مشاهدة النسخة كاملة : الهندسة الوراثية بين الرفض والقبول


ابو وليد البحيرى
25-05-2015, 08:58 PM
الهندسة الوراثية بين الرفض والقبول





د. حسني حمدان الدسوقي حمامة


تجارب تغيير الخلق:
التمايز بين أنواع الكائنات المختلفة، وفي نفس الوقت الاختلاف بين أفراد كل نوع، سمتان أساسيتان للمخلوقات، ونوعنا البشري المسمى "بالإنسان العاقل" "بالهوموسابينز" (Homo sapines) يتميز في بصمته الوراثية عن سائر الأحياء، وفي نفس الوقت يشهد اختلافات كثيرة بين أفراد البشر، لدرجة أنه يمكن معرفة فرد بعينه من بين ملايين الأفراد، وتلك صبغة الله.

إن اختلاف الألوان آية من آيات الرحمن في الثمرات والجماد والناس والدواب، وصدق الله حيث يقول: ﴿ ًالَمْ تَرَ ًانَّ اللَّهَ ًانْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فًَاخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا ًالْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ًالْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالًْانْعَامِ مُخْتَلِفٌ ًالْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27، 28].

فالشراب يخرج من بطون النحل مختلف ألوانه، والجبال مختلف ألوانها، والثمرات مختلف ألوانها، والزرع مختلف ألوانه، والنخل مختلف أُكله، وما ذرأ الله في الأرض مختلف ألوانه، إذًا فالاختلاف في الخلق آية من آيات الرحمن، وفي البشر ذكي وغبي، ضعيف وقوي، غني وفقير، ريم القلب وفظ القلب، إلى غير ذلك من الصفات المختلفة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الناس كلهم أذكياء أو كلهم أغبياء، وقد خلقنا الله مختلفين؛ ليتخذ بعضنا بعضًا سِخريًّا.


فإذا جاءت الهندسة الوراثية تغيِّر من خلق الله، فلا بد أن تؤخذ بحذر شديد تلك الأبحاث التي تسعى على سبيل المثال لإنتاج فئران أكثر ذكاءً؛ كما في محاولة تسين (Joez. Tsien) وغيره من العلماء، الذين جمعوا بعضًا من المكونات الجزيئية المركزية للتعلُّم والذاكرة؛ بُغية إنتاج فئران أكثر ذكاءً، وبالتأكيد لن تتمكن الهندسة الوراثية (الجينية) أبدًا من جعل الفئران عباقرة، يمكنها العزف على البيانو أو قراءة كتاب.

إن المحاولات التي تُجرى لإنتاج فأرٍ ذكي وآخر غبي، قد يكون ظاهرها فيه محاولة لعلاج حالات الخَرَف (الزهايمر)، وتقوية الذاكرة الضعيفة، ولكن باطنها قد يكون فيه العذاب حينما يكرس الهدف نحو إنتاج أجيال من البشر من الأذكياء، وسلالات أخرى من الأغبياء، سياسة خَرقاء أشبه بسياسة الراعي والقطيع المُساق، سياسة تؤدي إلى تأجيج العنصرية العرقية، تستعبد فيها طائفةُ الأذكياء طائفةَ الأغبياء.

وعادةً ما يبدأ المشروع الوراثي (الجيني) على حيوانات التجارب كالفئران أو الرئيسات، ثم يُجرب على الإنسان، فهذا المنتج هو الفأر "دوكي" إنتاج أمريكي، وذاك الفأر "ماني موث" فأر ياباني مؤنس، وكلاهما فأر مُحوَّر وراثيًّا، وثانيهما مضاف إليه مورثات من البشر، ولكي تحصل على "دوكي" ذكيًّا، وبعيدًا عن شرح التقنية المستخدمة، يلزم إضافة نسخة من مستقبلة رئيسة. أما لكي تحصل على فأر غبي، يلزم إزالة جزء من مستقبلة رئيسة من دماغ الفأر، والفأر المنتقص وراثيًّا - أي: الفأر الغبي - يفتقد إلى المورث NR1 في المنطقة CA1 من الحُصَيْن، ولكنه يمتلك هذه المورثة (الجينة) من مكان آخر من جسمه (شكل: 2)، والسؤال ماذا لو تغير الهدف فأصبح: كيف تنتج إنسانًا غبيًّا وآخر ذكيًّا؟ عن طريق إضافة جين أو إزالة آخر، ستكون كارثة بشرية مروعة تتم فصولها بولاية من الشيطان لتغيير خلق الله السوي القويم إلى مسخ سُفلي.




فهل سيكون مرغوبًا في ذلك إنتاج عباقرة وأغبياء، ولربما أدت التجارب على الفئران إلى اكتشاف حبة دواء تساعدك على تذكُّر المكان الذي نسيت فيه مفاتيح مكتبك، وإنتاج عقاقير تعالج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي؛ مثل: فِقدان الذاكرة، والخَرَف، وعلاج السكتة الدماغية، ومع ذلك فإن معظم علماء الأعصاب يتفقون على أن البحث عن عقار يحسن التعلم والذاكرة من دون تأثيرات جانبية، سيستغرق زمنًا طويلاً، وعدٌ وأمنيةٌ وأمرٌ من الشيطان لبعض العباد بتغيير خلق الله، أملًا في إطالة الحياة، أو تطويل فترة الشباب، أو الاحتفاظ دائمًا وأبدًا بذاكرة قوية، مع أن الحقيقة أن من الناس من يصل إلى مرحلة لا يعلم عندها شيئًا، كما ورد في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى ًارْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شيئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 70].

الخلط الوراثي:
ثورة تضارع الثورات العلمية السابقة، بل تتفوق على الثورات التي أثَّرت في حياة البشر، إنها ثورة ترتكز على مادة الحياة، وقوامها الخلط الوراثي بين الكائنات لإنتاج كائنات مُحوَّرة وراثيًّا، تقنية ذات شقين، شق مفيد، وآخر ضار، والخلط الوراثي يفتح آفاقًا جديدة في الطب وفي توفير المواد الغذائية لإطعام البشر، وقد يفتح بابًا من أبواب الجحيم، يؤدي إلى تغيير خلق الله، ومن تطبيقات تقنية الخلط الوراثي: الخلط الوراثي بين الأجناس المتشابهة وبين الأجناس المختلفة؛ كما في نبات "طماطس"، أو "يوماطو" من التهجين الخلوي بين الطماطم والبطاطس، وحيوان العنزروف بتخصيب بويضة ماعز باستخدام حيوان منوي من الخروف.

ويوجد خلْط وراثي بين الأجناس المختلفة؛ مثل: إنتاج الفئران المؤنَسة (Humanized rats)؛ كما هو الحال في الفأر "ماني" باستخدام دمج خلايا أجنة الفئران مع خلايا الجلد البشري، وإنتاج فئران تحمل صبغيات بشرية، وأيضًا إنتاج العقاقير الطبية بإدخال جينات بشرية داخل حيوانات المزرعة، كما هو الحال في البقرة "روزي" التي يُمكنها إفراز حليب مماثل لحليب الأم الطبيعي، وقد يحدث الخلط الوراثي بين الجينات البشرية والنباتية، كما هو الحال في إدخال مورثات (جينات) بشرية في نبات التبغ لإنتاج الهيموجلوبين، وإنتاج الأنسولين من خلط مورثات البشر بالبكتريا، وإنتاج مادة بلاستيكية طبيعية من إدخال جينات البكتريا داخل النبات، وإنتاج الأجسام المضادة من إدخال مورثات الفأر داخل نبات الطباق، وإنتاج نبات التبغ المعدل وراثيًّا؛ لكي يضيء عند اللمس، عن طريق نقل مورثات سمك داخل نبات.

ويجب أن يكون للفقه كلمته في الخلط الجيني لإنتاج أدوية نافعة للإنسان في جواز أو منع استخدام الكلاب والخنازير على وجه الخصوص في الخلط الوراثي، وحكم استخدام الأدوية والمواد الناتجة منهما، مع العلم بأنه من الأطعمة المحرمة لحم الخنزير ولحوم الحُمر الأهلية، ولحوم كل ذي ناب من السِّباع، ولحوم القِرَدة، وكذا يحرم الدب والنمس، وأم آوى، وهو شبه الكلب ورائحته كريهة، وابن عِرس، وسِنَّور، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكل الهِر وأخْذ ثمنها، ويحرم سنجاب وسَمُّور وفَنَك، ومن محرمات الطيور ما له مِخلَب، ويَحرُم أيضًا ما يأكل جِيَف الطير؛ كالنسر، والرخمة، واللقلق، وغراب البيْن، والأبقع، ويحرم من الحشرات الخفاش، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن *** أربع من الدواب، النملة، والنحلة والهدهد والصرد، وأيضًا القنفذ من الخبائث.

والسؤال بصفة عامة الذي يحتاج إلى الفتوى: هل يجوز استخدام الكائنات المحرم أكلُها من الحيوانات والحشرات والطيور في إجراء تجارب الخلط الوراثي الجيني؟ وما حكم الاستفادة من الأدوية الناتجة والمعاملة وراثيًّا مع كائنات أخرى؟ بالتأكيد ليس في مقدوري الإفتاء، ولكنها من شأن أهل التخصص الذين يوضحون هل يجوز استخدام الأدوية الناتجة من الخلط الجيني بين مورثات الإنسان والخنزير أو الكلب مثلًا؟