مشاهدة النسخة كاملة : ابن فضل الله العمري وكتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"


ابو وليد البحيرى
25-05-2015, 11:41 PM
ابن فضل الله العمري

وكتابه

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار(1)

(700 - 749 هـ - 1301 - 1349 م)

عبدالحميد الأزهري

اسمه ونسبه:
أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلى بن دعجان بن خلف بن نصر القرشي العدوي العُمري، أبو العباس شهاب الدين، يتَّصل نسبه بعمر بن الخطاب؛ لذلك عُرِف بالعُمري، وقد ذكَر ابن فضل العمري نفسه في كتابه "مسالك الأبصار" أنه وفَد منهم طائفة إلى مصر أيام الخليفة الفائز الفاطمي (449 - 555هـ) في وزارة الصالح طلائع بن رُزيك في طائفة من قومهم بَنِي عدي، ومقدمهم خلف بن نصر العمري - من سلالة عمر بن الخطاب - وهو الجد الأعلى لابن فضل العُمري، ومعهم طائفة من بني كِنانة بن خُزيمة، فنزَلوا بالبرلّس، ويُشيد ابن فضل العُمري بالعلاقة الطيِّبة التي كانت تربط جَدَّه بطلائع بن رُزيك على مخالفة المُعتقد، وربما كان هذا هو السبب وراء موقفه الإيجابي من الدولة الفاطمية، بخلاف كثير من المؤرِّخين والأُدباء، وقد تمثَّل هذا في قصيدة أثْنَى عليهم فيها، ذكَرها السيوطي في "حُسن المحاضرة" مَطلعها:
وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَنِي فَاطِمَةْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِلَى عُبَيْدِ اللهِ دَرٌّ فَاخِرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَبْنَاءُ إِسْمَاعِيلَ فِي نَجْلِ جَعْفَر http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الصَّادِقِ فِي الْقَوْلِ أَبُوهُ الْبَاتِرُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



مولده:
اتَّفق معظمُ المؤرخين على أنَّ مولده كان في ثالث من شوَّال سنة 700 هـ، وعلى رأسهم الصَّفدي، وهو الراجح عندي؛ لأن الصفدي أعرفُ الناس به، كما كان بينهما مُكاتبات ورسائل وأشعار، لكن خالَفه الذهبي، فقال: كان مولده في سنة سبع وتسعين وستمائة، ووافَقه الحافظ البرزالي على مولده.

نشأته العلمية:
حصَّل العلم في سنوات يَفاعه التي تتلمَذ فيها على صفوة علماء العصر، فتخرَّج في الأدب بوالده، وبالشهاب محمود، وأخَذ الأصول عن الأصفهاني، والنحو عن أبي حيَّان، والفقه عن البرهان الفزاري، وابن الزَّملكاني وغيرهما، وقرَأ العربية أولاً على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شُهبة، ثم قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم، والفقه على قاضي القُضاة شهاب الدين ابن المجد عبدالله، وعلى الشيخ برهان الدين قليلاً، وقرَأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين ابن تيميَّة، والعروض والأدب على الشيخ شمس الدين الصائغ الكبير، وعلاء الدين الوداعي، وقرَأ جُملة من المعاني والبيان على العلاَّمة شهاب الدين محمود، وقرَأ عليه جُملة من الدواوين وكُتب الأدب، وقرَأ بعض شيءٍ من العروض على الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وأخَذ اللغة عن الشيخ أثير الدين، سَمِع عليه الفصيح والأشعار الستة والدُّرَيْدية، وأكثر ديوان أبي تمام وغير ذلك، وسَمِع بدمشق من الحجار، وست القُضاة بنت يحيى بن أحمد بن الشيرازي [سَمِعا منهما الحديث]، وابن أبي الفتح، ومحمد بن يعقوب الجرائدي، ومحمد بن أبي بكر بن عثمان بن شرف، وبالقاهرة من والده، وأبي زكريا يحيى بن يوسف بن المصري، وأحمد بن محمد بن عمر الحلبي وغيرهم، والحجاز، والإسكندرية، وبلاد الشام، وأجاز له الإبروقهي، ومحمد بن الحسين بن الفوي، وجماعة غيرهم.

الوظائف التي عَمِل بها:
كتَب الإنشاء بدمشق أيام بني محمود، ثم وَلِي والده القاضي محيي الدين كتابة سرِّ دمشق، ثم طُلِب إلى مصر هو ووالده في سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مائة، وباشَر والده كتابة السر بمصر، ثم خرَج مع أبيه إلى دمشق، ثم عاد إليها معه في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة، وأقامَ إلى بعض سنة ستٍّ وثلاثين، وهو في المرة الأولى والثانية يدخل يقرأ البريد على السلطان، وفي الثانية جلَس في دار العدل ووالده القاضي محيي الدين كاتب السر، وجرى له ما جرى مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولَزِم بيته، ثم حجَّ وحضَر، وغَضِب عليه السلطان واعتقَله بقلعة الجبل، وأخَذ منه مائة ألف درهم، ولَمَّا أُمْسِك الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - ولاَّه السلطان كتابة السرِّ بدمشق، فحضَر إليها يوم عاشوراء، فيما أظنُّ سنة إحدى وأربعين وسبع مائة، وباشَر ذلك إلى آخر أيام أَيْدُغْمش نائب الشام، وتوجَّه إلى حماة؛ ليتلقَّى الأمير سيف الدين طُقْزتمر من حلب، فجاءَه الخبر في حماة أنه قد عزلَ بأخيه القاضي بدر الدين محمد، فجاء إلى دمشق وذلك سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وبَقِي في الترسيم بالفلكيَّة قريبًا من أربعة أشهر، وطُلِب إلى مصر، فما وصَل إلى مصر، حتى شفَع فيه أخوه علاء الدين كاتب السر بمصر، وردَّه من الطريق، فقال: لا بدَّ من أن أرى وجْهَ أخي، فدخل مصر، وأقام أيَّامًا، وعاد إلى دمشق بطَّالاً، ولَم يَزَل بها مُقيمًا في بيته إلى أن حدَث الطاعون بدمشق فقَلِق منه، وتطايَر به، وعزَم على الحجِّ، ثم أبطَله، وتوجَّه بأهله إلى القدس، فتوفِّيَت هناك زوجته ابنة عمِّه، فدفنَها هناك، وما به قلَبَة غير أنه مُرَوَّع من الطاعون، فحصَل له يوم وصوله حُمَّى رِبْع، ودامَت به إلى أن حصَل له صرعٌ، فمات منه، وسكَن ذلك الهدير، ونَضَب ذلك الغدير، وكان يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ودُفِن بتربتهم بالصالحية، [بسفح جبل قاسيون]، وكانت جنازته حافلة[1].

أسباب عزْله وسَجنه في قلعة الجبل:
السبب الأول: ما ذكَره ابن حجر في "الدُّرر الكامنة": "كتَب الإنشاء بمصر ودمشق، ولَمَّا وَلِي أبوه كتابة السر، كان هو يقرأ كُتب البريد على السلطان، ثم غَضِب عليه السلطان، وذلك في سابع عشر ذي الحجة سنة 40، وولاَّه كتابة السر بدمشق بعد القبض على تنكز، وكان السبب في ذلك أن تنكز سأل الناصر أن يُقرر في كتابة السر علم الدين ابن القطب، فأجابَه لذلك، فغَضِب ابن فضل الله من ابن القطب، وقال: إنه قبطي، فلم يَلتفت الناصر لذلك، فكتَب له توقيعه على كُرهٍ، فأمَره أن يكتب فيه زيادة في معلومه، فامتنَع، فعاودَه فنَفَر، حتى قال: أمَا يكفي أن يكونَ إلاَّ مسلمي كاتب السر، حتى يُزاد معلومه، فقام بين يدي السلطان مغضبًا وهو يقول: خِدْمتك عليّ حرام، فاشتدَّ غضب السلطان، ودخل شهاب الدين على أبيه، فأَعْلمه بما اتَّفق، فقامَت قيامتُه، وقام مِن فوره، فدخَل على الناصر، واعتذَر واعترَف بالخطأ، وسأل العفو، فأمَره أن يقيمَ ابنه علاء الدين على موضع شهاب الدين، وأن يَلزم شهاب الدين بيته، فاتَّفق موت أبيه عن قُرب واستقرار أخيه علاء الدين، فرفَع الشهاب قصةً يسأل فيها السفر إلى الشام، فحرَّكت ما كان ساكنًا، فأمَر الدويدار، فطَلَبه ورسم عليه، وصادَره واعتقَله في شعبان سنة 39، فاتَّفق أنَّ بعض الكُتَّاب كان نُقِل عنه أنه زوَّر توقيعًا، فأمَر الناصر بقَطْع يده، فقُطِعت وسُجِن، فرفَع قصة يسأل فيها الإفراجَ عنه، فسأل عنه الناصر، فلم يَجِد مَن يعرف خبرَه، ولا سبب سَجْنه، فقالوا: اسألوا أحمد بن فضل الله، فسألوه، فعرَف قصته، وأخبَر بها مُفَصَّلة، فأمَر الناصر بالإفراج عنه وعن الرجل، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 40، واستدعاه الناصر فاستحلَفَه على المناصحة، فدخَل دمشق في المحرم سنة 41، فباشَرها عِوَضًا عن الشهاب يحيى ابن القيسراني، فلم يَزَل إلى أن عُزِل بأخيه بدر الدين في ثالث صفر سنة 43، ورسم عليه بالفلكية أربعة أشهر، وطُلِب إلى مصر؛ لكثرة الشِّكايات منه، فشفَع فيه أخوه علاء الدين، فعاد إلى دمشق بطَّالاً، فلمَّا وقَع الطاعون، عزَم على الحج، ثم توجَّه بأهله إلى القدس، فماتَت زوجته، فدفَنها ورجَع، فمات بحُمَّى ربع أصابَتْه، فقضَى يوم عرفة سنة 749 هـ.

السبب الثاني: ما ذكَره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعيَّة"، وابن العماد في "شذرات الذهب"، قال: وباشَر ابن فضل الله العُمري كتابة السرِّ بمصر نيابة عن والده، ثم إنه فاجَأ السلطان بكلام غليظٍ، فإنه كان قويَّ النفس، وأخلاقه شَرِسة، فأبْعَده السلطان، وصادَره وسَجنه بالقلعة، ثم وَلِي كتابة السرِّ بدمشق، وعُزِل ورسم عليه أربعة أشهر، وطُلِب إلى مصر، فشَفَع فيه أخوه علاء الدين، فعاد إلى دمشق واستمرَّ بطَّالاً إلى أن مات، قلتُ: [فكأنَّ هذا إجمالٌ لِمَا فسَّره ابن حجر في "الدُّرر الكامنة" سابقًا].

السبب الثالث: قال الأستاذ محمد حسين شمس في مقدمته لكتاب: "التعريف بالمصطلح الشريف"؛ لابن فضل العُمري: لَم تذكر لنا المصادر سببَ تغيُّر السلطان عليه، [قلت: لعلَّه لَم يقف على قول: ابن حجر، وابن قاضي شُهبة، وابن العماد السابق]، غير أنَّ ما ذُكِرَ من موقفه الإيجابي من الفاطميين ومديحه لهم في قصيده نقَلها السيوطي ما يدعو للتأمُّل، كما أنَّ انصرافه عن ديوان الإنشاء كان في نفس السنة التي توفِّي فيها والده؛ أي: سنة 738هـ، ولعلَّ مكانة والده المميزة لدى السلطان، كانتْ تحول دون إصابته بغضب السلطان.

ثناء العلماء عليه:
وقال الصفدي في حقِّه: هو الإمام الفاضل البليغ المفوَّه الحافظ، حُجَّة الكتاب، إمام أهل الآداب، أحد رجالات الزمان: كتابةً، وترسُّلاً، وتوصُّلاً إلى غايات المعالي، رزَقه الله أربعة أشياء، لَم أرَها اجتمعَت في غيره، وهي: الحافظة، قلَّما طالَع شيئًا إلاَّ وكان مستحضرًا لأكثره، والذاكرة التي إذا أرادَ ذكرى شيءٍ من زمنٍ متقدِّم، كان ذلك حاضرًا كأنه إنما مرَّ به بالأمس، والذكاء الذي تسلَّط له على ما أرادَ، وحُسن القريحة في النَّظم والنثر، أما نَثْرُه فلعلَّه في ذِروة كان أَوْجُ الفاضل لها حضيضًا، ولا أرى أحدًا فيه جودة وسرعة عَملٍ لِمَا يُحاوله في أي معنى أراد، وأيِّ مقامٍ توخَّاه، وأمَّا نَظْمُه فلعلَّه لا يَلحقه فيه إلاَّ الأفراد، وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حُسْنَ الذوق الذي هو العُمدة في كلِّ فنٍّ، وهو أحد الأُدباء الكَمَلة الذين رأيتُهم وأعني بالكَمَلة الذين يقومون بالأدب عِلمًا وعملاً في النَّظم والنثر، ومعرفة بتراجِم أهل عصرهم، ومَن تقدَّمهم على اختلاف طبقات الناس، وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة، ولَم أرَ مَن يعرف تواريخ ملوك المغول من لَدُن جنكيز خان، وهَلُمَّ جرًّا معرفته، وكذلك ملوك الهند الأتراك.

وأما معرفة الممالك والمسالك، وخطوط الأقاليم ومواقع البلدان وخواصها، فإنه فيها إمام وقته، وكذلك معرفة الأَسْطرلاب وحَل التقويم، وصُوَر الكواكب، وقد أذَنِ له العلاَّمة الشيخ شمس الدين الأصبهاني في الإفتاء على مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - فهو حينئذ أكملُ الذين رأيتُهم... إلخ.

فثناء الصفدي عليه مطوَّلٌ جدًّا، وقد نقَل معظم مَن أرَّخ لابن فضل العُمري مُقتبسات من ثناء الصفدي على العمري، وقال ابن كثير: وله مُصنَّفات عديدة بعبارات سعيدة، وكان حَسَنَ المذاكرة، سريعَ الاستحضار، جيِّد الحفظ، فصيحَ اللسان، جميلَ الأخلاق، يحب العلماء، والفقراء، وقال ابن حجر: كان يتوقَّد ذكاءً مع حافظة قويَّة، وصورة جميلة، واقتدار على النَّظم والنثر، حتى كان يكتب من رأس القلم ما يَعجِز عنه غيره في مدة، مع سَعة الصدر، وحُسْن الخُلق، وبِشْر المُحَيَّا؛ وقال الزِّركلي: مؤرِّخ، حُجة في معرفة الممالك والمسالك، وخطوط الأقاليم والبلدان، إمام في الترسُّل والإنشاء، عارف بأخبار رجال عصره وتراجِمهم، غزير المعرفة بالتاريخ، ولا سيَّما تاريخ ملوك المغول من عهد جنكيز خان إلى عصره، وقال ابن تغري بردي: الإمام البارع الكاتب المؤرِّخ المفتن، وقال: وكان إمامًا بارعًا، وكاتبًا فقيهًا، نظَم كثيرًا من القصائد والأراجيز، والمقطَّعات، وأنشأ كثيرًا من التقاليد والمناشير والتواقيع.


وفاته:
وفي يوم عرفة تاسع ذي الحجة سنة 749هـ في مدينة دمشق، مات ابن فضل العُمري وليس يُباشر شيئًا من أعمال الدولة، ولَم يُجاوز الخمسين من عمره بدارهم داخل باب الفراديس، وصُلِّي عليه بالجامع الأُموي، ودُفِن بالسفح مع أبيه، وأخيه بالقُرب من اليغمورية، فرَحِمه الله وغَفَر له.

مؤلفاته:
1- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار: قال الصفدي:: في عشرة كبار، وهو كتاب حافل، ما أعلم أنَّ لأحدٍ مثله، وقال ابن تغري بردي في "المنهل الصافي": لو لَم يكن له إلاَّ هذه التسمية، لكفاه، في أكثر من عشرين مجلدًا، وقال ابن العماد: في سبعة وعشرين مجلدًا، سنرجِئ الكلام عليه فيما بعدُ.

2 - فواضل السمر، أو [فواصل السمر] في فضائل آل عمر أربع مجلدات، وهو دراسة عن أُسرته ورجالها وفَضْلها حتى عصره؛ كما ذكَر ذلك في غير موضع من كتابه "مسالك الأبصار"، وما زال هذا الكتاب مفقودًا حتى الآن.

3 - ممالك عُبَّاد الصليب، وصَف فيه ملوك الإفرنج في عصره، فوصَف ممالك فرنسا وألمانيا، وأحوالهما السياسية والاجتماعيَّة، وفعَل نحو ذلك في البنادقة والإيطاليين، وأهل جنوة، وبين علائقهم بالمسلمين، والكتاب طُبِع في روما سنة 1883م مع ترجمة إيطالية لأماري.

4 - الدعوة المستجابة مُجلد: لَم أقف على موضوعه.

5 - صبابة المشتاق: ديوان كامل في المدائح النبويَّة.

6 - سفرة السفرة، سفرة السافر ويقظة المسافر: لَم أقف على موضوعه[2].

7 - دمعة الباكي ويقظة الساهي أو الساهر في الأدب: وقد قرأهما عليه الصفدي.

8 - نفحة الروض في الأدب.

9 – التعريف بالمصطلح الشريف: أهم الدساتير التي نظَّمت مصطلح الكتابة في عصر المماليك البحرية، والقانون الذي ظلَّ معمولاً به في ديوان الإنشاء طوال عصر المماليك، وهذا الكتاب يقدِّم لنا خلاصة ما وصَل إليه مصطلح الكتابة الديوانيَّة بعد مراحلَ من التطور والتبلْوُر، امتدَّت على عصري الفاطميين والأيوبيين، وقد كان اعتماد العمري في وضْع مادة كتابه على خِبرته الشخصيَّة، وتمرُّسه للكتابة أثناء عمله ككاتب للسرِّ في عهد السلطان محمد بن قلاوون، وقد رتَّبه على سبعة أقسام: "في رتب المكاتبات، وفي عادات العهود، وفي نسْخِ الأيمان، والأمانات، وفي نطاق كلِّ مملكة، وفي مراكز البريد والقلاع، وفي أصناف ما تدعو الحاجة إليه"[3].

10 - الشتويات: مجموعة رسائل كتَبها في الشتاء، وله نسختان مخطوطتان:
أحدهما: نسخة مخطوطة في هولندا، مدينة ليدن، أكاديمية ليدن، رقم الحفظ: 351.
ثانيها: نسخة مخطوطة في مصر، مدينة القاهرة، معهد المخطوطات العربية، رقم الحفظ: 498 عن جامعه إستانبول 1144.

11- النُّبذ الكافية في معرفة الكتابة والقافية: ومنه نسخة مخطوطة في مكتبة فلايشر.

12- الدُّرر الفرائد: وهو مختصر "قلائد العقيان في محاسن الأعيان"؛ لأبي نصر الفتح ابن خاقان ت 535هـ، وموضوعه: تراجِم لطائفة من وزراء وقُضاة، وعلماء وأُدباء وشعراء المغرب، ومن كُتب العُمري نسخة في الخزانة التيموريَّة كُتِبت سنة 720هـ.

13 - الدائرة بين مكة والبلاد: لَم أقِف على موضوعه.

14 - تذكرة الخاطر: لَم أقف على موضوعه.

15 - حُسن الوفا لمشاهير الخلفا: هي قصيدة رائيَّة.

16 - ذهبيَّة العصر: ترجَم فيه لمشاهير المائة الثامنة من معاصريه، وذكَر أشعارهم وأخبارهم.

17- الجواهر الملتقطة: ذكَره القلقشندي في "صُبح الأعشى"، وهي مجموعة مُكاتَبات من إنشاء العُمري.

18- كما له كثير من القصائد، والأراجيز، والمقطّعات، والدوبيت، والموشَّحات.


[1] - قال ابن فضل العُمري في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، (3/ 457 ط المجمع الثقافي، أبو ظبي): "وأمَّا كتابة السر، فقراءة الكتب الواردة على السلطان، وكتابة أجوبتها، وأخْذ خَطِّ السلطان عليها، وتسفيرها، وتصريف المراسم: ورودًا وصدرًا، والجلوس لقراءة القَصص بدار العدل، والتوقيع عليها، وقد صار يوقع فيما كان يوقَّع عليه بقلم الوزارة على حسَب ما يرسم له به السلطان".

[2] - ومعنى سفرة السفرة؛ إي: طعام المسافر.

[3]- من مقدمة محمد حسين شمس لكتاب: "التعريف بالمصطلح الشريف".

ابو وليد البحيرى
25-05-2015, 11:42 PM
ابن فضل الله العمري

وكتابه

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار(2)

(700 - 749 هـ - 1301 - 1349 م)

عبدالحميد الأزهري

الجزء الثاني


أولاً: نبذة تاريخية عن علم المسالك والممالك:
قال الأستاذ تيسير خلف في مقدمته لكتاب "المسالك والممالك" للمُهلبي: نَشَأ علم "المسالك والممالك" في أَوْج ازدهار الخلافة العباسية، على يد عدد من المصنِّفين وكُتَّاب الدواوين، الذين كانت تتجمَّع بين أيديهم مُعطيات كثيرة عن الطُّرق، والمسالك، والخراج، والواردات، والنفقات، وأسماء المواضع، وكان كتاب ابن خَرداذبه[1] "المسالك والممالك" الذي وضَعه سنة 232 هجرية [846م] فاتحةَ هذا العلم، بعد أن تولَّى البريد والأخبار في "بلاد الجبل" في عهد المعتمد العباسي، وقد تطوَّر هذا العلم بشكلٍ مطرد، إلى أن بلَغ ذِروته في القرنين اللاحقين، ثم تطوَّر في صَدْر العصر المملوكي على شَكْل موسوعات كوزموغرافية، لعلَّ أشهرها وأهمَّها موسوعة "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"؛ لابن فضل الله العُمري المتوفى سنة 749 هجرية [1338م].

واختتمَ بكتاب "زُبدة كشف الممالك في بيان الطرق والمسالك"؛ لخليل بن شاهين الظاهري المتوفى سنة 873 هجرية [1468م]، والذي يعدُّ آخر المصنَّفات العربية الإسلامية في هذا العلم، ذلك مثل كتاب الجيهاني، وابن حوقل، والإصطخري، والبكري وغيرهم، ويرى العلاَّمة السوري الدكتور صلاح الدين المنجد أنَّ علم "المسالك والممالك" هو أقرب ما يكون للجغرافيا الوصفية Geographie Descriptive؛ "لأنه لَم يَقتصر على ذِكر الطرق والمسالك والمراحل، بل وصَف البُلدان والمدن - إدارةً، وتاريخًا، واقتصادًا - أوصافًا تقلُّ أو تزيد باختلاف العصر والمؤلف"؛ا.هـ[2].

التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:
شَهِد أواخر القرن السابع الهجري والقرن الثامن الهجري مولدَ عددٍ من المؤرخين المعروفين من الفرس والعرب، واشتَهَرت مؤلفاتهم في الآفاق، ومن ثَمَّ فإنَّ ظهور ابن فضل الله العمري هو امتدادٌ طبيعي لهذا الفيض من المؤرِّخين، ولَمَّا كان العالم الإسلامي متَّصلاً ومتواصلاً، ورحلات الرَّحالة وزيارات التُّجار والسُّفراء، وتنقُّلات العلماء والأُدباء من وطنٍ إلى آخر لا تَنقطع، وكان سلاطين هذه العصور يَهتمون بطُرق التجارة والقوافل والبريد؛ لذا أقاموا عليها العمارات وأنشؤوا الرِّباطات، وأمَّنوا السالكين في الآفاق؛ ولذلك كانت أخبار الممالك الإسلاميَّة معروفة ومتداوَلة، لا تَخفى خافية عن جوابي البلاد من الرَّحالة والمؤرِّخين، ظهَر في أواخر القرن السابع الهجري المؤرِّخ الكبير علاء الدين عطا ملك جويني المتوفى 681هـ، وكان مُقرَّبًا من خانات المغول في عهد هولاكو وخلفه، وتولَّى حُكم بغداد، وقد ألَّف كتابًا من أفضل كتب التاريخ في العصر المغولي وهي "جهانگشاي": "فاتح العالم"، وهو في ثلاثة مجلدات ضخمة، وكتاب نظام التواريخ للقاضي ناصر الدين البيضاوي، والذي ألَّفه سنة 674هـ، وهو كتاب كبير في ثلاثة مجلدات، وكتاب "تاريخ بناكتي أو روضة أُولي الألباب في تواريخ الأكابر والأنساب"؛ تأليف أبي سليمان داود البناكتي، من مؤرِّخي وشعراء بلاط غازان خان، وفي الثلاثينيات من القرن الثامن الهجري ظهَر كتاب مؤلفنا ابن فضل الله العمري سنة 738هـ، وفي نفس العام ظهَر كتاب "تاريخ وصاف أو تجزية الأمصار وتزجية الأعصار"؛ لشهاب الدين عبدالله الشيرازي المعروف بوصاف الحضرة، وهو باللغة الفارسية في خمسة مجلدات، وكانت رحلة ابن بطوطة المعروفة بـ"تحفة النظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"؛ لمحمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، من أهم مؤلَّفات القرن الثامن الهجري، وقد كُتِبت هذه الرحلة سنة 757هـ؛ أي: بعد تأليف "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" بفترة وجيزة، ونُشير إلى كتاب "مجمع الأنساب"؛ لمحمد بن علي بن محمد الشبانكاره الذي وضَعه بالفارسية سنة 743هـ في التاريخ العام، باعتباره يدخل ضمن ظاهرة التأليف والتصنيف في التاريخ الإسلامي[3].

مقدمة عن الكتاب:
أضخم الموسوعات العربية التي تُفاخر معظم مكتبات العالم بامتلاك أجزاء منها، طُبِع المجلد الأول منه بتحقيق أحمد زكي باشا، [ثم طُبعت أجزاء أخرى منه بتحقيقات مختلفة]، وقال الأستاذ أحمد زكي باشا: هذا كتاب "مسالك الأبصار"؛ لابن فضل الله العُمري، لا يحتاج إلى التعريف به وبمؤلِّفه؛ فقد استفاد منه في القرون الوسطى كلُّ أكابر العلماء في الشرق؛ من عرب وفرس وترك، حتى إذا ما رحَل العلم من بلادنا واستقرَّ بأرض أوروبا، تنبَّه المستشرقون إليه فاسْتَقوا من بحره الطامي، مثل: "كاترمير" الفرنسي، و"أماري" الطلياني، فكان لهما القِدْح المعلَّى، والراية البيضاء في استخراج كنوز المعارف من هذا المعدن الغني السَّخي الكريم، وقال ابن شاكر الكتبي: "كتاب حافل، ما أعلم أنَّ لأحدٍ مثله".

شرَع العمري في تأليفه بعدما اعْتُقِل وصُودِر، وقُطِعت يدُه، أثناء الإقامة الجَبرية التي فرَضها عليه الناصر بن قلاون سنة 738هـ، والتي دامَت حتى 740هـ، ومات كهلاً سنة 749هـ في طاعون دمشق من غير أن يُتِمَّه، وقد ذَيَّل عليه ولده شمس الدين محمد.

موضوعه:
وهو - كما وصَفه العمري نفسه - قسمان: الأوَّل في الأرض، والثاني في أهل الأرض والأقوام المختلفة، وينقسم القسم الأول بدوره إلى قسمين أيضًا، وقد استخَدم العمري له كلمة "النوع" الفريدة، ولعلها في مقابل كلمة "الفن" التي استعمَلَها النويري.

النوع الأول: في ذكر المسالك، ولعلَّه استخدَم هذا العنوان بمعناه الوسيع الذي يَشمل الجغرافيا العامة، وفيه خمسة أبواب:
الأول: في أبعاد الأرض وأوضاعها، والثاني: في الأقاليم السبعة، والثالث: في البحار وما يتعلَّق بها من مسائل، وقد تحدَّث فيه عن القنباص "البوصلة" أيضًا، الرابع: في القِبلة وعلاماتها، والخامس: في الطرق.

النوع الثاني: في ذِكر الممالك، وفيه خمسة عشر بابًا، فيتحدَّث فيه بالترتيب من الشرق إلى الغرب عن البلدان والممالك التالية: الهند، بيت جنكيز خان، الجيل، الجبال، أتراك الروم (آسيا الصغرى)، مصر والشام والحجاز، اليمن، المسلمين بالحبشة، والسودان، مالي، جبال البربر، إفريقية، بر العدوة (المغرب)، الأندلس، العرب المعاصرين وأماكنهم.

والمؤلِّف في حديثه عن الممالك الإسلاميَّة لا يَستعرض أحداثًا تاريخيَّة بقَدْر ما يُقدِّم لنا استعراضًا حضاريًّا، وإني لأعدُّ كتابه هذا ضمن المؤلَّفات التي تؤرِّخ للحضارة، فهو كتاب حضاري يستعرض الجوانب الحضارية عند الشعوب في مختلف الأمصار، فهو يؤرِّخ للحضارة الإسلاميَّة، وهذا النوع من المؤلَّفات قليل، ورجاله قلائل، ونُطالع في حديثه عن الممالك الإسلاميَّة استعراضَه لأوضاع الملوك والوظائف، وأرباب الرُّتَب العالية وما لهم من أرزاق، وزي الناس ولباسهم، وطعام الناس ومأكلهم، والميزان، والمكيال، والعُملة، ومقدار كلٍّ منها، ومقارنتها بالمصري والشامي، واستعراض الجيوش وتكوينها وتسليحها، وعَدَدها وعِدَدها، ومُخصصات أهلها، وما تُنتجه أراضي الممالك من بَقْلها، وفومها، وأشجارها، وأنواع المعادن وقيمتها، واستعمالها، ولا يهمل الحديث عن كيفيَّة جلوس السلاطين، وأرباب الوظائف، وتلقِّيهم القصص والشكاوى، وكيفيَّة عَرْضها ووصولها إلى السلطان، وإصدار الفرمانات، واليراليغ، والأوامر، وخَتْمها بالخاتم السلطاني، ويتحدَّث عن القصور، والبيوت، والخركاوات، وما تَحتويه من وسائل معيشيَّة، ويَستعرض نظام الإدارة، وتولية المناصب، والوظائف في الممالك الإسلاميَّة المختلفة.

نَخلص من هذا أنَّ المؤلف كان يسعى لتأريخ الحضارة الإسلامية في عصره: في الهند، وإيران، وبلاد الترك، والصين، والروم، ومصر، والشام، والحجاز، مع عدم إهمال للجانب التاريخي.

القسم الثاني: في أهل الأرض والقبائل والأقوام المختلفة، وفيه أربعة أنواع:
الأوَّل: الذي يبدو أنه مرحلة انتقاليَّة، يُقارن بين الشرق والغرب، ويتحدَّث فيه عن الطبيعة والحيوان، وطوائف العلماء.
الثاني: في الأديان المختلفة.
الثالث: في طوائف أهل الدين.

والرابع، في التاريخ، وفيه بابان:
الأوَّل: في الحكومات قبل الإسلام.
الثاني: في الحكومات بعد الإسلام.

كما يقوم بعمل تراجِم مستوفاة لأهل البلاغة والبيان، ثم يُتبعها بعمل تراجِم لأشهر مَن عُرِفوا بالزهد؛ سواء في المشرق أو المغرب من عصر التابعين حتى عصره، ثم تراجِم الشعراء، وفلاسفة اليونان، وأهل الموسيقا والألحان، ثم بعد ذلك يَعقد فصلاً يتحدَّث فيه عن مفردات الأغذية والأدوية من نبات ومعادن، ثم يتحدَّث عن الدول التي قامَت في المشرق والمغرب، كالدولة الأُموية، والعباسية، والعُبيديَّة.

ويَعتبر القسم السادس أهم أقسام الكتاب، وقد تولَّت تحقيقه المستشرقة دوروتيا كرافولسكي "حرم الدكتور رضوان السيد"، تحدَّث فيه العمري عن مملكة مصر والشام والحجاز؛ أي: عن الدولة المملوكية في عصره، وقد كان المصدر الأساسي لكلِّ مَن كتَب عن هذه الحقبة من بعده، كالقلقشندي، والمقريزي، والسيوطي، بل إنَّ المقريزي أدْرَج هذا الباب كله في كتابه "الخُطط"، ومن أبواب الكتاب: الباب الخامس عشر في ذِكر العرب الموجودين في زمانه، من أطراف العراق إلى آخر المغرب.


منهج المؤلف في تأليف الكتاب:
يمكن أن يُعَدَّ "مسالك الأبصار" كتابَ مطالعة للمعلِّمين، ورُوَّاد الأدب، وإنَّ تأليف مثل هذا الكتاب يحتاج إلى قريحة أدبية بارعة، وذِهن جوَّال ناقد، والعمري يتحلَّى بكلتا الصفتين على أعلى حدٍّ، لقد سلَك فيه مسلكًا فريدًا، فأبدَع فيه؛ حيث اعتمَد على أكثر من منهج في التأليف:
أوَّلها: منهج الرواية بالمشاهدة والرؤية، وهذا فيما يتعلَّق باستعراضه لأحداث ووقائع عصره في ممالك مصر والشام والحجاز، وفي منهجه هذا يتحدَّث حديثَ الخبير المتخصِّص، ولا يذكر مصدرَ روايته أو مشاهدته؛ باعتباره الشاهدَ عليها، ولا تَفوته شاردة ولا واردة إلاَّ وذكَرها، مما قد يَجهله كثيرون غير مقرَّبين من الحضرة السلطانيَّة؛ ولذلك وجَدناه يُطنِب في الحديث عن مصر وأحوالها وأحوال سلاطينها إطنابًا، ويُرسل الحديث إرسالاً في كلِّ الجوانب التاريخيَّة والحضارية.

ثانيها: منهج الرواية بالسماع، وهذا قائم على سماع رواية الذين شاهَدوا تلك البلاد، واطَّلعوا على أخبارها من التجار والزُّوَّار، وقد ذكَر ذلك في أحداث ووقائع ممالك الهند، وممالك قانات المغول، وممالك بلاد الجيل، والجبل، وممالك الروم، وفي منهجه هذا تحدَّث عن ممالك الهند قائلاً: كنتُ أسمع الأخبار الطائحة والكتب المصنَّفة ما يملأ العين والسمع، وكنتُ لا أقف على حقيقة أخبارها؛ لبُعدها منا، وتنائي ديارها عنَّا، فلمَّا شَرَعت في تأليفي هذا الكتابَ، تتبَّعت ثِقاة الرواة، ووجَدت أكثر مما كنتُ أسمع، وأجلَّ مما كنتُ أظنُّ.

ويشرح "العمري" هذا المنهج قائلاً: "كنت أسأل الرجل عن بلاده، ثم أسأل الآخر والآخر؛ لأقف على الحق، فما اتَّفَقَت عليه أقوالُهم وتقارَبت فيه أثْبَتُّه، وما اختلفَت فيه أقوالهم، أو اضطربتْ تركتُه، ثم أُنْزِل الرجل المسؤول مدَّة أُناسيه فيها عمَّا قال، ثم أُعيد عليه السؤال عن بعض ما كنتُ سألتُ، فإن ثبَت على قوله الأوَّل، أثْبَت مقالَه، وإن تزلْزَل أذهبتُ في الريح أقوالَه، كلُّ هذا لأتروَّى في الرواية، وأتوثَّق في التصحيح".

وهذا المنهج العلمي الصحيح الذي سلَكه ابن فضل الله العمري مع رُواته، ومصادر أخباره، يؤكِّد مدى أهمية ما أورَدَه وما أثبتَه، ولعلَّ وظيفته في البلاط السلطاني قد أتاحَت له فرصة مقابلة العديد من الواردين إلى البلاط، ويقول في ذلك: "أسأل كلَّ واردٍ على باب سلطاننا - أعزَّه الله بنصره - من جميع الآفاق، ووافد استكنَّ تحت جناح لوائه الخَفَّاق، إلاَّ وسألتُهم عن بلادهم، وأوضاع ملوكها، ووظائف الرعايا في سلوكها، وما للجنود بها، وطبقات أرباب الرُّتب العالية من الأرزاق، وكيف زي كلِّ أناس، وما يَمتاز به كلُّ طائفة من اللباس"؛ ا.هـ.

وغير ذلك من الأحوال التي تمتاز بها البلاد، ويتغاير بها العباد، فسبحان مَن خَلَق الناس أجناسًا، والبلاد ألوانًا.

ثالثها: منهج النقل عن المتون السابقة، قد يقل من النقل أحيانًا؛ كما في السفر الثالث من الكتاب، فنادرًا ما كان ينقل من كتاب كما ذكَر مُحقِّقه، وقد يُكثر من النقل جدًّا من الكتب؛ كما فعَل في السفر السابع وما يليه من الأسفار، فإنه كان يترجِم لأهل النحو، والتصوُّف، وأهل الغناء، والفلاسفة، وغيرهم.

لقد اعتمَد ابن فضل الله في تراجمه على مصادر جعَلها موردًا يَنهل منه تاريخ مولدهم ووفاتهم، وما يؤثَر عنهم، بعد أن يَفيض بسَجْعه عليهم، كـ"وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"؛ لابن خلكان، و"تاريخ إربل"؛ لابن المستوفي، و"خريدة القصر وجريدة العصر"؛ لعماد الدين الأصبهاني، كما ينقل من "الرسالة القشيرية"، و"طبقات الأولياء"؛ لابن الملقِّن، و"طبقات الصوفيَّة"؛ للسلمي، و"حِلية الأولياء"؛ لأبي نُعيم، و"رجال طبقات الصوفيَّة"؛ للمُناوي، كما ينقل أيضًا عن "تاريخ الطبري"، و"تاريخ دمشق"؛ لابن عساكر، و"أخبار الزمان"؛ للمسعودي، و"جامع التواريخ"؛ لرشيد الدين فضل الله، وغيرهم كثير.

وفي منهجه هذا، فإنه يذكر عادة اسم المؤلف أو اسم الكتاب الذي أخَذ عنه، ومن العجب أنه كان يُثبت أسماء كتب مكتوبة باللغة الفارسية، ويتحدَّث عن مؤلفين ألَّفوا كتبًا بالفارسية، مثل: علاء الدين عطا ملك جويني، ورشيد الدين فضل الله، لقد كان المصنِّف - رحمه الله تعالى - أمينًا في نَقْله غاية الأمانة، فإذا ما ذكَر عن كتاب نقلاً ما، قال: "وقال فلان في كتاب كذا"، وينقل النص أحيانًا بتَمامه، وأحيانًا بتصرُّف يسيرٍ، أو اختصار غير مُخلٍّ، ولعلَّ أمانته تلك ساعدَت كثيرًا في إخراج الكتاب على أحسن وجْهٍ؛ ضبطًا للنصوص، وتوثيقًا للمواد.

تاريخ تصنيف الكتاب:
وبداية تصنيفه للكتاب كان سنة ثمانٍ وثلاثين وسبعمائة، بعد عَزْله من مصر واستقراره بالشام، فقال هذا صراحة في ص 288 من السفر الثالث من المخطوط، فقال: "وفي سنة تأليفي فيها هذا الكتاب، وهي سنة ثمانٍ وثلاثين وسبعمائة"؛ أي: قبل موته بإحدى عشرة سنة.


[1]- ابن خرداذبه: هو عبيدالله بن أحمد بن خرداذبه، أبو القاسم: مؤرِّخ جغرافي، فارسي الأصل، من أهل بغداد، كان جَدُّه خرداذبه مجوسيًّا، أسْلَم على يد البرامكة، واتَّصل عبيدالله بالمعتمد العباسي، فولاَّه البريد والخبر بنواحي الجبل، وجعَله من نُدمائه؛ الأعلام للزركلي، (4/ 190).

[2] - مقدمة كتاب المسالك والممالك؛ للمُهلبي؛ تحقيق تيسير خلف.

[3]- من مقدمة المجلد الخامس عشر من كتاب "مسالك الأبصار"؛ تحقيق الأستاذ: وليد محمود خالص.

ابو وليد البحيرى
25-05-2015, 11:43 PM
ابن فضل الله العمري

وكتابه

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار(3)

(700 - 749 هـ - 1301 - 1349 م)

عبدالحميد الأزهري


النسخ المطبوعة من الكتاب وعدد أجزائه


مخطوطات الكتاب:
ذكَر ابن حجر العسقلاني، وابن تغري بردي أنه في أزيد من عشرين مجلدًا، وذكَر ابن العماد الحنبلي أنه في سبعة وعشرين مجلدًا، وورَد بموسوعة العلوم الإسلامية أنه 32 جزءًا، وقد أصدَرها كاملة بالنشر التصويري الأستاذ فؤاد سزكين سنة 1989م، ويقع الكتاب في سبعة عشر جزءًا.

وكان المرحوم حسن حسني عبدالوهاب أوَّل مَن نشر قسمًا منه في "وصف إفريقية، والمغرب، والأندلس في أواسط القرن الثامن الهجري"، في مجلة البدر بتونس سنة 1341هـ، ثم تلاه المرحوم أحمد زكي باشا، فنشَر قسمًا منه سنة 1924م حين قام بنَشْر الجزء الأوَّل من الكتاب، وله فيه قصة[1].

ثم تلاه جماعة من العرب والمستشرقين، قاموا بنَشْر أجزاء من الكتاب، أو دراسات عنه بمختلف اللغات الأوروبية، وأبرَزهم: (كاتر مير)، و(ميخائيل أماري)، و(تيزنهوزن)، و(شيفير)، و(دي موبين)، و(تيشنر)، و(ليش).

النُّسَخ المطبوعة:
لقد سبَق لهذا للكتاب أن ظهَر في أجزاء متفرِّقة، وفي أزمان متباعدة، وعلى أيدي ناشرين مختلفين:
1 - فنشَر حسن حسني عبدالوهاب منه وصْفَ إفريقية، والمغرب، والأندلس في أواسط القرن الثامن الهجري، في مجلة "البدر" بتونس سنة 1341هـ.

2 - نشَر الأستاذ أحمد زكي باشا الجزء الأول منه في القاهرة سنة 1342هـ - سنة 1924م.

3 - ونشَر غودفروادو منبين منه الجزء المتعلِّق بإفريقية دون مصر، مع الترجمة الفرنسية في باريس سنة 1927م.

4 - ونشر تشيز ذِكْر "أخبار بلاد الروم" منه في لايبزيك سنة 1929م.

5 - ونشَر أشيس ذِكْر "أخبار الهند" منه في مجموعة التصانيف الشرقية بلايبزك سنة 1943م.

6 - ونشَر أيمن فؤاد سيد الباب السابع الخاص بـ"مملكة اليمن" عن دار الاعتصام في القاهرة سنة 1394 هـ - سنة 1974م.

7 - ونشَرت الألمانية دوروتيا كرافولسكي (D.Krawulsky) الباب الخامس عشر الخاص بـ"القبائل العربية" عن المركز الإسلامي للبحوث في بيروت سنة 1406 هـ - سنة 1985م.
وأعاد نشْرَه مع الباب السادس (مملكة مصر والشام والحجاز) عن المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة سنة 1985م.

8 - وقد قامَت مؤسسة الرسالة بنَشْر أجزاء من الكتاب:
• فنشَرَت الجزء الخاص "بقبائل العرب في القرن السابع والثامن الهجري"؛ ترجمة وتحقيق: دوروتيا كرافولسكي، في 236 صفحة سنة 1985هـ.
• ثم نشَرت "الجزء الخاص بدولة المماليك الأولى"؛ ترجمة وتحقيق: دوروتيا كرافولسكي في 270 صفحة، سنة 1986هـ.

9 - وقد قام المركز الإسلامي للبحوث بنَشْر أجزاء من الكتاب، فنشَر الجزء الخاص بـ"دولة المماليك" في 270 صفحة سنة 1986م.

10 - وقد قامت الباحثة زينب طاهر بتحقيق قطعة من المجلد الخامس "في الإنصاف بين المشرق والمغرب" في رسالة قدَّمتها للجامعة الأمريكية ببيروت؛ لنَيْل درجة الماجستير سنة 1349هـ.

11 - ونشَر مصطفى أبو ضيف "الأبواب من (8 - 14)" الخاصة بممالك المسلمين في إفريقية سنة 1988م.

12 - وقد قامَت دار عالم الكتب بنَشْر أجزاء من الكتاب:
• فنَشَرت "الجزء الخاص بالسيرة النبوية" في 304 صفحة؛ بتحقيق: محمد الحريري، سنة 1997هـ.
• ونَشَرت "الجزء الحادي والعشرين، وهو الخاص بـ"الأعشاب ومفردات الأغذية والمعادن" في 259 صفحة؛ بتحقيق: محمد نايف الديلمي، سنة 1999م.
• ونَشَرت الجز العشرين، وهو الخاص بـ"الحيوان والنبات"، سنة 1999م أيضًا.

13- وقامَت دار المدار الإسلامي بنَشْر جزء من الكتاب، فنَشَرت الجزء الخاص بـ"بالإنصاف بين المشرق والمغرب " سنة 2004م.

14- وقامت دار الكتب والوثائق القوميَّة بنَشْر الجزء الخاص بـ"أهل الغناء والموسيقا في المشرق والمغرب العربي ومصر المحروسة"؛ ترجمة وتحقيق: غطاس عبدالملك خشبة، وحسين نصار، سنة 2005م.

15- وقامت مكتبة الثقافة الدينية بنَشْر الجزء الخاص بـ"طوائف الفقراء الصوفية"، سنة 2009م.

ثم قامَت أكثر من دار بجَمْعه في نسخة واحدة:
1 - فقامَت دار الكتب الوطنية بالمجمع الثقافي في "أبو ظبي" سنة 1424هـ - سنة 2003م بطَبْع الكتاب في قطع وزيري وجلد كرتوني بتحقيق عدة من المحقِّقين، من 1 إلى 27.
2 - كما قامت دار الكتب العلمية ببيروت بطَبْع الكتاب في سبعة وعشرين جزءًا داخل خمسة عشر مجلدًا في أبريل سنة2010م؛ بتحقيق: مهدي النجم، وكامل سليمان الجبوري.


المراجع:
الوافي بالوَفَيات (8/ 163)، وأعيان العصر وأعوان النصر، كلاهما (1/ 420/ ط الفكر المعاصر)؛ للصفدي.
• فوات الوفيات؛ لابن شاكر الكتبي (1/ 157 - 161).
• البداية والنهاية؛ لابن كثير (14/ 264/ ط إحياء التراث).
• طبقات الشافعية؛ لابن قاضي شُهبة (3/ 17/ ط عالم الكتب).
• الدُّرر الكامنة؛ لابن حجر (1/ 395/ ط دائرة المعارف العثمانية الهند).
• النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (10/ 234)، والمنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي؛ كلاهما لابن تغري بردي (2/261 - 264).
• حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة؛ للسيوطي (1/ 609 - 610)؛ تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم.
• شذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ لابن العماد الحنبلي (8/ 273 - 275).
• معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة؛ ليوسف أليان سركيس (1/ 205/ مط سركيس).
• الأعلام؛ للزركلي (1/ 268),
• مقدمة أحمد زكي باشا في تحقيقه للجزء الأول من "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، طبعة دار الكتب المصرية.
• مناهج التأليف عند العلماء العرب؛ لمصطفى الشكعة (1/ 600/ ط العلم للملايين).
• مقدمة كتاب "التعريف بالمصطلح الشريف"؛ تحقيق محمد حسين شمس الدين.
• قلائد الجمان؛ للقلقشندي (1/ 139 ط الكتاب المصري).
• مقدمة الجزء الثالث من كتاب "مسالك الأبصار".
• مقدمة زينب طاهر في تحقيقها لقطعة من المجلد الخامس لكتاب مسالك الأبصار، رسالة ماجستير.
• ترجمة لهذا الكتاب على موقع الوراق، ودائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ج 4، والمدخل: ابن فضل الله، الكاتب: أبو الحسن ديانت.
• تاريخ الكتب الجغرافية في العالم الإسلامي؛ كراتشكوفسكي.


[1] قال الأستاذ أحمد زكي باشا في مقدمة تحقيقه لكتاب "مسالك الأبصار": بَقِي المصريون محرومين وحْدهم من بضاعة أجدادهم إلى أن وفَّقني الله لردِّها إليهم، بعد أن بذَلتُ ما بَذَلتُ في هذا السبيل من التعب، فيما لا يقلُّ عن رُبُع قرن من الزمان، اهْتَدَيت إلى مكامنه في دور الكتب بأُمَّهات العواصم في ديار أوروبا، وفي خزائن المخطوطات بالقسطنطينيَّة العُظمى، لكن الجزء الأوَّل منه بَقِي في حُكم المفقود؛ فإن نُسخته بـ"خزانة آيا صوفيا" ليستْ بذاك، ولقد تداركَتْني العناية، فعَثرتُ بطريق الصدفة على كتاب مدشوت في الأضابير المُبعثرة بين الأوراق المنتثرة في أسافل الخزانات بسراي طوب قبو القسطنطينيَّة، وكان هذا الكتاب بعنوان "مرآة الكائنات" تصفحتُه قليلاً، وإذا به هو الضالة المنشودة، ومما جَعَلني أغتبطُ كلَّ الاغتباط بهذه اللقية، أن رجلاً من أهل العلم قرَأ هذا الجزء على المؤلِّف، وأنَّ المؤلف كتَب بخطِّه عليه بعض التصحيحات، وأضاف إليه زيادات كتَبَها بيده في ورقات "طيارات"، فنبَّهت "رشاد بك" أمين تلك الخزانة في سنة1910م إلى هذه الدُّرة اليتيمة، وطلَبت إليه إعادة العنوان إلى أصْله ففعَل، وحينئذٍ أسرَعت فأخَذت بالفتوغرفيا صورة الكتاب بأكْمَله، (مع النسخة الأخرى من الجزء الأول التي "بآيا صوفيا"، وأحْضَرت الكلَّ إلى القاهرة، وهو محفوظ بدار الكتب المصرية.