مشاهدة النسخة كاملة : الشرك ضلال وتِيهٌ


ابو وليد البحيرى
26-05-2015, 10:19 PM
الشرك ضلال وتِيهٌ










الوصية الأولى: الإيمان بالله تعالى وعدم الشرك به (5)


ذلكم وصاكمبه ( الوصايا العشر )


د. محمد منير الجنباز




لا يوجد أضلُّ من المشرك؛ فهو ضائع تائه مضطرب التفكير، لا يستقرُّ على حال، وتراه في الأمورِ المهمة لا يستطيعُ أن يقطع فيها برأي صائب، يتصرَّفُ بوَحْي من شيطانه، فيزداد عمًى وتيهًا، يقف عاجزًا في النقاش الفكري، فيشعُرُ بفشلِه وضعفه؛ لذلك يجد أسرعَ وسيلة للتخلص من هذا النقاش والظُّهورِ بمظهر المنتصر: أن يأمرَ ب***ِ خصومه، والتخلص منهم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].





وهذا مُشاهَد فيما مر من سِير الطُّغاة؛ فقد استحوذ عليهم الشيطان، وملَكهم، وسيَّرهم لخدمته، وهم الذين نفذ فيهم وعيده، فسخَّرهم للضلال، وملَك عليهم لُبَّهم وسَمْعَهم وبصرهم، فما عادوا يستطيعون منه فَكاكًا، إنما الفَكاك من الشيطان للذي يلجأ إلى اللهِ، ويستعيذُ به منه، أما هم فقد لجَؤوا إلى الشيطان، واعتصموا به؛ فسخَّرهم الشيطان لمآربِه، ورمى بهم بني جِلْدتِهم من البشر، فطغَوْا وافترَوْا وأتَوْا بكل قبيح ومنكَرٍ، وأعظمُ من هذا كلِّه، كفَروا بالله، وألْهَوا أنفسَهم أو شياطينهم؛ قال الله تعالى يبيِّنُ شدة أَسْرِ الشيطان لأتباعه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ [الحج: 3]، وهؤلاء الذين ينساقون وراء الشيطان، إنما هم من ضِعافِ الإيمان الذين مرِضَتْ قلوبُهم؛ قال الله تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحج: 53]، فمِثْل هؤلاء استحوذ عليهم الشيطانُ، وسيطَر عليهم سيطرةً كاملة لا انفكاكَ منها؛ لأن قلوبَهم قَسَتْ وماتت؛ قال الله تعالى: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]، وهؤلاء الذين تعلَّقوا بالشياطين أصبَحوا خانعين لأن يستغلَّهم الشيطانُ أشدَّ الاستغلال، ويسخِّرَهم ليل نهار؛ ليؤدوا مهمتهم، فلا يعطيهم راحة، ولا يقيم لهم هدنة، إنما دأبُه استمرارُ أتباعِه في الإغواء والإضلال؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121]، والطامَّةُ الكبرى أن يستسلمَ الإنسانُ للشيطان، ثم يرى نفسَه أنه محقٌّ، أو أن تصرفاتِه كلَّها صوابٌ، وأن غيره مخطئ، فبهذا الاستسلام يكون قد سلَّم نفسَه للشيطان دون أدنى اعتراضٍ، وأصبَح يتصرَّفُ بوَحْي منه، فلا يعترض على الخطأ مهما كان، بل يراه صوابًا، وقد وصَف الله هذا الصِّنف فقال: ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 30].