مشاهدة النسخة كاملة : الترابط في القرآن الكريم (سورة البقرة)


ابو وليد البحيرى
30-04-2015, 07:15 PM
الترابط في القرآن الكريم (سورة البقرة)


علا الجمال








تبدأ السورة بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ والبسملة أمان من الله - تعالى – للإنسان؛ فالله - الرحمن - هو الذي أنزل القرآن؛ قال تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4] - رحمةً بنا.

وتدور السورة كلها عن أول آية؛ فذلك الكتاب لاشك فيه؛ كل ما فيه حق، وهو هدى للمتقين، من هم المتقون؟ سوف يأتي وصفهم في السورة على التفصيل، بناء على ما فعله غير المسلمين - من اليهود والمشركين - نفهم ما ينبغي أن يفعله المتقون، وسنجد صفاتاً وأفعالاً كثيرة فعلها اليهود؛ يذمها الله، ونحن نفعلها الآن بطريقة عادية جداً، لذلك؛يجب الحذر من الإتيان بأفعال مَنْ لعنهم الله وغضب عليهم؛ ولقد قال الله – تعالى - لليهود: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45], وقال للمؤمنين في نفس السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153], وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104], وكان اليهود من شمائلهم قول: "سمعنا وعصينا", قال الله - عز وجل -: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} [البقرة:108].

وذكر الله صفات المتقين في الجزء الثاني من السورة؛ وأوضحت أن الإيمان ليس الصلاة قِبَلَ المشرق والمغرب فقط؛ وإنما هو العمل بطاعة الله؛ {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177], ونلاحظ تكرار قول الله – تعالى -: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ},و{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ},و{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ},و{وَلْيَتَّقِ اللهَ},و{الَّذِيْنَ اتَّقَوْا},و{حَقَّاً عَلَىَ الْمُتَّقِيْنَ},و{مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِيْنَ}, وجاءت لفظة "اتقوا" عشر مرات.

ومن أسس الإسلام: الشهادتان, وإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, والحج, والصيام؛ ونجد السورة تؤكد هذه الأركان وما يتعلق بها؛ فإقامة شعائر الدين, تتطلب الأمان داخل البيت المسلم؛ لذلك جاء ذكر أحكام الطلاق وما يتعلق به؛ فالبيت القائم على المنازعات والصراعات, لن تُقَام فيه الصلاة كما ينبغي؛ وإذا أقيمت, فستكون حركات مجردة؛ لأن القلب مشغول, ولن تؤتي ثمارها من ازدياد الطاعة؛ بل ربما بعد الصلاة - مباشرة - يعصى الله؛ فالرجل الكاذب الخائن الذي يستفز امرأته, لا يتوقع من امرأته الطاعة الكاملة لله, وكذلك المرأة التي تؤذى زوجها؛ لن يسلم من الوقوع في الذنوب؛ وأقل ذنب "الغيبة" - وهي كبيرة من الكبائر - لذلك: ذكر الله - عز وجل - الحث على الصلاة وسط آيات الطلاق؛ والصلاة ليست حركات تُؤَدَّى؛ وإنما هي تجديد العهد بين العبد وربه؛ بحمده, والاستعانة به, وبعبادته وحده، والصراعات في البيت, تؤثر على جوهر وثمرة الصلاة.

لأن من لم تَنْهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ فليست بصلاة، والذي يصلى يناجى الله؛ أي: هو يؤمن بوجوده؛ إذن: فليتق الله ويطيعه؛ وسوف يجعل الله له مخرجا؛ فمن الرجال من يعامل زوجته معاملة سيئة, ولا يطلقها, وإذا سألته عن السبب يقول: حتى لا يتشرَّد الأبناء، وبعض الرجال لا يهتم بسلوك زوجته لنفس السبب, ولا يعلم أن من يُضَيِّق رحمة الله, تضيق عليه؛ كأصحاب البقرة، فالإنسان الذي يتقى الله, لا يتركه الله أبداً؛ فكم من زوجة أب أرحم من الأم على أبنائها. *ونجد أن الحج يستلزم الأمان الخارجي للزوم السفر؛ لذلك: ذُكِرَ القتال بعد الحج، وجاء ذكر الإنفاق للزومه في الحج والقتال, وأيضاً للتكافل بين المسلمين, وذُكِرت آية الدين والقصاص كي يأمن المسلم في مجتمعه؛ والأمان يساعد على إقامة شعائر الدين؛ ولقد ذكر الله سيدنا إبراهيم, وكيف أصبح إماماً؛ فلقد ابتلاه الله بكلمات؛ وهى أوامر أَمَرَهُ الله بها, فعمل بها, فجعله إماماً - بطاعته لله - كما قال الله - تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24], ثم تأتي آخر السورة لتجمل صفات المتقين؛ التي نفهم مما فعله اليهود أن الله يحذرنا من مسلكهم؛ فذكر الله أن المؤمنين آمنوا بالله وملائكته وكتبه, ولم يفرقوا بين أحد من رسله -كما فعل اليهود والنصارى - وقالوا سمعنا وأطعنا - بعكس اليهود – بذلك: نلمس ترابط السورة.

وعنوان السورة وثيق الصلة بها؛ فالبقرة تدل على عناد بنى إسرائيل, وكثرة غِيِّهِم, وتطاولهم على أنبيائهم, وعدم توقير ربهم؛ فلقد كانوا يسألون موسى بقولهم: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[البقرة:68], والمؤمنون يقولون: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]؛ فشتان بين الفريقين؛ وكانت النتيجة أن لعنهم الله؛ على الرغم من إنعامه – عز وجل - عليهم قبل ذلك، وتفضيلهم على العالمين.

ربما تكون قصة البقرة رسالة لها مغزاها: إننا إذا عصينا الله ولم نتبع أوامره, سيصبح أمرنا عسيراً؛ وفي آخر سورة البقرة يقول الله – عزَّ وجل -: {أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286]؛ فالمؤمن أطاع الله؛ وبذلك استحق الولاية لله, أو هو اتخذ الله مولى له فأطاعه؛ فيطلب من مولاه النصرة على القوم الكافرين، وليس الكافر هو المخالف للدين فقط, ولكنه - أيضاً - كل من يُنْكِر شريعة الله ويحاربها ويصد عنها - ولو سَمَّي نفسه مسلماً.

كيف ينصرني الله - بوصفي من المؤمنين - على القوم الكافرين؟ هل بجلوسي في البيت وطاعتي لله سينصرني الله على الكافرين؟! سنجد الإجابة بالتفصيل في سورة "آل عمران".

وتستوقفنا بعض المعاني في السورة – سورة البقرة – مثل: "نور الله"، و"نور المنافقين والكافرين"؛ حيث ضرب الله مثلاً للضالين؛ بمن جاء بنار يستوقد بها؛ والنار عند العرب قديماً تعنى الكثير؛ فهي للإنارة, وللتدفئة, ولإعداد الطعام, ولإبعاد الحيوانات المؤذية... وخلافه، والذي يستبدل نور الله بضلالات الدنيا؛ كمن أتى بنار للاستفادة بها؛ فلما أضاءت ما حوله, انطفأت النار؛ بأي سبب - من مطر أو نفاد الحطب - فالله قادر على الذهاب بها بأي سبب، فماذا سيفعلون؟! وهذا مثل لمن يستبدل بهدى الله ضلالات الغرب, ويربى أبناءه - مثلاً - على قيم أهل الغرب.

وهو يظن أن ذلك سينفعه؛ مثل النار التي استوقدها, ثم تمر الأيام؛ فينقلب أولاده عليه, ويطردونه من البيت؛ لأنهم تربوا على قيم الغرب؛ التي تحسب كل شيء بالأرقام, ولا يعلمون أنهم إذا أنفقوا على والدهم, سيبارك لهم الله وسيرزقهم من حيث لا يحتسبون, ومثل هذه القيم الدينية؛ ونحن نرى في حياتنا الدنيا مثل هذه النماذج؛ وعندما تنطفئ النار, لا يهتدي طريقاً - لقد قُضِىَ الأمر - ويبكي على ما فات, أو كالخائف من الصواعق والرعد, وهو ينسى المتحكم في هذه الأشياء؛ فأولى له أن يخاف منه ويتقيه، وإذا بَرِقَ البَرْق, مشى فيه؛ فهو يُخْدَعُ بأي بريق، ونور البرق ليس بباقٍ ولا دائم؛ أما نور الله, فهو الذي لا يُطْفَأ؛ لأنه في قلب المؤمن؛ متأكد من أن تعاليمه هي الحق - وإن طال العمر، وإن طال البلاء - أما من يستبدل بنور الله بريق الضلالات, فلن يستطيع العودة حين يذهب هذا البريق الخادع, ولن يجد غير نتيجة أعماله.



القصص في سورة البقرة:
ونلاحظ أن القصص التي جاءت في سورة البقرة, تخدم نفس المعنى، وهو الطاعة؛ فقصة خلق آدم، وتعليمه، وتحذيره من الشجرة، ثم قبول الله توبته تعلمنا: إنه يجب علينا الطاعة؛ لأن الله هو الذي خلقنا, وإن عصينا, يجب علينا التوبة؛ لأن الله هو الحكم والمتصرف فينا؛ فأين المهرب وأين المفر؟! و ذكر الله: إنه خلق للإنسان ما في الأرض جميعاً - قبل أن يخلقه - لكي يَعْمُر الأرض, ويستكشف ما في باطنها, وخلقه ليكون سيداً، وليس ضعيفاً يرضى بالقليل، وفى نفس الوقت مطيعاً لله مُطَبِّقاً لحكمه وشرعه؛ وكأنَّ الله يستنكر علينا المعصية - وهو تعالى قد خلق لنا كل شيء يكفينا - فلِمَ التهافُت على الحرام وفى الحلال غِنَى وسعة؟! وجاءت قصة "النمرود" مع إبراهيم الخليل – عليه السلام - لتؤكد أن الأولى بالطاعة هو من بيده الأمر والتغيير فقط؛ ونجد عاقبة الطاعة النصر والتمكين؛ كما في قصة "طالوت"؛ وليس معنى الطاعة لله ألا نبحث في الكون, ولا نسعى للمعرفة؛ فسيدنا "إبراهيم" طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى؛ حباً في المعرفة وليس شكاً، واضطراب القلب هنا كان قلقاً للمعرفة؛ فالله - سبحانه وتعالى - لم يُنْكِر على "إبراهيم" ذلك القلق للمعرفة؛ وهذا رد على المتشددين؛ الذين يُنْكِرُونَ على المسلم الاهتمام بهوايةٍ ما ليس فيها إثم.




علاج العناد والكبر:
يقول تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45], ولقد فسر الصبر بالصيام - كما جاء في كتب التفسير - وهذا يدل على رحمة الله بنا؛ أنه أرشدنا للعلاج من مرض النفوس الذي لا يعلمه الطب الحديث إلا بالعقاقير المهدئة؛ التي تُخَرِّب النفوس - فيما بعد - وتعد علاجاً مؤقتاً, وهروباً بالنوم المتواصل؛ فنصحهم الله بأن يستعينوا بالصلاة والصيام؛ لتغيير الكِبْر الذي في قلوبهم؛ وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن اليهود, ثم جاءت - مرة أخرى - عامة للمؤمنين؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]؛ لذلك: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَهُ أمر, صلى؛ فالصلاة راحة للمؤمن حَقَّ الإيمان، وبعض الناس - إذا هاجمته الهموم - يصلي ويكثر من الصلاة؛ حتى يفرج الله همه, ومن يتوجه إلى الله في الشدائد, ينجو من المرض النفسي المنتشر بين أهل الباطل، وكثرة الصيام والصلاة تطهر النفس وتزكيها وتجعلها تُقْبِلُ على الحق - وهذه الطاعات ثقيلة على غير المؤمنين - وكثرة الصيام والصلاة تقوى البصيرة؛ فيرى الإنسان بنور الله, ولا يتهافت على ما يضره, وتنجي من الهم؛ فكثير من أصحاب المعاصي - وإن لم يكن كلهم - يقولون: "لا أستطيع أن أَكُفَّ عن التدخين" - مثلاً أو أي معصية أخرى - ولو جرب هذا العاصي الصيام لفترة طويلة؛ سوف يقلع عن المعصية.

لأن الصيام يقوى الإرادة, وينبه العقل, ويهدئ النفس, وينزل عليها السكينة, ويقوى البصيرة, ويكفر الذنوب؛ وربما بسبب ذنوبه, لا يستطيع ترك هذه المعاصي؛ لقول أحد الصالحين: "إن الذنب يفعله المرء لذنب سبق - عقاباً له - والطاعة تعقبها طاعة - مكافأة له"؛ ولا أعنى الصيام يوماً أو يومين, وإنما بِقَدْرِ الذنب؛ فإذا كان الإنسان حقوداً معانداً أو غافلاً أو عاصياً, لا يستطيع الإقلاع عن المعصية؛ فليصم حتى يشعر بالتغيير؛ فإذا تغير, فليعلم أن الله تَقَبَّلَ منه؛ لأن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.



الإسلام دين الإقناع:
أمرنا الله - تعالى - بأشياء كثيرة, ولكنه - تعالى - من رحمته, وضح لنا السبب مصحوباً بالأمثلة؛ فمثلاً: أمرنا بالقتال؛ لأنه قد يكون خيراً لنا ونحن لا نعلم؛ فالكافرون إذا تمكنوا من المسلمين, يعذبونهم, ويغتصبون نساءهم, ويدمرون حضارتهم, ويبدلون دينهم؛ الدليل على ذلك: ما حدث في الأندلس, وما يحدث الآن، وبَيَّنَ أيضاً: إنه لولا قتال المفسدين, لفسدت الأرض، وبَيَّنَ الله مَنْزِلَةَ الشهداءِ؛ وأنهم أحياء, وبَيَّنَ في قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت, كيف أماتهم الله؟ فالموت هو مآل الإنسان, ولكن الفرق في سبب الموت؛ هل هو في سبيل الله؛ فتنال الشرف الأسمى والجزاء الأوفر، أم هو موت الخائن أم موت الجبان....إلخ؟ كذلك: بَيَّنَ لنا كيف يُنَمِّى الله الصدقة ويبارك فيها, ويمحق الربا - مع أن العقل الإنساني يخشى الإنفاق, ويجد الربح كل الربح في الربا - ثم يضرب الله مثلاً لرجل غني؛ أصابه الكِبر, واحترق ثَمَرَهُ بإعصار؛ فمن يحميه وينصره من الله؟!

فالله قادر على أن يهلك الثروة - مهما بلغت - أما الصدقات, فهي عنده لا تضيع؛ بل تزيد وتتضاعف, ويأمن صاحبها من الفقر؛ لأنه وثق بالله وصَدَّقَهُ.

وفى سورة البقرة جاءت آية الكرسي - أعظم آية في القرآن - تزلزل النفوس المؤمنة, وتحثها على الطاعة؛ غير خائفة من مخلوق وغير خائفة من فوات رزق, أو فوات ثواب طاعة؛ فالإنسان نفعي بطبعه, يبحث عن منفعته؛ فلو لم يكن الله سميعاً بصيراً, فلن أُخْرِج الصدقة ولن أَتْعَب في سبيله؛ لكنه - تعالى - يعلم السر وأخفى, ولا تأخذه سنة ولا نوم؛ لن يظلمني؛ بل ستَتَضاعَف حسناتي؛ لأنه - تعالى - أرحم الراحمين الكريم العليم بخلقه؛ فهذه الآية العظيمة, ربطت ما سبق بما هو آت؛ فالأحكام السابقة كثيرة, ولكن الله هو الإله الواحد لا شريك له؛ فَلِمَ لا نطيعه؟! وسنثاب على هذه الطاعة, وستستقيم حياتنا بتطبيقها؛ لأنه معنا, يرانا ويؤيدنا؛ فمن يحفظ السموات والأرض, قادر على كل شيء، وعلى الرغم من قوته غير المتناهية يقول الله - تعالى – بعدها: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، ثم يحببنا في الطاعة؛ بأنه: {وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257].

فهل الكافر له نور؟
نعم: نور الفطرة؛ فكل إنسان يولد على الفطرة, وأبواه يعلمانه دينهما، أو ربما يرى الكافر شعاعاً من نور, ثم يأتي شيطان من شياطين الإنس ويشجعه على الابتعاد عن البحث في الدين, وعن النظر في حكمة الخلق، وربما يأتي من عناده؛ كما جاءت في قصة "النمرود" بعد هذه الآية؛ عندما سأله "إبراهيم" بأن: يأتي بالشمس من المغرب, فبهت, ولكنه لم يتراجع, ولم يؤمن كِبْراً؛ على الرغم من أنه بُهِتَ وكُبِتَ ولم يستطع الرد؛ مما يدل على عجزه، بذلك: تتجلى لنا عظمة الله - تعالى - ومدى جهل الإنسان ونقصه؛ فالإنسان عندما يصبح مالكاً لشركة أو مصنع يقول: "أنا المالك؛ ومن حقي أن أطرد أي عامل بدون إبداء الأسباب" أما الله - تعالى - فهو المالك القادر, وعلى الرغم من ذلك يبدى لنا أسباب غضبه, وأسباب نجاتنا.