مشاهدة النسخة كاملة : خصائص المسؤولية في القرآن


abomokhtar
08-02-2015, 07:22 AM
خصائص المسؤولية في القرآن


إن المتفكر في حقيقة المسؤولية في القرآن وأبعادها، تتجلى له خصائص عديدة لها، ومن أبرز تلك الخصائص:
1. الثبوت:
إن المسؤولية في الاسلام ثابتة ثبوتاً قطعياً، لأنها من مقتضيات صفة التكليف. فكل مكلف مسؤول عما فعل فيه لقوله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾[1] أي: مسؤولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم[2]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾[3]، قال ابن كثير: أي: تسألون عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له[4]. ومن هنا سمي يوم القيامة بيوم الجزاء، ويوم الحساب. وحاشا لله أن يترك عباده سدى، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾[5].

2. العموم:
المسؤولية في الإسلام تعم الخلق، فلا يفلت منها أحد، فكل إنسان سيحاسب حسب أعماله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، سواء أكان نبيا رسولا، أو كان عبداً تقيا صالحا، أو ضعيفاً مقصرا، أو فاجراً ظالما لنفسه، وسواء أكان حاكماً أو محكوماً، رجلاً أو امرأة.

فلو تتبعنا خطابات القرآن الكريم لوجدنا أنها موجهة إلى كل فرد مكلف من بني آدم على تفاوت تعالى واجتناب نواهيه وهذا ما قرره القرآن الكريم وأكده في آياته البينات. كما قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [6] وقال أيضاً: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾[7].

فالرب تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضاً عن إبلاغ رسالاتهم[8].

وغير ذلك من الآيات التي توضح أن المسؤولية تقع على كل إنسان على حسب درجاتهم، فكل إنسان سوف يسأل عما أنيط به من مسؤولية يقوم على رعايتها وحفظها، فكل إنسان مسؤول أمام رب العالمين يوم الموقف العظيم. ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...»[9].

3 – الشمول:
المسؤولية في الإسلام شاملة شمولاً كاملة، حتى تشمل الشمول الزماني والمكاني والموضوعي.

أ. الشمول الزماني:
فالمسؤولية لا تنفك عن المكلف الذي تتوفر فيه شروط التكليف، من أول يوم يبلغ فيه سن التكليف، إلى أن يتوفاه الله تعالى، فلا يملك العبد في حياته فترات حرة يخرج فيها عن دائرة المسؤولية إلا في الحالات الاستثنائية، كما جاء في الحديث «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ»[10].

ب. الشمول المكاني:
فالمسؤولية شاملة للخلق جميعاً أينما كانوا، في دار حرب أو دار الإسلام، وفي سفر أو حضر، وفي قرب أو بعد، فلا تغيب عن علم الله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وإنما تحصى على صغر حجمها، وأينما كان مكانها، كما قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [11].

ج. الشمول الموضوعي:
فالمسؤولية تشمل جميع أعمال الإنسان وتصرفاته، سواء المتعلقة منها بربه، أو المتعلقة بنفسه، أو المتعلقة بغيره، وليس للإنسان من علاقة سوى هذه العلاقات الإنسانية الثلاث. ولا يغني المسلم إحسان علاقة واحدة من هذه العلاقات عن إحسان بقية العلاقات.

وفي الحديث: «قال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن فلانة تكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: هي في النار، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصدقاتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأنوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: هي في الجنة»[12]. وكما جاء في الحديث «عذبت في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت في النار»[13].

ومن هنا جاءت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بإحسان العلاقات الثلاث جميعها فقال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن»[14].

[1] سورة الصافات. آية 24.

[2] تفسير الجلالين، لجلال الدين المحلى وجلال الدين السيوطي، ص: 446، الطبعة الأولى 1420هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

[3] سورة الزخرف. آية 44.

[4] تفسير القرآن العظيم، لإمام ابن كثير، ص: 1681، الطبعة الأولى 1420هـ، دار ابن حزم، بيروت.

[5] سورة القيامة. آية 36.

[6] سورة الحجر. آية 92، 93.

[7] سورة الأعراف. آية 6.

[8] تفسير القرآن العظيم، لإمام ابن كثير، ص: 745.

[9] صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم الحديث: 893، ص: 143، دار السلام للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1419هـ.

[10] رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، 2/544، رقم 4402، بتحقيق محمد ميحي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الفكر.

[11] سورة الأنبياء. آية 47.

[12] رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ص: 698، حديث رقم: 9673. ط: بيت الأفكار الدولية.

[13] رواه مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم ***** الهرة، رقم الحديث 6675، ص 1143، الطبعة الأولى، 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع.

[14] رواه الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم الحديث 1987، ص 460، الطبع الأولى 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع بالرياض. وراجع أيضاً المقال بعنوان: «التفريط في المسؤولية خطر على المجتمع»، محمد أبو الفتح البيانوني، ص: 10 – 15، المنهل، مجلة شهرية للآداب والعلوم والثقافة، العدد 487 المجلد 52 رمضان وشوال 1311هـ/1991م.




سجاد أحمد بن محمد أفضل (http://www.alukah.net/authors/view/home/11249/)