ابو وليد البحيرى
13-05-2015, 12:59 PM
تقرير: كيد الأعداء.. مكر في الليل والنهار
http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/8099.jpg
كثيراً ما يصفق بعض المسلمين لقادة الغرب إذا كان كلامهم يحمل مدحاً للمسلمين أو الإسلام.. وكثيراً ما تكون تلك التصفيقات نابعة من التصديق والإعجاب.
ومع كل تصفيقة يزداد هؤلاء ركوناً واقتراباً وثقة وارتباطاً بالغرب.. فجعلوه وصياً على العالم الإسلامي، فهو الآمر والناهي والموجه والمعلم في السياسة والاقتصاد والثقافة وغير ذلك من أمور الحياة.
بل كلما اختلف المسلمون فيما بينهم جعلوا من الغرب حكماً، ومن قوانينه مرجعية بحجة أنها قوانين دولية مع أن دور المسلمين في إعدادها لا يكاد يذكر، إلا اليسير وأكثره يوافق هوى غربياً.
وأصبح العالم الإسلامي يلجأ إلى عدوه التاريخي لإصلاح خلله، وعلاج علله. فيزداد خراباً ومرضاَ وضعفاً وسوءاً.
الأساس الفكري
وكما يقول جلال العالم فإن المتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب وشعوب الإسلام، يلاحظ حقداً مريراً يملأ صدر الغرب حتى درجة الجنون، يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام إلى أبعد نقطة في النفسية الأوروبية.
هذا الحقد، وذلك الخوف، لا شأن لنا بهما إن كانا مجرد إحساس نفسي شخصي، أما إذا كانا من أهم العوامل التي تبلور مواقف الحضارة الغربية من الشعوب الإسلامية، سياسياً، واقتصادياً، وحتى هذه الساعة، فإن موقفنا يتغير بشكل حاسم.
سوف تشهد لنا أقوال قادتهم أن للغرب، والحضارة الغربية بكل فروعها القومية، وألوانها السياسية موقفاً تجاه الإسلام لا يتغير، إنها تحاول تدمير الإسلام، وإنهاء وجود شعوبه دون رحمة.
حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية الرهيبة ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين، فعادوا يخططون من جديد لينهضوا.. ثم ليعودوا إلينا، بجيوش حديثة، وفكر جديد؛ وهدفهم تدمير الإسلام من جديد.
كان جنديهم ينادى بأعلى صوته، حين كان يلبس بذلة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام:
وانتصرت جيوش الحقد هذه على أمة الإسلام التي قادها أسوأ قادةٍ عرفهم التاريخ.. اضطهدوا أممهم حتى سحقوها..
انتصرت جيوش الغرب بعد أن ذلل لها هؤلاء الحكام السبيل.
استباحت الأمة كلها، هدمت المساجد، أو حولتها إلى كنائس، ثم أحرقت مكتبات المسلمين.. ثم أحرقت الشعوب نفسها.
ويكاد الغرب فكرياً أن يجمع على موقف موحد من الإسلام، وهو موقف ليس إيجابياً بل هو موقف معادٍ بالمجمل، ولا يمكن تفسيره إلا من خلال تجديد النظرة وطرق البحث عن أسباب ذلك العداء الْمَرَضي غير المبرر.
ويقول الدكتور باسم خفاجي: "إن استقراء ومتابعة التاريخ يؤكد وجود تراث يقارب ألف عام من العداء بين الغرب - ونعني به هنا الكنيسة الأوروبية الغربية وصناع القرار وكذلك التيارات الفكرية غير الدينية - وبين الإسلام والمسلمين".
وقد خصوا نبينا - صلى الله عليه وسلم – بقدر كبير مت ذلك العداء، فلم يحدث في تاريخ البشرية، وفي الغرب تحديداً، أنْ استمر العداء تجاه أي شخص بمثل هذه الحماسة والاستمرار المتجدد، والصور المختلفة الملفتة للنظر.
وحول سؤال: لماذا يكرهون محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الدرجة؟ يقول خفاجي: إنه سؤال يشغل أذهان الكثيرين من أبناء الأمة.
قد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن سنته الماضية أن يُخرِجَ لكل نبي عدواً من المجرمين، يقاوم دعوة ذلك النبي ويحاربها:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31].
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].
وقد حدث هذا مع كل الأنبياء الذين أَطَلعنا الله - تبارك وتعالى - على سيرهم، وما تعرضوا له من ابتلاءات، وكذلك كان الأمر في حياة نبي الأمة - صلوات الله وسلامه عليه -.
وبما أن دعوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - باقية ما بقي الليل والنهار، ومتجددة مع كل إشراقة شمس، فليس من الغريب أن يكون عدو هذا النبي الكريم ممتداً أيضاً ومستمراً. ومن يتابع تاريخ الإسلام وعلاقات الأمة الإسلامية الدولية يلحظ أن عداء الكنيسة الأوروبية للنبي - صلى الله عليه وسلم - استمر منذ بداية الدعوة، وحتى أيامنا هذه.
الغريب أن هذا العداء متجدد، ويزداد كراهية وعنصرية حتى مع اهتمام المسلمين بالحوار والتوازن مع الآخرين. فهل من الممكن أن يكون السياق القرآني الوارد في الآية الكريمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} منطبقاً على تلك الكنيسة وعلى الغرب بوجه عام بصفته العدو المستمر لهذا الدين المستمر أيضاً؟.
إنْ كان لهذه الأمة ولنبيها عدوٌ من المجرمين - كما أخبرت الآية - في زماننا هذا، فمن يمكن أن يكون هذا العدو غير الغرب؟، لا أقصد هنا بالضرورة شعوب الغرب، ولكنني أقصد تحديداً طائفة صناع القرار، والكثير من القيادات الدينية المتطرفة في الغرب، والعديد من وسائل الإعلام غير الموضوعية وغير المحايدة، وكل هؤلاء يؤثر في تفكير وقناعات الشعوب.
فعلى المستوى الديني، لم يبلغ الفكر المتزمت في أي دين من الأديان إطلاقاً درجة التنظيم والاضطهاد التي عرفتها محاكم التفتيش الأوروبية الكنسية في مواجهة الإسلام. وقد أظهر هذا التزمت نفسه من خلال الإصرار على معاداة نبي الله بكل الصور الفكرية والثقافية الممكنة. إن اللوحات التي تزين الأديرة والكنائس الأوروبية القديمة التي تصور العداء لنبي الإسلام، إنما تعكس امتداد هذا التزمت والعداء الفكري إلى درجة الاحتفاء به، والتعبير عنه في أكثر الأماكن قداسة في نظر أنصار ذلك الفكر، وهي الأديرة والكنائس. إن طبيعة تجدد العداء من الغرب تجاه نبي الإسلام توحي أن هذا العداء يعبر عن نوع من الإجرام الحقيقي في مواجهة أمة الإسلام. وإلا فكيف يمكن أن يفسر أن تزين بعض كنائس أوروبا بلوحات ورسومات لنبينا محمد وهو - كما يدعون زوراً وبهتاناً - يعذب في نار جهنم، وأن تبقى هذه اللوحات في مكانها في أكثر من كنيسة خاضعة لسلطة الفاتيكان، ولم تلمسها يد، ولم يحاول تغيير ذلك أحد من دعاة التسامح والحوار طوال عشرات السنين، وحتى الآن؟.
كيف يُفسَّر أن يُوضَع في كنيسة أوروبية في عاصمة الاتحاد الأوروبي تمثال مهين لنبي الأمة وهو مطروح أرضاً، تدوسه أقدام ملائكة تعلن انتصار المسيحية على الإسلام؟. وكيف إذا كان هذا التمثال ليس في الكنيسة فقط بل هو في محرابها؟، أيْ أنه يُرى ويُشاهَد من كل من يزور الكنيسة للعبادة أو السياحة أو غيرهما. ألا يدل هذا على الإجرام الذي وصفته الآية في الحديث عمّن يعادون نبي الأمة؟.
إن نوع الاتهامات والإهانات المتكررة التي تلصق بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل الحمقى من الغرب لا تدل إلاَّ على صفة واحدة في هؤلاء، وهي الصفة التي وصفهم بها رب العزة والجلال؛ إنها صفة الإجرام.
تاريخ حقد لم يتوقف
اهتمت حضارات العالم بمعرفة أحوال المسلمين، وأخبار نبيهم، وفتوحاتهم، لما لهذه الأخبار من آثار على الواقع العالمي منذ انتشر الإسلام. واتخذت بعض هذه الحضارات مواقف متعاطفة مع الإسلام كما حدث مع نجاشي الحبشة، بينما اتخذت حضارات أخرى كالصين والهند مواقف محايدة في ذلك الوقت، وتبنّى الفرس والروم والبيزنطيون فكرة المواجهة مع العالم الإسلامي.
ورغم أن بعض الحضارات حاربت المسلمين، إلاّ أنّ معظم تلك الحضارات لم تحتفظ بتراث من الكراهية تجاه نبي الإسلام مثلما احتفظت به دويلات أوروبا وكنائسها.
وقد تكونت الصورة النمطية عن نبي الإسلام من خلال الموقف الأوروبي التاريخي من الإسلام. إنها حصيلة الصور الذهنية التي ارتسمت في مخيلة مجتمعات أوروبا في ذلك الوقت عن الدين الجديد الذي يغزو العالم، ويعيد صياغة العلاقات ليس فقط بين المجتمعات، بل وبين البشر، وكذلك علاقة البشر بالخالق.
وساهم المفكرون الأوروبيون الدينيون وغيرهم أيضاً في تحويل الإسلام إلى دين كريهٍ بغيض لدى العامة؛ لكي تحتفظ أوروبا بابتعادها عن الوقوع تحت سيطرة الدين الإسلامي, وقوته الأخلاقية والفكرية الآسرة. كان لا بد لذلك من تكوين صورة نمطية ذهنية بشعة عن الإسلام من ناحية، وعن نبي الإسلام من ناحية أخرى لتحقيق ذلك.
ويجب الفصل هنا بين رؤيتين - كما نقل خفاجة عن المفكر هشام جعيط -:
الأولى: هي رؤية العالم الشعبي، والثانية: هي رؤية العالم المدرسي. الأولى تغذت من الحروب الصليبية، والثانية من المواجهة الإسلامية المسيحية في أسبانيا. واحدة انتشرت على المستوى الخيالي، والأخرى على المستوى العقلاني. في الأدب الشعبي كان المسلمون وثنيين، ومحمد ساحراً، وشخصاً فاسداً، وزعيم شعب فاسد.
بالمقابل في الرؤية المتبحرة هناك معرفة سابقة، ولكن الغطرسة والنوايا السيئة لم تفيدا في أن يكون التعبير عن هذه المعرفة منصفاً أو دقيقاً.
لقد استمر بناء هذه الصورة النمطية الكريهة عن الإسلام طوال الألف عام الماضية بشكل دؤوب ومستمر، لم ينقطع إلا في فترات محدودة للغاية، ولم تخالفه أو تعترض عليه إلا دوائر ثقافية وفكرية صغيرة وغير مؤثرة في الموقف الفكري الأوروبي، كما هو الحال إلى اليوم.
لذلك يمكن القول: إن التصورات الغربية المعاصرة حول دين المسلمين، لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية، وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة، إذ إن سكان أوروبا المعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، التي كانت تتغير تدريجياً مظاهرها الخارجية فقط، تبعاً لتغير الظروف في أوروبا ذاتها، وتبعاً لطبيعة علاقاتها ومواقفها المستجدة نسبياً مع البلدان الإسلامية وثقافاتها الحديثة.
أما من ساهم بالتحديد في تشكيل هذه الصورة، فيتحدث عنه الدكتور أليكسي جورافيسكيس في بحثه الإسلام والمسيحية قائلاً: "إن أدب أوروبا في القرون الوسطى حول الإسلام وُضِعَ في غالبيته العظمى من طرف رجال الدين المسيحيين، الذين استندوا إلى مصادر شديدة التمايز والتباين، كالحكايات الشعبية، وقصص الأبطال والحُجاج والقديسين، والمؤلفات الجدلية اللاهوتية الدفاعية للمسيحيين الشرقيين، وشهادات بعض المسلمين، وترجمات مفكريهم وعلمائهم. كانت المعلومة المقدمة تنتزع في معظم الحالات من سياقها الأصلي، ثم تقدم إلى القارئ الأوروبي. وبهذا الشكل شوهت الوقائع بصورة متعمدة - واعية أحياناً، أو بشكل غير واعٍ في أحيان أخرى - في إطار البحث الحماسي عن حل سريع لـ(مشكلة الإسلام) التي سيطرت في القرون الوسطى على الموضوعات الدينية - الأيديولوجية".
بشكل عام، تكونت في وعي الأوروبيين (في القرون الوسطى) ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: "إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، إنها ديانة ال*** والقسوة. وانسجاماً مع هذا الموقف المعادي، فقد رُسِم الإسلام على هيئة نموذج قبيح سيئ، يتعارض ويتناقض كلية مع النموذج المثالي للمسيحية بوصفها ديانة الحقيقة، التي تتميز بالأخلاق الصارمة وروح السلام، وبأنها عقيدة تنتشر بالإقناع وليس بقوة السلاح".
لقد حاول هؤلاء أن يصدوا عموم الناس عن أي معنى طيب للإسلام أو عن نبي الإسلام. أحياناً كانت تلك المحاولات تبدو بعيدة كل البعد عن الأصول العلمية أو الأخلاقية كذلك.
انظر إلى ما ادّعاه المستشرق الأمريكي (ماكدونالد) تحت مادة (الله) في دائرة المعارف الإسلامية منكراً حتى احتمالية أن يكون من صفات الله في الإسلام صفة السلام، قائلاً: "ومن أسمائه أيضاً السلام، وهذه الصفة لم ترد إلاّ في الآية 23 من سورة الحشر. ومعناها شديد الغموض، ونكاد نقطع بأنها لا تعني (السلم). ويرى المفسّرون أن معناها (السلامة) أي: البراءة من النقائص والعيوب، وهو تفسير محتمل، وقد تكون هذه الصفة كلمة بقيت في ذاكرة محمد من العبارات التي تتلى في صلوات النصارى".
إن التصور النمطي المشوه عن الإسلام، لم يتشكل بسبب ضعف معرفة الأوروبيين بهذا الدين وحسب، حيث يشير الدارسون (لتصورات القرون الوسطى عن الإسلام) إلى ثلاثة مكونات (عناصر بنيوية)، أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية، دون أن تتعارض فيما بينها، بل إنها تعايشت وتداخلت من التأثر والتأثير، وهذه المكونات: الميثولوجية، اللاهوتية، والعقلانية.
إن الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا به؛ ولكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقية بالإسلام، غُلِّفَت بالحقد والخوف من تنامي تأثير هذا الدين على أوروبا نفسها وعلى العالم أجمع.
ومن الطبيعي أن تتحول تلك التصورات العدائية ضد الإسلام والمسلمين إلى واقع عملي يمارس ضد المسلمين قديماً وحديثاً.
وقد نقل جلال العالم مختارات مما كتبه مفكرون غربيون حول ما فعله ويفعله الغرب بالمسلمين، ومن ذلك:
تقول الدكتورة سيجريد هونكه: في 2 يناير 1492م رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على الحمراء، القلعة الملكية للأسرة الناصرية في الأندلس، فكان إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على أسبانيا.
وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوروبا طوال العصور الوسطى، وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضارتهم وثقافتهم.
لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّاً بعد أن يعذّب أشد العذاب.
وهكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في أسبانيا مسلم واحد يُظهر دينه.
بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.
وتحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: "أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات ال*****، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت (دي ليل) استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها. عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة - وكنا نرقب الماء - فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط (دي ليل) من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير. أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة. وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يا بني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة. قلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف ال***** وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتقزز طوال حياتي. رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي. وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة لل*****، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.
ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون *****ه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت. وآلة أخرى لل***** على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب ب***ٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم".
هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟.. أشد وأنكى لا شك.
ومن الحبشة أمثلة أخرى:
استولت الحبشة على إريتريا المسلمة بتأييد من فرنسا وانكلترا.. فماذا فعلت فيها؟. صادرت معظم أراضيها، وأسلمتها لإقطاعيين من الحبشة، كان الإقطاعي والكاهن مخولين ب*** أي مسلم دون الرجوع إلى السلطة، فكان الإقطاعي أو الكاهن يشنق فلاحيه أو يعذبهم في الوقت الذي يريد.
فُتحت للفلاحين المسلمين سجونٌ جماعية رهيبة، يجلد فيها الفلاحون بسياطٍ تزن أكثر من عشر كيلو غرامات، وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بهم كانوا يلقون في زنزانات بعد أن تربط أيديهم بأرجلهم، ويتركون هكذا لعشر سنين أو أكثر، عندما كانوا يخرجون من السجون كانوا لا يستطيعون الوقوف؛ لأن ظهورهم قد أخذت شكل القوس.
كل ذلك كان قبل استلام هيلاسيلاسي السلطة في الحبشة، فلما أصبح إمبراطور الحبشة وضع خطة لإنهاء المسلمين خلال خمسة عشر عاماً، وتباهى بخطته هذه أمام الكونغرس الأمريكي.
سن تشريعات لإذلال المسلمين منها أن عليهم أن يركعوا لموظفي الدولة وإلا ي***وا.
أمر أن تستباح دماؤهم لأقل سبب، فقد وجد شرطي قتيلاً قرب قرية مسلمة، فأرسلت الحكومة كتيبة كاملة ***ت أهل القرية كلهم وأحرقتهم مع قريتهم، ثم تبين أن القاتل هو صديق المقتول الذي اعتدى على زوجته. حاول أحد العلماء واسمه الشيخ عبد القادر أن يثور على هذه الإبادة فجمع الرجال، واختفى في الغابات، فجمعت الحكومة أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في أكواخٍ من الحشيش والقصب، وسكبت عليهم البنزين وأحرقتهم جميعاً.
ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذاباً رهيباً قبل ***ه، من ذلك إطفاء السجائر في عينيه وأذنيه، وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه، ودق خصيتيه بأعقاب البنادق.. وجره على الأسلاك الشائكة حتى يتفتت، وإلقاؤه جريحاً قبل أن يموت لتأكله الحيوانات الجارحة، بعد أن تربطه بالسلاسل حتى لا يقاوم.
أصدر هيلاسيلاسى أمراً بإغلاق مدارس المسلمين وأمر بفتح مدارس مسيحية وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيين.
عين حُكاماً فجرة على مقاطعات إريتريا منهم واحد عينه على مقاطعة جَمَة، ابتدأ عمله بأن أصدر أمراً أن لا يقطف الفلاحون ثمار أراضيهم إلا بعد موافقته، وكان لا يسمح بقطافها إلا بعد أن تتلف، وأخيراً صادر 90% من الأراضي، أخذ هو نصفها وأعطى الإمبراطور نصفها. ونهب جميع ممتلكات الفلاحين المسلمين.
أمرهم أن يبنوا كنيسة كبرى في الإقليم فبنوها.. ثم أمرهم أن يعمروا كنسية عند مدخل كل قرية أو بلدة ولم يكتف بذلك بل بنى دوراً للعاهرات حول المساجد ومعها الحانات التي كان يسكر فيها الجنود، ثم يدخلون إلى المساجد ليبولوا بها ويتغوطوا، وليراقصوا العاهرات فيها وهم سكارى.
كما فرض على الفلاحين أن يبيعوا أبقارهم لشركة (أنكودا) اليهودية، وكافأه الإمبراطور على أعماله هذه بأن عينه وزيراً للداخلية.
كانت حكومة الإمبراطور تلاحق كل مثقف مسلم؛ لتزجه في السجن حتى الموت، أو تجبره على مغادرة البلاد حتى يبقى شعب إريتريا المسلم مستعبداً جاهلاً.
من بنغلاديش:
*** الجيش الهندي - الذي كان يقوده يهود - عشرة آلاف عالمٍ مسلم بعد انتصاره على جيش باكستان عام 1971م، و*** مائة ألف من طلبة المعاهد الإسلامية، وموظفي الدولة، وسجن خمسين ألفاً من العلماء وأساتذة الجامعات و*** ربع مليون مسلم هندي هاجروا من الهند إلى باكستان قبل الحرب. وسلب الجيش الهندي ما قيمته (30) مليار روبية من باكستان الشرقية التي سقطت من أموال الناس والدولة.
جذور صليبية
يبنى الغرب علاقاته مع المسلمين على أساس أن الحروب الصليبية لا تزال مستمرة: يقول أيوجين روستو الذي كان - سابقاً - رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس الأسبق جونسون لشؤون الشرق الأوسط:
"يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية.. لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة، بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي.. إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها".
إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل، هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمراراً للحروب الصليبية.
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/kaid-aada2.jpg
ويقول باترسون سمث في كتابه (حياة المسيح الشعبية) باءت الحروب الصليبية بالفشل، لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك، حينما بعثت انكلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة، إن حملة اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة، والأخيرة.
لذلك نشرت الصحف البريطانية صور اللنبى وكتبت تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما فتح القدس: "اليوم انتهت الحروب الصليبية".
ونشرت هذه الصحف خبراً آخر يبين أن هذا الموقف ليس موقف اللنبى وحده بل موقف السياسة الإنكليزية كلها، قالت الصحف: هنأ لويد جورج وزير الخارجية البريطاني الجنرال اللنبى في البرلمان البريطاني؛ لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية، التي سماها لويد جورج الحرب الصليبية الثامنة.
والجنرال الفرنسي غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي، وركله بقدمه وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في مراكش، أجابهم: "إنها معركة بين الهلال والصليب".
وقال راندولف تشرشل بعد سقوط القدس عام 1967م: "لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود. إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها إلى القدس اليهودية، ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود".
وعندما دخلت قوات إسرائيل القدس عام 1967 تجمهر الجنود حول حائط المبكى، وأخذوا يهتفون مع موشى دايان: "هذا يوم بيوم خيبر... يا لثارات خيبر".
وتابعوا هتافهم: "حطوا المشمش عالتفاح، دين محمد ولى وراح".
وهتفوا أيضاً: "محمد مات.. خلف بنات".
واستغلت إسرائيل صليبية الغرب فخرج أعوانها بمظاهرات قبل حرب 1967م تحمل لافتات في باريس، سار تحت هذه اللافتات الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وكتبت على هذه اللافتات، وعلى جميع صناديق التبرعات لإسرائيل جملة واحدة من كلمتين: "قاتلوا المسلمين".
فالتهب الحماس الصليبي الغربي، وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط.. كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدات كتبت عليها "هزيمة الهلال". بيعت بالملايين لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الأوروبية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين.
الجدار الصلب
نتساءل هنا: هل يشن الغرب حرباً صليبيةً على العالم الإسلامي استجابةً لظروف تاريخية التحم فيها الإسلام مع المسيحية، وانتزع من المسيحية أممها وعواصمها؟.
أم أن هناك عوامل أخرى تدفع الغرب إلى شن حروبه الصليبية ضد عالم الإسلام؟.
يبدو من تصريحات قادة الغرب أنهم يشنون الحرب على الإسلام لعوامل أخرى.. إنهم يرونه الجدار الصلب الذي يقف في وجه سيطرتهم على العالم واستغلالهم له.. فهم يرونه الجدار الوحيد أمام الاستعمار.
يقول لورنس براون: "إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي".
ويقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقاً: ويقول غلادستون: "ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين، فلن تستطع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان".
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: "إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ون***ع اللسان العربي من ألسنتهم".
ويرون أنه الجدار الذي يحول دون انتشار المسيحية وتمكن الاستعمار من العالم الإسلامي:
يقول أحد المبشرين: "إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سداً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية".
ويقول أشعياء بومان في مقالة نشرها في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: "لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً".
ويرون أن الإسلام هو الخطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل:
يقول بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد".
وحدّث ضابط عربي كبير وقع أسيراً في أيدي اليهود عام 1948م أن قائد الجيش اليهودي دعاه إلى مكتبه قبيل إطلاق سراحه، وتلطف معه في الحديث.
سأله الضابط المصري: هل أستطيع أن أسأل: لماذا لم تهاجموا قرية صور باهر؟. وصور باهر قرية قريبة من القدس.
أطرق القائد الإسرائيلي إطراقة طويلة، ثم قال: أجيبك بصراحة، إننا لم نهاجم صور باهر؛ لأن فيها قوة كبيرة من المتطوعين المسلمين المتعصبين.
دهش الضابط المصري، وسأل فوراً: وماذا في ذلك، لقد هجمتم على مواقع أخرى فيها قوات أكثر.. وفي ظروف أصعب؟!.
أجابه القائد الإٍسرائيلي: إن ما تقوله صحيح، لكننا وجدنا أن هؤلاء المتطوعين من المسلمين المتعصبين يختلفون عن غيرهم من المقاتلين النظاميين، يختلفون تماماً، فالقتال عندهم ليس وظيفة يمارسونها وفق الأوامر الصادرة إليهم، بل هو هواية يندفعون إليها بحماس وشغف جنوني، وهم في ذلك يشبهون جنودنا الذين يقاتلون عن عقيدة راسخة لحماية إسرائيل.
ولكن هناك فارقاً عظيماً بين جنودنا وهؤلاء المتطوعين المسلمين، إن جنودنا يقاتلون لتأسيس وطن يعيشون فيه، أما الجنود المتطوعون من المسلمين فهم يقاتلون ليموتوا، إنهم يطلبون الموت بشغف أقرب إلى الجنون، ويندفعون إليه كأنهم الشياطين، إن الهجوم على أمثال هؤلاء مخاطرة كبيرة، يشبه الهجوم على غابة مملوءة بالوحوش، ونحن لا نحب مثل هذه المغامرة المخيفة، ثم إن الهجوم عليهم قد يثير علينا المناطق الأخرى فيعملون مثل عملهم، فيفسدوا علينا كل شيء، ويتحقق لهم ما يريدون.
دهش الضابط المصري لإجابة القائد الإسرائيلي، لكنه تابع سؤاله ليعرف منه السبب الحقيقي الذي يخيف اليهود من هؤلاء المتطوعين المسلمين.
قال له: قل لي برأيك الصريح، ما الذي أصاب هؤلاء حتى أحبوا الموت، وتحولوا إلى قوة ماردة تتحدى كل شيءٍ معقول؟!. أجابه الإسرائيلي بعفوية: إنه الدين الإسلامي يا سيادة الضابط، ثم تلعثم، وحاول أن يخفى إجابته، فقال:
إن هؤلاء لم تتح لهم الفرصة كما أتيحت لك، كي يدرسوا الأمور دراسة واعية تفتح عيونهم على حقائق الحياة، وتحررهم من الخرافة وشعوذات المتاجرين بالدين، إنهم لا يزالون ضحايا تعساء لوعد الإسلام لهم بالجنة التي تنتظرهم بعد الموت.
وتابع مسترسلاً: إن هؤلاء المتعصبين من المسلمين هم عقدة العقد في طريق السلام الذي يجب أن نتعاون عليه وهم الخطر الكبير على كل جهد يبذل لإقامة علاقات سليمة واعية بيننا وبينكم.
وتابع مستدركاً، وكأنه يستفز الضابط المصري ضد هؤلاء المسلمين: تصور يا سيدي أن خطر هؤلاء ليس مقتصراً علينا وحدنا، بل هو خطر عليكم أنتم أيضاً. إذ إن أوضاع بلادكم لن تستقر حتى يزول هؤلاء، وتنقطع صرخاتهم المنادية بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله، هذا المنطق الذي يخالف رقي القرن العشرين، قرن العلم وهيئة الأمم والرأي العام العالمي، وحقوق الإنسان.
واختتم القائد الإسرائيلي حديثه بقوله: يا سيادة الضابط، أنا سعيد بلقائك، وسعيد بهذا الحديث الصريح معك، وأتمنى أن نلتقي لقاءً قادماً، لنتعاون في جو أخوي لا يعكره علينا المتعصبون من المسلمين المهووسين بالجهاد وحب الاستشهاد في سبيل الله.
ويرون أن بقاء إسرائيل مرهون بإزالة المتمسكين بالإسلام:
يقول الكاتب الصهيوني (إيرل بوغر) في كتابه (العهد والسيف) الذي صدر عام 1965م ما نصه: "إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معها، ولكي يصبح هذا التعاون ممكناً فيجب القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي، وهي عناصر رجعية تتمثل في رجال الدين والمشايخ".
ويقول إسحاق رابين - غداة فوز جيمي كارتر برئاسة الولايات المتحدة -: "إن مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع، وليس مستعداً لمواجهة الحول، وإن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يترك الإسلام سيفه".
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/kaid-aada3.jpg
ويقول لورانسبراون: "كان قادتنا يخوفننا بشعوب مختلفة، لكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف. كانوا يخوفنا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني الأصفر، والخطر البلشفي. لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيون حلفاؤنا، أما اليابانيون، فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم. لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة".
ويقول المستشرق غاردنر: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا".
ويقول هانوتر وزير خارجية فرنسا سابقاً: "لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر".
ويقول البر مشادر: "من يدري؟! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء، لغزو العالم مرة ثانية، وفي الوقت المناسب".
ويتابع: "لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة.. ولن تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها.
إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ، ها أنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها".
ويقول أشعيا بومان في مقال نشره في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام، لهذا الخوف أسباب، منها أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عددياً، بل إن أتباعه يزدادون باستمرار، من أسباب الخوف أن هذا الدين من أركانه الجهاد.
ويقول أنطوني ناتنج في كتابه (العرب): "منذ أن جمع محمد أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي، وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإن على العالم الغربي أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة، وصلبة تواجهنا عبر المتوسط".
وصرح سالازار في مؤتمر صحفي قائلاً: "إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يُحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم".
فلما سأله أحد الصحفيين: لكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم ونزاعاتهم، أجابه: "أخشى أن يخرج منهم من يوجه خلافهم إلينا".
ويقول مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: "ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم. ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ. وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلمة، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة. إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبةً يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن، وحرية أوفر.. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني؛ حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف، بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي، وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم.
ويقول مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي المعاصر): "إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. يجب محاربة الإسلام، للحيلولة دون وحدة العرب، التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره. إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الأفريقية".
ولهذا حرص على تشويه العرب في وغرس صور باطلة عنهم في عقول الأوروبيين.. وبناءً على دراسة قامت بها مارلين نصر عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، الصادرة عن (مركز دراسات الوحدة العربية عام 1995م)، نجد أن المناهج التربوية الفرنسية تقدم العرب والمسلمين باعتبارهم المتمردين والنهّابين والمخربين والسفاحين، ولا تأتي على ذكر أية صفة من صفاتهم الإيجابية المعروفة.
وفي الأدب الفرنسي مثلاً تظهر صفات العرب في العصور الوسطى باعتبارهم كفاراً وأعداءً وخونةً وغزاة، وفي الأدب الاستشراقي نجدهم يسرقون التجار، وكثيراً ما ي***ونهم، وهم في الأدب المعاصر أذلاء خائفون ومتّهمون بالتأخر.
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا: "رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر لا يزال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم؛ لأن همتهم لم تخمد بعد".
وبعد استقلال الجزائر ألقى أحد كبار المستشرقين محاضرة في مدريد عنوانها (لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر).
أجاب على هذا السؤال بشرح مستفيض ملخصه:
إننا لم نكن نسخر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الجزائر أو صحاريها.. أو زيتونها..
إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه زحف إسلامي محتمل يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط، ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتيه جديدة ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الواهنة، ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة.. من أجل ذلك كنا نحارب في الجزائر.
وفي أول نوفمبر من عام 1974م ذكرت إذاعة لندن زيارة وزير خارجية فرنسا سوفانيارك لإسرائيل واجتماعه بقياداتها، بعد أن اجتمع في بيروت برئيس منظمة التحرير الفلسطينية. ما جرى في آخر اجتماع عقد بين القادة الإسرائيليين وسوفانيارك، وانتقاداتهم للسياسة الفرنسية؛ لأنها تقف إلى جانب العرب ضد إسرائيل، وتؤيد الفلسطينيين، وهاجموا سوفانيارك شخصياً؛ لأنه اجتمع بياسر عرفات. عندها غضب وزير الخارجية الفرنسية وصرخ في وجوههم: إما أن تعترفوا بمنظمة التحرير، أو أن يعلن العرب كلهم عليكم الجهاد.
والعجب أن إذاعة لندن لم تعد إلى إذاعة هذا الخبر مرة أخرى، كما أن جميع إذاعات العرب لم تذكره.
ففرنسا حين تتحرك إلى جانب العرب لا تتحرك إلا خوفاً من أن يثير عداء العالم الغربي للعرب روح الجهاد في المسلمين، فيعلنوه ويشنوا حرباً على الحضارة الغربية تؤدي إلى دمار الغرب ويقظة المسلمين، وهذا وحده كاف أن يدفع فرنسا إلى مهادنتهم ودعوة الآخرين لمهادنتهم.
وقالت إذاعة لندن صباح 10/4/1976م بمناسبة افتتاح مهرجان العالم الإسلامي في لندن:"إن الشعور العام السائد في الغرب أن المسيحية إذا لم تغير موقفها من الإسلام بحيث تتعاون معه للقضاء على الشر في العالم، لا أن تعتبر الإسلام مصدراً من مصادر الشر، إن لم تفعل ذلك فإن المستقبل لا يؤذن بخير بالنسبة للمسيحية والعالم".
تدمير وتشتيت
يقول المستشرق غاردنر: "إن الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ القدس، إنها كانت لتدمير الإسلام".
وكان نشيد جيوش الاستعمار يقول: أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة.. لأحارب الديانة الإسلامية.. ولأمحو القرآن بكل قوتي.
ويقول فيليب فونداسي: "إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسة عدائية للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره".
ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه (باثولوجيا الإسلام): "إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، بل هو مرض مريع، وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه من الخمول والكسل إلا ليدفعه إلى سفك الدماء، والإدمان على معاقرة الخمور، وارتكاب جميع القبائح. وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين، فيأتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى ما لا نهاية، ويعتادون على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة، ككراهة لحم الخنزير، والخمر والموسيقي. إن الإسلام كله قائم على القسوة والفجور في اللذات.
ويتابع هذا المستشرق: اعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر.
ويبدو أن قائد الجيوش الإنكليزية في حملة السودان قد طبق هذه الوصية، فهجم على قبر المهدي الذي سبق له أن حرر السودان و*** القائد الإنكليزي غوردون، هجم القائد الإنكليزي على قبر المهدي، ونبشه، ثم قطع رأسه وأرسله إلى عاهر إنكليزي وطلب إليه أن يجعله مطفأة لسجائره.
وصرَّح الكاردينال بور - كاردينال برلين - لمجلة تابلت الانكليزية الكاثوليكية يوم سقوط القدس عام 1967 بعد أن رعى صلاة المسيحيين مع اليهود في كنيس يهودي لأول مرة في تاريخ المسيحية، وقال: إن المسيحيين لا بد لهم من التعاون مع اليهود للقضاء على الإسلام وتخليص الأرض المقدسة".
وقال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة - في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس-: "إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة، باتباع ما يلي:
- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.
- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً، انطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب.
من وسائل تدمير الإسلام
- القضاء على الحكم الإسلامي:
بإنهاء الخلافة الإسلامية المتمثلة بالدولة العثمانية، التي كانت رغم بعد حكمها عن روح الإسلام، إلا أن الأعداء كانوا يخشون أن تتحول هذه الخلافة من خلافة شكلية إلى خلافة حقيقية تهددهم بالخطر.
كانت فرصتهم الذهبية التي مهدوا لها طوال قرن ونصف هي سقوط تركيا مع حليفتها ألمانيا خاسرة في الحرب العالمية الأولى.
دخلت الجيوش الإنكليزية واليونانية، والإيطالية، والفرنسية أراضي الدولة العثمانية، وسيطرت على جميع أراضيها، ومنها العاصمة استانبول.
ولما ابتدأت مفاوضات مؤتمر لوزان لعقد صلح بين المتحاربين اشترطت إنكلترا على تركيا أنها لن تنسحب من أراضيها إلا بعد تنفيذ الشروط التالية:
أ- إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
ب- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة.
ج- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
د- أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام.
فنفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة، فانسحبت الدول المحتلة من تركيا.
ولما وقف كرزون - وزير خارجية - إنكلترا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا، احتج بعض النواب الإنكليز ب*** على كرزون، واستغربوا كيف اعترفت إنكلترا باستقلال تركيا، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب.
فأجاب كرزون: "لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة".
- القضاء على القرآن:
لأنهم كما سبق أن قلنا يعتبرون القرآن هو المصدر الأساسي لقوة المسلمين، وبقاؤه بين أيديهم حياً يؤدي إلى عودتهم إلى قوتهم وحضارتهم.
وقد شملت الحرب على القرآن جانبين: الأول تشويهه وإثارة الشبهات حوله، والثاني عزل وإبعاد المسلمين عن كتاب الله. ووسائل التشويه كثيرة، ولكن نذكر وسيلة واحدة، وهي اختلاف القراءات، وكأنهم بذلك يريدون أن يثيروا الشبهات حول القرآن الكريم ليجعلوه في نظر المسلمين وغيرهم كالتوراة والإنجيل المحرفتين.
وقد أشار أنور محمود زناتي إلى أن المستشرقين تكلموا كثيراً في موضوع القراءات بالأحرف السبعة محاولين إثبات أن القراءة كانت حرة طليقة، الأمر الذي جعل تعرض القرآن للتغيير أمراً لا مفر منه. وهم بذلك يوهمون بأن التدوين وقع في جو هذه الحرية، وفي هذا الجو تم تسجيل قراءات مختلفة. وهذه القراءات التي نجمت عن ذلك لم تكن هي الصورة التي ورد بها الوحي أساساً. ونتيجة ذلك كله هي القول بحدوث تغيير في النص القرآني.
وقد روّج بعض المستشرقين لفكرة (القراءة بالمعنى)؛ مما يعطي للمزاعم السابقة سنداً تعتمد عليه.
ثم نقل رداً للدكتور ساسي على هذا التشويه، حيث قال:
إن المراد بالأحرف السبعة هي الأوجه السبعة من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل، وتعالى، وهم. والسبب في ذلك التوسعة على المسلمين في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغتهم، حالة كونهم أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة إلا القليل من أبنائها، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ من اتفاق المعنى.
أيضاً ويراد أنها سبع لغات في القرآن على لغات العرب كلها، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن..
وقد يراد بالأحرف السبعة - التي تعنى اللغات السبع – أنها تكون في لغة مضر؛ لأن الخليفة عثمان احتج بها عند جمع القرآن، فقال: "نزل القرآن بلغة مضر"، والمقصود بلغة مضر: كنانة، وأسد، وهذيل، وتيم، وضبة، وقيس.
وقد يراد بالأحرف السبعة وجوه الاختلاف في القراءة، وقد يراد بها معاني كتاب الله تعالى، وهى: أمر، ونهى، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. ورفض معظم المفسرين كابن عطية هذا التعليل؛ لأن هذا لا يسمى أحرفاً، ولأن الإجماع قد انعقد على التوسعة على الأمة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغير شيء من المعاني.
والواقع الذي عليه المسلمون منذ أربعة عشرة قرناً هو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحي القرآني لفظاً ومعنى، ولا يوجد مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأي لفظ شاء ما دام يحافظ على المعنى. وليبحث المستشرقون اليوم في أي مكان في العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك وسيعييهم البحث، فلماذا إذن هذا التشكيك في صحة النص القرآني وهم يعلمون مدى حرص المسلمين في السابق واللاحق على تقديس نص القرآن لفظاً ومعنى؟.
إنهم يبحثون دائماً عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح ولا من الواقع. فنحن المسلمين قد تلقينا القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بدوره تلقاه وحياً من الله. ولم يحدث أن أصاب هذا القرآن أي تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل، وهذه ميزة فريدة انفرد بها القرآن وحده من بين الكتب السماوية كافة؛ الأمر الذي يحمل في طياته صحة هذا الدين الذي ختم الله سائر الديانات السماوية.
ومن بين الشبهات المثارة حول القرآن ما يردده المفكر بلاشير من أن فكرة تدوين الوحي لم تنشأ إلا بعد إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأن التدوين كان جزئياً وناتجاً عن جهود فردية ومثاراً للاختلاف.
فالثابت أن فكرة تدوين الوحي كانت قائمة منذ نزوله، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه. وقد بلغ عدد كتاب الوحي كما يذكر الثقات من العلماء تسعة وعشرون كاتباً، أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
يقول المبشر وليم جيفورد بالكراف: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه.
ويقول المبشر تاكلي: يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضى عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً.
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم.. ون***ع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم.
وقد أثار هذا المعنى حادثةً طريفةً جرت في فرنسا، وهي أنه من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر قامت بتجربة عملية، قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، وألبستهن الثياب الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماماً.
وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دُعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون.. ولما ابتدأت الحفلة، فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري.
فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً؟َ!.
أجاب لاكوست، وزير المستعمرات الفرنسى: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟.
- تدمير أخلاق المسلمين وصلتهم بالله:
يقول مرماديوك باكتول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً. بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم.
ويقول صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين المنعقد عام 1935م: إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها؛ ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له، ألّا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها. أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات.. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات، أيها المبشرون: إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه.
ويقول صموئيل زويمر نفسه في كتاب (الغارة على العالم الإسلامي): إن للتبشير بالنسبة للحضارة الغربية مزيتان، مزية هدم، ومزية بناء، أما الهدم فنعني به انتزاع المسلم من دينه، ولو بدفعه إلى الإلحاد، وأما البناء فنعني به تنصير المسلم إن أمكن ليقف مع الحضارة الغربية ضد قومه.
ويقولون: إن أهم الأساليب للوصول إلى تدمير أخلاق المسلم وشخصيته يمكن أن يتم بنشر التعليم العلماني.
ويقول المبشر تكلي: يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية.
ويقول زويمر: مادام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، هذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب.
ويقول جب: لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محددة، وقد تم معظم هذا التطور تدريجياً عن غير وعي وانتباه، وقد مضى هذا التطور الآن إلى مدى بعيد، ولم يعد من الممكن الرجوع فيه، لكن نجاح هذا التطور يتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، وعلى الشباب منهم خاصة. كل ذلك كان نتيجة النشاط التعليمي والثقافي العلماني.
الإعلام وسيلة التدمير الأولى
تعد وسائل الإعلام وعلى رأسها القنوات الفضائية المساهم الأكبر في نشر الجرائم والرذائل بين المسلمين.
ويوضح الشيخ محمد المنجد أن أعداء الإسلام اكتشفوا "أهمية ذلك قبلنا بكثير، وسبقوا في هذا المجال، وبالتالي نحن صرنا مستهلكين، نستهلك زبالاتهم التي يذيعونها علينا، فهم يخططون ويمكرون ويدبرون، وينتجون بهذه المؤامرات.
وهذا التدبير كل الأشياء المملوءة بالسموم والمملوءة بالترهات وسفاسف الأمور، والأشياء المنافية للأخلاق والآداب والمنافية للعقائد، وفيها تلميع شخصيات الكفار وإبراز معبودات الكفار وشعارات الكفار، والأشياء المنافية للأخلاق، كالاختلاط بين ال***ين، والرقص والملابس القصيرة، والحب والغرام، والمشاهد التي بين الذكران والإناث ونحو ذلك، وأطفالنا يرون ويتأثرون ويتلقون، ويتشبعون بهذه الأشياء من حيث لا ينتبه الأب، تظن الأم أنها إذا فتحت الشاشة للولد ارتاحت في البيت، وفعلاً تجد الولد يسكت، لكن ما درت أنها الآن تعطيه سماً، صحيح أنه سكت وما سبب لها إزعاجاً في البيت، لكنها تساهم في تدمير عقيدته وأخلاقه..".
وكما يقول الشيخ سامي الحمود فلقد تفننت القنوات الفضائية في إغواء المشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المتطور في صوته وصورته، المنحطّ في هدفه وفكرته إلا ما رحم الله.
والمصيبة أن المشاهد الكريم يتلقى هذا الإسفاف والهدم للدين والخلق بكل رحابة صدر، ولربما تمايلوا نشوة وطرباً وضحكاً وفرحاً بهذه المشاهد.
وذكر الدكتور عبد الله بن محمد الطيار والشيخ أبو سليمان سامي سليمان المبارك أن علماء النفس والاجتماع أكدوا أن هناك علاقة ارتباط بين ازدياد جرائم ال*** والرذيلة وازدياد البرامج المليئة بالسلوك الإجرامي والسلوك اللاأخلاقي.
فما يعرض عبر الشاشة المرئية (التلفاز) أو (السينما) من مناظر مثيرة للغرائز ومحركة لكوامنها أسهم في جريمة الفاحشة، لاسيما أفلام الحب والغرام والخلاعة والمجون؛ وكان ضحية هذه المشاهد المخزية أكثرهم من الشباب والفتيات.
وقد اشتهرت عن أحد أقطاب المستعمرين مقولة: "كأس وغانية يفعلان في الأمة المحمدية ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع".
الكأس والغانية تكفلت بهما القنوات الفضائية الهابطة؛ حيث جمعت بين الاثنين، وحرصت على إثبات التلازم بينهما، لدرجة أنه لا يُتصور أن تكون هناك غانية بدون كأس خمر.
مع العلم أن الخمر والغانية هما وسائل تدمير حياة الإنسان؛ حيث يصبح أسيراً لهاتين المصيبتين التي أصبحتا مسيطرتين على عقله وغرائزه.. وبالتالي تنعدم فائدة هذا الشخص: فلا خير فيه لأهله ولا مجتمعه ولا لأمته ولا لدينه؛ لأنه فقد الصلة بالله تعالى.
وحقاً من أطلق تلك العبارة السابقة كان يدرك تماماً أن في كأس الخمر والغانيات تجتمع كل جوانب تدمير شخصية الإنسان دينياً ودنيوياً.
إضافة إلى أنهما أسرع تأثيراً وأشد تدميراً وأكثر قبولاً لدى أصحاب النفوس الضعيفة.. أما الوسائل العسكرية فتدميرها يقتصر على الجانب المادي، كتدمير البلاد و*** الناس و إصابتهم بالعاهات.. أما الأخلاق فلا سبيل إلى تدميرها عن طريق الآلة العسكرية، بل ربما قد تدفع بالمسلم إلى زيادة التمسك بدينه والارتباط بربه.
إضافة إلى أن الوسائل العسكرية تجعل المعتدى عليه أكثر بعداً وكرهاً وغضباً من المعتدي، أما الخمر والغانية فتجعله أكثر قرباً من الجهة التي وفرتهما وأشد تعلقاً بها وحاجة إليها ورغبة في ما عندها، والنتيجة الطبيعية تحوله إلى ألعوبة بيد تلك الجهة تسيره وتسخره لخدمتها.
- القضاء على وحدة المسلمين:
يقول القس سيمون: إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد التملص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية.
ويقول المبشر لورنس براون: إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير.
ويكمل حديثه: يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير.
ويقول أرنولد توينبى في كتابه (الإسلام والغرب والمستقبل): إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ.
وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انحل رباط تونس الشديد بالبلاد الإسلامية، وتفلتت روابطه مع مكة، ومع ماضيه الإسلامي، حين فرض عليه الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية.
وفي سنة 1907م عقد مؤتمر أوروبى كبير، ضم أضخم نخبة من المفكرين والسياسيين الأوروبيين برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال في خطاب الافتتاح: "إن الحضارة الأوروبية مهددة بالانحلال والفناء، والواجب يقضى علينا أن نبحث في هذا المؤتمر عن وسيلة فعالة تحول دون انهيار حضارتنا".
واستمر المؤتمر شهراً من الدراسة والنقاش. واستعرض المؤتمرون الأخطار الخارجية التي يمكن أن تقضى على الحضارة الغربية الآفلة، فوجدوا أن المسلمين هم أعظم خطر يهدد أوروبا.
فقرر المؤتمرون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لمنع إيجاد أي اتحاد أو اتفاق بين دول الشرق الأوسط؛ لأن الشرق الأوسط المسلم المتحد يشكل الخطر الوحيد على مستقبل أوروبا.
وأخيراً قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والمسلمين شرقي قناة السويس، ليبقى العرب متفرقين.
وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية التي كانت تدعو إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
- إبقاء العرب ضعفاء:
يعتقد الغربيون أن العرب هم مفتاح الأمة الإسلامية، يقول مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي): لقد ثبت تاريخياً أن قوة العرب تعني قوة الإسلام فليدمر العرب ليدمروا بتدميرهم الإسلام.
- إنشاء ديكتاتوريات في العالم الإسلامي:
يقول المستشرق و. ك. سميث الأمريكي، والخبير بشؤون باكستان:
إذا أعطى المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها.
وينصح رئيس تحرير مجلة (تايم) في كتابه (سفر آسيا) الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره. لكنهم لا ينسوا أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حتى لا تتفجر.
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا:
إن الخطر لا يزال موجوداً في أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم، لكنها لم تثبط من عزائهم.
- أبقاء المسلمين مستهلكين لسلع الغرب:
يقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي.
ويتابع: فلنعط هذا العالم ما يشاء، ولنقو في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني، فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة، وتحرر العملاق من عقدة عجزه الفني والصناعي، أصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة، خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وينتهي معه دوره القيادي في العالم.
- سعيهم المستمر لإبعاد القادة المسلمين الأقوياء عن استلام الحكم في دول العالم الإسلامي حتى لا ينهضوا بالإسلام:
يقول المستشرق البريطاني مونتجومري وات - في جريدة (التايمز) اللندنية - في مارس من عام 1968م: إذا وجد القائد المناسب، الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى.
ويقول جب: إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بصورة مذهلة، تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا وجود الزعامة، لا ينقصها إلا ظهور صلاح الدين جديد.
وقد سبق قول بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد".
- إفساد المرأة المسلمة:
تقول المبشرة آن ميليغان: لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن باشاوات وبكوات، ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وبالتالي ليس هناك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة.
يعنون بذلك أنهم بإخراج المرأة المسلمة من دينها يخرج الجيل الذي تربيه ويخرج معها زوجها وأخوها أيضاً وتصبح أداة تدمير قوية لجميع قيم المجتمع الإسلامي الذي يحاولون تدميره وإلغاء دوره الحضاري من العالم.
الخلاصة
منذ أكثر من مائة عام ونحن على هذه الحالة، فكلما زدنا ارتباطاً بالغرب زدنا بعدناً، وكلما زدنا تصفيقاً زدنا غفلة عما يحاك ضدنا.. وكلما زدنا إعجاباً بالغرب زدنا غفوة وركوناً واتكالاً عليه، واحتكاماً إليه.
سذاجتنا مصحوبة بجهل في ديننا وضعف في حالنا وذل في واقعنا.. إلى جانب مكائد أعدائنا.
وما سبق ذكره ليس إلا قطرة في بحر هائج متلاطم الأمواج.. وأكثر تلك المكائد موجودة على أرض الواقع، وتمارس على مرأى ومسمع من المسلمين شاؤوا أم أبوا.
ومواجهة ذلك ليست خافية على كل غيور على دينه وأمته، مع التذكير بأن أهم وسائل مقاومة تلك المكائد ودحرها تتمثل أولاً بإصلاح علاقة النفس مع خالقها ودينها الإسلامي بتطهيرها من درن المعاصي والذنوب. ثم إصلاح المجتمع المسلم وربطه بدينه على المنهج الصحيح. بحيث تصبح التهديدات والمكائد التي تنشط ضد الإسلام ضعيفة التأثير؛ لأن من أهم عوامل نجاح كيد العدو هو ضعفنا نحن قبل كل شيء، مما يجعل عمله أكثر سهولة وأسرع تأثيراً.
صحيح أن الله قد تكفل بحفظ كتابه الكريم }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{ [الحجر: 9]، وقال: }إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{ [هود: 49]، وصحيح أن الإسلام سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، لكن على يد من، ومن سيقوم بهذه المهمة؟.
بالتأكيد على يد قوم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ورسوله.. وليس على يد قوم ارتموا في أحضان أعدائهم رغبة ورهبة.
وفي كل الأحوال سيكون المسلمون مسؤولون أمام الله عن دينهم ودنياهم. وكل مسلم يقع فريسة لمكائد العدو فإنه مسوؤل عن نفسه، كما أن الأمة مسؤولة عنه أيضاً.
ــــــــــــ
المصادر
- (لماذا يكرهونه؟.. الأصول الفكرية لموقف الغرب من نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم)، د. باسم خفاجي - المركز العربي للدراسات الإنسانية.
- (قادة الغرب يقولون: دمّروا الإسلام أبيدوا أهله)، جلال العالم.
- (معجم افتراءات الغرب على الإسلام)، أنور محمود زناتي.
- (إلى العابثين بالأعراض)، د. عبد الله بن محمد الطيار، وأبو سليمان سامي سليمان المبارك.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/8099.jpg
كثيراً ما يصفق بعض المسلمين لقادة الغرب إذا كان كلامهم يحمل مدحاً للمسلمين أو الإسلام.. وكثيراً ما تكون تلك التصفيقات نابعة من التصديق والإعجاب.
ومع كل تصفيقة يزداد هؤلاء ركوناً واقتراباً وثقة وارتباطاً بالغرب.. فجعلوه وصياً على العالم الإسلامي، فهو الآمر والناهي والموجه والمعلم في السياسة والاقتصاد والثقافة وغير ذلك من أمور الحياة.
بل كلما اختلف المسلمون فيما بينهم جعلوا من الغرب حكماً، ومن قوانينه مرجعية بحجة أنها قوانين دولية مع أن دور المسلمين في إعدادها لا يكاد يذكر، إلا اليسير وأكثره يوافق هوى غربياً.
وأصبح العالم الإسلامي يلجأ إلى عدوه التاريخي لإصلاح خلله، وعلاج علله. فيزداد خراباً ومرضاَ وضعفاً وسوءاً.
الأساس الفكري
وكما يقول جلال العالم فإن المتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب وشعوب الإسلام، يلاحظ حقداً مريراً يملأ صدر الغرب حتى درجة الجنون، يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام إلى أبعد نقطة في النفسية الأوروبية.
هذا الحقد، وذلك الخوف، لا شأن لنا بهما إن كانا مجرد إحساس نفسي شخصي، أما إذا كانا من أهم العوامل التي تبلور مواقف الحضارة الغربية من الشعوب الإسلامية، سياسياً، واقتصادياً، وحتى هذه الساعة، فإن موقفنا يتغير بشكل حاسم.
سوف تشهد لنا أقوال قادتهم أن للغرب، والحضارة الغربية بكل فروعها القومية، وألوانها السياسية موقفاً تجاه الإسلام لا يتغير، إنها تحاول تدمير الإسلام، وإنهاء وجود شعوبه دون رحمة.
حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية الرهيبة ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين، فعادوا يخططون من جديد لينهضوا.. ثم ليعودوا إلينا، بجيوش حديثة، وفكر جديد؛ وهدفهم تدمير الإسلام من جديد.
كان جنديهم ينادى بأعلى صوته، حين كان يلبس بذلة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام:
وانتصرت جيوش الحقد هذه على أمة الإسلام التي قادها أسوأ قادةٍ عرفهم التاريخ.. اضطهدوا أممهم حتى سحقوها..
انتصرت جيوش الغرب بعد أن ذلل لها هؤلاء الحكام السبيل.
استباحت الأمة كلها، هدمت المساجد، أو حولتها إلى كنائس، ثم أحرقت مكتبات المسلمين.. ثم أحرقت الشعوب نفسها.
ويكاد الغرب فكرياً أن يجمع على موقف موحد من الإسلام، وهو موقف ليس إيجابياً بل هو موقف معادٍ بالمجمل، ولا يمكن تفسيره إلا من خلال تجديد النظرة وطرق البحث عن أسباب ذلك العداء الْمَرَضي غير المبرر.
ويقول الدكتور باسم خفاجي: "إن استقراء ومتابعة التاريخ يؤكد وجود تراث يقارب ألف عام من العداء بين الغرب - ونعني به هنا الكنيسة الأوروبية الغربية وصناع القرار وكذلك التيارات الفكرية غير الدينية - وبين الإسلام والمسلمين".
وقد خصوا نبينا - صلى الله عليه وسلم – بقدر كبير مت ذلك العداء، فلم يحدث في تاريخ البشرية، وفي الغرب تحديداً، أنْ استمر العداء تجاه أي شخص بمثل هذه الحماسة والاستمرار المتجدد، والصور المختلفة الملفتة للنظر.
وحول سؤال: لماذا يكرهون محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الدرجة؟ يقول خفاجي: إنه سؤال يشغل أذهان الكثيرين من أبناء الأمة.
قد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن سنته الماضية أن يُخرِجَ لكل نبي عدواً من المجرمين، يقاوم دعوة ذلك النبي ويحاربها:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31].
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].
وقد حدث هذا مع كل الأنبياء الذين أَطَلعنا الله - تبارك وتعالى - على سيرهم، وما تعرضوا له من ابتلاءات، وكذلك كان الأمر في حياة نبي الأمة - صلوات الله وسلامه عليه -.
وبما أن دعوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - باقية ما بقي الليل والنهار، ومتجددة مع كل إشراقة شمس، فليس من الغريب أن يكون عدو هذا النبي الكريم ممتداً أيضاً ومستمراً. ومن يتابع تاريخ الإسلام وعلاقات الأمة الإسلامية الدولية يلحظ أن عداء الكنيسة الأوروبية للنبي - صلى الله عليه وسلم - استمر منذ بداية الدعوة، وحتى أيامنا هذه.
الغريب أن هذا العداء متجدد، ويزداد كراهية وعنصرية حتى مع اهتمام المسلمين بالحوار والتوازن مع الآخرين. فهل من الممكن أن يكون السياق القرآني الوارد في الآية الكريمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} منطبقاً على تلك الكنيسة وعلى الغرب بوجه عام بصفته العدو المستمر لهذا الدين المستمر أيضاً؟.
إنْ كان لهذه الأمة ولنبيها عدوٌ من المجرمين - كما أخبرت الآية - في زماننا هذا، فمن يمكن أن يكون هذا العدو غير الغرب؟، لا أقصد هنا بالضرورة شعوب الغرب، ولكنني أقصد تحديداً طائفة صناع القرار، والكثير من القيادات الدينية المتطرفة في الغرب، والعديد من وسائل الإعلام غير الموضوعية وغير المحايدة، وكل هؤلاء يؤثر في تفكير وقناعات الشعوب.
فعلى المستوى الديني، لم يبلغ الفكر المتزمت في أي دين من الأديان إطلاقاً درجة التنظيم والاضطهاد التي عرفتها محاكم التفتيش الأوروبية الكنسية في مواجهة الإسلام. وقد أظهر هذا التزمت نفسه من خلال الإصرار على معاداة نبي الله بكل الصور الفكرية والثقافية الممكنة. إن اللوحات التي تزين الأديرة والكنائس الأوروبية القديمة التي تصور العداء لنبي الإسلام، إنما تعكس امتداد هذا التزمت والعداء الفكري إلى درجة الاحتفاء به، والتعبير عنه في أكثر الأماكن قداسة في نظر أنصار ذلك الفكر، وهي الأديرة والكنائس. إن طبيعة تجدد العداء من الغرب تجاه نبي الإسلام توحي أن هذا العداء يعبر عن نوع من الإجرام الحقيقي في مواجهة أمة الإسلام. وإلا فكيف يمكن أن يفسر أن تزين بعض كنائس أوروبا بلوحات ورسومات لنبينا محمد وهو - كما يدعون زوراً وبهتاناً - يعذب في نار جهنم، وأن تبقى هذه اللوحات في مكانها في أكثر من كنيسة خاضعة لسلطة الفاتيكان، ولم تلمسها يد، ولم يحاول تغيير ذلك أحد من دعاة التسامح والحوار طوال عشرات السنين، وحتى الآن؟.
كيف يُفسَّر أن يُوضَع في كنيسة أوروبية في عاصمة الاتحاد الأوروبي تمثال مهين لنبي الأمة وهو مطروح أرضاً، تدوسه أقدام ملائكة تعلن انتصار المسيحية على الإسلام؟. وكيف إذا كان هذا التمثال ليس في الكنيسة فقط بل هو في محرابها؟، أيْ أنه يُرى ويُشاهَد من كل من يزور الكنيسة للعبادة أو السياحة أو غيرهما. ألا يدل هذا على الإجرام الذي وصفته الآية في الحديث عمّن يعادون نبي الأمة؟.
إن نوع الاتهامات والإهانات المتكررة التي تلصق بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل الحمقى من الغرب لا تدل إلاَّ على صفة واحدة في هؤلاء، وهي الصفة التي وصفهم بها رب العزة والجلال؛ إنها صفة الإجرام.
تاريخ حقد لم يتوقف
اهتمت حضارات العالم بمعرفة أحوال المسلمين، وأخبار نبيهم، وفتوحاتهم، لما لهذه الأخبار من آثار على الواقع العالمي منذ انتشر الإسلام. واتخذت بعض هذه الحضارات مواقف متعاطفة مع الإسلام كما حدث مع نجاشي الحبشة، بينما اتخذت حضارات أخرى كالصين والهند مواقف محايدة في ذلك الوقت، وتبنّى الفرس والروم والبيزنطيون فكرة المواجهة مع العالم الإسلامي.
ورغم أن بعض الحضارات حاربت المسلمين، إلاّ أنّ معظم تلك الحضارات لم تحتفظ بتراث من الكراهية تجاه نبي الإسلام مثلما احتفظت به دويلات أوروبا وكنائسها.
وقد تكونت الصورة النمطية عن نبي الإسلام من خلال الموقف الأوروبي التاريخي من الإسلام. إنها حصيلة الصور الذهنية التي ارتسمت في مخيلة مجتمعات أوروبا في ذلك الوقت عن الدين الجديد الذي يغزو العالم، ويعيد صياغة العلاقات ليس فقط بين المجتمعات، بل وبين البشر، وكذلك علاقة البشر بالخالق.
وساهم المفكرون الأوروبيون الدينيون وغيرهم أيضاً في تحويل الإسلام إلى دين كريهٍ بغيض لدى العامة؛ لكي تحتفظ أوروبا بابتعادها عن الوقوع تحت سيطرة الدين الإسلامي, وقوته الأخلاقية والفكرية الآسرة. كان لا بد لذلك من تكوين صورة نمطية ذهنية بشعة عن الإسلام من ناحية، وعن نبي الإسلام من ناحية أخرى لتحقيق ذلك.
ويجب الفصل هنا بين رؤيتين - كما نقل خفاجة عن المفكر هشام جعيط -:
الأولى: هي رؤية العالم الشعبي، والثانية: هي رؤية العالم المدرسي. الأولى تغذت من الحروب الصليبية، والثانية من المواجهة الإسلامية المسيحية في أسبانيا. واحدة انتشرت على المستوى الخيالي، والأخرى على المستوى العقلاني. في الأدب الشعبي كان المسلمون وثنيين، ومحمد ساحراً، وشخصاً فاسداً، وزعيم شعب فاسد.
بالمقابل في الرؤية المتبحرة هناك معرفة سابقة، ولكن الغطرسة والنوايا السيئة لم تفيدا في أن يكون التعبير عن هذه المعرفة منصفاً أو دقيقاً.
لقد استمر بناء هذه الصورة النمطية الكريهة عن الإسلام طوال الألف عام الماضية بشكل دؤوب ومستمر، لم ينقطع إلا في فترات محدودة للغاية، ولم تخالفه أو تعترض عليه إلا دوائر ثقافية وفكرية صغيرة وغير مؤثرة في الموقف الفكري الأوروبي، كما هو الحال إلى اليوم.
لذلك يمكن القول: إن التصورات الغربية المعاصرة حول دين المسلمين، لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية، وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة، إذ إن سكان أوروبا المعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، التي كانت تتغير تدريجياً مظاهرها الخارجية فقط، تبعاً لتغير الظروف في أوروبا ذاتها، وتبعاً لطبيعة علاقاتها ومواقفها المستجدة نسبياً مع البلدان الإسلامية وثقافاتها الحديثة.
أما من ساهم بالتحديد في تشكيل هذه الصورة، فيتحدث عنه الدكتور أليكسي جورافيسكيس في بحثه الإسلام والمسيحية قائلاً: "إن أدب أوروبا في القرون الوسطى حول الإسلام وُضِعَ في غالبيته العظمى من طرف رجال الدين المسيحيين، الذين استندوا إلى مصادر شديدة التمايز والتباين، كالحكايات الشعبية، وقصص الأبطال والحُجاج والقديسين، والمؤلفات الجدلية اللاهوتية الدفاعية للمسيحيين الشرقيين، وشهادات بعض المسلمين، وترجمات مفكريهم وعلمائهم. كانت المعلومة المقدمة تنتزع في معظم الحالات من سياقها الأصلي، ثم تقدم إلى القارئ الأوروبي. وبهذا الشكل شوهت الوقائع بصورة متعمدة - واعية أحياناً، أو بشكل غير واعٍ في أحيان أخرى - في إطار البحث الحماسي عن حل سريع لـ(مشكلة الإسلام) التي سيطرت في القرون الوسطى على الموضوعات الدينية - الأيديولوجية".
بشكل عام، تكونت في وعي الأوروبيين (في القرون الوسطى) ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: "إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، إنها ديانة ال*** والقسوة. وانسجاماً مع هذا الموقف المعادي، فقد رُسِم الإسلام على هيئة نموذج قبيح سيئ، يتعارض ويتناقض كلية مع النموذج المثالي للمسيحية بوصفها ديانة الحقيقة، التي تتميز بالأخلاق الصارمة وروح السلام، وبأنها عقيدة تنتشر بالإقناع وليس بقوة السلاح".
لقد حاول هؤلاء أن يصدوا عموم الناس عن أي معنى طيب للإسلام أو عن نبي الإسلام. أحياناً كانت تلك المحاولات تبدو بعيدة كل البعد عن الأصول العلمية أو الأخلاقية كذلك.
انظر إلى ما ادّعاه المستشرق الأمريكي (ماكدونالد) تحت مادة (الله) في دائرة المعارف الإسلامية منكراً حتى احتمالية أن يكون من صفات الله في الإسلام صفة السلام، قائلاً: "ومن أسمائه أيضاً السلام، وهذه الصفة لم ترد إلاّ في الآية 23 من سورة الحشر. ومعناها شديد الغموض، ونكاد نقطع بأنها لا تعني (السلم). ويرى المفسّرون أن معناها (السلامة) أي: البراءة من النقائص والعيوب، وهو تفسير محتمل، وقد تكون هذه الصفة كلمة بقيت في ذاكرة محمد من العبارات التي تتلى في صلوات النصارى".
إن التصور النمطي المشوه عن الإسلام، لم يتشكل بسبب ضعف معرفة الأوروبيين بهذا الدين وحسب، حيث يشير الدارسون (لتصورات القرون الوسطى عن الإسلام) إلى ثلاثة مكونات (عناصر بنيوية)، أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية، دون أن تتعارض فيما بينها، بل إنها تعايشت وتداخلت من التأثر والتأثير، وهذه المكونات: الميثولوجية، اللاهوتية، والعقلانية.
إن الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا به؛ ولكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقية بالإسلام، غُلِّفَت بالحقد والخوف من تنامي تأثير هذا الدين على أوروبا نفسها وعلى العالم أجمع.
ومن الطبيعي أن تتحول تلك التصورات العدائية ضد الإسلام والمسلمين إلى واقع عملي يمارس ضد المسلمين قديماً وحديثاً.
وقد نقل جلال العالم مختارات مما كتبه مفكرون غربيون حول ما فعله ويفعله الغرب بالمسلمين، ومن ذلك:
تقول الدكتورة سيجريد هونكه: في 2 يناير 1492م رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على الحمراء، القلعة الملكية للأسرة الناصرية في الأندلس، فكان إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على أسبانيا.
وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوروبا طوال العصور الوسطى، وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضارتهم وثقافتهم.
لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّاً بعد أن يعذّب أشد العذاب.
وهكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في أسبانيا مسلم واحد يُظهر دينه.
بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.
وتحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: "أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات ال*****، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت (دي ليل) استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها. عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة - وكنا نرقب الماء - فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط (دي ليل) من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير. أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة. وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يا بني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة. قلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف ال***** وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتقزز طوال حياتي. رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي. وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة لل*****، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.
ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون *****ه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت. وآلة أخرى لل***** على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب ب***ٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم".
هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟.. أشد وأنكى لا شك.
ومن الحبشة أمثلة أخرى:
استولت الحبشة على إريتريا المسلمة بتأييد من فرنسا وانكلترا.. فماذا فعلت فيها؟. صادرت معظم أراضيها، وأسلمتها لإقطاعيين من الحبشة، كان الإقطاعي والكاهن مخولين ب*** أي مسلم دون الرجوع إلى السلطة، فكان الإقطاعي أو الكاهن يشنق فلاحيه أو يعذبهم في الوقت الذي يريد.
فُتحت للفلاحين المسلمين سجونٌ جماعية رهيبة، يجلد فيها الفلاحون بسياطٍ تزن أكثر من عشر كيلو غرامات، وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بهم كانوا يلقون في زنزانات بعد أن تربط أيديهم بأرجلهم، ويتركون هكذا لعشر سنين أو أكثر، عندما كانوا يخرجون من السجون كانوا لا يستطيعون الوقوف؛ لأن ظهورهم قد أخذت شكل القوس.
كل ذلك كان قبل استلام هيلاسيلاسي السلطة في الحبشة، فلما أصبح إمبراطور الحبشة وضع خطة لإنهاء المسلمين خلال خمسة عشر عاماً، وتباهى بخطته هذه أمام الكونغرس الأمريكي.
سن تشريعات لإذلال المسلمين منها أن عليهم أن يركعوا لموظفي الدولة وإلا ي***وا.
أمر أن تستباح دماؤهم لأقل سبب، فقد وجد شرطي قتيلاً قرب قرية مسلمة، فأرسلت الحكومة كتيبة كاملة ***ت أهل القرية كلهم وأحرقتهم مع قريتهم، ثم تبين أن القاتل هو صديق المقتول الذي اعتدى على زوجته. حاول أحد العلماء واسمه الشيخ عبد القادر أن يثور على هذه الإبادة فجمع الرجال، واختفى في الغابات، فجمعت الحكومة أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في أكواخٍ من الحشيش والقصب، وسكبت عليهم البنزين وأحرقتهم جميعاً.
ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذاباً رهيباً قبل ***ه، من ذلك إطفاء السجائر في عينيه وأذنيه، وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه، ودق خصيتيه بأعقاب البنادق.. وجره على الأسلاك الشائكة حتى يتفتت، وإلقاؤه جريحاً قبل أن يموت لتأكله الحيوانات الجارحة، بعد أن تربطه بالسلاسل حتى لا يقاوم.
أصدر هيلاسيلاسى أمراً بإغلاق مدارس المسلمين وأمر بفتح مدارس مسيحية وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيين.
عين حُكاماً فجرة على مقاطعات إريتريا منهم واحد عينه على مقاطعة جَمَة، ابتدأ عمله بأن أصدر أمراً أن لا يقطف الفلاحون ثمار أراضيهم إلا بعد موافقته، وكان لا يسمح بقطافها إلا بعد أن تتلف، وأخيراً صادر 90% من الأراضي، أخذ هو نصفها وأعطى الإمبراطور نصفها. ونهب جميع ممتلكات الفلاحين المسلمين.
أمرهم أن يبنوا كنيسة كبرى في الإقليم فبنوها.. ثم أمرهم أن يعمروا كنسية عند مدخل كل قرية أو بلدة ولم يكتف بذلك بل بنى دوراً للعاهرات حول المساجد ومعها الحانات التي كان يسكر فيها الجنود، ثم يدخلون إلى المساجد ليبولوا بها ويتغوطوا، وليراقصوا العاهرات فيها وهم سكارى.
كما فرض على الفلاحين أن يبيعوا أبقارهم لشركة (أنكودا) اليهودية، وكافأه الإمبراطور على أعماله هذه بأن عينه وزيراً للداخلية.
كانت حكومة الإمبراطور تلاحق كل مثقف مسلم؛ لتزجه في السجن حتى الموت، أو تجبره على مغادرة البلاد حتى يبقى شعب إريتريا المسلم مستعبداً جاهلاً.
من بنغلاديش:
*** الجيش الهندي - الذي كان يقوده يهود - عشرة آلاف عالمٍ مسلم بعد انتصاره على جيش باكستان عام 1971م، و*** مائة ألف من طلبة المعاهد الإسلامية، وموظفي الدولة، وسجن خمسين ألفاً من العلماء وأساتذة الجامعات و*** ربع مليون مسلم هندي هاجروا من الهند إلى باكستان قبل الحرب. وسلب الجيش الهندي ما قيمته (30) مليار روبية من باكستان الشرقية التي سقطت من أموال الناس والدولة.
جذور صليبية
يبنى الغرب علاقاته مع المسلمين على أساس أن الحروب الصليبية لا تزال مستمرة: يقول أيوجين روستو الذي كان - سابقاً - رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس الأسبق جونسون لشؤون الشرق الأوسط:
"يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية.. لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة، بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي.. إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها".
إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل، هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمراراً للحروب الصليبية.
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/kaid-aada2.jpg
ويقول باترسون سمث في كتابه (حياة المسيح الشعبية) باءت الحروب الصليبية بالفشل، لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك، حينما بعثت انكلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة، إن حملة اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة، والأخيرة.
لذلك نشرت الصحف البريطانية صور اللنبى وكتبت تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما فتح القدس: "اليوم انتهت الحروب الصليبية".
ونشرت هذه الصحف خبراً آخر يبين أن هذا الموقف ليس موقف اللنبى وحده بل موقف السياسة الإنكليزية كلها، قالت الصحف: هنأ لويد جورج وزير الخارجية البريطاني الجنرال اللنبى في البرلمان البريطاني؛ لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية، التي سماها لويد جورج الحرب الصليبية الثامنة.
والجنرال الفرنسي غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي، وركله بقدمه وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في مراكش، أجابهم: "إنها معركة بين الهلال والصليب".
وقال راندولف تشرشل بعد سقوط القدس عام 1967م: "لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود. إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها إلى القدس اليهودية، ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود".
وعندما دخلت قوات إسرائيل القدس عام 1967 تجمهر الجنود حول حائط المبكى، وأخذوا يهتفون مع موشى دايان: "هذا يوم بيوم خيبر... يا لثارات خيبر".
وتابعوا هتافهم: "حطوا المشمش عالتفاح، دين محمد ولى وراح".
وهتفوا أيضاً: "محمد مات.. خلف بنات".
واستغلت إسرائيل صليبية الغرب فخرج أعوانها بمظاهرات قبل حرب 1967م تحمل لافتات في باريس، سار تحت هذه اللافتات الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وكتبت على هذه اللافتات، وعلى جميع صناديق التبرعات لإسرائيل جملة واحدة من كلمتين: "قاتلوا المسلمين".
فالتهب الحماس الصليبي الغربي، وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط.. كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدات كتبت عليها "هزيمة الهلال". بيعت بالملايين لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الأوروبية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين.
الجدار الصلب
نتساءل هنا: هل يشن الغرب حرباً صليبيةً على العالم الإسلامي استجابةً لظروف تاريخية التحم فيها الإسلام مع المسيحية، وانتزع من المسيحية أممها وعواصمها؟.
أم أن هناك عوامل أخرى تدفع الغرب إلى شن حروبه الصليبية ضد عالم الإسلام؟.
يبدو من تصريحات قادة الغرب أنهم يشنون الحرب على الإسلام لعوامل أخرى.. إنهم يرونه الجدار الصلب الذي يقف في وجه سيطرتهم على العالم واستغلالهم له.. فهم يرونه الجدار الوحيد أمام الاستعمار.
يقول لورنس براون: "إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي".
ويقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقاً: ويقول غلادستون: "ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين، فلن تستطع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان".
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: "إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ون***ع اللسان العربي من ألسنتهم".
ويرون أنه الجدار الذي يحول دون انتشار المسيحية وتمكن الاستعمار من العالم الإسلامي:
يقول أحد المبشرين: "إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سداً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية".
ويقول أشعياء بومان في مقالة نشرها في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: "لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً".
ويرون أن الإسلام هو الخطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل:
يقول بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد".
وحدّث ضابط عربي كبير وقع أسيراً في أيدي اليهود عام 1948م أن قائد الجيش اليهودي دعاه إلى مكتبه قبيل إطلاق سراحه، وتلطف معه في الحديث.
سأله الضابط المصري: هل أستطيع أن أسأل: لماذا لم تهاجموا قرية صور باهر؟. وصور باهر قرية قريبة من القدس.
أطرق القائد الإسرائيلي إطراقة طويلة، ثم قال: أجيبك بصراحة، إننا لم نهاجم صور باهر؛ لأن فيها قوة كبيرة من المتطوعين المسلمين المتعصبين.
دهش الضابط المصري، وسأل فوراً: وماذا في ذلك، لقد هجمتم على مواقع أخرى فيها قوات أكثر.. وفي ظروف أصعب؟!.
أجابه القائد الإٍسرائيلي: إن ما تقوله صحيح، لكننا وجدنا أن هؤلاء المتطوعين من المسلمين المتعصبين يختلفون عن غيرهم من المقاتلين النظاميين، يختلفون تماماً، فالقتال عندهم ليس وظيفة يمارسونها وفق الأوامر الصادرة إليهم، بل هو هواية يندفعون إليها بحماس وشغف جنوني، وهم في ذلك يشبهون جنودنا الذين يقاتلون عن عقيدة راسخة لحماية إسرائيل.
ولكن هناك فارقاً عظيماً بين جنودنا وهؤلاء المتطوعين المسلمين، إن جنودنا يقاتلون لتأسيس وطن يعيشون فيه، أما الجنود المتطوعون من المسلمين فهم يقاتلون ليموتوا، إنهم يطلبون الموت بشغف أقرب إلى الجنون، ويندفعون إليه كأنهم الشياطين، إن الهجوم على أمثال هؤلاء مخاطرة كبيرة، يشبه الهجوم على غابة مملوءة بالوحوش، ونحن لا نحب مثل هذه المغامرة المخيفة، ثم إن الهجوم عليهم قد يثير علينا المناطق الأخرى فيعملون مثل عملهم، فيفسدوا علينا كل شيء، ويتحقق لهم ما يريدون.
دهش الضابط المصري لإجابة القائد الإسرائيلي، لكنه تابع سؤاله ليعرف منه السبب الحقيقي الذي يخيف اليهود من هؤلاء المتطوعين المسلمين.
قال له: قل لي برأيك الصريح، ما الذي أصاب هؤلاء حتى أحبوا الموت، وتحولوا إلى قوة ماردة تتحدى كل شيءٍ معقول؟!. أجابه الإسرائيلي بعفوية: إنه الدين الإسلامي يا سيادة الضابط، ثم تلعثم، وحاول أن يخفى إجابته، فقال:
إن هؤلاء لم تتح لهم الفرصة كما أتيحت لك، كي يدرسوا الأمور دراسة واعية تفتح عيونهم على حقائق الحياة، وتحررهم من الخرافة وشعوذات المتاجرين بالدين، إنهم لا يزالون ضحايا تعساء لوعد الإسلام لهم بالجنة التي تنتظرهم بعد الموت.
وتابع مسترسلاً: إن هؤلاء المتعصبين من المسلمين هم عقدة العقد في طريق السلام الذي يجب أن نتعاون عليه وهم الخطر الكبير على كل جهد يبذل لإقامة علاقات سليمة واعية بيننا وبينكم.
وتابع مستدركاً، وكأنه يستفز الضابط المصري ضد هؤلاء المسلمين: تصور يا سيدي أن خطر هؤلاء ليس مقتصراً علينا وحدنا، بل هو خطر عليكم أنتم أيضاً. إذ إن أوضاع بلادكم لن تستقر حتى يزول هؤلاء، وتنقطع صرخاتهم المنادية بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله، هذا المنطق الذي يخالف رقي القرن العشرين، قرن العلم وهيئة الأمم والرأي العام العالمي، وحقوق الإنسان.
واختتم القائد الإسرائيلي حديثه بقوله: يا سيادة الضابط، أنا سعيد بلقائك، وسعيد بهذا الحديث الصريح معك، وأتمنى أن نلتقي لقاءً قادماً، لنتعاون في جو أخوي لا يعكره علينا المتعصبون من المسلمين المهووسين بالجهاد وحب الاستشهاد في سبيل الله.
ويرون أن بقاء إسرائيل مرهون بإزالة المتمسكين بالإسلام:
يقول الكاتب الصهيوني (إيرل بوغر) في كتابه (العهد والسيف) الذي صدر عام 1965م ما نصه: "إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معها، ولكي يصبح هذا التعاون ممكناً فيجب القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي، وهي عناصر رجعية تتمثل في رجال الدين والمشايخ".
ويقول إسحاق رابين - غداة فوز جيمي كارتر برئاسة الولايات المتحدة -: "إن مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع، وليس مستعداً لمواجهة الحول، وإن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يترك الإسلام سيفه".
http://www.awda-dawa.com/UserFiles/Image/kaid-aada3.jpg
ويقول لورانسبراون: "كان قادتنا يخوفننا بشعوب مختلفة، لكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف. كانوا يخوفنا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني الأصفر، والخطر البلشفي. لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيون حلفاؤنا، أما اليابانيون، فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم. لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة".
ويقول المستشرق غاردنر: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا".
ويقول هانوتر وزير خارجية فرنسا سابقاً: "لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر".
ويقول البر مشادر: "من يدري؟! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء، لغزو العالم مرة ثانية، وفي الوقت المناسب".
ويتابع: "لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة.. ولن تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها.
إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ، ها أنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها".
ويقول أشعيا بومان في مقال نشره في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام، لهذا الخوف أسباب، منها أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عددياً، بل إن أتباعه يزدادون باستمرار، من أسباب الخوف أن هذا الدين من أركانه الجهاد.
ويقول أنطوني ناتنج في كتابه (العرب): "منذ أن جمع محمد أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي، وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإن على العالم الغربي أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة، وصلبة تواجهنا عبر المتوسط".
وصرح سالازار في مؤتمر صحفي قائلاً: "إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يُحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم".
فلما سأله أحد الصحفيين: لكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم ونزاعاتهم، أجابه: "أخشى أن يخرج منهم من يوجه خلافهم إلينا".
ويقول مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: "ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم. ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ. وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلمة، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة. إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبةً يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن، وحرية أوفر.. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني؛ حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف، بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي، وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم.
ويقول مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي المعاصر): "إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. يجب محاربة الإسلام، للحيلولة دون وحدة العرب، التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره. إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الأفريقية".
ولهذا حرص على تشويه العرب في وغرس صور باطلة عنهم في عقول الأوروبيين.. وبناءً على دراسة قامت بها مارلين نصر عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، الصادرة عن (مركز دراسات الوحدة العربية عام 1995م)، نجد أن المناهج التربوية الفرنسية تقدم العرب والمسلمين باعتبارهم المتمردين والنهّابين والمخربين والسفاحين، ولا تأتي على ذكر أية صفة من صفاتهم الإيجابية المعروفة.
وفي الأدب الفرنسي مثلاً تظهر صفات العرب في العصور الوسطى باعتبارهم كفاراً وأعداءً وخونةً وغزاة، وفي الأدب الاستشراقي نجدهم يسرقون التجار، وكثيراً ما ي***ونهم، وهم في الأدب المعاصر أذلاء خائفون ومتّهمون بالتأخر.
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا: "رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر لا يزال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم؛ لأن همتهم لم تخمد بعد".
وبعد استقلال الجزائر ألقى أحد كبار المستشرقين محاضرة في مدريد عنوانها (لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر).
أجاب على هذا السؤال بشرح مستفيض ملخصه:
إننا لم نكن نسخر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الجزائر أو صحاريها.. أو زيتونها..
إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه زحف إسلامي محتمل يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط، ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتيه جديدة ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الواهنة، ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة.. من أجل ذلك كنا نحارب في الجزائر.
وفي أول نوفمبر من عام 1974م ذكرت إذاعة لندن زيارة وزير خارجية فرنسا سوفانيارك لإسرائيل واجتماعه بقياداتها، بعد أن اجتمع في بيروت برئيس منظمة التحرير الفلسطينية. ما جرى في آخر اجتماع عقد بين القادة الإسرائيليين وسوفانيارك، وانتقاداتهم للسياسة الفرنسية؛ لأنها تقف إلى جانب العرب ضد إسرائيل، وتؤيد الفلسطينيين، وهاجموا سوفانيارك شخصياً؛ لأنه اجتمع بياسر عرفات. عندها غضب وزير الخارجية الفرنسية وصرخ في وجوههم: إما أن تعترفوا بمنظمة التحرير، أو أن يعلن العرب كلهم عليكم الجهاد.
والعجب أن إذاعة لندن لم تعد إلى إذاعة هذا الخبر مرة أخرى، كما أن جميع إذاعات العرب لم تذكره.
ففرنسا حين تتحرك إلى جانب العرب لا تتحرك إلا خوفاً من أن يثير عداء العالم الغربي للعرب روح الجهاد في المسلمين، فيعلنوه ويشنوا حرباً على الحضارة الغربية تؤدي إلى دمار الغرب ويقظة المسلمين، وهذا وحده كاف أن يدفع فرنسا إلى مهادنتهم ودعوة الآخرين لمهادنتهم.
وقالت إذاعة لندن صباح 10/4/1976م بمناسبة افتتاح مهرجان العالم الإسلامي في لندن:"إن الشعور العام السائد في الغرب أن المسيحية إذا لم تغير موقفها من الإسلام بحيث تتعاون معه للقضاء على الشر في العالم، لا أن تعتبر الإسلام مصدراً من مصادر الشر، إن لم تفعل ذلك فإن المستقبل لا يؤذن بخير بالنسبة للمسيحية والعالم".
تدمير وتشتيت
يقول المستشرق غاردنر: "إن الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ القدس، إنها كانت لتدمير الإسلام".
وكان نشيد جيوش الاستعمار يقول: أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة.. لأحارب الديانة الإسلامية.. ولأمحو القرآن بكل قوتي.
ويقول فيليب فونداسي: "إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسة عدائية للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره".
ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه (باثولوجيا الإسلام): "إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، بل هو مرض مريع، وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه من الخمول والكسل إلا ليدفعه إلى سفك الدماء، والإدمان على معاقرة الخمور، وارتكاب جميع القبائح. وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين، فيأتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى ما لا نهاية، ويعتادون على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة، ككراهة لحم الخنزير، والخمر والموسيقي. إن الإسلام كله قائم على القسوة والفجور في اللذات.
ويتابع هذا المستشرق: اعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر.
ويبدو أن قائد الجيوش الإنكليزية في حملة السودان قد طبق هذه الوصية، فهجم على قبر المهدي الذي سبق له أن حرر السودان و*** القائد الإنكليزي غوردون، هجم القائد الإنكليزي على قبر المهدي، ونبشه، ثم قطع رأسه وأرسله إلى عاهر إنكليزي وطلب إليه أن يجعله مطفأة لسجائره.
وصرَّح الكاردينال بور - كاردينال برلين - لمجلة تابلت الانكليزية الكاثوليكية يوم سقوط القدس عام 1967 بعد أن رعى صلاة المسيحيين مع اليهود في كنيس يهودي لأول مرة في تاريخ المسيحية، وقال: إن المسيحيين لا بد لهم من التعاون مع اليهود للقضاء على الإسلام وتخليص الأرض المقدسة".
وقال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة - في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس-: "إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة، باتباع ما يلي:
- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.
- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً، انطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب.
من وسائل تدمير الإسلام
- القضاء على الحكم الإسلامي:
بإنهاء الخلافة الإسلامية المتمثلة بالدولة العثمانية، التي كانت رغم بعد حكمها عن روح الإسلام، إلا أن الأعداء كانوا يخشون أن تتحول هذه الخلافة من خلافة شكلية إلى خلافة حقيقية تهددهم بالخطر.
كانت فرصتهم الذهبية التي مهدوا لها طوال قرن ونصف هي سقوط تركيا مع حليفتها ألمانيا خاسرة في الحرب العالمية الأولى.
دخلت الجيوش الإنكليزية واليونانية، والإيطالية، والفرنسية أراضي الدولة العثمانية، وسيطرت على جميع أراضيها، ومنها العاصمة استانبول.
ولما ابتدأت مفاوضات مؤتمر لوزان لعقد صلح بين المتحاربين اشترطت إنكلترا على تركيا أنها لن تنسحب من أراضيها إلا بعد تنفيذ الشروط التالية:
أ- إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
ب- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة.
ج- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
د- أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام.
فنفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة، فانسحبت الدول المحتلة من تركيا.
ولما وقف كرزون - وزير خارجية - إنكلترا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا، احتج بعض النواب الإنكليز ب*** على كرزون، واستغربوا كيف اعترفت إنكلترا باستقلال تركيا، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب.
فأجاب كرزون: "لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة".
- القضاء على القرآن:
لأنهم كما سبق أن قلنا يعتبرون القرآن هو المصدر الأساسي لقوة المسلمين، وبقاؤه بين أيديهم حياً يؤدي إلى عودتهم إلى قوتهم وحضارتهم.
وقد شملت الحرب على القرآن جانبين: الأول تشويهه وإثارة الشبهات حوله، والثاني عزل وإبعاد المسلمين عن كتاب الله. ووسائل التشويه كثيرة، ولكن نذكر وسيلة واحدة، وهي اختلاف القراءات، وكأنهم بذلك يريدون أن يثيروا الشبهات حول القرآن الكريم ليجعلوه في نظر المسلمين وغيرهم كالتوراة والإنجيل المحرفتين.
وقد أشار أنور محمود زناتي إلى أن المستشرقين تكلموا كثيراً في موضوع القراءات بالأحرف السبعة محاولين إثبات أن القراءة كانت حرة طليقة، الأمر الذي جعل تعرض القرآن للتغيير أمراً لا مفر منه. وهم بذلك يوهمون بأن التدوين وقع في جو هذه الحرية، وفي هذا الجو تم تسجيل قراءات مختلفة. وهذه القراءات التي نجمت عن ذلك لم تكن هي الصورة التي ورد بها الوحي أساساً. ونتيجة ذلك كله هي القول بحدوث تغيير في النص القرآني.
وقد روّج بعض المستشرقين لفكرة (القراءة بالمعنى)؛ مما يعطي للمزاعم السابقة سنداً تعتمد عليه.
ثم نقل رداً للدكتور ساسي على هذا التشويه، حيث قال:
إن المراد بالأحرف السبعة هي الأوجه السبعة من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل، وتعالى، وهم. والسبب في ذلك التوسعة على المسلمين في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغتهم، حالة كونهم أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة إلا القليل من أبنائها، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ من اتفاق المعنى.
أيضاً ويراد أنها سبع لغات في القرآن على لغات العرب كلها، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن..
وقد يراد بالأحرف السبعة - التي تعنى اللغات السبع – أنها تكون في لغة مضر؛ لأن الخليفة عثمان احتج بها عند جمع القرآن، فقال: "نزل القرآن بلغة مضر"، والمقصود بلغة مضر: كنانة، وأسد، وهذيل، وتيم، وضبة، وقيس.
وقد يراد بالأحرف السبعة وجوه الاختلاف في القراءة، وقد يراد بها معاني كتاب الله تعالى، وهى: أمر، ونهى، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. ورفض معظم المفسرين كابن عطية هذا التعليل؛ لأن هذا لا يسمى أحرفاً، ولأن الإجماع قد انعقد على التوسعة على الأمة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغير شيء من المعاني.
والواقع الذي عليه المسلمون منذ أربعة عشرة قرناً هو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحي القرآني لفظاً ومعنى، ولا يوجد مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأي لفظ شاء ما دام يحافظ على المعنى. وليبحث المستشرقون اليوم في أي مكان في العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك وسيعييهم البحث، فلماذا إذن هذا التشكيك في صحة النص القرآني وهم يعلمون مدى حرص المسلمين في السابق واللاحق على تقديس نص القرآن لفظاً ومعنى؟.
إنهم يبحثون دائماً عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح ولا من الواقع. فنحن المسلمين قد تلقينا القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بدوره تلقاه وحياً من الله. ولم يحدث أن أصاب هذا القرآن أي تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل، وهذه ميزة فريدة انفرد بها القرآن وحده من بين الكتب السماوية كافة؛ الأمر الذي يحمل في طياته صحة هذا الدين الذي ختم الله سائر الديانات السماوية.
ومن بين الشبهات المثارة حول القرآن ما يردده المفكر بلاشير من أن فكرة تدوين الوحي لم تنشأ إلا بعد إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأن التدوين كان جزئياً وناتجاً عن جهود فردية ومثاراً للاختلاف.
فالثابت أن فكرة تدوين الوحي كانت قائمة منذ نزوله، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه. وقد بلغ عدد كتاب الوحي كما يذكر الثقات من العلماء تسعة وعشرون كاتباً، أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
يقول المبشر وليم جيفورد بالكراف: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه.
ويقول المبشر تاكلي: يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضى عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً.
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم.. ون***ع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم.
وقد أثار هذا المعنى حادثةً طريفةً جرت في فرنسا، وهي أنه من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر قامت بتجربة عملية، قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، وألبستهن الثياب الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماماً.
وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دُعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون.. ولما ابتدأت الحفلة، فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري.
فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً؟َ!.
أجاب لاكوست، وزير المستعمرات الفرنسى: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟.
- تدمير أخلاق المسلمين وصلتهم بالله:
يقول مرماديوك باكتول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً. بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم.
ويقول صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين المنعقد عام 1935م: إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها؛ ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له، ألّا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها. أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات.. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات، أيها المبشرون: إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه.
ويقول صموئيل زويمر نفسه في كتاب (الغارة على العالم الإسلامي): إن للتبشير بالنسبة للحضارة الغربية مزيتان، مزية هدم، ومزية بناء، أما الهدم فنعني به انتزاع المسلم من دينه، ولو بدفعه إلى الإلحاد، وأما البناء فنعني به تنصير المسلم إن أمكن ليقف مع الحضارة الغربية ضد قومه.
ويقولون: إن أهم الأساليب للوصول إلى تدمير أخلاق المسلم وشخصيته يمكن أن يتم بنشر التعليم العلماني.
ويقول المبشر تكلي: يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية.
ويقول زويمر: مادام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، هذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب.
ويقول جب: لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محددة، وقد تم معظم هذا التطور تدريجياً عن غير وعي وانتباه، وقد مضى هذا التطور الآن إلى مدى بعيد، ولم يعد من الممكن الرجوع فيه، لكن نجاح هذا التطور يتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، وعلى الشباب منهم خاصة. كل ذلك كان نتيجة النشاط التعليمي والثقافي العلماني.
الإعلام وسيلة التدمير الأولى
تعد وسائل الإعلام وعلى رأسها القنوات الفضائية المساهم الأكبر في نشر الجرائم والرذائل بين المسلمين.
ويوضح الشيخ محمد المنجد أن أعداء الإسلام اكتشفوا "أهمية ذلك قبلنا بكثير، وسبقوا في هذا المجال، وبالتالي نحن صرنا مستهلكين، نستهلك زبالاتهم التي يذيعونها علينا، فهم يخططون ويمكرون ويدبرون، وينتجون بهذه المؤامرات.
وهذا التدبير كل الأشياء المملوءة بالسموم والمملوءة بالترهات وسفاسف الأمور، والأشياء المنافية للأخلاق والآداب والمنافية للعقائد، وفيها تلميع شخصيات الكفار وإبراز معبودات الكفار وشعارات الكفار، والأشياء المنافية للأخلاق، كالاختلاط بين ال***ين، والرقص والملابس القصيرة، والحب والغرام، والمشاهد التي بين الذكران والإناث ونحو ذلك، وأطفالنا يرون ويتأثرون ويتلقون، ويتشبعون بهذه الأشياء من حيث لا ينتبه الأب، تظن الأم أنها إذا فتحت الشاشة للولد ارتاحت في البيت، وفعلاً تجد الولد يسكت، لكن ما درت أنها الآن تعطيه سماً، صحيح أنه سكت وما سبب لها إزعاجاً في البيت، لكنها تساهم في تدمير عقيدته وأخلاقه..".
وكما يقول الشيخ سامي الحمود فلقد تفننت القنوات الفضائية في إغواء المشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المتطور في صوته وصورته، المنحطّ في هدفه وفكرته إلا ما رحم الله.
والمصيبة أن المشاهد الكريم يتلقى هذا الإسفاف والهدم للدين والخلق بكل رحابة صدر، ولربما تمايلوا نشوة وطرباً وضحكاً وفرحاً بهذه المشاهد.
وذكر الدكتور عبد الله بن محمد الطيار والشيخ أبو سليمان سامي سليمان المبارك أن علماء النفس والاجتماع أكدوا أن هناك علاقة ارتباط بين ازدياد جرائم ال*** والرذيلة وازدياد البرامج المليئة بالسلوك الإجرامي والسلوك اللاأخلاقي.
فما يعرض عبر الشاشة المرئية (التلفاز) أو (السينما) من مناظر مثيرة للغرائز ومحركة لكوامنها أسهم في جريمة الفاحشة، لاسيما أفلام الحب والغرام والخلاعة والمجون؛ وكان ضحية هذه المشاهد المخزية أكثرهم من الشباب والفتيات.
وقد اشتهرت عن أحد أقطاب المستعمرين مقولة: "كأس وغانية يفعلان في الأمة المحمدية ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع".
الكأس والغانية تكفلت بهما القنوات الفضائية الهابطة؛ حيث جمعت بين الاثنين، وحرصت على إثبات التلازم بينهما، لدرجة أنه لا يُتصور أن تكون هناك غانية بدون كأس خمر.
مع العلم أن الخمر والغانية هما وسائل تدمير حياة الإنسان؛ حيث يصبح أسيراً لهاتين المصيبتين التي أصبحتا مسيطرتين على عقله وغرائزه.. وبالتالي تنعدم فائدة هذا الشخص: فلا خير فيه لأهله ولا مجتمعه ولا لأمته ولا لدينه؛ لأنه فقد الصلة بالله تعالى.
وحقاً من أطلق تلك العبارة السابقة كان يدرك تماماً أن في كأس الخمر والغانيات تجتمع كل جوانب تدمير شخصية الإنسان دينياً ودنيوياً.
إضافة إلى أنهما أسرع تأثيراً وأشد تدميراً وأكثر قبولاً لدى أصحاب النفوس الضعيفة.. أما الوسائل العسكرية فتدميرها يقتصر على الجانب المادي، كتدمير البلاد و*** الناس و إصابتهم بالعاهات.. أما الأخلاق فلا سبيل إلى تدميرها عن طريق الآلة العسكرية، بل ربما قد تدفع بالمسلم إلى زيادة التمسك بدينه والارتباط بربه.
إضافة إلى أن الوسائل العسكرية تجعل المعتدى عليه أكثر بعداً وكرهاً وغضباً من المعتدي، أما الخمر والغانية فتجعله أكثر قرباً من الجهة التي وفرتهما وأشد تعلقاً بها وحاجة إليها ورغبة في ما عندها، والنتيجة الطبيعية تحوله إلى ألعوبة بيد تلك الجهة تسيره وتسخره لخدمتها.
- القضاء على وحدة المسلمين:
يقول القس سيمون: إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد التملص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية.
ويقول المبشر لورنس براون: إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير.
ويكمل حديثه: يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير.
ويقول أرنولد توينبى في كتابه (الإسلام والغرب والمستقبل): إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ.
وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انحل رباط تونس الشديد بالبلاد الإسلامية، وتفلتت روابطه مع مكة، ومع ماضيه الإسلامي، حين فرض عليه الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية.
وفي سنة 1907م عقد مؤتمر أوروبى كبير، ضم أضخم نخبة من المفكرين والسياسيين الأوروبيين برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال في خطاب الافتتاح: "إن الحضارة الأوروبية مهددة بالانحلال والفناء، والواجب يقضى علينا أن نبحث في هذا المؤتمر عن وسيلة فعالة تحول دون انهيار حضارتنا".
واستمر المؤتمر شهراً من الدراسة والنقاش. واستعرض المؤتمرون الأخطار الخارجية التي يمكن أن تقضى على الحضارة الغربية الآفلة، فوجدوا أن المسلمين هم أعظم خطر يهدد أوروبا.
فقرر المؤتمرون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لمنع إيجاد أي اتحاد أو اتفاق بين دول الشرق الأوسط؛ لأن الشرق الأوسط المسلم المتحد يشكل الخطر الوحيد على مستقبل أوروبا.
وأخيراً قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والمسلمين شرقي قناة السويس، ليبقى العرب متفرقين.
وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية التي كانت تدعو إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
- إبقاء العرب ضعفاء:
يعتقد الغربيون أن العرب هم مفتاح الأمة الإسلامية، يقول مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي): لقد ثبت تاريخياً أن قوة العرب تعني قوة الإسلام فليدمر العرب ليدمروا بتدميرهم الإسلام.
- إنشاء ديكتاتوريات في العالم الإسلامي:
يقول المستشرق و. ك. سميث الأمريكي، والخبير بشؤون باكستان:
إذا أعطى المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها.
وينصح رئيس تحرير مجلة (تايم) في كتابه (سفر آسيا) الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره. لكنهم لا ينسوا أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حتى لا تتفجر.
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا:
إن الخطر لا يزال موجوداً في أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم، لكنها لم تثبط من عزائهم.
- أبقاء المسلمين مستهلكين لسلع الغرب:
يقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي.
ويتابع: فلنعط هذا العالم ما يشاء، ولنقو في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني، فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة، وتحرر العملاق من عقدة عجزه الفني والصناعي، أصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة، خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وينتهي معه دوره القيادي في العالم.
- سعيهم المستمر لإبعاد القادة المسلمين الأقوياء عن استلام الحكم في دول العالم الإسلامي حتى لا ينهضوا بالإسلام:
يقول المستشرق البريطاني مونتجومري وات - في جريدة (التايمز) اللندنية - في مارس من عام 1968م: إذا وجد القائد المناسب، الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى.
ويقول جب: إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بصورة مذهلة، تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا وجود الزعامة، لا ينقصها إلا ظهور صلاح الدين جديد.
وقد سبق قول بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد".
- إفساد المرأة المسلمة:
تقول المبشرة آن ميليغان: لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن باشاوات وبكوات، ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وبالتالي ليس هناك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة.
يعنون بذلك أنهم بإخراج المرأة المسلمة من دينها يخرج الجيل الذي تربيه ويخرج معها زوجها وأخوها أيضاً وتصبح أداة تدمير قوية لجميع قيم المجتمع الإسلامي الذي يحاولون تدميره وإلغاء دوره الحضاري من العالم.
الخلاصة
منذ أكثر من مائة عام ونحن على هذه الحالة، فكلما زدنا ارتباطاً بالغرب زدنا بعدناً، وكلما زدنا تصفيقاً زدنا غفلة عما يحاك ضدنا.. وكلما زدنا إعجاباً بالغرب زدنا غفوة وركوناً واتكالاً عليه، واحتكاماً إليه.
سذاجتنا مصحوبة بجهل في ديننا وضعف في حالنا وذل في واقعنا.. إلى جانب مكائد أعدائنا.
وما سبق ذكره ليس إلا قطرة في بحر هائج متلاطم الأمواج.. وأكثر تلك المكائد موجودة على أرض الواقع، وتمارس على مرأى ومسمع من المسلمين شاؤوا أم أبوا.
ومواجهة ذلك ليست خافية على كل غيور على دينه وأمته، مع التذكير بأن أهم وسائل مقاومة تلك المكائد ودحرها تتمثل أولاً بإصلاح علاقة النفس مع خالقها ودينها الإسلامي بتطهيرها من درن المعاصي والذنوب. ثم إصلاح المجتمع المسلم وربطه بدينه على المنهج الصحيح. بحيث تصبح التهديدات والمكائد التي تنشط ضد الإسلام ضعيفة التأثير؛ لأن من أهم عوامل نجاح كيد العدو هو ضعفنا نحن قبل كل شيء، مما يجعل عمله أكثر سهولة وأسرع تأثيراً.
صحيح أن الله قد تكفل بحفظ كتابه الكريم }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{ [الحجر: 9]، وقال: }إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{ [هود: 49]، وصحيح أن الإسلام سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، لكن على يد من، ومن سيقوم بهذه المهمة؟.
بالتأكيد على يد قوم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ورسوله.. وليس على يد قوم ارتموا في أحضان أعدائهم رغبة ورهبة.
وفي كل الأحوال سيكون المسلمون مسؤولون أمام الله عن دينهم ودنياهم. وكل مسلم يقع فريسة لمكائد العدو فإنه مسوؤل عن نفسه، كما أن الأمة مسؤولة عنه أيضاً.
ــــــــــــ
المصادر
- (لماذا يكرهونه؟.. الأصول الفكرية لموقف الغرب من نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم)، د. باسم خفاجي - المركز العربي للدراسات الإنسانية.
- (قادة الغرب يقولون: دمّروا الإسلام أبيدوا أهله)، جلال العالم.
- (معجم افتراءات الغرب على الإسلام)، أنور محمود زناتي.
- (إلى العابثين بالأعراض)، د. عبد الله بن محمد الطيار، وأبو سليمان سامي سليمان المبارك.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم