مشاهدة النسخة كاملة : ذات حكابة


المفكرة
21-01-2015, 10:18 PM
سوا أحلى
الشخصيات الرئيسية مدرسة و كاتبة و حاسبان ، الخلفية ملبدة بالبشر .
محور الحكاية كتاب للأحياء أعده للمدرسة ، غايته النبيلة أن تستوعب الطالبات المادة العلمية بعيداً عن تزاحم المعلومات في كتاب الوزارة يملأه غياب التنظيم فراغاً.
الحكاية :
طالما تمنيت أن أعيد صياغة الكتاب لأعطي المعلومات نسقاً يظهر عظمة الخالق و جمال الخلق و بهاء العلم. فرصة تقاصرت يداي أن تطولها قبلاً حيث اِمرأة أقوى تستنسخ كتاب الوزارة ، تضيف له بعض العناوين ، تنقط فقراته و تضيف له بعض الأسئلة (و ذاك جهد بالغ لو تعلمون) .
يتزاحم البشر على المنهل يسقون ثم يقدم الزمن و يؤخر الأمنيات ، يأتي دوري فأجده رائقاً صافياً فأنهل و أسقي . و الصبر حليف و رفيق على مدى الزمن . لكن ذاك الكتاب أصابه بيأس فاستصدر جواز سفر راحلاً بلا تذكرة عودة و أنا لم أعد أبالي و لا أنوي شيئاً على حافة الاِستسلام . تصر ناظرتي ذات الإرادة القويمة أن أضع للطالبات كتاب ، تلقي الفرصة في طريقي ، أماطل حتى يستقر في إدراكي أنه قد حان أجله .
********************
للقسم كاتبة تكتب ما يخط لها مسودة بخط اليد على حاسب القسم . و قد اعتدت أن أثبت أفكاري في ذاكرة حاسبي الإلكترونية دون المرور بوسيط الورق و القلم . لكن الكتاب به 110 صفحة و الجداول و الصور ، مهمة تثقل علي. علينا أن نتقاسم المهمة كي لا ينتقض ظهرينا ، أنا و الكاتبة ، حاسبي و حاسب المدرسة .
لقطة :
كاتبة القسم ، خريجة كلية التجارة . جاءت تبحث عن وظيفة تتعلق بالحسابات فوجدوا لها وظيفة في الكتابة على حاسب . مقومات الشخصية: هدوء ، و نباهة و ابتغاء مرضاة رب العباد .
مشاكل العمل : لا يدخل الزمن ضمن خطة العمل ، لا موهبة إدارية تقسم المهام على الأفراد فيصير العمل مناظرًا للمرسوم على لوحة التصميم . يطعم جهاز واحد رغبات الجميع ، تلغي الخطوات بعضها ، المحصلة تقترب من الصفر ! يعترض الجهاز على سوء تنظيم ملفاته و يتوقف عن العمل. لكن كاتبتي النبيهة طوعت نشوزه فاستجابت مفاتيحه للمسات أصابعها طوعاً ، تنساب الكلمات المطلوبة على شاشته .
********************
تجربة 1
أستخدم كتاب أعدته مدرسة أخرى فلا تعجبني أخطاء الإملاء و أنه لا يختلف عن أخيه ابن الوزارة إلا قليلاً .
أعاود الكر و أطلب منها نسخة الكترونية من كتابها لأضبط بعض الأخطاء ثم أطبعه بعد التعديل .
تناولني بعد عناء ملفات مختلطة كي أفرزها فيضيع وقتاً ثميناً كنت أدخره لحاجة .
أعدل النسخة الورقية فأزداد يقيناً أن صياغة المعلومات بوضوح أيسر طريق للفهم ، و أن أخطاء اللغة عبوات ناسفة تهدم سكنى المعاني . يمنع الردم المتبقي تواصل الأفراد. أيمكن أن تهدمَ جسدًا ثم يبقى للروح التي سكنته وجود؟!!
يرفض حاسبنا التعامل مع جزء كبير من ملفات زميلتي و يتعين علينا الكتابة مجدداً .
تجربة 2
أفتش النفس بحثاً : لم التلكؤ ؟ أمنيتك القديمة توشك أن تتحقق ، لمَ تدفعينها بعيداً ؟
غبار أمنيات طال اشتياقي لها انتظاراً . لكن ما يتأخر عن وقته ، يترك في النفس جروح تلتهب ثم تتعافى على نحو ما دونما حاجة لما كنت أحسبه إكسير الحياة .
أ يتعين على الحياة أن تستجيب لهواك المختل ؟ أي شيء أنت في مجرة فسيحة تسبح في فضاء كون لا متناهي بإحكام لا يختل. أتـظنين القدر أخطأ إذ حرمك فرصة كتلك قبلاً , يصر أن تمتلكيها الآن ؟
أراجع الحساب مرة أخرى :
المعلومة لدي أكثر انتظاماً مما هو في الكتاب
+
حقي على تلميذاتي الاِنصات إلي و العمل معي .
-
تسحب بعض الطالبات عقولهن بعيداً ، يصغين لمن يكرر لهن الكتاب الوزاري.
********************
الخلفية :
يتعين على كلا منا ، أن تعمل بين الضجة و خلالها تجاه الكتاب . تقطع نبضات الأعصاب صغائر البشر و خلافات أنانيتهم ، يثبت عقلي بعض ما يقال و يمحو بعضه و يرد على ما بقي قبل أن يستكمل تلك النبضات التي تحوّل الأفكار حروفاً في حاسب . لا لم يكن التركيز على الكتاب سهلاً و الهواء مثقل بموجات الاِنفعال ، تجر الشخصية ذات المقومات الأعلى الوقت و الأدوات و الأشخاص تجاه مهمتها.
اتركي لي الحاسب فأنا أبحث عن صورة .. لا تعالي ساعديني في ايجادها .. لا اذهبي فلم أعد بحاجة إليك .. لا ارجعي فالحاسب متوقف عن العمل (ربما احتجاجاً على عبثية الخبطات على مفاتيحه) .. نطبع ،
لا حبر .. إذاً اذهبي بحثاً عن حبر .. لا يوجد .. إذاً اسمعي شكواي بشأن الحبر و الطابعات ... الخ ، تغفو مسودة الكتاب مؤقتاً ريثما تستفيق ، عليه أن يثبت صلابة عود و قابلية للحياة قبل أن يظهر للوجود.
********************
تمر الأشهر و أنا أوثق معلومات الكتاب و أعيد ترتيبها بشكل أيسر قبل كتابتها . جهد يطوي معظم ساعات العمل بين احتجاجات عظام ظهري.
بين الأسطر تخبرني ..
_ تقدم لي خاطب .. أمي و خالي يلحان علي كي أقبل .
_ دعيه يأتي زائراً ، تحدثي معه في وجود العائلة .
_ جاء عدة مرات فدار الحديث بينه و بين خالي عن السفرة و الأنتريه و أثاث باقي الحجرات . في الواقع ، الأمر يكاد ينتقض قبل أن ينعقد بسبب تأثيث منزل الزوجية !!!
_ لا يأتي الله إلا بخير و ما يريده الله يكون .
تعانق نهاية الفصل الدراسي الأول نهاية الكتاب و موعد خطبتها .
أيمم تجاه بيتي ، يصيب الإنهاك أعصابي بخدر عقلي فأقود بوعي مبهم الاِتجاه . تعترض سيارة نقل الطريق و يرفض قائدها أن يمنحني حق المرور . يلوح رجل بيديه منبهاً إحساسي المخدر ، أتوقف قبل لحظة من مرورها عبري !
********************
هدنة في معركة أو استراحة في مسرحية : (اسمها المتداول إجازة منتصف العام الدراسي):
* تتم خطبتها على خير .
* نفتح للقبول أبوابنا بعد طول تردد فتنساب الألفة بيني و بين كتابي و بينها و بين خطيبها .
********************
الفصل الدراسي الثاني (الهرج يزيد مناوشاته)
المعطيات :
الكتاب حقيقة بين يدي أستخدمه للتدريس و تذاكر منه الطالبات .
+
تزاحم مواد الدراسة بعضها ، تتوه بينها مادة الأحياء ، و تنحو حصصها ناحية نهاية النهار بعد فسحة طويلة.
+
تحتج الطالبات على تلك الأوضاع بالبقاء في منازلهن وقتاً طويلاً .
=
يثير الكتاب قلقاً عند مقارنته بكتاب الوزارة و الكتاب الخارجي . و اللغة الركيكة تفسد قضية المعنى . كيف تلوي الصواب ليتوافق مع الخطأ ؟ أين شريط القياس الذي نحتكم إليه فيحكم لصاحب الحق على غريمه ؟
_ ضاع في تيه الخلاف .
********
خاتمة :
* يثمر التغيير إجابات جيدة في الاِمتحان فيسرني أن أصبن هذا العلم بفهم .
* تترك الكاتبة عملها ، لأن بيت الزوجية في حي نائي عن المدرسة ، و لأن زوجها لا يتفق و مبدأ العمل .
********

أبو العلاء
22-01-2015, 10:23 AM
ما أروع هذا النسج وهذه الحبكة والدراما ، حيث تحويل الواقع إلى خيال فنحن لسنا امام سيرة ذاتية فحسب ولا قصة قصيرة فحسب بل نحن أمام مزيج بين هذا وذاك ولا يقدر على هذا المزج سوى المقتدرين


فكل التحية لقلم حضرتك الراقي

المفكرة
23-01-2015, 10:45 PM
جزاك الله خيرا و وفقك لما يحب و يرضى.

المفكرة
23-01-2015, 10:46 PM
عاملة النظافة و مديرة المدرسة
مشهورة بالاِنفعالات الحادة و الحلول القطعية ، تلقيها في وجه المشتكي فيذهله الحل المقترح .
هذه المرة الشكوى من طالب في الصف الرابع الإبتدائي بأنه فقد جاكت المدرسة خلال اليوم الدراسي .
فصول الرابع الإبتدائي تقطن الدور الثالث .
تتناقل الهمسات الخبر التالي : حرمت المديرة عاملة نظافة الدور الثاني أجر شهر عقابًا لها لضياع جاكت الولد و اعتبرته اهمالًا منها !!!
ما المنطق في هذا العقاب ؟
تخبرني الهمسات أن الولد لم يكن متأكداً أين أضاع الجاكت ، ربما في معمل العلوم في الدور الثاني . نظافة المعمل مسؤلية عاملة النظافة تلك و بالتالي جاكت الولد مشكلتها و الخصم طال مرتبها . امرأة لها ظروف اجتماعية تستوجب الشفقة و التصدق عليها كلما أمكن ذلك لأنها تعول أسرتها .
هذا الولد في فصلي و أنا لم أحضر التلاميذ للمعمل في هذا اليوم . لا يمكن أن تكون العاملة سبب ضياع الجاكت ، في الحقيقة الأولاد ينسون كثيراً و تختلط عليهم الأمور أكثر .
لكن الهمسات و نظرات العيون تحمل قلقًا يوحي أن لا دخل لنا . مؤكد لو علمت المديرة الوقائع المحددة ، مؤكد سيتغير حكمها .. يتجاهل البشر حماسي بنظرات غريبة ..
اليوم التالي تعلمني مدرسة ذات خبرة بالأمور أن مسؤول المعمل أخبر المديرة أن الطالب لم يدخل المعمل في اليوم المذكور و أنه لم ينس الجاكت هناك بأي حال من الأحوال . ثم إن ذلك لم يغير شيئاً .
أود لو أنصف مظلومة ، لا أعرف كيف، يخبرني الهواء أنه لن يحمل صوتي للمديرة لو تحدثت في هذا الشأن!
حسناً إلى عاملة النظافة إذاً . تكمل عملها ثم تشغل باقي وقتها بقرآن ربها ، تصلي ثم تكمل عملها.
أجدها تنظف الفصل فأناولها ظرف فيه مبلغ مساوٍ لمرتبها الضائع ، استقطعته من مرتبي. أناولها المال فتشكرني.
تخبرني همسات أخرى أنني لست أول من سلم عاملة النظافة ظرف به مبلغ يكافىء مرتبها. الظلم الذي وقع عليها ضاعف مرتبها مرتين !
المديرة ، حسناً أنقش خبرها في صفحة أخرى . فهذه الصفحة للعاملة ابتداء .
***********

المفكرة
23-01-2015, 10:47 PM
ذات صباح عمل
الخمول يرسم لوجهي صورة مرهقة في المرآة ، طيف الكآبة يلون وجهاً أضناه الألم، يعلن ما بنفس يرهقها فكر لا يهدأ . أود لو تزين بالحيوية . ملامح ابتسامة ستزيد قدرتي على الفعل .
وضعت غطاء رأسي فالوقت يمضي. أنظر لوجهي في المرآة فألمح نوراً يشع بعيناي ، و ابتسامة تمس وجهي بلا تكلف .. أحسست بقربه فارتجفت ، سألتُ : من تكون ؟
....
أواصل الاستعداد و أتناساه ...
_ لا تخافي .
أرتجف ثانية ، أذكر ربي ، سترك يا حليم .
يستعرض ذهني شريط الخلاف مع مديرتي في العمل ، لو داست علي لأهلكتني . استغفر الله ، أعطيتها حجماً يفوق آدميتها . حاولت أن أحس بحجمها الحقيقي فلم أستطع تجاهل الثراء و السلطة . ما يهولني حد الفزع . أف لك متى تعقلين ؟!
أحضرتني المديرة في مكتبها بسبب شكوى ولد من أنه لا يفهم دروساً لم يحضرها .. انشغل عنها باللعب في فناء المدرسة تحت بصرها ، و أخذت تصرخ و تسب نظام التعليم و الدرجات و الامتحانات ، و لم تهدئ.
الحاكم بأمرها تصرف كلمتها أي موظف إلى الشارع في لحظة أو تستقطع راتب الشهر كله بلا تحقيق رسمي!
تركتها تغضب و جعلت أسبح ربي . لم يصلني صوتها إلا قليلاً .عرفت حجمها الحقيقي ، العالمانية المبجلة مفتونة بالديمقراطية الغربية و التطبيق صفر !
خفضت راتبي و أخذت مني الفصل .. لا لم ينتهِ الأمر بعد ... أريد حقي .. من ينصفني ؟
تعاقب على ذاك الفصل أربع مدرسات ، لم تحتمله إحداهن . نحس أصاب الوظيفة ، بقي عالقاً بها .. البقية تأتي ، يأتيني خبرها عما قريب !
كتبت ما سبق ثم مر عام. زمن لزم لإعداد المسرح لمشهد خروج مديرة المدرسة منها على رؤوس الأشهاد تسجله وسائل الإعلام. كما تدين تدان فاعتبروا يا أولي الأبصار !

******************

المفكرة
26-01-2015, 02:42 PM
سألتني على استحياء : ساعديني بمال في شراء ثياب المدارس لأولادي ، دين يرد حين ميسرة.
اعتذرت فنهاية الشهر أقبلت ، ما بقي من راتب الشهر وضعته في جمعية خيرية لشراء جاموسة عشر يعطى زمامها لأم أيتام .
حين أصير إلى نفسي ، أعيد النظر في طلبها ، فخمسة أبناء يأكلون الأخضر و اليابس .
أفكر كيف يمكنني أن أدبر الأمر .
أبحث عن النقود تتخفى في إسورة ذهبية تزين يدي تعلن مكانتي الاجتماعية و الاقتصادية على الملأ.
أتصرف وأعطيها و أدعو المولى أن يفيض علينا من عطائه .
الفقر و الحاجة نمط معتاد حيث يشح العطاء ، كل يقول نفسي . لتنفعهم أنفسهم يوم لا ظل إلا ظله يبسطه على من أعطي، لم يشغل باله بما أعطى حتى نسيته شماله!

المفكرة
26-01-2015, 02:45 PM
أعمل بمدرسة يمتلكها رجل دؤوب ، سواه الدأب صاحب مدرسة و أخرى . ينمو ماله و عمله و رعيته فيربو موظفوه على الألف .
و الآن يزيد الاتساع سعة فنضيف طاقماً جديداً للتدريس . يتعين علي أن أختار مدرسة جديدة تعمل في قسمي . تتقدم للوظيفة المتاحة شابة بلا خبرة في التدريس لكن شهادتها العلمية تؤهلها للوظيفة .
تثبت جدارة على من تقدمن فتستحق الوظيفة .
تلفت انتباهي بأناقتها ، بدلة سوداء تبرز جمال قوامها و طرحة جميلة تخفي شعرها.ألفت انتباهها إلى أننا لا نرتدي بنطلونا في العمل فتأتيني تالياً بجيبة و قميص طويل متسع. كان ذاك قبل نهاية العام الماضي .
********************
يمنحنا أغسطس بداية عام جديد فأجدها معنا .
تأتيني مرتبكة ، تحكي لي عن مشكلة ، تقول برجاء لا يضايقك كلامي .
تخبرني أنها علمت بوجوب ارتداء ثوب في العمل مع طرحة غير مزخرفة. أمر لا يقبله والدها الذي قبل الطرحة بصعوبة . تحكي عنه أنه رجل مسن في الثمانين و أنها لا تحب أن تغضبه لأنه مريض .
أترفق بها فانصت و افكر باحثة عن حل ، مؤكد أفهم ما تمر به فقد أحضر الحجاب زوبعة خلاف مع والدي. خلاف طال بيننا زمناً خلته الأبد حتى رحمني الله. فأبناء زمن زعموا له الجمال جملوا حياتنا بمبادىء لا تعرف للحرية هامشاً ، قلق يجر خلاف ، يحضر معه القذى فيملأ العيون عمى و يثقل الأنفس حزناً .
جذر شيطاني ، أحسبني خلعته فأجده يتجدد حتى تجتثه يد المولى فنرتاح جميعاً .
افكر في حل عملي حتى لا يعصرنا عناد الرجال : أب كبير لا يعجبه الحجاب و صاحب عمل لا يعجبه ارتداء البنطلون و الجيبة في العمل .
أقول لو وضعت ثوبك في حقيبة و ارتديته في المدرسة ، ثم خلعته بعد يوم العمل حتى يأذن الله بتغيير ذلك
تقول لي أنها ستفكر في الأمر و تخاطب والدها بشأنه. يربك هذا الأمر كلتانا .
تتردد في الاستمرار في عملها حتى تأخذ رأي أبيها .
أصلي و أسأل ربنا كيف نتصرف فالأمر حقاً عصيب لنا . أمامي خيارات أخرى غيرها إن هي قررت عدم الحضور غداً . عليها أن تحسم موقفها حتى أتصرف.
*************************
أستخير مولى بنا رؤوف رحيم . دينه اليسر ، لكن أخلاق عباده العسر . أكل الأمر إليه وحده ليفك كربنا .
أريدها معي. مهنتي يرتبط فيها العمل بالشخصي رباطاً وثيقاً . ثم لماذا يحرموني ممن أحب؟ من حقي التشبث بما أريدهــ(ا) . أثناء الصلاة ، يلحقني ألم شديد لا أعرف مصدره.كأنما قيد يطوق رقبتي يكاد يسحقها ، ألجأ لربي لفكه عني . تنتهي الصلاة فأتحسس رقبتي بيدي . لا ألم مطلقاً !
*************************
في اليوم التالي ، لا أجدها في فصل القرآن فينتابني القلق . اتصل بها بعد الدرس لأطمأن عليها .
_ تعتذر أنها لم تخبرني أنها ذهبت تجهز الأوراق المطلوبة للتعيين.
_ لا عليك ، أقلقني غيابك .
_ متفائلة خيراً بشأن موافقة أبي على ارتدائي ثوباً .
***********************
تحضر بثوب أنيق يزيدها بهاء . تبهر الجميع بذوقها اللطيف فيقبلن عليها مهنآت . لمن يحبون النهايات السعيدة : تتبوأ عملها ، يكلؤها الرضا
***********************

المفكرة
07-02-2015, 06:43 PM
عشرون جنيه + عشرون جنيه = عدد لا نهائي!!
لم أكن حينها ميسورة الحال ، بل كانت تغلبني الشدائد ، لكنه لم يحرمني الإصرار و الأمل و تلك كانت بعض الأدوات لبناء حياتي .
إصرار يدفعني للمشي مهما ثقلت قدماي إلى جامع قريب أؤدي فيه الصلاة جماعة و أضع صدقة هينة بربع جنيه ، نصفه أو أكثر بحسب ما تيسر .
ذات ممشى تواجهني يافطة من قماش أبيض جوار الجامع. تعلن عن دار للأيتام مشهورة في مصر تتخذ لها فرعاً جديداً في الحي قرب الجامع .
أقطع الشارع كله بحثاً عنها فلا أجدها . أكرر البحث بدقة .. يقهرني العجز فأفوض أمري للذي خلقني أنه قدّر و ما شاء فعل .
أصلي طويلاً فيفتح ما يفتح . ذات ممشى في هذا الشارع أجد أنني أمام الدار في شارع جانبي لم أره قبلاً!
أفتش حقيبتي فتسفر عن عشرين جنيهاً ، أقلبها مترددة فهي آخر ما معي حالياً ... شيء يوسوس في صدري : لا تترددي !
في الدار ، تسألني شابة لطيفة يشرق وجهها بنور حجابها و تبيض يدها الصدقة ، فيم توضع؟ أعرف تماماً : جاموسة عُـشر لأم أيتام .
في البيت أفكر ملياً فيما فعلت . تحتل الوساوس صدري تمنع عني النفس ، ينقذني ذكر الله فأسبّـح و أدعو المولى ، فتغمرني سكينة توحي أن الذي وقع انتهى و أنه مقدر.
حين يستقبلني الشارع مرة أخرى ، تلقاني امرأة : أنت مدرسة أليس كذلك ؟
_ أجل .
تعرفني بنفسها ، ثم تطلب مني تعليم ابنيها القراءة و الكتابة مقابل مبلغ شهري لا بأس به .
لا أطيل التفكير و أوافق . في نهاية الحصة تمنحني عشرون جنيهًا فاستثمرها بالصدقة في دار الأيتام مجدداً. الجاموسة العشر.
فصل يتبعه مئات و ألوف ... حتى أصل إلى مشهد فريد ، ثقوا بي: كان رائعاً .
*******
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "داووا مرضاكم بالصدقة." حسنه الألباني في صحيح الجامع
*******
حلم راودني طويلًا
تجمع دار الأيتام أموال المتبرعين ثم تشتري جاموسة عشر (حامل في خمسة أشهر) و تعطيها لأم أيتام في إحدى القرى الفقيرة . و لطالما تمنيت أن يمن الله علي بالمال لأشتري أكثر من جاموسة كي تستغني الفقيرة و ينمو اقتصاد البلد عوضاً عن الاستهلاك المتخلف الذي يمارسنا ببلاهة .
و قد منّ الله علي بمال فدفعت ثمن عدة جواميس في الدار. هنا تتلقاني مديرة الدار بالترحيب و تصر أن أحضر حفل تسليم الجاموس للفلاحات .
أتردد في الذهاب ، لكنها تضغط برفق لأذهب معها . يناولني مدير المشروع وثيقة تمليك الجاموسة لأسلمها بيدي للأرملة مع مظروف به بعض المال لاطعام الجاموسة ريثما تدر عليها دخل من بيع اللبن و القشدة . هنا ألقي التردد خلفي و أعانق حلمي . أشد على أيادي أربعين أرملة بوثيقة تملك جاموسة لكل منهن ، يظلنا توفيق المولى من حر الدنيا و هجير الآخرة .
ينتهي التسليم مذيباً حمى لازمتني ربع قرن و تذوي آلام مفاصل يدي تلك التي حرمتني كفاءة استخدام يداي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)
*******
سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضا نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته .
*******

المفكرة
09-02-2015, 06:36 PM
شولاكاتة(كما تنطقها ليان ابنة أختي ابنة ثلاث أعوام)
ليان لها تقاليد اجتماعية بعراقة قدرتها على صعود السلم و نزوله ، أمر بدأ حين تجاوزت سنتين من عمرها، في بيتها تخبر أمها أنها ذاهبة لزيارة جدتها في رفقة دميتها فتغير ثيابها و تلبس حذاءها و تجمع شعرها في قطتين و تجد لها مرافقاً من الكبار يتأكد من سلامة وصولها لبيت جدتها في الطابق الأسفل. هناك ستتذكر لعبة أو قطعة حلوى نسيتها و قد تعتريها الذاكرة بعد دقائق أو ساعات فتطلب من جدتها (أمي) أن ترافقها صعوداً إلى بيتها لإحضاره و النزول مسرعة و قد تدعوها جدتها لطعام فتتناول بعضه و تسكب البعض على ثيابها فتذهب لبيتها لتغيير ثيابها حيث مرافق لأعلى و آخر نزولاً و قد تنوي أن تدخل بيت الجدة فتتذكر أرجوحة الحديقة فتجيب نداءها حيث من يرافقها في اتجاه مختلف و يتأكد من أنها اكتفت من الأرجحة و عادت إلى بيت(؟) بأمان!
عادات و تقاليد ثابتة تستغرق يوماً أو بعض يوم بحسب ما تقرر الصغيرة فجدول لعبها مزدحم . و قد تجلس في الحديقة مع جدتها فترى أمها متجهة للخارج فتستوقفها كي تذهب معها، بالطبع لابد من تغيير الثياب و تسريح الشعر من جديد و أحياناً تلح عليها أمها بالخروج فترفض ، تشغلها لعبة/حكاية/طعام ....الخ.
و قد تتساءلون لماذا نعاملها بهذا اللين فيُسمح لمزاجها بتشكيل حركات الكبار ؟
السبب أن ليان حكاية ، و عائلتنا تهوى الحكايات و لو أننا لما صدر لنا الأمر كنا أديناه على نحو ما أُمِرنا لارتحنا و أرحنا ، لكن على الحكاية أن تضيف للقصة فصل أو فصول و ليان أحد الفصول الحلوة.
اليوم قررت ليان أن أرافقها في تنقلاتها بين بيت جدتها و بيت أمها و بين الغذاء و الحلوى و بين اللعب و التعلم.
تتذكر كيس الحلوى المخبوء في خزانتي أصل به ما انقطع من حبل المودة بين الأجيال المتعاقبة في منزلنا .
يبدو التصميم في عينيها و تلك الأشياء التي لا أجيد قراءتها حتى تحبك ليان خطتها :
- عايزة شولاكاتة أخبيها في جيبي و لن أتناولها إلا بعد الغذاء.
- تيتا لن توافق على أكل الشيكولاتة قبل الغذاء.
- لن أخبر تيتا أن معي شولاكاتة.
تصدر من التعهدات ما يقنعني أن أستجيب لطلبها فتضعها في جيبها بعيداً عن عينيها على مقربة من عقلها.
تشير إلى فيها أن اصمتي و تتسلل مفاجأة جدتها ثم ترفع صوت المرح :
- مفاجأة ، تيتا معي شولاكاتة. و تريها القطعة.
يزعج الأمر أمي فلو أكلتها لأفسد ذلك شهيتها .
لكن ليان تؤكد للجميع في براءة و صدق أنها لن تأكل الحلوى.
تعد أمي الغذاء لنا جميعاً . تتناول ليان ملعقتين ثم تعلن أنها لا تحب البطاطس . تفتح أمي الثلاجة و تقترح كل ما هو موجود مما تحبه ليان و لكن عينيها تكشفان خطوط خطتها النبيهة . لا شيء من هذا يرضيها.
تخرج قطعة الشيكولاتة الصغيرة الملفوفة بورقة لامعة مبرومة . تبرم غلاف الحلوى بصبر و خلسة فتحاً و غلقاً بانتظار الإذن بأكلها و أمي تصر أن تأكل الطفلة طعامها أولاً ، لكن ليان عقدت النية ، تزيل غلافها و تضعها في يدها و تنتظر ، بالطبع لا أوافق ، لا يمكن. تنظر إلي ثم إلى الأرض.
- ليان أنت وعدتِ.
لابد أن تتنازل إحدانا .
-حسناً كليها.
- سآكل الغذاء عند ماما.
أمسك يدها و هي تمضغ الشيكولاتة و نخرج من باب البيت صعوداً على أول درجات السلم.
- الجنينة الأول ، أتمرجح و بعدين أطلع عند ماما.
*********************

فاروق ابوعيانه
09-02-2015, 10:18 PM
من طويل لم أقرا شيئا رائعا كهذا
دمتم ودام إبداعكم

المفكرة
10-02-2015, 05:35 PM
جزاك الله خيرا و وفقك لما يحب و يرضى.
أفضل ما في قصصي أنني سجلت ما وقع فعلًا.

المفكرة
10-02-2015, 10:10 PM
أمر بجوارها في ممر المدرسة فتنادي علي ، تقول أمعك عشرون جنيهاً ؟
أسأل : لماذا ؟
تجيب : ليس معي و لا جنيه .
أهز رأسي و أتجه عائدة إلى حجرة المدرسات ، أجل أفهم ، مرتبها وضيع بالنسبة للغلاء و الشهر يعصر آخره ما في الجيب من مال و خمسة عيال أمر يثقل ذا جاه فما بالك بعاملة نظافة .
أدس في يدها العشرين المطلوبة .
********************
أزور أمي في المساء فتستقبلني مرحبة ، تزعم أنها نافحت عني حتى قرر الوالد أن يمنحني ألفي جنيه منحة غلاء ، ذاك الذي يأكل اليابس قبل الأخضر . لا لم أتوقع شيئاً كهذا . طبعاً أوافق جداً .
اتصل بدار الأيتام المجاورة : أيمكن أن يأتي مندوب الدار لاستلام مبلغ للصدقة مني ؟
_ بالطبع ، كم المبلغ؟ و فيم توضع ؟
_ ألف جنيه تذهب للأرامل ، هؤلاء لا يلتفت إليهن أحد .
********************

المفكرة
11-02-2015, 08:02 PM
تلد الأمة ربتها :
أصل البيت عائدة من عملي فيفاجأني جلوس ليان ذات السنتين فوق كرسي صغير وضعته فوق كنبة . يقف إلى جوارها على الكنبة عبد الرحمن الذي تجاوز العام بسبعة أشهر فقط . تقول له : بودي اركب الحصان إلى جواري ، و هذا يرفع رجله في مشهد يستعد تجاه كارثة بوقوع كليهما.
أحملها و أضعها على الأرض ثم أتناول بودي و أضعه جوارها على أرض ثابتة المعالم و معهما الكرسي الصغير .
أعظ بوضوح : ليان لا تفعلي ، فبودي صغير و الكرسي غير ثابت فوق الكنبة ( ليان تفهم كل ذلك بوضوح لذلك يخبرني عقلي أنني لم أصِل إليها )
تقول و ذلك البريق في عينيها : خالتو ، روحي (اذهبي) غرفتك .
تلمع عيناها ببريق خطتها الماكرة ، سبق أن رأيت نظائرها في عيني يوسف أخيها الأكبر و ليان تلميذته المثالية ، هو عين الزوغان تنبض به أعصابهما .
أفعل فأنا متجهة هناك فعلاً لكن أصوات اللعب أحضرتني إلى حجرة الجلوس .
أدير لهما ظهري ... على بعد عدة خطوات يصلني صوت المشهد يتكرر ، ليان فوق الحصان تدعو بودي للمشاركة في الركب .
أعاود أدراجي . أفتت المشهد تماماً لمنع الكارثة ، أبعد الكرسي أبعد موضع و آخذ بودي لحضانة أمه .
تترك تلك اللعبة و تتجه لأخرى .
*********************

zero123
14-02-2015, 08:49 PM
ابداع لا منتهى

المفكرة
14-02-2015, 10:37 PM
حين نادى المؤذن : حي على الصلاة ، أخبرته أن يمهلني دقائق حتى يصيب الفلاح عمل يداي بسهم، بعدها أقوم للصلاة.
لكنه حين نادى حي على الفلاح ، أدركت أن الإسراع نحو الصلاة إسراع نحو الفلاح و حرصًا مني على مصلحتي فإنني تركتها لأجل الصلاة .
تنتهي الصلاة و الصلاح يملأ أعصاباً كانت قبلاً تمتلىء ضجة و شعث. حين تمسك يداي شغلي مجدداً يصيبه الفلاح بنصيب وافر.

نسيــــــم الجنـــــــــة
14-02-2015, 11:00 PM
ما شاء الله
.....
دمتى متألقة تواجدا وثقافة
....

بالتوفيق ان شاء الله

المفكرة
16-02-2015, 03:08 PM
حي على الصلاة
حين دقت زكاة المال باب أختي تستأذن في الخروج عطّلها ابنها الصغير و بعد المواصلات.
نتفق أن نؤدي المهمة سوياً في اليوم التالي.
توقظني شمس ترتفع من الشرق واضحة جلية ، تاهت مني صلاة الفجر حاضرة في خضم النوم.
عوالم لا تـُعد تحجب عني أسرارها إذ تضيع مني صلاة الفجر حاضرة . يعاندني الفلاح مطولاً أما دفع الزكاة فبيني و بينه حجاب كثيف.
و لأن الليل و النهار خلفة لمن أراد ان يذكر أو أراد شكوراً فإن الخالق إذ أذن بصلاة الفجر حاضرة في اليوم التالي ، آلت الزكاة لليسر على يدي بإذن الله.

المفكرة
19-02-2015, 11:59 AM
دق هاتفي الجوال بعد لحظة من إتمامي وتر العشاء .
على الطرف الآخر : مسؤولة التبرع بالدم في مؤسسة خيرية تطوعت بها:
تخبرني أن أباً يبحث عن متبرع من فصيلة أو السالبة لابنه الوليد ، صمتت برهة أفكر ، أعطتني رقم جوّال الأب ثم أغلقت الخط على عجل .
تلك فصيلتي ، يعيي البعض إيجاد متبرع بالدم من هذه الفصيلة لأمر عاجل .
اتصلت بالرجل أستطلع الأمر فأنا لا أعرفه و كلنا نتعامل مع المؤسسة بلا معرفة سابقة .
_ الوليد مصاب بالصفراء و يحتاج الدم عاجلاً و لا يوجد في بنك الدم في المستشفى الخاص دم يشتريه (يقلقني أن يباع الدم و يشترى لكن الأصل التطوع تائه ) .
_ سأحضر للمستشفى في صباح اليوم التالي للتبرع للوليد بإذن المولى .
التبرع بالدم كان يشغل بالي قبل تلك المكالمة. أدعو مالك الملك أن ييسره ، فأنا أقيم حاليًا في القاهرة الجديدة بعيدًا عن المواصلات . يشق علي الطريق، يبدو كالسفر .
يملأني الهم و يرافق البكاء صفحة وجهي . لا أدري ما الذي انتابني ، أ مسني من المتصل شيء أم هي نفسي المتقلبة التي لا تثبت على حال؟
و ما حكمي فيم لا أملك ؟ يراودني حلم السيطرة على جموحها ثم يبتعد فلا ألمح طيفه.
مشاعري كدقات قلبي ملك من خلق فسوى ، إرادتي سراب يتراءى لكنني أعرف كذبه .
و قد أفنيت عمراً أمد البصر و أطقطق السمع كي أفهم و أدرك و أصون المصالح فلم أجن ِ سوى ضياع وقت جم فيما لا يُدرك .
لماذا تنفر النفس من شيء و تميل لآخر تراه خير لها ؟ حساب المصلحة الظاهرة لا يحسم الإجابة. ألا من سهم واضح الدلالة منير فلا أضل ؟!
يا الله ، يا مالك الملك ، يا ذا الجلال و الإكرام ، ارحم ضعف قوتنا و قلة حيلتنا .
يا كريم لا تقطعنا . يا سميع يا بصير، أرن ِ العقل و الحكمة و البصيرة في هذا الأمر وغيره مما يعجزني ولا يعجزك .
يا قادر هب لي من قدرتك و ابسط علي من بركات اسمائك الحسنى فيكون لي علم و حكمة و بصيرة.
... صليت ركعتين و لم أطل و ختمتها : ممن تحبك بقدر ما تقدر
بانتظار ردك .
التوقيع دموعي ، لا يتركني لنفسي إذ يراها .

يهرول الصباح ، إلى المستشفى إذاً .
_ لا انتظري .
_ لا أرغب في التلكؤ.
_ اصبري قليلاً .
رنين الهاتف ، أجل هذا رقم الأب الملهوف .
_ لا عليك ، لا تأتي . قرر الطبيب أن يجري تحليلاً للدم ، يرى الوليد في تحسن و يظنه لن يحتاج لنقل الدم أصلاً. سأتصل إن احتجت للدم .
له الفضل و المنة . ليست أول مرة ندعوه فيفرج البلاء بلا سبب .
إرادتي يسخر منها الضعف. لكن يومي صار اليسر بناؤه و البركة نور فعله . ما كان عالقاً في أمسي ، انفعل ليداي و طاوعني .
أتوقع الأسوأ فيفاجئني الخير على جناح السرعة فيملأني الرضا انشراحاً.
سبحان رب العزة ملأ البر و ملأ البحر و ملأ ما شاء من شيء بعد

المفكرة
20-02-2015, 05:03 PM
حادثة
أتيقظ و قد لاح الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ، يملأني الاِنزعاج و أفشل في إزاحته بعيداً . ماذا دهاني ؟ صلاة الفجر حاضرة تناءت عن متناول نفسي لأشهر . أقضي الصلاة فلا يفارقني الهم . أطالع السماء ترتدي حلة رمادية اليوم ، أتراها تمطر ؟
يحملني الطريق إلى المدرسة بينما زخات المطر تغسل السماء و الشجر و الإسفلت عن الطريق!
أدخل المدرسة بخطوات متعجلة فقد تأخرت على الإمضاء ، تتتهاوى حقيبتي على الأرض . في حجرة المدرسات أشغل الحاسب فيعمل فأحمد الله على سلامته بينما تطالعني شاشة المحمول المكسورة، تتجاهل مفاتيحه لمسات أصابعي ، يبدو تالفًا.
في البيت أناوله لأخي - ذاك الذي حضر في إجازة من عمله بالخارج - يفحصه ثم يخبرني أن عمره انتهى.
جهاز قضى معي خمسة أعوام فأكثر لم يخذل حاجتي و لم يشغلني بعطل أو مشكلة .
يصيبني الاِنزعاج ، فالإسبوع الذي سبق تلك الحادثة راودتني النفس أن أستبدله بشيء أحدث و أقيم ، تعاودني الفكرة كلما اشترت زميلة واحداً و أخذت تستعرضه أمام الجميع في فخر و مباهاة .
لكنني أحب صحبة أشيائي الأليفة ، وحده التلف يبيح الفرقة . وفـّر علي عناء مشاوير عديدة ، قضاها عني . ساعدني في شراء جهاز الغسيل الكلوي حتى وصل مبتغاه ، رفع عن بشر كثيرين هم لا يطاق . فضل الله يؤتيه من يشاء .
يقول أخي بتصميم : في المساء نذهب إلى السوق لشراء غيره . لا لم أنوِ شراء واحد حالياً ، كنت سأنتظر بضعة (أيام - أشهر - أعوام ....) فقط لاغير.
في سوق ضخم على الطراز الأمريكي ، يبهرني المكان و البضاعة ، يا له من مستوى ذلك الذي يصله العربي حين تحل العقلية الغربية في ضيافته ! تنوع يعقـِد عقلي عن التفكير ، ينتقي أخي واحداً مشابهاً لما يملكه ، هاتف حديث، يتصل بالنت و به كاميرا و إمكانات عديدة . يدفع ثمنه و يصر أنه هدية منه . ثم يحسم البائع ثلث الثمن . صار لدي جوال جديد !
في البيت ، أضع البطاقة و البطارية في أحشائه و أتركه يشحن قوته بالكهرباء ثم أتركه و شأنه و أقوم لشأني أصلي مطولاً ، يغيب عني الوقت حتى تنبهني الساعة أنها تجاوزت الواحدة صباحاً . أضبط منبه الجوال الجديد لصلاة الفجر
يوقظني صوت المنبه اللحوح ، لا لم يتوانَ عن إيقاظي بعد ذلك ، تمتلىء شرايين يومي بالعافية إذ تصيبني بركة الرحمن بنور في صلاة الفجر. لله الفضل و المنة . طبعاً كسابقه مغلق معظم الوقت ، لأجل الصلاة .
************

المفكرة
21-02-2015, 08:14 PM
قصة.ط. قرب الأبد
ظهري يدمر عمري ، يقترح الألم زيارة طبيب عظام . أنوي أخذ الأمر بجدية بعد الفراغ من صلاة المغرب..
حقاً لا أدري كيف يختفي الوجع في حنايا الصلاة ، أؤجل زيارة الطبيب لوقت آخر.
لكن الوجع يتجدد كل حين؟! ... لذلك تتجدد الصلاة.

المفكرة
23-02-2015, 10:17 PM
داهمني النوم قبيل صلاة الظهر فاستولي على حصة كبيرة من وعيي. قطع العمل الذي بين يدي و سول لي أخذ إذن من عملي و التنازل عن كامل وعيي للنوم.
يوقظني خاطر في نفسي يوحي أن (الصلاة خير من النوم) ... أصلي عدة سنن . تطرد الصلاة النوم حتى حين. قضيت مهام اليوم في يوم عمل طويل بفضل الله.
*********************

أبو العلاء
24-02-2015, 09:27 AM
عندما أريد أن أرى بساطة الحياة في ثوب بلاغي أنيق فإني أدخل إلى هنا


بورك المداد أ/ المفكرة

المفكرة
24-02-2015, 04:54 PM
جزاك الله خيرا
أشكر لك جميل الرد

المفكرة
25-02-2015, 10:17 PM
في حجرة الحاسب أطلب من مدرس الحاسب الآلي أن يترك لي عدة حواسب تعمل مع وصلة لشبكة المعلومات. يؤدي المهمة على عجل فقد قطعت طريقه إلى عمل في موضع مغاير . يسرع الوقت تجاه آذان الظهر . آذان لا يسمع في هذه البقعة المنقطعة من الصحراء .
أسأله و هو منصرف : هل أذن المؤذن لصلاة الظهر ؟
_ يؤذن لها بعد عدة دقائق .
تصيبني إجابته بتوتر ، الساعة الثانية عشر تملأ وقتي شغلا حتى العصر، ينحر البشر وقتي على أعتاب إراداتهم . لو أفلتت مني الصلاة في تلك الدقائق التي تسبق الثانية عشر فلن ألحقها بيسر .
يحدثني قلبي أنهم أذنوا لها . يتعارك ذلك مع ما لقنوه عقلي أن الرجال أكثر دقة بالنسبة للأرقام و الحساب.
يا الله
تقودني الخطى تجاه المصلى بلا وعي مني و تضعني هناك : صلي .
أجد به مدرسة ما بيننا لا يعدو ضباب معرفة يمتد ثوان و ينقشع على عجل .
أسألها هل أذّن الظهر ؟
_ أجل ، الساعة الآن الحادية عشر و خمسون دقيقة. أتحرى وقته تماماً كي لا يضيع مني في زحمة الإشراف على الطلاب.
_ نصليها في جماعة سويًا؟
_ أجل ، لنصلِ سنته أولاً . أذكر ربي في الصلاة حتى ترتوي النفس .
يسأل عقلي : لماذا أخطأ ذو العقل الألمع و أصابت اِمرأة حظها مطولاً انتقاص عقلها ؟
_ حرصها على الصلاة رفعها ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

المفكرة
27-02-2015, 05:50 PM
لبيك اللهم لبيك
يحل بي ضيفاً ثقيلاً فيسلبني إرادة الحركة . يمتص طاقتي فتخمد حيوية الجسد. تتيقظ الروح فتحلق بالأرجاء تستطلع الحياة . أتأمل ما لدي فلا قوة لاكتساب جديد. أهم بالتخلص من كيس به بقايا أقمشة في ركن بخزانتي فيلومني الحنين لوقت كانت يداي تشكل الخيوط و الأقمشة هدية جمال و مودة لمن أعرف .
يطل في نفسي حدس يقول لها وقتها فأطاوع ما لا يسكن حتى ينفذ أمره.
تتحمس زميلاتي للمشاركة في سوق خيري يقام قريباً. لو لي بعض الحيوية لأتيت بأحسن مما يفعلن . أيمكنني المشاركة؟ أيأذن الكريم بذلك..و بما أشارك يا ترى؟
استخرج كيسي و اقلبه حتى اهتدي كيف أمزج الألوان و الخيوط فتتحول البقايا إلى حقائب صغيرة و كبيرة و محافظ مبهجة قدمتها في المعرض الخيري فلاقت الاستحسان و بيعت كلها و عاد السوق بأربعة عشر ألف جنيه. قسّم بين مؤسسة خيرية إسلامية في فلسطين و بناء مستشفى خيري للأطفال في مصر.
لا لزوم لهذا القديم على حاله ، فقط إذ يجدده عقلي ويداي فيذهب هدية لمن أحب .
*****
اتصلت بي غالية تذكرني بمحفظة صنعتها لها منذ سنين .
_ أجل أذكرها حقيبة صغيرة تفننت في اتقانها فجاءت كجمال من تملكتها .
_ فإنني اعتمرت فأخذتها معي ، وضعت بها أشيائي حين كنت أصلي في الحرم ، حفاظاً على المال من السرقة في الزحام.
(تلك الخيوط التي هممت بالتخلص منها) اعتمرت!
لشد ما تمنيت زيارة بيت الله الحرام فحال بيننا ما لا أقدر على دفعه . سد أتمنى زواله عما قريب.
*****

المفكرة
03-03-2015, 08:09 PM
حكومة يراها عقيمة ، أعطته تموين الأرز بثمن بخس ، ما لا يتوافر للكثير من البشر ، لكنه حقه عند مؤسسة لا ترى أو تسمع .
و لأن الرقيب لا ينام و لأن السوس لا يفرق بين أرز التموين و غيره فقد غزا شكارات أرز التموين تلك .
و لأن جهداً بشرياً امتد لأيام من الغسيل و التنقية و التجفيف في الشمس لم يطرد السوس من موطنه الجديد، فقد أعطاه لمحتاج و لأن الصدقة تجر أختها ، علقت نفسه في مصيدة الصدقة.
تتكرر الصدقة بأرز التموين شهرياً. حالياً تلم الصدقة الفرقاء.

المفكرة
04-03-2015, 09:49 PM
الزمن : نهار 29رمضان من العام الماضي :
يدق هاتفي بينما أنا نائمة ، أجيبه ذات وعي .
يصلني صوت إحدى مدرسات طاقمي تعلمني أنها تغيب عن عملها اليوم لظروف عائلية ، و أن لديها الحصة الأولى في الصف الأول الإعدادي .
_ لا عليك ، أين توقفت في المنهج .
_ أبدأ اليوم درس التغير الكيميائي .
_ أعتذر بشدة ، لكن حقاً الأمر طاريء .
_ لا تشغلي بالك بأمر العمل ، أراك على خير بعد الإجازة .
أقوم مسرعة ، فالطابور على وشك أن يبدأ و هو لن يتأخر قبل أن تلحق به الحصة الأولى .
كنت أنوي المزيد من النوم ، حقاً جسدي تبخر في حنايا رمضان . لا بأس . هي لا تتغيب عن العمل ، أثق في حكمها .
أسد مكانها فأشرح الدروس في فصولها و أصحح الكراسات و الكتب و أعيدها للطالبات .
تمر بنا موظفة الاِستقبال فتتمنى للجميع عيداً سعيداً فغداً إجازة سواء انتهى رمضان بثلاثين يوم أو أعقب اليوم التاسع و العشرين عيداً .
ثم تهمس في أذني ، تخبرني أن أحد المدرسات تعرضت لحادث سيارة شديدة تسبب في كسر عظامها و احتياجها لعملية جراحية مكلفة .
_ ترى من تلك ؟
_ لا أرغب في إحراجها بكشف اسمها . هل بالإمكان أن تساعديها و أن تنشري الخبر في القسم ؟ لا أعرف باقي المدرسات بالتحديد . سيكون للجنيه أثر وجداني .
أقطع ما بيدي وأخبر سكرتيرة القسم بما هو مطلوب ، تحضر ورقة فارغة و تشكلها على هيئة ظرف ثم تخبر كل واجدة منهن بما حدث و ترجوهن إضافة أي مبلغ للظرف. ينتهي اليوم مع اكتظاظ الظرف .
تشكو زميلة أن لديها إشراف على الطالبات أثناء الفسحة ، تعقبه حصتان , تعرض السكرتيرة أن تحل محل الزميلة المثقلة في إشراف الفسحة فتنزل الدور الأرضي الذي به الملعب ثم تسلم الظرف لموظفة الإستقبال .
يطول الجدل زمناً ، ترفض المدرسة أن تثقل أحداً بأعبائها بينما تلح السكرتيرة فهي على وشك إنهاء الملزمة . أفصل الخلاف : دعيها تحل محلك فدورها في إشراف الغد قد محته الإجازة .
ينتهي اليوم و الكل يتمنى لبعض أبهج الأعياد .
بالفعل كان عيداً منيراً ككل أعياد القاهرة المجيدة .
********************

المفكرة
05-03-2015, 06:15 PM
انذار
حي على الصلاة ، تصل عقلي دعوة المؤذن لصلاة العصر و أنا أصب الماء المغلي في كوب الشاي. أعقد النية أن أشربه بينما أطالع نهاية المسلسل الأجنبي ، يوشك أن ينتهي بأن نعرف كيف استنبط المحقق من القاتل ثم أقوم لصلاة العصر.
يتطاير الماء المغلي من الغلاية و يحط على ثيابي ، من فضل الله يبرد الماء قبل أن يصيبني!
أترك ما بيداي و أتجه للمصلى ، يمر ببالي أن أغير ثيابي المبتلة ،
- لا ، قال حي على الصلاة ، أي جزء من ذلك لم تفهمي؟
*******

المفكرة
05-03-2015, 06:21 PM
كتبت الكلمات السابقة تذكرة لمن تنسيه أعباء الحياة التزود بماء الصلاة الذي جعل الله منه كل شيء حي.
ينادي فجر اليوم للصلاة فيجيبه الجسد على ثقل ، أصلي و أنام مجدداً أما نداء العمل ، لا لن أجيبه ، لا أبالي .
فقط ذاك الذي يذكرني بما هو مهم ، ابني أختي ، علي إيصالهما للمدرسة و إحضارهما منها. أسرع إلى المطبخ ، فأخفق اللبن و العسل انتظاراً لطرقاتهما على بابي ،
ألقي عليهما سؤالاً عابراً بينما يشربان اللبن : هل صليتما الفجر؟
انتظر أن تهمل إجابتاهما السؤال ، أو أن يؤلف الكذب لحن نشاز لا يسيغه عقلي.
لكن اليوم مختلف ، لقي سؤالي محط احترامهما و قاما فصليا.
**********************
الظهر إذ أذن ، وجدني أتساءل لماذا لا يقطع البشر هموم الدنيا بالصلاة ؟ كيف اختفت في ****يب الدنيا فجثم الهم على الصدور إلا قليلاً ممن رحم ربي؟
في المصلى ، تنتظم المدرسات لصلاة الجماعة فانضم إليهن و أكمل الفرض بالسنن تسكن النفس قليلًا.
أنظر لساعتي ، حان وقت فسحة الصلاة الذي تنتظم فيه الطالبات لصلاة الظهر جماعة.
أصعد للدور الثالث ، حيث جو اللعب يثير الفوضى ، ما اعتادته الفتيات ، لا ينتظمن في الصف و لا يطعن مدرسة القرآن ، أما ختم الصلاة فيحل التنطيط و الحديث المتسارع محله ثم الخلاف على دخول الفصول لاِستكمال الدراسة. يضيع الخشوع حق الصلاة ، يخفت ذكر الله .
اليوم ناولتني العزيمة يداً نظمت بها صلاة الفتيات على خير حال . ثم أكملن التسبيح و الحمد و التكبير في خشوع. انتهى الذكر و السكينة في الأنحاء .
أبتسم لهن واحدة تلو أخرى : تقبل الله ، و أناولهن قطع الحلوى ، تأخذ أجرأهن كيس الحلوى و تقتسمه مع زميلاتها و هن يسرعن للفصول. أناول مدرسة القرآن قطعة حلوى و ابتسم لها ، أرطب جوا يختنق بالزحام و الضيق و الزهق قرب نهاية اليوم الدراسي.
في حجرة المدرسات أزيح الشعث و أعزم عقدة المقرأة فنقرأ عدة صفحات من سورة البقرة. تُـنسي الكراسات مدرسة صلاة الظهر فيذكرها القرآن ، تؤديها قبيل الاِنصراف تجاه العصر. أداوي بالقرآن زحام يعرقل خطوات البشر حين العودة للبيوت.
*********

المفكرة
23-03-2015, 07:02 PM
حين تتشرب الملامح معالم الزمن
أتمت ليان أربع سنوات أهلتها لدخول حضانة المدرسة. تتحدث مع جدتها (أمي) و تنصت للحديث حفيدة أمي ذات الأشهر الستة فيروز.
تقول الجدة : أنا و أنت يا ليان كنا مثل فيروز أطفالًا صغارًا ثم كبرنا و أنا صرت عجوزًا و كذلك يتغير الجميع حين يكبرون.
ليان: أنا أود أن أكبر فأصير مثل يوسف (أخيها ذو الاثني عشر ربيعًا) لكنني لا أريد أن أكون عجوزًا مثلك في يوم من الأيام.
تذكر كلماتها عقلي برعب شبابي أن أكبر فأصير عجوزًا . بعد الأربعين لم يعد لعدد السنين معنى ، أحسب العمر بالإنجازات التي تمر عبره. اليوم شرفت جبهتي بالسجود لخالقي في سنن متعددة انتشلت بها بعض ساعات من أشلاء عمري الذي حطمته أشغال اليوم المتضاربة.

المفكرة
25-03-2015, 10:58 PM
دفء لذيذ
أتوقف أمام إعلان عن ساندوتش لذيذ في مطعم للوجبات السريعة ، يغريني الجوع بالشراء، تحول مصفاة عقلي بيني و بين التنفيذ . يعظني تدريبي منذ امتلكت مالا وقت المراهقة فاعتدت أن لا أشتري الطعام جاهزا مهما اشتد الجوع . الجوع أهون شراً من جراثيم يعج بها الطعام و مكونات تفسد التوازن إذ تحل في ضيافة جهازي الهضمي.
اليوم تأخذ الشهية الزمام تقودني تجاه الساندوتش الجاهز . الجو البارد و الحركة الدؤوبة جعلاني أشتهي .
يعدل عقلي مسار قدماي عدة أمتار إلى محل الجزار فيستقبلني بالترحاب . يعرض مقاطع اللحم البلدي الشهية فأختار نصف كيلو من الكبد الضاني الطازج .
على الرصيف توقفني رائحة الخبز الطازج بين ذرات الهواء الذي يملأني حياة ، لا يسعني العبور دون شراء أرغفة الخبز البلدي من الدقيق الأسمر الطيب.ثم شيئ من الخضرة ثم يقودني طريقي إلى البيت .
في المطبخ ، يصدح الشيخ الجليل بقرآن رب العالمين و ينضج الكبد على نار متوسطة تقوم بعملها بدقة و احتراف
يمزج عصير الليمون البقدونس و الجزر المبشور ، تختلط الجزئيات بزيت الزيتون و تستقبلني رائحة فواحة نضرة تزيد الشهية.
أملأ الأرغفة بالكبد المطهو و السلطة الشهية في عدة ساندوتشات لأهل البيت .
يجلسون أمام التلفاز ، يأكلون ، يحسّن الطعام الطيب المزاج فنغلق التلفاز و نتحدث ..
- سلمت يداك
هو من فضل الله . دفء يضعني على حافة الرضا .
ملاحظة لنفسي كلما اعتراها الجوع: الوجبة التي جهزتها أقل ثمنًا من وجبة سريعة لا تشبع النفس أو تصلح المزاج.
*****

المفكرة
04-04-2015, 11:40 PM
حي على الصلاة ، حي على الفلاح
يؤذن الظهر و أنا أمام شباك تجديد ترخيص السيارة في إدارة مرور القاهرة ، و قد قاربت مقدمة الصف ، أمامي رجل واحد بعد أن طال انتظاري زمناً و أنا أملأ استمارات متنوعة ، في مكان يعج بالزحام . ينادي الآذان البشر أن اقطعوا من أمر دنياكم النزر اليسير كيما يبارك لكم فيها. لا يجيبه كثير ، يتشبث البشر بمواضعهم أمام الشباك. فالخروج من الصف لا يضمن الرجوع إليه و الداخلون أضعاف الخارجين من وحدة المرور و الموظفون شارفوا على الاِنصراف من أشغالهم .
يسبقني في الصف رجل واحد و قد شارف على الانتهاء.
يشغل بالي أمر الصلاة فأنا لا أعرف المنطقة و لم ألمح فيها مسجد ، لكنني عاينت مصلى صغير في وحدة المرور يسع عدة رجال . لحظات ، يتناول الموظف الملف ثم أنزل بحثاً عن مكان للصلاة .
تتباطىء الحياة ، تنسحب من الأحياء ، لا يصيب التوفيق أيديهم أو ما بها! يستغرق الرجل دهراً و هو يطالع الملف الذي يسبقني ، يقلب عدة أوراق عدة مرات ثم يقلبها ثانية ، يسقط منه القلم ، يبحث عن غيره، يغزوه العطش فيذهب بحثاً عن ماء ، يعتمل الألم في ظهره فلا يناوله حركة أو سكينة. لا يوافقنا الزمن على تأجيل الصلاة فيؤجل أشغالنا . أنادي مالك الملك : ربي اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي ، ربنا و تقبل دعاء.
يرفع الرجل رأسه من بين الأوراق و يشير إلي: أنتِ تعالي .
ينزاح البشر الذين يتزاحمون حوله ، يستلم أوراقي و يفحصها ،
- التفتي جيداً لما أقول و اذهبي أكمليه.
أشكر له فضله و ألتفت للساعة فإذا هي قد تجاوزت الواحدة و الربع ظهراً، سأحضر الأوراق المطلوبة بعد أن أصلي الظهر .
في المصلى الفارغ ، أصلي ، تستأنف الحياة حركتها ، بسرعة فائقة استكمل أوراقي و قد انزاح الزحام إلا قليلا ، الملف المكتمل أمام الموظف . يتناوله مني .. تمضي دقائق معدودة ثم يناولني رخصتي.
****************