ابو وليد البحيرى
26-04-2015, 11:15 AM
المراهقة.. شواهد من التاريخ الإسلامي
د. مولاي المصطفى البرجاوي
اقْرَأِ التَّارِيخَ إِذْ فِيهِ الْعِبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الْخَبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حين نقرأ في تاريخِ الأمة - بالمفهوم الواسع، فالأُمَّة التي تدين بالإيمان أمة واحدة منذ آدم إلى قيام الساعة - فإنَّنا نرى نَماذجَ من حياة الشباب يبدو فيها الوجه الآخر للمراهقة، فها هم أهلُ الكهف فتية آمنوا بربِّهم في وسط مُجتمع يعجُّ بالشرك والكفر بالله -تعالى- ويذكر الله قِصَّتَهم في كتابه في آياتٍ يتلوها المسلمُ كلَّ أسبوع؛ لتكونَ عِبْرَة للشباب المؤمن إلى قيام الساعة؛ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوابِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13].
وحين نتصفح سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ونقرأ حياةَ أصحابه، نرى الهِمَّة العالية عند الشباب، الذين كانوا في هذه السن، كيف كانوا رُؤوسًا في العلم والجهاد والعبادة وسائر الميادين، ولنقفْ عند بعضِ هذه الشموخ:
• جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - وهو مِن رُواة الحديث المكثرين، كان عمره عند الهجرة ستةَ عَشَرَ عامًا، أراد أنْ يَحضر غزوةَ بدر وأُحُد، فمنعه والده؛ لأنَّه كان يريدُ أنْ يشهدها هو، واستشهد والده في أُحُد، ثم لم يتخلف جابر - رضي الله عنه - عن غزوةٍ بعدها.
• عبدالله بن يزيد الأنصاري - رضي الله عنه - بايع بيعةَ الرضوان وعمره سبعة عشر عامًا، وأهل بيعة الرضوان هم أولئك الذين قال الله - سبحانه وتعالى - عنهم: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وفي سنن أبي داود: ((لا يدخل النارَ أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة)).
• عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحد فلم يُجزه، وعرض يومَ الخندق وهو ابن خمسَ عَشْرَة سنة، فأجازه، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وعمره حينها ستة عشر عامًا.
• سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ومواقفه مشهودة مشهورة، وهو صاحب غزوة ذي قَرَد، وهو الذي قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: ((خير رِجَالاتِنا سلمة، وخير فُرْسَانِنا قتادة))، وفي غزوة حنين جاء جاسوسٌ من المشركين إلى أصحابِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس معهم ساعةً، ثم ولَّى، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحاقه، فلحق به سَلَمة حتى أدركه و***ه.
وفي ميدان العِلْم، كان جابر وابن عباس وأنس وابن عمر وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل - رضوان الله عليهم - من فقهاء ومُحدثي أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
المراهقة بين الأمس واليوم:
لقد كان الشباب آنذاك - كما رأينا - في حلق العلم ومَجالسه، فما أنْ يبلغ أحدهم السابعة أو الثامنة، حتى تراه قد أتَمَّ حفظ كتاب الله - سبحانه وتعالى - أو قطع مرحلةً فيه، ثم أصبح يثني ركبَه في مجالس العلم مُستمعًا ومقيدًا لما يسمعه، ولهذا فقد كان الحديثُ عن سماع الصَّغير، ورواية الصغير، وحضوره مجالسَ العلم، كان الحديثُ عن ذلك يأخذ حَيِّزًا واسعًا من حديثهم عن الشباب.
هكذا كان الشبابُ في سلف الأمة، وهذا يعني بالضَّرورة أنَّ هذه المشكلة لم تكن مَوجودة عند سلفنا، فأنت تجد الحديث عن صَبْوة الشباب، وتصابي الشيوخ، لكنَّها لم تكن بهذا القَدْرِ وهذا الحجم الذي نعيشه اليوم، بل ولا قريبًا منه.
أمَّا اليوم، فالشابُّ غارق في أَتون الظلام، نعم، الظلام؛ لما يُحيط به من مُغريات كثيرة تجذبه: الإعلام بفتونه وفتنه، والملاهي بأنواعها التي تُصيبه بأمراضٍ عصبية، ومَقاهٍ للتَّدخين دون رقيب من أولياء الأمور... أمَّا عن المدة الزمنيَّة المخصصة للمُطالعة، وحفظ القرآن الكريم، ومُجالسة الصالحين من العلماء والوُعَّاظ، فهي من الأمور المُغَيَّبَة في برنامجه اليومي والأسبوعي، إلاَّ مَن رحم ربي، متى سننصر ديننا؟! ومتى سننصر مجتمعنا بالعَودة إلى كتاب الله وسنة نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
وإلى مقالة أخرى - إن شاء الله - مع الأساليب الخاطئة والإيجابية للتعامل مع المراهق.
المراجع المعتمدة:
• عبدالرحمن العيسوي: سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر، الكويت، دار الوثائق.
• عبدالعلي الجسماني: سيكولوجية الطفولة والمراهقة وحقائقها الأساسية، لبنان، الدار العربية للعلوم.
• صفي الدين مباركفوري: الرحيق المختوم: بحث في السيرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - المكتبة العربية.
د. مولاي المصطفى البرجاوي
اقْرَأِ التَّارِيخَ إِذْ فِيهِ الْعِبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الْخَبَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حين نقرأ في تاريخِ الأمة - بالمفهوم الواسع، فالأُمَّة التي تدين بالإيمان أمة واحدة منذ آدم إلى قيام الساعة - فإنَّنا نرى نَماذجَ من حياة الشباب يبدو فيها الوجه الآخر للمراهقة، فها هم أهلُ الكهف فتية آمنوا بربِّهم في وسط مُجتمع يعجُّ بالشرك والكفر بالله -تعالى- ويذكر الله قِصَّتَهم في كتابه في آياتٍ يتلوها المسلمُ كلَّ أسبوع؛ لتكونَ عِبْرَة للشباب المؤمن إلى قيام الساعة؛ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوابِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13].
وحين نتصفح سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ونقرأ حياةَ أصحابه، نرى الهِمَّة العالية عند الشباب، الذين كانوا في هذه السن، كيف كانوا رُؤوسًا في العلم والجهاد والعبادة وسائر الميادين، ولنقفْ عند بعضِ هذه الشموخ:
• جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - وهو مِن رُواة الحديث المكثرين، كان عمره عند الهجرة ستةَ عَشَرَ عامًا، أراد أنْ يَحضر غزوةَ بدر وأُحُد، فمنعه والده؛ لأنَّه كان يريدُ أنْ يشهدها هو، واستشهد والده في أُحُد، ثم لم يتخلف جابر - رضي الله عنه - عن غزوةٍ بعدها.
• عبدالله بن يزيد الأنصاري - رضي الله عنه - بايع بيعةَ الرضوان وعمره سبعة عشر عامًا، وأهل بيعة الرضوان هم أولئك الذين قال الله - سبحانه وتعالى - عنهم: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وفي سنن أبي داود: ((لا يدخل النارَ أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة)).
• عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحد فلم يُجزه، وعرض يومَ الخندق وهو ابن خمسَ عَشْرَة سنة، فأجازه، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وعمره حينها ستة عشر عامًا.
• سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ومواقفه مشهودة مشهورة، وهو صاحب غزوة ذي قَرَد، وهو الذي قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: ((خير رِجَالاتِنا سلمة، وخير فُرْسَانِنا قتادة))، وفي غزوة حنين جاء جاسوسٌ من المشركين إلى أصحابِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس معهم ساعةً، ثم ولَّى، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحاقه، فلحق به سَلَمة حتى أدركه و***ه.
وفي ميدان العِلْم، كان جابر وابن عباس وأنس وابن عمر وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل - رضوان الله عليهم - من فقهاء ومُحدثي أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
المراهقة بين الأمس واليوم:
لقد كان الشباب آنذاك - كما رأينا - في حلق العلم ومَجالسه، فما أنْ يبلغ أحدهم السابعة أو الثامنة، حتى تراه قد أتَمَّ حفظ كتاب الله - سبحانه وتعالى - أو قطع مرحلةً فيه، ثم أصبح يثني ركبَه في مجالس العلم مُستمعًا ومقيدًا لما يسمعه، ولهذا فقد كان الحديثُ عن سماع الصَّغير، ورواية الصغير، وحضوره مجالسَ العلم، كان الحديثُ عن ذلك يأخذ حَيِّزًا واسعًا من حديثهم عن الشباب.
هكذا كان الشبابُ في سلف الأمة، وهذا يعني بالضَّرورة أنَّ هذه المشكلة لم تكن مَوجودة عند سلفنا، فأنت تجد الحديث عن صَبْوة الشباب، وتصابي الشيوخ، لكنَّها لم تكن بهذا القَدْرِ وهذا الحجم الذي نعيشه اليوم، بل ولا قريبًا منه.
أمَّا اليوم، فالشابُّ غارق في أَتون الظلام، نعم، الظلام؛ لما يُحيط به من مُغريات كثيرة تجذبه: الإعلام بفتونه وفتنه، والملاهي بأنواعها التي تُصيبه بأمراضٍ عصبية، ومَقاهٍ للتَّدخين دون رقيب من أولياء الأمور... أمَّا عن المدة الزمنيَّة المخصصة للمُطالعة، وحفظ القرآن الكريم، ومُجالسة الصالحين من العلماء والوُعَّاظ، فهي من الأمور المُغَيَّبَة في برنامجه اليومي والأسبوعي، إلاَّ مَن رحم ربي، متى سننصر ديننا؟! ومتى سننصر مجتمعنا بالعَودة إلى كتاب الله وسنة نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
وإلى مقالة أخرى - إن شاء الله - مع الأساليب الخاطئة والإيجابية للتعامل مع المراهق.
المراجع المعتمدة:
• عبدالرحمن العيسوي: سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر، الكويت، دار الوثائق.
• عبدالعلي الجسماني: سيكولوجية الطفولة والمراهقة وحقائقها الأساسية، لبنان، الدار العربية للعلوم.
• صفي الدين مباركفوري: الرحيق المختوم: بحث في السيرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - المكتبة العربية.