ابو وليد البحيرى
28-04-2015, 10:04 PM
حين تحتكر الحرية...
د. صالحة رحوتي
وتتوالى الالتفاتات... تبدأ لتنتهي على استحياء، ويرمقني بطرف عينيه محاولاً أن يستشف ردة فعلي، أحاول أن أكتم ما يعتمل بصدري وذهني... وأجتهد في البحث عن موضوع أطرحه حتى يكون البديل... وحتى يحتل النقاش حوله مساحات فكره وعقله، ويلهيه عن الانسياق ببصره وراء مناظر أضحت تؤثث فضاءات الواقع المر في كل الأوقات.
بطون وأفخاذ عارية، وسيقان وأذرع وأشياء أخرى كذلك...
فتيات في عمر الزهور مزدانات بكل أنواع الزينة...ألبسة قصيرة، ضيقة أو شفافة... مساحيق وقصات شعر وعطور، متبرجات حتى النخاع ... ويقصدن دور العلم.
نساء في كل الأعمار على نفس الشاكلة يقصدن أماكن العمل...
وربات بيوت وأمهات... لا يختلف مظهرهن عمن سبق ذكرهن...
و أجدني مرغمة ـ مرة أخرى ـ على أن أخوض غمار هذا الموضوع ، مع أن الحديث عن مثل هذه الظواهر أصبح اليوم عند مريدي العصرنة والحداثة من قبيل الهذيان المبين عن رجعيَّة راسخة في الفكر والوجدان...
أجدني أفعل ودون تردد، وقد أخبرنا وحي مذهبهم بأن حرية الفرد مقدسة...
و حدثنا كهنتهم بأن للإنسان أن يبحر في محيط الحياة كيفما شاء، و بأي فلك وأشرعة يريد، ما دام ذلك يوافق مزاجه و يريح نفسه ويلبِّي رغباته ويفي بتطلعاته...
لكن، هذه الحداثة تعترف بالعلم، وتلبَس مسوحه ولا تعارضه، بل تمتطي صهوته من أجل التصدي "للخرافة والغيبيات"،لا يمكنها إلا أن تجد نفسها مضطرة منطقيًّا لولوج حلبة التناظر من أجل البحث عن الحقيقة، التي ما فتئت تتباهى بأنها تنافح عنها، وتقرها، وتجعل من إبرازها هدفها الأول والأخير.
فالعلم أثبت أن للإنسان حواسَّ... والحواس تستثار عن طريق المؤثرات...
والدماغ يتلقَّى الإشارات ويرسل الأوامر للأعضاء... فتشتغل...
وعري الأجساد يخاطب الأبصار، وروائح العطور تدغدغ الأنوف، والخضوع في القول والكلام الفاحش ينحشران في الآذان... والعواطف والرغبات الجامحة المدمرة تسكن السوانح والوجدان...
والنتيجة التي لا يمكن أن ينكرها كل ذي لب يؤمن بالعلم: إشارات عصبية تتوالى، وهرمونات تفرز، وغرائز تستثار، وأعضاء تناسلية تشتعل أنسجتها.... فتستعد للاشتغال ...
وبالرغم من هذا فمقولات الحداثة تكابر وتتحدى منطق العقل والعلم...
فالمرأة حسب نصوصها المقدسة تملك حرية اختيار المظهر الذي ترغب في أن تبدو عليه، والمنهج الأخلاقي الذي تود أن تسلكه...
لكن أو ليس من حق الجميع التحقق من مدى إمكانية تطبيق هذا المنطق على الناس كافَّة، ومن عدم مساسه بحرية الآخرين ومصالحهم ؟
فالمراهق ـ القابع بجانبي في السيارة في أثناء رحلة الذهاب إلى الثانوية ـ جزء من هذا الجميع، وفرد من أفراد المجتمع المؤمَّل والمطلوب من الحداثة أن تعطيهم كل الحقوق المستحقة حسب نصوصها، وأن تهتم بهم، وتترك لهم الحق في ممارسة حرياتهم بـ"حرية" في جميع المجالات.
وأية حرية ستضمن له وتوفر له هذه الحداثة، وهو المقود غصباً إلى الفاحشة، لتفريغ الشحنات المنبثقة عن استثارة أعضائه التناسلية قهراً ودون رضاه؟
وهل من حلول أتوخَّى أن يطرحها سدنة الحداثة حتى أتمكَّن من خلالها أن أنقذ ابني من مهاوي الرذيلة والفحش؟
وكيف له أن يكون حرًّا في أن يسخِّر الطاقات التي منَّ الله بها عليه في إعلاء همته في طلب العلم، حتى يسهم في إعادة الأمة إلى مرتبة الخيرية وهو المشتت الذهن، المباغَت كل حين بما يقتحم عليه كيانه من شحنات الإغواء، تدفعه إلى بذل الكثير من الجهد من أجل مغالبة ما تنتجه في نفسه من نزوات، قد تدمِّره إن هادنها و استجاب لها؟
و كيف يُطلب من هذا الغضِّ اليافع، الذي نَضِجَ جسمه قبل أن يَنضَجَ عقله، أن يغالب هذا الطوفان من المثيرات ال***ية المتدفقة من جميع الجهات، المخاطبة لكل الحواس ؟
كيف لا تكون نصوص الحداثة مسؤولة عن ضياع مستقبل من استُثير... فاشتعل أُوار شهوته... فمارس ال*** الحرام... فحظي بغضب الله وسخطه أولاً... ثم كان المرض "العقاب" القاتل من نصيبه ثانياً؟
شباب يافعون في عمر الزهور أُدخلوا متاهات اللذة الحرام ليتلظَّوا بلهيبها...
يأس وضنك وتيه وأمراض نفسية وجسدية... تنهك القوى وتدمر فئة الشباب التي أُريد لها أن تكون معولَ هدم لا وسيلة بناء وتعمير للأرض التي استخلفه الله فيها.
ثم ألا يخطر ببال الأسر المتيحة لفتياتها ممارسة الحرية في اللباس والسلوك، أن ذكورها لا بد مكتوون بنار تبرُّج إناث الآخرين المتحررات ؟
علاقات غير شرعية، وخيانات زوجية، ولقطاء، بل حتى زنى المحارم و****** الأطفال... كل ذلك بات منشراً فاشياً..
إنه سعار ***ي مقيت يشلُّ الطاقات ويدمِّر العلاقات...
ولكي ترتق الخرق الذي اتسع تحاول الحداثة تفعيل حلول وهميَّة لا تقيم للعوامل المسببة للخلل حساباً...
حملات إعلاميَّة مضادة للاستغلال ال***ي للأطفال... والنفوس مريضة بعيدة عن الله تلهث وراء كل آت من الغرب المريض المهوَّس بال*** حتى النخاع.
وجمعيات تدَّعي العمل لحماية المجتمع المدني... والقلوب غافلة، تتلقَّى "نفحات" العهر، و"بركات" التسيُّب من مواقع الفجور على الشابكة (الإنترنت)، ومن قنوات المجون في فضائيات التلفاز، ومن صفحات العري في الصحف والمجلات.
و الداء لا يمكن شفاؤه -كما هو معلوم- إلا بالتصدي لأسبابه...
وتتيه بي الأفكار.. وتنحشر بذهني في متاهات التأمُّل في واقع الحال...
وأجدني قد شردت عن متابعة ما كنت بصدده من افتعال ما قد يشغل ابني عن صور العري والانحلال.
وينفطر قلبي ككل مرة حين أجدني عاجزة عن ضمان حمايته، وعن استعادة ما أجهز عليه الآخر المتحرِّر بمباركة عجل الحداثة ـ من حريته...
يجتاحني القلق طوفاناً يعصف بحناياي، ويُرغمني على التساؤل عن جدوى ما أبذله من جهود لإبعاد شبح الانسياق وراء الشهوات الحرام عنه، وعن مدى قدرة تلك الجهود على الوقوف أمام سيل الغواية الجارف، المتطاولة أمواجه حوله وحول أمثاله يوماً بعد يوم...
و يتوقَّف سيل التفكر وقد وصلت إلى وجهتي...
يغادر ابني، وأتابعه بنظرات مشفقة..
واليأس يكاد ينحشر وينغرز شوكه في داخلي...
أنتبه فجأة وأستعيذ بالله...أسارع بالتضرُّع إليه...
أبادر باستعادة استشعار طعم الحرية الحقيقية الكامنة في العبودية لله في أعماقي...
أستلذُّه ترياقاً يُبيد وهن الهزيمة، ويُعين على نوائب الإحساس بالقهر.
و ينطلق لساني ذاكراً...
وقلبي راجياً من الله أن يشملنا وأبناءنا بحفظه، وأن يعيننا على حسن تربيتهم وتوجيههم حتى يغالبوا الشهوات، ويدرؤوا عن أنفسهم الزلات، ويستعينوا بالله على التصدِّي للانجراف وراء المنكرات.
د. صالحة رحوتي
وتتوالى الالتفاتات... تبدأ لتنتهي على استحياء، ويرمقني بطرف عينيه محاولاً أن يستشف ردة فعلي، أحاول أن أكتم ما يعتمل بصدري وذهني... وأجتهد في البحث عن موضوع أطرحه حتى يكون البديل... وحتى يحتل النقاش حوله مساحات فكره وعقله، ويلهيه عن الانسياق ببصره وراء مناظر أضحت تؤثث فضاءات الواقع المر في كل الأوقات.
بطون وأفخاذ عارية، وسيقان وأذرع وأشياء أخرى كذلك...
فتيات في عمر الزهور مزدانات بكل أنواع الزينة...ألبسة قصيرة، ضيقة أو شفافة... مساحيق وقصات شعر وعطور، متبرجات حتى النخاع ... ويقصدن دور العلم.
نساء في كل الأعمار على نفس الشاكلة يقصدن أماكن العمل...
وربات بيوت وأمهات... لا يختلف مظهرهن عمن سبق ذكرهن...
و أجدني مرغمة ـ مرة أخرى ـ على أن أخوض غمار هذا الموضوع ، مع أن الحديث عن مثل هذه الظواهر أصبح اليوم عند مريدي العصرنة والحداثة من قبيل الهذيان المبين عن رجعيَّة راسخة في الفكر والوجدان...
أجدني أفعل ودون تردد، وقد أخبرنا وحي مذهبهم بأن حرية الفرد مقدسة...
و حدثنا كهنتهم بأن للإنسان أن يبحر في محيط الحياة كيفما شاء، و بأي فلك وأشرعة يريد، ما دام ذلك يوافق مزاجه و يريح نفسه ويلبِّي رغباته ويفي بتطلعاته...
لكن، هذه الحداثة تعترف بالعلم، وتلبَس مسوحه ولا تعارضه، بل تمتطي صهوته من أجل التصدي "للخرافة والغيبيات"،لا يمكنها إلا أن تجد نفسها مضطرة منطقيًّا لولوج حلبة التناظر من أجل البحث عن الحقيقة، التي ما فتئت تتباهى بأنها تنافح عنها، وتقرها، وتجعل من إبرازها هدفها الأول والأخير.
فالعلم أثبت أن للإنسان حواسَّ... والحواس تستثار عن طريق المؤثرات...
والدماغ يتلقَّى الإشارات ويرسل الأوامر للأعضاء... فتشتغل...
وعري الأجساد يخاطب الأبصار، وروائح العطور تدغدغ الأنوف، والخضوع في القول والكلام الفاحش ينحشران في الآذان... والعواطف والرغبات الجامحة المدمرة تسكن السوانح والوجدان...
والنتيجة التي لا يمكن أن ينكرها كل ذي لب يؤمن بالعلم: إشارات عصبية تتوالى، وهرمونات تفرز، وغرائز تستثار، وأعضاء تناسلية تشتعل أنسجتها.... فتستعد للاشتغال ...
وبالرغم من هذا فمقولات الحداثة تكابر وتتحدى منطق العقل والعلم...
فالمرأة حسب نصوصها المقدسة تملك حرية اختيار المظهر الذي ترغب في أن تبدو عليه، والمنهج الأخلاقي الذي تود أن تسلكه...
لكن أو ليس من حق الجميع التحقق من مدى إمكانية تطبيق هذا المنطق على الناس كافَّة، ومن عدم مساسه بحرية الآخرين ومصالحهم ؟
فالمراهق ـ القابع بجانبي في السيارة في أثناء رحلة الذهاب إلى الثانوية ـ جزء من هذا الجميع، وفرد من أفراد المجتمع المؤمَّل والمطلوب من الحداثة أن تعطيهم كل الحقوق المستحقة حسب نصوصها، وأن تهتم بهم، وتترك لهم الحق في ممارسة حرياتهم بـ"حرية" في جميع المجالات.
وأية حرية ستضمن له وتوفر له هذه الحداثة، وهو المقود غصباً إلى الفاحشة، لتفريغ الشحنات المنبثقة عن استثارة أعضائه التناسلية قهراً ودون رضاه؟
وهل من حلول أتوخَّى أن يطرحها سدنة الحداثة حتى أتمكَّن من خلالها أن أنقذ ابني من مهاوي الرذيلة والفحش؟
وكيف له أن يكون حرًّا في أن يسخِّر الطاقات التي منَّ الله بها عليه في إعلاء همته في طلب العلم، حتى يسهم في إعادة الأمة إلى مرتبة الخيرية وهو المشتت الذهن، المباغَت كل حين بما يقتحم عليه كيانه من شحنات الإغواء، تدفعه إلى بذل الكثير من الجهد من أجل مغالبة ما تنتجه في نفسه من نزوات، قد تدمِّره إن هادنها و استجاب لها؟
و كيف يُطلب من هذا الغضِّ اليافع، الذي نَضِجَ جسمه قبل أن يَنضَجَ عقله، أن يغالب هذا الطوفان من المثيرات ال***ية المتدفقة من جميع الجهات، المخاطبة لكل الحواس ؟
كيف لا تكون نصوص الحداثة مسؤولة عن ضياع مستقبل من استُثير... فاشتعل أُوار شهوته... فمارس ال*** الحرام... فحظي بغضب الله وسخطه أولاً... ثم كان المرض "العقاب" القاتل من نصيبه ثانياً؟
شباب يافعون في عمر الزهور أُدخلوا متاهات اللذة الحرام ليتلظَّوا بلهيبها...
يأس وضنك وتيه وأمراض نفسية وجسدية... تنهك القوى وتدمر فئة الشباب التي أُريد لها أن تكون معولَ هدم لا وسيلة بناء وتعمير للأرض التي استخلفه الله فيها.
ثم ألا يخطر ببال الأسر المتيحة لفتياتها ممارسة الحرية في اللباس والسلوك، أن ذكورها لا بد مكتوون بنار تبرُّج إناث الآخرين المتحررات ؟
علاقات غير شرعية، وخيانات زوجية، ولقطاء، بل حتى زنى المحارم و****** الأطفال... كل ذلك بات منشراً فاشياً..
إنه سعار ***ي مقيت يشلُّ الطاقات ويدمِّر العلاقات...
ولكي ترتق الخرق الذي اتسع تحاول الحداثة تفعيل حلول وهميَّة لا تقيم للعوامل المسببة للخلل حساباً...
حملات إعلاميَّة مضادة للاستغلال ال***ي للأطفال... والنفوس مريضة بعيدة عن الله تلهث وراء كل آت من الغرب المريض المهوَّس بال*** حتى النخاع.
وجمعيات تدَّعي العمل لحماية المجتمع المدني... والقلوب غافلة، تتلقَّى "نفحات" العهر، و"بركات" التسيُّب من مواقع الفجور على الشابكة (الإنترنت)، ومن قنوات المجون في فضائيات التلفاز، ومن صفحات العري في الصحف والمجلات.
و الداء لا يمكن شفاؤه -كما هو معلوم- إلا بالتصدي لأسبابه...
وتتيه بي الأفكار.. وتنحشر بذهني في متاهات التأمُّل في واقع الحال...
وأجدني قد شردت عن متابعة ما كنت بصدده من افتعال ما قد يشغل ابني عن صور العري والانحلال.
وينفطر قلبي ككل مرة حين أجدني عاجزة عن ضمان حمايته، وعن استعادة ما أجهز عليه الآخر المتحرِّر بمباركة عجل الحداثة ـ من حريته...
يجتاحني القلق طوفاناً يعصف بحناياي، ويُرغمني على التساؤل عن جدوى ما أبذله من جهود لإبعاد شبح الانسياق وراء الشهوات الحرام عنه، وعن مدى قدرة تلك الجهود على الوقوف أمام سيل الغواية الجارف، المتطاولة أمواجه حوله وحول أمثاله يوماً بعد يوم...
و يتوقَّف سيل التفكر وقد وصلت إلى وجهتي...
يغادر ابني، وأتابعه بنظرات مشفقة..
واليأس يكاد ينحشر وينغرز شوكه في داخلي...
أنتبه فجأة وأستعيذ بالله...أسارع بالتضرُّع إليه...
أبادر باستعادة استشعار طعم الحرية الحقيقية الكامنة في العبودية لله في أعماقي...
أستلذُّه ترياقاً يُبيد وهن الهزيمة، ويُعين على نوائب الإحساس بالقهر.
و ينطلق لساني ذاكراً...
وقلبي راجياً من الله أن يشملنا وأبناءنا بحفظه، وأن يعيننا على حسن تربيتهم وتوجيههم حتى يغالبوا الشهوات، ويدرؤوا عن أنفسهم الزلات، ويستعينوا بالله على التصدِّي للانجراف وراء المنكرات.