مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة (عشر رسائل في التفسير وعلوم القرآن)


ابو وليد البحيرى
26-05-2015, 10:21 PM
مقدمة (عشر رسائل في التفسير وعلوم القرآن)

للإمام السيوطي


د. عبدالحكيم الأنيس


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنهال البركات، وتتوالى الحسنات، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد السراج المنير، البشير النذير، المبلِّغ عن الله والمبيِّن لما أنزل عليه، الداعي إلى الله والهادي إليه، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وبعـد:
فهذه عشر رسائل في التفسير وعلوم القرآن لـ "الشيخ العلامة، الإمام، المحقِّق، المدقِّق، المسند، الحافظ، شيخ الإسلام، جلال الدين أبي الفضل، ابن العلامة كمال الدين الأسيوطي، الخضيري، الشافعي، صاحب المؤلَّفات الجامعة، والمصنَّفات النافعة"[1]، والذي "ألّف المؤلَّفات الحافلة، الكثيرة الكاملة، الجامعة النافعة، المتقنة المحررة، المعتمدة المعتبرة"[2].

وقد تميزتْ مؤلفاتُه بمزايا كثيرة، بحيث يصدقُ على كلّ واحدٍ منها أنّه "أثر نفيس.. قد أحسن في تأليفه، وجمع فيه النصوص النادرة والنقول الرفيعة، من كتبٍ تعدُّ الآن مفقودة أو شبه معدومة، على عادته - رحمه الله تعالى- في الغوص في أعماق الأسفار، واستخراج درر البحار، وجمعها وعرضها على الأنظار"[3]، وسنرى مصداقَ هذا في رسائلنا هذه.

ومع أن الأستاذ محمد العروسي المطوي قد قسا عليه في كتابه عنه، إلا أنه لم يسعه إلا أن يعترفَ له بأنه "كان من كبار المؤلفين في العربية، وأنه كان ذا قدرة عجيبة على التحبير والتدوين والسرعة في التأليف، بل كان في ذلك آية إعجاب مدى الأحقاب"[4].

مؤلفات السيوطي في الجانب القرآني:
وقد كانت له - رحمه الله - جولاتٌ علميةٌ كثيرةٌ، ومنها في ميدان التفسير وعلوم القرآن، وقال عن نفسه: "قد رُزقتُ - ولله الحمد - التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع..." [5].

وقد ذَكَرَ في فهرست مصنفاته "38" كتاباً في ذلك، وهناك غيرها مما ذكره في كتابه "التحدث بنعمة الله" كـ "إتحاف الوفد بنبأ سورتي الخلع والحفد"، و"الكلام على قوله تعالى ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾" [6] وغيرهما، أو لم يُذكَر في المصادر التي بين أيدينا، كمختصر النصر القاهر والفتح الظاهر، والإشارات في شواذ القراءات، وفي هذا القسم ما تصح نسبته، وما فيه نظر، وما يمكن القطعُ بنفي نسبته[7].

وله "الفتاوى القرآنية" ضمن كتابه "الحاوي للفتاوي"، وقد ذَكَرَ فيها من كتبه الثمانية والثلاثين المنصوص عليها في فهرست المصنفات "3" كتب، وأورد كتاباً آخر هو "إتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة" في الفتاوى الأصولية الدينية.

وكانت له آمال كبيرة في خدمة القرآن والسنة، منها ما أعلن عنه في كتابه "قطف الأزهار في كشف الأسرار" فقد قال فيه: "وأرجو - إن شاء الله تعالى - إنْ تمّ هذا الكتاب - وكان في الأجل فسحة - أن أضع كتاباً في توافق السنة والقرآن، أذكر فيه كل حديثٍ في القرآن معناه، أو إشارة إليه، تحقيقاً لقول الشافعي رضي الله عنه: كلُّ ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو ممَّا فهمه من القرآن. حقَّق الله تعالى ذلك بمنّه وكرمه"[8].

ولا أعلم لهذا الكتاب وجوداً، وكأنّه لم يؤلفه، وهو مشروع كبير لو توجّه إليه السيوطي بالإنجاز لأفاد فائدة كبيرة جداً لما عُرِفَ عنه من التوسع في الاطلاع، ولعلّ الله يهيئ لهذا المشروع مَنْ يحققه.

هذه الرسائل:
وأمّا رسائلنا العشر فهي كما يَظهر من عناوينها موضوعاتٌ تهم كل المعنيين بالدراسات القرآنية من الباحثين المختصين، وغيرهم من المثقفين، وجمهور المسلمين، ففي الكل حاجةٌ إلى الازدياد من فهم الفاتحة التي نكررها في اليوم الواحد عشرات المرات.. وفي الكل حاجةٌ إلى فهم آيات يقرؤها في كتاب الله، تتحدث عن تعليم آدم الأسماء، والصلاة الوسطى، والنعم الظاهرة والباطنة، ومغفرة الذنوب للنبي صلى الله عليه وسلم، وما إلى ذلك من الموضوعات التي تناولها الإمامُ السيوطي في رسائله هذه، وهي:
1- رياض الطالبين في شرح الاستعاذة والبسملة.
2- الأزهار الفائحة في شرح الفاتحة.
3- الكلام على أول سورة الفتح، وهو تصدير.
(وهذه الثلاثة من أول ما ألّف)
4- ميزان المَعْدَلة في شأن البسملة.
5- المعاني الدقيقة في إدراك الحقيقة. تتعلق بقوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ ﴾.
6- اليد البسطى في تعيين الصلاة الوسطى.
7- الفوائد البارزة والكامنة في النعم الظاهرة والباطنة. تتعلق بقوله تعالى: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾.
8- المحرر في قوله تعالى: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾.
9- إتحاف الوفد بنبأ سورتي الخَلْع والحَفْد.
10- الإشارات في شواذ القراءات.


وهذه العشر، ذُكر منها في "فهرست المصنفات" ثماني رسائل، وذُكرت التاسعة وهي "إتحاف الوفد" في "التحدث بنعمة الله" و"الحـاوي"، كما سيأتي في مقدمتها.


أمّا العاشرة وهي "الإشارات" فلم تُذكر في شيء من المصادر! وسيأتي الكلامُ على نسبتها بالتفصيل في مقدمتها.


تحقيق هذه الرسائل تحقيقاً علمياً لأول مرة:
كان من فضل الله وتوفيقه الاعتناء بهذه الرسائل، وخدمتها بهذه الصورة، وهي تطبع محققة هذا التحقيق لأول مرة، ومنها ما سبق نشره، كالآتي:
• نشر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر (ت: 1366هـ) "الكلام على أول سورة الفتح" في مجلة الأزهر سنة 1945م، وعلى نشره ملحوظات، كما سيأتي في مقدمة الرسالة، وفي التعليق عليها.


ثم أعاد نشره الدكتور مجاهد توفيق الجندي في مجلة الأزهر أيضاً سنة 1983 م!


• نُشِرتْ في القاهرة سنة 1285 هـ -أي قبل 146 سنة - نبذة يسيرة من "المعاني الدقيقة".


• نشر أحدُ الباحثين المحققين الفضلاء "الفوائد البارزة والكامنة" بدار ابن حزم سنة 1421هـ عن نسخةٍ ضعيفةٍ ناقصةٍ، وقد قمتُ بتحقيقها وخدمتها على ست نسخ، أربع منها كاملة، ونسختان ناقصتان، إحداهما النسخة التي اعتمد عليها الفاضل المشار إليه، كما رجعتُ إلى أهم مصدرٍ للسيوطي فيها وهو مخطوط. (ثم وقفت على نسخة سابعة عليها خطُّ المؤلف).


• أدرج الشيخُ يوسف النبهاني (ت: 1350هـ) "المحرَّر" في كتابه "جواهر البحار في فضائل النبي المختار صلى الله عليه وسلم" الذي طُبع سنة 1327هـ - أي قبل 104 سنوات - وكان اعتماد النبهاني على نسخة واحدة فيها تحريف وسقط، واعتمدتُ في تحقيقها على "6" نسخ خطية، ونسخة النبهاني أيضاً.


• وكنتُ نشرتُ "الإشارات في شواذ القراءات" في مجلة الأحمدية، العدد "17" الصادر في سنة 1425هـ-2004م، ونظرتُ فيها الآن نظرة مراجعةٍ وتدقيق.

النسخ الخطية المعتمدة وأماكنها:
وقد حققتُ هذه الرسائل العشر على "44" نسخة خطية، ونسختين مطبوعتين طبعتين قديمتين - كما ذكرتُ -، وهذه النسخ الخطية مصورة من "26" مكتبة كالآتي:
من الدول العربية:
• مكتبة عارف حكمت، وبشير أغا، والحرم المدني في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
• دار الكتب القطرية في الدوحة.
• مكتبة الأزهر، والخزانة التيمورية في القاهرة.
• المكتبة الظاهرية في دمشق.
• دار المخطوطات في بغداد.
• دار الكتب الوطنية في تونس.
• مكتبة خاصة في فلسطين.
• مخطوطات تيشيت في موريتانيا.


من الدول الإسلامية:
• المكتبة السليمانية، في اسطنبول، وهي تشتمل أيضاً على مكتبات:
لا له لي إسماعيل، ورشيد أفندي، واسميخان سلطان.


• مكتبة الغازي خسرو في سراييفو


من دول أخرى:
• مكتبة الجامعة النظامية في حيدر آباد، ومظاهر العلوم بسهارنفور، وخدابخش، وكلية مصباح الهدى في نيدور بولاية تامل نادو في الهند.
• معهد الاستشراق في بطرسبورغ.
• جامعة ليدن في هولندا.
• مكتبة شستربتي في إيرلندا.
• مكتبة برلين في ألمانيا.
• مكتبة الاسكوريال في إسبانيا.
• جامعة هارفرد في أمريكا.


وكان الحصولُ على هذه النسخ من مصادرها مباشرة، أو بواسطة، كما هو مبيَّن في المقدمات.


دراسة الجانب القرآني عند السيوطي:
هذا الجانب من موسوعية الإمام السيوطي حظي بعناية الدارسين والباحثين، ومن هؤلاء الدكتور محمد يوسف الشربجي، وقد كتب "الإمام السيوطي وجهوده في علوم القرآن"، وهو رسالة دكتوراه، تناول فيها بالدراسة "12" كتاباً للسيوطي[9]، ليس منها هذه الرسائل العشر، وكذلك الحال في بحوث الندوة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالتعاون مع جامعة الأزهر سنة 1413 هـ - 1993م احتفاء بذكرى مرور خمسة قرون على وفاته[10]، فأرجو أن يكون تحقيقُ هذه الرسائل وخدمتها باعثاً لتناولها في دراسات آتية، إضافة إلى ما قمتُ به في مقدماتها.

ترتيب هذه الرسائل:
رتبتُ هذه الرسائل الترتيب المذكور، مراعياً فيه ما ألَّفه أولاً، وهو رياض الطالبين، والأزهار الفائحة، والكلام على أول سورة الفتح الذي ألقاه درساً في أول حياته العلمية، ثم ذكرتُ الرسائل على ترتيب الآيات المقصودة فيها، ثم ما يتعلق بالنسخ، والقراءات.

وأسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به، وأن يجزي الإمام السيوطي خيرَ الجزاء على جهوده الكبيرة، وأعماله الكثيرة[11]، وآثاره الخالدة في خدمة العلم والدِّين، ولعلّ من مظاهر القبول أنه يعد "أكثر المؤلِّفين قرباً إلى جمهرة القراء لأكثر من ثلاثة قرون، لا في البلاد العربية وحدها، بل في العالم الإسلامي عامة"[12]، وأنه "لا تكاد تخلو مكتبةٌ من مكتبات العالم من بعض كتبه، وذلك لأنها كانت كثيرة التداول في مختلف الجوامع والمدارس والزوايا، ولأنها تعالج جميع العلوم والمعارف الإسلامية التي كانت تدرس في هذه المؤسسات"[13].

والحمد لله رب العالمين.


[1] من ترجمته في "الكواكب السائرة" لنجم الدين الغزي (1/227).

[2] من ترجمته في المصدر المذكور أيضاً (1/228).

[3] من تقديم الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة لكتاب "الباهر في حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالباطن والظاهر" للسيوطي (ص:5).

[4] جلال الدين السيوطي (ص: 41).

[5] التحدث بنعمة الله (ص: 203).

[6] انظر: التحدث بنعمة الله (ص: 120).

[7] من المقطوع بنفي نسبته: "تحقيق الخلاف في أصحاب الأعراف" الذي نسبه إليه بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (6/663)، فهو للشيخ مرعي بن يوسف
الحنبلي المقدسي.
وكـ "الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم" المخطوط في مكتبة الأوقاف في بغداد، فهو - فيما أرى - لا يشبه نَفَس السيوطي ولا طريقته.
وقد ذُكِرَ له في "الفهرس الشامل" "61" عنواناً، ويحتاج ما ذكر إلى تحرير وتمييز، ففيه ما ليس في التفسير، وفيه ما ليس له، وفيه أشياء منتزعة من كتبه، ولهذا مقام آخر فلا يتسع المجال هنا للتفصيل.

[8] قطف الأزهار (1/98-99).

[9] وهي: الدر المنثور، وتكملة تفسير المحلي، ونواهد الأبكار، ولباب النقول، ومفحمات الأقران، وتناسق الدرر، ومراصد المطالع، ومعترك الأقران، والمهذب، والإكليل، وأسرار التنزيل، والإتقان.
والإتقان حظي بدراسة قيمة قام بها الدكتور الشيخ حازم سعيد حيدر في رسالته للدكتوراه: "علوم القرآن بين البرهان والإتقان".

[10] صدرت بحوث هذه الندوة عن المنظمة الإسلامية في الرباط سنة (1416 هـ - 1995م) في جزأين.

[11] واقرأ البحث القيم: "ظاهرة التعدد والكثرة في مؤلفات السيوطي" للأستاذ الدكتور سمير الدروبي، المنشور في مجلة المنارة الصادرة عن جامعة آل البيت في الأردن، المجلد (4)، العدد (3)، محرم 1420 هـ-أيار 1999م.

[12] تاريخ الأدب الجغرافي لكراتشكوفسكي (2/488).

[13] انظر: "مخطوطات جلال الدين السيوطي في خزائن الكتب العالمية" للأستاذ أحمد شوقي بنبين، في مجلة المشكاة، المجلد (12)، العدد (52) 2009م (ص: 157-158)، وفي المقال أنّ لجنةً شُكِّلت في مكتبة الإسكندرية لإحصاء النسخ الخطية من مؤلفات السيوطي في خزائن الكتب في العالم، فأحصتْ أكثر من ثلاثة عشر ألف نسخة من مؤلفاته المحفوظة بمختلف خزائن الكتب.