ابو وليد البحيرى
23-05-2015, 12:49 PM
جيش من النساء العنوسة آثارها، أسبابها، علاجها
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..وبعد:
لا شك أن الجيش في كل دولة هو حصنها الحصين، ودرعها المتين، الجيش هو قوام الدول والشعوب، به تتباهى، وبه تتفاخر، ألم نرى الدول اليوم، وهي تعرض جميع قواتها البرية والبحرية والجوية، وتدعو لذلك بعض قادة العالم ليشاهدوا استعراضها العسكري؟
كل ذلك من أجل ردع الدول التي تحاول المساس بأمنها، والعبث بمقدراتها، حتى يكون ما يعرض من عدة وعتاد وعسكر رادعاً لكل من تسول له نفسه التعرض لتلك الدول بأي شكل من أشكال الأذى، أو أي صنف من صنوف الاعتداء.
الجيش مفخرة لكل دولة، لأنه يحميها من عدوان المعتدين، وتربص المتربصين، لكن لدينا جيش لا نفخر بوجوده، ولا نعتز بكثرته، بل يتملكنا الامتعاظ إذا ذُكر عدده، ونطمع في تفكيكه، ونروم تشتيته، لأن تكدسه وتجمعه عار على الأمم، ووبال على المجتمع والدول، لا نفع في تكثيره، ولا خير في تجميعه.
وكأني بكم تريدون معرفة هذه الجيش من النساء.
لوجود هذا الجيش أسباب، فإذا ما عرفنا أسباب تجمعه، فلا شك أن وصف الدواء والعلاج لتفرقه سهل ميسر بإذن الله - تعالى -.
فمن هو هذا الجيش، وما عواقب كثرته، وما أسباب وفرته، وما علاج فرقته؟
هذا ما سنعرفه من خلال الأسطر التالية:
اللهم يا معلم إبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا
جيش النساء:
أما الجيش: فهو العوانس، لقد بلغ عدد العوانس لدينا حوالي ثلاثة ملايين عانس من البنات، وأمثالهم من العزاب من الرجال.
وحديثنا هنا عن العوانس، هذا الجيش الذي يفوق عدده عدد بعض الجيوش بأضعاف مضاعفة من المرات.
هذا الجيش لا خير في كثرته، بل كثرته سبب لكثير من البلايا والمآسي والرزايا.
لقد كثر عدد الإناث، وفاق عدد الذكور، وهذا مصداق قول الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: " لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ )).
يعني: حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد يقوم على مصالحهن، لكثرة النساء، وقلة الرجال، واليوم نحن نعيش بداية هذه العلامة من علامات الساعة الصغرى، فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.
عواقب العنوسة:
نعم والله، إن لهذا الجيش من العوانس لعواقب خطيرة، ونتائج مريرة، يئن منها المجتمع، تحت وطأة الضغوط النفسية، والآلام الاجتماعية، التي تعيشها كثير من الفتيات في ظل غياب كامل لوجود آباء وأمهات لا يقدرون للأمور قدرها، ولا يقيمون لها وزنها، في سكوت رهيب، ووجوم غريب، من قبل الجهات المعنية.
هذه العواقب أو الآثار المترتبة على وجود هذا الجيش كثيرة، تغاضى عنها الإعلام، لأنه لا يريد علواً للإسلام، وأهملها كثير من الأئمة والخطباء، لأنهم ربما لم يعيشوا هذه المأساة، ولم تطرق أسماعهم هذه الأرقام المذهلة لعدد العوانس في بلادنا، والتي تئن من وطأتها كثير من الفتيات.
أما وسائل الإعلام، فأهدافهم مكشوفة، وألاعيبهم معلومة، لأن الغالب القائم على وسائل الإعلام ممن لا يخفون علينا، فهم يريدون أن يجروا المرأة المسلمة إلى براثن الرذيلة، ومستنقعات الشذوذ، و*** ما لديها من فضيلة، يريدون التمتع بها، والتلذذ بعرضها، فهم يسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين.
والآثار المترتبة على العنوسة كثيرة منها:
1- انتشار الفاحشة:
لا شك أن وجود وفرة كثيرة من النساء في سن الزواج، ولم يتزوجن، فإنها مشكلة كبيرة وعظيمة، وعواقبها وخيمة، لاسيما مع هذا التقدم الهائل من البث الإعلامي المتدفق، الذي بلي به كثير من المسلمين، مما أسهم سلباً في انتشار جريمة الزنا، وهذا أمر ملموس، لا يخفى على كل ذي لب وعقل صحيح سليم، ولا ريب أن هذه الأرقام الفلكية من جرائم الزنا، والوقوع في الفاحشة، دليل على أن هناك مشكلة متفاقمة يجب حلها، واجتثاث جرثومتها، واستئصال شأفتها، وا***اع أصلها.
2- عموم العذاب:
انتشار فاحشة الزنا، وفعل الخنا، سبب لوقوع البلاء، وحصول الداء، ونزول العذاب من الله - تعالى -، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )) [رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 679].
3- السمعة السيئة للأسرة:
لا شك أن كل أسرة في هذا الكون الفسيح تسعى للسمعة الطيبة، والذكر الحسن، وهذا أمر جبلي، فكل يحب المدح، إذ لا يوجد إنسان على وجه الأرض يُحب أن يُذكر بسوء، ولو كان سيئاً، فكيف بمن هو من أحسن الناس ديناً وخلقاً وصلاحاً وأدباً، فالأسرة تسعى لصلاح أفرادها لتحظى بهذه السيرة العطرة بين الناس، فإذا ما وجد في الأسرة فرد كلٌ عليها، تجرعت المرارة، وذاقت الألم، وأصبحت أثراً بعد عين، بل أصبحت في خبر كان، ولا شك أن من أسباب تلك السمعة السيئة، وجود العوانس داخل الأسر، مما يجعل الأصابع تشير إلى ذلك المنزل، وتلك الأسرة بعلامات الاستفهام، لماذا لم تتزوج بنتهم وقد بلغت من السن مبلغ الزواج، ولم تتزوج، لابد أن في الأمر شيء، وهنا يبدأ الناس يشككون في هذه الأسرة وفي تلكم البنات العفيفات، لأن الناس لا يرحمون، وربما وجدت العانس طريقاً غير سوي تعبر فيه عن مشاعرها تجاه الرجال، ففي كلتا الحالين، يُشار للأسرة بأصابع الاتهام والسوء، وحتى يُقضى على ذلك، يجب علينا أن نزوج من بلغت سن الزواج، في ظل وجود الخاطب الكفء، ولا نتأخر أبداً، هكذا نخرس الألسن، ونسكت الأفواه، ونحتفظ بالسمعة الطيبة، والسيرة الحسنة، ونتقي الله - تعالى -في البنات.
4- السمعة السيئة للدولة:
ليس من المعقول أن تكون هناك دولة تملك من الأموال الطائلة ما تملك، ويوجد بها رجال عزاب، ونساء عوانس، إذ الدولة مكلفة بتزويج من لا يستطيع الزواج، ممن ثبت عجزه، في بادرة طيبة بما يُسمى بالزواج الجماعي، فمثل هذا الزواج غير مكلف، ويجمع الكثير من الأزواج، ويزيد النسل، لنقارع به الأمم، ونخيف به الشعوب، وهذه سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (( إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: " لاَ "، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ )) [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الألباني: حسن صحيح]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ الزواج وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ العزوبة نَهْياً شَدِيداً وَيَقُولُ: (( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [رواه أحمد]، وعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) [رواه الترمذي وقال الألباني: صحيح لغيره]]، فلا يُعقل أن يوجد هذا الكم الهائل من العوانس، في دولة حباها الله - تعالى -الخير والبركة وكثرة سبل الرزق، فعلى الجهات المعنية أن تهتم بالأمر أشد عناية، لما يترتب عليه من عواقب سيئة، وسمعة غير مرضية، وربما اصطاد في مثل هذا المورد من لا خلاق له، ممن يسعى لبث الفتنة، وتأليب المجتمع على قادته وعلمائه.
5- كثرة أولاد الزنا:
لا شك أن العلاقات المشبوهة المحرمة بين الشباب والشابات، أو بين الرجال والنساء، سبب لوجود الحمل، مما يؤدي إلى إنجاب أولاد من سفاح، بسبب علاقات محرمة، فينتج أولاد الزنا، وربما زادوا مع الكبيرة كبيرة أخرى أعظم منها وأشد، وهي *** ذلك المولود إذا ولدته أمه، إما ***اً متعمداً، أو بإلقائه عند المساجد، أو في أماكن الزبالة أجلكم الله وهذه جريمة عظيمة عند الله - تعالى -، وعند الناس، قال - تعالى -: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء93]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً )) [رواه البخاري]، فإذا أصاب العبد دماً حراماً ظلماً وعدواناً، فإنه يضيق عليه دينه، حتى ربما كفر بالله - تعالى -.
6- انتشار الأمراض المهلكة:
إن الانحراف الخلقي، وفشوا جريمة الزنا، سبب لكثير من الأمراض الخطيرة المهلكة التي احتار الطب الحديث في إيجاد علاج ناجع لها، ومن أعظمها خطورة، وأشدها فتكاً، مرض الإيدز، الذي فتك بملايين البشر اليوم، وسببه العلاقات ال***ية المحرمة بين الرجال والنساء، أو بين الرجال بعضهم بعضا وهو ما يسمى اللواط.
7- ال*** خوف الفضيحة:
المشاهد اليوم أن العنوسة، وتأخير زواج البنت حتى يفوتها قطار الزواج، ربما كان سبباً للانحراف، مما يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، مما يسبب الفضيحة في بيت تلك الفتاة المنحرفة، ومن ثم ربما أدى إلى ***ها، خوف العار، وخشية الفضيحة، والصحف تعلن لنا بين الفينة والأخرى مثل هذه الأحداث الرهيبة المخيفة، لكن لو تم تزويج الفتاة ممن تقدم لخطبتها، أو عرضها أبواها أو وليها للرجل الكفء، لحسمت مادة الجريمة والفاحشة من أصلها، ولسلمنا من كثرة العوانس، وبالتالي عدم وقوع ال*** والفضيحة والعار.
8- الانتحار:
عندما ترى الفتاة قريباتها وصديقاتها من حولها، ينخطبن ويتزوجن وينجبن، وهي لم تحظى بهذه الفرصة التي تتمناها كل فتاة، لتكون لبنة صالحة في المجتمع، ونواة خير فيه، تريد الفتاة أن يكون لها بيت مستقل، وزوج وأولاد، فحرمانها من ذلك يؤدي إلى اضظرابات نفسية داخلية، ربما تؤدي إلى الانتحار والتخلص من هذه الحياة، لاسيما في ظل وجود آباء وأمهات ظلمة ***ة، لا يرعون للتربية حقاً، ولا يعرفون للحنان صدراً.
9- الإذن بالأفول:
ما من دولة أو شعب يعصي الله - تعالى -، ويتمادى في الغي والعصيان، إلا تفكك شمله، وتشتت أهله، وربما أرسل الله عليهم عدواً يفتك بهم، ويقضي عليهم، وهذه سنة كونية لا مرد لها من الله، فالعنوسة تؤول إلى فعل الفاحشة، وارتكاب المعصية، وغير خاف على كل مسلم ومسلمة ما للمعاصي من خطورة بالغة على الأفراد والمجتمعات والأمم والشعوب، فالمعاصي والذنوب ظلم للبشرية، تتعدى لأواءها الإنسان إلى الطير والحيوان، ولقد توعد الله أهل القرى الظالمة بالعذاب، قال - تعالى -: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً) [الطلاق8]، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج48].
فعلى العبد أن يستغل فترة المهلة، قبل أن يفاجأ بيوم النقلة، عندما ينتقل من هذه الحياة الدنيا مفلس من الحسنات، محمل بالسيئات، فالله يملي للظالم ليتوب، فإن زاد في طغيانه، وتعاظم في ظلمه، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) [متفق عليه].
كانت تلكم مجمل العواقب أو الآثار المترتبة على العنوسة، وإن المتأمل فيها ليجد أن الأمة على خط الخطر ما لم تتدارك نفسها، بإيجاد الحلول الجذرية الصحيحة، للقضاء على مشكلة العنوسة، والتي سنبينها بين طيات هذه الرسالة بإذن الله - تعالى -.
سن الزواج:
ليس للفتاة سن محددة متى بلغتها تزوجت، بل يرجع الأمر إلى قدرة الفتاة على تحمل أعباء مسؤولية الزوج والبيت والذرية، ولا يعول على الناحية الجسدية كبير معول، بل متى كانت قادرة على القيام بالحقوق الزوجية، والمنزلية، وتربية الأبناء، فقد بلغت سن الزواج، وأيضاً لا يعول على هذه الناحية كبير معول، ولا تُحمل ما تحتمل، فمن الفتيات من ترى أنها غير قادرة على تحمل المسؤولية، وبعد الزواج انقلب الأمر رأساً على عقب، وإذ بها ربة بيت ناجحة، ناجحة في التعامل مع زوجها، وإدارة شؤون بيتها، وناجحة في تربيتها لأبنائها.
سؤال: متى يُقال للفتاة عانس؟
الجواب:
أظن أن الفتاة إذا بلغت سن الثلاثين أو قاربته ونهازته فقد دخلت سن اليأس، وقال الكثير أن سن الخامسة والعشرين هو سن العنوسة، فإذا بلغت البنت هذا العمر فإنه يقال لها عندئذ عانس.
وليس لبدء الزواج سن محددة كما أسلفت، ومن تأمل سير الصالحين من هذه الأمة وجد عجباً والله، فالبنت تتزوج في سن مبكرة، وأعظم برهان على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد خطب عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وتزوج خديجة - رضي الله عنها - ولها أربعون سنة، وهو ابن خمسة وعشرون سنة، ولنا فيه قدوة حسنة، وأسوة طيبة.
أسباب العنوسة:
العنوسة هي الشبح المخيف الذي يلاحق كثيراً من الفتيات، حيث كشفت إحصائية عن وجود نحو 3 ملايين عانس بالمملكة، وأكد بعض الاختصاصيين أنه رقم كبير ومخيف، وينذر بكارثة اجتماعية إن لم توجد الحلول الجذرية لهذه الظاهرة.
ولهذا الظاهرة الخطيرة أسباب كثيرة، ومن تأمل هذه الأسباب حق التأمل، وجد أنها ليست بأسباب حقيقة لوجود ما يُسمى بالعنوسة، بقدر ما هي تعقيدات، وطمع، ودلال، وهروب من المسؤولية، وطلب للعزوبة، والعزوبة منهي عنها، كما بينته فيما سبق، ودليل ذلك، الأدلة التي سقتها قبل هذا، وأيضاً هذا دليل آخر في الصحيحين من حديث عن سعد بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن مَظْعُون نَفْسه " أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَجُل يَشُقّ عَلَيَّ الْعُزُوبَة، فَأْذَنْ لِي فِي الْخِصَاء، قَالَ: (( لَا، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالصِّيَامِ )) [فتح الباري 14 / 307].
وفيه النهي عن العزوبة، والدعوة إلى الزواج، لما في ذلك من تكثير لسواد الأمة، ومكاثرة بهم أمام بقية الأمم، في الدنيا والآخرة، فعلى الفتاة أن تسعى جاهدة لقبول الخاطب الصالح، وعلى ولي أمر الفتاة أن يُسارع بزواج موليته، ولا يعضلها ويمنعها عن الزواج، لأي سبب كان، بل عليه أن يجتهد في ذلك.
وللعنوسة أسباب نتطرق إليها بشيء من الشرح والطرح، لعل الله - سبحانه - أن ينفع بها الجميع، فمن أسباب العنوسة:
1- عزوف الشباب عن الزواج:
وسبب ذلك يرجع إلى انحراف بعض الشباب، والسفر لخارج الحدود والولوغ في أوحال الفاحشة، ومستنقعات الرذيلة، ويكتفي بالحرام عن الحلال، والبعض يخاف من خيانة الزوجة له، لأنه يرى أن كل النساء خائنات، ويعتقد خطأً أن كل النساء منحرفات.
وهذا رد فعل طبيعي لمن خرج عن فطرته السليمة، واتبع هواه والشيطان، واستمرأ فعل الحرام، أن يظن ظن السوء.
2- مواصلة الدراسة:
تعتذر بعض الفتيات عن الزواج في بعض المراحل الدراسية، بحجة إكمال الدراسة، وربما فشلت في دراستها، أو تعرقلت في بعض سنين الدراسة، فتزيد على سنوات الدارسة سنوات أخرى، فيمر عليها العمر وهي لا تشعر، حتى يفوتها قطار الزواج، وسن النكاح، ثم لا يرغب بالزواج منها أحد، مع أن الزواج ربما كان من أعظم الوسائل المعينة على الحفظ والاستذكار والنجاح، بل وحتى التفوق، لاسيما في ضوء وجود زوج عاقل فاهم، يقدر أمر الزوجة، ويعينها على دراستها وتفوقها وهم كثير، في كتب التربية وعلم النفس، أن الكثير من الشباب والشابات البالغين سن الزواج، يكون عندهم شرود ذهني، وكثرة في الأفكار والسرحان، ثم ضعف في التحصيل العلمي، فلما تزوجوا، ذهبت عنهم هذه الأفكار، وصفت عقولهم، وزاد فهمهم وتركيزهم في دراستهم، حتى أصبحوا من المتفوقين والمتفوقات.
فعلى الفتاة إذا تعارضت فكرة الزواج وإكمال الدراسة، فعليها أن تقدم الزواج على الدراسة، لأن الزواج مطلب شرعي، أما إكمال الدراسة فأمر ثانوي، وإذا لزم الأمر، فلها أن تشترط إكمال الدراسة، وبذلك تحقق أملين مهمين، الزواج وإكمال الدراسة.
وعلى الفتاة أن تحذر من التسويف والتسويل والمماطلة، فربما فاتها سن الزواج، ثم ندمت بعد ذلك، في حين لا ينفع الندم.
وفعلاً كم من فتاة أضاعت سن الزواج بسبب حجة الدراسة، ثم تمنت لو ضحت بالشهادة من أجل أن تسمع كلمة [أمي أو ماما]، ولكن فات القطار.
ومن المعلوم أنه يوجد بعض الفتيات متزوجات وهن يدرسن في الصف الثالث متوسط، أو في أول ثانوي، وإن كن قليلات، ثم يكثر عدد المتزوجات في الصف الثاني والثالث الثانوي، فاحذري تأخير الزواج بحجة مواصلة الدراسة.
3- تراكمات أحداث سابقة:
ربما تربط بعض الفتيات، بعض الأحداث القاسية في حياتها بكل رجل، فربما كان الأب قاسياً في تعامله مع أبنائه وبناته، وربما كان الأخ أيضاً وحشاً كاسراً مع أخواته، فلا احترام ولا توقير، ولا إجلال ولا تقدير، بل على العكس من ذلك، سباب وشتائم، وركل ورفس، فتتراكم هذه الأحداث، حتى تصبح حلماً مفزعاً، وهماً مفجعاً، وتحسب الفتاة أن كل الرجال بهذه الشاكلة من سوء الأخلاق، و*** التعامل، وسيء الطباع.
وربما كانت تخاف من الفشل، لأنها تسمع وترى بعض قريباتها أو صديقاتها، فشلن في زواجهن، فتخاف أن ينسحب الأمر على كل الرجال.
أو الخوف من عدم القيام بحق الزوج، أو الخوف من عدم القيام بشؤون المنزل، وربما كانت إحداهن ترغب في الراحة والدعة، حتى يفوتها الزواج، وتدخل في سن العنوسة المتأخرة التي لا يرغب بالزواج منها أحد، فتخسر بناء أسرة مسلمة تفيد أمتها ومجتمعها، وتخسر زوجاً يكون لها جنة في الدنيا والآخرة، وأبناءً صالحين، يدعون لأمهم، فعلى الفتاة أن تحكم عقلها قبل عاطفتها وما يمليه عليها تفكيرها الخاطئ، بترك الزواج، وعليها أن تقدر للأمور قدرها، وتقارن فوائد الزواج، بمضار العنوسة، إذ لا مقارنة بين الأمرين.
لاسيما والشرع جاء في الأصل بالزواج، ونهى عن العزوبة.
فللزواج فوائد كثيرة، كبناء الأسرة، والحفظ من الانحراف، وتحقيق المكاثرة، وغير ذلك كثير.
وللعنوسة مضار كثيرة، ذكرتها في بداية هذا الموضوع، فلا يمكن لعاقل أن يقارن بين أمرين أحدهما حلو والآخر مر علقم، أحدهما يقرب إلى شرع الله، والآخر يبعد عن مقصود الشرع من الزواج.
4- المبالغة في صفات الزوج:
بعض الفتيات تطلب صفات في الزوج، ربما لا يمكن أن توجد في رجل، فتجدها كلما تقدم لها خاطب ردته، وتتخذ الأعذار في ذلك، هذا طويل، وذاك قصير، وهذا ضعيف الشخصية، وهذا غير جميل، وهذا وظيفته غير مرموقة، أو راتبه قليل، أو ليس لديه وظيفة.
والأدهى من ذلك أنها ترفض شاباً لأنه ملتزم ومتمسك بشعائر دينه، وتدعي بأنه لا يحقق لها رغباتها الشخصية، من إيجاد دش، وتبرج، ونقاب فاتن، وعباءة محرمة، ومشية مجرمة، أو الخروج للأسواق، أو الحدائق المختلطة وما شابه ذلك من أمور منكرة، فتترك هذا الكفء من أجل طلبات محرمة.
ولا شك أن مثل هذه الفتاة إن فعلت ما نهى عنه الشرع، ورفضت الكفء فهي على خطر عظيم، فربما فسدت حياتها من بدايتها بسبب ذلك، لمخالفتها الصريحة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرج الترمذي من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )).
5- التزويج بالترتيب:
هناك من الآباء والأولياء من ملئت قلوبهم قسوة وظلماً، ف***وا بناتهم، لا ***اً حقيقة، ولكن ***وا فيهن حب العفاف وذلك بالزواج، وتكوين الأسرة، فترى ذلك الأب الظالم، يرفض تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى، بحجة مريضة مهيضة، وأنه لابد من تزويج الكبرى ثم الصغرى، ولا شك أن هذا من أعظم الظلم، وأشد الطغيان، فهل من الحق والعدل أن يمنع أب زواج إحدى بناته التي كتب الله لها ذلك، وجاءها نصيبها، وقدرها الذي قدر الله لها، بحجة واهية أوهى من بيت العنكبوت، فعلى الآباء أن يتقوا الله - تعالى -في أنفسهم وبناتهم، وأن لا يحرموهن من الزواج تحت أي اعتذار، إذا جاءها مرضي الدين والسيرة، حسن الأخلاق، فبأي حق تُمنع فتاة من الزواج برجل كفؤ لها؟
فليتق الله أولئك الآباء، وليتذكروا يوم الوقوف بين يدي الله - تعالى -يوم القيامة، فقد قال - تعالى -: (وقفوهم إنهم مسؤولون)، وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ )) [رواه مسلم].
ولا أعلم من أين أتينا بهذه الموانع والعوائق عن الزواج؟ أهو تقمص لما يُشاهد من مسلسلات وتمثيليات، أم ماذا؟
لأننا لا نعرف هذه العادة القبيحة إلا من الدخيل علينا من العادات والتقاليد، التي يمليها علينا الشرق والغرب، حتى تقمصنا عادات سيئة، وقع ضحيتها البنون والبنات، وخصوصاً البنات، لأن البنت لا تستطيع أن تأخذ بحقها أو تدافع عنه، لاسيما من والديها، فهي دائماً تتميز بقلب رحيم، وعاطفة جياشة، فعلى الآباء والأمهات أن يراعوا المصالح العامة، لا المصالح الخاصة، فإذا تقدم لإحدى البنات خاطب كفء فعلى الأب أن يُسارع في ستر ابنته وتزويجها، وأن لا يؤخر ذلك، فإذا تقدم للوسطى مثلاً خاطب كفء، سارع بالزواج، وهكذا الصغرى والكبرى، فالإنسان لا يدري أين الخيرة لبناته، فربما تأخر زواج واحدة، وتعجل زواج الأخرى لحكمة يعلمها الله - تعالى -، ونحن لا ندركها.
وربما تعذر بعض الآباء بعدم تزويج من هي أصغر منها، بزعم أنه يجبر خاطر الكبرى، ولا يكسر قلبها، حتى لا تتعقد، وقد يكون في الكبرى بعض الموانع من الزواج مثل: قلة الجمال، أو عدم التمسك بالدين، أو السمعة السيئة، أو أن الكبرى لا ترغب بالزواج الآن، أو غير ذلك من الأسباب.
وبإصرار الوالد على تزويج الكبرى تكون الضحية أخواتها، بأن يدخلن في مرحلة العنوسة بسبب أختهم الكبرى، التي أصبحت حجر عثرة عليهن، وإذا نظر العاقل بعين البصيرة فإنه يعلم أن الزواج قسمة ونصيب، ولعل من أسباب نصيبها فتح المجال لأخواتها بالزواج إذا تقدم لهن الكفء.
وعلى الفتاة الكبرى أن تصارح والدها ووالدتها بضرورة السماح لأخواتها بالزواج، وأن عدم تقدم الزوج لها من قضاء الله وقدره، وتقنع والدها بأن رفضه من تزويج أخواتها معناه إجبار للأزواج أن يتقدموا للكبرى، وهذا الرفض يؤدي ببقية الأخوات إلى العنوسة، وعليها أن تقنع والدها بأنه لا مانع من تزويج أخواتها الأقل منها سناً، وأنها راضية وبكل فرح وسرور.
وأُذكر بأمر مهم، وهو ان بعض الأزواج يكون معدداً، والغالب أن الضرات لا يحبين الخير لبعضهن، ويضايقن أبناء بعضهن.
فربما لإحداهن بنت كبيرة هي أكبر البنات، وللأخرى بنات أخريات قد بلغت سن الزواج، بل تعدين سنة الخامسة والعشرين، وبإصرار وإلحاح من أم الكبرى، يمنع الأب زواج بناته الأخريات، ظلماً وعدواناً، فهذا لأب معين على الشر، جالب للضرر، متهم بالظلم، فأين يذهب من الله - تعالى -يوم القيامة؟
لأن بعض البنات الكبريات ربما لا تكون جميلة، أو لا تحسن معاشرة الناس ومعاملتهم، أو بها من العيوب ما بها، فهل تبقى عقبة في زواج أخواتها؟
أُريد من كل أب أو أخ أن ينظر إلى هذا السؤال بعين العقل، لا بعين الرأفة بالكبيرة، بل بعين العدل والإنصاف، فهل يُعقل أن تبقى بقية البنات حبيسات أجدر أربعة من أجل أختهم الكبيرة لأنه لم يتقدم لها أحد.
النصيب إذا جاء لإحدى البنات صغرى أم كبرى أم وسطى، فالواجب على ولي البنت أن يسرع بزواجها، وانتهاز الفرصة لذلك، فربما ذهب الخطَّاب ولم يعودوا بعد ذلك أبداً.
فاتق الله أيها الولي أياً كنت أباً أم أخاً أم غير ذلك ن فأنت والله موقوف ومسؤول عن هؤلاء الفتيات، أرعيت الأمانة أم خنتها؟
يا أيها الآباء زوجوا بناتكم أتريدون أن يزنين؟ أتريدون أن يتسكعن في الشوارع والأسواق؟ أتريدون أن يأتين ببهتان بين أيديهن وأرجلهن؟ أتريدون أن يملأن بيوتكم أولاد زناً؟
زوجوهن تخرجون من إثمهن، زوجوهن تهربون من ظلمهن.
شكوى:
فتاة تشكو ظلم والدها، وعدم تزويجها، يتقدم لها الخطاب من كل مكان، حفاظ لكتاب الله، وأكفاء وأحساب وأنساب، والوالد يرفض، والأخ يأبى، حتى بلغت الأربعين، وعندما حضر الموت والدها وهو على فراش الفراق، تذكر ظلمه لابنته، وطلب السماح منها، فقالت: والله لن أسامحك، ولن أستغفر لك، ولن أدعو لك، حرمتني الزواج، الموعد بين وبينك يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله، ليحكم بيني وبينك.
وأخرى بلغت سن العنوسة، بعد رفض والدها لكل الخطاب، حتى بلغت سناً لا يرغب بها أحد، وسار بها قطار العمر حتى مرضت مرض الموت، فطلبت والدها وهي تجود بأنفاسها، وتقول لأبيها: قل آمين، فقال آمين، قالت: زد قل آمين، فكررتها ثلاث مرات، وأبوها يقول: آمين، قالت: حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج.
فيا أيها الناس حكموا شريعة الله، وزوجوا البنات، ولا تعضلوهن، فعضلهن حرام، ومعصية وظلم وعدوان، لا تعيدوا نعرات الجاهلية، والعصبية المذمومة، ألم تطرق أسماعكم أية المائدة: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة50].
6- الإعجاب والغرور:
من الفتيات من ترغب بالزواج من شخص رسمت شخصيته، أو رأته فأعجبت به، وربما كان هذا الشخص من أفسق الناس، وأبعدهم عن التقوى، فهي تريد هذا الزوج، والوالد والوالدة لا يريدونه، فيقع الاختلاف ومن ثم عدم الزواج، حتى تصبح عانساً، ترفض الزواج من كل خاطب إلا من ذاك الرجل الذي تريده مع ما به من موانع شرعية، ومخالفات دينية.
وهنا كلمة مهمة:
وهي أنه ربما أعجبت الفتاة بشخص رأته عبر الشاشات أو سمعته في محاضرة أو في برنامج، فأحبته، وربما كلمته وعرضت عليه نفسها للزواج.
وهنا مكمن الخطورة، فالمرأة في حالة لا تترك الخيار هنا للعاطفة، فربما كان هذا الرجل فاشلاً في حياته الزوجية، يختلف تماماً عن الظهور، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن العاطفة الزوجية، بل ربما كان على العكس من ذلك تماماً، فالمنظر غير الجوهر، فلابد من السؤال عنه أولاً، ثم يتدخل في الموضوع من هو أهله، من أقرباء الفتاة، ويفاتح ذلك الرجل ويعرض عليه الفتاة للزواج منها، ولا يعرضها كسلعة، وأنها رأتك وأحبتك، فربما يدخله الشك، يقول لسان حاله: رأتني اليوم وأحبتني، وغداً ترى غيره وتحبه، بل على الفتاة أن تكون أكثر نضوجاً، وأنضج عقلاً، ولا تسرع إلى مثل هذه الأمور، فنهايتها ربما كانت مؤلمة مهلكة، بل التروي التروي.
7- رفض المعدد:
أقول كلمة قبل الخوض في هذه النقطة:
الرجل الذي لديه زوجة وهو سعيد معها، ليس هناك منغصات في حياته، ولا يحتاج مع زوجته إلى زوجة أخرى، لأي سبب من الأسباب الداعية إلى التعدد، فلا داعي للتعدد، لأن التعدد له أسبابه، فمن لم يكن لديه سبب يجعله يعدد فلا حاجة لأن يتعب نفسه، ويقلق راحته بزوجة ثانية، طالما أنه سعيد مع الأولى.
وأعود إلى الموضوع فأقول:
هناك من الفتيات من لم يتقدم لها إلا المعدد، الذي لديه زوجة أو أكثر، فإن كان هذا الرجل من أهل الخير والصلاح، فما المانع من الزواج به، وكم من الزوجات من يعشن مع بعضهن في بيت واحد وكأنه أخوات بل ربما أكثر من الأخوات، لاسيما في ظل وجود زوج عادل ملهم يقدر للمرأة قدرها، ويعرف لها حقها، فما المانع من الزواج بالمعدد؟
بل إن التعدد هو الأساس كما قال بعض أهل العلم، مستندين إلى قول الله - تعالى -: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) [النساء3].
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله: " تعدد الزوجات سنة لمن قوي على ذلك، وأراد بذلك عفة فرجه، وغض بصره، أو تكثير النسل، أو تشجيع الأمة على ذلك ".
ولا شك أن العاقل المنصف من الرجال والنساء يعلم بأن تعدد الزوجات فيه مصالح كثيرة، ومنافع عديدة، وحكم جمة، ومن هذه المنافع والحكم والأسباب:
1 أن الرجل السليم قد يكون لديه الاستعداد والقدرة أن يسد الحاجة لدى أربع نسوة ويعفهم.
2 أن الرجل يكون مستعداً للنسل ولو بلغ ثمانين عاماً، وأن المرأة في الغالب إذا بلغت خمسين عاماً يئست من المحيض، وتوقفت عن الإنجاب، ولاشك أن كثرة النسل مطلوبة، حتى تكثر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث: (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).
3 أن النساء يعرض لهن الحيض والنفاس والأمراض، مما يمنع الرجل من إتيانها في هذه المدة، فيخاف على نفسه من الانحراف.
4 قد تكون المرأة عاقر لا تنجب، وهو يحبها فيتزوج عليها ولا يطلقها.
5 قد تكون المرأة غير جميلة وله أولاد منها، وقد تكون من أقاربه فيتزوج عليها ولا يطلقها.
6 قد يقع الاضطرار من النساء للرجال، لقلة الرجال، سبب الحروب أو لكثرة النساء، فإن النساء غالباً أكثر من الرجال، كما أخبر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (( في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة القيم الواحد )) [رواه البخاري ومسلم].
فهذا قليل من كثير من حكم ومنافع وأسباب تعدد الزوجات في الإسلام فيجب علينا جميعاً أن نعي إباحة تعدد الزوجات، سمعاً وطاعة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد قال - سبحانه -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) [الأحزاب36].
ملاحظة:
على الفتاة أن تحسن الاختيار، بأن يكون الزوج المعدد المتقدم لها صالحاً أميناً ذو خلق رفيع، يخاف الله ويراقبه - عز وجل -، قبل أن يراقب زوجاته، ويخاف من عقوبة الله في الظلم وعدم العدل بينهن.
وربما رفضت كثير من الفتيات الزواج بالرجل المتزوج، بحجة التعدد، وعدم العدل بين الضرات، لأنها ربما سمعت عن بعض الأزواج الذين لا يخافون الله - عز وجل - ولا يعدلون بين زوجاتهم.
وليس كل الناس شيء واحد، فهناك من لديه زوجتان وأكثر، ومع ذلك فهم جميعاً في سعادة وهناء، وراحة وسرور.
ومنهم من لديه زوجة واحدة وهي تكيل له من العناء والتعب والهم ما لا يعلم به إلا الله - عز وجل -.
وعلى المعدد الذي لا يعدل بين زوجاته أن يتقي الله - تعالى -ويخاف عقوبته وسطوته ونقمته يوم القيامة، وهذا وأمثاله على خطر من التهديد والوعيد الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ )) [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد]، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وربما كان سبب رفض الرجل المتزوج من قبل الفتاة، أنها تشاهد عبر المسلسلات من يظهر تعدد الزوجات على أنه جريمة كبرى، ومصيبة عظمى، وأنه ظلم للزوجة الأولى، حتى يشوهوا صورة التعدد عند الفتيات والنساء، حتى أننا سمعنا وقرأنا في بعض الصحف والمجلات من يحارب تعدد الزوجات، وربما دعوا وسمحوا للزوج بالحبيبة والصديقة والعشيقة، وكذلك للفتاة باتخاذ الحبيب والصديق.
ولا ينكر تعدد الزوجات إلا جاهل أو معاند أو حاقد على الإسلام وأهله وحاقد على المرأة نفسها، وهذا وأمثاله محكوم بكفره، إذا كان يحارب التعدد المشروع ويعيبه وهو يعلم أن الله أباحه لأنه رد أمر أنزله الله في كتابه فقال - سبحانه وتعالى -: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) [النساء3].
التعدد كما قال بعض العلماء هو سنة الزواج، فالأصل التعدد ن ومن لم يستطع فعليه بالواحدة، ومن دعا إلى نبذ التعدد ومنعه وكره، فقد كفر بالله - تعالى -، قال - سبحانه -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد9].
وأما الغيرة والحزن الذي يصيب أكثر النساء عندما يأخذ زوجها الأخرى، فهي غيرة عاطفية وطبيعية إذا كانت في حدود المعقول، وقد حصلت هذه الغيرة من بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع المنزل من الحكيم العليم بعباده، وبما يصلح دينهم ودنياهم وآخرتهم، فمن فضل الله - عز وجل - ورحمته بعباده أن أباح للرجل تعدد الزوجات المشروع والمشروط بالعدل، وهو بلا شك من أعظم الأسباب للقضاء على العنوسة في هذا الزمان، فأوصى الفتيات الحريصات على مستقبلهن أن توافق الزواج من المتعدد إذا كان صالحاً وأميناً وصاحب خلق، وإن كان نصيبها منه نصف رجل أو ثلثه فهذا خير لها من أن تبقى عانساً، وخير لها من زوج كامل لا يقوم بحقوقها، ولا يعاشرها بالمعروف، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في ضعف إيمانها، إذا أدخل عليها الدش أو شجعها على التبرج والسفور، أو لم يأمرها بالصلاة في وقتها وبطمأنينة، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في دخولها النار والعياذ بالله.
8- عدم الظهور:
والمقصود بهذا أن بعض الفتيات لا تخرج لكثير من المناسبات والدعوات التي يجتمع فيها كثير من النساء، كحفلات الزفاف مثلاً، بحجة وجود بعض المنكرات، وهذا شيء طيب تُشكر عليه الفتاة، لكن هناك بعض الدعوات تخلوا تماماً من مثل ذلك، فعلى الفتاة أن تحرص على الخروج مع أهلها في المناسبات، لأن في خروجها ذلك، يتعرف عليها النساء ويشاهدونها، فتكون عرضة لأعين الأمهات والأخوات اللاتي ربما سارعن بخطبتها، فلتحرص الفتيات على الظهور أمام النساء في الحفلات والدعوات والمسايير والزيارات، ولا يكن حبيسات الجدران، لا يعرفهن إلا الجدار، بل لتخرج حتى تُعرض فتُخطب.
9- الأمراض والعاهات في الفتاة:
فقد تكون بعض الفتيات مبتلاة من الله بعاهة من العاهات، أو بعيب من عيوب الخلقة، كأن تكون كفيفة، أو عرجاء، أو تكون طويلة طولاً مفرطاً، أو قصيرة قصراً مفرطاً، أو نحيفة نحافة مفرطة، أو سمينة سمناً مفرطاً، أو فيها برص، وخاصة إذا كان البرص في وجهها، أو يديها، ومن المعلوم أنه ليس للفتاة دخل فيها، فهي من خلق الله - عز وجل -.
فقد يكون الله ابتلاها به تكفيراً لسيئاتها، ورفعاً لدرجاتها، وعلامة على أن الله يحبها إذا رضيت وبرت، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (( عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ )) [رواه الترمذي وابن ماجة].
ومن المشاهد أن بعض الخطاب لا يرغب بالزواج من فتاة بها عاهة، فهل تبقى عانساً بدون زواج، أو مرفوضة عند الأزواج، ومبغوضة في المجتمع؟
الجواب:
هذه الفتاة يجب أن ينظر لها المجتمع نظرة رحمة ورأفة وعطف، فالمجتمع المسلم كالجسد الواحد، كل منه يشعر بأخيه المسلم، ويسعى جاهداً في عونه وقضاء حوائجه، فمثل هؤلاء الفتيان والفتيات الذين أصيبوا بإعاقات وقد بلغوا سن الزواج ورغبوا فيه، فالمتعين على الجميع مساعدتهم والوقوف معهم، وتزويجهم والاحتساب على ذلك الأجر العظيم عند الله - تعالى -.
فيتقدم لهن الأزواج طالبين الثواب من الله - عز وجل -، وإن كان الخاطب زوجة أخرى، ولو كان متوسط السن، فإنه يتزوج بهذه المسكينة طمعاً في الأجر من الله، في إعفافها، وتطييب خاطرها، وإسعادها بطفل يقوم بخدمتها، ويملأ عليها الدنيا.
وعلى الفتاة أن توافق وتقبل بالزواج من الرجل متوسط السن أو أكبر منه، إذا لم يكن شيخاً كبيراً، وتقبل أيضاً بالزواج من المصاب ببعض العاهات، إذا كان يمكن العيش معه، فهذا التصرف منها، أولى من بقائها عانساً مدة طويلة أو مدى الحياة.
ولا حرج ولا عيب على الفتاة المذكورة، أن يكون بينها وبين اللجان في بعض الجمعيات الخيرية، وقضاة المحاكم، أو من تثق بهم من أهل العلم، اتصال هاتفي سري بشأن البحث لها عن زوج، بعد أن تخبرهم بإصاباتها، أو الموجود بها من العاهات.
علماً بأنه يوجد ولله الحمد بعض اللجان السرية للزواج، التي تحرص على التأليف وجمع الشمل بين الزوجين، وقد حصل من جهودهم التوفيق بين الفتيان والفتيات، وبين الرجال والنساء سواء كان فيهم عاهة أو سليمي الخلقة والأمراض.
10- الحب الشديد:
هناك من الأسر من يربطها التآلف والحب الشديد بين أفرادها، حتى وكأن أحدهم لا يستطيع أن يعيش بدون الآخرين، كأنهم جسد واحد، وروح واحدة، وهذا أمر مطلوب من الأسر، بل من المجتمع والأمة، أن تتلاحم حتى تصبح لحمة واحدة، وجسداً واحداً، هكذا دعا الإسلام أهله، مع أنه لو مات أحد أفراد هذه الأسرة لربما نُسي بعد فترة.
المهم أن هذا الحب والتعاطف والتراحم بين أفراد الأسرة الواحدة، لا يجعل أفرادها يرفضون الزواج، بسبب هذا الحب بينهم؛ لأن العزوبة من الرجال والنساء منهي عنها، والزواج، وزيادة الأسر، وتكثير النسل، أمر مطلوب شرعاً، ولا بأس بأن تتزوج الفتاة من إنسان قريب منهم صلة ورحماً، يدرك ما هم عليه من الترابط والمحبة، ويقدر لذلك الأمر قدره، فلا يبعد بالبنت عن أهلها كثيراً، لاسيما إن كان أهلها أهل خير وطاعة وبر، وتربطهم هذه الرابطة الجياشة، حتى لو اشترطوا على الزواج ذلك، بأن لا تبعد بنتهم عنهم، أو أن يُسكنها في مسكن قريب منهم، وهكذا تتذلل الأمور، ولا يصبح لدينا جيش من العوانس، بسبب أمر لا أهمية له، لأن الموت لابد منه للناس جميعاً، بل لكل حي، فإذا علمنا ذلك، فهب أن هذه الفتاة، أو ذلك الفتى، رفضوا الزواج من أجل أن يبقوا مع والديهم، وكما يقولون: نحن نعيش حياة طيبة هانئة هادئة، فلماذا ننغص على أنفسنا بالزواج، ومشاكله، والأبناء ومشاكلهم، وهم تربيتهم، ونحن لا نستطيع البعد عن والدينا، بل لا نتصور أن نتزوج ونبتعد عنهم، حيث سيشغلنا الزواج والأسرة والأبناء عن والدينا؟
نقول: الأمر هين، فمن أراد أن يبر والديه، فله ذلك، يستطيع الابن أن يبرهم إذا تزوج أخذهما عنده، ورفق بهما ورحمهما وعطف عليهما، وأحسن إليهما، فهذا أمر لا إشكال فيه، فهم معه حيثما كان.
والبنت يمكن أن تتزوج بقريب لها يعرف حالها مع والديها، وأنها تريد أن تبرهما، وتكون قريبة لهما، بل ربما وافق الزواج على أن يكون أبوا الزوجة معها، وربما سكن في سكن ملاصق لهما، أو في نفس العمارة التي هم بها، فالأمر هين وسهل، لكن أن نجعل مثل هذا الأمر عقبة أمام زواج بعض الشباب والشابات، هذا خطأ ولا يوافق عليه أحد، وهو خلاف مقصد الشريعة التي جاءت بالحث على الزواج، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- : (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ القدرة فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ وقاية من الوقوع في الحرام )) [رواه مسلم].
فانظروا إلى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه من الشباب، لأن الشباب طاقة، لاسيما في عصرنا هذا، الذي تدفق فيه كم هائل من البث الإعلامي المرئي، من قنوات فضائية، وإنترنت، حتى أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة بين يديك تحركه كيفما تشاء، بل تم تكثيف المواقع والقنوات ال*****ة التي تفتن الناس، وتخرجهم من سياج الدين وحصنه المتين إلى حمى الفضائيات والنت، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه، وكم هم الذين رتعوا فيه، ووقعوا فريسة له.
وطالما أن الأمر هكذا، لاسيما وقد جاء الخبر الصحيح أن الزنا قد كتب على ابن آدم لا محالة، عَنِ أَبُي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )) [متفق عليه].
فعلى المرء المسلم أن يخشى دغدغة مشاعره ال***ية في يوم من الأيام، ولا يجد الطريق الحلال الذي يقضي فيه وطره، فيقع في حبائل شياطين الجن والإنس، فيسقط في براثن الرذيلة والعياذ بالله، وعندئد يندم ندامة عظيمة، ويتمنى لو أنه كان متزوجاً فقضى وطره في الحلال، فتزوجوا معاشر الشباب والشابات، كونوا الأسر المسلمة، واللبنات الأولى لبناء مجتمع مسلم، يادفع عن مقدساته، وينشر دوة الله - تعالى -إلى أصقاع المعمورة، بجهود أولئك الشباب المسلم الأبي، الذي يرفع راية التوحيد خفاقة في كل بقاع الأرض، ولا يتأتى ذلك إلا بالزواج وإنجاب الأبطال.
11- رد الخاطب الكفء بحجج واهية:
وهذا السبب مشترك بين الوالد والفتاة.
فالبنت ربما أرادت زوجاً تخيلته في مخيلتها، ولذلك كلما جاءها خاطب وهو أهل أن يُجاب، رفضته الفتاة بحجج ضعيفة، تضع فيه من العيوب ما يجعلها تقتنع هي بها، مع أن ليس فيه العيوب ما ذكرته أو ابتدعته، ثم تبقى هكذا حتى يمضي العمر، ويذهب سن الزواج الذي يرغبه الناس، فإذا بها عانس.
والطرف الآخر في هذه القضية وهو محورها الأب أو الولي، فإذا كانت البنت موظفة، فإنه يحرص كل الحرص على امتصاص عرقها وتعبها وسهرها، فما إن يأتي آخر الشهر إلا وهو لها بالمرصاد، يأخذ الجمل بما حمل، وربما لم يترك لها ريالاً واحداً تنفق به على أشيائها الخاصة، علماً بأن راتب الموظفة لها شرعاً وعرفاً، فمن أين للأب أين يأكل راتب ابنته، من أذن له بذلك؟ من أين له الدليل على فعله؟
فمثل هذا الأب أو الولي حتماً سيرفض كل من يتقدم لابنته أو موليته، بأي حجة كانت، فمثلاً:
ليس لدينا بنات للزواج، البنت صغيرة، وهكذا من هذه الأكاذيب والخزعبلات.
وتراه يزيف على ابنته الحقائق ويزورها، ولا يحكي لها الحقيقة، فيقول:
الخاطب غير سوي، ما عنده دين، ما عنده أخلاق، فيه كذا وكذا، حتى تقتنع البنت بأن هذا الخاطب لا يصلح لها.
وقد وقع هذا الأب في محاذير كثيرة وخطيرة، وقع في الكذب، قال - تعالى -: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران61]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً )) [متفق عليه].
ووقع في الظلم، فقد ظلم ابنته التي من صلبه، والتي بلغت سن الزواج، وحرمها من الزواج من أجل أن يأكل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا، فهذه الأموال أوساخ الناس، ولا فائدة تُرجى من تجميعها، بل هي الوبال، وبه شدة الحساب والعتاب يوم القيامة وعاقبة الظلم وخيمة وعظيمة قال - تعالى -: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام47]، وقال - تعالى -: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر52]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) [متفق عليه]، وعَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ- تبارك وتعالى -أَنَّهُ قَالَ: (( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا...)) [رواه مسلم].
ووقع هذا الأب الظالم في أكل المال الحرام بغير وجه حق، ولقد توعد الله من هذه حاله بالعذاب والنكال يوم القيامة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً) [النساء29-30].
ووقع في تشويه سمعة الخطاب، ظلماً وعدواناً، فكيف يهنأ بالعيش من هذه حاله والعياذ بالله، فهذا سوف يكثر خصماؤه يوم القيامة، فأين المفر؟ وأين المستقر؟ نعوذ بالله من الخذلان، ونقصان العقل، وضحل التفكير.
وماذا يفيد المال إن مآله إلى نار وجمر في جهنم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) [أخرجه البخاري].
12- حَجْرُ الفتاة على قريبها:
هذه من العادات الجاهلية القديمة التي أحيا جذوتها بعض الأولياء الجهلة بتعاليم الدين الحنيف، دين الرأفة والرحمة والعطف والتآلف، هذه العادة كمثل أن ي*** الوالد بنته حية، وهذا ما يُسمى بالوأد، والوأد: أن ي*** الرجل بنته حية، وذلك بأن يدفنها وهي على قيد الحياة خوفاً من العار، لأن البنت عند العرب الجاهليين قبل الإسلام كانت تعد من العار الذي يُخشى منه، فيمكن أن تُؤسر فتصبح فضيحة لأهلها بين العرب والقبائل.
قال - تعالى -: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل58-59].
وإذا جاء مَن يخبر أحدهم بولادة الأنثى اسودَّ وجهه ; كراهية لما سمع، وامتلأ غمًّا وحزنًا، يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا بما ساءه من الحزن والعار؛ بسبب البنت التي وُلِدت له، ومتحيرًا في أمر هذه المولودة: أيبقيها حية على ذلٍّ وهوان، أم يدفنها حية في التراب؟ ألا بئس الحكم الذي حكموه، مِن جَعْل البنات لله، والذكور لهم.
وقال - تعالى -: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف17-18].
وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى التي نسبها للرحمن حين زعم أن الملائكة بنات الله صار وجهه مُسْوَدَّا من سوء البشارة بالأنثى، وهو حزين مملوء من الهم والكرب، فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم؟ - تعالى -الله وتقدَّس عما يقول الكافرون علوًا كبيرًا.
أتجترئون وتنسبون إلى الله - تعالى -مَن يُرَبَّى في الزينة، وهو في الجدال غير مبين لحجته ; لأنوثته؟
المقصود من هذا كله أنه لا يجوز للأب أو الولي أن يحجر ابنته أو قريبته على من لا ترغب بالزواج منه، والعادات إذا خالفت الشرع فلا عبرة بها، بل يُضرب بها عرض الحائط، فما كان من عند الله فهو الشرع، وما كان من عند غيره فهو مبتدع ومخترع.
فيحرم على الآباء قصر بناتهم على أبناء عمومتهم أو أقربائهم، مهما كانت الحجج والأعذار، ولم نسمع بهذا في شرعنا وديننا، ولا ريب أن من فعل ذلك فهو عاصٍ لله، مخالف لأمره، الذي أمر برعاية البنات رعاية صحيحة سليمة وفق كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ الثيب حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ "، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ " أَنْ تَسْكُتَ)).
فماذا أنت فاعل بهذا الحديث أيها الأب، يا من تحرم ابنتك بالزواج ممن ترغبه هي، ماذا ستقول لربك إذا وقفت بين يديه، وأنت ظالم لابنتك مجبر لها بالزواج من قريبها بالقوة والجبر؟
أرجو أن تُعد للقائك مع ربك جواباً يكون فيه خلاصك، ولن تهتدي إلى ذلك سبيلاً، لأنك خالفت أمر شرع الله - عز وجل -.
يا أيها الوالد لا تقحم ابنتك في قبضة رجل لا يخاف الله، ولا تزج بها إلى سجن رجل لا ترغبه ولا تريده، وقد يكون عاصياً لله، فربما كان قريبها لا تبرأ به الذمة ضعيف الدين والخلق والأمانة، لا يهتم بالصلاة، أو أنه لا يصلي، أو مصر على بعض الكبائر فاعلم أن النتيجة ستكون وخيمة على ابنتك التي من صلبك، فإذا حصل مثل هذا الزواج فلا شك أنه سيحصل ما لا تحمد عقباه، وما لا ترجى أخراه، فقد يضايق بنتك، ويحملها من العناء والتعب والضرر ما لا تطيق الصبر عليه، فيسهر الليالي ويتركها لوحدها، أو ربما أجبرها على مشاهدة الدش، وترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو ضايقها بشرب الدخان، أو بدأ يسخر منها ويستهزأ بها، ويتلفظ عليها بالسب والشتم واللعن، وربما ضربها فكسر وأسال الدم، فما أنت قائل لله إذا وقفت بين يديه للحساب والجزاء، وابنتك هي خصمك، في يوم كل إنسان يقول فيه: نفسي، نفسي.
فيا أيها الأب، دع عنك عادات الجاهلية، والتعصب الأعمى، واحرص على مصلحة ابنتك، واعلم أن الجنة في مصلحتها ورعايتها وتزويجها للرجل الكفء الذي تريده هي، وابحث لابنتك عن زوج تبرأ به الذمة، وأقنعها به باللين والسهولة واللطف، وسوف توفق إذا علم الله صدق نيتك وحرصك على إبراء الذمة، وما يسعدها في الدارين، أخرج البخاري ومسلم من حديث عَنِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: " جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئاً، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ))، فهل أنت أيها الأب بتزويجك ابنتك ممن لا ترغبه، قد أحسنت إليها، أم أسأت إليها؟
فإن قلت: أحسنت، فقد جانبت الصواب، ولن يوافقك عاقل.
وإن قلت: أسأت، فقد صدقت، وبذلك لم تكن بنتك حجاباً لك من النار، بل ربما كانت باباً لك إلى النار، فتأمل ذلك وتدبره، فهو عظيم عند من يقدرون أمر الله، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ، فَأَدَّبَهُنَّ، وَزَوَّجَهُنَّ بمن يرغبن وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ )) [رواه أبو داود].
فزوجهن، لكن بمن؟ بمن يرضينه ويرغبه، لا بمن يكرهنه، أو بمن يجبرن عليه.
13- أكل راتبها:
ولا يفعل هذا الفعل إلا رجل لئيم، سيء الطباع، ضعيف الدين، ناقص العقل والتفكير، إذ كيف يضيع مستقبل ابنته مقابل حفنة قذرة من مال، سوف يموت ويتركه.
ولقد وجد من الآباء من هم بمثل هذه الصفات القبيحة، فيمنع بناته ويكدسهن بين يديه، وربما بلغن سناً متقدماً في العنوسة، ليجمع رواتبهن كل شهر، ونسي أن الله له بالمرصاد.
نعم أيها الأخوة هناك من فقد عاطفة الأبوة، وحنان الوالد، وكشر عن أنياب الطمع والجشع، وحب الذات، فمنع بناته من أعظم حقوقهن على أبيهن، ألا وهو الزواج، الذي حث عليه الإسلام، ورغب فيه، فأصبح لا يرى إلا الدنيا وبهرجتها وزينتها وأموالها، ولم يدر بخلده أنه لن يأتيه من الدنيا ما كتب الله، وأنه جمع أموال الدنيا لا يزيده إلا غماً وهماً فيه، ويوم القيامة يوقف موقفاً لا يحسده عليه غيره، يقف موقف الجزاء والحساب، فيقال له: من أين لك هذا المال، أجمعته من حلال أم من حرام؟
وهناك تكون الصاعقة والفاجعة، لأنه جمع ماله من كد بناته، وتعبهن، وعرقهن، ومع ذلك يا لته زوجهن بل عضلهن ومنعهن من أعظم حقوقهن عليه وهو الزواج، فجمع هذا الأب كثير من أمور الشر والعياذ بالله.
كل ذلك حتى لا يشاركه أحد في راتب ابنته، وإنني لأعلم آباءً ضربوا أروع المثل في تزويج بناتهم الموظفات، وكلما جاءت إحداهن إلى أبيها بمبلغ تساعده به، رفض وشدد في التعنيف عليها، وقال: أولادك وزوجك أحق به مني، بل ربما وقع في ضائقة مالية، فتراه يذهب إلى فلان وفلان ليستدين، وبناته موظفات يتمنين أن يطرق بابهن ليعطنه ما يريد من مال، ولكنه تعفف واستحيا أن يمد يديه لبناته، لأنه يعلم علم يقين أن هذه البنت الموظفة المتزوجة أو غير المتزوجة، محتاجة لراتبها، لتنفق على نفسها وعلى بيتها وأولادها، وربما كان زوجها في وظيفة لا تفي بأغراض المنزل، فهي تقف معه وتساعده، فهنيئاً هنيئاً لمثل أولئك الآباء، الذين أدركوا خطورة الدنيا، وعملوا للآخرة، ولنصغ لهذا الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ)).
ثم إني أُذكِّر كل أب رأى أن الحياة تتمثل في أكل رواتب بناته، فمنعهن من الزواج، وحرمهن من الذرية، أُكِّره بأنه غاش لبناته، لم ينصح لهن، ولم يجهد لهن، ولم يساعدهن على الزواج، بل منعهن وحرمهن، فهو على خطر عظيم يوم القيامة، عَنِ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ )) [رواه البخاري].
وعند مسلم قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).
فيا أيها الأب ويا أيها الولي تذكر قدومك على ربك بذنوب كالجبال جراء حرمان بناتك من أعظم حقوقهن عليك، تذكر عندما تجد ابنتك واقفة تخاصمك أمام الله - تعالى -، فما أنت قائل، وما أنت مجيب، وما هي حججك عند من لا تخفى عليه خافية؟
فجعل بناتك ستراً لك وحجاباً من النار، قبل أن يكن جسراً تعبر عليه إلى جهنم وبئس المصير، إذا لم ترعهن وتؤدي لهن حقوقهن، فمن هو الذي سيفعل ذلك؟
لقد وجد لدينا اليوم فتيات بلغن الأربعين سنة، بل دخلن فيها، ولم يتزوجن، وهم يدعون الله ليل نهار على أبيهن بالعذاب والويل والنكال، فأين تذهب أيها الأب الظالم من دعوات هؤلاء البنات الكسيرات المظلومات، ألن تعلم أن الله - عز وجل - تكفل بنصرة المظلوم ولو بعد حين، فربما أدركت دعوتهم عند موتك، فلا ينطق لسانك بلا إله إلا الله، بل ربما نطق بكلمة تختم لم بخاتمة السوء، وربما أدركت المنية في حادث مؤلم تراه العذاب فيه قبل أن تموت مئات المرات، وربما ادخر لك العذاب يوم القيامة، فلا تشتري عذاب الله بأكل أموال بناتك ورواتبهن ظلماً وجوراً، بل زوجهن، وإن كنت مستحقاً فاتفق أنت وابنتك على نبلغ شهري تعطيك إياه، واشترط ذلك في عقد نكاحها على زوجها، ولسوف يُرضيك مبلغ من المال تتسامح فيه النفوس، وهو أعظم بركة من مال تأخذه ظلماً وعدواناً، فقم واخطب لبناتك يرزقك الله برهن وبر أولادهن، وإياك أن تكون الدنيا هي أكبر همك، ومبلغ علمك، فتهلك في أودية المال الحرام، وظلم البنات المسكينات اللاتي لا حول ولا قوة لهن إلا بالله، فهو نعم المولى ونعم النصير.
يتبع
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..وبعد:
لا شك أن الجيش في كل دولة هو حصنها الحصين، ودرعها المتين، الجيش هو قوام الدول والشعوب، به تتباهى، وبه تتفاخر، ألم نرى الدول اليوم، وهي تعرض جميع قواتها البرية والبحرية والجوية، وتدعو لذلك بعض قادة العالم ليشاهدوا استعراضها العسكري؟
كل ذلك من أجل ردع الدول التي تحاول المساس بأمنها، والعبث بمقدراتها، حتى يكون ما يعرض من عدة وعتاد وعسكر رادعاً لكل من تسول له نفسه التعرض لتلك الدول بأي شكل من أشكال الأذى، أو أي صنف من صنوف الاعتداء.
الجيش مفخرة لكل دولة، لأنه يحميها من عدوان المعتدين، وتربص المتربصين، لكن لدينا جيش لا نفخر بوجوده، ولا نعتز بكثرته، بل يتملكنا الامتعاظ إذا ذُكر عدده، ونطمع في تفكيكه، ونروم تشتيته، لأن تكدسه وتجمعه عار على الأمم، ووبال على المجتمع والدول، لا نفع في تكثيره، ولا خير في تجميعه.
وكأني بكم تريدون معرفة هذه الجيش من النساء.
لوجود هذا الجيش أسباب، فإذا ما عرفنا أسباب تجمعه، فلا شك أن وصف الدواء والعلاج لتفرقه سهل ميسر بإذن الله - تعالى -.
فمن هو هذا الجيش، وما عواقب كثرته، وما أسباب وفرته، وما علاج فرقته؟
هذا ما سنعرفه من خلال الأسطر التالية:
اللهم يا معلم إبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا
جيش النساء:
أما الجيش: فهو العوانس، لقد بلغ عدد العوانس لدينا حوالي ثلاثة ملايين عانس من البنات، وأمثالهم من العزاب من الرجال.
وحديثنا هنا عن العوانس، هذا الجيش الذي يفوق عدده عدد بعض الجيوش بأضعاف مضاعفة من المرات.
هذا الجيش لا خير في كثرته، بل كثرته سبب لكثير من البلايا والمآسي والرزايا.
لقد كثر عدد الإناث، وفاق عدد الذكور، وهذا مصداق قول الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: " لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ )).
يعني: حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد يقوم على مصالحهن، لكثرة النساء، وقلة الرجال، واليوم نحن نعيش بداية هذه العلامة من علامات الساعة الصغرى، فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.
عواقب العنوسة:
نعم والله، إن لهذا الجيش من العوانس لعواقب خطيرة، ونتائج مريرة، يئن منها المجتمع، تحت وطأة الضغوط النفسية، والآلام الاجتماعية، التي تعيشها كثير من الفتيات في ظل غياب كامل لوجود آباء وأمهات لا يقدرون للأمور قدرها، ولا يقيمون لها وزنها، في سكوت رهيب، ووجوم غريب، من قبل الجهات المعنية.
هذه العواقب أو الآثار المترتبة على وجود هذا الجيش كثيرة، تغاضى عنها الإعلام، لأنه لا يريد علواً للإسلام، وأهملها كثير من الأئمة والخطباء، لأنهم ربما لم يعيشوا هذه المأساة، ولم تطرق أسماعهم هذه الأرقام المذهلة لعدد العوانس في بلادنا، والتي تئن من وطأتها كثير من الفتيات.
أما وسائل الإعلام، فأهدافهم مكشوفة، وألاعيبهم معلومة، لأن الغالب القائم على وسائل الإعلام ممن لا يخفون علينا، فهم يريدون أن يجروا المرأة المسلمة إلى براثن الرذيلة، ومستنقعات الشذوذ، و*** ما لديها من فضيلة، يريدون التمتع بها، والتلذذ بعرضها، فهم يسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين.
والآثار المترتبة على العنوسة كثيرة منها:
1- انتشار الفاحشة:
لا شك أن وجود وفرة كثيرة من النساء في سن الزواج، ولم يتزوجن، فإنها مشكلة كبيرة وعظيمة، وعواقبها وخيمة، لاسيما مع هذا التقدم الهائل من البث الإعلامي المتدفق، الذي بلي به كثير من المسلمين، مما أسهم سلباً في انتشار جريمة الزنا، وهذا أمر ملموس، لا يخفى على كل ذي لب وعقل صحيح سليم، ولا ريب أن هذه الأرقام الفلكية من جرائم الزنا، والوقوع في الفاحشة، دليل على أن هناك مشكلة متفاقمة يجب حلها، واجتثاث جرثومتها، واستئصال شأفتها، وا***اع أصلها.
2- عموم العذاب:
انتشار فاحشة الزنا، وفعل الخنا، سبب لوقوع البلاء، وحصول الداء، ونزول العذاب من الله - تعالى -، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )) [رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 679].
3- السمعة السيئة للأسرة:
لا شك أن كل أسرة في هذا الكون الفسيح تسعى للسمعة الطيبة، والذكر الحسن، وهذا أمر جبلي، فكل يحب المدح، إذ لا يوجد إنسان على وجه الأرض يُحب أن يُذكر بسوء، ولو كان سيئاً، فكيف بمن هو من أحسن الناس ديناً وخلقاً وصلاحاً وأدباً، فالأسرة تسعى لصلاح أفرادها لتحظى بهذه السيرة العطرة بين الناس، فإذا ما وجد في الأسرة فرد كلٌ عليها، تجرعت المرارة، وذاقت الألم، وأصبحت أثراً بعد عين، بل أصبحت في خبر كان، ولا شك أن من أسباب تلك السمعة السيئة، وجود العوانس داخل الأسر، مما يجعل الأصابع تشير إلى ذلك المنزل، وتلك الأسرة بعلامات الاستفهام، لماذا لم تتزوج بنتهم وقد بلغت من السن مبلغ الزواج، ولم تتزوج، لابد أن في الأمر شيء، وهنا يبدأ الناس يشككون في هذه الأسرة وفي تلكم البنات العفيفات، لأن الناس لا يرحمون، وربما وجدت العانس طريقاً غير سوي تعبر فيه عن مشاعرها تجاه الرجال، ففي كلتا الحالين، يُشار للأسرة بأصابع الاتهام والسوء، وحتى يُقضى على ذلك، يجب علينا أن نزوج من بلغت سن الزواج، في ظل وجود الخاطب الكفء، ولا نتأخر أبداً، هكذا نخرس الألسن، ونسكت الأفواه، ونحتفظ بالسمعة الطيبة، والسيرة الحسنة، ونتقي الله - تعالى -في البنات.
4- السمعة السيئة للدولة:
ليس من المعقول أن تكون هناك دولة تملك من الأموال الطائلة ما تملك، ويوجد بها رجال عزاب، ونساء عوانس، إذ الدولة مكلفة بتزويج من لا يستطيع الزواج، ممن ثبت عجزه، في بادرة طيبة بما يُسمى بالزواج الجماعي، فمثل هذا الزواج غير مكلف، ويجمع الكثير من الأزواج، ويزيد النسل، لنقارع به الأمم، ونخيف به الشعوب، وهذه سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (( إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: " لاَ "، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ )) [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الألباني: حسن صحيح]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ الزواج وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ العزوبة نَهْياً شَدِيداً وَيَقُولُ: (( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [رواه أحمد]، وعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) [رواه الترمذي وقال الألباني: صحيح لغيره]]، فلا يُعقل أن يوجد هذا الكم الهائل من العوانس، في دولة حباها الله - تعالى -الخير والبركة وكثرة سبل الرزق، فعلى الجهات المعنية أن تهتم بالأمر أشد عناية، لما يترتب عليه من عواقب سيئة، وسمعة غير مرضية، وربما اصطاد في مثل هذا المورد من لا خلاق له، ممن يسعى لبث الفتنة، وتأليب المجتمع على قادته وعلمائه.
5- كثرة أولاد الزنا:
لا شك أن العلاقات المشبوهة المحرمة بين الشباب والشابات، أو بين الرجال والنساء، سبب لوجود الحمل، مما يؤدي إلى إنجاب أولاد من سفاح، بسبب علاقات محرمة، فينتج أولاد الزنا، وربما زادوا مع الكبيرة كبيرة أخرى أعظم منها وأشد، وهي *** ذلك المولود إذا ولدته أمه، إما ***اً متعمداً، أو بإلقائه عند المساجد، أو في أماكن الزبالة أجلكم الله وهذه جريمة عظيمة عند الله - تعالى -، وعند الناس، قال - تعالى -: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء93]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً )) [رواه البخاري]، فإذا أصاب العبد دماً حراماً ظلماً وعدواناً، فإنه يضيق عليه دينه، حتى ربما كفر بالله - تعالى -.
6- انتشار الأمراض المهلكة:
إن الانحراف الخلقي، وفشوا جريمة الزنا، سبب لكثير من الأمراض الخطيرة المهلكة التي احتار الطب الحديث في إيجاد علاج ناجع لها، ومن أعظمها خطورة، وأشدها فتكاً، مرض الإيدز، الذي فتك بملايين البشر اليوم، وسببه العلاقات ال***ية المحرمة بين الرجال والنساء، أو بين الرجال بعضهم بعضا وهو ما يسمى اللواط.
7- ال*** خوف الفضيحة:
المشاهد اليوم أن العنوسة، وتأخير زواج البنت حتى يفوتها قطار الزواج، ربما كان سبباً للانحراف، مما يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، مما يسبب الفضيحة في بيت تلك الفتاة المنحرفة، ومن ثم ربما أدى إلى ***ها، خوف العار، وخشية الفضيحة، والصحف تعلن لنا بين الفينة والأخرى مثل هذه الأحداث الرهيبة المخيفة، لكن لو تم تزويج الفتاة ممن تقدم لخطبتها، أو عرضها أبواها أو وليها للرجل الكفء، لحسمت مادة الجريمة والفاحشة من أصلها، ولسلمنا من كثرة العوانس، وبالتالي عدم وقوع ال*** والفضيحة والعار.
8- الانتحار:
عندما ترى الفتاة قريباتها وصديقاتها من حولها، ينخطبن ويتزوجن وينجبن، وهي لم تحظى بهذه الفرصة التي تتمناها كل فتاة، لتكون لبنة صالحة في المجتمع، ونواة خير فيه، تريد الفتاة أن يكون لها بيت مستقل، وزوج وأولاد، فحرمانها من ذلك يؤدي إلى اضظرابات نفسية داخلية، ربما تؤدي إلى الانتحار والتخلص من هذه الحياة، لاسيما في ظل وجود آباء وأمهات ظلمة ***ة، لا يرعون للتربية حقاً، ولا يعرفون للحنان صدراً.
9- الإذن بالأفول:
ما من دولة أو شعب يعصي الله - تعالى -، ويتمادى في الغي والعصيان، إلا تفكك شمله، وتشتت أهله، وربما أرسل الله عليهم عدواً يفتك بهم، ويقضي عليهم، وهذه سنة كونية لا مرد لها من الله، فالعنوسة تؤول إلى فعل الفاحشة، وارتكاب المعصية، وغير خاف على كل مسلم ومسلمة ما للمعاصي من خطورة بالغة على الأفراد والمجتمعات والأمم والشعوب، فالمعاصي والذنوب ظلم للبشرية، تتعدى لأواءها الإنسان إلى الطير والحيوان، ولقد توعد الله أهل القرى الظالمة بالعذاب، قال - تعالى -: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً) [الطلاق8]، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج48].
فعلى العبد أن يستغل فترة المهلة، قبل أن يفاجأ بيوم النقلة، عندما ينتقل من هذه الحياة الدنيا مفلس من الحسنات، محمل بالسيئات، فالله يملي للظالم ليتوب، فإن زاد في طغيانه، وتعاظم في ظلمه، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) [متفق عليه].
كانت تلكم مجمل العواقب أو الآثار المترتبة على العنوسة، وإن المتأمل فيها ليجد أن الأمة على خط الخطر ما لم تتدارك نفسها، بإيجاد الحلول الجذرية الصحيحة، للقضاء على مشكلة العنوسة، والتي سنبينها بين طيات هذه الرسالة بإذن الله - تعالى -.
سن الزواج:
ليس للفتاة سن محددة متى بلغتها تزوجت، بل يرجع الأمر إلى قدرة الفتاة على تحمل أعباء مسؤولية الزوج والبيت والذرية، ولا يعول على الناحية الجسدية كبير معول، بل متى كانت قادرة على القيام بالحقوق الزوجية، والمنزلية، وتربية الأبناء، فقد بلغت سن الزواج، وأيضاً لا يعول على هذه الناحية كبير معول، ولا تُحمل ما تحتمل، فمن الفتيات من ترى أنها غير قادرة على تحمل المسؤولية، وبعد الزواج انقلب الأمر رأساً على عقب، وإذ بها ربة بيت ناجحة، ناجحة في التعامل مع زوجها، وإدارة شؤون بيتها، وناجحة في تربيتها لأبنائها.
سؤال: متى يُقال للفتاة عانس؟
الجواب:
أظن أن الفتاة إذا بلغت سن الثلاثين أو قاربته ونهازته فقد دخلت سن اليأس، وقال الكثير أن سن الخامسة والعشرين هو سن العنوسة، فإذا بلغت البنت هذا العمر فإنه يقال لها عندئذ عانس.
وليس لبدء الزواج سن محددة كما أسلفت، ومن تأمل سير الصالحين من هذه الأمة وجد عجباً والله، فالبنت تتزوج في سن مبكرة، وأعظم برهان على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد خطب عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وتزوج خديجة - رضي الله عنها - ولها أربعون سنة، وهو ابن خمسة وعشرون سنة، ولنا فيه قدوة حسنة، وأسوة طيبة.
أسباب العنوسة:
العنوسة هي الشبح المخيف الذي يلاحق كثيراً من الفتيات، حيث كشفت إحصائية عن وجود نحو 3 ملايين عانس بالمملكة، وأكد بعض الاختصاصيين أنه رقم كبير ومخيف، وينذر بكارثة اجتماعية إن لم توجد الحلول الجذرية لهذه الظاهرة.
ولهذا الظاهرة الخطيرة أسباب كثيرة، ومن تأمل هذه الأسباب حق التأمل، وجد أنها ليست بأسباب حقيقة لوجود ما يُسمى بالعنوسة، بقدر ما هي تعقيدات، وطمع، ودلال، وهروب من المسؤولية، وطلب للعزوبة، والعزوبة منهي عنها، كما بينته فيما سبق، ودليل ذلك، الأدلة التي سقتها قبل هذا، وأيضاً هذا دليل آخر في الصحيحين من حديث عن سعد بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن مَظْعُون نَفْسه " أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَجُل يَشُقّ عَلَيَّ الْعُزُوبَة، فَأْذَنْ لِي فِي الْخِصَاء، قَالَ: (( لَا، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالصِّيَامِ )) [فتح الباري 14 / 307].
وفيه النهي عن العزوبة، والدعوة إلى الزواج، لما في ذلك من تكثير لسواد الأمة، ومكاثرة بهم أمام بقية الأمم، في الدنيا والآخرة، فعلى الفتاة أن تسعى جاهدة لقبول الخاطب الصالح، وعلى ولي أمر الفتاة أن يُسارع بزواج موليته، ولا يعضلها ويمنعها عن الزواج، لأي سبب كان، بل عليه أن يجتهد في ذلك.
وللعنوسة أسباب نتطرق إليها بشيء من الشرح والطرح، لعل الله - سبحانه - أن ينفع بها الجميع، فمن أسباب العنوسة:
1- عزوف الشباب عن الزواج:
وسبب ذلك يرجع إلى انحراف بعض الشباب، والسفر لخارج الحدود والولوغ في أوحال الفاحشة، ومستنقعات الرذيلة، ويكتفي بالحرام عن الحلال، والبعض يخاف من خيانة الزوجة له، لأنه يرى أن كل النساء خائنات، ويعتقد خطأً أن كل النساء منحرفات.
وهذا رد فعل طبيعي لمن خرج عن فطرته السليمة، واتبع هواه والشيطان، واستمرأ فعل الحرام، أن يظن ظن السوء.
2- مواصلة الدراسة:
تعتذر بعض الفتيات عن الزواج في بعض المراحل الدراسية، بحجة إكمال الدراسة، وربما فشلت في دراستها، أو تعرقلت في بعض سنين الدراسة، فتزيد على سنوات الدارسة سنوات أخرى، فيمر عليها العمر وهي لا تشعر، حتى يفوتها قطار الزواج، وسن النكاح، ثم لا يرغب بالزواج منها أحد، مع أن الزواج ربما كان من أعظم الوسائل المعينة على الحفظ والاستذكار والنجاح، بل وحتى التفوق، لاسيما في ضوء وجود زوج عاقل فاهم، يقدر أمر الزوجة، ويعينها على دراستها وتفوقها وهم كثير، في كتب التربية وعلم النفس، أن الكثير من الشباب والشابات البالغين سن الزواج، يكون عندهم شرود ذهني، وكثرة في الأفكار والسرحان، ثم ضعف في التحصيل العلمي، فلما تزوجوا، ذهبت عنهم هذه الأفكار، وصفت عقولهم، وزاد فهمهم وتركيزهم في دراستهم، حتى أصبحوا من المتفوقين والمتفوقات.
فعلى الفتاة إذا تعارضت فكرة الزواج وإكمال الدراسة، فعليها أن تقدم الزواج على الدراسة، لأن الزواج مطلب شرعي، أما إكمال الدراسة فأمر ثانوي، وإذا لزم الأمر، فلها أن تشترط إكمال الدراسة، وبذلك تحقق أملين مهمين، الزواج وإكمال الدراسة.
وعلى الفتاة أن تحذر من التسويف والتسويل والمماطلة، فربما فاتها سن الزواج، ثم ندمت بعد ذلك، في حين لا ينفع الندم.
وفعلاً كم من فتاة أضاعت سن الزواج بسبب حجة الدراسة، ثم تمنت لو ضحت بالشهادة من أجل أن تسمع كلمة [أمي أو ماما]، ولكن فات القطار.
ومن المعلوم أنه يوجد بعض الفتيات متزوجات وهن يدرسن في الصف الثالث متوسط، أو في أول ثانوي، وإن كن قليلات، ثم يكثر عدد المتزوجات في الصف الثاني والثالث الثانوي، فاحذري تأخير الزواج بحجة مواصلة الدراسة.
3- تراكمات أحداث سابقة:
ربما تربط بعض الفتيات، بعض الأحداث القاسية في حياتها بكل رجل، فربما كان الأب قاسياً في تعامله مع أبنائه وبناته، وربما كان الأخ أيضاً وحشاً كاسراً مع أخواته، فلا احترام ولا توقير، ولا إجلال ولا تقدير، بل على العكس من ذلك، سباب وشتائم، وركل ورفس، فتتراكم هذه الأحداث، حتى تصبح حلماً مفزعاً، وهماً مفجعاً، وتحسب الفتاة أن كل الرجال بهذه الشاكلة من سوء الأخلاق، و*** التعامل، وسيء الطباع.
وربما كانت تخاف من الفشل، لأنها تسمع وترى بعض قريباتها أو صديقاتها، فشلن في زواجهن، فتخاف أن ينسحب الأمر على كل الرجال.
أو الخوف من عدم القيام بحق الزوج، أو الخوف من عدم القيام بشؤون المنزل، وربما كانت إحداهن ترغب في الراحة والدعة، حتى يفوتها الزواج، وتدخل في سن العنوسة المتأخرة التي لا يرغب بالزواج منها أحد، فتخسر بناء أسرة مسلمة تفيد أمتها ومجتمعها، وتخسر زوجاً يكون لها جنة في الدنيا والآخرة، وأبناءً صالحين، يدعون لأمهم، فعلى الفتاة أن تحكم عقلها قبل عاطفتها وما يمليه عليها تفكيرها الخاطئ، بترك الزواج، وعليها أن تقدر للأمور قدرها، وتقارن فوائد الزواج، بمضار العنوسة، إذ لا مقارنة بين الأمرين.
لاسيما والشرع جاء في الأصل بالزواج، ونهى عن العزوبة.
فللزواج فوائد كثيرة، كبناء الأسرة، والحفظ من الانحراف، وتحقيق المكاثرة، وغير ذلك كثير.
وللعنوسة مضار كثيرة، ذكرتها في بداية هذا الموضوع، فلا يمكن لعاقل أن يقارن بين أمرين أحدهما حلو والآخر مر علقم، أحدهما يقرب إلى شرع الله، والآخر يبعد عن مقصود الشرع من الزواج.
4- المبالغة في صفات الزوج:
بعض الفتيات تطلب صفات في الزوج، ربما لا يمكن أن توجد في رجل، فتجدها كلما تقدم لها خاطب ردته، وتتخذ الأعذار في ذلك، هذا طويل، وذاك قصير، وهذا ضعيف الشخصية، وهذا غير جميل، وهذا وظيفته غير مرموقة، أو راتبه قليل، أو ليس لديه وظيفة.
والأدهى من ذلك أنها ترفض شاباً لأنه ملتزم ومتمسك بشعائر دينه، وتدعي بأنه لا يحقق لها رغباتها الشخصية، من إيجاد دش، وتبرج، ونقاب فاتن، وعباءة محرمة، ومشية مجرمة، أو الخروج للأسواق، أو الحدائق المختلطة وما شابه ذلك من أمور منكرة، فتترك هذا الكفء من أجل طلبات محرمة.
ولا شك أن مثل هذه الفتاة إن فعلت ما نهى عنه الشرع، ورفضت الكفء فهي على خطر عظيم، فربما فسدت حياتها من بدايتها بسبب ذلك، لمخالفتها الصريحة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرج الترمذي من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )).
5- التزويج بالترتيب:
هناك من الآباء والأولياء من ملئت قلوبهم قسوة وظلماً، ف***وا بناتهم، لا ***اً حقيقة، ولكن ***وا فيهن حب العفاف وذلك بالزواج، وتكوين الأسرة، فترى ذلك الأب الظالم، يرفض تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى، بحجة مريضة مهيضة، وأنه لابد من تزويج الكبرى ثم الصغرى، ولا شك أن هذا من أعظم الظلم، وأشد الطغيان، فهل من الحق والعدل أن يمنع أب زواج إحدى بناته التي كتب الله لها ذلك، وجاءها نصيبها، وقدرها الذي قدر الله لها، بحجة واهية أوهى من بيت العنكبوت، فعلى الآباء أن يتقوا الله - تعالى -في أنفسهم وبناتهم، وأن لا يحرموهن من الزواج تحت أي اعتذار، إذا جاءها مرضي الدين والسيرة، حسن الأخلاق، فبأي حق تُمنع فتاة من الزواج برجل كفؤ لها؟
فليتق الله أولئك الآباء، وليتذكروا يوم الوقوف بين يدي الله - تعالى -يوم القيامة، فقد قال - تعالى -: (وقفوهم إنهم مسؤولون)، وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ )) [رواه مسلم].
ولا أعلم من أين أتينا بهذه الموانع والعوائق عن الزواج؟ أهو تقمص لما يُشاهد من مسلسلات وتمثيليات، أم ماذا؟
لأننا لا نعرف هذه العادة القبيحة إلا من الدخيل علينا من العادات والتقاليد، التي يمليها علينا الشرق والغرب، حتى تقمصنا عادات سيئة، وقع ضحيتها البنون والبنات، وخصوصاً البنات، لأن البنت لا تستطيع أن تأخذ بحقها أو تدافع عنه، لاسيما من والديها، فهي دائماً تتميز بقلب رحيم، وعاطفة جياشة، فعلى الآباء والأمهات أن يراعوا المصالح العامة، لا المصالح الخاصة، فإذا تقدم لإحدى البنات خاطب كفء فعلى الأب أن يُسارع في ستر ابنته وتزويجها، وأن لا يؤخر ذلك، فإذا تقدم للوسطى مثلاً خاطب كفء، سارع بالزواج، وهكذا الصغرى والكبرى، فالإنسان لا يدري أين الخيرة لبناته، فربما تأخر زواج واحدة، وتعجل زواج الأخرى لحكمة يعلمها الله - تعالى -، ونحن لا ندركها.
وربما تعذر بعض الآباء بعدم تزويج من هي أصغر منها، بزعم أنه يجبر خاطر الكبرى، ولا يكسر قلبها، حتى لا تتعقد، وقد يكون في الكبرى بعض الموانع من الزواج مثل: قلة الجمال، أو عدم التمسك بالدين، أو السمعة السيئة، أو أن الكبرى لا ترغب بالزواج الآن، أو غير ذلك من الأسباب.
وبإصرار الوالد على تزويج الكبرى تكون الضحية أخواتها، بأن يدخلن في مرحلة العنوسة بسبب أختهم الكبرى، التي أصبحت حجر عثرة عليهن، وإذا نظر العاقل بعين البصيرة فإنه يعلم أن الزواج قسمة ونصيب، ولعل من أسباب نصيبها فتح المجال لأخواتها بالزواج إذا تقدم لهن الكفء.
وعلى الفتاة الكبرى أن تصارح والدها ووالدتها بضرورة السماح لأخواتها بالزواج، وأن عدم تقدم الزوج لها من قضاء الله وقدره، وتقنع والدها بأن رفضه من تزويج أخواتها معناه إجبار للأزواج أن يتقدموا للكبرى، وهذا الرفض يؤدي ببقية الأخوات إلى العنوسة، وعليها أن تقنع والدها بأنه لا مانع من تزويج أخواتها الأقل منها سناً، وأنها راضية وبكل فرح وسرور.
وأُذكر بأمر مهم، وهو ان بعض الأزواج يكون معدداً، والغالب أن الضرات لا يحبين الخير لبعضهن، ويضايقن أبناء بعضهن.
فربما لإحداهن بنت كبيرة هي أكبر البنات، وللأخرى بنات أخريات قد بلغت سن الزواج، بل تعدين سنة الخامسة والعشرين، وبإصرار وإلحاح من أم الكبرى، يمنع الأب زواج بناته الأخريات، ظلماً وعدواناً، فهذا لأب معين على الشر، جالب للضرر، متهم بالظلم، فأين يذهب من الله - تعالى -يوم القيامة؟
لأن بعض البنات الكبريات ربما لا تكون جميلة، أو لا تحسن معاشرة الناس ومعاملتهم، أو بها من العيوب ما بها، فهل تبقى عقبة في زواج أخواتها؟
أُريد من كل أب أو أخ أن ينظر إلى هذا السؤال بعين العقل، لا بعين الرأفة بالكبيرة، بل بعين العدل والإنصاف، فهل يُعقل أن تبقى بقية البنات حبيسات أجدر أربعة من أجل أختهم الكبيرة لأنه لم يتقدم لها أحد.
النصيب إذا جاء لإحدى البنات صغرى أم كبرى أم وسطى، فالواجب على ولي البنت أن يسرع بزواجها، وانتهاز الفرصة لذلك، فربما ذهب الخطَّاب ولم يعودوا بعد ذلك أبداً.
فاتق الله أيها الولي أياً كنت أباً أم أخاً أم غير ذلك ن فأنت والله موقوف ومسؤول عن هؤلاء الفتيات، أرعيت الأمانة أم خنتها؟
يا أيها الآباء زوجوا بناتكم أتريدون أن يزنين؟ أتريدون أن يتسكعن في الشوارع والأسواق؟ أتريدون أن يأتين ببهتان بين أيديهن وأرجلهن؟ أتريدون أن يملأن بيوتكم أولاد زناً؟
زوجوهن تخرجون من إثمهن، زوجوهن تهربون من ظلمهن.
شكوى:
فتاة تشكو ظلم والدها، وعدم تزويجها، يتقدم لها الخطاب من كل مكان، حفاظ لكتاب الله، وأكفاء وأحساب وأنساب، والوالد يرفض، والأخ يأبى، حتى بلغت الأربعين، وعندما حضر الموت والدها وهو على فراش الفراق، تذكر ظلمه لابنته، وطلب السماح منها، فقالت: والله لن أسامحك، ولن أستغفر لك، ولن أدعو لك، حرمتني الزواج، الموعد بين وبينك يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله، ليحكم بيني وبينك.
وأخرى بلغت سن العنوسة، بعد رفض والدها لكل الخطاب، حتى بلغت سناً لا يرغب بها أحد، وسار بها قطار العمر حتى مرضت مرض الموت، فطلبت والدها وهي تجود بأنفاسها، وتقول لأبيها: قل آمين، فقال آمين، قالت: زد قل آمين، فكررتها ثلاث مرات، وأبوها يقول: آمين، قالت: حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج.
فيا أيها الناس حكموا شريعة الله، وزوجوا البنات، ولا تعضلوهن، فعضلهن حرام، ومعصية وظلم وعدوان، لا تعيدوا نعرات الجاهلية، والعصبية المذمومة، ألم تطرق أسماعكم أية المائدة: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة50].
6- الإعجاب والغرور:
من الفتيات من ترغب بالزواج من شخص رسمت شخصيته، أو رأته فأعجبت به، وربما كان هذا الشخص من أفسق الناس، وأبعدهم عن التقوى، فهي تريد هذا الزوج، والوالد والوالدة لا يريدونه، فيقع الاختلاف ومن ثم عدم الزواج، حتى تصبح عانساً، ترفض الزواج من كل خاطب إلا من ذاك الرجل الذي تريده مع ما به من موانع شرعية، ومخالفات دينية.
وهنا كلمة مهمة:
وهي أنه ربما أعجبت الفتاة بشخص رأته عبر الشاشات أو سمعته في محاضرة أو في برنامج، فأحبته، وربما كلمته وعرضت عليه نفسها للزواج.
وهنا مكمن الخطورة، فالمرأة في حالة لا تترك الخيار هنا للعاطفة، فربما كان هذا الرجل فاشلاً في حياته الزوجية، يختلف تماماً عن الظهور، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن العاطفة الزوجية، بل ربما كان على العكس من ذلك تماماً، فالمنظر غير الجوهر، فلابد من السؤال عنه أولاً، ثم يتدخل في الموضوع من هو أهله، من أقرباء الفتاة، ويفاتح ذلك الرجل ويعرض عليه الفتاة للزواج منها، ولا يعرضها كسلعة، وأنها رأتك وأحبتك، فربما يدخله الشك، يقول لسان حاله: رأتني اليوم وأحبتني، وغداً ترى غيره وتحبه، بل على الفتاة أن تكون أكثر نضوجاً، وأنضج عقلاً، ولا تسرع إلى مثل هذه الأمور، فنهايتها ربما كانت مؤلمة مهلكة، بل التروي التروي.
7- رفض المعدد:
أقول كلمة قبل الخوض في هذه النقطة:
الرجل الذي لديه زوجة وهو سعيد معها، ليس هناك منغصات في حياته، ولا يحتاج مع زوجته إلى زوجة أخرى، لأي سبب من الأسباب الداعية إلى التعدد، فلا داعي للتعدد، لأن التعدد له أسبابه، فمن لم يكن لديه سبب يجعله يعدد فلا حاجة لأن يتعب نفسه، ويقلق راحته بزوجة ثانية، طالما أنه سعيد مع الأولى.
وأعود إلى الموضوع فأقول:
هناك من الفتيات من لم يتقدم لها إلا المعدد، الذي لديه زوجة أو أكثر، فإن كان هذا الرجل من أهل الخير والصلاح، فما المانع من الزواج به، وكم من الزوجات من يعشن مع بعضهن في بيت واحد وكأنه أخوات بل ربما أكثر من الأخوات، لاسيما في ظل وجود زوج عادل ملهم يقدر للمرأة قدرها، ويعرف لها حقها، فما المانع من الزواج بالمعدد؟
بل إن التعدد هو الأساس كما قال بعض أهل العلم، مستندين إلى قول الله - تعالى -: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) [النساء3].
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله: " تعدد الزوجات سنة لمن قوي على ذلك، وأراد بذلك عفة فرجه، وغض بصره، أو تكثير النسل، أو تشجيع الأمة على ذلك ".
ولا شك أن العاقل المنصف من الرجال والنساء يعلم بأن تعدد الزوجات فيه مصالح كثيرة، ومنافع عديدة، وحكم جمة، ومن هذه المنافع والحكم والأسباب:
1 أن الرجل السليم قد يكون لديه الاستعداد والقدرة أن يسد الحاجة لدى أربع نسوة ويعفهم.
2 أن الرجل يكون مستعداً للنسل ولو بلغ ثمانين عاماً، وأن المرأة في الغالب إذا بلغت خمسين عاماً يئست من المحيض، وتوقفت عن الإنجاب، ولاشك أن كثرة النسل مطلوبة، حتى تكثر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث: (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).
3 أن النساء يعرض لهن الحيض والنفاس والأمراض، مما يمنع الرجل من إتيانها في هذه المدة، فيخاف على نفسه من الانحراف.
4 قد تكون المرأة عاقر لا تنجب، وهو يحبها فيتزوج عليها ولا يطلقها.
5 قد تكون المرأة غير جميلة وله أولاد منها، وقد تكون من أقاربه فيتزوج عليها ولا يطلقها.
6 قد يقع الاضطرار من النساء للرجال، لقلة الرجال، سبب الحروب أو لكثرة النساء، فإن النساء غالباً أكثر من الرجال، كما أخبر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (( في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة القيم الواحد )) [رواه البخاري ومسلم].
فهذا قليل من كثير من حكم ومنافع وأسباب تعدد الزوجات في الإسلام فيجب علينا جميعاً أن نعي إباحة تعدد الزوجات، سمعاً وطاعة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد قال - سبحانه -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) [الأحزاب36].
ملاحظة:
على الفتاة أن تحسن الاختيار، بأن يكون الزوج المعدد المتقدم لها صالحاً أميناً ذو خلق رفيع، يخاف الله ويراقبه - عز وجل -، قبل أن يراقب زوجاته، ويخاف من عقوبة الله في الظلم وعدم العدل بينهن.
وربما رفضت كثير من الفتيات الزواج بالرجل المتزوج، بحجة التعدد، وعدم العدل بين الضرات، لأنها ربما سمعت عن بعض الأزواج الذين لا يخافون الله - عز وجل - ولا يعدلون بين زوجاتهم.
وليس كل الناس شيء واحد، فهناك من لديه زوجتان وأكثر، ومع ذلك فهم جميعاً في سعادة وهناء، وراحة وسرور.
ومنهم من لديه زوجة واحدة وهي تكيل له من العناء والتعب والهم ما لا يعلم به إلا الله - عز وجل -.
وعلى المعدد الذي لا يعدل بين زوجاته أن يتقي الله - تعالى -ويخاف عقوبته وسطوته ونقمته يوم القيامة، وهذا وأمثاله على خطر من التهديد والوعيد الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ )) [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد]، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وربما كان سبب رفض الرجل المتزوج من قبل الفتاة، أنها تشاهد عبر المسلسلات من يظهر تعدد الزوجات على أنه جريمة كبرى، ومصيبة عظمى، وأنه ظلم للزوجة الأولى، حتى يشوهوا صورة التعدد عند الفتيات والنساء، حتى أننا سمعنا وقرأنا في بعض الصحف والمجلات من يحارب تعدد الزوجات، وربما دعوا وسمحوا للزوج بالحبيبة والصديقة والعشيقة، وكذلك للفتاة باتخاذ الحبيب والصديق.
ولا ينكر تعدد الزوجات إلا جاهل أو معاند أو حاقد على الإسلام وأهله وحاقد على المرأة نفسها، وهذا وأمثاله محكوم بكفره، إذا كان يحارب التعدد المشروع ويعيبه وهو يعلم أن الله أباحه لأنه رد أمر أنزله الله في كتابه فقال - سبحانه وتعالى -: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) [النساء3].
التعدد كما قال بعض العلماء هو سنة الزواج، فالأصل التعدد ن ومن لم يستطع فعليه بالواحدة، ومن دعا إلى نبذ التعدد ومنعه وكره، فقد كفر بالله - تعالى -، قال - سبحانه -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد9].
وأما الغيرة والحزن الذي يصيب أكثر النساء عندما يأخذ زوجها الأخرى، فهي غيرة عاطفية وطبيعية إذا كانت في حدود المعقول، وقد حصلت هذه الغيرة من بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع المنزل من الحكيم العليم بعباده، وبما يصلح دينهم ودنياهم وآخرتهم، فمن فضل الله - عز وجل - ورحمته بعباده أن أباح للرجل تعدد الزوجات المشروع والمشروط بالعدل، وهو بلا شك من أعظم الأسباب للقضاء على العنوسة في هذا الزمان، فأوصى الفتيات الحريصات على مستقبلهن أن توافق الزواج من المتعدد إذا كان صالحاً وأميناً وصاحب خلق، وإن كان نصيبها منه نصف رجل أو ثلثه فهذا خير لها من أن تبقى عانساً، وخير لها من زوج كامل لا يقوم بحقوقها، ولا يعاشرها بالمعروف، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في ضعف إيمانها، إذا أدخل عليها الدش أو شجعها على التبرج والسفور، أو لم يأمرها بالصلاة في وقتها وبطمأنينة، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في دخولها النار والعياذ بالله.
8- عدم الظهور:
والمقصود بهذا أن بعض الفتيات لا تخرج لكثير من المناسبات والدعوات التي يجتمع فيها كثير من النساء، كحفلات الزفاف مثلاً، بحجة وجود بعض المنكرات، وهذا شيء طيب تُشكر عليه الفتاة، لكن هناك بعض الدعوات تخلوا تماماً من مثل ذلك، فعلى الفتاة أن تحرص على الخروج مع أهلها في المناسبات، لأن في خروجها ذلك، يتعرف عليها النساء ويشاهدونها، فتكون عرضة لأعين الأمهات والأخوات اللاتي ربما سارعن بخطبتها، فلتحرص الفتيات على الظهور أمام النساء في الحفلات والدعوات والمسايير والزيارات، ولا يكن حبيسات الجدران، لا يعرفهن إلا الجدار، بل لتخرج حتى تُعرض فتُخطب.
9- الأمراض والعاهات في الفتاة:
فقد تكون بعض الفتيات مبتلاة من الله بعاهة من العاهات، أو بعيب من عيوب الخلقة، كأن تكون كفيفة، أو عرجاء، أو تكون طويلة طولاً مفرطاً، أو قصيرة قصراً مفرطاً، أو نحيفة نحافة مفرطة، أو سمينة سمناً مفرطاً، أو فيها برص، وخاصة إذا كان البرص في وجهها، أو يديها، ومن المعلوم أنه ليس للفتاة دخل فيها، فهي من خلق الله - عز وجل -.
فقد يكون الله ابتلاها به تكفيراً لسيئاتها، ورفعاً لدرجاتها، وعلامة على أن الله يحبها إذا رضيت وبرت، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (( عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ )) [رواه الترمذي وابن ماجة].
ومن المشاهد أن بعض الخطاب لا يرغب بالزواج من فتاة بها عاهة، فهل تبقى عانساً بدون زواج، أو مرفوضة عند الأزواج، ومبغوضة في المجتمع؟
الجواب:
هذه الفتاة يجب أن ينظر لها المجتمع نظرة رحمة ورأفة وعطف، فالمجتمع المسلم كالجسد الواحد، كل منه يشعر بأخيه المسلم، ويسعى جاهداً في عونه وقضاء حوائجه، فمثل هؤلاء الفتيان والفتيات الذين أصيبوا بإعاقات وقد بلغوا سن الزواج ورغبوا فيه، فالمتعين على الجميع مساعدتهم والوقوف معهم، وتزويجهم والاحتساب على ذلك الأجر العظيم عند الله - تعالى -.
فيتقدم لهن الأزواج طالبين الثواب من الله - عز وجل -، وإن كان الخاطب زوجة أخرى، ولو كان متوسط السن، فإنه يتزوج بهذه المسكينة طمعاً في الأجر من الله، في إعفافها، وتطييب خاطرها، وإسعادها بطفل يقوم بخدمتها، ويملأ عليها الدنيا.
وعلى الفتاة أن توافق وتقبل بالزواج من الرجل متوسط السن أو أكبر منه، إذا لم يكن شيخاً كبيراً، وتقبل أيضاً بالزواج من المصاب ببعض العاهات، إذا كان يمكن العيش معه، فهذا التصرف منها، أولى من بقائها عانساً مدة طويلة أو مدى الحياة.
ولا حرج ولا عيب على الفتاة المذكورة، أن يكون بينها وبين اللجان في بعض الجمعيات الخيرية، وقضاة المحاكم، أو من تثق بهم من أهل العلم، اتصال هاتفي سري بشأن البحث لها عن زوج، بعد أن تخبرهم بإصاباتها، أو الموجود بها من العاهات.
علماً بأنه يوجد ولله الحمد بعض اللجان السرية للزواج، التي تحرص على التأليف وجمع الشمل بين الزوجين، وقد حصل من جهودهم التوفيق بين الفتيان والفتيات، وبين الرجال والنساء سواء كان فيهم عاهة أو سليمي الخلقة والأمراض.
10- الحب الشديد:
هناك من الأسر من يربطها التآلف والحب الشديد بين أفرادها، حتى وكأن أحدهم لا يستطيع أن يعيش بدون الآخرين، كأنهم جسد واحد، وروح واحدة، وهذا أمر مطلوب من الأسر، بل من المجتمع والأمة، أن تتلاحم حتى تصبح لحمة واحدة، وجسداً واحداً، هكذا دعا الإسلام أهله، مع أنه لو مات أحد أفراد هذه الأسرة لربما نُسي بعد فترة.
المهم أن هذا الحب والتعاطف والتراحم بين أفراد الأسرة الواحدة، لا يجعل أفرادها يرفضون الزواج، بسبب هذا الحب بينهم؛ لأن العزوبة من الرجال والنساء منهي عنها، والزواج، وزيادة الأسر، وتكثير النسل، أمر مطلوب شرعاً، ولا بأس بأن تتزوج الفتاة من إنسان قريب منهم صلة ورحماً، يدرك ما هم عليه من الترابط والمحبة، ويقدر لذلك الأمر قدره، فلا يبعد بالبنت عن أهلها كثيراً، لاسيما إن كان أهلها أهل خير وطاعة وبر، وتربطهم هذه الرابطة الجياشة، حتى لو اشترطوا على الزواج ذلك، بأن لا تبعد بنتهم عنهم، أو أن يُسكنها في مسكن قريب منهم، وهكذا تتذلل الأمور، ولا يصبح لدينا جيش من العوانس، بسبب أمر لا أهمية له، لأن الموت لابد منه للناس جميعاً، بل لكل حي، فإذا علمنا ذلك، فهب أن هذه الفتاة، أو ذلك الفتى، رفضوا الزواج من أجل أن يبقوا مع والديهم، وكما يقولون: نحن نعيش حياة طيبة هانئة هادئة، فلماذا ننغص على أنفسنا بالزواج، ومشاكله، والأبناء ومشاكلهم، وهم تربيتهم، ونحن لا نستطيع البعد عن والدينا، بل لا نتصور أن نتزوج ونبتعد عنهم، حيث سيشغلنا الزواج والأسرة والأبناء عن والدينا؟
نقول: الأمر هين، فمن أراد أن يبر والديه، فله ذلك، يستطيع الابن أن يبرهم إذا تزوج أخذهما عنده، ورفق بهما ورحمهما وعطف عليهما، وأحسن إليهما، فهذا أمر لا إشكال فيه، فهم معه حيثما كان.
والبنت يمكن أن تتزوج بقريب لها يعرف حالها مع والديها، وأنها تريد أن تبرهما، وتكون قريبة لهما، بل ربما وافق الزواج على أن يكون أبوا الزوجة معها، وربما سكن في سكن ملاصق لهما، أو في نفس العمارة التي هم بها، فالأمر هين وسهل، لكن أن نجعل مثل هذا الأمر عقبة أمام زواج بعض الشباب والشابات، هذا خطأ ولا يوافق عليه أحد، وهو خلاف مقصد الشريعة التي جاءت بالحث على الزواج، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- : (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ القدرة فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ وقاية من الوقوع في الحرام )) [رواه مسلم].
فانظروا إلى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه من الشباب، لأن الشباب طاقة، لاسيما في عصرنا هذا، الذي تدفق فيه كم هائل من البث الإعلامي المرئي، من قنوات فضائية، وإنترنت، حتى أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة بين يديك تحركه كيفما تشاء، بل تم تكثيف المواقع والقنوات ال*****ة التي تفتن الناس، وتخرجهم من سياج الدين وحصنه المتين إلى حمى الفضائيات والنت، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه، وكم هم الذين رتعوا فيه، ووقعوا فريسة له.
وطالما أن الأمر هكذا، لاسيما وقد جاء الخبر الصحيح أن الزنا قد كتب على ابن آدم لا محالة، عَنِ أَبُي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )) [متفق عليه].
فعلى المرء المسلم أن يخشى دغدغة مشاعره ال***ية في يوم من الأيام، ولا يجد الطريق الحلال الذي يقضي فيه وطره، فيقع في حبائل شياطين الجن والإنس، فيسقط في براثن الرذيلة والعياذ بالله، وعندئد يندم ندامة عظيمة، ويتمنى لو أنه كان متزوجاً فقضى وطره في الحلال، فتزوجوا معاشر الشباب والشابات، كونوا الأسر المسلمة، واللبنات الأولى لبناء مجتمع مسلم، يادفع عن مقدساته، وينشر دوة الله - تعالى -إلى أصقاع المعمورة، بجهود أولئك الشباب المسلم الأبي، الذي يرفع راية التوحيد خفاقة في كل بقاع الأرض، ولا يتأتى ذلك إلا بالزواج وإنجاب الأبطال.
11- رد الخاطب الكفء بحجج واهية:
وهذا السبب مشترك بين الوالد والفتاة.
فالبنت ربما أرادت زوجاً تخيلته في مخيلتها، ولذلك كلما جاءها خاطب وهو أهل أن يُجاب، رفضته الفتاة بحجج ضعيفة، تضع فيه من العيوب ما يجعلها تقتنع هي بها، مع أن ليس فيه العيوب ما ذكرته أو ابتدعته، ثم تبقى هكذا حتى يمضي العمر، ويذهب سن الزواج الذي يرغبه الناس، فإذا بها عانس.
والطرف الآخر في هذه القضية وهو محورها الأب أو الولي، فإذا كانت البنت موظفة، فإنه يحرص كل الحرص على امتصاص عرقها وتعبها وسهرها، فما إن يأتي آخر الشهر إلا وهو لها بالمرصاد، يأخذ الجمل بما حمل، وربما لم يترك لها ريالاً واحداً تنفق به على أشيائها الخاصة، علماً بأن راتب الموظفة لها شرعاً وعرفاً، فمن أين للأب أين يأكل راتب ابنته، من أذن له بذلك؟ من أين له الدليل على فعله؟
فمثل هذا الأب أو الولي حتماً سيرفض كل من يتقدم لابنته أو موليته، بأي حجة كانت، فمثلاً:
ليس لدينا بنات للزواج، البنت صغيرة، وهكذا من هذه الأكاذيب والخزعبلات.
وتراه يزيف على ابنته الحقائق ويزورها، ولا يحكي لها الحقيقة، فيقول:
الخاطب غير سوي، ما عنده دين، ما عنده أخلاق، فيه كذا وكذا، حتى تقتنع البنت بأن هذا الخاطب لا يصلح لها.
وقد وقع هذا الأب في محاذير كثيرة وخطيرة، وقع في الكذب، قال - تعالى -: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران61]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً )) [متفق عليه].
ووقع في الظلم، فقد ظلم ابنته التي من صلبه، والتي بلغت سن الزواج، وحرمها من الزواج من أجل أن يأكل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا، فهذه الأموال أوساخ الناس، ولا فائدة تُرجى من تجميعها، بل هي الوبال، وبه شدة الحساب والعتاب يوم القيامة وعاقبة الظلم وخيمة وعظيمة قال - تعالى -: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام47]، وقال - تعالى -: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر52]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) [متفق عليه]، وعَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ- تبارك وتعالى -أَنَّهُ قَالَ: (( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا...)) [رواه مسلم].
ووقع هذا الأب الظالم في أكل المال الحرام بغير وجه حق، ولقد توعد الله من هذه حاله بالعذاب والنكال يوم القيامة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً) [النساء29-30].
ووقع في تشويه سمعة الخطاب، ظلماً وعدواناً، فكيف يهنأ بالعيش من هذه حاله والعياذ بالله، فهذا سوف يكثر خصماؤه يوم القيامة، فأين المفر؟ وأين المستقر؟ نعوذ بالله من الخذلان، ونقصان العقل، وضحل التفكير.
وماذا يفيد المال إن مآله إلى نار وجمر في جهنم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) [أخرجه البخاري].
12- حَجْرُ الفتاة على قريبها:
هذه من العادات الجاهلية القديمة التي أحيا جذوتها بعض الأولياء الجهلة بتعاليم الدين الحنيف، دين الرأفة والرحمة والعطف والتآلف، هذه العادة كمثل أن ي*** الوالد بنته حية، وهذا ما يُسمى بالوأد، والوأد: أن ي*** الرجل بنته حية، وذلك بأن يدفنها وهي على قيد الحياة خوفاً من العار، لأن البنت عند العرب الجاهليين قبل الإسلام كانت تعد من العار الذي يُخشى منه، فيمكن أن تُؤسر فتصبح فضيحة لأهلها بين العرب والقبائل.
قال - تعالى -: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل58-59].
وإذا جاء مَن يخبر أحدهم بولادة الأنثى اسودَّ وجهه ; كراهية لما سمع، وامتلأ غمًّا وحزنًا، يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا بما ساءه من الحزن والعار؛ بسبب البنت التي وُلِدت له، ومتحيرًا في أمر هذه المولودة: أيبقيها حية على ذلٍّ وهوان، أم يدفنها حية في التراب؟ ألا بئس الحكم الذي حكموه، مِن جَعْل البنات لله، والذكور لهم.
وقال - تعالى -: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف17-18].
وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى التي نسبها للرحمن حين زعم أن الملائكة بنات الله صار وجهه مُسْوَدَّا من سوء البشارة بالأنثى، وهو حزين مملوء من الهم والكرب، فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم؟ - تعالى -الله وتقدَّس عما يقول الكافرون علوًا كبيرًا.
أتجترئون وتنسبون إلى الله - تعالى -مَن يُرَبَّى في الزينة، وهو في الجدال غير مبين لحجته ; لأنوثته؟
المقصود من هذا كله أنه لا يجوز للأب أو الولي أن يحجر ابنته أو قريبته على من لا ترغب بالزواج منه، والعادات إذا خالفت الشرع فلا عبرة بها، بل يُضرب بها عرض الحائط، فما كان من عند الله فهو الشرع، وما كان من عند غيره فهو مبتدع ومخترع.
فيحرم على الآباء قصر بناتهم على أبناء عمومتهم أو أقربائهم، مهما كانت الحجج والأعذار، ولم نسمع بهذا في شرعنا وديننا، ولا ريب أن من فعل ذلك فهو عاصٍ لله، مخالف لأمره، الذي أمر برعاية البنات رعاية صحيحة سليمة وفق كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ الثيب حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ "، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ " أَنْ تَسْكُتَ)).
فماذا أنت فاعل بهذا الحديث أيها الأب، يا من تحرم ابنتك بالزواج ممن ترغبه هي، ماذا ستقول لربك إذا وقفت بين يديه، وأنت ظالم لابنتك مجبر لها بالزواج من قريبها بالقوة والجبر؟
أرجو أن تُعد للقائك مع ربك جواباً يكون فيه خلاصك، ولن تهتدي إلى ذلك سبيلاً، لأنك خالفت أمر شرع الله - عز وجل -.
يا أيها الوالد لا تقحم ابنتك في قبضة رجل لا يخاف الله، ولا تزج بها إلى سجن رجل لا ترغبه ولا تريده، وقد يكون عاصياً لله، فربما كان قريبها لا تبرأ به الذمة ضعيف الدين والخلق والأمانة، لا يهتم بالصلاة، أو أنه لا يصلي، أو مصر على بعض الكبائر فاعلم أن النتيجة ستكون وخيمة على ابنتك التي من صلبك، فإذا حصل مثل هذا الزواج فلا شك أنه سيحصل ما لا تحمد عقباه، وما لا ترجى أخراه، فقد يضايق بنتك، ويحملها من العناء والتعب والضرر ما لا تطيق الصبر عليه، فيسهر الليالي ويتركها لوحدها، أو ربما أجبرها على مشاهدة الدش، وترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو ضايقها بشرب الدخان، أو بدأ يسخر منها ويستهزأ بها، ويتلفظ عليها بالسب والشتم واللعن، وربما ضربها فكسر وأسال الدم، فما أنت قائل لله إذا وقفت بين يديه للحساب والجزاء، وابنتك هي خصمك، في يوم كل إنسان يقول فيه: نفسي، نفسي.
فيا أيها الأب، دع عنك عادات الجاهلية، والتعصب الأعمى، واحرص على مصلحة ابنتك، واعلم أن الجنة في مصلحتها ورعايتها وتزويجها للرجل الكفء الذي تريده هي، وابحث لابنتك عن زوج تبرأ به الذمة، وأقنعها به باللين والسهولة واللطف، وسوف توفق إذا علم الله صدق نيتك وحرصك على إبراء الذمة، وما يسعدها في الدارين، أخرج البخاري ومسلم من حديث عَنِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: " جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئاً، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ))، فهل أنت أيها الأب بتزويجك ابنتك ممن لا ترغبه، قد أحسنت إليها، أم أسأت إليها؟
فإن قلت: أحسنت، فقد جانبت الصواب، ولن يوافقك عاقل.
وإن قلت: أسأت، فقد صدقت، وبذلك لم تكن بنتك حجاباً لك من النار، بل ربما كانت باباً لك إلى النار، فتأمل ذلك وتدبره، فهو عظيم عند من يقدرون أمر الله، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ، فَأَدَّبَهُنَّ، وَزَوَّجَهُنَّ بمن يرغبن وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ )) [رواه أبو داود].
فزوجهن، لكن بمن؟ بمن يرضينه ويرغبه، لا بمن يكرهنه، أو بمن يجبرن عليه.
13- أكل راتبها:
ولا يفعل هذا الفعل إلا رجل لئيم، سيء الطباع، ضعيف الدين، ناقص العقل والتفكير، إذ كيف يضيع مستقبل ابنته مقابل حفنة قذرة من مال، سوف يموت ويتركه.
ولقد وجد من الآباء من هم بمثل هذه الصفات القبيحة، فيمنع بناته ويكدسهن بين يديه، وربما بلغن سناً متقدماً في العنوسة، ليجمع رواتبهن كل شهر، ونسي أن الله له بالمرصاد.
نعم أيها الأخوة هناك من فقد عاطفة الأبوة، وحنان الوالد، وكشر عن أنياب الطمع والجشع، وحب الذات، فمنع بناته من أعظم حقوقهن على أبيهن، ألا وهو الزواج، الذي حث عليه الإسلام، ورغب فيه، فأصبح لا يرى إلا الدنيا وبهرجتها وزينتها وأموالها، ولم يدر بخلده أنه لن يأتيه من الدنيا ما كتب الله، وأنه جمع أموال الدنيا لا يزيده إلا غماً وهماً فيه، ويوم القيامة يوقف موقفاً لا يحسده عليه غيره، يقف موقف الجزاء والحساب، فيقال له: من أين لك هذا المال، أجمعته من حلال أم من حرام؟
وهناك تكون الصاعقة والفاجعة، لأنه جمع ماله من كد بناته، وتعبهن، وعرقهن، ومع ذلك يا لته زوجهن بل عضلهن ومنعهن من أعظم حقوقهن عليه وهو الزواج، فجمع هذا الأب كثير من أمور الشر والعياذ بالله.
كل ذلك حتى لا يشاركه أحد في راتب ابنته، وإنني لأعلم آباءً ضربوا أروع المثل في تزويج بناتهم الموظفات، وكلما جاءت إحداهن إلى أبيها بمبلغ تساعده به، رفض وشدد في التعنيف عليها، وقال: أولادك وزوجك أحق به مني، بل ربما وقع في ضائقة مالية، فتراه يذهب إلى فلان وفلان ليستدين، وبناته موظفات يتمنين أن يطرق بابهن ليعطنه ما يريد من مال، ولكنه تعفف واستحيا أن يمد يديه لبناته، لأنه يعلم علم يقين أن هذه البنت الموظفة المتزوجة أو غير المتزوجة، محتاجة لراتبها، لتنفق على نفسها وعلى بيتها وأولادها، وربما كان زوجها في وظيفة لا تفي بأغراض المنزل، فهي تقف معه وتساعده، فهنيئاً هنيئاً لمثل أولئك الآباء، الذين أدركوا خطورة الدنيا، وعملوا للآخرة، ولنصغ لهذا الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ)).
ثم إني أُذكِّر كل أب رأى أن الحياة تتمثل في أكل رواتب بناته، فمنعهن من الزواج، وحرمهن من الذرية، أُكِّره بأنه غاش لبناته، لم ينصح لهن، ولم يجهد لهن، ولم يساعدهن على الزواج، بل منعهن وحرمهن، فهو على خطر عظيم يوم القيامة، عَنِ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ )) [رواه البخاري].
وعند مسلم قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).
فيا أيها الأب ويا أيها الولي تذكر قدومك على ربك بذنوب كالجبال جراء حرمان بناتك من أعظم حقوقهن عليك، تذكر عندما تجد ابنتك واقفة تخاصمك أمام الله - تعالى -، فما أنت قائل، وما أنت مجيب، وما هي حججك عند من لا تخفى عليه خافية؟
فجعل بناتك ستراً لك وحجاباً من النار، قبل أن يكن جسراً تعبر عليه إلى جهنم وبئس المصير، إذا لم ترعهن وتؤدي لهن حقوقهن، فمن هو الذي سيفعل ذلك؟
لقد وجد لدينا اليوم فتيات بلغن الأربعين سنة، بل دخلن فيها، ولم يتزوجن، وهم يدعون الله ليل نهار على أبيهن بالعذاب والويل والنكال، فأين تذهب أيها الأب الظالم من دعوات هؤلاء البنات الكسيرات المظلومات، ألن تعلم أن الله - عز وجل - تكفل بنصرة المظلوم ولو بعد حين، فربما أدركت دعوتهم عند موتك، فلا ينطق لسانك بلا إله إلا الله، بل ربما نطق بكلمة تختم لم بخاتمة السوء، وربما أدركت المنية في حادث مؤلم تراه العذاب فيه قبل أن تموت مئات المرات، وربما ادخر لك العذاب يوم القيامة، فلا تشتري عذاب الله بأكل أموال بناتك ورواتبهن ظلماً وجوراً، بل زوجهن، وإن كنت مستحقاً فاتفق أنت وابنتك على نبلغ شهري تعطيك إياه، واشترط ذلك في عقد نكاحها على زوجها، ولسوف يُرضيك مبلغ من المال تتسامح فيه النفوس، وهو أعظم بركة من مال تأخذه ظلماً وعدواناً، فقم واخطب لبناتك يرزقك الله برهن وبر أولادهن، وإياك أن تكون الدنيا هي أكبر همك، ومبلغ علمك، فتهلك في أودية المال الحرام، وظلم البنات المسكينات اللاتي لا حول ولا قوة لهن إلا بالله، فهو نعم المولى ونعم النصير.
يتبع