مشاهدة النسخة كاملة : مهندسو الواقع: هل يحلمون؟!


ابو وليد البحيرى
15-05-2015, 11:37 AM
مهندسو الواقع: هل يحلمون؟!

هنادي الشيخ نجيب


يقال: إن الناس معادن: بعضهم يتمدَّد بالأمل، وبعضهم ينكمِش بالألم، وآخرون يَصدَؤون بالمَلل.

والأمل عندنا هو الحُلم والاستدراجُ النفسي لما يريحنا من ظروفٍ، وقد يترجَم أحيانًا على شكل استدرارِ اللُّطف والعطف من مُحيطٍ يعجُّ بالمآسي، واسترحام واقعٍ لا يلد إلا كلَّ قاسٍ وعنيف، وبسبب الألم الناتج عن ولادة قيصريَّة كل يوم؛ انكمش كثيرون والتصقوا بأسرَّة العجز، ومع تكرار نفس الظروف على ذات النسَق؛ بدأ الصَّدأُ يتسلل إلى آخرين على شكل مَلَل!

كلُّ ذلك يطرح على بساط التفكير قضيةً مهمَّة: علاقة الأحلام بالواقع.

فمِن الناس من يعيش الحلمَ ويَعظم عنده الرجاءُ، ثم في لحظةِ حقيقة يُصدَم بجَلطةٍ واقعية تسدُّ شريان الأملِ وتشلُّ جهازه، فيرقد المصابُ متأسفًا على حاله، متَّهِمًا واقعه، متحسِّرًا على كل دقيقةِ أملٍ لا أملَ لها في البقاء!

والحديث عن العلاقةِ بين الحلم والواقع مغامرةٌ صعبة، ومراوحةٌ دقيقة بين الموجود والمنشود، إنَّها الرحلةُ اليومية وعلى مدار الساعة بين ما نريد وما يُراد لنا أو بنا.

إنَّ الأحلام هي تلك الاحتمالات الخالية من الألم، المملوءة بالأمل، المفعمَة بالأحاسيس النبيلة والتوقُّعات الجميلة.

أمَّا الواقعُ، فهو مجموعةُ قوانين ونواميس، وأسبابٌ وأقدار، إنه سلسلةٌ من المتغيرات والمفاجآت، التي قد لا نتوقَّع حدوثها، ولا حتى في أحلامنا!

لكن قبل أن نغوصَ في بحرِ الأحلام، نريد أن نتعرَّف على موقعنا الآن؛ فمن لا يعرف أين هو اليوم، لن يصلَ إلى ما يريده غدًا، وخطوةُ البداية هذه يختصرها موقفٌ حدث تحت عنوان: "فيلسوف الأحلام، ومهندس الواقع": قام فيلسوف ومهندس برحلة تخييميَّة في الغابة، وبعد أن وصلوا إلى بقعةٍ جميلة، أعدُّوا خيمتَهم، وتناولوا عشاءَهم، وجلسوا يتسامرون في تلك الأجواء الساكنة، ثم استلقوا تظلِّلهم خيمتُهم، واستسلموا لنومٍ هانئ، بعد منتصف الليل، أيقظ المهندسُ صديقَه الفيلسوف، وقال له: "انظر يا صديقي إلى الأعلى نحو السماء، وقل لي: ماذا ترى؟"، فتح الفيلسوف عينيه، ركَّز بصرَه، ثم أجاب: "أرى النجومَ".

استفهمه المهندسُ محرِّضًا إيَّاه على التفكير قائلاً: "وماذا تستنتج من ذلك؟"، استجمع الفيلسوف أفكارَه، شرد بعيدًا، وراح يعبِّر كمن يصف حلمًا: "فلكيًّا: فإنَّ ذلك يدلُّ على وجود مئات بل ملايين الكواكب والمجرَّات، وفيما يتعلق بالوقت: فأعتقد أنَّنا قبيل الثالثة فجرًا، أما الجو غدًا: فأظنُّه سيكون صحوًا وصافيًا، ثم أخيرًا: انظر يا أخي إلى قدرةِ الله تعالى التي تتجلَّى في صُنع السماء؛ كم نحن ضعفاء يا صديقي إذا ما قارنَّا أنفسنا بهذا الكون البديع! لكن قل لي أنتَ: على ماذا يدلُّك هذا المنظر؟"

مدَّ المهندسُ كفَّيه وأمسك بوجهِ صديقه الحالم وأداره يمنةً ويسرة قائلاً: "أما عمليًّا: فإن هناك مَن سرق خيمتنا من فوقِ رأسنا، وتركَنا في العراء يا فيلسوف!".

يقول أحد الكتَّاب: "الحلم أشرس من الواقع؛ فالواقعُ بادٍ لنا لأننا نعيشُه، أما الحلم، فهو صنيعتنا: نضع فيه ما نتمنَّى من تفاصيل وأحداث ورؤًى، نرسم لوحاته الورديَّة، ونرفع سماءَه الزرقاء البهيَّة، ونعبِّد طرقاته غير المستوية، لتكون سهلةً ويسيرة ومستقيمةً طَوال الوقت، فيمتلكنا الحلم بسلاستِه وجمالِه، مع أنه أبعد ما يكون عن الواقعية!".

إن هذه الصور الممتعة والمشجعة - مع عدم واقعيَّتها - لتفرضُ علينا أن نبدأ رحلةَ التوازن في حياتنا، ومعرفة حدودِ كلٍّ من الحلم والواقع؛ حتى لا يقضي أحدُهما على الآخر.

نريد أن تعيش هذه الأحلام بداخلِنا، لا أن نعيش نحن بداخلِها؛ فالطريقةُ الأُولى: تقرِّبنا من الواقع، وتجعلنا على صلةٍ دائمة به، وتُصلح ما بيننا وبينه مِن خصومةٍ وعدم رضًا، أما الأسلوب الثاني: فهو بمثابة الحُكم بالسجن المؤبَّد على أنفسِنا خلف قضبان الحلم!

على أنَّ هذا التوازن لا يمنعنا من بعضِ الإثارة والتشويقِ في مطاردةِ أحلامِنا بشغفٍ وصبرٍ، بدل أن تطردنا الأحلامُ من ساحة الواقع.

وعلينا أن نسعى لتحيا آمالنا وتشوُّفاتنا، لا أن نخنقَ الحاضر بحبل الأمنيات، كما أن زيارةَ الأحلام مِن وقت لآخر لن تضرَّنا إذا ما تَحكَّمنا - ببالغ الوعي - في وقت الزيارة، وجلسنا نسامر رؤانا فيما يسمى بـ (أحلام اليقظة)، وهي حقًّا لها تأثيرٌ إيجابي على تعزيز الدوافع واقتناص الفُرَص.

أختم مقالتي بأبيات شعرية، أنشَدها حالمٌ يقظان، مفعمة كلماتها بال***وان، معبرة عن كلِّ أملٍ لن يضيع، طالما أن وراءه مُطالب له من وَاقعه شفيع:
كالحلمِ نراه بعيدَ الشطِّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وطال بزورقنا السَّفرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ونشدُّ الفجرَ بأعيننا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ونودِّعُ ليلاً يُحتَضَرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ونُمنِّي النفسَ بأنَّ لنا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في غدنا خَلَفًا ينتظرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وسنأبى أن يُغتال العُمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رُ حبيسًا تخنقه الجُدُرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




نعم، إنَّنا لنأبى أن نُهَنْدِسَ واقعنا، من غير أحلامٍ تدفعنا، برغم الألم الذي يوجعنا.

ياسرمحسب
20-05-2015, 08:04 PM
ر ااااااااااااااااااااااااااااااااااائعه