مشاهدة النسخة كاملة : لقد ضيقتم واسعاً


أ/رضا عطيه
17-03-2015, 03:05 AM
لقد ضيقتم واسعاً

ناجح إبراهيم

كان رسول الله خارجاً من المسجد فاعترضه أحد الأعراب ثم دعا قائلاً: «اللهم ارحمنى ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً»..

كان الدعاء غريباً وصادماً للنبى صلى الله عليه وسلم الذى اعتاد أن يدعو للناس جميعاً ويشملهم برعايته ومحبته

ويرجو الخير للدنيا كلها جيلاً وراء جيل.. ولكن ماذا يملك النبى إزاء سذاجة وضيق أفق هذا الأعرابى

وفرط تعصّبه سوى الضحك والتعقيب على قوله بحكمة تلقائية رائعة «لقد ضيقت واسعاً يا أخا العرب».

لقد ضيّق الأعرابى رحمة الله الواسعة التى وسعت كل شىء.. الناس والطير والحيوان والجماد والخلق كله..

فهى أوسع من كل شىء.. فبهذه الرحمة ترفع الدابة العجماء بفطرتها حافرها عن وليدها خشية أن تؤذيه..

ويطعم الأسد أولاده دون أن يفكر مرة فى التهامها، مهما استبد به الجوع.

فالضيق ليس فى رحمة الله، ولن يكون أبداً فى رحمته سبحانه «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ»..

وليس الضيق أيضاًً فى فرص الحياة التى تكفّل الله فيها بالرزق الوفير والحلال للجميع.. ولا فى أرزاق الناس..

ولا فى قلة كراسى السلطة أو المناصب.. فكلها تسع جميع الكفاءات والكفايات. ولكن الضيق يكون فى القلب الأسود

الذى يريد أن يستأثر وحده بكل شىء.. وفى النفس الجشعة التى تتمنى الخير لنفسها وطائفتها فحسب، ولا ترجوه للآخرين.

ففرص الحياة واسعة وكثيرة، لكن النفوس المظلمة هى التى تؤثر نفسها وتظلم غيرها.. وتريد أن تستأثر بالسلطة والثروة وتحرم غيرها.

فالمشكلة فى تلك النفوس التى تظن أن الدين ملك لها دون سواها حصرياً.. وأنها المتحدث الحصرى والوحيد عن الإسلام..

أو تلك التى تظن أنها أفضل الناس والمستحق الوحيد لرحمات الخالق وجوائز السماء دون سواها..

أو تلك التى تحتقر غيرها ولا تعتبره جديراً بالخير والسعة والرزق الوفير والمرتب الجيد والحياة الهانئة أو التديّن أو المناصب.

إن عدد الوظائف والمناصب وفرص السلطة ومقاعد الصلاح والخير يمكن أن تكفى الجميع.. ولكن بعضنا يحرم غيره منها مقلداً مثل هذا الأعرابى.

إن أنانية هذا الأعرابى توجد الآن عند أكثر الناس.. وجفاء وغلظة هذا الأعرابى زحفت على قلوب ونفوس الكثيرين هذه الأيام..

ولم يعد يسلم من أخلاق كهذا الأعرابى إلا القليل.. فالجميع يضيّق ما وسعه الله على عباده..

ويريد أن يستأثر دون غيره برحمات الدنيا وإن استطاع أن يقف بواباً على أبواب الجنة والنار

لأدخل النار منافسيه السياسيين أو الاقتصاديين أو الدينيين أو المذهبيين.

إننا نعيش اليوم زمن «نحن ومن بعدنا الطوفان».. وما دمت لن أستفيد من المطر فلا نزل القطر..

وإذا جُعت فلا شبع أحد.. وإذا عطشت فلتظمأ الدنيا كلها.. وإذا تألمت فلتمرض الدنيا كلها..

وإذا زال سلطانى وجاهى فلتذهب الدنيا كلها إلى الجحيم.

هذه الأثرة المجنونة التى أصابت الأعرابى وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم متعجباً منها

أصابت معظم السياسيين فى الوطن العربى.. فكلهم أراد ويريد أن يأكل كعكة الحكم وحده دون سواه،

مع أنها قد تسد أمعاءهم.. ومع أن هذه الكعكة تكفى الجميع وتشبعهم وتسد حاجتهم دون سجون أو إقصاء..

ودون تفجيرات أو صراعات أو نزاعات أو شتائم متبادلة أو كراهية أو إعلام للدماء.

وأصابت هذه اللوثة أيضاًً أولئك الذين يظنون أنهم احتكروا الدين وحدهم..

وأصابت الذين يظنون أنهم احتكروا الوطنية دون سواهم..

وآخرين ظنوا أنهم احتكروا الحق والحقيقة وحدهم..

وكذلك الذين احتكروا الثروة والمال والمناصب العليا دون سواهم..

أو أولئك الذين يتمنون الشر لبلادهم، لأنهم لا يحكمونها ويحكمها المنافس السياسى لهم.

هؤلاء جميعاً لا يحبون إلا أنفسهم ولا يدورون إلا حول ذواتهم.. ولا يعبدون إلا «الأنا».

تذكرت ذلك الأعرابى وأنا أطالع مقالاً عجيباً عن المؤتمر الاقتصادى المصرى بعنوان

«نتمنى لكم فشلاً ذريعاً».. إنها نفس دعوة الأعرابى بالضبط.

فماذا يضيرك لو نجح المؤتمر الاقتصادى على يد منافسيك السياسيين..

وماذا لو استفاد الناس وجاء الخير على أيدى أى أحد؟!

إن حب الخير للناس هو أعظم نعمة تستقر فى قلوب العبد..

فلتأت النعم والخيرات والبركات للشعب المصرى على يد أى أحد..

وليعم الأمن والأمان وتزدهر كل بلاد العرب فى عهد أى حاكم..

ولتأت السعادة على يد أى أحد.

ماذا سينفع هؤلاء إذا جاعت مصر واضطربت وشاع فيها الفقر والعوز وزادت فيها البطالة والحاجة؟

إنهم لن يستفيدوا شيئاً سوى أن يتحقق لهم ما أراده هذا الأعرابى الذى ضيّق ما وسعه الله.

وفى المقابل، فإن خصوم الإخوان يتمنون، كما ألمح فى تعليقاتهم أو أسمع فى برامجهم،

أن يعلقوا جميعهم على أعواد المشانق أو يحشروا جميعاً فى السجون أو تصادر أموالهم أو يُنكل بهم ويعذبوا..

ولا أدرى أى شىء يستفيدونه إن حدث ذلك.. ولماذا لا نريد لهم الخير؟!

إن إرادة الخير للآخر تكاد تكون غير موجودة الآن.. إن السعادة والخير هى كالحب لا يكون من طرف واحد.

بل لا بد أن يكون مشاركة بين اثنين.. والحياة ملأى بفرص السعادة والأمن والراحة للجميع..

ولكننا دوماً نضيّق ما وسعه الله علينا.. ونستحق جميعاً أن يقال لنا «لقد ضيقتم واسعاً».

http://www.elwatannews.com/news/details/686988

صوت الحق
17-03-2015, 07:42 AM
هل نجد عقول تعى هذا الكلام وتدعها من الغل والسواد تعرف شيئ اسمه الوطن
يقول الله عز وجل
( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1035&idto=1035&bk_no=49&ID=1054&gclid=Cj0KEQjw_pmoBRDu986bpISz5ZsBEiQANiuHDEgDTot-YcXDq5kXU9YMN1-sAxSX1qdao3jDcvSN1YwaArbl8P8HAQ#docu)( 70 ) ) .
ما هو التكريم الذى كرم الله سبحانه وتعالى بنى أدام العقل
شكرا على الموضوع

الفيلسوف
18-03-2015, 12:50 AM
شكرا على الموضوع استاذى الفاضل

أ/رضا عطيه
18-03-2015, 04:02 AM
جزاكم الله خيرا على المرور والمشاركة