مشاهدة النسخة كاملة : تقرير: مصيبة الاستعمار الغربي.. ذلك بما كسبته أيدينا؟!


ابو وليد البحيرى
09-05-2015, 04:41 AM
تقرير: مصيبة الاستعمار الغربي.. ذلك بما كسبته أيدينا؟!

http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/6795.jpg
}وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير{ [الشورى: 30-31].
}أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ [آل عمران: 165].
}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا{ [النساء: 61- 63].
}وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [القصص: 47].
تدل الآيات السابقة على أن المصائب مرتبطة بأفعال العباد، وأن الإنسان هو الجاني على نفسه؛ لأن الله لا يظلم أحداً.
ويقول ابن القيم: "فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره".
وتشمل هذه العلاقة واقع الفرد والجماعة والأمة.. فذنوب الأفراد تنعكس سلباً على أمتهم، وبقدر تلك الذنوب يتحدد مستوى الأمة وواقعها ومكانتها بين الأمم، ومآلها في المستقبل.
ويعتبر الاستعمار - الذي عمّ الأمة الإسلامية في العصر الحديث - أحد المصائب التي حلت بالمسلمين، وبما أن الشرع ربط المصائب بعمل الإنسان؛ فإن ما وقع بالعالم الإسلامي من احتلال واضطهاد هو نتيجة لما جنته الأمة الإسلامية على نفسها.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ].
ظلم الأمة لنفسها
يوضحعبد القادر عبار أن الأمة الإسلامية اعترتها فترة حالكة من غياب الجد وفتور روح الجزم والحسم في تنفيذ تعاليم الدين على مستوى الفرد والجماعة.. ونبذٍ لمقومات الذاتية الإسلامية، وتركٍ لأخلاقية الاستخلاف التي كرم الله تعالى بها بني آدم من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. مع تكاسلهم عن تحقيق فريضة الجهاد، وخورهم عن المجابهة الحركية للظلم بمختلف أنواعه.
هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى متشابكة ساهمت بقسطها المخزي في سقوط المسلمين وإضعافهم في شتى المجالات.
فقد ضعف العالم الإسلامي - في القرن التاسع عشر الميلادي - في الدعوة والعقيدة والعقلية والعلم والجهاد.. وبدا عليه الإعياء والشيخوخة. والإسلام لا يعرف الشيخوخة والهرم إنه جديد كالشمس، ولكن المسلمين هم الذين شاخوا وهرموا وضعفوا، فلا سعة في العلم، ولا ابتكار في التفكير، ولا إبداع في الإنتاج، ولا حماسة في الدعوة، ولا عرضاً جميلاً ومؤثراً للإسلام ومزاياه ورسالته.
وفي هذه الحال هجمت أوروبا بفلسفتها" التمييعية" التي تعب في تدوينها كبار الفلاسفة.. وهكذا انتشر الإلحاد والارتداد في الأوساط الإسلامية ثم تطور الأمر وعظم الخطب وشملت المجتمعات الإسلامية على طولها ضبابية حالكة - عقلياً وفكرياً وعقائدياً - حتى فترت في المسلمين جدية الالتزام بحقائق هذا الدين، حسب تعبير عبدالقادر عبار.
فالشعائر التعبدية لا تحس لها تأثيراً ولا حياة في الوجدان والسلوك؛ لأنها أصبحت تؤدى وكأنها عادات لا عبادات.. فلا خشوع فيها ولا لذيذ مناجاة. وهزل اليقين في النفوس، وغاب الإخلاص والصدق، وتذبذبت العقيدة قي القلوب.. وهذا له خطره.. ويقول سيد قطب رحمه الله: "إن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس. فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده؛ لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، والخضوع للحكم عبادة، بل هي مدلول العبادة".
وأما في مجال الأخوة والروابط الاجتماعية فقد أصبحت تحية عابرة باللسان وإشارة فاترة باليد.. قد بعدت عن مدلولها الصحيح الهادف كتلك التي مثلها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وأما المساجد فقد أمست هياكل معمارية باهرة نتباهى زخرفتها ونغفل عن الدور الأساسي الذي من أجله بُنيت.
وينقل عبار عن أحد العلماء تفسيره لسنة من سنن التغيير التي تصيب الأمم، وهي في أوج حضارتها ورقيها، والمفضية إلى انحلالها وتميعها، فيقول "في هذه المرحلة الحاسمة - أي مرحلة القناعة بالمحصول والوقوف عند ذلك الحد المحرز عليه من المعرفة - تتخلى هذه الجماعة عن مكانها في القيادة.. إن لم يكن بالرضا والاختيار فبالقوة والجبر لتحل مكانها جماعة أخرى أحرزت قدراً كبيراً من المعرفة وحظاً أوفر من العلم، ويلازمها عزم وتصميم على بناء الحياة.. أما هؤلاء الذين كانوا قادة فيصبحون أتباعاً وبعد أن تقدموا القافلة يحتلون مكانهم الرمزي من ذيلها".
إن إرسال الرسل الأخيار من سيدنا نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وتحمل الأتعاب التي تنوء دون حملها شم الجبال، وتلك الابتلاءات، ثم ذلك الجهاد وأخطاره، والهجرة وأعباؤها، كل ذلك إنما هو برهان ساطع على جدية هذا الدين وجزم هذه العقيدة، فيقول سيد قطب: "إن هذا الدين جد لا يحتمل الهزل، وجزم لا يحتمل التميع، وحق في كل نص فيه وفي كل كلمة، فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما أغنى هذا الدين عنه، والله غني عن العالمين".
ويقول أيضاً: "إن هذا الدين جد، وقد جاء ليحكم الحياة، جاء ليعبد الناسَ لله وحده، وينتزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان، فيرد الأمر كله إلى شريعة الله، لا إلى شرع أحد سواه.. وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها، ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها، ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها".
وبحسب قول سمير أحمد الشريف فإنه ليس وليد اللحظة ما يصيبنا من تراجع وانكسار وانهيار قيمي، وإنما يمتد إلى الماضي القريب، أيام لم نفهم كيف نواجه الآخر ونعد العدة لتهيئة أنفسنا ونضع الآليات التي تمكننا من الوقوف أمامه دونما ذوبان فيه أو تنكر لذاتنا.
منذ عام 1096م بدأ الانهيار عندما بدأ مدّ الحروب الصليبية بالانتشار على أثر ظهور الدولة الإِسلامية واتساعها المضطرد حتى حدود الهند والأندلس وإفريقيا، مؤسسا دولة ذات حضارة إنسانية عالمية كبرى بمعطيات عسكرية وفكرية وعددية، لم يستطع الغرب الانتظار أمامها حتى لا تضيع بلدانه وشعوبه التي لم تصلها الفتوحات الإِسلامية بعد، فاتجه (الغرب) إلى الناس يجمعهم لخوض معركة حضارية كبرى مع الإسلام الذي "يمتد بالسيف" حسب زعمهم، ويحمله "قساوة قلوب لا يعرفون الرحمة".
حمل لواء تشويه صورة الفتوحات الإسلامية رجال الدين في بلاد الغرب وهم مصدقون فيما قالوا وافتروا. سارت جيوش ال***ون والنورمانديين وغيرهم من الأشتات الذين سفحوا دماء إخوانهم في الدين دون رحمة دون تحقيق هدف مادي يذكر، لكن إرادة الله غالبة وحكمته بالغة. فما أن انتهت سنة 1291م حتى اكتشف المقاتلون كذب ما ادعاه رهبانهم، ذلك أن اختلاطهم بالمسلمين أفراداً ومجتمعات أنار بصائرهم بوعي جديد وشك فيما يقال لهم عن قسوة المسلمين وتخلفهم.
واحتاج الطرفان إلى هدنة زمنية يعيدون حساباتهم ليمر قرن ونصف القرن حتى سقوط القسطنطينية سنة 1453م بيد المسلمين بقيادة محمد الفاتح، هذا الزلزال الأكبر الذي أسبب خوف الغرب وحقده وغضبه وتحديه السافر لهذا القادم الجديد. 1453 كانت نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة أخرى في علاقة الغرب بنا إسلاماً وفكراً ودولة وأمة بعد أن اكتشف برجال دينه وقادته من أهل السياسة أن السلاح قد ثبت فشله في مواجهة الإسلام.
وبدأ السؤال لدى الغرب: لماذا وكيف كان زحف الإسلام على ديارنا سريعاً وسقوط أراضينا وتقبل الأعداد الغفيرة من مواطنينا لهذا الدين لدرجة أصبح معها أهل البلاد الأصليون من أشد المدافعين عن الإسلام ومن جند الإِسلام المخلصين؛ الأمر الذي قوض سلطات المنتفعين بالسيطرة على رقاب المساكين وجعلهم يلحون في معرفة أسباب ذلك في الوقت الذي يزداد وعي الغرب أفراداً ورؤساء بالإِسلام حضارة وديناً وأخلاقاً ومعاملات، سواء من خلال الذين غزوا ديار الإسلام وأقاموا فيها ممالك وشاهدوا محاسن الإسلام عن قرب أم من خلال المحاربين الذين عادوا إلى ديارهم في نهاية كل حملة، يحدثون أهليهم بما شاهدوا.
من ركام هذا القلق الذي أصاب الغرب، ومن حلكة الظلمة التي فيها يحيا خرج رواده أمثال روجرز بيكون في إنجلترا وتوما الإِكويني في إيطاليا ومارتن لوثر في ألمانيا، ودرس هؤلاء أعلام النهضة والثقافة العربية الإسلامية فعملوا على إيجاد لغة أوروبية واحدة تجمع شتات لهجاتهم الكثيرة التي تحول دون نشر التعليم على نطاق واسع.
دخول محمد الفاتح عاصمة الغرب الدينية كان الخطوة التي اضطرت معها أوروبا لإِعادة حساباتها والتعلم من أخطائها ومراجعة أهدافها ووسائلها.
من هنا يعتبر البعض سنة 1453م بدء النهضة الأوروبية الحديثة، وبداية تراجع المد الثقافي الإِسلامي الذي استنام أصحابه لأحلام النصر، وركنوا إلى الدعة والكسل وحب الدنيا حتى ركبهم الغرور.
مظاهرمصائب الاحتلال
إذا كان ما سبق ذكر يفسر أسباب سقوط الأمة الإسلامية في الدرك الأسفل من الاستعباد والهوان والتبعية للاحتلال الغربي، فإن ما سيأتي ذكره هو ملخص لظاهرة مصائب ذلك الاحتلال، وملخص لحال الأمة الإسلامية في ظل تداعي الأمم عليها.
فقد عانى العالم الإسلامي كل أنواع الاستعمار، التي يأتي في مقدمتها الاستعمار السياسي، وهو قدرة إحدى الدول على بسط نفوذها على دولة أخرى بدون الاستخدام الفعلي للقوة أو إخضاعها للاحتلال المباشر.
كما عانى العالم الإسلامي بشدَّة من نوع آخر من الاستعمار وهو الاستعمار الاقتصادي، ويقع هذا النوع من الاستعمار عن طريق إبرام اتفاقات غير متكافئة بين دولتين يتم بموجبها إعطاء حق احتكار الدولة القوية الغنيَّة لاستغلال الثروات الطبيعية للدولة الفقيرة.
ويعدّ الاستعمار الثقافي أخطر أشكال الاستعمار التي عانى منها العالم الإسلامي في العصر الحديث؛ وكانت صورته القديمة تتمثل في سعي الدول والجماعات المغتصِبة إلى فرض لغتها وثقافتها وتراثها وأيديولوجيتها على الشعوب المستعمرة بالقوة.
أما صورته الحديثة بعد استقلال دول العالم الإسلامي، فتتمثل في الغزو الفكري عن طريق الترويج للأفكار العلمانية الغربية، مثل التركيز على مبدأ فصل الدين عن الدولة، أو الترويج للأفكار المادية الماركسية الشرقية.
ولعل السياسات العفوية للدول الإسلامية قد ساعدت ومهّدت الطريق أمام الاستعمار الثقافي؛ وذلك نظراً لغياب الإستراتيجية الشاملة التي تحدِّد نوعية الأجيال المراد تنشئتها، وابتعاد المناهج الدراسية عن التراث الإسلامي.
كما لعبت وسائل الإعلام المختلفة في دول العالم الإسلامي دوراً مماثلاً لا إراديّاً في إبعاد الأجيال عن تراثها وثقافتها؛ إذ أصبحت أداة لنقل الثقافات الأخرى دون الحرص على الانتقاء واختيار ما هو مفيدٌ وبنَّاء.
وقد تبنَّت الدول الاستعمارية الأوروبية سياسات عديدة في حربها ضد الإسلام؛ منها قيام القوى الاستعمارية بنشر الدعوات الدينية الهدَّامة كالبهائية والقاديانية، واجتهاد الاستعمار في إثارة النعرات القومية التي نجح الإسلام في القضاء عليها، والعمل على إدخال فكرة العلمانية في العالم الإسلامي، وتشجيع الأقليات في بعض أقطار العالم الإسلامي على تسلُّم السلطة، وتسخير وسائل الإعلام المختلفة والأقلام الغربية أو المستغربة الفكر من الكتاب المحليين للعمل على إيجاد مجتمع مسلم بالاسم فقط.
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/mosibat-estemar2.jpg
أطماع الاحتلال
وقد عَرِفالعالم الإنساني الاستعمار منذ القِدَم على يد الحضارة الفرعونية والرومانية، وغيرهما من الحضارات على مَرِّ التاريخ.
وقد كانت أبرز القوى الاستعمارية التي عانى منها العالم الإسلامي في العصر الحديث بريطانيا وفرنسا.
وقد كانت بريطانيا العظمى هي أكبر القوى المؤثرة في ذلك الوقت؛ حيث كانت تتحكم في إمبراطورية ضخمة تُعَدُّ من أكبر الإمبراطوريات في تاريخ البشرية، إضافةً إلى بسط نفوذها القويّ على مجمل أنحاء الكرة الأرضية من خلال ذراعها العسكرية وقواعدها البحرية التي كانت تسيطر على معظم القنوات، ومراكز الارتباط ذات الأهمية الإستراتيجية في العالم أجمع.
كذلك كانت فرنسا في ذلك الوقت قوة عسكرية لا يستهان بها، فقد برز اسمها بشدة على يد قائدها نابليون بونابرت وحملاته الشهيرة التي طالت العالم الإسلامي، وبعد انكسار هذه الحملات ورغم هزيمة نابليون إلاَّ أن الدولة الفرنسية استطاعت القيام مرة أخرى، وعادت من جديد إلى ميدان القوى الاستعمارية معتمدة على الروح القومية التي تولدت لدى الشعب الفرنسي بعد هزيمته أمام الألمان في عام 1871م.
وقد كان للنهضة الأوروبية التي تُعَدُّ إحدى الخصائص المميزة للقرن التاسع عشر، أعظمُ الدور في تحريك الأطماع الاستعمارية؛ حيث ظهرت الاختراعات الآلية، واستخدمت دول أوروبا لأول مرة السكك الحديدية، كما استطاعت سفنها التجارية عبور المحيط الأطلسي.
كما أحدثت الثورة الصناعية في الدول الأوروبية طفرة هائلة في الإنتاج، فارتفعت معدلات النمو السلعي بشكل عجزت الأسواق الأوروبية عن استيعابه، وظهرت الحاجة إلى ضرورة فتح أسواقٍ جديدة، وقد وجدت الدول الأوروبية ضالتها في أسواق البلاد الإسلامية التي كان معظمها في ذلك الوقت يجتمع تحت راية الخلافة العثمانية.
ومع أهمية الدافع الاقتصادي كسببٍ رئيسي للهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي إلاَّ أننا لا نستطيع أن نُغفِل الدافع الديني كمحرِّك مهم في نفوس البعض؛ طمعاً في أخذ ثأر قديم من الفتوحات الإسلامية التي نجحت في رفع راية الإسلام عاليةً في أقصى العمق النصراني، ولعل أقوى دليل على وجود هذا الدافع الديني لدى البعض هو ما قاله قادتهم أنفسهم.
فعندما دخل الجنرال الإنجليزي اللّنبي بجيشه إلى القدس في عام 1916م قال: "الآن انتهت الحروب الصليبية".
وكان أول ما فعله الجنرال جورو بعد دخول جيشه إلى دمشق في عام 1920م أن توجّه بزيِّه العسكري وسيفه إلى قبر القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، ووجَّه له قولته الشهيرة الشامتة:
"لقد زعمتَ بعد الحروب الصليبية أننا خرجنا من الشرق ولن نعود. وها قد عدنا، فانهضْ لترانا هاهنا وقد ظفرنا باحتلال سوريا".
كما لم يُخفِ المؤرخون المعاصرون هذه الحقيقة، فوصف المؤرخ الفرنسي (إدوار دريو) حادث الاستيلاء على الجزائر: "بأنه كان أوَّل إسفين يُدقُّ في ظهر الإسلام".
وغير ذلك الكثير من الأقوال التي تواترت عن قادة غربيين يسهل على المتأمِّل رؤية ما تحمله في طيَّاتها من مشاعر البغض والكراهية للإسلام والمسلمين.
البدايات
أمَّا عن قصة الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي في عصرنا الحديث، فنجد أنَّ بداياتها تعود إلى أوائل القرن السادس عشر، وبالتحديد عندما سيطرت البرتغال على الشواطئ الغربية للهند، واستطاعت الانفراد بخطوط الملاحة العالمية المؤدية إلى الهند طوال هذا القرن، ولكن السيطرة البرتغالية بدأت تنهار تحت ضربات بريطانيا وفرنسا الهادفة لكسر هذا الاحتكار البرتغالي لخطوط الملاحة البحرية إلى الهند.
وقد نجحت الشركات التجارية في كسر هذا الاحتكار، ومن أشهر تلك الشركات شركة الهند الشرقية البريطانية التي ظهرت في مطلع القرن السابع عشر، ولم يأبه حكام الإمبراطورية الإسلامية المغولية في الهند في البداية للخطر الذي تمثِّله تلك الشركة.
كما استغلت بريطانيا العداء بين الهندوس والمسلمين، والمشاحنات بين الإمارات الإسلامية لكي توجِّه ضربة قاصمة إلى سراج الدولة (نائب الإمبراطور في إقليم البنغال) عام 1757م، ثم تلتها بضربة ثانية إلى الإمبراطور المغولي نفسه عام 1764م استولت بريطانيا بعدها على البنغال، ثم قامت بتوجيه ضربة ثالثة قاضية إلى ملك ميسور المسلم عام 1798م بعد أن كشفت تحالفه ضدها مع فرنسا، ثم أخذت بريطانيا في التوسُّع السريع في الهند مستغلة قوتها العسكرية في القضاء على أي مقاومة؛ حيث استطاعت أن تخمد ثورة شعبية كانت تطالب بعودة الإمبراطورية المغولية الإسلامية التي كانت رمز التسامح بين المسلمين والهندوس، واستطاعت بريطانيا في النهاية أن تفرض رسميّاً الحكم البريطاني على الهند في عام 1857م.
وفي هذه الأثناء كانت الخلافة العثمانية في أضعف مراحلها، وقد بدأ لُعاب الأمم الاستعمارية من حولها يسيل طمعاً في ممتلكاتها، وانقضَّت الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م طمعاً في موقعها الإستراتيجي، كما تعرَّضت دولة الخلافة في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر لسلسلة من الصدمات التي أوهنت قوَّتها، مثل صدمة خروج بلاد الصرب عن طاعتها في عام 1804م ومناداتها بالاستقلال، كما تململت اليونان من السيطرة العثمانية وبدأت في التمرد والثورة.
واكب ذلك بداية التوسُّع الروسي في آسيا الوسطى، وبالتحديد في الفترة التالية لصلح باريس عام 1856م، وتحت تأثير الهزيمة الروسية في الجبهة الأوروبية ومحاولة تعويض خسائرها في تلك الجبهة، إضافةً إلى حاجة روسيا إلى دعم مراكزها العسكرية شرق الأورال، وأيضاً حاجتها إلى آسيا الوسطى كسوق للمنسوجات القطنية الروسية.
وقد استغلَّت روسيا ضعف الأوضاع الداخلية في آسيا الوسطى وقامت بالاستيلاء على خجند عام 1865م، ثم بُخارى عام 1868م، ثم خيوه القريبة من الحدود الشمالية الغربية للهند عام 1873م.
ولم تتحرك بريطانيا لمواجهة هذا التوسع الروسي باتجاه الهند لاتفاق سابق بينهما يقضي بأن تكون الأراضي الواقعة غرب نهر جيحون منطقة نفوذ روسي، والأراضي الواقعة شرق أفغانستان منطقة نفوذ بريطاني. وقد أطلق المؤرخون على التنافس الاستعماري البريطاني الروسي للهيمنة على آسيا الوسطى وأفغانستان اسم (المباراة الكبرى)، وقد كان لبريطانيا مباراة أخرى في منطقة الهند الصينية ولكن مع فرنسا. وقد استأنفت روسيا توسعها في آسيا الوسطى، واستحوذت على الأقاليم التركمانية، واستولت على مدينة مرو عام 1879م، ووصلت إلى البنجاب عام 1885م.
وفي عام 1878م أنشئت الجمعية الألمانية للدراسات الإفريقية في مدينة برلين، وبدأ المستكشفون الألمان يعملون في المنطقة الواقعة بين زنجبار وتنجانيقا، وتكاتفت الجهود الألمانية بغرض إنشاء مستعمرات لهم في القارة الإفريقية، هذا في الوقت الذي عارض فيه بسمارك هذا الاتجاه خوفاً من التورُّط في المشكلات الدولية، لكن أمام التيار الجارف نحو الاستعمار أعلن بسمارك عن سياسته الجديدة، وفي غضون عام واحد كوَّن أربع مستعمرات في القارة الإفريقية في الفترة من إبريل عام 1884م حتى يوليو عام 1885م، وشملت هذه المستعمرات كلاًّ من تنجانيقا في شرق القارة، والكاميرون وتوجو في الغرب، ومنطقة جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا حالياً).
أجبرت هذه السياسة التي أعلنها بسمارك فجأة بريطانيا على تغيير سياسة الحياد أمام هذه القوة الألمانية الناشئة، وكان بسمارك يدرك هذا الشعور البريطاني، ويحاول بقدر الإمكان إرضاء البريطانيين في تلك الحقبة من التنافس الاستعماري.
ولكن بالفعل تحركت بريطانيا في جنوب القارة الإفريقية ودخلت في صراعات مع الألمان في شرق القارة، ومع الفرنسيين في غربها؛ حيث كانت السياسة الاستعمارية الفرنسية بدأت تؤتي أُكُلها في غرب القارة الإفريقية، بعدما أخذ التجار الفرنسيون يشقون طريقهم إلى الداخل في حوض وادي السنغال بهدف ربط السنغال وأعالي النيجر بخط حديدي؛ لكي تسيطر فرنسا على منتجات غرب القارة. وبالطبع كان لهذا الإجراء أثره في المراكز التجارية البريطانية في جامبيا، كما أنه يؤثر بشكل غير مباشر في الطرق التجارية المؤدية إلى سيراليون وساحل الذهب، فكان هذا بداية التكالب الأوروبي على القارة الإفريقية.
أمًّا في المنطقة العربية فقد استطاعت بريطانيا عام 1820م - وبعد ممارسة ضغوط عديدة - أن تعقد اتفاقيات مع رؤساء القبائل الساحلية في منطقة الخليج العربي، وبالتحديد في المناطق الواقعة بين قطر وحدود سلطنة عمان، وقد أصبحت هذه الاتفاقيات دعامة للنفوذ البريطاني في هذه المنطقة التي أصبحت تُعرف منذ ذلك الحين باسم الساحل المهادن.
في هذه الأثناء لم تسلم الدول الإسلامية في شمال قارة إفريقيا، حيث كانت تجابه الغزو الاستعماري الفرنسي.
تعرضت الجزائر للغزو الفرنسي في عام 1830م، ويعود الطمع الفرنسي في الجزائر إلى عهد نابليون، حيث كان يعتبر الجزائر سوقاً خارجية ضرورية لتطوير الصناعة الفرنسية؛ ولذلك قررت فرنسا احتلال الجزائر ولم يبقَ أمامها إلاَّ الذريعة المناسبة للغزو.
ووجدت فرنسا ضالتها عندما عجزت الجزائر عن سداد دينها لفرنسا، وحدثت بينهما تجاذبات ثُمَّ منازعات، وفي إحدى هذه المنازعات قام حسين باشا والي الجزائر بضرب القنصل الفرنسي بمروحة كانت في يده، واتخذت فرنسا هذا الحادث التافه مبرِّراً لاحتلال الجزائر.
ومن ثَمَّ فرضت فرنسا الحصار على ميناء الجزائر في شهر يونيو 1827م والذي استمر حتى عام 1830م، حيث تم اجتياح الجزائر عسكريّاً بقُرابة ستين ألفاً من الجنود الفرنسيين، ودارت معركة غير متكافئة انتهت بتوقيع حسين باشا وثيقة استسلامه. وفي صباح يوم 5 من يوليو 1830م دخلت القوات الفرنسية إلى مدينة الجزائر، وقد استغرق إخضاع كافَّة المدن الجزائرية أربعين عاماً كاملة؛ بسبب مقاومة الشعب الجزائري.
وقد هبَّت المغرب لنصرة الجزائر بعد وقوعها في براثن الاحتلال الفرنسي، وقد كانت الدولة المغربية في هذه الفترة وحتى منتصف القرن التاسع عشر دولة قوية ومُهابة، وذلك على الرغم من عدم تمكُّنها من تخليص مدينتيها سبتة ومليلة من يد الاحتلال الإسباني، فإنَّ الدولة المغربية هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تنضوِ تحت راية الخلافة العثمانية، ورغم ذلك استمرت المغرب في مساندة المقاومة الجزائرية بعد أن عجز الجيش العثماني عن حمايتها.
وبالطبع لم تكن المساعدات المغربية خافية عن المستعمر الفرنسي الذي اقتنص هذه الفرصة وكشف عن أغراضه الاستعمارية تجاه المغرب، فأقدمت فرنسا على التعجيل بغزو المغرب بحجة إيقاف الإمدادات التي تصل منها إلى الجزائريين فتعينهم على التمرد والمقاومة.
وبالفعل استطاع الجيش الفرنسي أن يضع قدمه في المغرب بعد انتصاره على جيشها في معركة وادي إيسلي في 14 من أغسطس 1844م، وأُرغمت المغرب على الدخول في معاهدة حماية مع فرنسا.
رتَّبت بريطانيا أوضاعها في الخليج العربي بعد الاتفاقيات التي أبرمتها مع المشيخات القبليَّة في هذه المنطقة، وبالأخص عندما بدأت هذه المشيخات تتحول إلى وحدات سياسية أو دويلات صغيرة تحت الحماية البريطانية، وقد كانت هذه الاتفاقيات تجدَّد سنويّاً حتى عام 1843م حيث عقدت معاهدة جديدة لمدة عشر سنوات.
وفي عام 1853م تم توقيع اتفاق دائم بين شيوخ القبائل وبريطانيا يقضي بأن يكون الحفاظ على السلام في هذه المنطقة تحت الإشراف البريطاني.
لم تكتفِ بريطانيا بذلك بل عملت على توسيع نفوذها في منطقة الخليج العربي؛ ففي عام 1861م فرضت بريطانيا على إمارة البحرين الدخول في هذه الاتفاقية، ثم وضعتها تحت الحماية وأصبحت صاحبة التصرف في شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية.
أمَّا سلطنة مسقط أو عُمَان - التي كانت إمبراطورية من أهم الإمبراطوريات الشرقية أثناء العقدين الرابع والخامس من القرن التاسع عشر، وتسيطر على الساحل الإفريقي من ميناء (لامو) في الشمال إلى ميناء (كيلوه) في الجنوب - فقد انقسمت في عام 1861م إلى سلطنتين هما: مسقط وزنجبار؛ كنتيجة مباشرة للتدخل البريطاني الذي نجح في النهاية من فرض الحماية البريطانية على مسقط.
الأطماع الاستعمارية في الشمال الإفريقي
بحلول عام 1875م كانت أهم دولتيْن أوروبيتين مسيطرتين على الوضع في شمال قارة إفريقيا هما فرنسا التي كانت تسيطر على الجزائر، إضافةً إلى سيطرة بريطانيا الاقتصادية على مصر؛ ففي عام 1879م كانت مصر خاضعة بشكل كامل للنفوذ البريطاني، وضعفت قبضة الخديوي إسماعيل وتراخت أمام السيطرة البريطانية، ولم يشعر الخديوي بخطورة هذه السيطرة إلاَّ بعد فوات الأوان.
وفي محاولة يائسة للخروج من المصيدة البريطانية اتجه الخديوي إسماعيل إلى الشعب المصري ليتقوَّى به أمام النفوذ البريطاني، فشرع في إصلاحات حقيقية، وقَبِل لائحة وطنية رفعها له نُخبة من وجهاء المصريين، وتضمَّنت هذه اللائحة منح مجلس شورى النوَّاب الحرية التامة والصلاحيات لمتابعة كافة الأمور الداخلية، وخاصةً الأمور المالية كما هو معمول به في النظم الأوروبية، كما أسقط الخديوي الوزارة الأوروبية التي فُرِضت عليه من قِبَل الإنجليز، وكلَّف بها أحد الزعماء الوطنيين، وقد قدَّمت هذه الوزارة لمجلس شورى النوَّاب في يوم 17 من مايو 1979م أوَّلَ مشروعٍ لدستور نيابي برلماني كامل.
لم تقف بريطانيا موقف المتفرِّج أمام هذه الصحوة المصرية، فقد كانت تعلم مدى خطورة هذه الإجراءات الإصلاحية على المصالح الإنجليزية، وتحركت بريطانيا على الفور ومارست ضغوطها على الخليفة العثماني حتى أصدر قراراً بعزل الخديوي إسماعيل، وتولية ابنه توفيق.
ووَعَى الخديوي الجديد الدرس جيداً وقرر الإذعان للوصاية الأجنبية، فرفض الموافقة على مشروع الدستور، وألَّف وزارة رياض باشا التي جعلت الأولوية في مهامِّها لتصفية النُّخبة الوطنية التي كانت قائمة على المشروع الوطني الحالم.
لم يمنع الاهتمام البريطاني بمتابعة خطة السيطرة على مصر من ملاحظة الأطماع الاستعمارية الفرنسية التي ظهرت في هذه الفترة حيال دولة عربية مسلمة أخرى وهي تونس.
ومن المثير أنَّ بريطانيا أعربت عن عدم معارضتها لاحتلال فرنسا لتونس، بل وصرَّحت بريطانيا بأن تونس تعتبر امتداداً طبيعيّاً لممتلكات فرنسا في شمال إفريقيا.
وبالطبع لم تُقدِم بريطانيا الاستعمارية على هذا الاعتراف بصورة مجَّانية؛ فقد تركت بريطانيا هذا الجزء من الكعكة نظير عدم معارضة فرنسا لاستيلاء بريطانيا على جزيرة قبرص التي تقع في شرق البحر المتوسط، وكانت الخلافة العثمانية قد استسلمت للضغوط البريطانية وتنازلت عنها لبريطانيا.
وسرعان ما شرعت فرنسا في وضع يدها على تونس، حيث عرضت على والي تونس محمد الصادق في عام 1879م مشروعاً لاتفاقية بفرض الحماية على تونس، ولكنَّه رفض بشدة، كما رفض أيضاً عرضاً بالتحالف مع فرنسا في عام 1880م، ولم تجد فرنسا أمامها إلاَّ أن تُسفِر عن وجهها القبيح وتجهِّز للعمل العسكري.
انتهزت فرنسا فرصة اجتياز عدد من قبائل الكرميين الجزائرية - التي هاجرت إلى تونس بعد احتلال الجزائر - للحدود الجزائرية، واتهمت فرنسا والي تونس بعجزه عن السيطرة على القبائل، ثم قامت في 24 من إبريل 1881م بالهجوم العسكري على تونس. وفي 11 مايو كانت القوات الفرنسية تحاصر قصر الوالي التونسي، وبالفعل تم إجباره على توقيع معاهدة بوضع تونس تحت الحماية الفرنسية في 12 من مايو 1881م.
أمَّا في مصر فقد بدأ التذمر من الحكومة الموالية لبريطانيا، وقامت مظاهرة عابدين الشهيرة في 9 من سبتمبر 1881م، التي قام بها الجيش بقيادة الزعيم المصري أحمد عرابي، وتم إسقاط وزارة رياض باشا، كما أسقطت نظام الحكم المطلق.
وأسفرت بريطانيا عن وجهها القبيح، وقامت في صبيحة يوم الثلاثاء 11 من يوليو 1882م بالهجوم العسكري على مصر، وقصف الأسطول الإنجليزي مدينة الإسكندرية.
وبالطبع لم تكن مصر مؤهلة عسكريّاً لصدِّ مثل هذه الهجمة؛ حيث كانت أسلحة الجيش المصري قديمة ومتهالكة، ورغم ذلك فقد لاقى الإنجليز مقاومة شرسة من المصريين، سواء من الجيش أو من الأهالي، ولكن في النهاية انتصر الجيش البريطاني ونجح في احتلال مصر بعد هزيمته للجيش المصري في معركة التل الكبير التي وقعت في 13 من سبتمبر 1882م.
ثم قامت بريطانيا باحتلال السودان كامتداد طبيعي لمصر في عام 1899م، وأيضاً لتحقيق أحلامها الاستعمارية التي كانت تطمح في إنشاء خط سكة حديد بطول القارة السمراء يصل من كيب تاون بجنوب إفريقيا - التي كانت خاضعة للسيطرة البريطانية - إلى القاهرة المصرية.
وبالطبع يهدف هذا الطموح الاستعماري إلى نقل الثروة الإفريقية من المواد الخام عبر المنفذ المصري على البحر المتوسط إلى بريطانيا للانتفاع بهذه الثروة في نهضتها الصناعية.
على الرغم من هذا الاهتمام بإفريقيا لم تنسَ بريطانيا توطيد مراكزها بالخليج العربي وتوسيع نفوذها، فنجدها في عام 1899م -نفس عام احتلال السودان - قامت بريطانيا بعقد اتفاق مع شيخ الكويت تعهد فيه بالامتناع عن قبول أي تمثيل أجنبي دون تصريح من الحكومة البريطانية، كما تعهدت بريطانيا بالحماية الخارجية الأبديَّة للكويت.
وحتى يكتمل احتلال دول الشمال الإفريقي المسلم، والذي لم يبق منه إلاَّ ليبيا، قامت إيطاليا بتوجيه أسطولها البحري صوب ميناءي طرابلس وبرقة الليبيين في 4 من أكتوبر 1911م.
وكالعادة لم يلاقِ الهجوم الإيطالي مقاومة تُذكر من الجيش التابع للخلافة العثمانية، ولم ينتهِ شهر أكتوبر إلاَّ وقد تمكَّن الجيش الإيطالي من احتلال المدن الساحلية الليبية الكبرى.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى أعدَّت بريطانيا قوة عسكرية وهاجمت العراق في 6 من فبراير 1914م، وتمكنت بريطانيا من السيطرة على المثلث الواقع بين البصرة والعمارة والناصرية، وأقامت حاكماً سياسيّاً في البصرة في 25 من يوليو 1915م، ثم وجّهت حملة عسكرية للاستيلاء على بغداد، ولكنها لم تستطع ذلك إلاَّ بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، فتقدمت بعد انسحاب القوات العثمانية، وقد استغرق غزو العراق أربع سنوات كاملة، ثم منحت بريطانيا للحركة الصهيونية وعداً بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وذلك بمقتضى اتفاقية لندن في عام 1917م.
أمَّا المملكة العربية السعودية فلم تدخل تحت الحماية البريطانية إلاَّ في عام 1915م، حين عقدت بريطانيا معاهدة مع الملك عبد العزيز آل سعود تلتزم بموجبها بمساعدة المملكة ضدَّ أي دولة أجنبية، وكانت هذه المعاهدة بعد بداية الحرب العالمية الأولى، وظلَّت هذه المعاهدة سارية المفعول حتى عام 1927م عندما استبدلت بمعاهدة جدَّة.
سياسات الاستعمار في البلاد الإسلامية
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/mosibat-estemar3.jpg
مر العالم الإسلامي بتجربة احتلالية قاسية، وبنظرة تحليلية يتبين لنا أنَّ كل دولة استعمارية كان لها سياستها الخاصة التي طبقتها على الدول التي خضعت لسيطرتها، وقد عانى العالم الإسلامي من كل أنواع الاستعمار، والتي يأتي في مقدمتها الاستعمار السياسي، وهو لا يتطلب قيام دولة معينة ببسط سلطانها ونفوذها على مناطق أخرى من العالم بهدف إخضاعها بصورة مباشرة، بل تكون العلاقة في هذا النوع من الاستعمار علاقة غير متكافئة بين دولتين تكون إحداهما دولة قوية قادرة على التأثير في سياسات الدولة الأخرى بحسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية؛ وبعبارة أكثر وضوحاً هو قدرة إحدى الدول على بسط نفوذها على دولة أخرى بدون الاستخدام الفعلي للقوة أو إخضاعها للاحتلال المباشر.
ويبدأ الاستعمار السياسي عندما تحتاج إحدى الدول الصغيرة إلى دعم وتأييد قوة خارجية لضمان استمرارها والحفاظ على أمنها واستقرارها من ناحية، في حين تسعى الدول القوية إلى تدعيم مصالحها الوطنية في العالم الخارجي عن طريق الحصول على مناطق نفوذ لها في العالم من ناحية ثانية، وبمرور الوقت تزداد الصلات والروابط بين الطرفين وتنشأ بينهما علاقات اقتصادية من استثمارات ومشاريع مشتركة ومنح وقروض، ثمَّ يتطور الأمر حتى يصل إلى العلاقات العسكرية التي يتم بموجبها تقديم الدول القوية للأسلحة وبناء المنشآت العسكرية وتدريب أفراد القوات المسلحة للطرف الثاني، حتى يصل الأمر إلى التدخل من جانب الدولة القوية في شئون الدولة الثانية بهدف حماية النظام السياسي القائم، مع التزام الطرف الأضعف بانتهاج سياسات لا تتناقض مع المصالح الوطنية للدولة القوية، وتبنِّي سياسات خارجية متوافقة مع مواقف الدولة القوية وأهدافها حتى ولو كان ذلك لا ينسجم مع أهداف الدولة الضعيفة وسياساتها الداخلية أو الخارجية، ويقع بذلك الاستعمار السياسي.
كما عانى العالم الإسلامي بشدَّة من نوع آخر من الاستعمار، وهو الاستعمار الاقتصادي.
ويُعَدُّ الاستعمار الاقتصادي شكلاً آخر من أشكال الاستعمار في العصر الحديث، ويتم هذا النوع من الاستعمار عن طريق إبرام اتفاقات غير متكافئة بين دولتين يتم بموجبها إعطاء حق احتكار الدولة القوية الغنيَّة لاستغلال الثروات الطبيعية للدولة الفقيرة، وتسعى الدول الغنية من خلال احتكار المصادر الأوَّلية إلى تأمين مصدر رخيص لتغطية حاجات نهضتها الصناعية.
ويشكِّل هذا النوع من الاستعمار بداية الصراع بين القوى الاستعمارية القديمة والقوى الحديثة، فلقد كانت بداية التنافس الأمريكي البريطاني على منطقة الخليج في بداية الثلاثينيَّات من هذا القرن مثالاً على ذلك.
وعلى الرغم من أن الصراع بين الولايات المتحدة وبريطانيا لم يبدأ علانيةً إلا مع حصول الولايات المتحدة على امتيازات التنقيب عن النفط في السعودية، فإن الولايات المتحدة تمكَّنت من الدخول إلى منطقة الخليج عندما استطاعت أربع شركات أمريكية الحصول على 23.5% من أسهم شركة نفط العراق، وكذلك بامتلاك الولايات المتحدة لشركة نفط البحرين.
ثمَّ بعد نجاح العديد من دول العالم الإسلامي في الحصول على استقلالها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، زادت حِدَّة التنافس بين الدول العظمى الجديدة المتمثِّلة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية والصين، بجانب القوى الاقتصادية الحديثة مثل اليابان.
أخذت هذه الدول على عاتقها العمل على ربط اقتصاديات الدول النامية باقتصادياتها الوطنية، وعملت على تقييدها عن طريق الديون الخارجية والاستثمارات وغيرها من وسائل الاستعمار الاقتصادي.
وتسعى هذه الأطراف - وخاصةً الولايات المتحدة - إلى الحصول على أكبر عدد ممكن من مناطق النفوذ في العالم بهدف بسط السيطرة على المصادر الأوَّليَّة التي يتملكها العالم الإسلامي، بجانب ضمان استمرار فتح أسواقٍ أمام منتجاتها الصناعية.
الاستعمار الأوروبي الثقافي
الاستعمارالثقافي في العصر الحديث هو أشدِّ أنواع الاستعمار خطراً على المسلمين.. ولا يزال أحد الأشكال الاستعمارية الباقية في عصرنا الحديث.
والفرق بين الحالتين يكمن في أنه في حالة الاستعمار الاستيطاني والعسكري تسعى الدول والجماعات المغتصِبة إلى فرض لغتها وثقافتها وتراثها وأيديولوجيتها على الشعوب المستعمرة بالقوة.
لكن في الوقت الراهن، وخاصةً في الدول المستقلة من دول العالم الإسلامي، فإنَّ الاستعمار الثقافي يأخذ أشكالاً عديدة منها المخطَّطة ومنها العفوية؛ فعلى صعيد السياسيات المخططة والمنفَّذة بواسطة دول خارجية يمكن الإشارة إلى مسألة الغزو الفكري عن طريق الترويج للأفكار العلمانية الغربية، مثل التركيز على مبدأ فصل الدين عن الدولة، أو الترويج للأفكار المادية الشرقية، مثل الفكر الماركسي.
كذلك يمكن إدراج نشاطات حركات التنصير والاستشراق ضمن أساليب الاستعمار الثقافي، إضافةً إلى نشر الأفكار التي تؤدي إلى الفُرقة وتهدم وَحْدة المسلمين؛ مثل تشجيع القوميات والتنظيمات السياسية القائمة على أسس عرقيَّة، وإذكاء روح الطائفية والمذهبية.
كما يمكن تصنيف الإعلام الموجَّه في بعض البلدان الإسلامية على أنه إحدى أدوات التغريب والغزو الفكري والثقافي لشعوب العالم الإسلامي.
تخبط الدول الإسلامية
لقد عانت الدول الإسلامية من التخطيط غير السليم والتخبط مما مهَّد الطريق أمام الاستعمار الثقافي له؛ ونظراً لغياب الإستراتيجية الشاملة التي تحدِّد نوعية الأجيال المراد تنشئتها، فإنَّ وسائل التنشئة الاجتماعية في هذه الدول أصبحت أداةً لنقل الثقافة الأجنبية إلى مجتمعاتها دون تدقيق في مدى ملاءَمتها لخصوصياتنا الإسلامية؛ فمن ناحيةٍ نرى المناهج الدراسية في دول العالم الإسلامي، وخاصةً العربية منها، وقد وُضِعَت بعيدة كل البُعد عن التراث الإسلامي، ونقلت الفلسفات التربوية والأفكار الغربية على أنها مسلمات علمية.
وكان من أبرز النتائج لهذا التخبط إخفاق الأجيال المتعلمة - على كثرتها - في علاج ما تعاني منه أغلب دول العالم الإسلامي من جهل وفقر ومرض وتخلف وفُرقة؛ وذلك لأن التعليم في معظم الدول الإسلامية لا يرتبط بواقع الأمَّة، كما أنه تعليم كمِّيٌّ وليس نوعي، ويفتقر إلى الإبداع.
كما لعبت وسائل الإعلام المختلفة في دول العالم الإسلامي دوراً مماثلاً لا إراديّاً في إبعاد الأجيال عن تراثها وثقافتها؛ إذ أصبحت أداة لنقل الثقافات الأخرى من خلال عرض البرامج والمسلسلات والأفلام الأجنبية دون الحرص على الانتقاء، واختيار ما هو مفيدٌ وبنَّاء.
من ناحية أخرى فإنَّ الانبهار بالحضارة الأجنبية، وخاصةً الغربية منها، جعل العديد من أبناء الشعوب الإسلامية ينظر إليها على أنها النموذج الذي يجب أن تحتذي به دولُ العالم الإسلامي للخروج من حالة التخلف التي تعيش فيها، دون الأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي يمكن أن تنجم عن النقل بدون تدقيق وانتقاء للملائم، وترك ما لا يلائم من انحرافات تشتكي منها الدول الغربية ذاتها؛ ولهذا نجد في العديد من دول العالم الإسلامي اختلافًا وتباينًا شديدًا بين مختلف فئات المجتمع في نظرتهم للغرب على قدر ما تعرَّضت هذه الدولة من أساليب للغزو والاستعمار الثقافي.
ويلخص البعض السياسات التي اتَّبعها الاستعمار في حربه ضد الإسلام فيما يلي:
- قيام القوى الاستعمارية بنشر الدعوات والتنظيمات السياسية التي تسعى إلى تحقيق أهدافه، مثل تشجيع الاستعمار الأوروبي لبعض الطوائف والمذاهب الدينية التي تدَّعِي الإسلام ظاهراً كالبهائيَّة التي تزعَّمها عباس أفندي والتي تُعرف بجذورها اليهودية، وكان تعاون هذه الجماعة مع الاستعمار البريطاني في الحرب العالمية الأولى واضحاً بشدَّة، إلى درجة أن الحكومة البريطانية منحت زعيمها عباس أفندي لقب (SIR)، كما أن العلاقة الوثيقة بين هذه الفئة والحركة الصهيونية يتضح من خلال وجود المركز الرئيسي لهذه الدعوة في فلسطين المحتلة.
كما شجعت بريطانيا الدعوة القاديانيَّة التي كان يتزعمها (ميرزا غلام أحمد)، الذي دعا إلى إلغاء فريضة الجهاد، وأنه لا يجوز للمسلم أن يرفع السلاح في وجه الإنجليز؛ لأن الجهاد قد رُفِع، ولأن الإنجليز هم خلفاء الله في الأرض فلا يجوز الخروج عليهم.
كما اجتهد الاستعمار في إثارة النعرات القومية التي نجح الإسلام في القضاء عليها، ومن أبلغ الأدلة على ذلك الخطاب الذي وجَّهه وزير المستعمرات البريطاني (أورمسبي جور) إلى قائد قواته، يقول فيه: "إنَّ سياستنا تهدف دائماً إلى منع نمو الوَحْدة الإسلامية والتضامن الإسلامي، وينبغي أن تكون كذلك؛ ففي السودان ونيجيريا - كما هو الحال في مصر ودول إسلامية أخرى - شجَّعنا نمو القوميات المحلية الأقل خطراً من الوحدة الإسلامية".
كما تجدر الإشارة إلى أن أول جمعية علمية أدبية أُسِّست في الوطن العربي - وهي جمعية الآداب والعلوم التي أُسِّست في عام 1847م على يد بطرس البستاني ونصيف اليازجي، والتي أصبحت فيما بعد نواةً للحركة القومية - كانت بمساعدة البعثات التنصيرية الأمريكية.
عملت أيضاً الدول الأوروبية على إدخال فكرة العلمانية في العالم الإسلامي بهدف إيجاد أجيال مسلمة تؤمن بعقائد وأيديولوجيات غربية.
وتجدر الإشارة في هذه النقطة إلى المعهد الذي أنشأه نابليون في مصر، ويعتبر أوَّل مؤسسة علمية غربية في العالم العربي في العصر الحديث.
كما أن الجامعة الأمريكية في بيروت كانت تُعرف في بداية نشأتها بالكلية البروتستانتية السورية، التي أسستها البعثة التنصيرية الأمريكية.
وعندما وُضِعت المناهج للجامعات في دول العالم الإسلامي لم يكن هناك بديل إسلامي لعلوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها، وبذلك تشرَّب الطلاب منذ نشأة هذه الجامعات الفكر الغربي، ونُقلت إليهم نظريات العلماء الغربيين على أنها حقائق علمية.
وعليه فلقد وُجِدت فئات مختلفة في العالم الإسلامي تحمل أفكاراً متعددة بين الليبرالية الغربية والماركسية المادية، وبالطبع أدَّت هذه الاختلافات إلى إضعاف الأمة مما سهَّل السيطرة عليها.
من ناحية أخرى، فقد نادى القس الإسباني (ريمون لول) بعد فشل الحروب الصليبية باستحداث سلاح التنصير والغزو الفكري بدلاً من الحروب الصليبية، وكان (ريمون لول) أوَّل من نادى بإيجاد كرسيٍّ للدراسات الشرقية الإسلامية في الجامعات الأوروبية أو ما يُعرف بالاستشراق؛ بهدف تشويه الإسلام وتقديم الدراسات للمفكرين الغربيين بما يخدم مصالحهم، ولتشويه فكر الشرقيين الذين يتلقون علومهم في أوروبا، والعمل على خلق الشعور بالنقص لدى المسلمين.
إضافةً إلى قيام الاستعمار باحتكار الموارد الطبيعية لدول العالم الإسلامي، وذلك من خلال الشركات الأجنبية العاملة في مجالات البحث عن الموارد الطبيعية واستخراجها وتصديرها أو تسويقها خارجيًّا؛ إضافةً إلى ذلك فقد عملت الدول الاستعمارية الأوروبية على ربط اقتصاديات العالم الغربية، وشجعت الدول الأوروبية استثمارات دول العالم الإسلامي في دولها، وعملت على جذب رءوس الأموال التي أصبحت رهينة لأي قرار سياسي يمكن أن يصدر من الحكومات الأوروبية أو الأمريكية يدعو إلى تجميد هذه الأرصدة، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران في عام 1979م، وليبيا في عام 1986م.
كما قامت الدول الاستعمارية الأوروبية بتشجيع الأقليات في بعض أقطار العالم الإسلامي على تسلُّم السلطة؛ مما جعل هذه الأقلية التي تبحث عن حليف في النظام الدولي تتحالف مع الدولة الاستعمارية للوصول إلى السلطة بأية طريقة؛ وبذلك يضمن المستعمر وجود حكومات وطنية موالية للغرب يمكن الاعتماد عليها بعد الاستقلال، وإضافةً إلى ذلك فقد عقدت الدول الأوروبية الاستعمارية سلسلة من الاتفاقات غير المتكافئة مع الحكومات التي تسلَّمت زمام الأمور في الدول المستقلة حديثًاً، تقوم على أساس استعداد الدول الأوروبية - وخاصةً تلك التي كانت مستعمِرة - للدفاع عن أمن واستقرار النظام السياسي الجديد في حالة تعرُّضه لأي خطر يهدِّده، سواءٌ كان داخليّاً أم خارجيّاً.
أيضاً سخَّرت الدول الأوروبية الغربية في سعيها للسيطرة على العالم الإسلامي وسائل الإعلام المختلفة والأقلام الغربية أو المستغربة الفكر من الكتاب المحليين للعمل على إيجاد مجتمع مسلم بالاسم فقط.
وعَمِل الاستعمار كذلك على محو الثقافة الإسلامية في بعض المجتمعات التي استعمرها كدول المغرب العربي مثلاً، ذلك من خلال إهمال تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي، إضافةً إلى نشر لغة الدولة المستعمِرة وثقافتها، وعمل على صهر المجتمعات المسلمة في هذه المناطق في بوتقة المجتمعات الأوروبية عن طريق تشجيع الهجرة إليها.
وأعلن الاستعمار الحرب على اللغة العربية، وأبرز دليل على ذلك ما فعله في دول القارة الإفريقية، خاصةً الدول التي تستخدم الحروف العربية في كتابة لغتها، ومحاولة إقناعهم بأن الحروف العربية غير صالحة لكتابة لغاتهم، وعليه يجب التحوُّل إلى كتابة لغاتهم بالحروب اللاتينية؛ مما أدَّى إلى انخفاض عدد اللغات الإفريقية التي تستخدم الحروف العربية من 75 لغةً تقريباً إلى أقل من 10 لغات في الوقت الحاضر، كان آخرها الصومال التي أصبحت تكتب لغتها بالحروف اللاتينية.
الخلاصة
لقد ضعفت الدولة الإسلامية في العصور المتأخرة، وخبت روح العقيدة الإسلامية في تنظيمات الحياة الأخرى، فتوقفت الحركة العلمية في التربية، وتدهورت الحياة الإسلامية في جوانب مختلفة، حتى تعرض العالم الإسلامي لموجة الاستعمار الغربي الذي فصل فصلاً تاماً بين عقيدة الأمة وتنظيمات الحياة ما عدا نظام العبادات والأحوال الشخصية، وأوجد تعليماً مدنياً وفقاً لفلسفته هو، كما أوجد تنظيمات حيوية مدنية أخرى تنبثق من الأساس الفلسفي المادي الذي يفصل بين الدين والحياة العامة، ويبعد الدين عن توجيهها.
وفي الوقت الذي فعل فيه المستعمر كل ذلك لإخماد روح الدين وفصله عن جسد الأمة الإسلامية، حرص على إبقاء التربية الإسلامية في شكل مادة دراسية محددة في جدول المدرسة، تدرس فيها أصول الدين فقط، ويفصل بينها وبين السلوكيات في مجالات الحياة العامة المختلفة.
وعلى عكس حالنا اليوم كانت قوة الأمة وعزتها انعكاس ليقظة المسلمين الصادقين الأوائل - في حين جدهم ووعيهم بأمانات الدعوة والرسالة – التي تمثلت سلوكاً صارماً وتحدياً حازماً لتحركات المغرضين والمتربصين، وسداً منيعاً أمام مطامع ودسائس المناوئين والكائدين.
أما إذا تقاعس المسلمون عن القيام بواجبهم نحو عقيدتهم أمتهم، وغاب العزم الصادق في إقامة أمور الدين، فإن جحافل المتربصين ستنقض عليهم، وستتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
هذا الاستعمار الذي استهدف في العصر الأخير أن يضرب الإسلام ضربة تقض مجامعه وتقض مضاجعه وتبعثر أمته بعثرة نفسية وفكرية لا نهاية لها واخترع من فنون الغزو الثقافي ما يملأ به الفراغ الروحي والعقلي الذي اصطنعه في كل ميدان ومهد له في كل مكان.
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (في ظلال القرآن)، سيد قطب.
- (بدائع الفوائد)، ابن القيم.
- (جذور الهيمنة على الثقافة العربية الإسلامية)، سمير أحمد الشريف – مجلة التاريخ العربي.
- (المسلمون وضرورة الوعي التاريخي)، عبد القادر عبار.
- موقع (قصة الإسلام).
- الموسوعة العربية العالمية.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم