مشاهدة النسخة كاملة : ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية


ابو وليد البحيرى
25-05-2015, 03:43 PM
ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية


دراسة تحليلية


محمد شلبي محمد



تمثِّلُ الأسماءُ والصفات الإلهية مادةً للبحث، تجاوزت كل مبحوث بسَعة العناصر، وقدَاسة المصدر، ولقد تناولها العلماءُ والدارسون على مدى التاريخ؛ لِما كان لها من الفضل في إدخال مَن أحصاها الجنةَ، فيما حثَّ عليه الرسولُ الكريم صلى الله عليه وسلم.



ولهذا السبب نجد الباحثينَ في الأسماء والصفات الإلهية أتَوْا من مشاربَ متنوعة؛ حيث بحثها اللُّغويُّون والفقهاء وعلماءُ الحديث وعلماء الكلام، وحاوَل كل فريق أن يتناولها من خلال عينيه وتخصُّصه، يبين عما فيها من مَعانٍ وأحكام، والحق أن هذه العلوم جميعًا تلتقي معًا لبيانِ أحكام هذه الأسماءِ والصفات المقدسة التقاءً لا غِنى عنه لجميعها.



ومن الظواهر الجديرة بالبحث - فيما يخص الأسماءَ والصفات الإلهية - قضيةُ التوظيف القرآني لها، ومن أعظمِ ظواهر هذا التوظيف ظاهرتان: ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية، واقتران الأسماء والصفات.



والتركيز في هذا البحث المختصر هو على الظاهرةِ الأولى منهما، ظاهرةِ ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية، والدارس لهذه الظاهرة يخرُجُ بفوائدَ جمة تظهر في جوانب كثيرة: عقَدية وشرعية ولُغَوية، ولبُّ هذه القضية أن الأسماءَ والصفات الإلهية لها آثار تقتضي وجودَها في الواقع؛ كما تقتضي رحمتُه تعالى وجودَ مرحومين، وكما يقتضي رزقُه تعالى وجودَ مرزوقين، وهكذا سائر الأسماء والصفات، لكل صفةٍ أثرٌ تقتضيه.



فجاءت ظاهرةُ خَتْم الآيات بالأسماء والصفات لبيانِ هذه الآثار من خلال دلالات كثيرة يمكن أن نتناوَلَها في المباحثِ التالية:

المبحث الأول: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتعليل الأحكام.

المبحث الثاني: ختم الآيات بالأسماء والصفات لدلالة "الشرطية".

المبحث الثالث: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتقرير الأحكام.

المبحث الرابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترغيب.

المبحث الخامس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترهيب.

المبحث السادس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للاحتراز.

المبحث السابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات لمناسبة دلالة الأثَر.



عرض المباحث:

المبحث الأول: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتعليل الأحكام:

يذكُرُ "ابن القيِّم" أنه تعالى: "يعلِّل أحكامَه وأفعاله بأسمائه"[1]، فذكر أمرين: أنَّ بين الصفاتِ وآثارها علاقةَ تعليل، وأن هذا التعليل تتنوع معه الآثار: إما أحكام وإما أفعال.



• أما تعليل الأحكام الشرعية بالأسماء والصفات: فقد وردت بذلك آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب: 1]، والمعنى: أنه: "لو علِم اللهُ عز وجل أن مَيْلَك إليهم فيه منفعة لَمَا نهاك عنه؛ لأنه حكيم" [2]، فجعل الخَتْم تعليلاً للحُكم الشرعي، وهو هنا النهي.



وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، فهو ﴿ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾؛ "ولذلك شرع هذه الشرائعَ المنطوية على فنون الحِكَم والمصالح" [3]، فجعل الختم تعليلاً للتشريع، وهو هنا الأمر.



وكقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]، فقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]: "تعليل للأمر؛ أي: فخلُّوهم؛ لأن اللهَ غفور رحيم" [4]، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].



• ويتعلَّقُ بالأحكام تعليل الجزاء:

فجاء في تعليل الثواب قولُه تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]؛ فإنهم: "لَمَّا صاروا إلى كرامتِه بمغفرته ذنوبَهم، وشكرِه إحسانَهم، قالوا: ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]، وفي هذا معنى التعليل؛ أي: بمغفرته وشُكرِه وصَلْنا إلى دار كرامته" [5].



وجاء في تعليل العقاب قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20]، فالمعنى: "لأن اللهَ على كل شيء قدير؛ فالذهابُ بالسمع والأبصار لا يتحقَّقُ إلا مع القدرة على ذلك" [6].



• وأما تعليل أفعال الله تعالى التي مرجعها مشيئته:

* فكما قال في توبته على آدمَ عليه السلام: ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]، والمعنى: "لأنه هو التواب الرحيم غافرُ الذنب وقابل التَّوْب" [7].



• وقوله تعالى في إحيائه الموتى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50]، فقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: "تعليل لعظم قدرته، وأنه قادرٌ على إحياء الموتى، وعلى فِعل كلِّ شيء أراده" [8].



• وقوله في تأخير عقوبته: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6]، وذكَر ذلك بعد افتراء الكفَّار الذي يوجب العقاب، فهو: "تعليل لِما هو مُشاهَد من تأخير عقوبتهم مع استيجابِهم إيَّاها؛ أي: فهو يُمهِل ولا يُعاجِل؛ لمغفرته ورحمته" [9].



• وقال في تأليفه القلوب: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، فبهذا الختم: "علَّل نفوذَ فعله وأمره فيه بقوله: ﴿ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾؛ أي: لأنه لولا عزتُه التي تغلِبُ كلَّ شيء ولا يغلِبُها شيء، وحكمته التي يُتقِن بها ما أراد، بحيث لا يمكن لأحد أن يغيِّرَ شيئًا منه لَمَا تَألَّفُوا" [10].



وكما علل أفعاله وأحكامه، علل استحقاقَه التنزيهَ والإفراد بالعبادة:

• فقال في خشية عباده له: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، فالختم هنا: "تعليل لوجوب الخشية؛ لدلالتِه على عقوبة العصاة وقهرِهم، وإثابة أهل الطاعة والعفوِ عنهم"[11]، وعلل بصفاته لاستحقاقه التسبيح فقال: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التغابن: 1]؛ فإن جملة ﴿ لَهُ الْمُلْكُ ﴾: "استئنافٌ واقعٌ موقعَ التعليل والتسبُّب لمضمون تسبيح لله ما في السموات وما في الأرض" [12].



• وعلَّل غناه تعالى عن خَلقه، فقال: ﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 57، 58]، فإن قوله: ﴿ هُوَ الرَّزَّاقُ ﴾: "تعليل لعدم طلب الرزق، وقوله تعالى: ﴿ ذُو الْقُوَّةِ ﴾: تعليل لعدَمِ طلَبِ العمل؛ لأن مَن يطلب رزقًا يكون فقيرًا محتاجًا، ومن يطلب عملاً من غيره يكون عاجزًا لا قوةَ له، فصار كأنه يقول: ما أريدُ منهم من رزق؛ فإني أنا الرزَّاق، ولا عملَ؛ فإني قوي" [13]، إلى غير ذلك مما ورد في تعليل الآثار بالأسماء والصفات، وهناك علاقة أخرى مساوقة للتعليل وهي:

المبحث الثاني: ختم الآيات بالأسماء والصفات لدلالة "الشرطية":

حيث تأتي الصفات مأتى جملة الشرط، وقد تأتي مأتى جواب الشرط:

• فأما إتيانها مأتى جملة الشرط: فيأتي الأثر جوابًا؛ وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]، فالمعنى أنه لولا مغفرةُ ربِّي ورحمتُه لغرقتم، فاركَبوها باسمه، فقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]: "جملة مستأنَفة، بيان للموجب الإنجاء" [14].



وكذلك قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2]، فقد ختم سبحانه الآيةَ بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2]، وذلك: "فيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفوُ الله ومغفرته لأخذ به" [15]، فأقام سبحانه اسميه: "العفو الغفور" مقامَ الشرط الذي لولاه لعُوقِب الآثِم.



ومثله قوله تعالى - وهو ظاهر -: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 20]؛ أي: لولا ذلك لحدَث ما لا تحبُّون، وكلُّ ذلك يقع الأثرُ فيه جوابًا لها، سواء أكان الأثر الإنجاء أو العقاب.



• وأما إتيانها مأتى جواب الشرط:

فيكون الأثر فعل الشرط، ويكون جوابه أثرًا مقدَّرًا دلَّت عليه صفتُه تعالى، ومن ذلك قوله: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]، فقوله: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ﴾: "في معنى الشرط، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ جوابه؛ أي: إن تفعلوا خيرًا فإن اللهَ يعلَمُ كُنْهَه، ويوفي ثوابه" [16]، فجعل الله تعالى عِلمه معبرًا عن أثَره الذي هو إثابة المنفِق.



ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158]، فأقام الصفة مقام أثرِها، وهو الجواب، والمعنى أن من تطوَّع أثابه الله؛ لأن مِن صفاته أنه شاكرٌ عليم بمن يستحقُّ الإثابة؛ ولذلك لَمَح فيها المفسِّرون معنى التعليل المستفاد من معنى قيام الصفة مقامَ جواب شرط؛ فالختم بشاكر وعليم: "علةٌ لجواب الشرط، قائمٌ مقامه، كأنه قيل: ومن تطوع خيرًا جازاه الله وأثابه؛ فإن اللهَ شاكر عليم" [17].



ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69]، فقوله: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: في مخالفةِ أمره ونهيِه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فيغفر لكم ويرحَمكم إن اتَّقَيْتموه" [18]، فكان من باب السبب والنتيجة، وهو الشرط، وأقام الصفة مقام أثرها، والمعنى: اتقوا الله يغفِرْ لكم، ومثله قوله تعالى: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 192]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 211]، ومثل ذلك كثير.



وفي معنى الشرط يأتي أسلوبُ الأمر ونتيجته؛ ففي قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، ختَم الله تعالى الآية باسميه: "الغفور الرحيم" بعد فِعل الأمر ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا ﴾؛ حيث: "جاءت جملة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، بعد فعل الأمر: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا ﴾، فكانت كأنها جواب شرط مقدَّر، تقديره: إن استغفرتموه غفَر لكم" [19].



المبحث الثالث: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتقرير الأحكام:

تأتي الأسماء الإلهية في ختم الآيات مقرِّرة لآثارها، فتكون من قبيل تأكيد صدور الفعل عن الصفة التي اقتضته؛ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96]، فالختم باسميه: "غفور رحيم": " تذييل مقرِّر لِمَا وعد من المغفرة والرحمة" [20].



ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]، فقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾: "تذييل لِما سبق، مقرِّر لمضمون الآية، وفيه إيذان بأن إيتاء النبوة من فضله العظيم" [21]، وذلك تقرير؛ لأن الاختصاص بالرحمة فضل؛ لأنه زائدٌ على عمومها المعهود في جرَيانها على العالَمين.



وقد يرِدُ التقرير باعتراض الأسماء في ختم الآية بين معنيين؛ كقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ الآية، [البقرة: 29، 30]، فقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾: "اعتراض تذييلي مقرِّر لِمَا قبله من خلق السموات والأرض وما فيهما، على هذا النمط البديع المنطوي على الحِكم الفائقة والمصالحِ اللائقة" [22]، والمقرَّر أثرُ صفة أخرى وهي الخَلق، وهو يتضمَّن صفة العِلم.



ومثله قوله تعالى: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، فقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ تذييل: "مقرِّر لمضمونِ ما قبله؛ فإن كمال قدرتِه تعالى على جميع الأشياء موجِبٌ لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة، وما فرع عليه من المغفرة وال*****" [23]، فقد جاء الختم تقريرًا؛ لأن مِن القدرة الكاملة فِعلَ النقيضينِ.



ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]، فقوله: ﴿ مِنْ سَعَتِهِ ﴾: "أي: من شمول قدرته وغير ذلك من كل صفة كمال، ولمزيد الاعتناء بتقرير هذه المعاني في النفوس لإحضارها الشُّح، كرَّر اسمَه الأعظم الجامع فقال: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ ﴾؛ أي: ذو الجلال والإكرام أزلاً وأبدًا ﴿ وَاسِعًا ﴾؛ أي: محيطًا بكل شيء ﴿ حَكِيمًا ﴾؛ أي: يضع الأشياء في أَقْوَمِ محالِّها" [24].



والجامع في إتيان الصفات تقريرًا أن يكون الأثر مقتضاها، فتأتي حينئذٍ مقرِّرة مؤكِّدة صدورَ الأثَرِ عن هذه الصفة.



المبحث الرابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترغيب:

تأتي الأسماء الإلهية بعد أثرٍ ما، فتأتي لمعنى الترغيب في أمر يقتضي فعلُه حدوثَ هذه الأسماء المرغوب أثرها؛ وذلك كقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 226]، فالله تعالى: "خَتَم حكمَ الفيء الذي هو الرجوع والعَوْد إلى رضا الزوجة والإحسان إليها بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من *** العمل، فكما رجع إلى التي هي أحسن، رجَع الله إليه بالمغفرةِ والرحمة" [25].



وكون هذا الختم أتى للترغيب في العمل الصالح مستفادٌ من قاعدةِ الجزاء من *** العمل، كأنه قال: إن تُحسنوا بالفيء أُحسِنْ بالمغفرة والرحمة.



ومنه قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]، فقوله: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾: "أي: اطلبوا ستر المحسن إليكم، ونبَّه على مقدارِ التوبة بأداة التراخي فقال: ﴿ ثُمَّ تُوبُوا ﴾، ثم علَّل ذلك مُرغِّبًا في الإقبال عليه بقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي ﴾؛ أي: المختص لي بما ترون من الإحسان دينًا ودُنْيَا ﴿ رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾" [26].



ولذلك يُعتَبَر هذا النوعُ من الختم من قَبيل الدعوة للدِّين وتأليف القلوب؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 225]، فقوله: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ أفاد أنه: "لم يؤاخذ باللغو، ﴿ حَلِيمٌ ﴾؛ حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تربُّصًا بالتوبة" [27]؛ أي: تَأَلُّفًا إليها وتوقُّعًا لها.

وللموضوع تتمة