مشاهدة النسخة كاملة : أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين


ابو وليد البحيرى
20-05-2015, 08:19 PM
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين


د. أحمد مصطفى نصير





أشار القرآن الكريم إلى الطبيعة الخاصَّة والملازِمة للمرأة منذ أوَّل نشأتها، في عهد الطفولة حتَّى تبلغ وتصبح مسؤولة عن أسرة، إذ تظلُّ طبيعتُها كما هي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل: امرأة تنعم بالتَّرف والرفاهية تُغْريها الحلية والزينة، مهْما بلغت من العفَّة ومهما بلغتْ من التَّقوى لله - تعالى - بما يفوق الرِّجال، سوف تظلُّ المرأة كما هي تحبّ الزينة والحلية والترف والنَّعيم.









لماذا؟


لأنهن لسْنَ رجالاً؛ فالرجال أقْوياء أشدَّاء يقومون بالمهامِّ الصَّعبة، بيْنما المرْأة تلك القارورة الَّتي إذا حُمِّلت بما لا تطيق انكسرت؛ كما أشار لذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((رفقًا بالقوارير))[1]، فهل يُعْقَل أن يوضع في إناء زجاجي بعض الحديد؟! لا شك أنَّ الطَّبيعة الخاصَّة للمرأة تتلاءم مع وظيفتِها التي خلقها الله لها، وهو ما يطرح سؤالاً: لماذا خُلِقَت المرأة؟





يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، فلمَّا كان خلق آدم قد سبق خلق حوَّاء، وكان السَّبب في خلق آدم أن يكون خليفةً في هذا الكون، وسيِّدًا عليْه ليتولَّى مهمَّة التَّعمير في الأرْض، لا الإفساد الَّذي خشِيت الملائكة أن يقع فيه؛ لذا فإنَّ التَّساؤل الذي يثور هو: أين كان دوْر حوَّاء من هذه الخلافة في الفترة ما بين خلْق آدم حتَّى خلقِها؟ هذا التساؤُل يكشف لنا حقيقة أنَّ دور المرأة في تعمير هذا الكون لا يُمكن بأيِّ حال من الأحوال أن يستقلَّ عن الرَّجُل، فأينما وجدت المرأة لا بدَّ وأن يكون معها رجل، والعكس غير صحيح؛ فالرَّجل قد يستقلُّ بنفسِه في تعمير هذا الكوْن كما هو الحال عندما خلق آدم وقبل أن تخلق حواء.





فالله قادر على أن يجعل التَّناسُل والتَّكاثر بطريق الانقِسام الذاتي، كالأميبا مثلاً، أو بأيِّ طريق آخر، إلاَّ أن الرجل سوف يلقى من المشقَّة والتَّعب بدونِها ما لا يلْقاه وهي معه؛ يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].





بذلك تحدَّدت مهمَّة المرأة، ومن ثمَّ كانت المهمَّة الأولى لحوَّاء أن يسكن إليها آدم الزَّوج والأب والابن والأخ، ولها خلقت ومن أجلها تعيش، فإذا فهِمَت المرأة هذا الواجب المنوط بها سعِدَت في الدَّارين: الدنيا فتحقّق ذاتها وكيانَها، والآخرة حين تلقَى ربَّها.





فإسعاد حوَّاء (الزَّوجة والابنة والأخت والأمّ) لآدم (الزَّوج والابن والأخ والأب) هو أولى الأهداف التي يَجب على المرأة أن تسعى إليْها، ولا يتعارض معها أيُّ هدف آخر، فالهدف الاستراتيجي للمرأة في الحياة وغايتها من العيْش يَجب أن يكون إسْعاد آدَم بكلِّ الطُّرق المشروعة، من رعاية أمّ وحنان زوْجة، ونصيحة أخت وتفوّق ابنة، فدائِرة عمل المرْأة يَجب أن يكون في نطاق اجتماعي، عضو في أسرة، ثمَّ مسؤولة عن أسرة، ثمَّ عائلة، ولا تتعدَّى هذا الترتيب إلى سواه قبل أن تحقِّق النَّجاح في هذه الخطوات قبل كلّ شيء.





وبالتَّالي يمكن أن نقول: إنَّ المرأة لها دوْر أساسي في تعْمير هذا الكوْن إلاَّ أنَّ هذا الدَّوْر غير مباشر، فبالرَّغْم من أساسيَّة دوْرِها إلاَّ أنَّه غير ظاهر للجميع، فقد لا يُنْسَب النَّجاح لها بالرَّغم من أنَّ لها الفضل فيه، وينسب للرجل باعتبار أنَّ دوْرَه أكثر في الظهور من المرأة، إلاَّ أنَّ عدم ظهور دور المرأة وجلائه كالرَّجُل لا يقلِّل من شأنها، إنَّما المتأمّل ينسب لها الفضل، كذلك عندما يعلم أنَّ طبيعة دوْرِها تقتضي منها ذلك العمل بإتقان وإخلاص وتفانٍ بدون ظهور، تمامًا مثل دوْر الشَّمس والماء في نموّ الزَّرع، فالحصول على الماء قد يَجد من العناء والمشقة لتحقيقه الكثير، فكان الفضل لنمو الزرع يُنْسَب للَّذي رواه وسقاه بعد بذْرِه الحبَّ في الأرض، بيْنما للشَّمس دوْرٌ أساسي في عمليَّة البناء الضوئي، وتلك العمليَّة لا تبدو لنا جليَّة كما هو الحال في عمليَّة البذْر والرّيّ، لكن بدونِها لا يعيش النبات، فطبيعة دوْر المرأة في تعمير الكون تتلخَّص في قوْل النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما رواه أنسٌ - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله: ((المرأة إذا صلَّت خَمْسها، وصامت شهْرَها، وأحصنت فرْجَها، وأطاعت بعْلَها، فلتدخُل من أيِّ أبواب الجنَّة شاءت))؛ مشكاة المصابيح.





لكن إذا أُقْحِمت المرأةُ في مجالات ليْست من شأنِها، وخارجة عن طبيعتِها التي خُلِقَتْ من أجلها، فهل هذا يصحُّ؟ وما الذي يترتَّب على ذلك؟ بصرْف النَّظَر عن ذَيْنِك السُّؤالين فإنَّ الأهم منهما: ما المجال الذي لا يَجوز للمرأة أن تُقْحَم فيه؟ إذ يثور كثيرًا خلافٌ بين ولاة الأمور في تعْيين المرأة في مناصب رفيعة في الدَّولة، وبخاصَّة في مجال القضاء، فهل يَحقُّ للمرأة أو يَجوز لها أن تعمل قاضيًا؟





يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 16 - 18].





يقطع القرآن بإجابة شافية كافية، في مقام الرَّدِّ على شبهة عقديَّة، شبهة أن يتَّخذ الله تعالى من الملائكة بناتٍ له، وهو قول باطل، وقد ردَّ عليه القُرآن بضرب مثالٍ للعقول كي يتبيَّن بطلان هذا القول، ولا شكَّ أن المثال لا يُضْرَب إلاَّ إذا كان مسلَّمًا بما فيه من دلالات، ولو كان المثال مشكوكًا فيه لما كان مثالاً؛ لذا ضرب الله تعالى المثال بالمرْأة التي لا تفارقها الحِلْية منذ أوَّل نشأتها وحين دخولها بيْت الزوجيَّة، حيث يكون المهر حقًّا من حقوقِها الزَّوجيَّة المترتِّبة على عقْد الزَّواج، ثمَّ إنَّ الأكثر دلالة على طبيعة المرأة عدم قدرتِها على الإفصاح والبيان، فهي في موطن النِّزاع أضعف ما تكون؛ لذا يقول المولى - سبحانه -: ﴿ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18]، يقول القرطبي: "أي: في المجادلة والإدْلاء بالحجَّة، قال قتادة: ما تكلَّمت امرأة ولها حجَّة إلاَّ جعلتها على نفسِها".





إذًا؛ طبيعة المرأة كأصْلٍ عام تقتضي ذلك، ولما كان سدُّ الذرائع أصلاً من الأصول التي يَعتمد عليْها الفقيه في استِظْهار حكم الله تعالى، كان الأولى والأحرى بولاة الأمور أن يسدُّوا هذا الباب ولا يتذرَّع بأنَّ هناك استثناءات؛ إذ لو جاز الاستِثْناء، فكيف يؤمن عاقبة الخطأ فيه؟ هل يُمكن اختيار امرأة من ألْف امرأة تتولَّى هذه المسؤوليَّة العظيمة، وقد أشفق النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على أبي ذرٍّ منها؟ فعن أبي ذر قال: قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعمِلُني؟ قال: فضرب بيدِه على منكبي ثمَّ قال: ((يا أبا ذرّ، إنَّك ضعيف وإنَّها أمانة، وإنَّها يوم القيامة خِزْي وندامة، إلاَّ مَن أخذها بحقِّها وأدَّى الَّذي عليه فيها))[2]، ولا شكَّ أنَّ ضعف أبي ذر لم يكن في دينِه فقد جهر بكلمة الحقِّ رغْم أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أوْصاه بالكِتْمان، حتَّى ضربه الكفَّار حتَّى أغمي عليه، يقول بعد أن عرض عليه الإسلام: فأسلمت مكاني، فقال لي النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا ذرّ، اكتم هذا الأمر وارْجِع إلى بلدِك، فإذا بلغك ظهورُنا فأقبل))، فقلت: والذي بعثَك بالحقِّ، لأصرخنَّ بها بين أظهرهم، فجاء إلى المسجِد وقريْش فيه، فقال: يا معشر قريش، إنِّي أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصَّابئ، فقاموا فضُرِبْت لأموت فأدْركني العبَّاس، فأكبَّ عليَّ ثمَّ أقبل عليْهِم فقال: ويْلكم! ت***ون رجُلاً من غِفار ومتجركم وممرُّكم على غفار! فأقْلعوا عنِّي، فلمَّا أن أصبحت الغد رجعتُ فقُلْت مثلَ ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصَّابئ، فصُنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدْركني العبَّاس فأكبَّ عليَّ وقال مثلَ مقالته بالأمس، قال: فكان هذا أوَّل إسلام أبي ذرّ - رحِمه الله[3].





إذًا؛ ضعْف المرأة عن تولِّي مسؤولية القضاء لا يقلِّل من شأنِها، ولا يقلِّل من إيمانِها وتقْواها لله تعالى، فقصَّة إسلام أبي ذرّ شاهدٌ على ذلك، لكن الامتِثال لحكم الله تعالى الَّذي حكمَه على النِّساء وقضاه عليهنَّ واجبٌ، يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في شأن حيضِهِنَّ: ((إنَّ هذا أمر كتَبه الله على بنات آدم))[4]؛ أي: إنَّهنَّ لسن مثل الرِّجال في كل شيء، فهناك أمور يختصُّ بها الرِّجال وكذلك هناك أمور تختصُّ بها النساء، يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لن يُفْلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة))[5]، والعبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب، ولا شكَّ أنَّ القضاء في زمانِنا أضحى سلطة تُوازي السلطتَين التنفيذيَّة والتشريعيَّة، تراقبهما وتعقِّب على أعمالهما وتلْغي الأخطاء الصَّادرة عنهما، كلّ ذلك دون أن تحلَّ محلَّهما وفقا لمبدأ الفصْل بين السلطات.






ــــــــــــــــ

[1]- رواه البخاري، ج 5 ص 2278 رقم 5797، بلفظ: ((رويْدك سوقَك بالقوارير)).




[2]- رواه البخاري، ج 3 ص 1457 رقم 1825.




[3]- رواه البخاري ج3 ص 1294 رقم 3328.




[4]- رواه البخاري ج 1 ص 113 رقم 290.




[5]- رواه البخاري ج 4 ص 1610 رقم 4163.