abomokhtar
03-01-2015, 08:25 PM
تعليقات وتقييدات
على نُصوص القراءات القُرآنية
الوارِدة في تفسير مكي بن أبي طالب القيسي
"الهِداية إلى بُلُوغ النهاية"
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على نبيِّنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحْبه أجمعين.
وبعدُ:
فهذه تعليقاتٌ مَنَّ اللهُ بها عليَّ، عندما كنتُ أُطالِع تفسير الإمام العلَم مكي بن أبي طالب القيسي، فوجدتُ التفسيرَ قويًّا غزيرًا بالعلم، يحوي علومًا شتى؛ تفسيرًا ولغةً وقراءات وبلاغة، وغيرها من العلوم؛ فآثرتُ أن أجتهدَ في جَمْع نُصُوص القِراءات القرآنيَّة (http://www.alukah.net/sharia/0/69757/)؛ فأعلِّق عليها، مُبيِّنًا بعض التوجيهات النَّحوية (http://www.alukah.net/library/0/69966/)، وعازيًا النُّصوص المنقولة إلى أصحابها، وناسبًا كلَّ قِراءة إلى أصحابِها.
هذا؛ وإنْ كان الموضوعُ يستحقُّ دراسةً مُستفيضةً أكثر مِن هذا، ولكن علَّها لبِنة على بُنيَّات الطريق.
••••
سورة الفاتحة
قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1- 2].
قال مكي[1]:
في وصْل[2] ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بـ ﴿ الحَمْدُ ﴾، عند النَّحْويين ثلاثة أوجه[3]:
• أحدها: أن تقول: ﴿ الرَّحِيمْ ﴾ * ﴿ ألحَمْدُ للهِ ﴾:
فتُسَكِّن[4] الميم وتقِف عليها، وتقْطَع ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾[5]، وهذا مُستعملٌ عند القُرَّاء حَسَن[6]، وهو مَرْويٌّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - روتْه أمُّ سلمة[7].
• والثاني: أن تقول: ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ الْحَمْدُ للهِ ﴾:
• فَتَصِل الألِف، وتعرب ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بحقِّه منَ الإعراب، فتكون الكسرة خفضًا[8].
• وإن شئتَ قدَّرْت أنك وقفتَ على ﴿ الرَّحِيمْ ﴾ بالإسكان[9]، ثم وصلتَ فكسرتَ الميم؛ لسكونها وسكون لام ﴿ الحَمْدُ ﴾ بعدها، ولا يُعتَدُّ بألِف الوصل لِسُقوطها في درج الكلام[10].
وهذان الوَجْهان حَسَنان مُستَعْملان في القراءة.
• والوجه الثالث: حكاه الكِسائيُّ سماعًا من العرَب، أن تقولَ: ﴿ الرَّحِيمَ * الحَمْدُ ﴾، فتح الميم ووصل الألِف، وذلك أنَّك تُقدِّر أنك أسكنتَ الميم للوقف عليها، وقطعت ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾ للابتداء بها، ثم ألقيتَ حركتها على الميم وحذفتها فانفتحت الميم، ولا يُقْرَأ بهذا[11]!
وقد ذكَر الفَرَّاءُ[12] هذا التقديرَ في قوله تعالى: ﴿ المَ * اللهُ ﴾ [آل عمران: 1 - 2]، وذَكَرَه غيرُه[13]، وستراه - إن شاء الله[14]. ومثلُه قياسُ وصْل: ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بِـ﴿ اهْدِنَا ﴾[15].
قوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4].
قال مكي[16]:
وقد روى الزُّهْري أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ﴿ مَالِكِ ﴾ بألف.
وأبو بكر، وعُمر، وعُثمان، كذلك قَرؤُوها[17].
وبذلك قرأ عليٌّ، وابن مسعود، وأُبَيّ، ومعاذ بن جبل، وطلحة، والزبير، وبذلك قرأ عاصم، والكسائي[18].
وقد بَيَّنَّا كشفَ وُجوه القراءات في كتاب: "الكشف عنْ وُجُوه القراءات"، فأغْنَانا ذلك عن الكلام فيها في هذا الكتاب.
فأمَّا مَن قرأ: ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، فهم الأكثر من القُرَّاء[19]، وشاهِدُه إجماعُهم على ﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾ بِغَيْر ألف[20].
قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7].
قال مكي[21]:
"و﴿ غَيْرِ المَغْضُوبِ ﴾ خفض على النَّعْت لـ﴿ الَّذِينَ ﴾ مِنْ قوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ ﴾، وحسن ذلك؛ لأنَّه شائعٌ لا يُراد به جمعٌ بِعَيْنه؛ فصار كالنَّكرة[22]، فجاز نعتُه بـ﴿ غَيْر ﴾، و﴿ غَيْر ﴾ نكرة وإنْ أُضِيفتْ إلى معرفة[23].
• ويجوز أن تخفضَ ﴿ غَيْر ﴾ على البدَل مِنَ ﴿ الَّذِينَ ﴾[24].
• وقد قُرِئ بالنَّصْب[25] على الحال[26] أو على الاستثناء[27]، وقد شرَحْتُ هذا في كتاب: "مشكل الإعراب" بأشبع من هذا [28] (http://www.alukah.net/sharia/1/80640/#29).
[1] "الهداية " (1 / 98 - 100).
[2] المراد بقوله: "الوصل": أوْجُه القِراءة بيْن الآيات وبعضها، لا الوصل الذي هو ضد الوقف؛ قال الأُشْموني: "واعلمْ أنَّ لك في وصل أوائل السوَر بأواخرها ووَصْل الآيات بعضها ببعض أربعةَ أوجُه"، ثم أتى بوجه الوقف في أول وجْهٍ؛ "منار الهُدى" (26).
[3] هناك وجْهٌ رابع ذكَره الأشموني في "منار الهُدى" (27)، وسيأتي ذِكْرُه بعد تمام الأوجه الثلاثة.
[4] في تفسير "الهداية" (1 / 98): فتكسر، وأظنُّها خطأً، والصواب ما أثْبَتُّ!
[5] قرأ بها قومٌ من الكوفيِّين؛ انظر: "البحر المحيط" (1/ 18)، "المحرَّر الوجيز" (1/ 93)، "القرطبي" (1/ 107)، "معجم القراءات" (1/ 31).
[6] وهو السُّنَّة؛ إذ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقف على رؤوس الآيات كما قالتْ أمُّ سلمة: يقطع قراءته آيةً آية، قال الداني في "المكتفى" (1/ 11): "إنَّه أحب إليَّ، إذا كان رأس آية أن يسكتَ عندها"، وقال السَّخاوي في "جمال القُرَّاء" (1 / 668) تعليقًا على حديث أمِّ سلمة: ومعنى قولها: "مفسرة حرفًا حرفًا ما سبق في الحديث الأوَّل من الوقف على رأس الآية"، وقال ابن الجزري في "النشر" (1 / 239): "إذا قرأ أحدكم الآية، فلا يقطعها حتى يتمَّها"، وقد رجَّح السَّخاوي في "جمال القراء" (1 / 673) الوقف على رؤوس الآيات بقوله: "وأجاز جماعة من القرَّاء الوقفَ على رؤوس الآي؛ عملاً بالحديث، فيقولون: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ ﴾، ثم يقولون: ﴿ ألرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ ﴾...، وهو مَذهَب يُؤيده الحديث والمعنى".
[7] ونصُّه: عن عبدالله بن أبي مُلَيكة، عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنها ذكرتْ - أو كلمة غيرها - "قراءة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ * ألْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ * ألرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينْ ﴾، يقطع قراءته آية آية.
والحديثُ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود - واللفظ له - والترمذي، وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
[8] وعلى ذلك فإعراب ﴿ الرَّحِيمِ ﴾: نعت ثانٍ للفظ الجلالة، وهذا على احتمال أنها حركة إعراب، وهو الأصحُّ، وهي قراءة الجمهور.
[9] أي: على نيَّة الوقف؛ كذا قال السمين في "الدُّر المصون" (1/ 34)، وابن عادل في "اللُّباب" (1 / 150).
وأرى أنَّ الأرجحَ هنا الوقف بالإسكان على نيَّة الوصل لا الوقف؛ إذ إنَّ الوجْه وَجْهُ وصلٍ ولا وقف!
[10] وهو توجيه ثانٍ للكَسْر، ويقصد به كسر الميم للتخلُّص مِن التِقاء الساكنين؛ وهو الأصل - أي: الكسر - في التقاء الساكنين؛ كذا نصَّ عليه غير واحد مِن العلماء؛ انظر: "الكتاب" (4 / 152) باب: باب تحرك أواخر الكلم الساكنة، و"الأشموني" (1 / 196).
[11] قال ابنُ عطية بعد نقل كلام مكِّي القيسي (1 / 64): "ولم تُرْوَ هذه قراءة عن أحدٍ فيما علمتُ، وهذا فيه نظرٌ يَجيء في قوله تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]". اهـ، وانظُر هذه الأوجُه في "منار الهدى" (26، 27).
[12] قال الفرَّاء: وإنما قرأ القراءُ ﴿ آلم * اللَّهُ ﴾ في (آل عِمْرانَ) ففتحوا الميم؛ لأنَّ الميم كانت مجزومة لنية الوقف عليها، وإذا كان الحرف يُنوَى به الوقوف نُوِي بما بعده الاستئناف، فكانت القراءةُ ﴿ الم * اللهُ ﴾، فترَكتِ العربُ همزة الألف من ﴿ اللهُ ﴾؛ فصارتْ فتحتها في الميم لسكونها، ولو كانت الميم جزمًا مستحِقًّا للجزم لكُسرتْ، كما في ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾، وقد قرأها رجلٌ من النحْويِّين - وهو أبو جعفر الرؤاسي، وكان رجلاً صالحًا - ﴿ الم * أَللهُ ﴾ بقطع الألف، والقراءة بطرح الهمزة؛ انظر: "معاني القرآن" (1/ 9).
[13] منهم: الأخفَش في "معانيه" (1/ 22)، والزَّجَّاج في "معانيه" (1/ 65 - 66)، والنحاس في "إعراب القرآن" (1/ 142)، وابن خالويه في "الحُجَّة" (1/ 105). قال الأخفش في "معاني القرآن" (1 / 22): "فالميم مفتوحة؛ لأنها لقيها حرف ساكن، فلم يكن من حركتها بُدّ، فإنْ قيل: "فهلاَّ حُرِّكَتْ بالجر"؟ فإن هذا لا يلزم فيها وإنما أرادوا الحركة، فإذا حرَّكوها بأي حركةٍ كانت فقدْ وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز ولا أعلمها إلاَّ لُغة".
[14] قال مكِّي في "الهداية" (2 / 946): "ومَن فتَح فإنه حَرَّك الميم لسُكونها وسكون الياء قبلها، ولم يكسر لاستثقال الكسر بعدَ الياء، وقد قال الفَرَّاء: مَن فتح ألقى حركة الهمزة على الميم"، وانظر كذلك "المشكل" (1/ 124) فقد فصلها هناك.
[15] قوله: "ومثلُه قياسُ وصْل: ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بِـ﴿ اهْدِنَا ﴾" يحتمل وجهَيْن: إمَّا أن يعودَ على الوجه الأخير فقط، وإمَّا أن يعودَ على الأوْجُه الثلاثة كلِّها، وعلى ذلك نقول - قِياسًا -:
في وَصْل ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بـ﴿ اهْدِنَا ﴾ ثلاثة أوجه:
• أحدها: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينْ * إهْدِنَا ﴾:
فتُسَكِّن النون من ﴿ نَسْتَعِينْ ﴾ وتقِف عليها، وتقطع ألف ﴿ إِهْدِنَا ﴾، وهذا هو المروي كما سبَق في حديث أم سلمة.
• والثاني: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا ﴾:
• فتصل الألف من ﴿ اهْدِنَا ﴾، وتعرِب ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بحَقِّها منَ الإعراب، فتكون الضمة رفعًا.
وهذان الوجهان حَسَنان مُستعملان في القراءة.
• والثالث: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينِ * اهْدِنَا ﴾:
فتكسر النون (الثانية) وتصل الألف، وذلك أنك تُقدر أنك أسكنتَ النون (الثانية) للوَقْف عليها، وقطعتَ ألف {إهْدِنَا} للابتداء بها، ثم ألقيتَ حركَتَها على النون وحَذَفْتها فانكَسَرَت النون، ولا يُقْرَأ بهذا. والله أعلم.
وهناك وجْهٌ رابع مِن أوجُه وصْلِ ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بـ﴿ الحَمْدُ ﴾ ذَكَرَهُ الأُشموني في "مَنار الهُدى" (27)، فقال: "الرابعُ أن تقولَ: ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾؛ فتكسر الميم، وتَقْطَع الهمزة؛ كقول الشاعر:
أَرَى كُلَّ ذِي مَالٍ يُعَظَّمُ أَمْرُهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِنْ كَانَ نَذْلاً خَامِلَ الذِّكْرِ وَالإِسْمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِقَطْع الهمزة".
قلتُ: ووَجْهُ الاستشهاد والتمثيل في البيتِ المذكور - وهو قولُه: الذِّكْرِ وَالإِسْمِ - بعيدٌ عما أرادَ أن يستشهدَ عليه؛ إذ لم يلتقِ الكسرُ مع الهمزة في قول الشاعر: الذِّكْرِ وَالإِسْمِ، فالبونُ شاسِعٌ بينهما!
ويُمكن حملُ هذا الوَجْه على الرَّوْمِ؛ وهو أيضًا على نية الوَصْل؛ إذ فيه كسرُ ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ وقَطْعُ ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾ على نِيَّة الوَصْل لا الوَقْف.
[16] "الهداية" (1 / 104، 105).
[17] نصُّ رِواية الزهري عن أنس - رضي الله عنه -: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبا بكر وعمر - وأراه قال: وعثمان - كانوا يقرؤون ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾".
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: ضعيف الإسناد.
[18] وكذلك قرأ بها: خلف، ويعقوب، وقتادة، والأعمش، والحسن، وابن جبير، وأبو رجاء، والنخعي، وابن سيرين، والسُّلمي، ويحيى بن يعمر، وهي اختيار أبي حاتم، وأبي طاهر، وغيرهم؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 31).
قال مكي: "ورُوي عن الكسائي أنه خيَّر في ذلك"، رواه عنه أبو الحارث البغدادي؛ الليث بن خالد؛ انظر: "الكشف" (1/ 25)، و"طبقات القُرَّاء" (2/ 34).
وحُجَّة مَن قرأ بألف إجماعُهم على قوله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾ [آل عمران: 26]، ولم يقلْ: ﴿ مَلِكِ ﴾؛ انظر: "الكشف" (1/ 26).
[19] قال مكي في "الكشف" (1/ 25): "قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ "قرأ عاصم والكسائي بألف... وقرأ الباقون - أي: باقي السبعة - ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف"، وهي أيضًا قراءةٌ مرْويَّة بالسَّنَد المتَّصِل عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقرأ بها: "ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، وأبو عمرو، وزيد، وأبو الدَّرْداء، وابن عمر، والمسور، وابن عباس، ومجاهد، ويحيى بن وثَّاب، ومرْوان بن الحكم، والأعرج، وأبو جعفر، وغيرهم من الصحابة والتابعين، وهي عند الطبري أصحُّ القراءات، وهي رِواية عن الكِسائي"؛ انظر: "البحر" (1/ 20)، "المحرر الوجيز" (1/ 103)، و"الطبري" (1/ 47 - 65)، و"إبراز المعاني من حرز الأماني" (70)، و"معجم القراءات" (1/ 31).
قلتُ: أمَّا إنها رواية عن الكسائي - أي: قراءة ﴿ مَلِكِ ﴾ - فقد رُوِيَتْ عن أبي حيوة شريح بن يزيد، مُقرئ الشام، وصاحب قراءةٍ شاذَّة، وقد روى هذه القِراءةَ عن الكِسائي؛ انظر: "إعراب القرآن"؛ للنحاس (1 / 19).
[20] وحُجَّة مَن قرأ ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف إجماعهم على ﴿ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ﴾ [الحشر: 23]، و﴿ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [طه: 114]، و﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 2]... قال أبو محمد: وقد قرأ ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف جماعة من الصحابة وغيرهم؛ انظر: "الكشف" (1/ 26، 27).
وقد رجَّح مكِّي - رحمه الله تعالى - قراءة ﴿ مَلِك ﴾ بغير ألف، وسرَد أدلَّة كثيرةً على تقْوِية رأيِه هذا؛ انظرها في "الكشف" (1/ 29).
[21] "الهِداية" (1 / 114).
[22] أي: إنَّ الاسم الموصولَ أَشْبَهَ النكرات في الإِبهام الذي فيه، فعُومل معاملةَ النكراتِ؛ فجاز نعتُه بـ"غير"؛ "الدر المصون" (1/ 71).
[23] وقد استشكل هذا الوجهَ السمينُ في "الدُّر المَصُون" (1/ 71) ورَجَّح وجْه البدَليَّة، فقال: "وقيل: نعتٌ لـ﴿ الَّذِينَ ﴾، وهو مشكلٌ؛ لأن ﴿ غَيْر ﴾ نكرةٌ و﴿ الَّذِين ﴾ معرفةٌ!
وأجابوا عنه بجوابَيْن:
أحدهما: أن ﴿ غَيْر ﴾ إنما يكون نكرةً إذا لم يقع بين ضدين، فأمَّا إذا وقع بين ضدين فقد انحصرت الغَيْريَّةُ، فيتعرَّفُ ﴿ غَيْر ﴾ حينئذٍ بالإِضافة، تقول: مررتُ بـ"الحركة" غير "السكون"، والآيةُ من هذا القبيل، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب ابن السَّرَّاج، وهو مرجوح.
والثاني: أن الموصولَ أَشْبَهَ النكرات في الإِبهام الذي فيه فعُومِل معاملةَ النكراتِ". اهـ.
[24] أي: بدل نكرة مِن معرفة؛ "الدر المصون" (1/ 71).
وقراءةُ الجر أجْمَع القَرَأةُ عليها، فقد قرأ بها: نافع، وعاصم، وأبو بكر، وأبو عمرو، وابن عامر، وابن كثير، وحمزة، والكسائي؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 23).
قال مكي في"مشكل إعراب القرآن" (1/ 72): "غير اسْم مُبْهَم إلا أَنه أُعْرِب للزومه الْإِضَافَة، وخفضه على الْبَدَل من ﴿ الَّذين ﴾، أَو على النَّعْت لَهُم إِذْ لاَ يقْصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم، فجروا مجْرى النكرَة، فَجَاز أَن يكون ﴿ غَيْر ﴾ نعتًا لَهُم، وَمن أصل ﴿ غَيْر ﴾ أَنَّهَا نكرَة، وَإِن أُضيفتْ إِلَى معرفَة؛ لِأَنَّهَا لاَ تدل على شَيْء معيَّن".
[25] قال الطبَري في "تفسيره" (1/ 182): "وقد يجوز نصب ﴿ غَيْر ﴾ في ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾، وإن كنتُ للقراءة بها كارهًا لشُذوذها عن قراءة القُرَّاء، وإنّ ما شذ مِن القراءات عما جاءتْ به الأمة نقلاً ظاهرًا مستفيضًا، فرأيٌ للحقِّ مخالف، وعن سبيل الله وسبيل رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - وسبيل المسلمين متجانِف، وإن كان له - لو كانتْ جائزًا القراءة به - في الصواب مخرَج".
[26] قال مكي في "المشكل" (1/ 72): "وَقد رُوِيَ نصب ﴿ غَيْرَ ﴾ عَن ابْن كثير وَغَيره، ونصبها على الْحَال من الْهَاء وَالْمِيم فِي "عَلَيْهِم"، أَو من "الَّذين" إِذْ لَفظهمْ لفظ الْمعرفَة". وإلى هذا ذهَب ابنُ كَيْسان.
[27] قال مكي في "المشكل" (1/ 72): "وَإنْ شِئْت نصبته على الاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع عند الْبَصرِيين، وَمنعه الْكُوفِيُّونَ لأجل دُخُول (لا)"، وقد نسب ابنُ مُجاهِد في "السبعة" (112) هذا الوجه إلى الأخفش وغلَّطه، فقال: "وَقد قَالَ الْأَخْفَش: نصب غير على الاسْتِثْنَاء، وَهَذَا غلط"!
[28] (http://www.alukah.net/sharia/1/80640/#28) وهناك وجه ثالثٌ ذكَره أيضًا في "المُشكل" (1/ 72) بعد أن ذكَر وجْهَي الحال والاستثناء، فقال: "وَإن شِئْت نصبتَه على إضمار أَعنِي، و﴿ عَلَيْهِم ﴾ الثَّانِي فِي مَوضِع رفع مفعول لَم يُسمَّ فَاعله لـ﴿ المَغْضُوبِ ﴾؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الَّذين غضب عَلَيْهِم ولا ضمير فِيه؛ إِذْ لاَ يتَعَدَّى إِلاَّ بِحرف جر بمَنْزِلَة: مر بزيد؛ وَلذَلِك لم يجمع"، قال ابن عطية في "المُحَرَّر" (1/ 77): "وحُكِيَ نحو هذا عن الخليل".
وأمَّا قراءةُ النَّصب فقد رُويتْ عن صدقة والخليل بن أحمد عن ابن كثير، وهي قراءة عُمر، وعليّ، وابن مسعود، وعبدالله بن الزُّبَيْر، وأُبَيّ بن كعْب، وهي قراءة ابن محيصن، وراوية المعدل عن الأعمش؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 23).
وقد رُوِيَ وجْهٌ ثالث - برفع ﴿ غَيْر ﴾ - عن عُمر بن الخطَّاب؛ قال ابنُ الجزَري في "النَّشْر" (1/ 49): "وعن عمر - رضي الله عنه - ﴿ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ ﴾ بِالرَّفْعِ؛ أي: هم غيرُ المغضوب أو أولئك".
أ. محمد شوقي عبدالرحمن (http://www.alukah.net/authors/view/home/2203/)
على نُصوص القراءات القُرآنية
الوارِدة في تفسير مكي بن أبي طالب القيسي
"الهِداية إلى بُلُوغ النهاية"
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على نبيِّنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحْبه أجمعين.
وبعدُ:
فهذه تعليقاتٌ مَنَّ اللهُ بها عليَّ، عندما كنتُ أُطالِع تفسير الإمام العلَم مكي بن أبي طالب القيسي، فوجدتُ التفسيرَ قويًّا غزيرًا بالعلم، يحوي علومًا شتى؛ تفسيرًا ولغةً وقراءات وبلاغة، وغيرها من العلوم؛ فآثرتُ أن أجتهدَ في جَمْع نُصُوص القِراءات القرآنيَّة (http://www.alukah.net/sharia/0/69757/)؛ فأعلِّق عليها، مُبيِّنًا بعض التوجيهات النَّحوية (http://www.alukah.net/library/0/69966/)، وعازيًا النُّصوص المنقولة إلى أصحابها، وناسبًا كلَّ قِراءة إلى أصحابِها.
هذا؛ وإنْ كان الموضوعُ يستحقُّ دراسةً مُستفيضةً أكثر مِن هذا، ولكن علَّها لبِنة على بُنيَّات الطريق.
••••
سورة الفاتحة
قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1- 2].
قال مكي[1]:
في وصْل[2] ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بـ ﴿ الحَمْدُ ﴾، عند النَّحْويين ثلاثة أوجه[3]:
• أحدها: أن تقول: ﴿ الرَّحِيمْ ﴾ * ﴿ ألحَمْدُ للهِ ﴾:
فتُسَكِّن[4] الميم وتقِف عليها، وتقْطَع ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾[5]، وهذا مُستعملٌ عند القُرَّاء حَسَن[6]، وهو مَرْويٌّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - روتْه أمُّ سلمة[7].
• والثاني: أن تقول: ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ الْحَمْدُ للهِ ﴾:
• فَتَصِل الألِف، وتعرب ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بحقِّه منَ الإعراب، فتكون الكسرة خفضًا[8].
• وإن شئتَ قدَّرْت أنك وقفتَ على ﴿ الرَّحِيمْ ﴾ بالإسكان[9]، ثم وصلتَ فكسرتَ الميم؛ لسكونها وسكون لام ﴿ الحَمْدُ ﴾ بعدها، ولا يُعتَدُّ بألِف الوصل لِسُقوطها في درج الكلام[10].
وهذان الوَجْهان حَسَنان مُستَعْملان في القراءة.
• والوجه الثالث: حكاه الكِسائيُّ سماعًا من العرَب، أن تقولَ: ﴿ الرَّحِيمَ * الحَمْدُ ﴾، فتح الميم ووصل الألِف، وذلك أنَّك تُقدِّر أنك أسكنتَ الميم للوقف عليها، وقطعت ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾ للابتداء بها، ثم ألقيتَ حركتها على الميم وحذفتها فانفتحت الميم، ولا يُقْرَأ بهذا[11]!
وقد ذكَر الفَرَّاءُ[12] هذا التقديرَ في قوله تعالى: ﴿ المَ * اللهُ ﴾ [آل عمران: 1 - 2]، وذَكَرَه غيرُه[13]، وستراه - إن شاء الله[14]. ومثلُه قياسُ وصْل: ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بِـ﴿ اهْدِنَا ﴾[15].
قوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4].
قال مكي[16]:
وقد روى الزُّهْري أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ﴿ مَالِكِ ﴾ بألف.
وأبو بكر، وعُمر، وعُثمان، كذلك قَرؤُوها[17].
وبذلك قرأ عليٌّ، وابن مسعود، وأُبَيّ، ومعاذ بن جبل، وطلحة، والزبير، وبذلك قرأ عاصم، والكسائي[18].
وقد بَيَّنَّا كشفَ وُجوه القراءات في كتاب: "الكشف عنْ وُجُوه القراءات"، فأغْنَانا ذلك عن الكلام فيها في هذا الكتاب.
فأمَّا مَن قرأ: ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، فهم الأكثر من القُرَّاء[19]، وشاهِدُه إجماعُهم على ﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾ بِغَيْر ألف[20].
قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7].
قال مكي[21]:
"و﴿ غَيْرِ المَغْضُوبِ ﴾ خفض على النَّعْت لـ﴿ الَّذِينَ ﴾ مِنْ قوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ ﴾، وحسن ذلك؛ لأنَّه شائعٌ لا يُراد به جمعٌ بِعَيْنه؛ فصار كالنَّكرة[22]، فجاز نعتُه بـ﴿ غَيْر ﴾، و﴿ غَيْر ﴾ نكرة وإنْ أُضِيفتْ إلى معرفة[23].
• ويجوز أن تخفضَ ﴿ غَيْر ﴾ على البدَل مِنَ ﴿ الَّذِينَ ﴾[24].
• وقد قُرِئ بالنَّصْب[25] على الحال[26] أو على الاستثناء[27]، وقد شرَحْتُ هذا في كتاب: "مشكل الإعراب" بأشبع من هذا [28] (http://www.alukah.net/sharia/1/80640/#29).
[1] "الهداية " (1 / 98 - 100).
[2] المراد بقوله: "الوصل": أوْجُه القِراءة بيْن الآيات وبعضها، لا الوصل الذي هو ضد الوقف؛ قال الأُشْموني: "واعلمْ أنَّ لك في وصل أوائل السوَر بأواخرها ووَصْل الآيات بعضها ببعض أربعةَ أوجُه"، ثم أتى بوجه الوقف في أول وجْهٍ؛ "منار الهُدى" (26).
[3] هناك وجْهٌ رابع ذكَره الأشموني في "منار الهُدى" (27)، وسيأتي ذِكْرُه بعد تمام الأوجه الثلاثة.
[4] في تفسير "الهداية" (1 / 98): فتكسر، وأظنُّها خطأً، والصواب ما أثْبَتُّ!
[5] قرأ بها قومٌ من الكوفيِّين؛ انظر: "البحر المحيط" (1/ 18)، "المحرَّر الوجيز" (1/ 93)، "القرطبي" (1/ 107)، "معجم القراءات" (1/ 31).
[6] وهو السُّنَّة؛ إذ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقف على رؤوس الآيات كما قالتْ أمُّ سلمة: يقطع قراءته آيةً آية، قال الداني في "المكتفى" (1/ 11): "إنَّه أحب إليَّ، إذا كان رأس آية أن يسكتَ عندها"، وقال السَّخاوي في "جمال القُرَّاء" (1 / 668) تعليقًا على حديث أمِّ سلمة: ومعنى قولها: "مفسرة حرفًا حرفًا ما سبق في الحديث الأوَّل من الوقف على رأس الآية"، وقال ابن الجزري في "النشر" (1 / 239): "إذا قرأ أحدكم الآية، فلا يقطعها حتى يتمَّها"، وقد رجَّح السَّخاوي في "جمال القراء" (1 / 673) الوقف على رؤوس الآيات بقوله: "وأجاز جماعة من القرَّاء الوقفَ على رؤوس الآي؛ عملاً بالحديث، فيقولون: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ ﴾، ثم يقولون: ﴿ ألرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ ﴾...، وهو مَذهَب يُؤيده الحديث والمعنى".
[7] ونصُّه: عن عبدالله بن أبي مُلَيكة، عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنها ذكرتْ - أو كلمة غيرها - "قراءة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ * ألْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ * ألرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينْ ﴾، يقطع قراءته آية آية.
والحديثُ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود - واللفظ له - والترمذي، وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
[8] وعلى ذلك فإعراب ﴿ الرَّحِيمِ ﴾: نعت ثانٍ للفظ الجلالة، وهذا على احتمال أنها حركة إعراب، وهو الأصحُّ، وهي قراءة الجمهور.
[9] أي: على نيَّة الوقف؛ كذا قال السمين في "الدُّر المصون" (1/ 34)، وابن عادل في "اللُّباب" (1 / 150).
وأرى أنَّ الأرجحَ هنا الوقف بالإسكان على نيَّة الوصل لا الوقف؛ إذ إنَّ الوجْه وَجْهُ وصلٍ ولا وقف!
[10] وهو توجيه ثانٍ للكَسْر، ويقصد به كسر الميم للتخلُّص مِن التِقاء الساكنين؛ وهو الأصل - أي: الكسر - في التقاء الساكنين؛ كذا نصَّ عليه غير واحد مِن العلماء؛ انظر: "الكتاب" (4 / 152) باب: باب تحرك أواخر الكلم الساكنة، و"الأشموني" (1 / 196).
[11] قال ابنُ عطية بعد نقل كلام مكِّي القيسي (1 / 64): "ولم تُرْوَ هذه قراءة عن أحدٍ فيما علمتُ، وهذا فيه نظرٌ يَجيء في قوله تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]". اهـ، وانظُر هذه الأوجُه في "منار الهدى" (26، 27).
[12] قال الفرَّاء: وإنما قرأ القراءُ ﴿ آلم * اللَّهُ ﴾ في (آل عِمْرانَ) ففتحوا الميم؛ لأنَّ الميم كانت مجزومة لنية الوقف عليها، وإذا كان الحرف يُنوَى به الوقوف نُوِي بما بعده الاستئناف، فكانت القراءةُ ﴿ الم * اللهُ ﴾، فترَكتِ العربُ همزة الألف من ﴿ اللهُ ﴾؛ فصارتْ فتحتها في الميم لسكونها، ولو كانت الميم جزمًا مستحِقًّا للجزم لكُسرتْ، كما في ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾، وقد قرأها رجلٌ من النحْويِّين - وهو أبو جعفر الرؤاسي، وكان رجلاً صالحًا - ﴿ الم * أَللهُ ﴾ بقطع الألف، والقراءة بطرح الهمزة؛ انظر: "معاني القرآن" (1/ 9).
[13] منهم: الأخفَش في "معانيه" (1/ 22)، والزَّجَّاج في "معانيه" (1/ 65 - 66)، والنحاس في "إعراب القرآن" (1/ 142)، وابن خالويه في "الحُجَّة" (1/ 105). قال الأخفش في "معاني القرآن" (1 / 22): "فالميم مفتوحة؛ لأنها لقيها حرف ساكن، فلم يكن من حركتها بُدّ، فإنْ قيل: "فهلاَّ حُرِّكَتْ بالجر"؟ فإن هذا لا يلزم فيها وإنما أرادوا الحركة، فإذا حرَّكوها بأي حركةٍ كانت فقدْ وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز ولا أعلمها إلاَّ لُغة".
[14] قال مكِّي في "الهداية" (2 / 946): "ومَن فتَح فإنه حَرَّك الميم لسُكونها وسكون الياء قبلها، ولم يكسر لاستثقال الكسر بعدَ الياء، وقد قال الفَرَّاء: مَن فتح ألقى حركة الهمزة على الميم"، وانظر كذلك "المشكل" (1/ 124) فقد فصلها هناك.
[15] قوله: "ومثلُه قياسُ وصْل: ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بِـ﴿ اهْدِنَا ﴾" يحتمل وجهَيْن: إمَّا أن يعودَ على الوجه الأخير فقط، وإمَّا أن يعودَ على الأوْجُه الثلاثة كلِّها، وعلى ذلك نقول - قِياسًا -:
في وَصْل ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بـ﴿ اهْدِنَا ﴾ ثلاثة أوجه:
• أحدها: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينْ * إهْدِنَا ﴾:
فتُسَكِّن النون من ﴿ نَسْتَعِينْ ﴾ وتقِف عليها، وتقطع ألف ﴿ إِهْدِنَا ﴾، وهذا هو المروي كما سبَق في حديث أم سلمة.
• والثاني: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا ﴾:
• فتصل الألف من ﴿ اهْدِنَا ﴾، وتعرِب ﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ بحَقِّها منَ الإعراب، فتكون الضمة رفعًا.
وهذان الوجهان حَسَنان مُستعملان في القراءة.
• والثالث: أن تقول: ﴿ نَسْتَعِينِ * اهْدِنَا ﴾:
فتكسر النون (الثانية) وتصل الألف، وذلك أنك تُقدر أنك أسكنتَ النون (الثانية) للوَقْف عليها، وقطعتَ ألف {إهْدِنَا} للابتداء بها، ثم ألقيتَ حركَتَها على النون وحَذَفْتها فانكَسَرَت النون، ولا يُقْرَأ بهذا. والله أعلم.
وهناك وجْهٌ رابع مِن أوجُه وصْلِ ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بـ﴿ الحَمْدُ ﴾ ذَكَرَهُ الأُشموني في "مَنار الهُدى" (27)، فقال: "الرابعُ أن تقولَ: ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾؛ فتكسر الميم، وتَقْطَع الهمزة؛ كقول الشاعر:
أَرَى كُلَّ ذِي مَالٍ يُعَظَّمُ أَمْرُهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِنْ كَانَ نَذْلاً خَامِلَ الذِّكْرِ وَالإِسْمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِقَطْع الهمزة".
قلتُ: ووَجْهُ الاستشهاد والتمثيل في البيتِ المذكور - وهو قولُه: الذِّكْرِ وَالإِسْمِ - بعيدٌ عما أرادَ أن يستشهدَ عليه؛ إذ لم يلتقِ الكسرُ مع الهمزة في قول الشاعر: الذِّكْرِ وَالإِسْمِ، فالبونُ شاسِعٌ بينهما!
ويُمكن حملُ هذا الوَجْه على الرَّوْمِ؛ وهو أيضًا على نية الوَصْل؛ إذ فيه كسرُ ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ وقَطْعُ ألف ﴿ أَلْحَمْدُ ﴾ على نِيَّة الوَصْل لا الوَقْف.
[16] "الهداية" (1 / 104، 105).
[17] نصُّ رِواية الزهري عن أنس - رضي الله عنه -: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبا بكر وعمر - وأراه قال: وعثمان - كانوا يقرؤون ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾".
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: ضعيف الإسناد.
[18] وكذلك قرأ بها: خلف، ويعقوب، وقتادة، والأعمش، والحسن، وابن جبير، وأبو رجاء، والنخعي، وابن سيرين، والسُّلمي، ويحيى بن يعمر، وهي اختيار أبي حاتم، وأبي طاهر، وغيرهم؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 31).
قال مكي: "ورُوي عن الكسائي أنه خيَّر في ذلك"، رواه عنه أبو الحارث البغدادي؛ الليث بن خالد؛ انظر: "الكشف" (1/ 25)، و"طبقات القُرَّاء" (2/ 34).
وحُجَّة مَن قرأ بألف إجماعُهم على قوله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾ [آل عمران: 26]، ولم يقلْ: ﴿ مَلِكِ ﴾؛ انظر: "الكشف" (1/ 26).
[19] قال مكي في "الكشف" (1/ 25): "قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ "قرأ عاصم والكسائي بألف... وقرأ الباقون - أي: باقي السبعة - ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف"، وهي أيضًا قراءةٌ مرْويَّة بالسَّنَد المتَّصِل عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقرأ بها: "ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، وأبو عمرو، وزيد، وأبو الدَّرْداء، وابن عمر، والمسور، وابن عباس، ومجاهد، ويحيى بن وثَّاب، ومرْوان بن الحكم، والأعرج، وأبو جعفر، وغيرهم من الصحابة والتابعين، وهي عند الطبري أصحُّ القراءات، وهي رِواية عن الكِسائي"؛ انظر: "البحر" (1/ 20)، "المحرر الوجيز" (1/ 103)، و"الطبري" (1/ 47 - 65)، و"إبراز المعاني من حرز الأماني" (70)، و"معجم القراءات" (1/ 31).
قلتُ: أمَّا إنها رواية عن الكسائي - أي: قراءة ﴿ مَلِكِ ﴾ - فقد رُوِيَتْ عن أبي حيوة شريح بن يزيد، مُقرئ الشام، وصاحب قراءةٍ شاذَّة، وقد روى هذه القِراءةَ عن الكِسائي؛ انظر: "إعراب القرآن"؛ للنحاس (1 / 19).
[20] وحُجَّة مَن قرأ ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف إجماعهم على ﴿ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ﴾ [الحشر: 23]، و﴿ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [طه: 114]، و﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 2]... قال أبو محمد: وقد قرأ ﴿ مَلِكِ ﴾ بغير ألف جماعة من الصحابة وغيرهم؛ انظر: "الكشف" (1/ 26، 27).
وقد رجَّح مكِّي - رحمه الله تعالى - قراءة ﴿ مَلِك ﴾ بغير ألف، وسرَد أدلَّة كثيرةً على تقْوِية رأيِه هذا؛ انظرها في "الكشف" (1/ 29).
[21] "الهِداية" (1 / 114).
[22] أي: إنَّ الاسم الموصولَ أَشْبَهَ النكرات في الإِبهام الذي فيه، فعُومل معاملةَ النكراتِ؛ فجاز نعتُه بـ"غير"؛ "الدر المصون" (1/ 71).
[23] وقد استشكل هذا الوجهَ السمينُ في "الدُّر المَصُون" (1/ 71) ورَجَّح وجْه البدَليَّة، فقال: "وقيل: نعتٌ لـ﴿ الَّذِينَ ﴾، وهو مشكلٌ؛ لأن ﴿ غَيْر ﴾ نكرةٌ و﴿ الَّذِين ﴾ معرفةٌ!
وأجابوا عنه بجوابَيْن:
أحدهما: أن ﴿ غَيْر ﴾ إنما يكون نكرةً إذا لم يقع بين ضدين، فأمَّا إذا وقع بين ضدين فقد انحصرت الغَيْريَّةُ، فيتعرَّفُ ﴿ غَيْر ﴾ حينئذٍ بالإِضافة، تقول: مررتُ بـ"الحركة" غير "السكون"، والآيةُ من هذا القبيل، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب ابن السَّرَّاج، وهو مرجوح.
والثاني: أن الموصولَ أَشْبَهَ النكرات في الإِبهام الذي فيه فعُومِل معاملةَ النكراتِ". اهـ.
[24] أي: بدل نكرة مِن معرفة؛ "الدر المصون" (1/ 71).
وقراءةُ الجر أجْمَع القَرَأةُ عليها، فقد قرأ بها: نافع، وعاصم، وأبو بكر، وأبو عمرو، وابن عامر، وابن كثير، وحمزة، والكسائي؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 23).
قال مكي في"مشكل إعراب القرآن" (1/ 72): "غير اسْم مُبْهَم إلا أَنه أُعْرِب للزومه الْإِضَافَة، وخفضه على الْبَدَل من ﴿ الَّذين ﴾، أَو على النَّعْت لَهُم إِذْ لاَ يقْصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم، فجروا مجْرى النكرَة، فَجَاز أَن يكون ﴿ غَيْر ﴾ نعتًا لَهُم، وَمن أصل ﴿ غَيْر ﴾ أَنَّهَا نكرَة، وَإِن أُضيفتْ إِلَى معرفَة؛ لِأَنَّهَا لاَ تدل على شَيْء معيَّن".
[25] قال الطبَري في "تفسيره" (1/ 182): "وقد يجوز نصب ﴿ غَيْر ﴾ في ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾، وإن كنتُ للقراءة بها كارهًا لشُذوذها عن قراءة القُرَّاء، وإنّ ما شذ مِن القراءات عما جاءتْ به الأمة نقلاً ظاهرًا مستفيضًا، فرأيٌ للحقِّ مخالف، وعن سبيل الله وسبيل رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - وسبيل المسلمين متجانِف، وإن كان له - لو كانتْ جائزًا القراءة به - في الصواب مخرَج".
[26] قال مكي في "المشكل" (1/ 72): "وَقد رُوِيَ نصب ﴿ غَيْرَ ﴾ عَن ابْن كثير وَغَيره، ونصبها على الْحَال من الْهَاء وَالْمِيم فِي "عَلَيْهِم"، أَو من "الَّذين" إِذْ لَفظهمْ لفظ الْمعرفَة". وإلى هذا ذهَب ابنُ كَيْسان.
[27] قال مكي في "المشكل" (1/ 72): "وَإنْ شِئْت نصبته على الاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع عند الْبَصرِيين، وَمنعه الْكُوفِيُّونَ لأجل دُخُول (لا)"، وقد نسب ابنُ مُجاهِد في "السبعة" (112) هذا الوجه إلى الأخفش وغلَّطه، فقال: "وَقد قَالَ الْأَخْفَش: نصب غير على الاسْتِثْنَاء، وَهَذَا غلط"!
[28] (http://www.alukah.net/sharia/1/80640/#28) وهناك وجه ثالثٌ ذكَره أيضًا في "المُشكل" (1/ 72) بعد أن ذكَر وجْهَي الحال والاستثناء، فقال: "وَإن شِئْت نصبتَه على إضمار أَعنِي، و﴿ عَلَيْهِم ﴾ الثَّانِي فِي مَوضِع رفع مفعول لَم يُسمَّ فَاعله لـ﴿ المَغْضُوبِ ﴾؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الَّذين غضب عَلَيْهِم ولا ضمير فِيه؛ إِذْ لاَ يتَعَدَّى إِلاَّ بِحرف جر بمَنْزِلَة: مر بزيد؛ وَلذَلِك لم يجمع"، قال ابن عطية في "المُحَرَّر" (1/ 77): "وحُكِيَ نحو هذا عن الخليل".
وأمَّا قراءةُ النَّصب فقد رُويتْ عن صدقة والخليل بن أحمد عن ابن كثير، وهي قراءة عُمر، وعليّ، وابن مسعود، وعبدالله بن الزُّبَيْر، وأُبَيّ بن كعْب، وهي قراءة ابن محيصن، وراوية المعدل عن الأعمش؛ انظر: "معجم القراءات" (1/ 23).
وقد رُوِيَ وجْهٌ ثالث - برفع ﴿ غَيْر ﴾ - عن عُمر بن الخطَّاب؛ قال ابنُ الجزَري في "النَّشْر" (1/ 49): "وعن عمر - رضي الله عنه - ﴿ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ ﴾ بِالرَّفْعِ؛ أي: هم غيرُ المغضوب أو أولئك".
أ. محمد شوقي عبدالرحمن (http://www.alukah.net/authors/view/home/2203/)