مشاهدة النسخة كاملة : الخلط بين الطرق في التلاوة


ابو وليد البحيرى
27-04-2015, 01:22 PM
الخلط بين الطرق في التلاوة


محمود العشري

أولاً: ما معنى الخلط؟
أقول: الخلط: هو أن تدخل شيئًا في شيء، وقد يسمى خلطًا، أو تركيبًا، أو تلفيقًا، وكلها بمعنى واحد، ومعنى هذه الأشياء في علم التجويد (http://www.alukah.net/sharia/0/65297/) أو القراءات: أن تُدخِل قراءة في قراءة، أو رواية في رواية، أو طريقًا في طريق.

وهذا الخلط يدور عند علماء هذا الفن بين الحرمة أو الكراهة أو العيب، سواء كان في الصلاة أو في غيرها، وقبل أن أنقل لك بعض أقوال أهل العلم في حكم الخلط، أعطيك بعض الأمثلة على هذا الخلاف، فمثلاً:
1 - إدخال قراءة في قراءة أخرى، كالذي يقرأ لعاصم، وفي نفس هذه القراءة يُدخل قراءة نافع أو الكسائي أو حمزة، أو غير ذلك.

2 - إدخال رواية في رواية أخرى، كالذي يقرأ برواية حفص عن عاصم، فيُدخل معها في نفس القراءة رواية أخرى، مثل رواية شعبة عن عاصم، فهذا خلط بين روايتين.

3 - إدخال طريق في طريق آخر، وهذا الأمر منتشر جدًّا عند بعض الإخوة الذين لا يفرِّقون بين الطرق؛ فمثلاً يقرأ في الصلاة أو في غيرها بتوسط المنفصل 4 حركات، ولا يحافظ على هذا التوسط خلال قراءته، بل يأتي في آية أخرى ويقرؤها بالقصر، فتراه يُوَسِّطُ مرة، ويقصر مرة، وهذا لا يجوز؛ لأنه أدخل طريق الشاطبية بتوسط المد المنفصل في طريق آخر من طرق القصر، وليس هذا الخلط خاصًّا بالمد فقط من حيث القصر والتوسط، بل هو خاص بكلمات الخلاف كلها؛ ولهذا أكرر وأؤكد على أنه يجب على القارئ أن يعلم الطريق الذي يقرأ به، ويضبط كلمات الخلاف؛ ليقرأها على حسب ما جاء من خلال هذا الطريق.

واعلم - أخي يا صاحب القرآن - أن الخلط والتركيب بين الطرق سبب من الأسباب التي جعلت شيخنا الشيخ/ الضباع - رحمه الله - يكتب رسالته المعروفة بـ: "صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص"؛ حيث قال في بداية هذه الرسالة: "عَنَّ لي أن أكتب ملخَّصًا يُبَيِّنُ ما صحَّ عن حفص في الكلمات المختلف فيها عنه من طريق طيبة النشر؛ لأن روايته هي المعتادة بين الناس في هذا العصر، وقد كَثُرَ منهم التلفيق والالتباس؛ لجهلهم بمآخذ تلك الطرق ومذاهب ذويها، وعدم اعتمادهم عند الأخذ على متين الأساس".

وإليك الآن - أخي يا صاحب القرآن - بعض ما قاله أهل العلم في حكم الخلط بين الطرق:
1 - قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد السخاوي - رحمه الله - في كتابه جمال القراء: "وخلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ".

2 - قال الإمام النووي - رحمه الله - في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: "وإذا ابتدأ القارئ بقراءة شخص من السبعة، فينبغي ألا يزال عن تلك القراءة ما دام للكلام ارتباط، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخَر من السبعة، والأَوْلَى دوامه على تلك القراءة في ذلك المجلس".

وتوضيحًا لكلام النووي - رحمه الله - أقول: إذا ابتدأ القارئ مثلاً بقراءة عاصم وبرواية حفص عنه، فإنه ينبغي أن يظل على نفس القراءة من هذه الرواية، فإذا أراد أن يقرأ لقارئ آخر، فإنه ينتهي من الآية التي يقرؤها لحفص - بشرط عدم تعلقها بما بعدها - أو ينتهي من السورة، وبعد ذلك يقرأ بالقراءة الأخرى التي يريدها، أما أن يُدخل قراءة أخرى في نفس الآية التي يقرؤها لحفص، فهذا هو الخلط بعينه، وهو منتشر جدًّا، وكثيرًا ما يحدث من الذين يقرؤون في السرادقات والمآتم والحفلات - عفا الله عنا وعنهم.


سؤال: قد يقول قائل: الذي يقرأ على المشايخ القراءات السبع أو العشر عندما يقرأ آية يجمع القراء العشر كلهم في هذه الآية حتى يقرأ آية أخرى، وهكذا حتى يختم القرآن بهذه القراءات، ألا يعتبر هذا من الخلط؛ لأنه يجمع القراءات كلها في آية واحدة؟!
أقول: لا، كما قال أهل العلم؛ فهذا ليس من باب خلط القراءات أو الروايات أو الطرق بعضها ببعض، وهذا الجمع جوَّزه أهل العلم للتعلم، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: مقدمة في أصول التفسير في جوابه على سؤال وُجِّه له في آخر الكتاب، ومن المعلوم أن الإنسان إذا جلس يقرأ القرآن بالقراءات العشر رواية رواية، لاستغرق عمرًا طويلاً؛ فلهذا جوَّز أهل العلم جمع السبعة أو العشرة من باب التعلم، واختصارًا للوقت.

3 - قال الإمام القسطلاني - رحمه الله - في: "لطائف الإشارات لفنون القراءات" في الجزء الأول: "يجب على القارئ الاحتراز من التركيب في الطرق، وتمييز بعضها من بعض، وإلا وقع فيما لا يجوز، وقراءة ما لم ينزل".

4 - قال الإمام النُّوَيْرِي محمد بن محمد بن علي بن إبراهيم بن عبدالخالق المشهور بالنويري، نسبة إلى النويرة، وهي إحدى قرى الصعيد ببني سويف بمصر، يقول - رحمه الله - في شرحه على الدرة المضيئة: "القراءة بخلط الطرق أو تركيبها: حرام، أو مكروه، أو مَعِيب".

5 - قال شيخنا العلامة المحقق/ علي محمد الضباع - رحمه الله - عندما سُئل عن التلفيق: "هو خلط الطرق بعضها ببعض، وذلك غير جائز".

وقد سبق ما كتبه - رحمه الله - في بداية "صريح النص" بسبب هذا التركيب الذي وقع فيه كثير من الناس.

6 - وقد قطع الإمام مصطفى بن عبدالرحمن بن محمد الإزميري - رحمه الله - بأن حكم التركيب: التحريم، وجعل الاحتراز منه باعثه على تأليف كتابه: "زبدة العرفان في تحرير أوجه القرآن"، فقال في سبب تأليفه وجمع ما فيه من الطرق: "احترازًا عن التركيب؛ لأنه حرام في القرآن على سبيل الرواية، أو مكروه كراهة تحريم كما حققه أهل الدراية".

وأكتفي بهذا القدر من النقولات عن أهل العلم، مؤكدًا على أنه ينبغي علينا جميعًا أن نحترز ونحذر من الخلط بين الطرق؛ حتى تكون قراءتنا صحيحة، والله المستعان.