مشاهدة النسخة كاملة : لماذا ضعف المسلمون واستقوى غيرهم؟


ابو وليد البحيرى
26-05-2015, 05:13 PM
لماذا ضعف المسلمون واستقوى غيرهم؟ (1)




د. محمد ويلالي



إن المتأمل في حال العلاقات البشرية اليوم، ليعجب من صروف الزمان بالأمة الإسلامية، وما صار إليه كثير من أبنائها من ضعف وهوان، بعد تمكين وعزة، ومن سقوط وتبعية بعد استقلال ونهوض، ومن خوف وانهزام بعد شجاعة وقوة. ويشتد عجبه حين يحاول المقارنة بين أخلاق المسلمين وتعاملهم مع أعدائهم يوم كانت الغلبة لهم، وبين أخلاق ومعاملة أعداء المسلمين مع المسلمين اليوم بعد أن دالت الأيام لهم، وهما سؤالان كبيران سنخصص بعض الخطب إن شاء الله تعالى للإجابة عنهما.

نعجب لتردي الأمة الإسلامية اليوم وقد حباها الله تعالى بكل مقومات النهضة والعزة:
فالمسلمون يزيد عددهم على مليار ونصف، يمثلون قرابة ربع البشرية، يتوزعون على سبع وخمسين دولة، مع أقليات مسلمة تنتشر في العالم كله، ويتربعون على ربع مساحة الكرة الأرضية، أي: قرابة 150 مليون كلم مربع، يتصل بعضها ببعض، متوسطة دول العالم، متكاملة من حيث المناخ والتضاريس، ولديهم 73% من الاحتياطي الخام العالمي من البترول، وينتجون أكثر من 38% من الإنتاج العالمي، ويملكون قرابة 40% من الاحتياطي العالمي من الغاز، أما الاستثمارات الخارجية لمجموعة دول في الشرق وحده، فقد فاقت تريليون دولار عام 2002.

ومع كل ذلك، نجد العالم الإسلامي يطل على بحار عديدة تعتبر صلة وصل بين دول العالم كله: المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، والمحيط الهادي، والبحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، وبحر قزوين، مع ثروة زراعية، وحيوانية، ومعدنية، وطاقية مهمة. فكيف إذا ضممت إلى كل ذلك وحدة الدين، ووحدة اللغة، ووحدة التاريخ، ووحدة المنطلق، ووحدة الهدف؟.

لننظر إلى بعض الحقائق المرة، التي يتجرعها العالم الإسلامي اليوم ، تعكس ضعفه، وتترجم نكوصه، وتبين عن هوانه أمام أعدائه، كما يجري اليوم في فلسطين، حيث آلة الحرب تأكل جزءاً من جسد هذه الأمة، دون أن يحس به باقي أجزاء هذا الجسد، الذي الأصل فيه أن إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء الأخرى بالسهر والحمى.

يتباين الدخل القومي داخل هذا الجسد من 23000 دولار للفرد الواحد في السنة، أي: 63 دولار في اليوم (قرابة 550 درهم)، في إحدى الدول الإٍسلامية، و73 دولارا في السنة، أي: 0.20 دولار في اليوم (أي: قرابة درهمين) في دولة إسلامية أخرى.

فإذا تأملنا في فقراء العالم، وجدنا ثلثيهم ممن يعيشون بأقل من دولارين يومياً هم من المسلمين، بحيث يعيش الفرد المسلم بمتوسط حياة أقل بعشرين سنة من متوسط الحياة في البلاد الغربية. وثلاثون بلدًا تصنف على أنها أغنى بلدان العالم ليس فيها بلد إسلامي واحد، بل وجدنا شركة سيارات يابانية واحدة، تساوي أرباحها السنوية الدخل القومي لدولة إسلامية يزيد عدد سكانها عن 70 مليوناً.

ونجد 40%من الشباب المسلم، أصحاب الشهادات العليا لا يجدون مهنة لائقة في بلدانهم، لذلك يهاجرون بعقولهم إلى الدول الغربية لتستفيد من خبرتهم، في الوقت الذي نجد فيه البطالة عند المسلمين تفوق 20%، مقابل 6 أو 7% في معظم الدول الغربية.

أعلى نسب الإصابة بمرض السكري في العالم الإسلامي، وكذلك الأمراض الوراثية، وأمراض السرطان وغيرها.

ونجد في أحد البلاد العربية 40% نسبة الطلاق، و60% نسبة العنوسة.

وهكذا كلما نبشنا في قضية من القضايا التي يتخبط فيها العالم، وجدنا أعلى نسبها في عالمنا العربي والإسلامي، مما هون شأننا، وأبدانا صغارا في عين غيرنا، الذي تكالب على خيراتنا، واستنزف ثرواتنا، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: "وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟". قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ. وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ". فَقَالَ قَائِلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهَنُ؟. قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" صحيح سنن أبي داود.

هذا الكيان الصهيوني الغاشم، الذي يصول ويجول في البلاد، ويجوبها فساداً طولاً وعرضاً، ويتجبر على المسلمين بصلف وكبرياء، بعد أن كان مستكيناً، خاضعاً، ذليلاً، إنما مرجعه في ذلك إلى اجتهاده في امتلاك وسائل القوة، فاهتم بتحصيلها لا بمجرد تحصيل الدنيا وملذاتها، والانغماس في شهواتها، هذه كانت تحصل بمقدار ما يغري به الشعوب المستضعفة، ليسهل عليه الانقضاض عليها.

فالتعليم عند اليهود تمكن من توفير حاسوب لكل طفل في روض الأطفال، وصرف 2500 دولار على تعليم الفرد، مقابل 340 دولارا في تعليمنا الذي لا يزال يبحث عن مقاربة بيداغوجية ملائمة.

وأما نسبة الكتب المترجمة من لغات العالم إلى لغتهم، فتصل إلى 100 كتاب لكل مليون فرد، فيما النسبة لا تتعدى "ثلاثة كتب" فقط لكلمليون عربي.

وإذا استطاع أن يوفر قرابة 2000 عالم وباحث لكل مليون شخص، فإن العدد عندنا لا يزيد عن 136 لكل مليون عربي.

وإذا كان يصرف على البحث العلمي 4.5% من الناتج القومي، فإن العالم الإسلامي كله يصرف أقل من 0.2% من ناتجه القومي.

ولعل هذا هو السر في خلو قائمة أفضل 100 جامعة العالم في السنة الماضية من أي جامعة عربية، التي سنعثر على خمسة منها فقط ضمن 500 أفضل جامعة.
إني تذكرت والذكرى مؤرقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مجداً تليداً بأيدينا أضعناه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تجده كالطير مقصوصاً جناحاه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كم صرفتنا يد كنا نصرفها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبات يملكنا شعب ملكناه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



الخطبة الثانية
ولنا أن نتساءل عن أسباب هذا التراجع الذي أطمع فينا غيرنا.
إن ملاك هذه الأسباب يرجع إلى اقتراف المعاصي والذنوب، التي تضعف الإيمان، وتمحق حقيقة التوحيد في القلوب.

أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: "إنما يَغلب المسلمون عدوَّهم بتقواهم لله ومعصيةِ عدوهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة".

وقال ابن القيم رحمه الله : "وكذلك النصر والتأييد الكامل، إنما هو لأهل الإيمان الكامل. قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾. وقال: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].

وقال شيخ الإسلام رحمه الله : "وحيث ظهر الكفار؛ فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾. وقال: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165].

ومن الأمثلة الظاهرة على أن المعصية تجلب الهزيمة، وتطرد النصر والتمكين، وصف أحد المؤرخين حال المسلمين في الأندلس قبل غزوها من طرف الصليبيين بقوله: "إنما همة أحدهم كأس يشربها، وقينة يسمعها، ولهو يقطع به أيامه".

ووصف ابن العربي المالكي حال المسلمين في أواسط القرن السادس الهجري قائلا: "فغلبت الذنوب، وشقيت بالمعاصي القلوب، وصار كلأحد من الناس ثعلبا يأوي إلى جُحره، وإن رأى المكيدة بجاره، فإنا لله وإنا إليهراجعون".
لما تركنا الهدى حلت بنا محن http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهاج للظلم والإفساد طغيان http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فهل عرفنا بعضا من سر تأخر المسلمين وضعفهم؟.