مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة المائدة بأسلوب بسيط


ابو وليد البحيرى
05-05-2015, 11:21 AM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ *


الربع الأول من سورة المائدة


رامي حنفي محمود

الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾: يعني أوْفوا بالعهود التي أخذها اللهعليكم (من الإيمان بشرائع الدين، والانقياد لها)، وكذلك أَوْفُوا بِالْعُقُود التي تعاقدتم عليها فيما بينكم (من عقود البيع والشراء وغيرها)، ومِن هنا خرجتْ القاعدة الشرعية التي تقول: (العقد شريعة المتعاقدين) - بشرط ألاَّ يخالف ذلك العقد: كتاب الله، أو سُنَّة رسولهصلى الله عليه وسلم - فلا تنقضوا تلك العقود، ولا تتركوا واجباً، ولا ترتكبوا معصية، ولا تُحرِّموا حلالاً، ولا تستحلوا حراماً، فقد ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ وهيالإبلُ والبقر والغنم ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾: يعني إلا ما بَيَّنه سبحانه لكم مِن تحريم المَيْتة والدم وغير ذلك،وهي المحرمات المذكورة في الآية الآتية: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ... ﴾.

﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾: يعني وكذلك حَرَّمَ اللهُ عليكم الصيد وأنتم مُحرِمون بِحَجٍّ أو عُمرة، فلا تستحلوه، وسَلِّموا الأمرَ لله تعالى فيما أحَلَّهُ وحَرَّمه، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾، فما أراده تعالى: حَكَمَ به حُكماً مُوافقا لِحكمته وعَدْله، مِثل أمْرِهِ لكم بالوفاء بالعقود (لِما في ذلك مِن حصول المصالح لكم، ودفع المَضارّ عنكم).


الآية 2: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾: أي لا تتعدَّوا حدوده ومعالم دينه، فلا تستحلوها بترْك واجب، ولا بفِعل مُحرَّم، ومن ذلك مناسك الحج والعمرة، ﴿ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾: يعني ولا تستحِلُّوا القتال في الأشهر الحُرُم، وهي: ذو القعدة وذو الحجةوالمُحَرَّم ورجب.


﴿ وَلَا الْهَدْيَ ﴾: يعني ولا تستحِلُّوا حُرمة الهَدْي، وهو ما يُهدَى للبيت الحرام من بهيمة الأنعام، ليُذبَح فيه ويُوزَّع على الفقراء، ﴿ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾ والقلائد جمع قِلادة، وهي ضفائر مِن صوف أو وَبَر، كانوا يضعونها في رقاب الهَدي لتكونعلامةً على أن الرجل يريد الحج، ولإظهار أن هذه البهيمة التي يَسُوقها هي هَدْيٌ فيُحترَم، وقد كان ذلك الفِعلُ إظهاراً لشعائر الله، فلا تستحلوا حُرمَتَها.


• أما ما يفعله البعض من تعليق بعض التمائم (كَحِدوة الحصان والكَفّ وغير ذلك)، فيُعلقها في بيته أو سيارته، اعتقاداً منه أنها تنفع أو تضر، أو أنها تجلب الحظ، (وكذلك الإشارة بالكف في وجه مَن يتوقع منه الحسد - اعتقاداً منه أن ذلك يدفع الحسد)، فكل هذا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرُّقَى - (أي رقى السَحَرة التي لا يُفهَم معناها، أو الرُّقَى المشتملة على الشرك بالله تعالى) - والتمائم والتِوَلَةَ شِرك)(والحديث في صحيح الجامع برقم: 1632) (والتِوَلَة هي نوع من السِحر يُحَبِّب المرأة إلى زوجها).


واعلم أن السبب في تحريم هذه التمائم هو تعلق القلب بغير الله تعالى، إذ لا يَملك النفع والضر إلا الله، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾، وقال مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم - وهو خير الخلق - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف بمن دونه؟!، وفي هذا رَدٌّ على كل مَن يعتقد أن بعض الصالحين - أو الأولياء - يملكون لهم ضراً أو نفعاً أو يقربونهم إلى الله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.


﴿ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾: يعني ولا تَسْتَحِلُّوا قتال أو أذية قاصدي البيت الحرام الذين ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ ﴾: أي الذين يطلبون من فضل الله ما يُصلِح معاشهم (وذلك بالتجارة والمكاسب المباحة في الحج)، ﴿ وَرِضْوَانًا ﴾: أي ويطلبون رضوان ربهم عليهم (وذلك بأداء الحج والعمرة والصلاة في الحرم وغير ذلك)، فهؤلاء لا تتعرضوا لهم بسوء، ولا تهينوهم، بل أكرِموهم، واعلم أنه يدخل في هذا الأمر: تأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله تعالى، وجَعْل القاصدين له مطمئنين مستريحين، غير خائفين على أنفسهم، ولا على أموالهم.


﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾: يعني وإذا حَلَلْتم من إحرامكم: فإنه يُباحُ لكم الصيد، ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾: يعني ولا يَحمِلَنَّكم بُغْض قوم - بسبب: ﴿ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ وذلك عندما منعوكم من أداء العمرة (عام الحُدَيْبِيَة)، فلا يَحمِلَنَّكم بُغضُهم على ﴿ أَنْ تَعْتَدُوا ﴾ عليهم بغير ما أذن الله لكم (وهو قتالهم إن قاتلوكم وترْكهم إن تركوكم)، ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ فيما بينكم ﴿ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾: أي على فِعْل الخير وتقوى الله، ﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ﴾ وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾: وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فيجب على العبد كَفّ نفسه عن إعانة غيره على كل معصيةٍ وظُلم، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾: أي عقابه شديد لا يُطاق ولا يُحتمَل.


الآية 3: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ وهو الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون *** شرعي، ويُستثنَى من ذلك مَيْتة الجَراد والسمك، فإنهما حلال (كما ثبتَ ذلك في السُنَّة)، ولَعَلَّ الحكمة من تحريم المَيْتة: هو احتقان الدم في جوفها ولحمها، مما يتسبب في إضرار مَن يأكلها، ﴿ وَالدَّمُ ﴾: يعني وحُرِّمَعليكم شُرب الدم، ويُستَثنى من الدم: (الكبد والطحال) فإنّ أكلهما حلال، كما ثبت ذلك في السُنَّة.


﴿ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾: يعني وكذلك حُرِّمَ عليكم لحم الخنزير، فلا تغتروا بمَن يستحلوه (افتراءً على الله)، بل هو مُحرَّم مِن جُملة الخبائث، ﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾: يعني وكذلك حُرِّمَ عليكم كل ما ذُكِرَ عليه غير اسم الله عندال***، ﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾ وهي التي حُبِس نَفَسُها حتى ماتت (كأن تموت غريقة، أو تُخنَق بحبل، سواء بقصد أو بدون قصد)، ﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ وهي التي ضُربَتبعصا أو حجر حتى ماتت، أو هُدِمَ عليها شيءٌ، ﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾ وهي التي سَقطت من مكان عالٍ أو هَوَت فيبئر فماتت، ﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ وهي التي ضَرَبَتْها أخرى بقرنها فماتت، ﴿ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾: يعني وحَرَّم اللهعليكم البهيمة التي أكلها السبع، كالأسد والنمر والذئب، ونحو ذلك، فإنها إذا ماتت - بسبب افتراس السبع لها - ثم أدركتم منها جزءاً لم يأكله السبع، فإن هذا الجزء لا يَحِلّ لكم أكْله.


• وأما قوله: ﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾: يعني واستثنى- سبحانه - من هذه المحرمات: أن تدركوا *** البهيمة (قبل موتها بأحد الأسباب المميتة، كالخنق والسقوط وغير ذلك)، فحينئذ يَحِلّ لكم أكْلها، بشرط أن تدركوا ذبْحها والروح مستقرة فيها، بحيث إذا ذُبِحَت: اضطربتْ لل***، وحَرَّكتْ رِجْلها بقوة، فإن هذا علامة على أنها كانت حية، وأنها ماتت بال***، وليس بهذا السبب المميت.


• وأما إذا كانت البهيمة تغرق، ولم يتمكن من الوصول إلى رقبتها حتى ي***ها: فعليه أن يسمي الله تعالى، ثم يطعنها - طعنة واحدة - في جسدها بسِكين أو بشيءٍ حاد، بشرط أن تتسبب تلك الطعنة في أن ينزف الدم منها، واعلم أن هذه حالة استثنائية في التذكية (للضرورة)، لأن البهيمة ستموت حَتماً بالغرق، وليس هناك إمكانية من الوصول إلى رقبتها، إذن فالانتفاع بها - عن طريق التذكية - أوْلَى من أن تموت هباءً.


﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾: يعني وحَرَّم الله عليكم الذبائح التي ذُبِحَت على الأصنام والأحجار المنصوبة (التي تمثل إلهاً أو غير ذلك مما يُعبَد من دون الله تعالى)، ومِثلها ما يُذبَح على قبور الأولياء والصالحين، ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾: أي: وحَرَّم اللهُ عليكم الاستقسام بالأزلام، ومعنى الاستقسام: طلب معرفة ما يُقسَم لكم ويُقدَّر، والأزلام هي ثلاثة قِداح - أي: ثلاثة آنية - متساوية في الحجم، كانت تستعمَل في الجاهلية، مكتوب على أحدها "افعل" وعلى الثاني "لا تفعل" والثالث لا كتابة فيه، فإذا هَمَّ أحدهم بأمرٍ ما: أدار تلك القداح على جوانبها، ثم اختار أحدها، فإذا خرج المكتوب عليه "افعل": مَضَى في أمره، وإن ظهر المكتوب عليه"لا تفعل": لم يَمضِ، وإن ظهر الثالث (الذي لا شيء عليه): أعاد الاختيار، حتى يخرج أحد القدَحَيْن فيعمل به، فحَرَّم اللهُ ذلك عليهم، وعَوَّضَهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع أمورهم.


﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي المحرمات المذكورة - إذا ارتُكبت - فإنها ﴿ فِسْقٌ ﴾: يعني خروج عن أمرالله وطاعته إلى طاعة الشيطان.


﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ﴾: يعني الآن انقطع طمع الكفار من أن ترتدوا عن دينكم إلىالشِرك (وذلك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، وأظهرتُ دينكم)، واليوم المُشار إليه هو يوم عرفة، إذ أتَمَّ اللهُ دينه، ونصرَ عبده ورسوله، وانخذل أهل الشرك انخذالاً بليغاً، بعد ما كانوا حريصين على رَدّ المؤمنين عن دينهم، فصاروا يخشون المؤمنين، ولهذا قال: ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾: أي فلا تخشوا المشركين، واخشوا اللهَ الذي نصركم عليهم، وَرَدَّ كَيدهم في نحورهم، ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾: أي دِين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، ﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ بإخراجكم منظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ فالزموه، ولاتفارقوه.


• واعلم أن هذه الجملة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ قد فضحت كل مَن يَدَّعي كذباً أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأمَرَهُ أن يفعل كذا، فإن لم يفعل فسوف يحدث له كذا، فنقول له: (اتقِ اللهَ ولا تفتري الكذب، فإن الله تعالى قد أخبر أن الدِين قد كَمُل، ولن يُضافَ إليه شيءٌ آخر).


﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾: يعني فمن ألجَأتهالضرورة - وهو في مجاعة شديدة - إلى أكْل شيءٍ من المُحَرّمات المذكورة في الآية، وكانَ ﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾: أي غير متعمد لارتكاب إثم، وغيرَ طالبٍ للمُحَرّم - لِلذّةٍ أو غير ذلك، ولا مُتجاوز - في أكلِهِ - ما يَسُدّ حاجته ويرفع اضطراره: فلهتناوله، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.


الآية 4: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ﴾: يعني يسألك أصحابك: ماذا أُحِلَّ لهم أَكْلُه؟ ﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾: يعني الحلال الطيب من الطعام والشراب (وهو كل ما لم يُذكَر تحريمه)، ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾: يعني وكذلك أُحِلَّ لكمالصيدَ الذي تصطاده لكم الحيوانات (ذوات المخالب والأنياب) التي دَرَّبتموها على الصيد (كالكلاب والفهودوالصقور ونحو ذلك مما يُعَلَّم)، بشرط أن تكونوا قد أرسلتموها للصيد، أما إذا اصطادته بنفسها - دونَ إرسالكم لها - فلا تأكلوها، واعلم أن المُكَلِّب: هو مُعَلِّم الكلاب، ومُدَرِّبها على الصيد، ويُقال للصائد: مُكَلِّب، وعلى هذا فإنَّ قوله تعالى: ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ يكون بمعنى: صائدين.


﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ ﴾ طلب الصيد ﴿ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ﴾ إذ هو سبحانه الذي سَخَّرها للإنسان ابتداءً، وهو الذي عَلَّمَه ما لم يكن يعلم، ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني فكلوامما أمْسَكْنَ لكم من الصيد فهو حلال طيب، (حتى وإن أتى بالصيد ميتاً بسبب الصراع معه، أما إذا أتى به حياً: فمِن كمال التذكية أن ت***وه)، ولكنْ بشرط: ﴿ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: يعني واذكروا اسم الله عند إرسال هذه الحيوانات للصيد، كأن يقول مَثلاً: (بسم الله هاته)، وكذلك إذا صاد الإنسان صيداً بسلاحٍ ما: فعليه أن يذكر اسم الله عليه قبل إطلاق السلاح عليه (حتى وإن مات بسبب أثر السلاح قبل أن ي***ه، فهو حلالٌ طيب)، وأما قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ففيه وعيدٌ لمن لم يتق الله في أكل ما حَرَّمَ أكْله من الميتة وأنواعها، ومِن أكْل صيدٍ صادَه حيوان غير مُدَرَّب من الجوارح، فليتق عقوبة الله في ذلك فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.


الآية 5: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾: يعني: وَفِي هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى لكم فيه الدين: أحَلّ لكم ما سألتم عنه، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ (وهو جميع الطيبات من الطعام والشراب)، ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾: يعني وذبائحُ اليهود والنصارى حلالٌ لكم (إن ***وها حَسَبَ شرعهم)، وذبائحكم حلالٌ لهم، ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني وأَحَلَّ لكم نكاح الحرائر العفيفات من المؤمنات، ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي وكذلك أَحَلَّ لكم نكاحَ الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى، هذا إذا أمِنتم من التأثر بدينهنّ، وكذلك ﴿ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ ﴾: يعني إذا أعطيتموهُنَّ مُهورهن، وكنتم طالبين بهذا الزواج التعفف عن الحرام، وكنتم ﴿ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾: يعني غير مرتكبين للزنى جَهراً، ﴿ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾: يعني ولا متخذي عشيقات سراً، ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ ﴾: يعني ومن يجحد شرائع الإيمان: ﴿ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ ﴿ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.


الآية 6: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وأنتم على غير طهارة: ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ - والمِرْفَق: هو المِفْصَل الذي بين الذراعوالعَضُد، وهو ما يُطلِق عليه بعض الناس لفظ: (الكُوع)، والصحيح أنَّ اسمه المِرفَق - ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾: يعني وامسحوا رؤوسكم، ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾: أي واغسلوا أرجلكم مع الكعبين (والكعبان: هم العظمانالبارزان عند مُلتقى الساق بكف القدم)، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾: يعني وإن أصابتكم جنابة: فتطهروا منهابالاغتسال قبل الصلاة، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾: يعني أو قضىأحدكم حاجته، ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾: يعني أو جامَعتم زوجاتكم ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ للوضوء أو للغُسل: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾: أي فاضربوا بأيديكم وَجْهَ الأرض الطاهرة ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ وذلك بأن يَنوي العبدُ التيَمُمَ بقلبه ويُسمِّي، ثم يَضرب الترابَبيدَيْه ضربة واحدة فقط ثم يَنفخ في يدَيْه، ثم يَمسَح بِهما وجهَهُ وكفَّيه فقط، وهذه الصفة سواء كان التيَمُم نيابةً عن الوضوء، أو كان نيابةً عن الغُسل.


﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾: يعني ما يريد الله في أمر الطهارة أن يُضَيِّق عليكم،﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾: يعني بل أباح التيمم توْسِعَةً عليكم، ورحمة بكم، إذ جَعَله بديلاً للماء في الطهارة،﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾: يعني فكانت رخصة التيمُّم من تمام النعم التي تقتضي شُكْر المُنعِم بطاعته فيما أمروفيما نهى.

• واعلم أنه يَجُوز التيَمُم أيضاً لمَن بهِ جُرْح أو مرض (مثل مرض الجُدَري) وَوَجَدَ مَشقَّة من الوضوء (أو الغُسل) بالماء (وذلك بزيادة المرض، أو تأخُّر الشِّفاء)، (وكذلك إذا كان الماء شديدَ البُرودة وعَجَزَ عن تسخينِه،وغلبَ على ظَنِه حُصُول ضَرَر باستعماله وهو بارد)، (وكذلك مَن كانالماء قريبًا منه إلاَّ أنه يَخاف ضَيَاعَ متاعه، أو فوْتَ رفقتِه، أو حالَ بينهوبَيْن الماء عَدُوٌّ ظالِم، أو نار، أو أيُّ خوف كان في القَصْد إليهمَشَقَّة، فهذا يتيمم أيضاً لأنه يَصعُب عليه الوصول إلى الماء)، (وكذلك لو كان الماء بِمَجْمَع الفُسَّاق وتخافُ المرأةُ على نفسها منهم)، (وكذلك مَن كان مريضًا لا يقدر على الحركة ولا يجد مَن يُناولُهُ الماء)، فكل هؤلاء يَجُوز لهم التيَمُم.


• واعلم أنه يَنقُض التيَمُمَ جميعُ نواقض الوضوء، ويُزَاد عليها وجود الماء لمَن فقدَهُ، أو قدَرَ على استعماله لمَن عَجَزَ عنه.

الآية 7: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ من التيسير فيما شَرَعه لكم، ﴿ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ﴾: يعني واذكروا عهده الذي أخذه سبحانه عليكم، والمراد به هنا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إذ بها وجب الالتزام بسائر التكاليف الشرعية، وأما قوله: ﴿ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ فقد قالها الصحابة - بلسان الحال - عندما بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وقد قالها كل مسلم - بلسان الحال أيضاً - لمَّا شَهِدَ للهِ بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.


الآية 8: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ﴾: يعني قوموا بحق الله تعالى (مُخلِصين له، طالبينَ ثوابَه)، ﴿ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾: يعني وكونوا شُهداء بالعدل، ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾: يعني ولا يَحمِلَنَّكم بُغْضُ قوم ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ بينهم في الحُكم، بل ﴿ اعْدِلُوا ﴾ بين الأعداء والأحباب على درجةٍ سواء، فذلك العدل ﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾: يعني أقرب لخشيةالله، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.


الآية 11: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ مِن الأمنِ، وإلقاءِ الرعب في قلوب أعدائكم، واذكروا ﴿ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ﴾: أي أرادوا أن يبطشوابكم، فصرفهم الله عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم.


• ولَمَّا أمرهم تعالى بذِكر النعمة: أمرهم بالخوف من المُنعِم أن يُبدل نعمته بنِقمةٍ إن عَصَوه، فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ واحذروا أن تخالفوا أمْرَهُ فيُسلط عليكم أعداءكم، وغير ذلك من أنواع عقوباته، ثم أمرهم سبحانه بما يستعينون به على عدوهم، وعلى جميع أمورهم، فقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾: أي فتوكلوا - أيها المؤمنون - عليه وحده في أموركم الدينية والدنيوية، وثِقوا بعَونه ونَصره.


* وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

ابو وليد البحيرى
08-05-2015, 01:44 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟



تفسير الربع الثاني من سورة المائدة بأسلوب بسيط


رامي حنفي محمود


الآية 12: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي أخذ عليهم العهد المؤكَّد بأن يُخلِصوا العبادة له وحده، ﴿ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾: يعني وأمَرَ اللهُ موسى عليه السلام أن يجعل عليهم اثنَي عشر عريفاً (رئيساً) بعدد فروعهم (حيث كان بنو إسرائيل اثني عشر قبيلة)، وذلك ليأخذوا عليهمالعهد بالسمع والطاعة (لله ولرسوله ولكتابه)، ويَحُثوهم على القيام بما أُمِرُوا به، (واعلم أن النقيب هو مَن يُنَقِب عن أمور القوم ومصالحهم ليرعاها لهم، فيبحث عن شؤونهم ويتولى أمورهم)، ﴿ وَقَالَ اللَّهُ ﴾ لبني إسرائيل: ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ ﴾ بحفظي ونصري وإعانتي ﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾: أي وصدَّقتمرسلي فيما أخبروكم به، ﴿ وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ﴾: يعني ونصرتم هؤلاء الرسل، ﴿ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾: يعني وأنفقتم في سبيلي، طالبينَ ثوابي: ﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ﴿ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ العهد ﴿ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾: يعني فقد خرج عن طريق الحق إلى طريق الضلال.

الآية 13: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ﴾: يعني فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة: طردناهم من رحمتنا، ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾: أي غليظة، فلا يَنْفُذ إليها خير، ولا تَلينُ أمام المعجزات الباهرات، بل جَعَلتهم يتجرأون على حدود الله تعالى، فكانوا ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾: يعني يبدلون كلام الله (الذي أنزله على موسى، وهو التوراة)، ويفسرونه على غير وجهه الصحيح، وذلك بما يتناسب مع أهوائهم ومقاصدهم السيئة،فإن عجَزوا عن التحريف: تركوا ما لا يتفق معأهوائهم، فلم يُظهروه للناس، ﴿ وَنَسُوا حَظًّا ﴾: يعني وتركوا نصيبًا ﴿ مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ فلم يعملوا به، ﴿ وَلَا تَزَالُ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ ﴾: يعني تجدمن اليهود خيانةً وغَدرًا، فهُم على مِنهاج أسلافهم ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾: يعني فاعفُ عنسوء معاملتهم لك، ﴿ وَاصْفَحْ ﴾ عنهم، فلا تتعرض لهم بمكروه، وبذلك تكون قد أحسنتَ إليهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الذين يُحسِنون إلى مَنأساء إليهم (بالعفو والصفح عنهم).

الآية 14: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ ﴾: يعني وكذلك الذين ادَّعَوا أنهم أتباع المسيح عيسى - وهم ليسوا كذلك - أخذنا عليهم العهد المؤكدالذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يَتبعوا رسولهم وينصروه،﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ فلم يعملوا به، وبدَّلوا دينهم كما صنع اليهود،﴿ فَأَغْرَيْنَا ﴾: يعني فألقينا ﴿ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾، فجعلناهم يُعادي بعضهم بعضًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، ﴿ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ يوم القيامة، وسيعاقبهم على صَنيعهم.

الآية 15: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ عن الناس مما في التوراة والإنجيل،﴿ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾: يعني وهناك أشياء - مما كنتم تخفونها من الكتاب - لا يَذكر عنها شيئاً، ولا يلومكم على إخفاءها، لأن الحكمة تتطلب ألاَّ يفعل ذلك، (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ وهوالقرآن الكريم.

• واعلم أن حرف الواو الذي بين كلمة: (نُورٌ)، وبين كلمة: (كِتَابٌ مُبِينٌ): تسمى (عطف بيان)، يعني عطف توضيح، لتبين أن هذا النور هو الكتاب المبين الواضح، وليس معناها أن (النور)، شيئٌ، و (الْكِتَابِ المبين) شيئٌ آخر، فكأنّ المعنى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، وهو هذا الكتاب المبين).

الآية 16: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾: يعني يهدي الله بهذا القرآن مَن اتَّبَع رضا الله (ففعل ما يُرضيه، واجتنبَ ما يُغضِبه)، ليوصلهم إلى طريق السلامة والسعادة ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ﴾: أي بإذن ربهم، ﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾: يعني ويوفقهم إلى الثبات على دِينه القويم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام.

الآية 17: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ ﴾ النصارى ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول- : ﴿ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾: يعني: لو كان المسيح إلهًا كما تدَّعون، لقَدرَ أن يدفعقضاء الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أُمِّه ومَن في الأرض جميعًا، وقد ماتت أمعيسى فلم يَدفع عنها الموت، فكذلك لا يستطيع أن يدفعه عن نفسه، فهذا دليلٌ على أنه بشر كسائر بنيآدم، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: أي: وجميع الموجودات في السماوات والأرض ملكٌ لله تعالى وحده ﴿ يخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.


الآية 18: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول -: ﴿ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾؟ أي: فلِمَ عَذّب أسلافكم بذنوبهم، فمَسَخهم قِردةً وخنازير وغير ذلك مما هو ثابتٌ في كتبكم وفي تاريخكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عَذبكم، فأحبابُ الله تعالى حقاً هم أهل طاعته، وقل لهم أيضاً: ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾: يعني بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بني آدم، تجري عليكم أحكام العدل والفضل، فنِسبتكم إليه تعالى نسبة مخلوق إلى خالق، وعبدٌ إلى مالك، فمَن آمَنَ منكم وعمل صالحا:ً غفرَ له وأكرمه، ومَن كفر منكم وعمل سُوءا:ً عَذبه وأهانه، كما هي سُنَّته في سائر عباده، إذ هو سبحانه ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده إذا أتوا بأسباب المغفرة، ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده إذا أتوا بأسباب العذاب، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾، فأيُّ شيءٍ خَصَّكم بهذه الفضيلة، وأنتم مِن جُملة مملوكات الله تعالى الذين يرجعون إليه في الدار الآخرة، فيجازيهم بأعمالهم؟

الآية 19: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴾ الحق والهدى ﴿ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ﴾: يعني بعد مُدَّة من الزمن بين إرساله وإرسال عيسى ابن مريم؛ ﴿ أَنْ تَقُولُوا ﴾: يعني لِئَلاَّتقولوا: ﴿ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾ فإنه لا عُذرَ لكم بعد إرساله إليكم، ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمْ ﴾ من الله ﴿ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فهو سبحانه قديرٌ على عقاب العاصي، وعلى إثابة المطيع، وعلى مغفرة ذنوب التائب، قال تعالى في الحديث القدسي: (مَن عَلِمَ أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب: غفرتُ له ولا أبالي، ما لم يُشرك بي شيئاً) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 4330).


• ولذلك ينبغي للعبد المؤمن كلما تذكر هذه الجملة: (والله على كل شيءٍ قدير)، أن يتذكر أنه سبحانه قادرٌ أن يغفر له يوم يقرره بذنوبه، وقادرٌ أن يثبته في القبر عند سؤال الملكين، فيتقلب قلبه حينئذٍ بين الخوف من ذنوبه، وبين الرجِاء في قدرة الله تعالى على المغفرة.

الآية 20: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ ﴾ ﴿ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا ﴾ تَملِكون أمركم بعد أنكنتم مملوكين لفرعون وقومه، ﴿ وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني وقد منحكم مِن نِعمه صُنوفًا لم يَمنحها أحدًا منعالَمي زمانكم، مِثل المَنّ والسلوى وغير ذلك.

الآية 21: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾: أي الأرض المُطهَّرة، (وهي "بيت المَقدس" وما حولها)، فهذه الأرض هي ﴿ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾: أي التيفرض الله عليكم أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار، ﴿ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾: يعني ولا ترجعوا عن قتالهم، فتخسروا خَيرَي الدنيا الآخرة.

الآية 22: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ﴾: أي أشداء أقوياء، لا طاقة لنا بحربهم، ﴿ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾: يعني وإنَّا لننستطيع دخولها وهم فيها، ﴿ فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾.


الآية 23: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾: يعني يخشون الله تعالى، وقد ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ بطاعته وطاعة نبيِّه، فقالالبني إسرائيل: ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾: أي ادخلوا على هؤلاء الجبارين باب مدينتهم، أخْذًا بالأسباب، (﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾ ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.


الآية 24: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ ولن نقاتلهم، وهذا إصرارٌ منهم علىمخالفة موسى عليه السلام.

الآية 25: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ﴾: يعني لا أقدر إلا على نفسي وأخي، ﴿ فَافْرُقْ ﴾: أي فاحكم ﴿ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾.


الآية 26: (﴿ قَالَ ﴾) الله لنبيه موسى عليه السلام: ﴿ فَإِنَّهَا ﴾ أي الأرض المقدَّسة ﴿ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ ﴿ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ حائرين ﴿ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾: أي فلا تأسف يا موسى علىالقوم الخارجين عن طاعتي.



وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

د/ محمد السيد عطية يونس
08-05-2015, 07:07 PM
ما شاااء الله رائع
ممكن تكتب اللينك اللى فيه ملف التفسير كامل لكل سورة على حده او لكل القرآن بصورة كاملة

ابو وليد البحيرى
08-05-2015, 08:48 PM
بارك الله فيكم ونفع بكم استاذنا الفاضل
اسعدنى مروركم الكريم
لينك الصفحة اتفضل حضرتك
http://www.alukah.net/authors/view/home/6637/ (http://www.alukah.net/authors/view/home/6637/)

ابو وليد البحيرى
10-05-2015, 01:58 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ *












الربع الثالث من سورة المائدة




رامي حنفي محمود




الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ ﴾: أي واقصص - أيها الرسول - على اليهود الذين هَمُّوا ب***ِك و*** أصحابك خَبَر ابنَيْ آدم (قابيل وهابيل)، وهوخبرٌ حقٌ، ليعلموا بذلك عاقبة جريمة ال*** الذي هَمُّوا به، ولإظهار موقفك الشريف منهم حيث عفوتَ عنهم، فلم ت***هم بعد أن تمَكَّنتَ منهم، وكنتَ معهم كخير ابنَي آدم (وهو هابيل المقتول ظلماً) ﴿ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ﴾ وهو ما يُتَقرَّب به إلى اللهتعالى، ﴿ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ﴾: أي فتقبَّل الله قُربان هابيل؛ لأنه كان تقيًّا، ﴿ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ ﴾: يعني ولم يتقبَّل قُربانقابيل؛ لأنه لم يكن تقيًّا، فحسد قابيلُ أخاه، و ﴿ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ هابيل: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، ثم قال هابيلُ واعظًا أخاه: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾، وإن رَضِيتَ ***ي فـ ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾: يعني أريد أن ترجع إلى الله يوم القيامة حاملاً إثم ***ك لي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾.








الآية 30، والآية 31: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ﴾: يعني فَزَيَّنت لقابيلَ نفسُه أن ي*** أخاه، وشَجَّعَته على ذلك ﴿ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ الذين باعواآخرتهم بدنياهم، فلما *** قابيلُ أخاه لم يَعرف ماذا يصنع بجسده ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي يَحفر حفرةً فيالأرض ليَدفن فيها غرابًا مَيِّتًا؛ وذلك ﴿ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ﴾: يعني لِيَدُلّ قابيل كيف يَدفن جُثمان أخيه؟ فـ ﴿ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ﴾: أي بَدَن أخي، لأنّ بدن الميت عورة، ﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ على حَمْله على عاتقه طوال هذه المُدَّة وعدم دفنِه.







• واعلم أن بعض الناس يتشاءمون إذا سمعوا صوت الغراب أو صوت البُومة أو غير ذلك، فهذا لا أصلَ له في الإسلام، بل هو مَنهيٌ عنه، لقول النبي صلى الله عليهوسلم: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ - (والمقصود بالطيرة: التشاؤم) -، وَمَا مِنَّا إِلاَّ - (يعني وما منا مِن أحد إلا وقد يقع في قلبه شيءٌ منالتشاؤم) - ولكنّ الله يُذهِبُهُ بالتوكل) (انظر السلسلة الصحيحة 1/ 791).








والمعنى: أن الله تعالىيُذهِبذلك من القلببالتوكلعليه وتفويض الأمر إليه، والتعلق بمُسبب الأسباب وحده (الذي بيده ملكوت كل شيءٍ، والذي خلق كل شيءٍ بقدر).







الآية 32: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ﴾: أي من أجل قبح جريمة ال*** وما يترتب عليها مِن مفاسد عظيمة: ﴿ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي شَرَعنا لبني إسرائيل، لكثرة ما شاعَ بينهم من ال*** (فقد ***وا الأنبياء والدُعاة)، فأوحينا إليهم ﴿ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾: يعني بغير سبب (مِنقِصاص أو حَدّ)، ﴿ أَوْ ﴾ ***ها بغير ﴿ فَسَادٍ ﴾ قامت به ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ كَسَلب الأموال و*** الأبرياء، فإذا ***ها ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾: يعني يُعَذَّب عذاب مَن *** الناس جميعاً، لأنه بتجرئه على *** النفس التي لم تستحق ال***: عُلِمَ أنه لا فرْقَ عنده بين هذا المقتول وبين غيره، وإنما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمارة بالسوء، ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾: يعني ومَن امتنع عن قَتْل نفسٍ حرَّمها الله - مع قدرته على ***ها، ومع تزيين نفسه له بذلك - وإنما مَنَعَه خوفه من الله تعالى: ﴿ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ لأن الحفاظعلى حُرمة إنسان واحد يعادل الحفاظ على حُرمات الناس كلهم، ولأنَّ ما معه من الخوف يمنعه مِن *** مَن لا يستحق ال***.







﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾: أي ولقد جاءت رسلُنا إلى بني إسرائيل بالحُجج والدلائل التي لا يَبقى بعدها حُجة لأحدٍ على ارتكاب ما حَرَّمه الله، ﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بعد مجيء الرسل إليهم: ﴿ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾: يعني متجاوزون لحدود الله (بارتكابمَحارمه، وترْك أوامره)، ساعينَ في الأرض فساداً.







الآية 33: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: يعني يبارزون الله تعالى بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلىأحكام رسوله، ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ ب*** الأنفس، وسلب الأموال، وغير ذلك: ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا ﴾ ويكون تنفيذ هذا الحد من خلال ولي الأمر (حاكم البلد)، ﴿ أَوْ يُصَلَّبُوا ﴾ (والصَلب: أن يُشَدَّ الجاني على خشبة، ثم ي***)، ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ وذلك بأن تُقْطَع يدُهاليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُهاليمنى، ﴿ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾: يعني أو يُنفَوا إلى بلدٍ غير بلدهم، ويُحبَسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهرتوبتُهم، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الجزاء الذي أعدَّه الله للمحاربين لله ورسوله إنما يكونُ ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ ﴾: أي ذلّ ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ إن لم يتوبوا.







الآية 34: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾: يعني: لكنْ مَن أتى مِن المحاربين لله ورسوله طائعًا نادمًا ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ فإنهيسقط عنه ما فعله في حق الله (أي يسقط عنه ذلك الحد في الدنيا، فلا تقيموه عليه)، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لعباده التائبين ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم.







الآية 35: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾: أي وتَقَرَّبواإليه بطاعته والعمل بما يُرضيه، ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: يعني لكي تفوزوا بجناته.







الآية 38:﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا ﴾ - يا وُلاة الأمر - ﴿ أَيْدِيَهُمَا ﴾ بما يَقتضيه الشرع، وذلك ﴿ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ﴾: أي جزاءً لهماعلى أَخْذهما أموال الناس بغير حق، و ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾: أي وعقوبةً يَمنع اللهُ بها غيرهما أن يصنع مثلصنيعهما، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.








الآية 39: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾: يعني فمَن تاب مِن بعد سرقته، ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ في كل أعماله، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾: أي يقبل توبته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.








• فإذا كانت التوبة نصوحاً مستوفية لشروطها: (الإقلاع عن المعصية، والندم على مافات، وأن يَصدق في العزم - والإصرار - على عدم العودة إلى المعصية، وأن يَرد الحقوق لأصحابها، أو يطلب مسامحتهم ويدعو لهم، أو يتصدق بِنِيَّة أن يصل الثواب إليهم، هذا إذا لم يستطع هو الوصول إليهم)، فإن الله يقبلها، ويمحو بها الذنب.







•ولكنَّ الشأنَ كله في تحقيق التوبة النصوح، والإتيان بها على وجهها، فهذا هو الذي ينبغي أن يُقلِقَ العبدويجعله خائفاً مِن أن يُحبَطَ عمله وألاَّ تُقبَلَ توبته فيَهلك، ولهذا كان اتهام التوبة والخوف من عدم قبولها من علامات التوبةالنصوح، فالتائب الصادق لا يزال خائفاً وَجِلاً، قال ابن القيم رحمه الله (ما مُختصَرُه):



(وأما اتهام التوبة فلأنها حقٌ عليه، لا يتيقن أنه أدَّى هذا الحق على الوجه المطلوب منه، الذي ينبغي له أن يؤديه عليه، فيخاف أنه ما وفاها حقها، وأنها لم تُقبَل منه، وأنه لم يَبذل جهده في صحتها، وأنها لم تكن خوفاً من الله تعالى، وإنما كانت لسببٍ آخر.







• ومِن اتهام التوبة أيضا: ضعف العزيمة، والتفات القلب إلى الذنب، وتذكره مِن حينٍ إلى آخر، ومنها: طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد تاب، حتى كأنه قد أُعطِيَ منشوراً بالأمان، ومنها: جمود العين، واستمرار الغفلة، وألاَّ يَستحدث بعد التوبة أعمالاً صالحة لم تكن له قبلالخطيئة.







• فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات، منها: أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها،ومنها: تقطُّع قلبه ندماً وخوفاً، فلا يزال الندم والخوف مصاحباً له لا يأمن مكر الله طرفة عين، حتى يسمع قول الرسل لقبض روحه:﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾ (فهناك يزول الخوف).







• ومن مُوجبات التوبة الصحيحة أيضا: كَسرة خاصة تحصل للقلب، تُلقِيهِ بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً، كحال عبدٍ هارب مِن سيده، فأُخِذَ فأُحضِرَ بين يديه، ولم يجد مَن يُنجيه مِن سَطوَتِه، ولم يجد منه مَفراً ولا عنه غِناء، وعَلِمَ أنّ حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه، وقد عَلِمَ بإحاطة سيده بتفاصيل جناياته، هذا مع حبهلسيده، وشدة حاجته إليه، وعِلمه بضعفِهِ وعَجْزه وقوة سيده، وذُلِّه وَعِزّ سيده،فيجتمع من هذه الأحوال ذلٌ وخضوع، ما أنفعه للعبد، وما أقربه به من سيده!







• فوالله ما أحلى قوله في هذه الحالة: أسألك بعزك وذلي إلاَّ رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، لا مَلجأ ولا مَنجَى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال مَن خضعتْلك رقبته، ورَغِمَ لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذَلَّ لك قلبه).







* وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

ابو وليد البحيرى
14-05-2015, 11:38 AM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

تفسير الربع الرابع من سورة المائدة بأسلوب بسيط


رامي حنفي محمود
الآية 41: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾: أي يسارعون في جحود نُبُوَّتك ﴿ مِنَ ﴾ المنافقين ﴿ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴾ فإني ناصرُكَ عليهم، ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾: يعني ولا يَحزُنك أيضاً تسرُّعاليهود إلى إنكار نبوتك، فإنهم قومٌ ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾: أي يستمعون للكذب، ويَقبلون ما يَفترِيهأحبارُهم، ﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾: يعني ويَقبلون كلام قومٍ آخرين لا يحضرون مجلسك، وهؤلاء الآخرون ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾: أي يُبَدِّلونكلام الله مِن بعد ما عَقَلوه، و ﴿ يَقُولُونَ ﴾ لليهود الذين يحضرون مجلسك: ﴿ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ﴾: يعني إن جاءكم مِن محمد ما يوافق الذيبدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به، ﴿ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾: يعني وإن جاءكم منه ما يُخالفهفاحذروا أن تقبلوه أو تعملوا به، ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾: يعني ومَن يَشأ اللهُ ضلالته فلن تستطيع دَفْعَ ذلك عنه، ولن تقدر على هدايته، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي المنافقون واليهود هم ﴿ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ من دَنَس الكفر، ﴿ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾: أي ذلُّ وفضيحة، ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.


الآية 42: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾: يعني: وهؤلاء اليهود يجمعون بين الاستماع إلى الكذب وقبوله وبين أكل الحرام، ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ ﴾ يتحاكمون إليك ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾: يعني فاقضِ بينهم، أو اتركهم، ﴿ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ ﴾ يقدروا على أن ﴿ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ﴾ ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾: أي بالعدل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.


الآية 43: ﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ ﴾: يعني: إنَّ صنيع هؤلاء اليهود عجيب، فهم يَحتكمون إليك - أيها الرسول - وهم لا يؤمنونبك، ولا بكتابك، مع أن التوراة التي يؤمنون بها ﴿ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ﴾ ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾: أي ثميتولَّون مِن بعد حُكمك إذا لم يُرضهم، فجمعوا بذلك بين الكفر بشرعهم، وبين الإعراض عنحُكمك، ﴿ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾.


الآية 44: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾: يعني فيها إرشاد من الضلالة، ونورٌ مُبَيِّن لأحكام الحلال والحرام، مُخرِجٌ من ظلمات الجهل، ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ﴾ يعني: وإنَّ النبيُّين - الذين انقادوا لحكم الله تعالى - قد حكموا بالتوراة ﴿ لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾: أي قد حكموا بها بين اليهود، ولم يَخرجوا عنحُكمها ولم يُحَرِّفوها، ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾: يعني وكذلك قد حكم بها عُبَّاد اليهود وعلماؤهم (الذين يُرَبُّونالناس بشرع الله)، وذلك ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾: أي بما استأمنهم أنبياؤهم على تبليغ التوراة، والعمل بها، ﴿ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾: يعني وكان الربانيون والأحبار شهداء على أن أنبياءهم قد حكموابين اليهود بكتاب الله.

ثم يقول تعالى لعلماء اليهود: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ ﴾ في تنفيذ حُكمي; فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم، ﴿ وَاخْشَوْنِ ﴾ وحدي، فإني أناالذي أملك النفع والضر، ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾: يعني ولا تأخذوا عِوَضًا حقيرًا مِن الدنيا مقابل ترْك الحُكم بما أنزلتُ، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾: واعلم أنَّ العلماء قد اختلفوا بشأن هذه الجملة: هل هي في المسلمين، أو في اليهود (اتفاقاً مع سِياق الآية)؟، وقد ثبت عنابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية: (ليس الكُفر الذي تذهبون إليه) أي إنّ المراد بالكفر فيها: (كُفر دونَ كُفر)، يعني ليس الكُفر المُخرج من المِلَّة، وقالالقرطبيفي تفسيره: (فأماالمسلم فلا يُكَفَّر وإن ارتكب كبيرة)، هذا مع الأخذ في الاعتبار دائماً أنَّ العُذر بالجهل قاعدة شرعية أصُولِيَّة، وأنه مِن صُلب هذا الدِين.

الآية 45: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا ﴾: يعني وفَرَضنا عليهم في التوراة: العدل والمساواة في القِصاص، فشرعنا لهم ﴿ أَنَّ النَّفْسَ ﴾ تُقْتَل ﴿ بِالنَّفْسِ ﴾، (﴿ وَالْعَيْنَ ﴾) تُفْقَأ (﴿ بِالْعَيْنِ ﴾)، (﴿ وَالْأَنْفَ ﴾) يُقطَع (﴿ بِالْأَنْفِ ﴾)، (﴿ وَالْأُذُنَ ﴾) تُقْطع (﴿ بِالْأُذُنِ ﴾)، (﴿ وَالسِّنَّ ﴾) تُقْلَعُ (﴿ بِالسِّنِّ ﴾)، بمعنى أنه إذا قلع شخصٌ إحدى الأسنان لشخصٍ آخر (أو كَسَرها)، فإنّه يقتص منه بقلْع سِنِّهِ (أو كَسْرها)، (﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾: يعني وشرعنا لهم أنَّه يُقْتَصُّ في الجِراحات أيضاً بالعدل والمساواة، ﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ ﴾: أي فمن تجاوز عن حقه في الاقتصاص من المُعتدي ﴿ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾: يعني فإنّ ذلك العفو يكونُ تكفيراً لبعض ذنوبه وإزالةً لها، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ فيالقصاص وغيره ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.


الآية 46، والآية 47: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ ﴾: يعني وأتْبَعنا أنبياء بني إسرائيل ﴿ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾، فكانَ عليه السلام ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾: أي مؤمنًا بالتوراة، فلم يُنكرها ولم يَتجاهلها، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾: يعني وأنزلنا إليه الإنجيل هادياً إلى الحق، ونوراً مُبَيِِّّنًالِما جَهِلَهُ الناس مِن حُكم الله تعالى، ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾: أي وكان الإنجيل شاهدًا على صِدق التوراة، مُقَرِّراً لأحكامها (إلا ما نسخه اللهُ منها بالإنجيل)، ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾: يعني وقد جعلناه بيانًا للذين يخافون الله، ورادعاً لهم عن ارتكابالمحرَّمات، فإن أهل التقوى هم الذين ينتفعون بهذا الهدى.

• واعلم أن هذه الهداية التي ذكرها تعالى في قوله: ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾: هي هداية خاصة للمتقين، غير الهداية التي ذُكِرَتْ في قوله تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ فهذه هداية عامة لجميع الناس، ثم أخبر تعالى أنه أمرهم وقتها بالحكم بالإنجيل، فقال: ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ ﴾ الذين أُرسِل إليهم عيسى - قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم - ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ﴾: أي بما أنزل الله في الإنجيل من الأحكام، وأخبرهم أنَّه ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.


الآية 48: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾: أي وأنزلنا إليك القرآن، وكل ما فيه حق، وجعلناه ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ﴾: أي يَشهد على صِدق الكتب التي قبله،وأنها من عند الله، مُصدقًا لما فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِما فيها من تحريف،﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾: أي وناسخًا لبعض شرائع هذه الكتب، ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي بين المحتكمين إليك من اليهود ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه ﴾ إليكفي هذا القرآن، ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾: يعني ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وآرائهم، ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾: يعني: فقد جعلنا لكل أمة منكم شريعة، ﴿ وَمِنْهَاجًا ﴾: أي وجعلنا لكم طريقًا واضحًا مستنيرًا ناسخًا لما قبله، وهو الإسلام، وقد جعلنا شريعتك ناسخة لجميعالشرائع.

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾: أي لجعلكم جماعة متفقة - على دين واحد - يَؤم بعضها بعضًا، ولَجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل شيئًا من الكتب ناسخًا لشيءٍ من الشرائع،﴿ وَلَكِنْ ﴾ لم يَشأ ذلك، بل شاء أن تكونوا على شرائع مختلفة، وذلك ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ﴾: يعني ليختبركم ويَنظر كيف تعملونَ عند ظهور هذه الشريعة الناسخة: هل ستتبعونها وتنقادون إليها بمجرد قيام البراهين على صِدقها، ونهوض الأدلة البَيِّنة على صِحَّةنَسْخها لشرائعكم، وترجعون عن شريعتكمبعد أن أحببتموها واعتدتم عليها؟، أم سَتَمِيلون إلى شريعتكم، فتؤثرون الركون إليها والعكوف عليها لمجرد اتباع الهوى، وتزيغون عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، تكَبُّراً عن الانقياد لها (كما فعل أول المتكبرين إبليس)؟

• ولَمََّا كانَ في هذا الاختبار أعظم تهديد، قال لهم: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾: أي بادروا إلى هذه الشريعة الناسخة بغاية جهدكم، وسارعوا إلى ما هو خيرٌ لكم في الدارين (وذلك بالعمل بما في القرآن العظيم)، فـ ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ وسيَجزي كُلاًّ بعمله.

الآية 49: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾: واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ ﴾ معطوف على قوله تعالى - في الآية التي قبلها -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، فكأنّ المعنى: (﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، فلْتَحكمْ بينهم به)، أو: ﴿ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، وللحُكم به).

﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾: أي ولا تتبعأهواء الذين يَحتكمون إليك من اليهود، (وقد كَرَّرَ تعالى النهي عن اتباع أهوائهم لشدة التحذير من ذلك)، ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾: يعني واحذرهم أن يُضِلوك عن بعض ما أنزل الله إليكفتترك العمل به، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن أعرض هؤلاء عن قبول ما تَحكم به: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾: أي فاعلم أن الله يريد أن يَصرفهمعن الهدى بسبب ذنوبٍ اكتسبوها مِن قبل، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾: أي: عُصاة خارجون عن طاعةربهم ورسله، (فهَوَّن اللهُ على رسوله بهذه الجملة ما قد يجده من ألم تمرد اليهود والمنافقين، وإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به ودعاهم إليه).

[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

رامي ب
15-05-2015, 07:57 PM
بارك الله خيرا

عزتى في دينى
16-05-2015, 09:36 PM
http://www8.0zz0.com/2013/11/29/10/552250239.gif

Ali Alashwal
19-05-2015, 05:30 AM
جزاك الله خيرا ^_^

ابو وليد البحيرى
06-06-2015, 04:08 PM
بارك الله فيكم

ابو وليد البحيرى
06-06-2015, 04:09 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
رامي حنفي محمود


الربع الخامس من سورة المائدة



الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ﴾: أي حُلفاءَ وأنصارًا على أهلالإيمان، لأنَّ اليهود ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ وكذلك النصارى، وكِلا الفريقين يَجتمع على عداوتكم، وأنتم - أيها المؤمنون - أوْلَى بأنيَنصر بعضُكم بعضًا، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ﴾: يعني ومَن يَستنصر باليهود أو النصارى ﴿ منْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾: أي فإنه يصير منهم، وحُكمه حُكمهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يَتولون الكافرين.


• ثم يخبر تعالى عن جماعة من المنافقين، فيقول: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ﴾: أي يُسارعون في التوَدُّد إلى اليهود، لِما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق، و ﴿ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾: يعني إنما نتوَدَّد إليهم خشية أن ينتصروا على المسلمين فيصيبونا معهم، قال الله تعالى: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ﴾ أيفتح "مكة"- وينصر نبيه، ويُظْهِر الإسلام والمسلمين على الكفار، ﴿ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾: يعني أو يُهيِّئ من الأمور ما تذهب به قوةُ اليهود والنَّصارى، فيخضعوا للمسلمين، ﴿ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾: يعني فحينئذٍ يندم المنافقون على ما أخفوه في أنفسهم من محبتهم والاستنصار بهم، ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: يعني وحينئذ يقول المؤمنون بعضهم لبعض - مُتعجِّبين من حال المنافقين إذا كُشِفأمرهم -: ﴿ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ﴾: يعني أهؤلاء الذين أقسموا بأغلظ الأيمان إنهم لَمَعَنا؟! ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ﴾: أي بَطلت أعمال المنافقين التي عملوها في الدنيا، فلا ثواب لهم عليها؛ لأنهم عملوها على غيرإيمان، فبذلك خسروا الدنيا والآخرة.


الآية 54: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ ويَستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك، فلن يضرّ الله شيئًا، وإنما يضر نفسه، ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ ﴾ خير من الذين ارتدوا ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي رحماء بالمؤمنين، ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾: يعني أشدَّاء على الكافرين، ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَا يَخَافُونَ ﴾ في سبيل إرضاء الله تعالى ﴿ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ في فضله وعطائه ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بمن يستحق ذلك الفضل من عباده.


الآية 55: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ﴾: يعني إنما ناصركم - أيُّها المؤمنون - هو ﴿ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ وهم ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: أي يحافظون على الصلاة المفروضة في أوقاتها ويطمئنون وهم يؤدون أركانها، ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾: يعني ويؤدون الزكاة عن رضا نفس، وهم خاضعون لله.


الآية 57: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾: أي الذين يستهزئون ويتلاعبون بدينكم ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ ﴾، فلا تتخذوا هؤلاء ﴿ أَوْلِيَاءَ ﴾ من دون المؤمنين، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ حقاً.


الآية 58: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: يعني وإذا أذَّنَ مؤذنكم - أيها المؤمنون - بالصلاة: ﴿ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾: يعني سَخِرَ هؤلاء اليهود والنصارى والمشركون واستهزؤوا من دعوتكم إلى الصلاة، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾: أي وذلك بسبب جهلهم، ولأنهم لا يعقلون حقيقة تلك العبادة، ولا يعلمون قيمتها العظيمة عند الله تعالى.


الآية 59: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المستهزئين من أهل الكتاب: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾: يعني هل تكرهوننا وتعيبون علينا بسبب إيماننا بالله ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ﴾ ﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾: أي وبسبب إيماننا أيضاً بأن أكثركم خارجون عن الطريق المستقيم! فما تَجِدُونه عيباً علينا هو - في أصله - صفة مدح لنا عند ربنا.


الآية 60: ﴿ قُلْ ﴾ أيها النبي للمؤمنين: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ﴾: يعني هل أخبركم بمن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّمِن جزاء هؤلاء الفاسقين من أهل الكتاب؟ إنه ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ﴾: يعني إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته وغَضِب عليهم، ومَسَخَ خَلْقهم، فجعل منهم القردة والخنازير، وذلك بسبب عصيانهم وافترائهم وتكبرهم ﴿ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾: يعني وبسبب أنه كان منهم عُبَّاد الطاغوت (وهو كل ما عُبِد من دون الله وهوراضٍ)، ﴿ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ في الآخرة، ﴿ وَأَضَلُّ ﴾ طريقاً ﴿ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾.

الآية 61: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ ﴾: يعني: وإذا جاءكم - أيها المؤمنون - منافقوا اليهود ﴿ قَالُوا آَمَنَّا ﴾ بدينكم، ﴿ وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ﴾: يعني: وقد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم، ثم خرجوا من عندكم وهم مصرُّون عليه، ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾، وإن أظهروا خِلاف ذلك.


الآية 62، والآية 63: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ﴾ أي من اليهود ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ ﴾: يعني يُبادرون إلى المعاصي (مِن قول الكذب وشهادة الزور وغير ذلك)، ﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾: أي وكذلك يسارعون إلى الظلم والاعتداء على أحكام الله، ﴿ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾: يعني وكذلك يبادرون إلى أكْل أموال الناس بالباطل ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾: يعني: ألاَ ينهاهم أئمتهم وعلماؤهم ﴿ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾؟ ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾: يعني لقد ساء صنيع هؤلاء العلماء حين تركوا النهي عن المنكر.


الآية 64: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾ سِرَّاً فيما بينهم - حين حَلَّ بهم الجفاف والقحط -: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾: أي محبوسة عن فِعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾: أي حُبِسَت أيديهم هُم عن فِعْلِ الخيرات، ﴿ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾: يعني وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم، وليس الأمر كما يفترونه على ربهم، ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ فلا مانع يمنعه من الإنفاق، فإنه سبحانه الجَواد الكريم ﴿ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ وذلك بحسب ما تقتضيه حِكمته وبحسب ما فيه مصلحة عباده.


﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾: يعني وإن كثيرًا منأهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إلا تجبُّرًا وجحودًا، وذلك بسبب حقدهم وحسدهم؛ لأن الله قد اصطفاك بالرسالة، ثم يخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يُعادي بعضهم بعضًا، ويَنفُرُ بعضهم من بعض، فقال: ﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وهم ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾: أي كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نارالحرب ردَّ الله كيدهم، وفرَّق شملهم، ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ بالمعاصي والكفر وغير ذلك من أنواع الفساد في الأرض، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾.

الآية 65: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ آَمَنُوا ﴾ بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ ربهم فامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه: ﴿ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾: أي لَمَحَوْنا عنهم ذنوبهم، ﴿ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ في الدار الآخرة.


الآية 66: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾: يعني ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول - وهو القرآن الكريم: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾: أي لرزقناهم من كلِّ طريق، فأنزلنا عليهم المطر، وأنبتنالهم الثمر، وإنَّ ﴿ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ﴾: يعني جماعة معتدلة ثابتة علىالحق، ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾.


[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

عبدالرازق العربى
06-06-2015, 10:32 PM
جزاكم الله خيرا

ابو وليد البحيرى
12-06-2015, 08:33 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
رامي حنفي محمود

الربع السادس من سورة المائدة



الآية 68: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لليهود والنصارى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ إنكم ﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ من الدين الحق، ولستم أهل نُصرة الله تعالى ومحبته ﴿ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: يعني حتىتعملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾: يعني وإن كثيرًا منأهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إلا تجبُّرًا وجحودًا، فهم يحسدونكلأن الله بعثك بهذه الرسالة الخاتمة، التي بَيَّن فيها معايبهم، ﴿ فَلَا تَأْسَ ﴾: أي فلا تحزن أيها الرسول ﴿ عَلَى ﴾ تكذيب ﴿ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.


الآية 69: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (وهم المسلمون)، ﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ (وهم اليهود)، - ﴿ وَالصَّابِئُونَ ﴾ كذلك - (وهم قومٌ باقون علىفِطرتهم (يعني: على التوحيد)، ولا دين مُقرَّر لهم يتبعونه)، ﴿ وَالنَّصَارَى ﴾ (وهم أتباع المسيح عليه السلام)، هؤلاء جميعًا ﴿ مَنْ آَمَنَ ﴾ منهم ﴿ بِاللَّه ﴾ إيماناً كاملاً، وذلك بتوحيد الله تعالى والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلمبعد بعثته، ﴿ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من أهواليوم القيامة، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما تركوه وراءهم في الدنيا.

الآية 70، والآية 71: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: يعني لقد أخذنا العهد المؤكَّد على بني إسرائيل في التوراة بالسمع والطاعة، ﴿ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ﴾: أي وأرسلنا إليهم رسلنا لِيُذكِّروهم بذلك العهد، فَنَقَضوا هذا العهد، واتبعوا أهواءهم، وكانوا ﴿ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ ﴾ من أولئك الرسل ﴿ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ ﴾: أي بما لا تشتهيه أنفسهم عادَوْه، فـ ﴿ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾: يعني فكذبوا فريقًا من هؤلاء الرسل، و***وا فريقًا آخر، ﴿ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾: يعني وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب والشدائد والمِحن بسبب عصيانهم وكفرهم، و***هم الأنبياء،﴿ فَعَمُوا وَصَمُّوا ﴾: أي فمضوا في شهواتهم، وعَمُوا أعينهم عن الهدى فلم يُبصروه، وصَمُّوا آذانهم عن سماع الحقِّ فلمينتفعوا به، فأنزل الله بهم بأسه، وسَلَّطَ عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب، فتابوا ﴿ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: يعني قَبِلَ توبتهم، فاستقام أمرهم وصلحتْ أحوالهم، ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾: يعني ثم عَمِي كثيرٌمنهم مرة أخرى عن الهدى، وصَمُّوا عن سماع المواعظ، وذلك بعد أن تبين لهم الحقُّ، فسلط الله عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب أيضاً، وهاهم ما زالوا في عَماهم وصَمَمِهم، فلم يؤمنوا بالنبي محمد بعد أن عرفوا أنه النبي الخاتم، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ وسيجازيهم على أعمالهم في الدنيا والآخرة.

الآية 72: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾: أي اعبدوا الله وحده لاشريك له، فأنا وأنتم مُتساوين في العبودية لله تعالى، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾: يعني إنه مَن يعبد مع الله غيره ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ إلا أن يتوب من الشرك قبل موته، ﴿ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾: أي وجعل النار مُستَقَرَّه، ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ يُنقذُونهم من هذه النار.

الآية 74: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ﴾: يعني أفلا يرجع هؤلاء النصارى إلى الله تعالى، وينتهون عمَّا قالوا، ويسألون اللهتعالى المغفرة؟ ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم حيث أمهلهم للتوبة.

الآية 75: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾: أي مِثل مَن تقدمه من الرسل، ﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾: يعني قدصَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا، وهما كغيرهما من البشر، فقد ﴿ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾: يعني كانا يحتاجان إلىالطعام، ولا يكونُ إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش، ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني فتأمَّل أيها الرسولحالهم، فقد أوضحنا لهم العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان مايَدَّعونه في أنبياء الله، وهم مع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهمإليه، ﴿ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: يعني ثم انظر كيف يُصرَفون عن الحق بعد أن ظهر واضحاً؟!

الآية 76: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾: يعني كيف تشركون مع الله مَن لا يَقْدِرُ علىضَرِّكم، ولا على جَلْبِ نفعٍ لكم؟ فلا هم يسمعون دعاء من يدعوهم، ولا يعلمون عن حاله شيئاً، ﴿ وَاللَّهُ ﴾ وحده ﴿ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده ولدعائهم إياه ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بسائر أحوالهم وأعمالهم، مُجيب المُضطر إذا دعاه، فهو سبحانه المعبود بحق، وما سواه باطل.

الآية 77، والآية 78، والآية 79: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للنصارى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾: يعني لا تتجاوزوا الحقَّ فيما تعتقدونه من أمر المسيح عليه السلام،﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ﴾: يعني ولا تتبعوا أهواءكم، كما اتَّبع اليهود أهواءهم في أمر الدين، فوقعوا فيالضلال، ﴿ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ﴾ من الناس، ﴿ وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾: أي وخرجوا عن طريق الاستقامةإلى طريق الضلال.

• ثم يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل، وهذا مذكورٌ في الكتاب الذي أنزلهعلى داوود عليه السلام (وهو الزَّبور)، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى عليهالسلام (وهو الإنجيل)، فقال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾: أي وذلك اللعن كان بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله، فقد ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾: يعني كانوا يُجاهرون بالمعاصي ويرضونها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عنأيِّ منكر فعلوه، ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾، لأنهم قد استحقوا بذلك الفعل أن يُطْرَدُوا من رحمةالله تعالى، (وفي هذا تحذيرٌ لكل مَن يفعل مِثل فِعلهم حتى لا يَلقى مصيرهم).

الآية 80، والآية 81: ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ﴾ أي من هؤلاء اليهود ﴿ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني يتخذون المشركين نصراء لهم، ﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾: يعني ساءما عملوه من مُناصرة المشركين، لأن مناصرتهم لهم كانت سببًا في ﴿ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾، ﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ ﴾ وهو القرآن الكريم: ﴿ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾: أي ما اتخذوا الكفار أنصارًا وأحباءً، ﴿ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾: أي خارجون عن طاعة اللهورسوله.



وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

على العربى
09-08-2016, 07:43 PM
جزاك الله كل الخير وبارك فيك