ابو وليد البحيرى
26-05-2015, 05:05 PM
فوائد زيت الزيتون
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
لعل مادة الدهن التي يتغذى عليها الإنسان، تشتمل على مزايا صحية وغذائية هائلة ونافعة، وكل الناس يعلمون هذه الحقيقة التي أكدتها العلوم في العصر الحاضر، وما تزال الأبحاث جارية بشأن المزايا الصحية والاستشفائية والغذائية لزيت الزيتون، أما القراءة العلمية للآية، فتجعلنا نذهب إلى حدٍّ بعيد؛ لنفهم أكثر ونستفيد أكثر، فكلمة "دهن" جاءت معرّفة معرفة تامة، وعطفت عليها كلمة "صبغ"، وهي نكرة تامة، وهذا التعبير بهذه الصورة، واستعمال هذا النسق اللغوي، يجب أن يحظى بالاهتمام البالغ، لاكتشاف الغاية والحكمة، ماذا تعني كلمة "الصمغ"؟ ولماذا جاءت في الآية على تلك الحال؟ وكيف نفهمها؟
أما فيما يخص الأبحاث الميدانية، فقد قمنا بدراسة هذا الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت (جدول رقم1)، والذي نسميه بالإنجليزية mill waste water Olive، وهو إلى حد الآن يعتبر من المياه المستعملة أو المياه الملوثة، وهو طرح خاطئ، وقد درسنا أولاً الخصائص الأحيائية لهذا الماء أو الصبغ، فتبيَّن أن هذا الماء الذي يعبر عنه القرآن بالصبغ، خالٍ من الجراثيم (Mouncif et al., 1993، إلا بعض البكتيريا اللبنية وبعض الخمائر والفطريات، وهي جراثيم غير ضارة للإنسان، وبهذا فهو يمكن أن يبقى دون تحلُّل لعدة سنوات تقدَّر بعشرات السنين، ودرَسنا كذلك الخصائص الكابحة للجراثيم المضرَّة لهذا الماء أو الصبغ، وتبيَّن أنه جد فعَّال في كبْح نمو الجراثيم، وبهذه الخاصية يمكن أن يستعمل كمادة طبيعية لتحفيظ المواد الغذائية، بدل المضافات الكيماوية الصناعية الخطرة، ثم درسنا كذلك مدى أهميته في إبطال فعْل بعض الأنزيمات، فتبيَّن أن إبطال النشاط الأنزيمي كان واضحًا جدًّا، وما تزال الأبحاث في شأن هذا السائل سائرة في مختبرنا، إلى أن نتوصل إلى إيجاد أسلوب يجعله يستهلك مباشرة، أو يستعمل مع مواد سائلة أو صلبة، والله الموفق.
صورة تُبين الخاصية الكابحة لنمو الجراثيم للصبغ
فالمعروف عن شجرة الزيتون أنها تعطي الزيت، وهو أمر لا يحتاج إلى توضيح لغوي أو تدقيق علمي، لكن الصبغ الذي جاء في القرآن، والذي يستخرج من الزيتون مع الزيت أثناء العصر فليس معروفًا، وهذا ما لفت نظرنا وقادنا إلى البحث الميداني حول حقيقة كل مشتقات الزيتون بما في ذلك الأوراق، فلقد بدأت بعض الحقائق تظهر؛ لتُبين أهمية هذه الكلمة من الناحية العلمية المحضة، فالصبغ الذي يتكلم عنه القرآن، هو الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت بالتحليل، ويُرمى مع المياه المستعملة، وقد اعتقد الباحثون في ميدان البيئة أنه جد ملوث، ويجب أن نعالجه، وتعدَّدت الشركات التي تريد أن تعالج هذا الماء في البلدان المنتجة للزيتون، وازداد اهتمام بعض الباحثين بالموضوع، ويتكون هذا الماء الأحمر من صبغ كما جاء في القرآن، والصبغ يعني من الناحية اللغوية كل مادة تصبغ أو تعطي لونًا لكل الأشياء التي تصيبها أو تختلط معها، ومن الناحية الكيماوية هي مركبات عضوية توجد في الزيتون، وتمتاز بخاصية تغيير لونها مع التأكسد والضوء، وتشمل هذه المواد كل من البوليفينولات (polyphénol) والمواد الدابغة (tanins)، وبعض المواد الملونة الأخرى مثل الأنطوسيانات (Antocyans)، والمعروف عن هذه المركبات أنها تحول دون التأكسد Antioxydants(Le Tutour and Guedon, 1990)، وهو شيء في غاية الأهمية بالنسبة للجسم، وتكون كذلك هذه المواد كابحة للجراثيم والأنزيمات (Fleming et al., 1973; Walker, 1996; Tassou et al., 1991; Renis, 1969)، وتمتص الأوكسايجن ومزايا أخرى؛ منها: ما توصل إليه العلم، ومنها ما يزال طور البحث، وعلى إثر هذه الأهمية تكوَّنت جمعيات بدول أوروبا خصيصًا لدراسة هذه المزايا.
والمعروف طبيًّا أن البوليفينولات والمواد الدابغة عمومًا، تصنف مع المواد المضادة للتأكسد، وهو ما يعطيها ميزة المواد الكابحة للسرطان عند الإنسان، وتكمن أهمية زيت الزيتون الطبية في هذه العوامل، إضافة إلى الحمضيات غير المشبعة من فئة 18 كربون، أو حمض الأولاييك واللينولانيك، بالإضافة إلى الفيتامينات الذائبة في الدهون ومنها الطوكوفيرولات، وما تزال الأبحاث قائمة في شأن مكونات زيت الزيتون، وهناك العديد من المختبرات التي تعمل الآن جادة على توضيح واكتشاف أهمية هذه الزيت، إلى درجة أنه أصبح يحمل اسم الذهب الأخضر في أوروبا وأمريكا.
ولا زلنا لم نتوصل بعدُ إلى استهلاك هذه المادة التي يتكلم عنها القرآن، لكن الذي نعلمه يقينًا هو أن لها أهمية صحية كبيرة، وأن فيها نفعًا للإنسان، وقد بيَّنها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، وجاء لفظ الصبغ كنكرة تامة؛ لأنه ليس المنتج الأساسي لشجرة الزيتون، والمعلوم أن هذه الشجرة تعطي الزيت أو الدهن كمنتج أساسي Product، والصبغ كمنتج ثانوي By product، لكن ليس من حيث الأهمية، وإنما من حيث الكمية، ويكون التفسير على هذا النحو: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 20]؛ أي: بمعنى منتج أساسي وهو الزيت للتغذية، ومنتج ثانوي وهو الصبغ للمنفعة الصحية؛ ولذلك جاء الدهن معرفًا بالألف واللام والصبغ نكرة تامَّة، فلا زلنا لا نأكل هذا الصبغ رغم أن الله سبحانه وتعالى يقول: إنه للآكلين، ولو شاء الله لكان التعبير معرفًا، ويكون صحيحًا، "بالدهن والصبغ للآكلين"، أو يكون نكرة تامة "بدهن وصبغ للآكلين"، لكن التعبير القرآني جعل النسق اللغوي يطابق الحقيقة العلمية.
ولا يمكن أن نحصر الأبحاث التي أُجريت على زيت الزيتون، وكذلك بعض المستخلصات من أوراق الزيتون، لكن هناك ما يستحق الذكر لأغراض نافعة للبشرية، فاستعمال كلمة دهن بدل زيت في هذه الآية له كذلك دلالة علمية، وغاية طبية هائلة، فالتعبير القرآني جد مدقق؛ لأنه الدليل الإنساني، الذي سيبقى مع الإنسان إلى قيام الساعة، ولذلك جاء بحقائق لا تتغير، ونجد في آية أخرى من سورة النور، أن الله عبر بكلمة "زيت"، بدل الدهن.
لقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].
إن الخوض في هذه الآية أمر صعب من الناحية العلمية، وقد جاءت بعض التفسيرات الأدبية في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والتي تُبين بطريقة إيمانية معنى السياق العام للآية، لكن هناك حقائق علمية محضة تنطوي عليها الآية الكريمة، فنقف عند الوصف الواضح من الناحية اللغوية بمجيء شجرة الزيتون باللفظ ﴿ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾، وقد وصفت هذه الشجرة بالمباركة، وقد يتسع معنى هذا الوصف؛ ليشمل المزايا الزراعية والبيئية، والغذائية والطبية لشجرة الزيتون، ذلك أن شجرة الزيتون لا تفسد التربة؛ من حيث يمكن زراعة ما بين الأشجار بمزروعات أخرى كالحبوب، وهي لا تضيع الفرشة المائية، وهي ترطب الجو، وتحتوي في أوراقها على مكونات صحية وطبية كما سنتطرق لذلك فيما بعدُ.
ونقف كذلك عند ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ﴾، فالوصف هنا جاء لجودة الزيت التي تستعمل للضوء لصفائها، فالزيوت التي تحترق يجب أن تكون خالصة، فإذا كانت فيها نسبة المياه زيادة، أو إذا كانت فيها المركبات الأخرى العضوية غير الذهنية بنسبة عالية، فلا تحترق جيدًا، ولا تعطي ضوءًا كثيرًا، بل تعطي دخانًا، والتعبير عن النقاوة للإضاءة جاء بالزيت؛ يعني: أن تكون الدهنيات خالصة، أما التعبير عن الأكل وهو ما يهم صحة الإنسان، فجاء بالدهن، وجاء التعبير بالزيت بدل الدهن في هذه الآية الكريمة؛ لأن الزيت ذُكِر للاستضاءة، وهذه العملية تستعمل اشتعال الزيت، ويجب أن يكون خالصًا؛ ليكون الاحتراق أو الاشتعال جيدًا، بينما الدهن جاء للأكل وهو أمر صحي، ويجب ألا يكون مصفًّى؛ ليستفيد الجسم من المواد الموجودة؛ كالدسم، والفيتامينات، والبوليفينولات، والمواد الأخرى، ونقف على هذه الحقيقة؛ لنبين أن العلوم الحديثة قد تكون أفسدت أكثر ما أصلحت في الميدان الغذائي على الخصوص، ولنستعرض بعض الأساليب الصناعية الحديثة.
والأساليب الحديثة لاستخراج زيت الزيتون أصبحت تعتمد تصفية زيت الزيتون Refining، وهو أسلوب غير صائب بالنسبة لهذا الزيت؛ لأن التصفية والتكرير يجب أن يطبق على زيوت أخرى؛ كالزيوت النباتية من الصويا والفول السوداني، ونوار الشمس، وما إلى ذلك، لكن زيت الزيتون يجب ألا يُصفَّى؛ حتى لا تضيع المكونات الصحية.
فهذا النهج جاء تحت ستار التقدم العلمي، وبذريعة تحسين المنتج، والتحكم في الصناعة، لكن سَرعان ما تبيَّن أن الحقيقة غير ذلك، خصوصًا مع التحول الواقع الآن في هذا الميدان، والقاضي بالرجوع إلى المواد الطبيعية، فجل الأساليب الصناعية المستعملة في البلدان العربية مستوردة، وليس المعدات فحسب، وإنما الفكر والأسلوب كذلك، ونكاد نأتي على خطأ جل هذه الأساليب من الطحين الذي أصبح يغربل إلى الزيتون والمنتجات الحيوانية والبحرية والنباتية، فنخشى أن نكون انزلقنا إلى الأخذ بمفاهيم خاطئة من الناحية العلمية، ونوصي كل الباحثين المسلمين أن يُبينوا بعض القواعد الغذائية الإسلامية، ولا ينجذبوا بظاهر البحث العلمي الغربي، فجله موضوع؛ ليستجيب لحاجات مجتمعات أخرى.
يتبع
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
لعل مادة الدهن التي يتغذى عليها الإنسان، تشتمل على مزايا صحية وغذائية هائلة ونافعة، وكل الناس يعلمون هذه الحقيقة التي أكدتها العلوم في العصر الحاضر، وما تزال الأبحاث جارية بشأن المزايا الصحية والاستشفائية والغذائية لزيت الزيتون، أما القراءة العلمية للآية، فتجعلنا نذهب إلى حدٍّ بعيد؛ لنفهم أكثر ونستفيد أكثر، فكلمة "دهن" جاءت معرّفة معرفة تامة، وعطفت عليها كلمة "صبغ"، وهي نكرة تامة، وهذا التعبير بهذه الصورة، واستعمال هذا النسق اللغوي، يجب أن يحظى بالاهتمام البالغ، لاكتشاف الغاية والحكمة، ماذا تعني كلمة "الصمغ"؟ ولماذا جاءت في الآية على تلك الحال؟ وكيف نفهمها؟
أما فيما يخص الأبحاث الميدانية، فقد قمنا بدراسة هذا الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت (جدول رقم1)، والذي نسميه بالإنجليزية mill waste water Olive، وهو إلى حد الآن يعتبر من المياه المستعملة أو المياه الملوثة، وهو طرح خاطئ، وقد درسنا أولاً الخصائص الأحيائية لهذا الماء أو الصبغ، فتبيَّن أن هذا الماء الذي يعبر عنه القرآن بالصبغ، خالٍ من الجراثيم (Mouncif et al., 1993، إلا بعض البكتيريا اللبنية وبعض الخمائر والفطريات، وهي جراثيم غير ضارة للإنسان، وبهذا فهو يمكن أن يبقى دون تحلُّل لعدة سنوات تقدَّر بعشرات السنين، ودرَسنا كذلك الخصائص الكابحة للجراثيم المضرَّة لهذا الماء أو الصبغ، وتبيَّن أنه جد فعَّال في كبْح نمو الجراثيم، وبهذه الخاصية يمكن أن يستعمل كمادة طبيعية لتحفيظ المواد الغذائية، بدل المضافات الكيماوية الصناعية الخطرة، ثم درسنا كذلك مدى أهميته في إبطال فعْل بعض الأنزيمات، فتبيَّن أن إبطال النشاط الأنزيمي كان واضحًا جدًّا، وما تزال الأبحاث في شأن هذا السائل سائرة في مختبرنا، إلى أن نتوصل إلى إيجاد أسلوب يجعله يستهلك مباشرة، أو يستعمل مع مواد سائلة أو صلبة، والله الموفق.
صورة تُبين الخاصية الكابحة لنمو الجراثيم للصبغ
فالمعروف عن شجرة الزيتون أنها تعطي الزيت، وهو أمر لا يحتاج إلى توضيح لغوي أو تدقيق علمي، لكن الصبغ الذي جاء في القرآن، والذي يستخرج من الزيتون مع الزيت أثناء العصر فليس معروفًا، وهذا ما لفت نظرنا وقادنا إلى البحث الميداني حول حقيقة كل مشتقات الزيتون بما في ذلك الأوراق، فلقد بدأت بعض الحقائق تظهر؛ لتُبين أهمية هذه الكلمة من الناحية العلمية المحضة، فالصبغ الذي يتكلم عنه القرآن، هو الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت بالتحليل، ويُرمى مع المياه المستعملة، وقد اعتقد الباحثون في ميدان البيئة أنه جد ملوث، ويجب أن نعالجه، وتعدَّدت الشركات التي تريد أن تعالج هذا الماء في البلدان المنتجة للزيتون، وازداد اهتمام بعض الباحثين بالموضوع، ويتكون هذا الماء الأحمر من صبغ كما جاء في القرآن، والصبغ يعني من الناحية اللغوية كل مادة تصبغ أو تعطي لونًا لكل الأشياء التي تصيبها أو تختلط معها، ومن الناحية الكيماوية هي مركبات عضوية توجد في الزيتون، وتمتاز بخاصية تغيير لونها مع التأكسد والضوء، وتشمل هذه المواد كل من البوليفينولات (polyphénol) والمواد الدابغة (tanins)، وبعض المواد الملونة الأخرى مثل الأنطوسيانات (Antocyans)، والمعروف عن هذه المركبات أنها تحول دون التأكسد Antioxydants(Le Tutour and Guedon, 1990)، وهو شيء في غاية الأهمية بالنسبة للجسم، وتكون كذلك هذه المواد كابحة للجراثيم والأنزيمات (Fleming et al., 1973; Walker, 1996; Tassou et al., 1991; Renis, 1969)، وتمتص الأوكسايجن ومزايا أخرى؛ منها: ما توصل إليه العلم، ومنها ما يزال طور البحث، وعلى إثر هذه الأهمية تكوَّنت جمعيات بدول أوروبا خصيصًا لدراسة هذه المزايا.
والمعروف طبيًّا أن البوليفينولات والمواد الدابغة عمومًا، تصنف مع المواد المضادة للتأكسد، وهو ما يعطيها ميزة المواد الكابحة للسرطان عند الإنسان، وتكمن أهمية زيت الزيتون الطبية في هذه العوامل، إضافة إلى الحمضيات غير المشبعة من فئة 18 كربون، أو حمض الأولاييك واللينولانيك، بالإضافة إلى الفيتامينات الذائبة في الدهون ومنها الطوكوفيرولات، وما تزال الأبحاث قائمة في شأن مكونات زيت الزيتون، وهناك العديد من المختبرات التي تعمل الآن جادة على توضيح واكتشاف أهمية هذه الزيت، إلى درجة أنه أصبح يحمل اسم الذهب الأخضر في أوروبا وأمريكا.
ولا زلنا لم نتوصل بعدُ إلى استهلاك هذه المادة التي يتكلم عنها القرآن، لكن الذي نعلمه يقينًا هو أن لها أهمية صحية كبيرة، وأن فيها نفعًا للإنسان، وقد بيَّنها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، وجاء لفظ الصبغ كنكرة تامة؛ لأنه ليس المنتج الأساسي لشجرة الزيتون، والمعلوم أن هذه الشجرة تعطي الزيت أو الدهن كمنتج أساسي Product، والصبغ كمنتج ثانوي By product، لكن ليس من حيث الأهمية، وإنما من حيث الكمية، ويكون التفسير على هذا النحو: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 20]؛ أي: بمعنى منتج أساسي وهو الزيت للتغذية، ومنتج ثانوي وهو الصبغ للمنفعة الصحية؛ ولذلك جاء الدهن معرفًا بالألف واللام والصبغ نكرة تامَّة، فلا زلنا لا نأكل هذا الصبغ رغم أن الله سبحانه وتعالى يقول: إنه للآكلين، ولو شاء الله لكان التعبير معرفًا، ويكون صحيحًا، "بالدهن والصبغ للآكلين"، أو يكون نكرة تامة "بدهن وصبغ للآكلين"، لكن التعبير القرآني جعل النسق اللغوي يطابق الحقيقة العلمية.
ولا يمكن أن نحصر الأبحاث التي أُجريت على زيت الزيتون، وكذلك بعض المستخلصات من أوراق الزيتون، لكن هناك ما يستحق الذكر لأغراض نافعة للبشرية، فاستعمال كلمة دهن بدل زيت في هذه الآية له كذلك دلالة علمية، وغاية طبية هائلة، فالتعبير القرآني جد مدقق؛ لأنه الدليل الإنساني، الذي سيبقى مع الإنسان إلى قيام الساعة، ولذلك جاء بحقائق لا تتغير، ونجد في آية أخرى من سورة النور، أن الله عبر بكلمة "زيت"، بدل الدهن.
لقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].
إن الخوض في هذه الآية أمر صعب من الناحية العلمية، وقد جاءت بعض التفسيرات الأدبية في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والتي تُبين بطريقة إيمانية معنى السياق العام للآية، لكن هناك حقائق علمية محضة تنطوي عليها الآية الكريمة، فنقف عند الوصف الواضح من الناحية اللغوية بمجيء شجرة الزيتون باللفظ ﴿ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾، وقد وصفت هذه الشجرة بالمباركة، وقد يتسع معنى هذا الوصف؛ ليشمل المزايا الزراعية والبيئية، والغذائية والطبية لشجرة الزيتون، ذلك أن شجرة الزيتون لا تفسد التربة؛ من حيث يمكن زراعة ما بين الأشجار بمزروعات أخرى كالحبوب، وهي لا تضيع الفرشة المائية، وهي ترطب الجو، وتحتوي في أوراقها على مكونات صحية وطبية كما سنتطرق لذلك فيما بعدُ.
ونقف كذلك عند ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ﴾، فالوصف هنا جاء لجودة الزيت التي تستعمل للضوء لصفائها، فالزيوت التي تحترق يجب أن تكون خالصة، فإذا كانت فيها نسبة المياه زيادة، أو إذا كانت فيها المركبات الأخرى العضوية غير الذهنية بنسبة عالية، فلا تحترق جيدًا، ولا تعطي ضوءًا كثيرًا، بل تعطي دخانًا، والتعبير عن النقاوة للإضاءة جاء بالزيت؛ يعني: أن تكون الدهنيات خالصة، أما التعبير عن الأكل وهو ما يهم صحة الإنسان، فجاء بالدهن، وجاء التعبير بالزيت بدل الدهن في هذه الآية الكريمة؛ لأن الزيت ذُكِر للاستضاءة، وهذه العملية تستعمل اشتعال الزيت، ويجب أن يكون خالصًا؛ ليكون الاحتراق أو الاشتعال جيدًا، بينما الدهن جاء للأكل وهو أمر صحي، ويجب ألا يكون مصفًّى؛ ليستفيد الجسم من المواد الموجودة؛ كالدسم، والفيتامينات، والبوليفينولات، والمواد الأخرى، ونقف على هذه الحقيقة؛ لنبين أن العلوم الحديثة قد تكون أفسدت أكثر ما أصلحت في الميدان الغذائي على الخصوص، ولنستعرض بعض الأساليب الصناعية الحديثة.
والأساليب الحديثة لاستخراج زيت الزيتون أصبحت تعتمد تصفية زيت الزيتون Refining، وهو أسلوب غير صائب بالنسبة لهذا الزيت؛ لأن التصفية والتكرير يجب أن يطبق على زيوت أخرى؛ كالزيوت النباتية من الصويا والفول السوداني، ونوار الشمس، وما إلى ذلك، لكن زيت الزيتون يجب ألا يُصفَّى؛ حتى لا تضيع المكونات الصحية.
فهذا النهج جاء تحت ستار التقدم العلمي، وبذريعة تحسين المنتج، والتحكم في الصناعة، لكن سَرعان ما تبيَّن أن الحقيقة غير ذلك، خصوصًا مع التحول الواقع الآن في هذا الميدان، والقاضي بالرجوع إلى المواد الطبيعية، فجل الأساليب الصناعية المستعملة في البلدان العربية مستوردة، وليس المعدات فحسب، وإنما الفكر والأسلوب كذلك، ونكاد نأتي على خطأ جل هذه الأساليب من الطحين الذي أصبح يغربل إلى الزيتون والمنتجات الحيوانية والبحرية والنباتية، فنخشى أن نكون انزلقنا إلى الأخذ بمفاهيم خاطئة من الناحية العلمية، ونوصي كل الباحثين المسلمين أن يُبينوا بعض القواعد الغذائية الإسلامية، ولا ينجذبوا بظاهر البحث العلمي الغربي، فجله موضوع؛ ليستجيب لحاجات مجتمعات أخرى.
يتبع