ابو وليد البحيرى
29-04-2015, 08:10 PM
القومية.. واستبدال الأدنى بالذي هو خير ( تقرير )
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%287%29.jpg
كان الصراع الداخلي والقبلي من أبرز مشاكل عرب ما قبل الإسلام رغم اشتراكهم في النسب واللغة والجغرافيا.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تحول بعضهم إلى أدوات بيد القوى الكبرى التي كانت تستغلهم في حروبها وفي ضرب العرب ببعضهم، حيث تحالف عرب الحيرة (المناذرة) مع الإمبراطورية الفارسية وتحالف عرب الشام (الغساسنة) مع الإمبراطورية الرومانية، وكلتا الإمبراطوريتين كانتا في عداء وصراع دائم بينهما.
أما عرب وسط شبه الجزيرة العربية فكانوا يتصارعون فيما بينهم على صغائر الأمور، ومنطق الثأر هو السائد. وفي جنوب الجزيرة لم تتوقف الصراعات بين الدويلات الداخلية منذ عهد سبأ.
أما الدين عند العرب فمتعدد الأشكال ما بين سماوية محرفة ووثنيات خرافية. ولم تنفعهم اللغة المشتركة ولا الأصل المشترك في توحيد صفوفهم وخلق كيان سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي موحد يستطيع أن يقارع الأمم الأخرى التي تتربص بهم.
ولما جاء الإسلام بكلمة التوحيد تجمع العرب حول أصل واحد استطاع أن يوحد الناس جميعاً – عربهم وعجمهم - تحت مظلة الدين الحنيف..وبهذا تحول العرب من جماعات متناثرة متناحرة سخرت منها الأمم إلى قوة عظمى ملكت معظم أرجاء الأرض مسنودة بمسلمي الأمم الأخرى.
واستمروا على ذلك دهراً طويلاً، ثم جاءتنا جاهلية ما قبل الإسلام بثوب جديد أعادت لنا مآسي الزمن الغابر بكل مظاهره وشواهده..حيث اُستبعد الدين الإسلامي وأُحضرت الصفات الجاهلية بدعوى الوحدة القومية، وها نحن لم نجد منها إلا نسخاً أخرى من (داحس والغبراء)، و(البسوس).
تاريخ القومية
يلخص الدكتور سفر الحوالي تاريخ القومية في عدد من النقاط.. حيث ذكر أن أكثر الناس غلواً في القومية والعنصرية - ولا يزالون إلى اليوم - هم اليهود، فربما يكون لليهود السبق في تعليم غيرهم من الأمم التعصب العرقي الذميم المغالى فيه جداً، فإن الأمم الأخرى - وإن كانت كل أمة تتعصب لقوميتها - إلا أنها لم تبلغ حداً يفوق اليهود، وإنما أكثر الأمم قوميةً ظهرت تبعاً لليهود، كما حدث للقومية النازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا، فهي قد ظهرت متأثرة بالفكر اليهودي.
واليهود هم أكثر الناس عنصرية وقومية وقد ذكر الله تبارك وتعالى عنهم ما يدل على ذلك في القرآن في مواضع كما قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18]، فيدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
ويدعي اليهود أنهم شعب الله المختار كما ذكر الله عز وجل عنهم قولهم: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، فيرون استحلال أموال غير اليهود، وأن أموال الأميين هي حلال لليهود.
وفي أوروبا لم تكن القومية معروفة على الإطلاق إنما كان الأصل في العالم - فيما يسميه المؤرخون في القرون الوسطى - هو الدين، وكانت القاعدة في التعامل هي الدين، وكان الإنسان يسأل أكثر ما يسأل عن دينه، فهو إما مسلم وإما نصراني وإما يهودي وإما مجوسي... إلخ، أما العصبيات والعنصريات فلها اعتبار ثانٍ يأتي بعد الدين، وكان ذلك في أوروبا وفي الشرق وفي كل مكان حتى ظهرت الفكرة القومية.
ثم ظهرت هذه الفكرة بشكل وطني، وذلك بظهور الثورة الفرنسية، التي يزعم الغربيون أنها مفتاح الحرية ومشرق النور وفجر المساواة والعدالة والحضارة الحديثة، فعندما ظهرت الثورة الفرنسية لم يكن لها أي طابع ديني، وإنما كانت وطنية، تقول: إن الناس جميعاً متساوون في الوطنية، فلا ينظر إلى أديانهم وعقائدهم ومللهم، هذه الفكرة كانت جديدة على الناس سواء في بلاد الغرب أو الشرق؛ لأن الناس إنما يتفاضلون بحسب الدين، وكل إنسان يرى أنه أفضل من غيره ديناً، ومهما كان المخالف له في الدين فإنه يحتقره.
وكان هؤلاء المفكرون الذين وضعوا أفكار الثورة الفرنسية معادين للدين لأسباب ولظروف خاصة، فكانوا يأخذون من الفكر اليوناني القديم، ومن الأفكار التي ظهرت في أوروبا، ونمت وترعرعت شيئاً فشيئاً بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، فلما كان هذا الفكر بعيداً عن الدين جمعوا الأمة - كما يزعمون - على أساس وطني.
حتى صارت هناك دول أصبحت الوطنية والقومية فيها شيئاً واحداً.. ودول ومجتمعات أخرى أصبحت القومية فيها أوسع وأعم من الوطنية، وأوضح مثال: الدول العربية؛ حيث صارت "الوطنية" فيها أضيق من مفهوم القومية، فهناك مثلاً وطنية مصرية ووطنية عراقية ووطنية سورية، فهذه كلها وطنيات، ولكن يجمعها قومية واحدة هي القومية العربية، لكن بعض الدول قوميتها هي وطنيتها مثل ألمانيا واليابان وفرنسا، فهم شعب يعيش على أرض واحدة؛ ويتكلم لغة واحدة في مكان واحد؛ وله تاريخ واحد؛ فقوميته هي وطنيته.
القومية العربية
المعلومات المنتشرة بصفة اعتيادية تقول إن أول إرهاصات القومية العربية كانت في بلاد الشام بعد حملة محمد علي والتدخل الأوروبي الذي تبع ذلك.
في البداية كانت مطالب القوميين العرب محدودة بالإصلاح داخل الدولة العثمانية، واستخدام أوسع للغة العربية في التعليم والإدارات المحلية، وإبقاء المجندين العرب في وقت السلم في خدمات محلية.
طرأ تشدد على المطالب إثر ثورة عام 1908م في الآستانة وبرنامج التتريك الذي فرضته حكومة جمعية الاتحاد والترقي والمعروفة بـ(تركيا الفتاة).
إلا أنه حتى ذلك الوقت لم يمثل القوميون العرب تياراً شعبياً يعتد به حتى في سوريا معقلها الأقوى آنذاك، فمعظم العرب كان ولاؤهم لدينهم أو طائفتهم أو قبيلتهم أو حكوماتهم المحلية.
في عام 1913م اجتمع بعض المفكرين والسياسيين العرب في باريس في المؤتمر العربي الأول. وتوصلوا إلى قائمة من المطالب للحكم الذاتي داخل الدولة العثمانية. وطالبوا كذلك ألا يُطلب من المجندين العرب في الجيش العثماني أن يخدموا خارج أقاليمهم إلا في وقت الحرب.
لكن البعض – ومنهم الدكتور سفر الحوالي – يذكر أن المسلمين لم يكونوا يعرفون أي شيء عن الفكرة القومية ولا الوطنية إلى أن ظهرت في مصر.
فظهرت الوطنية المصرية والافتخار بمصر وبأمجاد مصر، وبالفراعنة وما قبل الفراعنة تأثراً بالذين ابتعثوا إلى فرنسا والذين تأثروا بفكرة الوطنية الفرنسية.
ونشأت في مصر دعوة قوية جداً إلى الوطنية، حتى كانت كل الأحزاب على اختلافها تدعو أو تفخر بالوطنية، فحزب الوفد وسعد زغلول كان وطنياً، وكذلك مصطفى كامل كان وطنياً جداً رغم عداوته لسعد زغلول ورغم ما عنده من مسحة إسلامية.. وكذلك أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم من الشعراء كانوا شعراء وطنيين؛ قلّ أن تجد لهم شيئاً من الشعر الذي يفتخر بالعرب أو بالعالم الإسلامي إلا أحياناً، إنما الأصل عندهم في الفخر هو الوطنية ونوع من الامتزاج بالقومية، لكن لم تظهر ملامحه ولم تتضح في تلك المرحلة.
وقد أدى ضعف الدولة العثمانية إلى تشجيع بعض العرب على القيام بمحاولات التمرد بزعم "الاستقلال" و"الحرية".. وكان على رأس هؤلاء العرب المفكرون المسيحيون في بلاد الشام ومصر الذين قادوا حركة التمرد ضد الدولة العثمانية المسلمة.
وقد توسعت الدكتورة فدوى نصيرات في عرض دور المسيحيين العرب، وذلك في رسالة دكتوراه، ونشرت مجلة (المستقبل العربي) ملخصاً لهذه الدراسة.
ومن خلال ما طرحته فدوى يتضح أن دور المسيحيين العرب كان يمثل رأس حربة في الدعوة إلى القومية العربية وتهميش الدين وذلك منذ القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد استخدم هؤلاء المفكرون عدداً من الوسائل الفكرية لإبعاد الدين وإحلال ثقافة أخرى تجمع العرب، ومن هذه الوسائل:
الجمعيات الثقافية، وأبرزها:
- مجمع التهذيب (1846م).
- الجمعيةالسورية لاكتساب العلوم والفنون (1847م – 1852م).
- الجمعية المشرقية في بيروت (1850م).
- الجمعية العلمية السورية (1857م – 1868م).
الصحافة
اهتمت الصحافة في تلك الفترة بنشر الوعي القومي العربي، ومن أبرز الموضوعات التي ركزت عليها الصحافة العربية:
- اللغة العربية وضرورة التمسك بها وإعادة إحيائها من جديد؛ بحيث تصبح لغة عصرية تواكب العلم الحديث.
ورغم أن هذا يحمل – في ظاهره صفة إيجابية – إلا أنها جاءت ضمن محاولات التمرد على السلطة العثمانية سياسياً وثقافياً واجتماعياً، والاهتمام باللغة العربية ذريعة تساعد على كسب عاطفة العرب وتعاونهم، وقد وجدنا أن اللغة العربية لم تكن محط اهتمام عملي عند القوميين العرب، بل أُهملت وحلت محلها اللهجات المحلية واللغات الأجنبية.
- الفخر بال*** العربي والتغني بأمجاده السابقة وأخلاقه المميزة، وفي هذا عودة إلى منطق (وما أنا إلا من غزية).
- الدعوة إلى الألفة والتضامن بين أفراد المجتمع على اختلاف طوائفه وملله.. ولم تكن لهذه الدعوة أسس متينة وراسخة إلا ما كان من استعادة عوامل الجاهلية الأولى التي فشلت في توحيد العرب.
- رفع شعار (حب الوطن من الإيمان)، وجاء الشعار في سياق الحملة التي شنها الكتاب المسيحيون العرب على البعد الديني للوطن؛ فكان لا بد من إحلال بدائل روحية مكان الرابطة الدينية مثل الحس الوطني والمواطنة الصالحة وحرية الأديان.
- الاهتمام بالمرأة العربية، وقد جاء هذا الجانب منحرفاً عن المسار الشرعي؛ فإذا كانت المرأة راعية في بيت زوجها وهي المدرسة الأولى؛ فإن انحرافها سيؤدي إلى انحراف المجتمع بأكمله.
وخلال الفترة 1875م – 1907م ظهرت عدد من الجمعيات الفكرية العربية لم تكن تظهر أهدافها القومية، بل كانت تهتم بجوانب هي من صلب القومية العربية. وقد أنشأ العرب المسيحيون أولى الجمعيات السرية العربية التي تندد بالحكم التركي وتطالب بالاستقلال، من أهمها:
- جمعية بيروت السرية (1875م).
- جمعية الحزب الوطني في مصر (1878م).
- جمعية حفظ حقوق الملة العربية، في بيروت (1881م).
- الجمعية الوطنية العربية، في باريس (1895).
- جمعية الشورى العثمانية، في مصر (1897م).
- جمعية جامعة الوطن العربي (1904م).
- جمعية النهضة العربية، في دمشق (1906م).
- جمعية النشأة التهذيبية، في حلب (1907م).
ثم توالت أمثال هذه التجمعات الفكرية والسياسية منها السرية وبعضها علنية.
وقريب من طرح فدوى ذكر الحوالي أن أول من دعا إلى القومية العربية وأظهرها كقومية عربية هم النصارى العرب، وهؤلاء النصارى أكثرهم في بلاد الشام..
والذي حدث أن الدولة العثمانية ضغطت على نصارى الشام وآذتهم، فهاجرت طوائف كبيرة منهم إلى مصر، وهناك أسسوا جريدة الأهرام ومجلة المقتطف وغيرها، وبدءوا يبثون الفكر القومي في مصر، فأصبح منتشراً في مصر إلى حد ما، وكذلك في بلاد الشام، وهي مقره، ولاسيما في لبنان؛ لأن النصارى كانوا في منطقة جبل لبنان، وهناك تركزت الفكرة أو الدعوة النصرانية القومية، وأيدها الغرب.
وتبنى الغرب القومية العربية لتكون معولاً لهدم الإسلام، ليضرب بها الإسلام، فتختلف آصرة التجمع عند العرب والترك على الإسلام؛ فينفصلون عن الترك وعن الهنود وغيرهم، وتصبح القومية العربية فقط هي التي تجمعهم فيسهل تفتيتهم.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%281%29.jpg
وكذلك أصبحت الدعوة في تركيا إلى القومية الطورانية التركية، والذين دعوا إلى القومية الطورانية التركية كانوا من اليهود، حتى إن أحد المؤرخين الأمريكان اسمه واتسون – حسب ما نقله الحوالي - يقول: "إنه لا يوجد أحد في حركة الاتحاد والترقي - الحركة القومية التركية - من أصل تركي حقيقي، وإنما هم من اليهود وغيرهم، أي: يدعون إلى القومية التركية وليس فيهم رجل واحد من أصل تركي. والذين يدعون إلى القومية العربية ليس فيهم مسلم، وأكثرهم - أيضاً - أصولهم أعجمية ونصارى".
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%286%29.jpg
وظهرت الأفكار الوطنية والقومية، وكانت في مصر أكثر ما تكون وطنية، وأما في بلاد الشام فإنها كانت قومية.
ثم تطورت الحركة القومية وجمعية العربية الفتاة - كما يسمونها - وحرصت على تأسيس رابطة قومية تجمع العرب، وبارك الغرب هذه الرابطة وشجعها؛ بل إن الذي اقترحها في الأصل كمنظمة هو (أنطوني إيدن) الذي كان وزير خارجية بريطانيا، ثم أصبح رئيس وزراء بريطانيا، فاقترح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، فأنشئ بروتوكول الإسكندرية ثم جامعة الدول العربية.
وكان الذين أسسوها واجتمعوا ووقعوا ميثاقها - قبل قيام هذه الجامعة - كانوا أعضاءً في جمعية العربية الفتاة وأشباهها من الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الزمن.
وبعدها وقع ميثاق جامعة الدول العربية، ثم ظهرت هذه الأحزاب وأسس حزب البعث، فلما ظهر المعسكر الشرقي الاشتراكي اندمجت الفكرة الاشتراكية في الحركات القومية والوطنية - لأنها كلها مستوردة من الغرب - فقامت الثورة المصرية وحَوَّلَها جمال عبد الناصر من فكرة وطنية إلى فكرة قومية، وقبل جمال عبد الناصر لا تجد في مصر إشارات إلى العرب أو العروبة ككل، وإنما كانت الفكرة الراسخة في مناهج التعليم وفي الصحافة والإعلام والشعر هي الشعارات الوطنية الفرعونية...إلخ. وبعد أن جاء جمال عبد الناصر أنشأ إذاعة صوت العرب، والصحافة العربية، والفكر العربي، والأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فأجج الفكر العربي القومي.
وفي المقابل - أيضاً - جاء البعثيون بشعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، فكان هذا هو شعار حزب البعث، فبدءوا ينشرون هذا المبدأ، وكان الصراع على أشده بين هؤلاء وهؤلاء، مع أن جمال عبد الناصر دعا إلى الاشتراكية مع القومية العربية، وأولئك مع الوحدة العربية دعوا إلى الاشتراكية؛ إذاً: هؤلاء اشتراكيون وهؤلاء اشتراكيون، لكن الخلافات الحزبية بينهم، واختلاف الولاءات - هذا مع الغرب وهذا مع الشرق - كانت على أشدها، والذي يجمع الجميع أنهم لا يريدون الإسلام، فالغرب - سواء كان شرقاً أو غرباً - لا يريد أن يكون هناك أي تجمع باسم الإسلام.
وكان من بين مؤسسي الفكر القومي العربي: زكي الأرسوزي- محمد عزة دروزة - ساطع الحصري - عبد الرحمن الكواكبي - قسطنطين زريق.
إلا أن عديد دويشا نفى – في كتابه (القومية العربية في القرن العشرين: من الانتصار إلى الاندحار) – أن يكون الحصري قومياً، حيث يجادل في أن القومية العربية استلهمت أفكارها من الفكرة الألمانية القائلة بوجود قومية ثقافية, وأنها لم ترسخ وتمد جذورها إلا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ إن جميع الدعوات إلى قيام حكم عربي مستقل ذاتياً تحت ظل الإمبراطورية العثمانية, وهي الدعوات التي أطلقها "الإصلاحيون" أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني, "كانت تهدف بالأساس إلى إحياء الإسلام الذي أصابه الركود".
وقال: "كان أصحاب تلك الدعوات مصلحون إسلاميون أصلاً, أدركوا التهديد الثقافي الذي بات الغرب يمثله للإسلام واستشعروا الخيفة منه, فبادروا إلى مواجهة ذلك التهديد بالدعوة إلى إصلاح إسلامي وإلى البعث والوحدة. أما القومية فكانت في نظرهم مفهوماً تقسيمياً أجنبياً. وكل ما يمكن أن يعثر عليه من إشارات إلى العروبة في كتاباتهم كان مرتبطاً بشدة بإحياء الإسلام والأمة الإسلامية. ولم يخطر على بالهم أبداً تقديم قضية العروبة على قضية التضامن الإسلامي الأوسع".
ثورة الحسين بن علي
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%282%29.jpg
عُرف عن الثورة العربية الكبرى - التي أعلنها عام 1919م شريف مكة الحسين بن علي – أنها الشرارة التي أججت الحركة القومية العربية.
فقد أعلن الشريف حسين بن عليالحرب على العثمانيين باسم العرب جميعاً. وكانت مبادئ الثورة العربية قد وضعت بالاتفاق ما بين الحسين بن علي وقادة الجمعيات العربية في سوريا والعراق في ميثاق قومي عربي غايته استقلال العرب وإنشاء دولة عربية متحدة قوية، وقد وعدت الحكومة البريطانية العرب من خلال مراسلات (حسين – مكماهون 1915م) بالاعتراف باستقلال العرب مقابل اشتراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%284%29.jpg
ونشرت جريدة "القبلة" بياناً رسمياً برفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة ابتداءً من (9 شعبان 1335-10 يونيو 1917م)، وهو يوم الذكرى السنوية الأولى للثورة.
وقال البيان إن العَلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى متبوعاً بالأخضر في الوسط والأبيض في الأسفل.
وتشير الألوان الأفقية المرفوعة إلى شعارات رفعها العرب قديماً (الأسود: الدولة العباسية) (الأخضر: الدولة الفاطمية) (الأبيض: الدولة الأموية)؛ أما المثلث الأحمر فيشير إلى الثورة.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%285%29.jpg
وقد جمع العلم في ألوانه الأربعة رموز الاستقلال والتاريخ العربي في كل الأزمنة، واستمر العلم حتى عام 1964م.
انطلقت الثورة من مكة بزعامة الشريف حسين بن علي في 1334هـ، العاشر من يونيو 1916م. وأعلن الشريف حسين ما وصف بـ"الجهاد المقدس" ضد الأتراك في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، واحتل جيشه مكة والطائف وجدة ثم المدينة المنورة.
دخلت قوات الثورة العربية مدينة دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين في 1336هـ (مطلع أكتوبر من عام 1918م)، فانسحب منها الجيش التركي، كما انسحب من بقية المدن السورية حتى تم "تحرير" كافة الأراضي في منتصف نوفمبر من العام نفسه. ثم تشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي وبموافقة الأمير فيصل عليها، كما أرسل الأمير فيصل شكري باشا الأيوبي إلى بيروت لتأسيس إدارة عسكرية فيها.
سذاجة عربية وغدر غربي
بعد قيام الحكومة العربية عمد البريطانيون إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق: غربية تقع تحت الإدارة الفرنسية، وشرقية داخل سوريا والأردن، وجنوبية تشمل فلسطين، وقد وضعت تحت الانتداب البريطاني.
وتطبيقاً لمعاهدة سايكس ـ بيكو (1916م)، فقد احتلت القوات الفرنسية بيروت في شهر أكتوبر من عام 1918م وتوالى نزولها في المدن الساحلية، وأنزلت الأعلام العربية عن المباني الرسمية.
ذهب فيصل إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس ليمثل بلاده نيابة عن الشريف حسين رغم معارضة فرنسا لقدومه، وألقى خطابًا في المؤتمر طالب فيه "بحق الشعب العربي في الاستقلال والحرية والوحدة"، ولكن المؤتمر خيب آمال العرب وعاد فيصل إلى دمشق.
بعد عودة فيصل إلى دمشق عقد المؤتمر السوري العام في 2 يوليو 1919م، ونادى بفيصل ملكًا على سوريا، كما طالب المؤتمر بإلغاء اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، وكذلك إلغاء وعد بلفور، ورفض الانتداب البريطاني والفرنسي.
أدى موقف الحلفاء إلى عقد المؤتمر السوري في 7 مارس 1920م، وقرر إعلان استقلال سوريا دولة ذات سيادة وملكية دستورية. وتألفت أول وزارة دستورية برئاسة رضا الركابي باشا، وأعلنت مبايعة فيصل ملكًا على سوريا، كما أعلن المؤتمر عن إقامة اتحاد سياسي بين العراق وسوريا.
وندد المؤتمر كذلك بالمؤتمرات الاستعمارية والصهيونية غير أن الحلفاء قرروا في مؤتمر سان ريمو 1920م، وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ووضع فلسطين وشرق الأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني.
إذاً فقد سعىأولئك القوميون إلى تقويض كل وحدة تجتمع على الإسلام.. فاعترضوا بشدة على فكرةالجامعة الإسلامية في بداية القرن العشرين، وسعوا إلى تأسيس الجامعة العربية، ولم تستطع الجامعةالعربية أن تصنع شيئاً أمام الاحتلال اليهودي لفلسطين؟ غير أنها مسخت قضية فلسطينفجعلتها عربية بدلاً أن تكون إسلامية.
ويتضح كم كان العرب سذجاً عندما اعتمدوا على الغرب في محاربة الدولة العثمانية طمعاً وحباً في الزعامة التي لم تغادر العقلية العربية منذ الجاهلية، وصدّقوا أن البريطانيين سيحققون لهم ما يطمعون.. بينما الواقع أثبت أن هذه الثورة لم تكن إلا سلاحاً استخدمه الغرب ضد الدولة العثمانية التي كانت أكبر عقبة في طريق السيطرة الغربية على العالم الإسلامي.
بالمقابل خرج أصحاب الثورة ومعهم بقية العرب بالفتات أولاً ثم التفتيت ثانياً ثم السقوط ثالثاً.
مرحلة السقوط
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%288%29.jpg
بعد أن وصلت القومية العربية إلى أوج قوتها في عهد جمال عبد الناصر، بدأت مرحلة السقوط في عهده أيضاَ.
وكانت البداية ضياع فلسطين وعجز العرب عن الدفاع عنها، فاكتفوا بعد العزائم بالصراخ والعويل الذي لم يتوقف إلا إلى اليوم. ثم جاء عام 1958م عندما قامت - بقيادة جمال عبد الناصر - وحدة اندماجية بين مصر وسورية، وسميت الدولة الوليدة بـ(الجمهورية العربية المتحدة)، إلا أن هذه الوحدة لم تعمر طويلاً، حيث حدث انقلاب في الإقليم السوري في فبراير من عام 1961م؛ أدى إلى إعلان الانفصال ثم تم عقد معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا عام 1964م، إلا أن وفاة الرئيس العراقي المشير عبد السلام عارف عام 1966م ثم حرب 1967م حالت دون تحقيق الوحدة. علماً أن مصر استمرت في تبني اسم (الجمهورية العربية المتحدة) حتى عام 1971م بعد تولي أنور السادات للحكم.
وفشل محاولات الوحدة كان سببه الرئيسي الصراع الداخلي بين قادة القومية العربية التي تشبع تاريخها بالانقلابات والاغتيالات في أكثر المناطق العربية تأثراً بالقومية العربية.
ثم جاءت نكبة عام 1967م وخسارة الجيوش العربية أمام إسرائيل..
ثم اندلعت حرب لبنان، يقول الحوالي: كانت لبنان منطلقاً لتمزيق الأمة الإسلامية والدولة العثمانية، والرابطة التي جمعتهم هي رابطة القومية، فأراد الله عز وجل أن تتمزق لبنان نفسها، وتصبح فئات متناحرة:
فالموارنة طائفة. والأرمن طائفة، والموارنة انقسموا إلى أحزاب، والدروز لهم حزب، ولهم إذاعة وجيش، والشيعة حزبان.
فتمزقت البقعة الصغيرة هذه التي من أجلها مزقنا الأمة الإسلامية وجعلناها أمتين، أمة عربية، وأمة إسلامية، حتى إنه إذا عقد مؤتمر الأمة العربية يحضر رئيس لبنان، فإذا عقد مؤتمر إسلامي يحضر رئيس لبنان وهو نصراني، فمن أجلهم ضيعنا ولاءنا وعقيدتنا وانتماءنا فمزقهم الله.
فبدأت القومية العربية في الانتكاس بهذا الحال، ومزق الله حزب البعث في سوريا والعراق.
إنها عداوة مستحكمة، بحيث يتعجب المرء في أن كل واحد منهم لو مُكّن له لكان أول ما يبدأ يفترس ويبطش بأخيه البعثي الآخر.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%283%29.jpg
ثم اشتعلت حرب الخليج على يد حزب البعث العراقي، وانقسم العرب – كالمعتاد – مع العراق وضده، واكتوت المنطقة بنيران الغرب.. وكانت النتيجة سقوط جزء من المنطقة العربية بيد الاحتلال الغربي.
ومن ثم انهارت القومية ولفظت أنفاسها الأخيرة بسقوط بغداد, وكما بدأت القومية على يد الغرب هاهي قد سقطت على يده أيضاً بعد أن أدرك أن وجودها أصبح عالة عليه..
ويمكن القول إن المجتمعات الخليجية كانت أكثر المجتمعات العربية يأساً من القومية والقوميين وأسرعها تركاً لها.
نقل الصحفي اللبناني رياض نجيب الريس في كتابه (رياح السموم) عن سياسي خليجي - لم يسمه – نظرة الخليجيين التشاؤمية للقومية العربية، وقد لخصها بقوله: "قبل حرب الخليج وعاصفة الصحراء كنا نحن الخليجيين نحلم بزوجة يابانية ومرتب أمريكي ومنزل ريفي إنجليزي وطباخ صيني. وإذا بنا – بعد أن غزانا صدام بقواته – نحصل على زوجة أمريكية ومرتب صيني ومنزل ياباني وطباخ إنجليزي".
موضحاً: "السبب أننا نحن في الخليج أصبحنا نعيش اليوم وبالإكراه مع زوجة أمريكية لا نحبها وفي منزل ياباني يضيق بنا وبمرتب صيني لا يكفينا وبطعام إنجليزي لا نستسيغه".
ثم قال – في سياق توضيح السبب - : "يعود إليكم أنتم تحديداً عرب المشرق، عرب الحركات القومية والدعوات الوحدوية والأحزاب العقائدية. لقد صدقنا القومية العربية وصدقناكم؛ فبدل أن يكون لنا زوجة عربية – بما ملكت أيماننا – في كل قطر عربي، وأنجال وأحفاد وأعمام وأخوال عرب، ونعيش في بيت عربي واسع ذي موائد عربية واسعة سخية تطعم الكل في ظل بحبوحة اقتصادية وأمنية.. أصبحت القومية العربية حماة مشاكسة تنغص عيشنا وتتدخل في شؤوننا وتؤلب علينا زوجاتنا وأولادنا وأقاربنا علينا".
ومضى السياسي الخليجي يشرح تداعيات القومية العربية على الخليج، الذي كان في بداياته مبهوراً بهذه القومية وداعماً لها بالمال خصوصاً بعد ظهور النفط في المنطقة. مبيناً كيف تحول النفط - بسبب كوارث القومية – من ثروة يستفاد منها إلى جزء من المشكلة..
وختم كلامه الطويل بقوله: "الإسلام أعطى عرب الجزيرة قوة روحية هائلة فسادوا العالم. النفط أعطى عرب الجزيرة قوة مادية هائلة فأصبحوا عبيد العالم".
الخلاصة
يكمن القول إن أسوأ ما جاءت به القومية العربية هو فصل العرب المسلمين عن بقية العالم الإسلامي، وتسليم الأرض العربية لقمة سائغة للذئاب الغربية، وبدل أن يصبح العرب وأرضهم خط الدفاع الأول عن الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم، تحولوا إلى ممر رئيس لقوى الغزو العالمي نحو بقية أرجاء العالم الإسلامي. وأصبحت أرض العرب قلب أزمات العالم الإسلامي بل والعالم أجمع..
ويظهر من تاريخ القومية العربية حجم الكارثة التي حلت بالعرب عندما تركوا منهج التوحيد وشرع الواحد الأحد الذي وحدهم وألف بين قلبوهم قروناً طويلة..
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya.jpg
وعندما غاب الإسلام الموحِد والمرجعية السليمة تعددت الآلهة وتصادمت الثقافات الوضعية، وعادت العنصرية والعصبية، ورجع العرب إلى عهد الروم وفارس والمناذرة والغساسنة يضرب بعضهم بعضاً ويوالون الشرق والغرب.
بل إن الوضع أصبح أسوأ؛ فلا نكاد نجد مكارم الأخلاق العربية القديمة إلا في أضيق الحدود وبين قلة من عامة الناس، وبدلاً عن ذلك حلت الأطماع والأنانية في أبشع صورها بعد أن تشبعوا بمنهج رأسمالية الغرب.
المصادر
- (المسيحيون العرب وفكرة القومية العربية في بلاد الشام ومصر 1840م – 1918م) – فدوى نصيرات- مجلة (المستقبل العربي) – العدد 368- أكتوبر 2009م.
- (رياح السموم) – رياض نجيب الريس- الطبعة الرابعة 1998م.
- (القوميةالعربية )– الدكتور سفر الحوالي- المشكاة.
- (القوميةالعربية في القرن العشرين.. من الانتصار إلى الاندحار) – تأليف عديد دويشا - عرض كامبردج بوك ريفيوز- مركز الجزيرة للدراسات والبحوث.
- (اللغة العربية والهوية القومية) - مركز الجزيرة للدراسات والبحوث.
- (إحياء صنم القومية العربية خيبة وضلال) - ممدوح إسماعيل - موقع (طريق الإسلام).
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%287%29.jpg
كان الصراع الداخلي والقبلي من أبرز مشاكل عرب ما قبل الإسلام رغم اشتراكهم في النسب واللغة والجغرافيا.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تحول بعضهم إلى أدوات بيد القوى الكبرى التي كانت تستغلهم في حروبها وفي ضرب العرب ببعضهم، حيث تحالف عرب الحيرة (المناذرة) مع الإمبراطورية الفارسية وتحالف عرب الشام (الغساسنة) مع الإمبراطورية الرومانية، وكلتا الإمبراطوريتين كانتا في عداء وصراع دائم بينهما.
أما عرب وسط شبه الجزيرة العربية فكانوا يتصارعون فيما بينهم على صغائر الأمور، ومنطق الثأر هو السائد. وفي جنوب الجزيرة لم تتوقف الصراعات بين الدويلات الداخلية منذ عهد سبأ.
أما الدين عند العرب فمتعدد الأشكال ما بين سماوية محرفة ووثنيات خرافية. ولم تنفعهم اللغة المشتركة ولا الأصل المشترك في توحيد صفوفهم وخلق كيان سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي موحد يستطيع أن يقارع الأمم الأخرى التي تتربص بهم.
ولما جاء الإسلام بكلمة التوحيد تجمع العرب حول أصل واحد استطاع أن يوحد الناس جميعاً – عربهم وعجمهم - تحت مظلة الدين الحنيف..وبهذا تحول العرب من جماعات متناثرة متناحرة سخرت منها الأمم إلى قوة عظمى ملكت معظم أرجاء الأرض مسنودة بمسلمي الأمم الأخرى.
واستمروا على ذلك دهراً طويلاً، ثم جاءتنا جاهلية ما قبل الإسلام بثوب جديد أعادت لنا مآسي الزمن الغابر بكل مظاهره وشواهده..حيث اُستبعد الدين الإسلامي وأُحضرت الصفات الجاهلية بدعوى الوحدة القومية، وها نحن لم نجد منها إلا نسخاً أخرى من (داحس والغبراء)، و(البسوس).
تاريخ القومية
يلخص الدكتور سفر الحوالي تاريخ القومية في عدد من النقاط.. حيث ذكر أن أكثر الناس غلواً في القومية والعنصرية - ولا يزالون إلى اليوم - هم اليهود، فربما يكون لليهود السبق في تعليم غيرهم من الأمم التعصب العرقي الذميم المغالى فيه جداً، فإن الأمم الأخرى - وإن كانت كل أمة تتعصب لقوميتها - إلا أنها لم تبلغ حداً يفوق اليهود، وإنما أكثر الأمم قوميةً ظهرت تبعاً لليهود، كما حدث للقومية النازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا، فهي قد ظهرت متأثرة بالفكر اليهودي.
واليهود هم أكثر الناس عنصرية وقومية وقد ذكر الله تبارك وتعالى عنهم ما يدل على ذلك في القرآن في مواضع كما قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18]، فيدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
ويدعي اليهود أنهم شعب الله المختار كما ذكر الله عز وجل عنهم قولهم: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، فيرون استحلال أموال غير اليهود، وأن أموال الأميين هي حلال لليهود.
وفي أوروبا لم تكن القومية معروفة على الإطلاق إنما كان الأصل في العالم - فيما يسميه المؤرخون في القرون الوسطى - هو الدين، وكانت القاعدة في التعامل هي الدين، وكان الإنسان يسأل أكثر ما يسأل عن دينه، فهو إما مسلم وإما نصراني وإما يهودي وإما مجوسي... إلخ، أما العصبيات والعنصريات فلها اعتبار ثانٍ يأتي بعد الدين، وكان ذلك في أوروبا وفي الشرق وفي كل مكان حتى ظهرت الفكرة القومية.
ثم ظهرت هذه الفكرة بشكل وطني، وذلك بظهور الثورة الفرنسية، التي يزعم الغربيون أنها مفتاح الحرية ومشرق النور وفجر المساواة والعدالة والحضارة الحديثة، فعندما ظهرت الثورة الفرنسية لم يكن لها أي طابع ديني، وإنما كانت وطنية، تقول: إن الناس جميعاً متساوون في الوطنية، فلا ينظر إلى أديانهم وعقائدهم ومللهم، هذه الفكرة كانت جديدة على الناس سواء في بلاد الغرب أو الشرق؛ لأن الناس إنما يتفاضلون بحسب الدين، وكل إنسان يرى أنه أفضل من غيره ديناً، ومهما كان المخالف له في الدين فإنه يحتقره.
وكان هؤلاء المفكرون الذين وضعوا أفكار الثورة الفرنسية معادين للدين لأسباب ولظروف خاصة، فكانوا يأخذون من الفكر اليوناني القديم، ومن الأفكار التي ظهرت في أوروبا، ونمت وترعرعت شيئاً فشيئاً بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، فلما كان هذا الفكر بعيداً عن الدين جمعوا الأمة - كما يزعمون - على أساس وطني.
حتى صارت هناك دول أصبحت الوطنية والقومية فيها شيئاً واحداً.. ودول ومجتمعات أخرى أصبحت القومية فيها أوسع وأعم من الوطنية، وأوضح مثال: الدول العربية؛ حيث صارت "الوطنية" فيها أضيق من مفهوم القومية، فهناك مثلاً وطنية مصرية ووطنية عراقية ووطنية سورية، فهذه كلها وطنيات، ولكن يجمعها قومية واحدة هي القومية العربية، لكن بعض الدول قوميتها هي وطنيتها مثل ألمانيا واليابان وفرنسا، فهم شعب يعيش على أرض واحدة؛ ويتكلم لغة واحدة في مكان واحد؛ وله تاريخ واحد؛ فقوميته هي وطنيته.
القومية العربية
المعلومات المنتشرة بصفة اعتيادية تقول إن أول إرهاصات القومية العربية كانت في بلاد الشام بعد حملة محمد علي والتدخل الأوروبي الذي تبع ذلك.
في البداية كانت مطالب القوميين العرب محدودة بالإصلاح داخل الدولة العثمانية، واستخدام أوسع للغة العربية في التعليم والإدارات المحلية، وإبقاء المجندين العرب في وقت السلم في خدمات محلية.
طرأ تشدد على المطالب إثر ثورة عام 1908م في الآستانة وبرنامج التتريك الذي فرضته حكومة جمعية الاتحاد والترقي والمعروفة بـ(تركيا الفتاة).
إلا أنه حتى ذلك الوقت لم يمثل القوميون العرب تياراً شعبياً يعتد به حتى في سوريا معقلها الأقوى آنذاك، فمعظم العرب كان ولاؤهم لدينهم أو طائفتهم أو قبيلتهم أو حكوماتهم المحلية.
في عام 1913م اجتمع بعض المفكرين والسياسيين العرب في باريس في المؤتمر العربي الأول. وتوصلوا إلى قائمة من المطالب للحكم الذاتي داخل الدولة العثمانية. وطالبوا كذلك ألا يُطلب من المجندين العرب في الجيش العثماني أن يخدموا خارج أقاليمهم إلا في وقت الحرب.
لكن البعض – ومنهم الدكتور سفر الحوالي – يذكر أن المسلمين لم يكونوا يعرفون أي شيء عن الفكرة القومية ولا الوطنية إلى أن ظهرت في مصر.
فظهرت الوطنية المصرية والافتخار بمصر وبأمجاد مصر، وبالفراعنة وما قبل الفراعنة تأثراً بالذين ابتعثوا إلى فرنسا والذين تأثروا بفكرة الوطنية الفرنسية.
ونشأت في مصر دعوة قوية جداً إلى الوطنية، حتى كانت كل الأحزاب على اختلافها تدعو أو تفخر بالوطنية، فحزب الوفد وسعد زغلول كان وطنياً، وكذلك مصطفى كامل كان وطنياً جداً رغم عداوته لسعد زغلول ورغم ما عنده من مسحة إسلامية.. وكذلك أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم من الشعراء كانوا شعراء وطنيين؛ قلّ أن تجد لهم شيئاً من الشعر الذي يفتخر بالعرب أو بالعالم الإسلامي إلا أحياناً، إنما الأصل عندهم في الفخر هو الوطنية ونوع من الامتزاج بالقومية، لكن لم تظهر ملامحه ولم تتضح في تلك المرحلة.
وقد أدى ضعف الدولة العثمانية إلى تشجيع بعض العرب على القيام بمحاولات التمرد بزعم "الاستقلال" و"الحرية".. وكان على رأس هؤلاء العرب المفكرون المسيحيون في بلاد الشام ومصر الذين قادوا حركة التمرد ضد الدولة العثمانية المسلمة.
وقد توسعت الدكتورة فدوى نصيرات في عرض دور المسيحيين العرب، وذلك في رسالة دكتوراه، ونشرت مجلة (المستقبل العربي) ملخصاً لهذه الدراسة.
ومن خلال ما طرحته فدوى يتضح أن دور المسيحيين العرب كان يمثل رأس حربة في الدعوة إلى القومية العربية وتهميش الدين وذلك منذ القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد استخدم هؤلاء المفكرون عدداً من الوسائل الفكرية لإبعاد الدين وإحلال ثقافة أخرى تجمع العرب، ومن هذه الوسائل:
الجمعيات الثقافية، وأبرزها:
- مجمع التهذيب (1846م).
- الجمعيةالسورية لاكتساب العلوم والفنون (1847م – 1852م).
- الجمعية المشرقية في بيروت (1850م).
- الجمعية العلمية السورية (1857م – 1868م).
الصحافة
اهتمت الصحافة في تلك الفترة بنشر الوعي القومي العربي، ومن أبرز الموضوعات التي ركزت عليها الصحافة العربية:
- اللغة العربية وضرورة التمسك بها وإعادة إحيائها من جديد؛ بحيث تصبح لغة عصرية تواكب العلم الحديث.
ورغم أن هذا يحمل – في ظاهره صفة إيجابية – إلا أنها جاءت ضمن محاولات التمرد على السلطة العثمانية سياسياً وثقافياً واجتماعياً، والاهتمام باللغة العربية ذريعة تساعد على كسب عاطفة العرب وتعاونهم، وقد وجدنا أن اللغة العربية لم تكن محط اهتمام عملي عند القوميين العرب، بل أُهملت وحلت محلها اللهجات المحلية واللغات الأجنبية.
- الفخر بال*** العربي والتغني بأمجاده السابقة وأخلاقه المميزة، وفي هذا عودة إلى منطق (وما أنا إلا من غزية).
- الدعوة إلى الألفة والتضامن بين أفراد المجتمع على اختلاف طوائفه وملله.. ولم تكن لهذه الدعوة أسس متينة وراسخة إلا ما كان من استعادة عوامل الجاهلية الأولى التي فشلت في توحيد العرب.
- رفع شعار (حب الوطن من الإيمان)، وجاء الشعار في سياق الحملة التي شنها الكتاب المسيحيون العرب على البعد الديني للوطن؛ فكان لا بد من إحلال بدائل روحية مكان الرابطة الدينية مثل الحس الوطني والمواطنة الصالحة وحرية الأديان.
- الاهتمام بالمرأة العربية، وقد جاء هذا الجانب منحرفاً عن المسار الشرعي؛ فإذا كانت المرأة راعية في بيت زوجها وهي المدرسة الأولى؛ فإن انحرافها سيؤدي إلى انحراف المجتمع بأكمله.
وخلال الفترة 1875م – 1907م ظهرت عدد من الجمعيات الفكرية العربية لم تكن تظهر أهدافها القومية، بل كانت تهتم بجوانب هي من صلب القومية العربية. وقد أنشأ العرب المسيحيون أولى الجمعيات السرية العربية التي تندد بالحكم التركي وتطالب بالاستقلال، من أهمها:
- جمعية بيروت السرية (1875م).
- جمعية الحزب الوطني في مصر (1878م).
- جمعية حفظ حقوق الملة العربية، في بيروت (1881م).
- الجمعية الوطنية العربية، في باريس (1895).
- جمعية الشورى العثمانية، في مصر (1897م).
- جمعية جامعة الوطن العربي (1904م).
- جمعية النهضة العربية، في دمشق (1906م).
- جمعية النشأة التهذيبية، في حلب (1907م).
ثم توالت أمثال هذه التجمعات الفكرية والسياسية منها السرية وبعضها علنية.
وقريب من طرح فدوى ذكر الحوالي أن أول من دعا إلى القومية العربية وأظهرها كقومية عربية هم النصارى العرب، وهؤلاء النصارى أكثرهم في بلاد الشام..
والذي حدث أن الدولة العثمانية ضغطت على نصارى الشام وآذتهم، فهاجرت طوائف كبيرة منهم إلى مصر، وهناك أسسوا جريدة الأهرام ومجلة المقتطف وغيرها، وبدءوا يبثون الفكر القومي في مصر، فأصبح منتشراً في مصر إلى حد ما، وكذلك في بلاد الشام، وهي مقره، ولاسيما في لبنان؛ لأن النصارى كانوا في منطقة جبل لبنان، وهناك تركزت الفكرة أو الدعوة النصرانية القومية، وأيدها الغرب.
وتبنى الغرب القومية العربية لتكون معولاً لهدم الإسلام، ليضرب بها الإسلام، فتختلف آصرة التجمع عند العرب والترك على الإسلام؛ فينفصلون عن الترك وعن الهنود وغيرهم، وتصبح القومية العربية فقط هي التي تجمعهم فيسهل تفتيتهم.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%281%29.jpg
وكذلك أصبحت الدعوة في تركيا إلى القومية الطورانية التركية، والذين دعوا إلى القومية الطورانية التركية كانوا من اليهود، حتى إن أحد المؤرخين الأمريكان اسمه واتسون – حسب ما نقله الحوالي - يقول: "إنه لا يوجد أحد في حركة الاتحاد والترقي - الحركة القومية التركية - من أصل تركي حقيقي، وإنما هم من اليهود وغيرهم، أي: يدعون إلى القومية التركية وليس فيهم رجل واحد من أصل تركي. والذين يدعون إلى القومية العربية ليس فيهم مسلم، وأكثرهم - أيضاً - أصولهم أعجمية ونصارى".
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%286%29.jpg
وظهرت الأفكار الوطنية والقومية، وكانت في مصر أكثر ما تكون وطنية، وأما في بلاد الشام فإنها كانت قومية.
ثم تطورت الحركة القومية وجمعية العربية الفتاة - كما يسمونها - وحرصت على تأسيس رابطة قومية تجمع العرب، وبارك الغرب هذه الرابطة وشجعها؛ بل إن الذي اقترحها في الأصل كمنظمة هو (أنطوني إيدن) الذي كان وزير خارجية بريطانيا، ثم أصبح رئيس وزراء بريطانيا، فاقترح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، فأنشئ بروتوكول الإسكندرية ثم جامعة الدول العربية.
وكان الذين أسسوها واجتمعوا ووقعوا ميثاقها - قبل قيام هذه الجامعة - كانوا أعضاءً في جمعية العربية الفتاة وأشباهها من الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الزمن.
وبعدها وقع ميثاق جامعة الدول العربية، ثم ظهرت هذه الأحزاب وأسس حزب البعث، فلما ظهر المعسكر الشرقي الاشتراكي اندمجت الفكرة الاشتراكية في الحركات القومية والوطنية - لأنها كلها مستوردة من الغرب - فقامت الثورة المصرية وحَوَّلَها جمال عبد الناصر من فكرة وطنية إلى فكرة قومية، وقبل جمال عبد الناصر لا تجد في مصر إشارات إلى العرب أو العروبة ككل، وإنما كانت الفكرة الراسخة في مناهج التعليم وفي الصحافة والإعلام والشعر هي الشعارات الوطنية الفرعونية...إلخ. وبعد أن جاء جمال عبد الناصر أنشأ إذاعة صوت العرب، والصحافة العربية، والفكر العربي، والأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فأجج الفكر العربي القومي.
وفي المقابل - أيضاً - جاء البعثيون بشعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، فكان هذا هو شعار حزب البعث، فبدءوا ينشرون هذا المبدأ، وكان الصراع على أشده بين هؤلاء وهؤلاء، مع أن جمال عبد الناصر دعا إلى الاشتراكية مع القومية العربية، وأولئك مع الوحدة العربية دعوا إلى الاشتراكية؛ إذاً: هؤلاء اشتراكيون وهؤلاء اشتراكيون، لكن الخلافات الحزبية بينهم، واختلاف الولاءات - هذا مع الغرب وهذا مع الشرق - كانت على أشدها، والذي يجمع الجميع أنهم لا يريدون الإسلام، فالغرب - سواء كان شرقاً أو غرباً - لا يريد أن يكون هناك أي تجمع باسم الإسلام.
وكان من بين مؤسسي الفكر القومي العربي: زكي الأرسوزي- محمد عزة دروزة - ساطع الحصري - عبد الرحمن الكواكبي - قسطنطين زريق.
إلا أن عديد دويشا نفى – في كتابه (القومية العربية في القرن العشرين: من الانتصار إلى الاندحار) – أن يكون الحصري قومياً، حيث يجادل في أن القومية العربية استلهمت أفكارها من الفكرة الألمانية القائلة بوجود قومية ثقافية, وأنها لم ترسخ وتمد جذورها إلا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ إن جميع الدعوات إلى قيام حكم عربي مستقل ذاتياً تحت ظل الإمبراطورية العثمانية, وهي الدعوات التي أطلقها "الإصلاحيون" أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني, "كانت تهدف بالأساس إلى إحياء الإسلام الذي أصابه الركود".
وقال: "كان أصحاب تلك الدعوات مصلحون إسلاميون أصلاً, أدركوا التهديد الثقافي الذي بات الغرب يمثله للإسلام واستشعروا الخيفة منه, فبادروا إلى مواجهة ذلك التهديد بالدعوة إلى إصلاح إسلامي وإلى البعث والوحدة. أما القومية فكانت في نظرهم مفهوماً تقسيمياً أجنبياً. وكل ما يمكن أن يعثر عليه من إشارات إلى العروبة في كتاباتهم كان مرتبطاً بشدة بإحياء الإسلام والأمة الإسلامية. ولم يخطر على بالهم أبداً تقديم قضية العروبة على قضية التضامن الإسلامي الأوسع".
ثورة الحسين بن علي
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%282%29.jpg
عُرف عن الثورة العربية الكبرى - التي أعلنها عام 1919م شريف مكة الحسين بن علي – أنها الشرارة التي أججت الحركة القومية العربية.
فقد أعلن الشريف حسين بن عليالحرب على العثمانيين باسم العرب جميعاً. وكانت مبادئ الثورة العربية قد وضعت بالاتفاق ما بين الحسين بن علي وقادة الجمعيات العربية في سوريا والعراق في ميثاق قومي عربي غايته استقلال العرب وإنشاء دولة عربية متحدة قوية، وقد وعدت الحكومة البريطانية العرب من خلال مراسلات (حسين – مكماهون 1915م) بالاعتراف باستقلال العرب مقابل اشتراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%284%29.jpg
ونشرت جريدة "القبلة" بياناً رسمياً برفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة ابتداءً من (9 شعبان 1335-10 يونيو 1917م)، وهو يوم الذكرى السنوية الأولى للثورة.
وقال البيان إن العَلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى متبوعاً بالأخضر في الوسط والأبيض في الأسفل.
وتشير الألوان الأفقية المرفوعة إلى شعارات رفعها العرب قديماً (الأسود: الدولة العباسية) (الأخضر: الدولة الفاطمية) (الأبيض: الدولة الأموية)؛ أما المثلث الأحمر فيشير إلى الثورة.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%285%29.jpg
وقد جمع العلم في ألوانه الأربعة رموز الاستقلال والتاريخ العربي في كل الأزمنة، واستمر العلم حتى عام 1964م.
انطلقت الثورة من مكة بزعامة الشريف حسين بن علي في 1334هـ، العاشر من يونيو 1916م. وأعلن الشريف حسين ما وصف بـ"الجهاد المقدس" ضد الأتراك في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، واحتل جيشه مكة والطائف وجدة ثم المدينة المنورة.
دخلت قوات الثورة العربية مدينة دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين في 1336هـ (مطلع أكتوبر من عام 1918م)، فانسحب منها الجيش التركي، كما انسحب من بقية المدن السورية حتى تم "تحرير" كافة الأراضي في منتصف نوفمبر من العام نفسه. ثم تشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي وبموافقة الأمير فيصل عليها، كما أرسل الأمير فيصل شكري باشا الأيوبي إلى بيروت لتأسيس إدارة عسكرية فيها.
سذاجة عربية وغدر غربي
بعد قيام الحكومة العربية عمد البريطانيون إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق: غربية تقع تحت الإدارة الفرنسية، وشرقية داخل سوريا والأردن، وجنوبية تشمل فلسطين، وقد وضعت تحت الانتداب البريطاني.
وتطبيقاً لمعاهدة سايكس ـ بيكو (1916م)، فقد احتلت القوات الفرنسية بيروت في شهر أكتوبر من عام 1918م وتوالى نزولها في المدن الساحلية، وأنزلت الأعلام العربية عن المباني الرسمية.
ذهب فيصل إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس ليمثل بلاده نيابة عن الشريف حسين رغم معارضة فرنسا لقدومه، وألقى خطابًا في المؤتمر طالب فيه "بحق الشعب العربي في الاستقلال والحرية والوحدة"، ولكن المؤتمر خيب آمال العرب وعاد فيصل إلى دمشق.
بعد عودة فيصل إلى دمشق عقد المؤتمر السوري العام في 2 يوليو 1919م، ونادى بفيصل ملكًا على سوريا، كما طالب المؤتمر بإلغاء اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، وكذلك إلغاء وعد بلفور، ورفض الانتداب البريطاني والفرنسي.
أدى موقف الحلفاء إلى عقد المؤتمر السوري في 7 مارس 1920م، وقرر إعلان استقلال سوريا دولة ذات سيادة وملكية دستورية. وتألفت أول وزارة دستورية برئاسة رضا الركابي باشا، وأعلنت مبايعة فيصل ملكًا على سوريا، كما أعلن المؤتمر عن إقامة اتحاد سياسي بين العراق وسوريا.
وندد المؤتمر كذلك بالمؤتمرات الاستعمارية والصهيونية غير أن الحلفاء قرروا في مؤتمر سان ريمو 1920م، وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ووضع فلسطين وشرق الأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني.
إذاً فقد سعىأولئك القوميون إلى تقويض كل وحدة تجتمع على الإسلام.. فاعترضوا بشدة على فكرةالجامعة الإسلامية في بداية القرن العشرين، وسعوا إلى تأسيس الجامعة العربية، ولم تستطع الجامعةالعربية أن تصنع شيئاً أمام الاحتلال اليهودي لفلسطين؟ غير أنها مسخت قضية فلسطينفجعلتها عربية بدلاً أن تكون إسلامية.
ويتضح كم كان العرب سذجاً عندما اعتمدوا على الغرب في محاربة الدولة العثمانية طمعاً وحباً في الزعامة التي لم تغادر العقلية العربية منذ الجاهلية، وصدّقوا أن البريطانيين سيحققون لهم ما يطمعون.. بينما الواقع أثبت أن هذه الثورة لم تكن إلا سلاحاً استخدمه الغرب ضد الدولة العثمانية التي كانت أكبر عقبة في طريق السيطرة الغربية على العالم الإسلامي.
بالمقابل خرج أصحاب الثورة ومعهم بقية العرب بالفتات أولاً ثم التفتيت ثانياً ثم السقوط ثالثاً.
مرحلة السقوط
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%288%29.jpg
بعد أن وصلت القومية العربية إلى أوج قوتها في عهد جمال عبد الناصر، بدأت مرحلة السقوط في عهده أيضاَ.
وكانت البداية ضياع فلسطين وعجز العرب عن الدفاع عنها، فاكتفوا بعد العزائم بالصراخ والعويل الذي لم يتوقف إلا إلى اليوم. ثم جاء عام 1958م عندما قامت - بقيادة جمال عبد الناصر - وحدة اندماجية بين مصر وسورية، وسميت الدولة الوليدة بـ(الجمهورية العربية المتحدة)، إلا أن هذه الوحدة لم تعمر طويلاً، حيث حدث انقلاب في الإقليم السوري في فبراير من عام 1961م؛ أدى إلى إعلان الانفصال ثم تم عقد معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا عام 1964م، إلا أن وفاة الرئيس العراقي المشير عبد السلام عارف عام 1966م ثم حرب 1967م حالت دون تحقيق الوحدة. علماً أن مصر استمرت في تبني اسم (الجمهورية العربية المتحدة) حتى عام 1971م بعد تولي أنور السادات للحكم.
وفشل محاولات الوحدة كان سببه الرئيسي الصراع الداخلي بين قادة القومية العربية التي تشبع تاريخها بالانقلابات والاغتيالات في أكثر المناطق العربية تأثراً بالقومية العربية.
ثم جاءت نكبة عام 1967م وخسارة الجيوش العربية أمام إسرائيل..
ثم اندلعت حرب لبنان، يقول الحوالي: كانت لبنان منطلقاً لتمزيق الأمة الإسلامية والدولة العثمانية، والرابطة التي جمعتهم هي رابطة القومية، فأراد الله عز وجل أن تتمزق لبنان نفسها، وتصبح فئات متناحرة:
فالموارنة طائفة. والأرمن طائفة، والموارنة انقسموا إلى أحزاب، والدروز لهم حزب، ولهم إذاعة وجيش، والشيعة حزبان.
فتمزقت البقعة الصغيرة هذه التي من أجلها مزقنا الأمة الإسلامية وجعلناها أمتين، أمة عربية، وأمة إسلامية، حتى إنه إذا عقد مؤتمر الأمة العربية يحضر رئيس لبنان، فإذا عقد مؤتمر إسلامي يحضر رئيس لبنان وهو نصراني، فمن أجلهم ضيعنا ولاءنا وعقيدتنا وانتماءنا فمزقهم الله.
فبدأت القومية العربية في الانتكاس بهذا الحال، ومزق الله حزب البعث في سوريا والعراق.
إنها عداوة مستحكمة، بحيث يتعجب المرء في أن كل واحد منهم لو مُكّن له لكان أول ما يبدأ يفترس ويبطش بأخيه البعثي الآخر.
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya%20%283%29.jpg
ثم اشتعلت حرب الخليج على يد حزب البعث العراقي، وانقسم العرب – كالمعتاد – مع العراق وضده، واكتوت المنطقة بنيران الغرب.. وكانت النتيجة سقوط جزء من المنطقة العربية بيد الاحتلال الغربي.
ومن ثم انهارت القومية ولفظت أنفاسها الأخيرة بسقوط بغداد, وكما بدأت القومية على يد الغرب هاهي قد سقطت على يده أيضاً بعد أن أدرك أن وجودها أصبح عالة عليه..
ويمكن القول إن المجتمعات الخليجية كانت أكثر المجتمعات العربية يأساً من القومية والقوميين وأسرعها تركاً لها.
نقل الصحفي اللبناني رياض نجيب الريس في كتابه (رياح السموم) عن سياسي خليجي - لم يسمه – نظرة الخليجيين التشاؤمية للقومية العربية، وقد لخصها بقوله: "قبل حرب الخليج وعاصفة الصحراء كنا نحن الخليجيين نحلم بزوجة يابانية ومرتب أمريكي ومنزل ريفي إنجليزي وطباخ صيني. وإذا بنا – بعد أن غزانا صدام بقواته – نحصل على زوجة أمريكية ومرتب صيني ومنزل ياباني وطباخ إنجليزي".
موضحاً: "السبب أننا نحن في الخليج أصبحنا نعيش اليوم وبالإكراه مع زوجة أمريكية لا نحبها وفي منزل ياباني يضيق بنا وبمرتب صيني لا يكفينا وبطعام إنجليزي لا نستسيغه".
ثم قال – في سياق توضيح السبب - : "يعود إليكم أنتم تحديداً عرب المشرق، عرب الحركات القومية والدعوات الوحدوية والأحزاب العقائدية. لقد صدقنا القومية العربية وصدقناكم؛ فبدل أن يكون لنا زوجة عربية – بما ملكت أيماننا – في كل قطر عربي، وأنجال وأحفاد وأعمام وأخوال عرب، ونعيش في بيت عربي واسع ذي موائد عربية واسعة سخية تطعم الكل في ظل بحبوحة اقتصادية وأمنية.. أصبحت القومية العربية حماة مشاكسة تنغص عيشنا وتتدخل في شؤوننا وتؤلب علينا زوجاتنا وأولادنا وأقاربنا علينا".
ومضى السياسي الخليجي يشرح تداعيات القومية العربية على الخليج، الذي كان في بداياته مبهوراً بهذه القومية وداعماً لها بالمال خصوصاً بعد ظهور النفط في المنطقة. مبيناً كيف تحول النفط - بسبب كوارث القومية – من ثروة يستفاد منها إلى جزء من المشكلة..
وختم كلامه الطويل بقوله: "الإسلام أعطى عرب الجزيرة قوة روحية هائلة فسادوا العالم. النفط أعطى عرب الجزيرة قوة مادية هائلة فأصبحوا عبيد العالم".
الخلاصة
يكمن القول إن أسوأ ما جاءت به القومية العربية هو فصل العرب المسلمين عن بقية العالم الإسلامي، وتسليم الأرض العربية لقمة سائغة للذئاب الغربية، وبدل أن يصبح العرب وأرضهم خط الدفاع الأول عن الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم، تحولوا إلى ممر رئيس لقوى الغزو العالمي نحو بقية أرجاء العالم الإسلامي. وأصبحت أرض العرب قلب أزمات العالم الإسلامي بل والعالم أجمع..
ويظهر من تاريخ القومية العربية حجم الكارثة التي حلت بالعرب عندما تركوا منهج التوحيد وشرع الواحد الأحد الذي وحدهم وألف بين قلبوهم قروناً طويلة..
http://www.awda-dawa.com/image3/from-10-24-alkaomya.jpg
وعندما غاب الإسلام الموحِد والمرجعية السليمة تعددت الآلهة وتصادمت الثقافات الوضعية، وعادت العنصرية والعصبية، ورجع العرب إلى عهد الروم وفارس والمناذرة والغساسنة يضرب بعضهم بعضاً ويوالون الشرق والغرب.
بل إن الوضع أصبح أسوأ؛ فلا نكاد نجد مكارم الأخلاق العربية القديمة إلا في أضيق الحدود وبين قلة من عامة الناس، وبدلاً عن ذلك حلت الأطماع والأنانية في أبشع صورها بعد أن تشبعوا بمنهج رأسمالية الغرب.
المصادر
- (المسيحيون العرب وفكرة القومية العربية في بلاد الشام ومصر 1840م – 1918م) – فدوى نصيرات- مجلة (المستقبل العربي) – العدد 368- أكتوبر 2009م.
- (رياح السموم) – رياض نجيب الريس- الطبعة الرابعة 1998م.
- (القوميةالعربية )– الدكتور سفر الحوالي- المشكاة.
- (القوميةالعربية في القرن العشرين.. من الانتصار إلى الاندحار) – تأليف عديد دويشا - عرض كامبردج بوك ريفيوز- مركز الجزيرة للدراسات والبحوث.
- (اللغة العربية والهوية القومية) - مركز الجزيرة للدراسات والبحوث.
- (إحياء صنم القومية العربية خيبة وضلال) - ممدوح إسماعيل - موقع (طريق الإسلام).
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم