها، وفي هذا قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21].

ت‌- اتخاذ إلهٍ من دون الله - جل جلاله - قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 54]، والكفرُ بشكل عام هو ظلم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].

ث‌- الاستبدال بكلمات وشعائر العبادة التي أمر بها الله - جل جلاله - أخرى من هوى النفس؛ قال تعالى: ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة: 59].

ج‌- الشرك: وهو الظلم العظيم الذي لا يغفرهُ الله - جل جلاله - إذا مات عليه العبد؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، فالشِّرك ظلم عظيم، وقد قال تعالى في حقه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

النوع الثالث: ظلم الآخرين وظلم النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40] فالله - جل جلاله - قد أنزل شريعة سَمحة، تُعطي كلَّ فردٍ حقه، وتُسمي واجباته، وتعطيه حقوقه، فلا يظلم أحدٌ أحدًا، فإذا أساء شخص لآخر عوقب بنفس قدر الإساءة، وإلا كان ظالمًا لا يحبه الله - جل جلاله - فإنْ أخذ أكثر من حقِّه ظلم غيره، وإنْ أخذ أقل ظلم نفسه، جاء في تفسير البغوي: (ذكر الله الانتصار، فقال: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40] (سمى الجزاء سيئة) وإنْ لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة، قال مقاتل: يعني القصاص في الجراحات والدماء، قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح، إذا قال: أخزاك الله، تقول: أخزاك الله، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أنْ تعتدي، قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: ما قوله - عز وجل -: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾؟ قال: أنْ يشتمك رجل فتشتمه، وأنْ يفعل بك فتفعل به، فلم أجد عنده شيئًا، فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية، فقال: الجارح إذا جرَح يُقتَصُّ منه، وليس هو أنْ يشتمك فتشتمه"[5]، فمن نماذج ظلم الآخرين:
أ‌- أكل أموال الناس؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30].

ب‌- أكل مال اليتيم: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

ت‌- كتْم الشهادة: قال تعالى: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140]، وهنا سواء كانت شهادة القضاء، أو شهادة العلم كما حصل مع اليهود بعلمهم برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها تدخل ضمن كتم الشهادة، وهي من أشد الظلم.

ث‌- ظلم النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ [البقرة: 231].

النتائج المترتِّبة عن تفشِّي الظلم في أمة:
تكون النتائج السلبية المترتبة على الظلم عظيمة، وآثارها وخيمة، فإنَّ الجزاء من *** العمل، وتكون على نوعين:
الأول: عقوبات في الدنيا، ومنها:
أ‌- تحريم بعض الأمور الحلال أو المباحة، إما بأمر إلهي تشـريعي، أو بأسباب كونية؛ قال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [النساء: 160].

ب‌- إهلاكهم بخسْف أو طمْس أو حرْق أو إغراق أو بالصَّيحة؛ قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59]، وقال تعالى: ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 67].

ت‌- رفع عهد الله - جل جلاله - بإمامة الأمة وقيادة الناس، فالإمامة والتمكين عهد من الله - جل جلاله - يستحقهما البَرُّ التَّقي المؤمن، أما الظالم فلا عهد له ولا استحقاق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124].

ث‌- النتائج الوخيمة لن تمسَّ الظالمين فقط، بل ستَشمل جميع الناس الذين يعيشون بين ظهرانيهم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]، فإذا نزل البلاء في أمة فإنه لا يفرِّق بين الصالح والطالح، لأنه سيطول الجميع؛ فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا، يَقُولُ: ((لا إله إلا الله! ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) - وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها - قالت زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم؛ إذا كَثُر الخبث))[6]، وجاء في الاستذكار لابن عبدالبرِّ النمري: "والخَبثُ في هذا الحديث عند أهل العلم: أولاد الزنا، وإنْ كانت اللفظة مُحتملة لذلك ولغيره"[7].

ج‌- يُمنع المتمادون بالظلم من الهداية، فكأنهم يُطبع على قلوبهم، ثم يُختمُ عليها فلا فرصة للهُدى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ﴾ [النساء: 168].

الثاني: عقوبات في الآخرة، وأما عقوبات الآخرة للظالمين التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، هي:
أ‌- دخولهم النار من غير شفاعة؛ قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 42].

ب‌- الخلود في النار؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 52]، وهذا الظلم الذي يستوجب الخلود في النار هو ظلم الشـرك والكفر، وليس ظلم المعصية؛ لأن المؤمن لا يُخلَّد في النار، والله أعلم.

ت‌- إنه عذابٌ كبيرٌ وشديدٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]، وعلى العموم فإنَّ الظلم بكل أشكاله وأنواعه قبيح وسيِّئ، فمن أجل ذلك فقد حرمه الله - جل جلاله - حتى على نفسه - جل جلاله - ففي الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال: ((يا عبادي إنِّي حرَّمْتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظالموا))[8].

[1] المصباح المنير؛ المقري الفيومي (1 / 200).

[2] الأدب المفرد؛ الإمام البخاري (1 / 170)، حديث: (485).

[3] تفسير الفخر الرازي،؛ محمد بن عمر بن الحسين الرازي (9: 371).

[4] الفتاوى الكبرى؛ ابن تيمية (2 / 361).

[5] معالم التنزيل؛ البغوي (7 / 198).

[6] صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء (3 / 1221)، حديث: (3168).

[7] الاستذكار؛ عبدالله بن عبدالبر النمري (9 / 509).

[8] صحيح مسلم، باب تحريم الظلم (4 / 1994)، حديث: (2577).






عبدالستار كريم المرسومي (http://www.alukah.net/authors/view/home/5872/)

أبو إسراء A
02-01-2015, 08:22 AM
بارك الله فيك اخى الكريم

فداك الروح يا رسول الله
02-01-2015, 02:33 PM
بارك الله فيكم