abomokhtar
02-01-2015, 12:34 AM
آداب الفَسْبَكَة
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فهذه جملٌ من الأخلاق والآداب والسير والسلوكْ، تتعلق باستعمال موقع التواصل الاجتماعي الذي يُقال له: الفيس بوكْ، (http://www.alukah.net/culture/0/25452/) ينتفع بها المفَسْبكون، ويتَّعظ بها المتواصلون، سواء الأصدقاء والأحباب المجتمعون، أو الإخوة والأهل المقرَّبون، علَّقتها تذكرة لشخصي المسكينْ، ولمن رام الانتفاع بها من معاشر المفسبكينْ، سلكتُ فيها طريق التلخيص فجاءتْ كالمختصرْ، كراهة ما يحصل بالتطويل من السآمة والملل والضجرْ، والله تعالى المسؤول، وهو خير مرجوٍّ ومأمول، أن ينفع بها النفع العميم، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، مقرِّبة للزُلْفى لديه في جنات النعيم، آمين.
اعلم أن الفَسْبَكَةَ سوقٌ يعرض الناسُ فيه عقولهم، فإما بهرجٌ ينكشف وزَغَلٌ ينْكَب، أو رأيٌ صائبٌ ثاقبٌ يجتنى ويجتلَبْ.
فاجعل أيها المفَسْبِكُ في رأسك عقلاً، وتأنَّ فيما تخرجه للناس؛ فإنَّ القليل الذي لا يردى به صاحبُه، خيرٌ من الكثير الذي يفضحُه.
وليكن الأمر فيما تنطقُ به شفتاكْ، وتخُطُّه يداكْ، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: "ليتَ أن لي رقبةَ بعير، حتى أُفكر في الكلمة قبل أن تخرج من فمي".
فإياك أن تكتب ما لعله يكون عليك حسرة وندامة، ويضع من قدرك عند الفضلاء والكَمَلة، كما قيل:
وما من كاتبٍ إلا ستَبْقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كتابتُه وإنْ فنيتْ يداهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تكتبْ بكفِّك غيرَ شيءٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسرُّك في القيامة أنْ تراهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقدِّم الاحتسابَ، واستحضِرِ النية الخالصة لله تعالى فيما تكتبه وتُفَسْبِكُه؛ رجاءَ ما عند الله من الخير في الدنيا والأخرى، وهو أول ما ينبغي على المُفسبِك مراعاته؛ حتى يقع كلامك من قلوب الناس موقعًا، ويضع الله له القبول بينهم، وقد قال علي بن الفضل لأبيه: ما أحلى كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقال له: أتدري لمَ حلا؟ قال: لا، قال: "لأنهم أرادوا الله به".
ولا يكنْ همُّك من ولوج هذا الفضاء الأزرق الشهرةَ أو الجدلَ والمماراةَ مع المفسبكين؛ فيعاقبك الله بنقيض قصدِك، وقد قال القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: "ما جلستُ مجلسًا أردتُ فيه الرفعة إلا أذلَّني الله، ولا جلستُ مجلسًا أردتُ فيه الخفاء إلا رفعني الله".
وهذا الفيس إنما هو منبر للدعوة إلى الفضائل، واجتناب الرذائل، فلعل كلمة الحق والفضل التي قالها لسانُك، وزبرها بنانُك، تصل إلى من لا يحصيه إلا الله من الورى، فتكون بذاك محمودًا عند الله، ويقع لك به عند العام والخاص جميل الذكر وحميد الأثر.
فإنْ كتبتَ مُفسبِكًا فائدةً أو لطيفةً، فلا يكنْ همك ونهمتك إلا إفادة الأصدقاء والخلَّان، وانتفاع الصحب والإخوان؛ ابتغاءَ فضل الرحمن، وإياك أن تكون أخسر من صاحب الثمانين والراعي، ويكون حظك من هذا الفيس مجرد السعي لإعجاب معجب، أو ثناء معلِّق، أو مشاركة مشارك.
ومن عجائب هذا الفضاء الأزرق أن تجد مفسبكًا كتب ما لا طائل منه، ولا فائدة فيه، فترى لما كتب مئات المعجبين والمادحين، ولا سيما إن كان المفسبِك ممن يخطَب ودُّه، كالفتيات أو المشاهير، في حين أنك ترى فاضلاً فسبَكَ بفائدة لطيفة، أو نادرة طريفة، ثم لا تجد له من المعجبين، إلا دون العشرة والعشرين!
فلا يصدَّنك هذا أيها المفسبِك الفاضل عن إفادة الأصدقاء ونفعهم؛ فإنك إنما ترتجي من الفسبكة السلعةَ الغاليةَ التي لا تُدرك بإعجاب أو ثناء، وليكن شأنك معهم كما قال أبو الحسين بن سراج للمعتمد بن عباد:
بُثَّ الصنائعَ لا تحفلْ بموقعِها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من آملٍ شَكَرَ الإحسانَ أو كَفَرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالغيثُ ليس يبالي أينما انسكبتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
منه الغمائمُ تُرْبًا كان أو حَجَرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن عبارات المصلحين: "أصلِحْ نفسَك، وادعُ غيرَك، ودعِ القافلة تسير".
فلا تلتفت إلا إلى العلياء، وإياك وسفاسف الأمور، قال أبو الحسن النعيمي:
إذا أعطشتكَ أكفُّ اللئام http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كفَتْكَ القناعةُ شِبعًا ورِيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكُنْ رجلاً رجلُه في الثَّرى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهامةُ هِمَّته في الثُّريَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أبيًّا بنفسك عن باخلٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تراه بما في يديه أبيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ إراقَةَ ماء الحيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ةِ دون إراقة ماء المحيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولتعتنِ أيها المفسبك بانتقاء الأصدقاء، وتخيَّرِ الأصحاب والرفقاء، الذين يسرحون في عالمك الفسبكي، وقد قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
وعند مسلمٍ: عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أن يُحذيَك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإما أن تجدَ ريحًا طيِّبةً، ونافخ الكير إما أن يُحرِق ثيابَك، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً)).
وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: أيُّ الجُلساء خير؟ فقال: ((من ذكَّرَكم بالله رؤيتُه، وزاد في علمكم منطقُه، وذكَّركم بالآخرة عملُه)).
وقال الشاعر:
تجنَّبْ قرينَ السوء واصرمْ حبالَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن لم تجدْ عنه محيصًا فدارِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال غيره:
اصحبْ خيارَ الناس حيثُ لقيتَهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خيرُ الصحابة من يكون عفيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والناسُ مثلُ دراهمٍ ميَّزتَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فوجدتَ منها فضةً وزيوفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكان مالك بن دينار يقول: "نقل الحجارة مع الأبرار، خير من أكل الخبيص مع الفجار"، والخبيص: الحلوى.
وعن عليٍّ رضي الله عنه:"عليكم بالإخوان؛ فإنهم عُدَّة الدنيا وعُدَّة الآخرة، ألم تسمع إلى قول أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]؟".
وقال جعفر الصادق عليه السلام: "استكثِروا من الأصدقاء المؤمنين؛ فإن لهم شفاعة يوم القيامة"، ثم قرأ: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، ونحوه عن الحسن البصري.
وقد نظم هذا المعنى ابن معصوم فقال:
حافظْ على الصديقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في الوسع والمضيقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهمْ نسيمُ الروحِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومرهمُ الجروحِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي الحديث الناطقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الإمام الصادقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَنْ كان ذا حميمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُنجى من الجحيمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كقولِ أهل النارِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعُصبة الكفَّارِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فما لنا من شافعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا حميم نافعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي صحيح البخاري ( 9/130):((ربنا، إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويُحرِّم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون...)).
وكان الإمام العلامة أبو الفرج بن الجوزي يقول لأصحابه: (إن لم تجدوني في الجنة بينكم، فاسألوا عني وقولوا: ربَّنا، عبدك فلان كان يُذَكِّرنا بك)، ثم بكى رحمه الله.
وليكن المعيار عندك في اصطفاء الأصدقاء والإخوان، وانتقاء الصحب والخلان، ما نقشَه مأمون بن آدم على باب داره:
إنْ كنتَ صاحبَ علمٍ أو أخا أدبٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو فيكَ فائدةٌ فانزلْ ولا تَرِمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ تكنْ صورةً لا فيك منفعةٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا مؤانسةٌ فارحلْ ولا تُقِمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليكن جليسُك وأنيسُك الفسبكي كما قيل في وصف الكتب:
لنا جُلساءُ ما نملُّ حديثَهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ألبَّاءُ مأمونون غيبًا ومشهدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُفيدوننا من علمهمْ علمَ مَنْ مضى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا غِيبةٌ تخشى ولا سوءُ عِشرةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا نتقي منهمْ لِسانًا ولا يدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن قلتَ: أمواتٌ، فلستَ بكاذبٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن قلتَ: أحياءٌ، فلستَ مُفنَّدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقد نظم ابن معصوم الشيرازي صفة من يستحق أن يُصادق فقال:
أخو صلاحٍ وأدبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ذو حسبٍ وذو نسبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رَبُّ صلاحٍ وتُقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ينهاكَ عمَّا يُتَّقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من حيلةٍ وغدرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبدعةٍ ومكرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُهذَّبُ الأخلاقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يطربُ للتلاقي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يحفظُ ما في عَيْبَتكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يصون ما في غيبتكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يزينه ما زانكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يشينه ما شانكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُظهرُ منك الحَسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويذكرُ المستحسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويكتمُ المعيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويحفظُ المغيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسرُّه ما سرَّكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا يُذيع سِرَّكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن قال قولاً صدَقَكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو قُلتَ قولاً صدَّقكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ شكوتَ عُسرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أفدتَ منه يُسرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يلقاكَ بالأمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في حادث الزمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُهدي لكَ النصيحه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بنيَّةٍ صحيحه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خُلَّتُه مُدانيه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في السرِّ والعلانيه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صُحبَتُه لا لغرضْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذاكَ للقلبِ مرضْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يتغيَّر إن ولِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الوداد الأولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يرعى عهودَ الصحبه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا سيما في النكبه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يُسلِمُ الصديقا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن نالَ يومًا ضيقا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يعينُ إنْ أمرٌ عنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا يفوه بالخَنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يولي ولا يعتذرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عمَّا عليه يقدرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا هو الأخُ الثقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
المستحقُّ للمقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إنْ ظفرتْ يداكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكِدْ بهِ عِداكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولما كان هذا الفيس فضاءً يتجاذب فيه الأصدقاءُ المجتمعون، آراءَهم في العلوم والفنون، والآداب ونوادر الطرائف ومُلح الأخبار، ويتناقلونها عبر هذا الأثير الأزرق، كان ولا بدَّ محلاًّ للاختلاف في الرأي، وبالتالي النزاع والخلاف، كما هو شأن ودأب ذوي الرأي، فلزم على العاقل والحال هذه، أن يتحلَّى بالإنصاف في الخلاف بين المفسبكين في الرأي والجدل، والنأي قدر الطاقة عن النزاع فيما لا فائدة منه؛ فإن العمر أضيق من أن يضيعه العاقل، فيما لا منفعة فيه ولا نائلْ، فتجنَّب الخلاف العقيم والجدل الذي ليس من ورائه طائل، مما هو من *** قول القائل:
ومَهْمَه دليلُه مطوَّحُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدأَبُ فيه القومُ حتى يطْلَحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ثم يظلُّون كأنْ لم يبرحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاحرص على أن تكون مشاركتُك محصورةً في أدب وعلم، يعود عليك وعلى خلَّانك بالنفع في أمور الدنيا والآخرة.
وإنْ وقع - رحمنا الله وإياك - بينك وبين أصدقائك ما يقتضي النُّفرة، فإياك وهجرانهم، ولتلتمس لهم العذر؛ لدوام الصحبة، وحسن العشرة، وجميل الألفة التي بينك وبينهم، وتغافل عن زلاتهم؛ فإن التغافل - كما قال ابن الجوزي - من شِيَم الكرام.
والناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اغتمَّ المرءُ لكل زلة وخطيئة، تعبَ وأتعب، والعاقل من لا يُدقِّق مع إخوانه في كل صغيرة وكبيرة؛ كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته.
وقد سُئل الشافعي: من العاقل؟ فقال: (الفطِن المتغافِل).
وقال عمرو بن دينار: (المروءة: التغافل عن زلات الإخوان).
وعن الإمام أحمد: (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافُل).
وقال سفيان الثوري: (ما زال التغافل من فعل الكرام).
وذكر الأستاذ أبو علي الدقاق أن امرأة جاءت تسأل حاتمًا الأصم، فاتفق أنْ خرج منها صوتٌ، فخجلتْ، فتغافل حاتم، وقال لها: ارفعي صوتَك! وأوهمها أنه أصمُّ لا يسمع، فسُرَّتِ المرأةُ بذلك، وظنَّتْ أنه لم يسمع، فلُقِّبَ بالأصم.
والأمر كما قال ابن الوردي:
تجنَّب أصدقاءَك أو تغافلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لهمْ تظفرْ بودِّهمُ المتينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ يتكدَّروا يومًا فعُذرًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ القوم من ماءٍ وطينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن آداب القوم: ألا تكتب أو تحدِّث إلا بما يُعقل ويُدرَك؛ فإن هذا البحر الأزرق يسبح فيه العالم والمتعلِّم، والخاصة والعامة، فاكتب فيه ما يكون تبصرةً للمبتدي، وتذكرةً للمنتهي، واجتنب الغرائبَ وما لا يُعقل من الأخبار والنوادر.
وقد قال عليٌّ رضي الله عنه: (حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه؟).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت بمُحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلُغُه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة).
وهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو الملهم المحدَّث، أراد أن يقول مقالةً جامعةً لأمور هامة في شأن خلافة الصديق والعمل بالسنَّة في موسم الحج، فأشار عليه عبدالرحمن بن عوف بقوله: (لا تفعلْ؛ فإنَّ الموسم يجمع رَعاع الناس وغوغائهم؛ فإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وألا يعوها وألا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تَقدَم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلتَ متمكِّنًا؛ فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعوها على مواضعها).
وقد قال أبو العلاء:
هل صحَّ قولٌ من الحاكي فنقبله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أم كل ذاك أباطيلٌ وأسمارُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أما العقولُ فآلتْ أنه كذبٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعقلُ غرسٌ له بالصدق أثمارُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن من العلم والأخبار والمنقولات، ما يلزم كتمانه عن العامة، إذا تيقَّن غلطهم فيه وعدم فهمهم له، مع عدم حاجتهم إليه، وكونه مما يسع كتمانه عليهم، وفي (الصحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءَين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم)، وقد قال أبو حامد الغزالي:
يا رُبَّ جوهر علمٍ لو أبوحُ به http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقيل لي: أنت ممن يعبدُ الوثنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولاستحلَّ رجال صالحون دمي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يرون أقبحَ ما يأتونه حسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إني لأكتُمُ من علمي جواهرَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كيلا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال ابن معصوم في آداب محادثة الأصدقاء:
واخترْ من الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما لاقَ بالمقامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من فائق العلومِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورائق المنظومِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واذكر من المنقولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما صحَّ في المعقولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واجتنب الغرائبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كيلا تُظنَّ كاذبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن العقلَ غريزةٌ يكتنفها أمران: الفكرُ والإرادةُ؛ فالأول يسطع من الدماغ، والثاني يشعُّ من القلب، فإذا التقيا، نتجَ عنهما عقلٌ راجحْ، ورأيٌ ناصحْ، وإن تخلَّف أحدُهما، خَذَلَكَ بنانُكْ، وفاهَ بما لا يحتمله منك العقلاءُ لسانُكْ، فعند ذاك تتكلم بقلب حاقدْ، ورأي للحصافة فاقدْ، ويلزمُكَ ولابدَّ قولُ الحكماء: (حدَّث الرجلُ بما لا يُعقل، فإن صدَق فلا عقلَ له).
فليكنْ حضورُك في هذا العالم الأزرق شاهدًا على كريم أخلاقكْ، وحميد فعالكْ، وكمال عقلكْ، وجميل خصالكْ، كما قيل:
حضورُ الفتى بجميل المقال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدلُّ على الطيب من مولدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومَنْ لم يكنْ طاهر الخلق http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا خير للناس في مشهدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكلٌّ يؤول إلى عقله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويأوي الكريمُ إلى محْتدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واجعل - وفقنا الله وإياك لسلوك الفضائل - أنتَ وأصدقاؤك من هذا الأثير، منتدى للمعارف والآداب، بحيث يكون تلاقيكم فيه كما قال القاضي عياض:
وللهِ قومٌ كلما جئتُ زائرًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وجدتُ قلوبًا كلها مُلئتْ حِلما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا اجتمعوا جاؤوا بكل فضيلة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويزدادُ بعضُ القوم من بعضهم علما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذيَّل عليه الرعيني قائلاً:
أولئك مثل الطيب كلٌّ له شذى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومجموعه أذكى أريجًا إذا شُمَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذيَّل عليه ابن عتيق:
تعاطوا كؤوسَ العلم في روضة التُّقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكلهم من ذلك الرِّيِّ لا يظما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا ريب أن الواحد من المفسبكين، قد يُبتلى بمن يضيفه على قائمة أصدقائه، ثم يتبيَّن له بعدُ أنه ليس بأهل للصداقة والصحبة، فمثل هذا لا يخلو أن يكون طالبًا للصداقة حريصًا عليها، أو عابثًا لا يعرف للصحبة قدرها.
فالأول يُنبَّه، فإن ارعوى وإلا اعتذِرْ عن صداقته، وأعلِمْه بأنكَ مضطرٌّ لإلغاء صداقته، والثاني يُلغى ولا كرامة.
وإن اتفق أن صديقًا لك ألغى صداقتك، فلا يخلو أن يكون حميمًا مقرَّبًا، فاكتبْ إليه معاتِبًا في الفيس؛ فإنَّ المعاتبة بالمكتابة أسلم من المشافهة، كما قال ابن معصوم:
وإنْ تُرِدْ عتابهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تُسئْ خطابهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأحسنُ العتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كان في كتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعَتْبُ بالمشافهة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربٌ من المسافهة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن لم يكنْ كذلك فلا تأبَهْ له، ولا تغتمَّ لجفوته وبُعدِه؛ فإن الله مُبدلُك خيرًا منه، وليكنْ شأنُك معه كما قال الحافظ أبو العرب الصقلي:
إذا ولَّى الصديقُ لغير عذرٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فزادَ اللهُ خُلَّته انقطاعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى يوم التنادِ بلا رجوعٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنْ رامَ الرجوعَ فلا استطاعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا ولَّى أخوك فَوَلِّ عنه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وزِدْهُ وراءَ ما والاكَ باعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ونادِ وراءَه يا ربِّ تمِّمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تجعلْ لفُرقتِهِ اجتماعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن بديع كلام العلامة أبي القاسم الزمخشري في كتاب (الأطواق) له: (استمسِكْ بحبْل مواخيك، ما استمسكَ بأواخيك، واصحبْه ما صحبَ الحقَّ وأذعنْ، وصِلْ معه واظعن، فإن تنكرتْ أنحاؤه، ورشحَ بالباطل إناؤه، فتعوَّض عن صحبته وإنْ عُوِّضتَ الشسعْ، وتصرَّف بحبله وإن أُعطِيتَ النسع، فصاحبُ الصدق أنفع من الترياق النافع، وقرينُ السوء أضرُّ من السُّم الناقع).
وإن وقع بينك وبين أصدقائك على الفيس ممازحة وملاطفة، وبدا من بعضهم بعضُ ما لا تُطيقه وتحتمله، فاصبرْ عليهم واحتمل منهم، وإياك والجفاء، واحمل مزاحهم على أحسن وجه ومحمل، كما قال ابن معصوم:
واحملْ مزاح الإخوة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وخلِّ عنك النخوة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالبسطُ في المصاحبة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يفضي إلى المداعبة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ سمعتَ نادرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تَفُهْ ببادرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تغضبنَّ فالغضبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في المزح من سوء الأدبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وانظرْ إلى المقامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقائلِ الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنْ يكنْ وليَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مصاحبًا صفيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقوله وإنْ نَبَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هو الولاءُ المجتبى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ يكنْ عدوَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مكاشحًا مجحوَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقوله وإنْ حلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هو البلاء المجتلى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ألا ترى للعربِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تقول عند العجبِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قاتَلَهُ اللهُ ولا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تقولُ ذاكَ عن قِلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليس من أدب الفسبكة أن تسرق ما نشره غيرك إن أعجبك، ورأيتَ فيه قضاء نهمتك الفسبكية؛ فإن من بركة العلم أن يُنسب العلم والقول إلى صاحبه، فشاركه فائدته وانشر بادرته على صفحتك؛ إذ ليس من المروءة أن تنتحل كلامه وتنسبه لنفسك، ولا أن تفتخر بالظهور والتفوُّق على أصدقائك ومن تقدَّمك إلى الفسبكة بعلم أو فائدة؛ فإنك إنما بنفسك تزري، وإياها تنتقص، وقد قيل:
إذا أفادك إنسانٌ بفائدة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من العلوم فأحسنْ شُكرَه أبدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقُلْ: فلانٌ جزاه الله صالحةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أفادنيها وخَلِّ اللؤمَ والحسدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقد نقل أصحاب النوادر وطرف الأخبار، أن العلامة جمال الدين بن مالك النحوي لما نظم ألفيتَه وقال في مطلعها:
وتقتضي رضًا بغير سُخطِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فائقةً ألفيةَ ابن معطِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فائقة منها بألف بيتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
...... http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُرْتِجَ عليه، ولم يُفتح له تمام البيت، فنام من ليلته، فاتفق أنه رأى ابن معطي في منامه، فأنشده مطلع ألفيته هذه، وأجاز هذا البيت الذي أُرتج عجزُه على ابن مالك، ولم يُفتح له فيه بقوله:
فائقة منها بألف بيتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والحيُّ قد يغلبُ ألفَ مَيْتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاستيقظ ابن مالك واستحيا منه وقال:
وهو بسبقٍ حائزٌ تفضيلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مستوجبٌ ثنائيَ الجميلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والله يقضي بهباتٍ وافرهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لي وله في درجات الآخره http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولهذا كُتبَ لها القبول، وبورك له فيها؛ لاعترافه بفضل من تقدَّمه وسبقه.
وراعِ أيها المفسبك سبب الكلام ووقته؛ فلا تتكلم في فرح وترح، إبان أوقات حزن أو همٍّ هجم على أصدقائك وأحبابك، كما أنه يقبح بالمفسبك أن ينشر على صفحته صورة لطعامه من عشاء أو غداء، كما هو مشاهد من بعض من لا يدري آداب الفسبكة، في حين أن غيره من المبتلَيْن في الأمة يعانون المجاعات والنكبات، كما هو حال أهل العراق والشام وليبيا واليمن وغيرها من أمصار المسلمين المنكوبة.
ونظيره: أن تراعي مقدار كلامك؛ فليس من أدب الفسبكة أن تُكثر الكلام والكتابة لأصدقائك، دون أن تتيح لهم وقتًا يجيبون فيه على كلامك ورسائلك، وقد قال الفقيه الأديب أبو إسحق النيلي:
أوصيك في نظم الكلام بخمسةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إنْ كنتَ للموصي الشفيق مُطيعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تُغفلَن سببَ الكلام ووقتَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والكَمَّ والكيفَ والزمانَ جميعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وغُضَّ البصر؛ إذ الفيس عرضة لمواقع السوء والرذيلة، فاربأ بنفسك عن مواطن التُّهم، واستحضر مراقبة الله لكْ، واطلاعه على سرِّك وعلانيتكْ، وعظِّم أمرَه ونهيَه في نفسك، واذكر مقامَه الجليل، وموقفك بين يديه.
وقد قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، قال: (هو الرجل يهمُّ بالذنب، فيذكر مقام ربه، فيدع الذنب).
وعمِّرْ باطنك بالمراقبة، وظاهرك بامتثال شرعه، واذكر قوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
فوالله لن تجني من هذه المواقع إلا الهمَّ وسوء العاقبة، وقد قال بعض الفضلاء:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائدًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقلبك يومًا أتعبتكَ المناظرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رأيتَ الذي لا كلَّه أنتَ قادرٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولستُ أحبُّ للفاضل أن يقحم نفسه في مواقعَ ليست من بابته؛ كالمواقع الخاصة بالنساء ونحوها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والدخول على النساء)).
وكذا المواقع الفسبكية التي لا تعتني بالفضائل والآداب، وليس همُّها إلا العبث واللهو والمرح، فإنَّ الفاضل فيها غريب، كالنخلة في بلاد العجم، على حدِّ قول أبي الطيب المتنبي:
ما مُقامي بأرض نخلة إلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كمقام المسيح بين اليهودِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنا في أمة تداركها الل http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ه غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو كما قال أبو الفضل بن النحوي:
أصبحتُ فيمَنْ لهم علمٌ بلا أدب http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن لهم أدبٌ عارٍ عن الدينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أصبحتُ فيهم غريبَ الشكلِ منفردًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كبيتِ حسَّان في ديوانِ سحنونِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يريد قول حسان بن ثابت:
وهانَ على سَراة بني لؤيٍّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حريقٌ بالبويرة مستطيرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنه البيت الفرد الوحيد الذي وقع في (المدوَّنة)، وليس فيها شعر غيره؛ فهو غريب من حيثُ كونه شعرًا بين الفقه، ومن حيث إنه لا نظير له في (المدونة).
ومن آداب الفسبكة: أن تتجاهل التعليقات الفسبكية السلبية التي ليس فيها إلا النقد والهجوم وإطلاق التُّهم على المفسبكين جُزافًا؛ لأن فيه كما قال الفاضل الدكتور سلمان العودة تأديبًا لهم، وزجرًا يردعهم عما هم عليه من السلوك المنافر للآداب والأخلاق العامة، فضلاً عن أن التشاغل بالرد عليهم يشغلك عما أنت بصدده من نفع الناس وإفادتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: ((زعيم بيت في الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقًّا))، وقال الشافعي:
مُتاركة السفيه بلا جوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أشدُّ على السفيه من الجوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال أيضًا:
يُخاطبُني السفيه بكلِّ قُبحٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأكره أن أكون له مُجيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلمًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كعودٍ زادَه الإحراق طيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقرأتُ بخطِّ العلامة عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله، أنه نقل من ظهر حاشية البجيرمي هذين البيتين:
دعهمْ يقولون فينا ما يليقُ بهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دعهمْ بياءٍ وعينٍ ثم واوينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَنْ قال قولاً فذاك القولُ شيمتُه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصف الكلام لقائله بلامَيْنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وحاذر أن تجعل من صفحتك محلًّا للخصومات والجدل الذي يقسي القلب، ويورث الصفاقة، ويذهب بماء الوجه، واجتهد أن تجعل منها دليلاً إلى الخير، وقائدًا إليه، فتنشر فيها ما يُذكر الناس بالفضائل ويرغبهم فيها؛ كالمحافظة على الجماعات، ونوافل الطاعات والقربات، وجميل الأخلاق والمكرمات، والدعوة إلى اجتناب الفواحش والمحرمات.
واجتهد أيها المفسبك أن تكتب ما تكتبه بالعربية، إلا فيما لا بدَّ منه، وتجنَّب اللحنَ الفاحش، وراجع ما تكتبه قبل نشره، ولا تستنكف من ذلك؛ فإنَّ الناس جُبلوا على إعظام من يعربُ كلامَه، ويتخيَّر ألفاظَه، وينتقي عباراته، وقد قال ابن الطبيب:
النحو يبسطُ من لسان الألكنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والمرء تُعظمه إذا لم يلحنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأجلُّها عندي مقيمُ الألسُنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن آداب الفسبكة العامة: أن تقرأ ما نشره أصدقاؤك قراءةً واعيةً، قبل الهجوم على كتابة تعليقك؛ حتى لا تقع في الغلط عليهم، فتستدرك ما هو مُثبَت عندهم فيما نشروه، أو تنفي ما نفوه، أو تثبت ما أثبتوه، أو تكرِّر عين ما قالوه، فيعود تعليقُك عليك بالإزراء والحطِّ.
وليكن تعليقك مما يضيف جديدًا إلى ما فسبَكه أصدقاؤك، وإياك والغرور والعُجْب بما تنشره أو تعلِّقه في الفيس، فلا تمهِّد لما تفسبكه بالتهويل والتعظيم، وأنك ستأتي فيه بما لم تُسبق إلى مثله، ولا لحقك أحدٌ في شكله؛ فليس هذا من أدب الصحبة الفسبكية، فاسلك سبيل التواضع والسكينة؛ فإنَّ الأرض المنخفضة مليئة بالماء، وقد قيل:
ملأى السنابل تنحني بتواضع http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والفارغاتُ رؤوسهنَّ شوامخُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأذكرك أخي المفسبك بالحرص على أوقاتك وأنفاسك وأيامك؛ فإنها عمرك الذي هو أغلى ما تملك، أن يضيع ويذهب أمام صفحتك الزرقاء، فاجعل للفيس وقتًا تلج فيه إليه، فلا يكن هو أنيسك الذي تألفه كل وقت، فإنما سمير العقلاء، وجليس الفضلاء: الكتاب، وقد أنشدوا:
قالتْ مسائلُ سحنون لصاحبها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لنْ تُدركَ العلم حتى تلعقَ الصَّبرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لنْ يدرك العلم بطَّالٌ ولا كَسِلٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا مَلولٌ ولا مَنْ يألفُ البشَرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإياك أن تكون الفسبكة نقمة عليك، كما هو شأن البطَّالين الذين لا نفع فيهم ولا فائدة، لا لأنفسهم ولا لغيرهم، وقد شاهدنا من يفسبك في الثلث الأخير من ليلة السابع والعشرين من رمضان، والناس قيام يناجون ربهم!
فاربأ بنفسك عن هذه الوضاعة، ولا تشاركهم في هذه البضاعة، وليكن دأبك دأب أرباب المعالي، ممن سهر الليالي، من ذوي الهمم العالية، والعزائم الماضية، الذين قال قائلهم، وهو أبو الحسن الجُرجاني:
ما تطعمتُ لذة العيش حتى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صرتُ للبيت والكتاب جليسا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ليس شيءٌ أعزَّ عندي من العل http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
م فما أبتغي سواه أنيسا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن إدمان الفسبكة أضرُّ شيء على طالب العلم؛ لأنها تستفرغ وقته، وتَشغَله عن مراجعة درسه، والعلم - أيًّا كان - لا بد فيه من دوام المطالعة والنظر، وقد قال أبو بكر الجُرجاني:
العلمُ لا يُعطيك محضَ لُبابه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتى تفارقَ حفظَ حالك والدَّعَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والمرءُ لا يَزورُّ عنه جانبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا قلاه علمُه أو ودَّعهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنكتب لك صديقك على العام أو الخاص لمناسبة ما، فلا تتأخر في جوابه والرد عليه، وإن لم تكن موجودًا على الفيس، ورأيت فَسْبَكَتَه لك، فقدِّم لنفسك العذر عنده؛ كيلا يؤثر تباطؤك عن الرد عليه في نفسه شيئًا؛ فإن ردَّ الجواب من المروءة، وقد قال ابن معصوم في مكاتبة أدب الأصحاب:
تواصلُ الأحبابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في البُعد بالكتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكاتب الإخوانا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تكنْ خوَّانا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فتركُكَ المكاتبةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربٌ من المجانبةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والبدءُ للمسافرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في الكَتْبِ لا للحاضر http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والردُّ للجوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فضلٌ بلا ارتيابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن طريف ما حُكي من أدب العلماء: أن أبا حيان الأندلسي النَّحْوي زارَ العلامةَ صدرَ الدين بن المرحل، فاتَّفق أنه لم يجده في داره، فكتَبَ أبو حيان على مصراع باب دار ابن المرحل كُنيتَه، فلما شاهدها ابن المرحل، كتَبَ إليه مُنشدًا:
قالوا أبو حيانَ غير مدافعٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ملكُ النحاة، فقلتُ بالإجماعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اسمُ الملوك على النقود وإنني http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شاهدتُ كُنيتَه على المصراعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن اتفق لك معاتبة أصدقائك المفسبكين، فلا تعاتبهم إلا على الخاص سرًّا، وإياك ونشرَ ذلك على الملأ، واستعمل في عتابك غاية الرفق واللين، ولا تخرج معهم إلى ضرب من الشدَّة والفحش؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانَه، ولا كان الفحش في شيء إلا شانَه)).
وقال ابن معصوم في ذلك:
وإنْ رأيتَ هفوةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فانصحهمُ في خَلوةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالرمز والإشارةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وألطف العبارةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إياك والتعنيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعَذَلَ العنيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن قرأتَ لصديقك المفسبك كلامًا لم يرُقْ لك، فتأول له واعتذر عنه، واجتهد أن تحمل كلامه على أحسن الوجوه والمحامل، وإياك أن تسترسل في الرد عليه، ودفع مقالته إلى حدِّ الطعن عليه، فليس هذا من حفظ عهود الأصدقاء، وقال ابن معصوم:
وإنْ سمعتَ قيلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يحتملُ التأويلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاحمله خير محملْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فِعْلَ الرجال الكُمَّلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن رأيتَ وهْنَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تسمهمْ طعنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالطعنُ في الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عند أولي الأحلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنفذ في الجَنانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من طعنة السنانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعَدِّ عن زلاتهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وسُدَّ من خَلَّاتهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهكذا إن رأيته فسبك أو شارك بفائدة، تقدم لك معرفتها والاطلاع عليها، فلا تجِبْهُ بأنك قد عرفتها من قبل فتحرجه، وكذا إن نقل نقلاً أو شارك بخبر، فلا تصرِّح له بخطأ ما نقله أمام العامة، ولا تُكذِّبْه فيما أخبر به، سواء تيقنتَ كذب خبره وغلط نقله أو لا، بل اكتب له على الخاص فيما بينك وبينه، وبيِّن له غلط نقله وكذب خبره بالدليل دون مراء أو جدل؛ كما قال ابن معصوم:
وإنْ أتى بنقلِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سمعته من قبلِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تقلْ هذا الخبرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
علمتُه فيما غَبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تُكذِّبْ ما روى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودعْ سبيلَ من غوى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعن عطاء بن أبي رباح قال: (إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد).
إلا إذا كان غلطه فاحشًا، وأصرَّ عليه ولم يرعوِ عن غيِّه ويرجع عنه، وتحققتَ المصلحة له وللعامة في المجاهرة بخطأ ما نقل، وكذب ما أخبر، ولا سيما إن كان في أحكام الشرع وأخباره، مما لا يسعك السكوت عنه - فلك أن تصرِّح بفساد نقله، وكذب خبره؛ لئلا يغترَّ به العامة، فيتابعوه عليه.
واحذر أن تكون نهمتك دومًا فيما تحاور فيه أصدقاءَك المفسبكين من القضايا والآراء، أن تنتصر عليهم، ويعلو رأيُك آراءَهم؛ فإن كسب قلوبهم وودهم، خيرٌ وأولى لك من كسب القضية.
وإن أرسلت إلى صديقك رابطًا مقروءًا أو مسموعًا ومشاهدًا، فتأكَّد قبل إرساله من خُلوِّه من الفيروسات التي تفسد عليه حاسوبه الآلي، وإن لم يكن لك خبرة في هذا الشأن فلا تأنف من مراجعة واستشارة ذوي الخبرة والعلم بغوامض الحاسوب وخباياه وأسراره، فلا أظنك تحب لنفسك وحاسوبك أن تعلقه أشراك الفيروسات، فأحببْ لأصدقائك ما تحبه لنفسك، واكرَهْ لهم ما تكرهه لنفسك؛ فإنه من الإيمان، كما تعلم.
ومن أدب الفيس: أنك إذا فسبكتَ شيئًا فعلَّق عليه جماعةُ أصحابك المفسبكين، فاشكرهم أو علِّق على تعليقاتهم بما يليق ويناسب المقام، أو اعمل لهم إعجابًا، وإن اتَّفق وقوع جفوة بينك وبين بعض أصدقائك، فإياك أن تخصَّ إخوانَك بالإعجاب والتعليق والثناء دونه؛ فإنه مجانب للمروءة، وليس هو من شيم الكرام، بل لعل تعليقك عليه أو إعجابك بتعليقه، يزيل ما كان بينكما من الجفاء والوحشة.
ولا ريب عند كل من مارس الفسبكة، أن هذا العالم الأزرق مظنة الأخبار الكاذبة، فاحذر أيها المفسبك من الأخبار الواردة فيه، ولا تتعجل نقلَها والترويجَ لها وإشاعتَها ومشاركتَها، إلا بعد التيقُّن من صِدْقها من المصادر الموثوق بها؛ فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وفي قراءة الأخوين: (فتثبَّتوا).
وقالوا: (ما آفة الأخبار إلا رواتُها)، وفي (الصحيح) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحَدِّثَ بكلِّ ما سمع)).
وليس من أدب الفسبكة أن تنشر مع تعليقك صورًا للفنانين والممثلين من المشهورين بالفسق والمجون، كما هو مشاهد من بعض من لا يدري آداب الفسبكة، وتَعَوَّضْ عن ذلك بنشر ما يشرح الصدر، ويكتحل به النظر، من صور الأزهار والورود والحدائق والأنهار، ونحو ذلك.
ولا بأس من نشر صور أهل العلم والفضل والأدب، وأهل الخير والصلاح، عند الحديث عنهم، أو الكتابة عن آثارهم؛ فإن النظر إليهم حال سماع أخبارهم وأحوالهم، يورث الاقتداء بهم، ويبعث على اتباعهم وسلوك سبيلهم، ويشحذ الهمم إلى المعالي، ويدفع النفس نحو الفضائل؛ كما قيل:
كانتْ مُساءَلةُ الركبانِ تخبرنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن جعفر بن فلاحٍ أطيبَ الخبرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لما التقينا فلا والله ما سمعتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُذني بأحسنَ مما قد رأى بصري http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن فسبكتَ مشاركًا مع أصدقائك في رأي، أو نشرتَ ما يقال له في عُرف المفسبكين (بوست) فَضمِّنه فائدة أو نقلاً مشتملاً على نادرة، ولا يكن كلامك خلوًا من الفوائد، وليس يوجد فيه إلا الكلام السرد المجرَّد، بل طرِّزه بكلام العلماء والأدباء والفضلاء، وانثر عليه من مستجاد الأشعار، ولطائف الأخبار، وإلا مَلَّ أصدقاؤك من كلامك؛ فإن النفوس تميل إلى الجديد والمفيد، وتستروح إلى قراءَته والاطلاع عليه.
وهذا الفيس أشبه بالمجالس والمحاضر، أو الكتب والدفاتر، فمن وجد في المجلس أو الكتاب ما يُفيده ويقتنصه من الفوائد، مال إليه واقتناه، وإلا هجرَه وقلاه، كمجالس الشيوخ، وقد كان العلامة أبو عبدالله بن عرفة يقول: إن الكتاب إن لم يكن مشتملاً على جديد من الفنون والمعارف، فهو تحبير للكاغد والورق دون طائل، ولا يشمله عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أو علم يُنتفع به))، وكان يذهب إلى أن مجالس الشيوخ ودروسهم، إن خلتْ من الفوائد والنقول، فالأولى ألا يحضرها الطالب المجتهد؛ لأن حضورها والحال هذه تضييع للعمر والوقت دون فائدة، فليجتهد هو لنفسه في التحصيل، وينقطع إلى الطلب، وفي ذلك يقول:
إذا لم يكنْ في مجلس الدرس نُكتةٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتقريرُ إيضاحٍ لمشكل صورةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعزو غريب النقل أو فتحُ مقفلٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو إشكالٍ أبدته نتيجةُ فكرةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فدعْ سعيَه وانظر لنفسك واجتهدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإياك تركًا فهو أقبحُ خَلَّةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليكن الأثير الأزرق الخاص بك مجلسًا أو كتابًا عامرًا بنوادر الفرائد، زاخرًا بأنفع الفوائد، مما يحتاج أصدقاؤك إليه في الدنيا والآخرة، بحيث يكون مضرب المثل لهم، وأنموذجًا يحتذيه المفسبكون.
ومن الأدب أنك إذا نشرتَ على صفحة صديقك شيئًا أن تشير إلى اسمه بوجه يليق به وبمقامه، ولا تنشر فيها ما تعلم من حاله أنه لا يميل إليه، سواء كان مسموعًا أو مقروءًا أو مرئيًّا.
وإياك والكلام الذي لا ينبغي ولا يليق مع الفتيات والنساء في الفيس، إلا إن كان لحاجة أو مصلحة تجتمعان فيها؛ كعلم ونحوه.
ولا بأس بصحبة وصداقة من يؤمن جانبُه من أهل البدع ومن غير المسلمين؛ كالنصارى ونحوهم، ولا سيما إن طمعت في هدايته، ولمست فيه نفسًا نزَّاعة للخير، مجانبة للشر، وقد كان لعطاء بن أبي رباح صديق من أهل الذمة ينادمه، فكان يدعوه إلى الإسلام المرة بعد المرة، فقال الذمِّيُّ له يومًا: والله ما بي كراهية للإسلام، إلا أنني أحبُّ الخمرَ وهو يحرِّمها، فقال عطاء: أسلم واشرَبْها، فقال الذمِّيُّ: ويستقيم هذا؟ قال عطاء: بلى، فأسلَمَ، حتى إذا تمكن الدين من قلبه، قال له عطاء: إن لم تنتهِ عن شرب الخمر جلدناك الحدَّ! فقال الذمِّيُّ: إذن أرجع عن الإسلام، فقال عطاء: إن ارتددتَ ***ناك، فتركها وحسُن إسلامه، فتأمَّل كيف أخذه عطاء بالحيلة، واستعمل معه غاية الحِلم والرفق والحكمة.
وهكذا القول في الفتيات والنساء المفسبكات؛ فإنهن يعتنين بالحشمة الزائدة، ويُظهرن الستر والحياء، حتى كأنه يُشاهَد على صفحاتهن الفسبكية، وإياك ونشر ما يُظهرُ عورات النساء ويُسفر عن زينتهن، بدعوى أن لا أصدقاء لها في الفيس إلا من خواص صويحباتها المفسبكات، دون العامة والرجال، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة)).
ولتكن إحداهن في الحياء والحشمة كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] شققن مروطَهن فاختمرن بها)، وفي رواية: (أخذن أُزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).
وكأُميمة الشنفرى، التي أطنب في وصف حيائها وأخلاقها، فقال - وهو عندي أجود شعر قالته العرب في النساء -:
بِعَيْنَيَّ ما أَمْستْ فبَاتتْ فأَصبحت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقَضّتْ أُمُورًا فاستقَلَّتْ فَوَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَوَاكَبِدَا على أُميْمَةَ بَعْدَ ما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طَمِعْتُ، فهَبْها نِعْمةَ العَيْشِ زَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقد أعجبتني لا سَقُوطًا قِناعُها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ما مَشَتْ ولا بِذَات تَلَفُّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَبِيتُ بُعيدَ النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِجارَتِها إِذَا الهَدِيَّةُ قَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَحُلُّ بِمَنْجَاةٍ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأَنَّ لهَا في الأَرضِ نِسْيًا تَقُصُّهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على أَمِّها وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُميْمةُ، لا يُخْزِي نَثَاهَا حَلِيلَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مآبَ السَّعيدِ لم يَسَلْ: أَيْنَ ظَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلَوْ جُنَّ إِنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهذا آخر ما قصدنا جمعه والتنبيه عليه من الآداب والأخلاق الفسبكية، التي يقبح بالمفسبك مع أصدقائه وإخوانه التخلُّفُ عن مراعاتها، ويجمل به التحلي بجملتها، والاتِّصاف بأوصافها، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحمد لله أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلَّم كثيرًا.
د. بلال فيصل البحر (http://www.alukah.net/authors/view/home/9029/)
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فهذه جملٌ من الأخلاق والآداب والسير والسلوكْ، تتعلق باستعمال موقع التواصل الاجتماعي الذي يُقال له: الفيس بوكْ، (http://www.alukah.net/culture/0/25452/) ينتفع بها المفَسْبكون، ويتَّعظ بها المتواصلون، سواء الأصدقاء والأحباب المجتمعون، أو الإخوة والأهل المقرَّبون، علَّقتها تذكرة لشخصي المسكينْ، ولمن رام الانتفاع بها من معاشر المفسبكينْ، سلكتُ فيها طريق التلخيص فجاءتْ كالمختصرْ، كراهة ما يحصل بالتطويل من السآمة والملل والضجرْ، والله تعالى المسؤول، وهو خير مرجوٍّ ومأمول، أن ينفع بها النفع العميم، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، مقرِّبة للزُلْفى لديه في جنات النعيم، آمين.
اعلم أن الفَسْبَكَةَ سوقٌ يعرض الناسُ فيه عقولهم، فإما بهرجٌ ينكشف وزَغَلٌ ينْكَب، أو رأيٌ صائبٌ ثاقبٌ يجتنى ويجتلَبْ.
فاجعل أيها المفَسْبِكُ في رأسك عقلاً، وتأنَّ فيما تخرجه للناس؛ فإنَّ القليل الذي لا يردى به صاحبُه، خيرٌ من الكثير الذي يفضحُه.
وليكن الأمر فيما تنطقُ به شفتاكْ، وتخُطُّه يداكْ، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: "ليتَ أن لي رقبةَ بعير، حتى أُفكر في الكلمة قبل أن تخرج من فمي".
فإياك أن تكتب ما لعله يكون عليك حسرة وندامة، ويضع من قدرك عند الفضلاء والكَمَلة، كما قيل:
وما من كاتبٍ إلا ستَبْقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كتابتُه وإنْ فنيتْ يداهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تكتبْ بكفِّك غيرَ شيءٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسرُّك في القيامة أنْ تراهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقدِّم الاحتسابَ، واستحضِرِ النية الخالصة لله تعالى فيما تكتبه وتُفَسْبِكُه؛ رجاءَ ما عند الله من الخير في الدنيا والأخرى، وهو أول ما ينبغي على المُفسبِك مراعاته؛ حتى يقع كلامك من قلوب الناس موقعًا، ويضع الله له القبول بينهم، وقد قال علي بن الفضل لأبيه: ما أحلى كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقال له: أتدري لمَ حلا؟ قال: لا، قال: "لأنهم أرادوا الله به".
ولا يكنْ همُّك من ولوج هذا الفضاء الأزرق الشهرةَ أو الجدلَ والمماراةَ مع المفسبكين؛ فيعاقبك الله بنقيض قصدِك، وقد قال القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: "ما جلستُ مجلسًا أردتُ فيه الرفعة إلا أذلَّني الله، ولا جلستُ مجلسًا أردتُ فيه الخفاء إلا رفعني الله".
وهذا الفيس إنما هو منبر للدعوة إلى الفضائل، واجتناب الرذائل، فلعل كلمة الحق والفضل التي قالها لسانُك، وزبرها بنانُك، تصل إلى من لا يحصيه إلا الله من الورى، فتكون بذاك محمودًا عند الله، ويقع لك به عند العام والخاص جميل الذكر وحميد الأثر.
فإنْ كتبتَ مُفسبِكًا فائدةً أو لطيفةً، فلا يكنْ همك ونهمتك إلا إفادة الأصدقاء والخلَّان، وانتفاع الصحب والإخوان؛ ابتغاءَ فضل الرحمن، وإياك أن تكون أخسر من صاحب الثمانين والراعي، ويكون حظك من هذا الفيس مجرد السعي لإعجاب معجب، أو ثناء معلِّق، أو مشاركة مشارك.
ومن عجائب هذا الفضاء الأزرق أن تجد مفسبكًا كتب ما لا طائل منه، ولا فائدة فيه، فترى لما كتب مئات المعجبين والمادحين، ولا سيما إن كان المفسبِك ممن يخطَب ودُّه، كالفتيات أو المشاهير، في حين أنك ترى فاضلاً فسبَكَ بفائدة لطيفة، أو نادرة طريفة، ثم لا تجد له من المعجبين، إلا دون العشرة والعشرين!
فلا يصدَّنك هذا أيها المفسبِك الفاضل عن إفادة الأصدقاء ونفعهم؛ فإنك إنما ترتجي من الفسبكة السلعةَ الغاليةَ التي لا تُدرك بإعجاب أو ثناء، وليكن شأنك معهم كما قال أبو الحسين بن سراج للمعتمد بن عباد:
بُثَّ الصنائعَ لا تحفلْ بموقعِها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من آملٍ شَكَرَ الإحسانَ أو كَفَرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالغيثُ ليس يبالي أينما انسكبتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
منه الغمائمُ تُرْبًا كان أو حَجَرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن عبارات المصلحين: "أصلِحْ نفسَك، وادعُ غيرَك، ودعِ القافلة تسير".
فلا تلتفت إلا إلى العلياء، وإياك وسفاسف الأمور، قال أبو الحسن النعيمي:
إذا أعطشتكَ أكفُّ اللئام http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كفَتْكَ القناعةُ شِبعًا ورِيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكُنْ رجلاً رجلُه في الثَّرى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهامةُ هِمَّته في الثُّريَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أبيًّا بنفسك عن باخلٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تراه بما في يديه أبيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ إراقَةَ ماء الحيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ةِ دون إراقة ماء المحيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولتعتنِ أيها المفسبك بانتقاء الأصدقاء، وتخيَّرِ الأصحاب والرفقاء، الذين يسرحون في عالمك الفسبكي، وقد قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
وعند مسلمٍ: عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أن يُحذيَك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإما أن تجدَ ريحًا طيِّبةً، ونافخ الكير إما أن يُحرِق ثيابَك، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً)).
وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: أيُّ الجُلساء خير؟ فقال: ((من ذكَّرَكم بالله رؤيتُه، وزاد في علمكم منطقُه، وذكَّركم بالآخرة عملُه)).
وقال الشاعر:
تجنَّبْ قرينَ السوء واصرمْ حبالَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن لم تجدْ عنه محيصًا فدارِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال غيره:
اصحبْ خيارَ الناس حيثُ لقيتَهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خيرُ الصحابة من يكون عفيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والناسُ مثلُ دراهمٍ ميَّزتَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فوجدتَ منها فضةً وزيوفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكان مالك بن دينار يقول: "نقل الحجارة مع الأبرار، خير من أكل الخبيص مع الفجار"، والخبيص: الحلوى.
وعن عليٍّ رضي الله عنه:"عليكم بالإخوان؛ فإنهم عُدَّة الدنيا وعُدَّة الآخرة، ألم تسمع إلى قول أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]؟".
وقال جعفر الصادق عليه السلام: "استكثِروا من الأصدقاء المؤمنين؛ فإن لهم شفاعة يوم القيامة"، ثم قرأ: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، ونحوه عن الحسن البصري.
وقد نظم هذا المعنى ابن معصوم فقال:
حافظْ على الصديقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في الوسع والمضيقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهمْ نسيمُ الروحِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومرهمُ الجروحِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي الحديث الناطقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الإمام الصادقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَنْ كان ذا حميمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُنجى من الجحيمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كقولِ أهل النارِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعُصبة الكفَّارِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فما لنا من شافعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا حميم نافعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي صحيح البخاري ( 9/130):((ربنا، إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويُحرِّم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون...)).
وكان الإمام العلامة أبو الفرج بن الجوزي يقول لأصحابه: (إن لم تجدوني في الجنة بينكم، فاسألوا عني وقولوا: ربَّنا، عبدك فلان كان يُذَكِّرنا بك)، ثم بكى رحمه الله.
وليكن المعيار عندك في اصطفاء الأصدقاء والإخوان، وانتقاء الصحب والخلان، ما نقشَه مأمون بن آدم على باب داره:
إنْ كنتَ صاحبَ علمٍ أو أخا أدبٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو فيكَ فائدةٌ فانزلْ ولا تَرِمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ تكنْ صورةً لا فيك منفعةٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا مؤانسةٌ فارحلْ ولا تُقِمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليكن جليسُك وأنيسُك الفسبكي كما قيل في وصف الكتب:
لنا جُلساءُ ما نملُّ حديثَهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ألبَّاءُ مأمونون غيبًا ومشهدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُفيدوننا من علمهمْ علمَ مَنْ مضى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا غِيبةٌ تخشى ولا سوءُ عِشرةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا نتقي منهمْ لِسانًا ولا يدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن قلتَ: أمواتٌ، فلستَ بكاذبٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن قلتَ: أحياءٌ، فلستَ مُفنَّدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقد نظم ابن معصوم الشيرازي صفة من يستحق أن يُصادق فقال:
أخو صلاحٍ وأدبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ذو حسبٍ وذو نسبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رَبُّ صلاحٍ وتُقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ينهاكَ عمَّا يُتَّقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من حيلةٍ وغدرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبدعةٍ ومكرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُهذَّبُ الأخلاقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يطربُ للتلاقي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يحفظُ ما في عَيْبَتكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يصون ما في غيبتكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يزينه ما زانكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يشينه ما شانكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُظهرُ منك الحَسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويذكرُ المستحسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويكتمُ المعيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويحفظُ المغيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسرُّه ما سرَّكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا يُذيع سِرَّكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن قال قولاً صدَقَكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو قُلتَ قولاً صدَّقكْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ شكوتَ عُسرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أفدتَ منه يُسرَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يلقاكَ بالأمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في حادث الزمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُهدي لكَ النصيحه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بنيَّةٍ صحيحه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خُلَّتُه مُدانيه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في السرِّ والعلانيه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صُحبَتُه لا لغرضْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذاكَ للقلبِ مرضْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يتغيَّر إن ولِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الوداد الأولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يرعى عهودَ الصحبه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا سيما في النكبه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يُسلِمُ الصديقا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن نالَ يومًا ضيقا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يعينُ إنْ أمرٌ عنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا يفوه بالخَنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يولي ولا يعتذرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عمَّا عليه يقدرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا هو الأخُ الثقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
المستحقُّ للمقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إنْ ظفرتْ يداكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكِدْ بهِ عِداكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولما كان هذا الفيس فضاءً يتجاذب فيه الأصدقاءُ المجتمعون، آراءَهم في العلوم والفنون، والآداب ونوادر الطرائف ومُلح الأخبار، ويتناقلونها عبر هذا الأثير الأزرق، كان ولا بدَّ محلاًّ للاختلاف في الرأي، وبالتالي النزاع والخلاف، كما هو شأن ودأب ذوي الرأي، فلزم على العاقل والحال هذه، أن يتحلَّى بالإنصاف في الخلاف بين المفسبكين في الرأي والجدل، والنأي قدر الطاقة عن النزاع فيما لا فائدة منه؛ فإن العمر أضيق من أن يضيعه العاقل، فيما لا منفعة فيه ولا نائلْ، فتجنَّب الخلاف العقيم والجدل الذي ليس من ورائه طائل، مما هو من *** قول القائل:
ومَهْمَه دليلُه مطوَّحُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدأَبُ فيه القومُ حتى يطْلَحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ثم يظلُّون كأنْ لم يبرحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاحرص على أن تكون مشاركتُك محصورةً في أدب وعلم، يعود عليك وعلى خلَّانك بالنفع في أمور الدنيا والآخرة.
وإنْ وقع - رحمنا الله وإياك - بينك وبين أصدقائك ما يقتضي النُّفرة، فإياك وهجرانهم، ولتلتمس لهم العذر؛ لدوام الصحبة، وحسن العشرة، وجميل الألفة التي بينك وبينهم، وتغافل عن زلاتهم؛ فإن التغافل - كما قال ابن الجوزي - من شِيَم الكرام.
والناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اغتمَّ المرءُ لكل زلة وخطيئة، تعبَ وأتعب، والعاقل من لا يُدقِّق مع إخوانه في كل صغيرة وكبيرة؛ كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته.
وقد سُئل الشافعي: من العاقل؟ فقال: (الفطِن المتغافِل).
وقال عمرو بن دينار: (المروءة: التغافل عن زلات الإخوان).
وعن الإمام أحمد: (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافُل).
وقال سفيان الثوري: (ما زال التغافل من فعل الكرام).
وذكر الأستاذ أبو علي الدقاق أن امرأة جاءت تسأل حاتمًا الأصم، فاتفق أنْ خرج منها صوتٌ، فخجلتْ، فتغافل حاتم، وقال لها: ارفعي صوتَك! وأوهمها أنه أصمُّ لا يسمع، فسُرَّتِ المرأةُ بذلك، وظنَّتْ أنه لم يسمع، فلُقِّبَ بالأصم.
والأمر كما قال ابن الوردي:
تجنَّب أصدقاءَك أو تغافلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لهمْ تظفرْ بودِّهمُ المتينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ يتكدَّروا يومًا فعُذرًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ القوم من ماءٍ وطينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن آداب القوم: ألا تكتب أو تحدِّث إلا بما يُعقل ويُدرَك؛ فإن هذا البحر الأزرق يسبح فيه العالم والمتعلِّم، والخاصة والعامة، فاكتب فيه ما يكون تبصرةً للمبتدي، وتذكرةً للمنتهي، واجتنب الغرائبَ وما لا يُعقل من الأخبار والنوادر.
وقد قال عليٌّ رضي الله عنه: (حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه؟).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت بمُحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلُغُه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة).
وهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو الملهم المحدَّث، أراد أن يقول مقالةً جامعةً لأمور هامة في شأن خلافة الصديق والعمل بالسنَّة في موسم الحج، فأشار عليه عبدالرحمن بن عوف بقوله: (لا تفعلْ؛ فإنَّ الموسم يجمع رَعاع الناس وغوغائهم؛ فإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وألا يعوها وألا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تَقدَم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلتَ متمكِّنًا؛ فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعوها على مواضعها).
وقد قال أبو العلاء:
هل صحَّ قولٌ من الحاكي فنقبله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أم كل ذاك أباطيلٌ وأسمارُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أما العقولُ فآلتْ أنه كذبٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعقلُ غرسٌ له بالصدق أثمارُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن من العلم والأخبار والمنقولات، ما يلزم كتمانه عن العامة، إذا تيقَّن غلطهم فيه وعدم فهمهم له، مع عدم حاجتهم إليه، وكونه مما يسع كتمانه عليهم، وفي (الصحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءَين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم)، وقد قال أبو حامد الغزالي:
يا رُبَّ جوهر علمٍ لو أبوحُ به http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقيل لي: أنت ممن يعبدُ الوثنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولاستحلَّ رجال صالحون دمي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يرون أقبحَ ما يأتونه حسنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إني لأكتُمُ من علمي جواهرَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كيلا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال ابن معصوم في آداب محادثة الأصدقاء:
واخترْ من الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما لاقَ بالمقامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من فائق العلومِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورائق المنظومِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واذكر من المنقولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما صحَّ في المعقولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واجتنب الغرائبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كيلا تُظنَّ كاذبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن العقلَ غريزةٌ يكتنفها أمران: الفكرُ والإرادةُ؛ فالأول يسطع من الدماغ، والثاني يشعُّ من القلب، فإذا التقيا، نتجَ عنهما عقلٌ راجحْ، ورأيٌ ناصحْ، وإن تخلَّف أحدُهما، خَذَلَكَ بنانُكْ، وفاهَ بما لا يحتمله منك العقلاءُ لسانُكْ، فعند ذاك تتكلم بقلب حاقدْ، ورأي للحصافة فاقدْ، ويلزمُكَ ولابدَّ قولُ الحكماء: (حدَّث الرجلُ بما لا يُعقل، فإن صدَق فلا عقلَ له).
فليكنْ حضورُك في هذا العالم الأزرق شاهدًا على كريم أخلاقكْ، وحميد فعالكْ، وكمال عقلكْ، وجميل خصالكْ، كما قيل:
حضورُ الفتى بجميل المقال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدلُّ على الطيب من مولدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومَنْ لم يكنْ طاهر الخلق http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا خير للناس في مشهدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكلٌّ يؤول إلى عقله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويأوي الكريمُ إلى محْتدِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واجعل - وفقنا الله وإياك لسلوك الفضائل - أنتَ وأصدقاؤك من هذا الأثير، منتدى للمعارف والآداب، بحيث يكون تلاقيكم فيه كما قال القاضي عياض:
وللهِ قومٌ كلما جئتُ زائرًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وجدتُ قلوبًا كلها مُلئتْ حِلما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا اجتمعوا جاؤوا بكل فضيلة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويزدادُ بعضُ القوم من بعضهم علما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذيَّل عليه الرعيني قائلاً:
أولئك مثل الطيب كلٌّ له شذى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومجموعه أذكى أريجًا إذا شُمَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذيَّل عليه ابن عتيق:
تعاطوا كؤوسَ العلم في روضة التُّقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكلهم من ذلك الرِّيِّ لا يظما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا ريب أن الواحد من المفسبكين، قد يُبتلى بمن يضيفه على قائمة أصدقائه، ثم يتبيَّن له بعدُ أنه ليس بأهل للصداقة والصحبة، فمثل هذا لا يخلو أن يكون طالبًا للصداقة حريصًا عليها، أو عابثًا لا يعرف للصحبة قدرها.
فالأول يُنبَّه، فإن ارعوى وإلا اعتذِرْ عن صداقته، وأعلِمْه بأنكَ مضطرٌّ لإلغاء صداقته، والثاني يُلغى ولا كرامة.
وإن اتفق أن صديقًا لك ألغى صداقتك، فلا يخلو أن يكون حميمًا مقرَّبًا، فاكتبْ إليه معاتِبًا في الفيس؛ فإنَّ المعاتبة بالمكتابة أسلم من المشافهة، كما قال ابن معصوم:
وإنْ تُرِدْ عتابهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تُسئْ خطابهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأحسنُ العتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كان في كتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعَتْبُ بالمشافهة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربٌ من المسافهة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن لم يكنْ كذلك فلا تأبَهْ له، ولا تغتمَّ لجفوته وبُعدِه؛ فإن الله مُبدلُك خيرًا منه، وليكنْ شأنُك معه كما قال الحافظ أبو العرب الصقلي:
إذا ولَّى الصديقُ لغير عذرٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فزادَ اللهُ خُلَّته انقطاعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى يوم التنادِ بلا رجوعٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنْ رامَ الرجوعَ فلا استطاعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا ولَّى أخوك فَوَلِّ عنه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وزِدْهُ وراءَ ما والاكَ باعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ونادِ وراءَه يا ربِّ تمِّمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تجعلْ لفُرقتِهِ اجتماعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن بديع كلام العلامة أبي القاسم الزمخشري في كتاب (الأطواق) له: (استمسِكْ بحبْل مواخيك، ما استمسكَ بأواخيك، واصحبْه ما صحبَ الحقَّ وأذعنْ، وصِلْ معه واظعن، فإن تنكرتْ أنحاؤه، ورشحَ بالباطل إناؤه، فتعوَّض عن صحبته وإنْ عُوِّضتَ الشسعْ، وتصرَّف بحبله وإن أُعطِيتَ النسع، فصاحبُ الصدق أنفع من الترياق النافع، وقرينُ السوء أضرُّ من السُّم الناقع).
وإن وقع بينك وبين أصدقائك على الفيس ممازحة وملاطفة، وبدا من بعضهم بعضُ ما لا تُطيقه وتحتمله، فاصبرْ عليهم واحتمل منهم، وإياك والجفاء، واحمل مزاحهم على أحسن وجه ومحمل، كما قال ابن معصوم:
واحملْ مزاح الإخوة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وخلِّ عنك النخوة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالبسطُ في المصاحبة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يفضي إلى المداعبة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ سمعتَ نادرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تَفُهْ ببادرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تغضبنَّ فالغضبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في المزح من سوء الأدبْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وانظرْ إلى المقامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقائلِ الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنْ يكنْ وليَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مصاحبًا صفيَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقوله وإنْ نَبَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هو الولاءُ المجتبى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنْ يكنْ عدوَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مكاشحًا مجحوَّا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقوله وإنْ حلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هو البلاء المجتلى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ألا ترى للعربِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تقول عند العجبِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قاتَلَهُ اللهُ ولا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تقولُ ذاكَ عن قِلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليس من أدب الفسبكة أن تسرق ما نشره غيرك إن أعجبك، ورأيتَ فيه قضاء نهمتك الفسبكية؛ فإن من بركة العلم أن يُنسب العلم والقول إلى صاحبه، فشاركه فائدته وانشر بادرته على صفحتك؛ إذ ليس من المروءة أن تنتحل كلامه وتنسبه لنفسك، ولا أن تفتخر بالظهور والتفوُّق على أصدقائك ومن تقدَّمك إلى الفسبكة بعلم أو فائدة؛ فإنك إنما بنفسك تزري، وإياها تنتقص، وقد قيل:
إذا أفادك إنسانٌ بفائدة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من العلوم فأحسنْ شُكرَه أبدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقُلْ: فلانٌ جزاه الله صالحةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أفادنيها وخَلِّ اللؤمَ والحسدا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقد نقل أصحاب النوادر وطرف الأخبار، أن العلامة جمال الدين بن مالك النحوي لما نظم ألفيتَه وقال في مطلعها:
وتقتضي رضًا بغير سُخطِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فائقةً ألفيةَ ابن معطِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فائقة منها بألف بيتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
...... http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُرْتِجَ عليه، ولم يُفتح له تمام البيت، فنام من ليلته، فاتفق أنه رأى ابن معطي في منامه، فأنشده مطلع ألفيته هذه، وأجاز هذا البيت الذي أُرتج عجزُه على ابن مالك، ولم يُفتح له فيه بقوله:
فائقة منها بألف بيتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والحيُّ قد يغلبُ ألفَ مَيْتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاستيقظ ابن مالك واستحيا منه وقال:
وهو بسبقٍ حائزٌ تفضيلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مستوجبٌ ثنائيَ الجميلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والله يقضي بهباتٍ وافرهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لي وله في درجات الآخره http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولهذا كُتبَ لها القبول، وبورك له فيها؛ لاعترافه بفضل من تقدَّمه وسبقه.
وراعِ أيها المفسبك سبب الكلام ووقته؛ فلا تتكلم في فرح وترح، إبان أوقات حزن أو همٍّ هجم على أصدقائك وأحبابك، كما أنه يقبح بالمفسبك أن ينشر على صفحته صورة لطعامه من عشاء أو غداء، كما هو مشاهد من بعض من لا يدري آداب الفسبكة، في حين أن غيره من المبتلَيْن في الأمة يعانون المجاعات والنكبات، كما هو حال أهل العراق والشام وليبيا واليمن وغيرها من أمصار المسلمين المنكوبة.
ونظيره: أن تراعي مقدار كلامك؛ فليس من أدب الفسبكة أن تُكثر الكلام والكتابة لأصدقائك، دون أن تتيح لهم وقتًا يجيبون فيه على كلامك ورسائلك، وقد قال الفقيه الأديب أبو إسحق النيلي:
أوصيك في نظم الكلام بخمسةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إنْ كنتَ للموصي الشفيق مُطيعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تُغفلَن سببَ الكلام ووقتَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والكَمَّ والكيفَ والزمانَ جميعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وغُضَّ البصر؛ إذ الفيس عرضة لمواقع السوء والرذيلة، فاربأ بنفسك عن مواطن التُّهم، واستحضر مراقبة الله لكْ، واطلاعه على سرِّك وعلانيتكْ، وعظِّم أمرَه ونهيَه في نفسك، واذكر مقامَه الجليل، وموقفك بين يديه.
وقد قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، قال: (هو الرجل يهمُّ بالذنب، فيذكر مقام ربه، فيدع الذنب).
وعمِّرْ باطنك بالمراقبة، وظاهرك بامتثال شرعه، واذكر قوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
فوالله لن تجني من هذه المواقع إلا الهمَّ وسوء العاقبة، وقد قال بعض الفضلاء:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائدًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقلبك يومًا أتعبتكَ المناظرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رأيتَ الذي لا كلَّه أنتَ قادرٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولستُ أحبُّ للفاضل أن يقحم نفسه في مواقعَ ليست من بابته؛ كالمواقع الخاصة بالنساء ونحوها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والدخول على النساء)).
وكذا المواقع الفسبكية التي لا تعتني بالفضائل والآداب، وليس همُّها إلا العبث واللهو والمرح، فإنَّ الفاضل فيها غريب، كالنخلة في بلاد العجم، على حدِّ قول أبي الطيب المتنبي:
ما مُقامي بأرض نخلة إلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كمقام المسيح بين اليهودِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنا في أمة تداركها الل http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ه غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو كما قال أبو الفضل بن النحوي:
أصبحتُ فيمَنْ لهم علمٌ بلا أدب http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن لهم أدبٌ عارٍ عن الدينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أصبحتُ فيهم غريبَ الشكلِ منفردًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كبيتِ حسَّان في ديوانِ سحنونِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يريد قول حسان بن ثابت:
وهانَ على سَراة بني لؤيٍّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حريقٌ بالبويرة مستطيرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنه البيت الفرد الوحيد الذي وقع في (المدوَّنة)، وليس فيها شعر غيره؛ فهو غريب من حيثُ كونه شعرًا بين الفقه، ومن حيث إنه لا نظير له في (المدونة).
ومن آداب الفسبكة: أن تتجاهل التعليقات الفسبكية السلبية التي ليس فيها إلا النقد والهجوم وإطلاق التُّهم على المفسبكين جُزافًا؛ لأن فيه كما قال الفاضل الدكتور سلمان العودة تأديبًا لهم، وزجرًا يردعهم عما هم عليه من السلوك المنافر للآداب والأخلاق العامة، فضلاً عن أن التشاغل بالرد عليهم يشغلك عما أنت بصدده من نفع الناس وإفادتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: ((زعيم بيت في الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقًّا))، وقال الشافعي:
مُتاركة السفيه بلا جوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أشدُّ على السفيه من الجوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال أيضًا:
يُخاطبُني السفيه بكلِّ قُبحٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأكره أن أكون له مُجيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلمًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كعودٍ زادَه الإحراق طيبا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقرأتُ بخطِّ العلامة عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله، أنه نقل من ظهر حاشية البجيرمي هذين البيتين:
دعهمْ يقولون فينا ما يليقُ بهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دعهمْ بياءٍ وعينٍ ثم واوينِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَنْ قال قولاً فذاك القولُ شيمتُه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصف الكلام لقائله بلامَيْنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وحاذر أن تجعل من صفحتك محلًّا للخصومات والجدل الذي يقسي القلب، ويورث الصفاقة، ويذهب بماء الوجه، واجتهد أن تجعل منها دليلاً إلى الخير، وقائدًا إليه، فتنشر فيها ما يُذكر الناس بالفضائل ويرغبهم فيها؛ كالمحافظة على الجماعات، ونوافل الطاعات والقربات، وجميل الأخلاق والمكرمات، والدعوة إلى اجتناب الفواحش والمحرمات.
واجتهد أيها المفسبك أن تكتب ما تكتبه بالعربية، إلا فيما لا بدَّ منه، وتجنَّب اللحنَ الفاحش، وراجع ما تكتبه قبل نشره، ولا تستنكف من ذلك؛ فإنَّ الناس جُبلوا على إعظام من يعربُ كلامَه، ويتخيَّر ألفاظَه، وينتقي عباراته، وقد قال ابن الطبيب:
النحو يبسطُ من لسان الألكنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والمرء تُعظمه إذا لم يلحنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأجلُّها عندي مقيمُ الألسُنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن آداب الفسبكة العامة: أن تقرأ ما نشره أصدقاؤك قراءةً واعيةً، قبل الهجوم على كتابة تعليقك؛ حتى لا تقع في الغلط عليهم، فتستدرك ما هو مُثبَت عندهم فيما نشروه، أو تنفي ما نفوه، أو تثبت ما أثبتوه، أو تكرِّر عين ما قالوه، فيعود تعليقُك عليك بالإزراء والحطِّ.
وليكن تعليقك مما يضيف جديدًا إلى ما فسبَكه أصدقاؤك، وإياك والغرور والعُجْب بما تنشره أو تعلِّقه في الفيس، فلا تمهِّد لما تفسبكه بالتهويل والتعظيم، وأنك ستأتي فيه بما لم تُسبق إلى مثله، ولا لحقك أحدٌ في شكله؛ فليس هذا من أدب الصحبة الفسبكية، فاسلك سبيل التواضع والسكينة؛ فإنَّ الأرض المنخفضة مليئة بالماء، وقد قيل:
ملأى السنابل تنحني بتواضع http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والفارغاتُ رؤوسهنَّ شوامخُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأذكرك أخي المفسبك بالحرص على أوقاتك وأنفاسك وأيامك؛ فإنها عمرك الذي هو أغلى ما تملك، أن يضيع ويذهب أمام صفحتك الزرقاء، فاجعل للفيس وقتًا تلج فيه إليه، فلا يكن هو أنيسك الذي تألفه كل وقت، فإنما سمير العقلاء، وجليس الفضلاء: الكتاب، وقد أنشدوا:
قالتْ مسائلُ سحنون لصاحبها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لنْ تُدركَ العلم حتى تلعقَ الصَّبرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لنْ يدرك العلم بطَّالٌ ولا كَسِلٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا مَلولٌ ولا مَنْ يألفُ البشَرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإياك أن تكون الفسبكة نقمة عليك، كما هو شأن البطَّالين الذين لا نفع فيهم ولا فائدة، لا لأنفسهم ولا لغيرهم، وقد شاهدنا من يفسبك في الثلث الأخير من ليلة السابع والعشرين من رمضان، والناس قيام يناجون ربهم!
فاربأ بنفسك عن هذه الوضاعة، ولا تشاركهم في هذه البضاعة، وليكن دأبك دأب أرباب المعالي، ممن سهر الليالي، من ذوي الهمم العالية، والعزائم الماضية، الذين قال قائلهم، وهو أبو الحسن الجُرجاني:
ما تطعمتُ لذة العيش حتى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صرتُ للبيت والكتاب جليسا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ليس شيءٌ أعزَّ عندي من العل http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
م فما أبتغي سواه أنيسا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعلم أن إدمان الفسبكة أضرُّ شيء على طالب العلم؛ لأنها تستفرغ وقته، وتَشغَله عن مراجعة درسه، والعلم - أيًّا كان - لا بد فيه من دوام المطالعة والنظر، وقد قال أبو بكر الجُرجاني:
العلمُ لا يُعطيك محضَ لُبابه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتى تفارقَ حفظَ حالك والدَّعَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والمرءُ لا يَزورُّ عنه جانبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا قلاه علمُه أو ودَّعهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإنكتب لك صديقك على العام أو الخاص لمناسبة ما، فلا تتأخر في جوابه والرد عليه، وإن لم تكن موجودًا على الفيس، ورأيت فَسْبَكَتَه لك، فقدِّم لنفسك العذر عنده؛ كيلا يؤثر تباطؤك عن الرد عليه في نفسه شيئًا؛ فإن ردَّ الجواب من المروءة، وقد قال ابن معصوم في مكاتبة أدب الأصحاب:
تواصلُ الأحبابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في البُعد بالكتابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكاتب الإخوانا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تكنْ خوَّانا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فتركُكَ المكاتبةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضربٌ من المجانبةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والبدءُ للمسافرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في الكَتْبِ لا للحاضر http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والردُّ للجوابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فضلٌ بلا ارتيابِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن طريف ما حُكي من أدب العلماء: أن أبا حيان الأندلسي النَّحْوي زارَ العلامةَ صدرَ الدين بن المرحل، فاتَّفق أنه لم يجده في داره، فكتَبَ أبو حيان على مصراع باب دار ابن المرحل كُنيتَه، فلما شاهدها ابن المرحل، كتَبَ إليه مُنشدًا:
قالوا أبو حيانَ غير مدافعٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ملكُ النحاة، فقلتُ بالإجماعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اسمُ الملوك على النقود وإنني http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شاهدتُ كُنيتَه على المصراعِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن اتفق لك معاتبة أصدقائك المفسبكين، فلا تعاتبهم إلا على الخاص سرًّا، وإياك ونشرَ ذلك على الملأ، واستعمل في عتابك غاية الرفق واللين، ولا تخرج معهم إلى ضرب من الشدَّة والفحش؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانَه، ولا كان الفحش في شيء إلا شانَه)).
وقال ابن معصوم في ذلك:
وإنْ رأيتَ هفوةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فانصحهمُ في خَلوةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالرمز والإشارةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وألطف العبارةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إياك والتعنيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعَذَلَ العنيفا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن قرأتَ لصديقك المفسبك كلامًا لم يرُقْ لك، فتأول له واعتذر عنه، واجتهد أن تحمل كلامه على أحسن الوجوه والمحامل، وإياك أن تسترسل في الرد عليه، ودفع مقالته إلى حدِّ الطعن عليه، فليس هذا من حفظ عهود الأصدقاء، وقال ابن معصوم:
وإنْ سمعتَ قيلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يحتملُ التأويلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاحمله خير محملْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فِعْلَ الرجال الكُمَّلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن رأيتَ وهْنَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تسمهمْ طعنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالطعنُ في الكلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عند أولي الأحلامِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنفذ في الجَنانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من طعنة السنانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعَدِّ عن زلاتهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وسُدَّ من خَلَّاتهمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهكذا إن رأيته فسبك أو شارك بفائدة، تقدم لك معرفتها والاطلاع عليها، فلا تجِبْهُ بأنك قد عرفتها من قبل فتحرجه، وكذا إن نقل نقلاً أو شارك بخبر، فلا تصرِّح له بخطأ ما نقله أمام العامة، ولا تُكذِّبْه فيما أخبر به، سواء تيقنتَ كذب خبره وغلط نقله أو لا، بل اكتب له على الخاص فيما بينك وبينه، وبيِّن له غلط نقله وكذب خبره بالدليل دون مراء أو جدل؛ كما قال ابن معصوم:
وإنْ أتى بنقلِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سمعته من قبلِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تقلْ هذا الخبرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
علمتُه فيما غَبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تُكذِّبْ ما روى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودعْ سبيلَ من غوى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعن عطاء بن أبي رباح قال: (إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد).
إلا إذا كان غلطه فاحشًا، وأصرَّ عليه ولم يرعوِ عن غيِّه ويرجع عنه، وتحققتَ المصلحة له وللعامة في المجاهرة بخطأ ما نقل، وكذب ما أخبر، ولا سيما إن كان في أحكام الشرع وأخباره، مما لا يسعك السكوت عنه - فلك أن تصرِّح بفساد نقله، وكذب خبره؛ لئلا يغترَّ به العامة، فيتابعوه عليه.
واحذر أن تكون نهمتك دومًا فيما تحاور فيه أصدقاءَك المفسبكين من القضايا والآراء، أن تنتصر عليهم، ويعلو رأيُك آراءَهم؛ فإن كسب قلوبهم وودهم، خيرٌ وأولى لك من كسب القضية.
وإن أرسلت إلى صديقك رابطًا مقروءًا أو مسموعًا ومشاهدًا، فتأكَّد قبل إرساله من خُلوِّه من الفيروسات التي تفسد عليه حاسوبه الآلي، وإن لم يكن لك خبرة في هذا الشأن فلا تأنف من مراجعة واستشارة ذوي الخبرة والعلم بغوامض الحاسوب وخباياه وأسراره، فلا أظنك تحب لنفسك وحاسوبك أن تعلقه أشراك الفيروسات، فأحببْ لأصدقائك ما تحبه لنفسك، واكرَهْ لهم ما تكرهه لنفسك؛ فإنه من الإيمان، كما تعلم.
ومن أدب الفيس: أنك إذا فسبكتَ شيئًا فعلَّق عليه جماعةُ أصحابك المفسبكين، فاشكرهم أو علِّق على تعليقاتهم بما يليق ويناسب المقام، أو اعمل لهم إعجابًا، وإن اتَّفق وقوع جفوة بينك وبين بعض أصدقائك، فإياك أن تخصَّ إخوانَك بالإعجاب والتعليق والثناء دونه؛ فإنه مجانب للمروءة، وليس هو من شيم الكرام، بل لعل تعليقك عليه أو إعجابك بتعليقه، يزيل ما كان بينكما من الجفاء والوحشة.
ولا ريب عند كل من مارس الفسبكة، أن هذا العالم الأزرق مظنة الأخبار الكاذبة، فاحذر أيها المفسبك من الأخبار الواردة فيه، ولا تتعجل نقلَها والترويجَ لها وإشاعتَها ومشاركتَها، إلا بعد التيقُّن من صِدْقها من المصادر الموثوق بها؛ فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وفي قراءة الأخوين: (فتثبَّتوا).
وقالوا: (ما آفة الأخبار إلا رواتُها)، وفي (الصحيح) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحَدِّثَ بكلِّ ما سمع)).
وليس من أدب الفسبكة أن تنشر مع تعليقك صورًا للفنانين والممثلين من المشهورين بالفسق والمجون، كما هو مشاهد من بعض من لا يدري آداب الفسبكة، وتَعَوَّضْ عن ذلك بنشر ما يشرح الصدر، ويكتحل به النظر، من صور الأزهار والورود والحدائق والأنهار، ونحو ذلك.
ولا بأس من نشر صور أهل العلم والفضل والأدب، وأهل الخير والصلاح، عند الحديث عنهم، أو الكتابة عن آثارهم؛ فإن النظر إليهم حال سماع أخبارهم وأحوالهم، يورث الاقتداء بهم، ويبعث على اتباعهم وسلوك سبيلهم، ويشحذ الهمم إلى المعالي، ويدفع النفس نحو الفضائل؛ كما قيل:
كانتْ مُساءَلةُ الركبانِ تخبرنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن جعفر بن فلاحٍ أطيبَ الخبرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لما التقينا فلا والله ما سمعتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُذني بأحسنَ مما قد رأى بصري http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن فسبكتَ مشاركًا مع أصدقائك في رأي، أو نشرتَ ما يقال له في عُرف المفسبكين (بوست) فَضمِّنه فائدة أو نقلاً مشتملاً على نادرة، ولا يكن كلامك خلوًا من الفوائد، وليس يوجد فيه إلا الكلام السرد المجرَّد، بل طرِّزه بكلام العلماء والأدباء والفضلاء، وانثر عليه من مستجاد الأشعار، ولطائف الأخبار، وإلا مَلَّ أصدقاؤك من كلامك؛ فإن النفوس تميل إلى الجديد والمفيد، وتستروح إلى قراءَته والاطلاع عليه.
وهذا الفيس أشبه بالمجالس والمحاضر، أو الكتب والدفاتر، فمن وجد في المجلس أو الكتاب ما يُفيده ويقتنصه من الفوائد، مال إليه واقتناه، وإلا هجرَه وقلاه، كمجالس الشيوخ، وقد كان العلامة أبو عبدالله بن عرفة يقول: إن الكتاب إن لم يكن مشتملاً على جديد من الفنون والمعارف، فهو تحبير للكاغد والورق دون طائل، ولا يشمله عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أو علم يُنتفع به))، وكان يذهب إلى أن مجالس الشيوخ ودروسهم، إن خلتْ من الفوائد والنقول، فالأولى ألا يحضرها الطالب المجتهد؛ لأن حضورها والحال هذه تضييع للعمر والوقت دون فائدة، فليجتهد هو لنفسه في التحصيل، وينقطع إلى الطلب، وفي ذلك يقول:
إذا لم يكنْ في مجلس الدرس نُكتةٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتقريرُ إيضاحٍ لمشكل صورةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعزو غريب النقل أو فتحُ مقفلٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو إشكالٍ أبدته نتيجةُ فكرةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فدعْ سعيَه وانظر لنفسك واجتهدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإياك تركًا فهو أقبحُ خَلَّةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليكن الأثير الأزرق الخاص بك مجلسًا أو كتابًا عامرًا بنوادر الفرائد، زاخرًا بأنفع الفوائد، مما يحتاج أصدقاؤك إليه في الدنيا والآخرة، بحيث يكون مضرب المثل لهم، وأنموذجًا يحتذيه المفسبكون.
ومن الأدب أنك إذا نشرتَ على صفحة صديقك شيئًا أن تشير إلى اسمه بوجه يليق به وبمقامه، ولا تنشر فيها ما تعلم من حاله أنه لا يميل إليه، سواء كان مسموعًا أو مقروءًا أو مرئيًّا.
وإياك والكلام الذي لا ينبغي ولا يليق مع الفتيات والنساء في الفيس، إلا إن كان لحاجة أو مصلحة تجتمعان فيها؛ كعلم ونحوه.
ولا بأس بصحبة وصداقة من يؤمن جانبُه من أهل البدع ومن غير المسلمين؛ كالنصارى ونحوهم، ولا سيما إن طمعت في هدايته، ولمست فيه نفسًا نزَّاعة للخير، مجانبة للشر، وقد كان لعطاء بن أبي رباح صديق من أهل الذمة ينادمه، فكان يدعوه إلى الإسلام المرة بعد المرة، فقال الذمِّيُّ له يومًا: والله ما بي كراهية للإسلام، إلا أنني أحبُّ الخمرَ وهو يحرِّمها، فقال عطاء: أسلم واشرَبْها، فقال الذمِّيُّ: ويستقيم هذا؟ قال عطاء: بلى، فأسلَمَ، حتى إذا تمكن الدين من قلبه، قال له عطاء: إن لم تنتهِ عن شرب الخمر جلدناك الحدَّ! فقال الذمِّيُّ: إذن أرجع عن الإسلام، فقال عطاء: إن ارتددتَ ***ناك، فتركها وحسُن إسلامه، فتأمَّل كيف أخذه عطاء بالحيلة، واستعمل معه غاية الحِلم والرفق والحكمة.
وهكذا القول في الفتيات والنساء المفسبكات؛ فإنهن يعتنين بالحشمة الزائدة، ويُظهرن الستر والحياء، حتى كأنه يُشاهَد على صفحاتهن الفسبكية، وإياك ونشر ما يُظهرُ عورات النساء ويُسفر عن زينتهن، بدعوى أن لا أصدقاء لها في الفيس إلا من خواص صويحباتها المفسبكات، دون العامة والرجال، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة)).
ولتكن إحداهن في الحياء والحشمة كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] شققن مروطَهن فاختمرن بها)، وفي رواية: (أخذن أُزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).
وكأُميمة الشنفرى، التي أطنب في وصف حيائها وأخلاقها، فقال - وهو عندي أجود شعر قالته العرب في النساء -:
بِعَيْنَيَّ ما أَمْستْ فبَاتتْ فأَصبحت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقَضّتْ أُمُورًا فاستقَلَّتْ فَوَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَوَاكَبِدَا على أُميْمَةَ بَعْدَ ما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طَمِعْتُ، فهَبْها نِعْمةَ العَيْشِ زَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقد أعجبتني لا سَقُوطًا قِناعُها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ما مَشَتْ ولا بِذَات تَلَفُّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَبِيتُ بُعيدَ النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِجارَتِها إِذَا الهَدِيَّةُ قَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَحُلُّ بِمَنْجَاةٍ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأَنَّ لهَا في الأَرضِ نِسْيًا تَقُصُّهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على أَمِّها وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُميْمةُ، لا يُخْزِي نَثَاهَا حَلِيلَها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مآبَ السَّعيدِ لم يَسَلْ: أَيْنَ ظَلَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلَوْ جُنَّ إِنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهذا آخر ما قصدنا جمعه والتنبيه عليه من الآداب والأخلاق الفسبكية، التي يقبح بالمفسبك مع أصدقائه وإخوانه التخلُّفُ عن مراعاتها، ويجمل به التحلي بجملتها، والاتِّصاف بأوصافها، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحمد لله أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلَّم كثيرًا.
د. بلال فيصل البحر (http://www.alukah.net/authors/view/home/9029/)