مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان بالبعث والنشور


ابو وليد البحيرى
26-04-2015, 05:58 PM
الإيمان بالبعث والنشور


محمد حسن نور الدين إسماعيل

قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام: 29] وقال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ [الإسراء: 49]، وقال: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين النَّفختينِ أربعون))، قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يومًا؟ قال: أبَيْتُ[1]، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبَيْتُ - ((ثم ينزل من السماء ماءٌ فينبُتون كما ينبُتُ البَقْلُ، قال: وليس من الإنسان شيءٌ إلا يَبْلَى، إلا عَظْمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومنه يُركَّبُ الخَلْقُ يوم القيامة))[2].

وعَجْبُ الذَّنَبِ: هو العَظم بين الأَلْيَتينِ في أسفل الصُّلْب، والعَجْبُ مِن كل دابة: ما انضم عليه الورِكانِ من أصل الذَّنَب المغروز في مؤخرة العجُزِ؛ (لسان العرب لابن منظور رحمه الله).

وأنكر قومٌ البعث؛ كالفلاسفة الدهرية، والطبائعية، والدورية منكرون الخالق، والدهرية من مشركي العرب ومَن وافقهم، وملاحدة الجهمية ومن وافقهم.

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - يردُّ على قول الجهم بانعدام العالم انعدامًا محضًا:
وكذاك يقبِض أرضَه وسماءه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بيديه، ما العدَمان مقبوضانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتحدِّث الأرض التي كنَّا بها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أخبارَها في الحشر للرحمنِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتظل تشهد وهي عدلٌ بالذي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِن فوقِها قد أحدَث الثَّقَلانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أفيشهَدُ العدمُ الذي هو كاسمه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا شيء، هذا ليس في الإمكانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لكن تسوَّى ثم تبسط ثم تش http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَدُ ثم تُبْدَلُ وهي ذاتُ كيانِ[3] http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ما لا يبلى في القبر:
1- أجساد الأنبياء؛ لحديث: ((إن الله تعالى حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادَ الأنبياء))[4].
2- أجساد الشهداء[5].
3- عَجْبُ الذَّنَبِ من كل إنسان.
4- الأرواح: فالحقُّ - الذي عليه أهل السنة والجماعة - أن الأرواح لا تبلى، وأنها ليست هي مطلق حياة الإنسان العارضة، بل هي حقيقةٌ أخرى مستقلة، يعمر بها الجسدُ بحلولها فيه، ويفسُد بخروجها منه، وهي النَّسَمةُ التي يموت الإنسان بخروجها من جسده، وأن لها حقيقة، وأنها تُنفَخ وتُقبَض، وتصعَد وتهبِط، وأنها مفارقة الجسد، إما أن تنعَّم أو تعذَّب، وبعد النفخ في الصُّور (النفخة الأولى) تعود كل روح إلى جسدها الذي كانت تعمره في الدنيا[6].

قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في قصيدته النونية:
والأنبياء فإنهم تحت الثرى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أجسادُهم حُفِظت من الديدانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ما للبِلى بلحومِهم وجسومِهم http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أبدًا وهم تحت التراب يدانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكذاك عَجْبُ الظَّهر لا يبلى بلى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
منه تُركَّبُ خِلقة الإنسانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكذلك الأرواح لا تبلى كما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تبلى الجُسوم، ولا بِلَى اللُّحمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولأجل ذلك لم يُقرَّ الجهمُ بال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أرواح خارجةً عن الأبدانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لكنها من بعض أعراضٍ بها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قامَتْ، وذا في غاية البطلانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فالشأنُ للأرواح بعد فراقها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أبدانَها واللهِ أعظمُ شانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إما عذابٌ أو نعيمٌ دائمٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قد نُعِّمت بالرَّوح والريحانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتصير طيرًا سارحًا مع شكلها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَجني الثِّمار بجنة الحيوانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتظل واردة لأنهارٍ بها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتى تعود لذلك الجثمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لكنَّ أرواحَ الذين استشهدوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في جوف طيرٍ أخضرٍ ريَّانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلهم بذاك مزيَّة في عيشهم http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ونعيمُهم للرُّوح والأبدانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بذلوا الجسومَ لربهم فأعاضهم http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أجسامَ تلك الطيرِ بالإحسانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولها قناديلٌ إليها تنتهي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مأوًى لها كمساكنِ الإنسانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فالرُّوحُ بعد الموت أكملُ حالةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
منها بهذي الدارِ في جثمانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





[1] أبيت: أي: امتنَعْتُ عن الجواب؛ لأني لا أدري الصواب.

[2] رواه مسلم رحمه الله تعالى.

[3] القصيدة النونية لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.

[4] صححه الألباني في صحيح أبي داود.

[5] ليست كل أجساد الشهداء لا تبلى في القبر، ولكن ما ورد به الدليل في التخصيص؛ كما قال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا حسين المعلم، عن عطاء، عن جابر قال: لما حضر أُحُدٌ دعاني أبي من الليل فقال لي: ما أراني إلا مقتولاً في أول مَن يُ*** من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك، غيرَ نفسِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دَينًا فاقضِه، واستوصِ بأخواتك خيرًا، فأصبحنا وكان أولَ قتيل، فدفنتُ معه آخر في قبره، ثم لم تطِبْ نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجتُه بعد ستة أشهر فإذا هو كيومَ وضعتُه هنية غير أذنه (أخرجه البخاري حديث رقم 1351)، ولأصحاب السنن عنه رضي الله عنه من حديث طويل، وفيه: (فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجلٌ فقال: يا جابر، والله لقد أثار أباك عمالُ معاويةَ، فبدا فخرج طائفة منه، فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنته، لم يتغير إلا ما لم يدَعِ ال*** أو القتيل؛ (انظر كتاب معارج القبول - فصل: منكِرو البعثِ على أربعة أصناف).

[6] سبق ذكر أن جسد الإنسان يبلى، إلا عَجْبَ الذَّنَب، ثم ينبُت هذا الجسد مرة أخرى كما ينبُت البَقْل، كما سبق في الحديث، وذلك يكون بالمطر الذي يُنزله اللهُ قبل النفخة الثانية، ثم تُجمَع الأرواح في الصُّور، ويُنفَخ فيه النفخة الثانية، فتطير كلُّ رُوح إلى جسدها، وهذا بخلاف عودة الرُّوح إلى الجسد، المذكورة في حديث البراء بن عازب الطويل في سؤال القبر؛ فهي عودة إلى الجسد بعد الموت قبل أن يبلى؛ تمهيدًا للسؤال والفتنة، والله أعلم.