مشاهدة النسخة كاملة : الإنسان في الارتفاعات العالية


ابو وليد البحيرى
27-05-2015, 12:28 PM
الإنسان في الارتفاعات العالية (1)




د. حسني حمدان الدسوقي حمامة






نشرت المقالة بمعرفة الأستاذ الدكتور: حسني حمدان الدسوقي.
فى زمن كانت وسائل السفر فى العالم أجمع وفى جزيرة العرب على وجه الخصوص متمثلة بركوب الخيل والحمير والبغال وركوب سفن شراعية نادرة، إذا بالقرآن يشير إلى التصعد فى السماء فى أكثر من آية. وشاهدنا هنا هو قول الله تعالى: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام125].


ومن بديع صنع القرآن أن تأتى إشارة الحقيقة العلمية فى آية تتحدث عن قضية العقيدة فى موضوع الهدى والضلال، هدى يشرح له صدر المسلم، وضلال يضيق له صدر الضال من ضيق إلى ضيق.


ومما لا شك فيه أن العرب الذين نزل عليهم القرآن هم أهل بادية تحيط الجبال بأرضهم شرقا فى وجنوبا وغربا لحد ما حيث توجد جبال الدرع العربى، كما أنهم خبروا جبال الشام واليمن فى رحلة الشتاء والصيف. ومن ثم فإنهم أحسوا وعرفوا ما يشعر به من يتسلق الجبال ويعيش فى مناكب الأرض من إرهاق وصعوبة فى آداء وظائف أحسامهم. ولذا حينما نزلت عليهم الآية السابقة فقد فهموها فهما جيدا فى نطاق فهم لغتهم التى كانو هم أساطينها وفى نطاق الجغرافيا التى تسودج أرضهم.


ومع كل عصر يتجدد فهمنا لمعانى القرآن فنتبين ثلاثة أشياء تتمثل فى دقة اللفظ وبساطته وشمول معناه. وبينما لم يخطر على عقل من سمعوا الآية السابقة للمرة الأولى أن سوف يأتى على الناس يصعدون بأدواتهم إلى السماء، إذا نحن اليوم نشهد ثورة حقيقية فى الصعود، بل والبقاء فى محطات بالفضاء لعشرات السنين. وهنا تتجلى وجوه الإعجاز العلم فى إشارة القرآن عن التصعد فى السماء وأثره على وظائف الجسم من ضيق وحرج فى الصدر. كما أن الآية تثير حقائق فلكية وقضايا طبية أبرزها العلم إن هذه الحقائق لم تكن معلومة على وجه القطع في زمن الوحي ولا حتى بعده بقرون.


إن ورود هذه الحقائق العلمية المتمثلة في إمكانية الصعود في السماء، وتحديد الصدر بأنه محل الضيق، والضيق المتدرج الذي يعاني منه الصاعد في أجواء السماء، والمستوى الحرج الذي يصل فيه الضيق إلى ذروته، والتي ذكرت في هذا المشهد القرآني البليغ لهي إعجاز علمي واضح؛ إذ ما كان أحد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يتخيلها فضلاً عن أن يكتشفها.


إن هذه الحقائق لم تكن معلومة على وجه القطع في زمن الوحي ولا حتى بعده بقرون ولم تعرف هذه الحقائق وتكتشف إلا في خلال القرون الثلاثة الأخيرة.


كما أن الآية تشير إلى قضايا علمية غاية فى الأهمية من أبرزها مشاكل الطب الفضائى، وغيرها من مثل:
• تناقص كثافة الهواء كلما صعدنا إلى أعلى.
• تأثير الضغط المنخفض للأكسجين على الجسم.
• تشبع الهيموجلوبين بالأكسجين عند الارتفاعات المختلفة.
الأعراض الحادة لنقص الأوكسجين.


آليات تأقلم الجسم في الارتفاعات العالية:
وتلك القضايا الطبية وغيرها ستظل محل دراسة العلماء كلما تصعد الإنسان فى السماء فى عصرنا وفى كل العصور التالية إلى أن تنشق تنشق السماء وتنفطر.
أضرار التصعد التدريجى فى السماء (حرج وضيق الصدر)
1- عند رتفاع 12 ألف قدم حيث يشعر الإنسان بدوار وفتور وتعب ذهني وعضلي، وأحياناً صداع ورغبة في القئ.


2- وتتطور هذه الأعراض لتصل إلى حد التقلصات أو التشنجات لحميع عضلات الجسم فوق ارتفاع 18 ألف قدم.


3- فوق 23 ألف قدم في شخص غير متأقلم إلى غيبوبة.


أعراض التصعد فى السماء:
1- نقص الوظائف العقلية وزيادتها بالبقاء في الأجواء العليا بعض الوقت.
2- يؤدي هذا النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي ونقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في العمل مما يسبب نقصا كبيراً في كمية الدم المتدفق من القلب إلى أوردة الجسم نظراً لضعف عضلة القلب وسرعة النبض الهائل وإذا ازداد الارتفاع توقف القلب عن العمل بالكلية.

3- كما قد يصاب بعض الأشخاص عند الصعود المفاجئ إلى المرتفعات العالية بوزمة دماغية حادة تفقده القدرة على التوجيه والتكيف، أو بوزمة رئوية حادة تنهي عمل الرئتين تماماً وتؤدي إلى موت محقق إن لم يسعف الإنسان بأقصى سرعة.
رحمة من ربى لسكان مناكب الأرض(الجبال).


يزود الخالق سكان الجبال بوسائل يتأقلمون بها على الصعود والبقء فى الاؤتفاعات العالية، منها:
1- زيادة سرعة التنفس
2- زيادة ضربات القلب
3- انتقال أو إزاحة السوائل
4- زيادة إنتاج كرات الدم الحمراء
5- زيادة إنتاج مركبات الفوسفات العضوية.
6- انتفاخ جزء من شبكة الشعيرات الدموية المقفلة.


المفردات القرآنية ذات الصبغة العلمية:
شرح الصدر
ضيق الصدر
حرج الصدر
التصعد فى السماء


المصطلحات العلمية فى البحث:
• الضغط الجزيئي للأكسجين في طبقات الجو العليا
• عملية التنفس مرحلة الشهيق، ومرحلة الزفير، وفترة سكون بينهما
• مكونات الهواء من عدة غازات بنسب مختلفة
• نوعان من التنفس هما الإرادي واللاإرادي
• التنفس الداخلي
• الجهاز العصبي الودي ونظير الودي
• الضغط الجوي
• التنفس الإرادي واللاإرادي

ابو وليد البحيرى
27-05-2015, 12:29 PM
الإنسان في الارتفاعات العالية (2)




د. حسني حمدان الدسوقي حمامة



يقول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

المقدمة:
تُبيِّن هذه الآية الكريمة أنَّ مَن أراد الله هدايته، شرَحَ صدره للإسلام، فاطمأنَّ به قلبُه، واستنارَت له نفسُه، وأن مَن أراد به الضلال وَفْق مشيئته، ضاقَ صدره عن قَبول الإيمان، وانغلَق انغلاقًا تامًّا؛ حتى لا يجد الخيرُ حينئذ مَسلكًا إلى قلبه، وقد شبَّه المولى سبحانه ضِيق صدر هذا البائس بضيق صدر الذي يتصاعد في السماء بتناقُص قدرته على التنفس الطبيعي درجةً بعد درجة؛ وذلك لانخفاض الضغط الجزيئي للأكسجين في طبقات الجو العليا، حتى يَصِل الضيق إلى أشد مراحله، وهو مرحلة الحَرَج، والتي لا يستطيع بعدها الأكسجين أن يَنفُذ إلى دمه، وهو تشبيه بليغ شُبِّهت فيه الحالة المعنوية بحالة حسية، أُدرِكت حقائقها وشُوهِدت كيفيَّاتها اليقينية في هذا الزمان، ولم تكن معلومة للبشر وقتَ التنزيل.

الشرح اللغوي والتفسيري:
الشرح: الكشف، وشرَح الشيء يَشرَحه شرحًا: فتَحه وبيَّنه وكشَفه، وشرَحَ الله صدْره لقَبول الخير، يَشرَحه شرحًا فانشرَح، وسَّعه لقَبول الحقِّ فاتَّسع"؛ لسان العرب، (2/ 497).

والشرح: كناية عن قَبول النفس للحق والهدى، وبين لفظ الشرح والضيق طباقٌ، وهو من المحسنات البديعية.

الحرج: قُرِئ حَرِجًا بفتح الراء وكسرها؛ "قال ابن الأثير: الحَرَج في الأصل: الضيق، وقيل: الحرج أضيق الضيق، ورجل حرِج وحَرَج: ضيِّق الصدر، وحَرِج صدره، يَحرَج حَرَجًا، ضاق فلم يَنشرح لخير، وقال الزجاج: الحَرَج في اللغة أضيق الضيق، ومعناه أنه ضيِّق جدًّا، ومكان حَرَج وحَرِج؛ أي: مكان ضيِّق كثير الشجر"؛ لسان العرب، (2 /234)، قال ابن قتيبة: "الحرج الذي ضاق فلم يجد منفذًا"؛ صفوة التفاسير (412).

صعد: صَعِد المكان وفيه صعودًا وأصعَد وصعَّد: ارتقى مُشرفًا، والصعود ضد الهبوط، والصَّعود: العقبة الكؤود أو الشاقة، وتصعَّدني الأمر وتصاعدني: شقَّ عليّ، وتصعَّد النفَس: صعُب مخرجه، وهو الصُّعَداء، وقيل: الصعداء: النفس إلى فوق ممدود، وقيل: هو النفَس بتوجُّع، وهو يتنفَّس الصُّعَداء، ويتنفس صُعدًا، والصُّعَداء هي المشقة أيضًا.

ويقال: لأُرهِقَنَّك صَعودًا؛ أي: لأُجَشِّمَنَّك مَشقةً من الأمر، وإنما استقوا ذلك؛ لأن الارتفاع في صعود أشقُّ من الانحدار في هبوط"؛ لسان العرب (3 /251 - 256).

"الصعود معناه: الذَّهاب في مكان عال تقول: صعِد في السُّلَّم صعودًا"؛ بصائر ذوي التمييز (3 /413).

"والسماء لغةً: هي كل ما يعلو غيره، وتأتي على معان متعددة؛ منها: سقفُ البيت، السحاب، المطر، الجِرم بعينه، الجهة، أما هنا، فهي بمعنى الفضاء الواسع، وهذا كله مأخوذٌ من معنى السموِّ؛ أي: الارتفاع"؛ المشاهد في القرآن الكريم (20).

يقول الإمام الطبري (8/26):
"فمَن يُرد الله أن يَهديه للإيمان به وبرسوله، وما جاء به من عند ربه، يشرح صدره للإسلام؛ حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيُضيء له، ويتَّسع له صدره بالقَبول؛ أي: فسَّح صدره لذلك، وهوَّنه عليه، وسهَّله له بلُطفه ومعونته".

ويقول القرطبي (7/81 ):
"وأصل الشرح التوسعة، وشرَحت الأمر، بيَّنتُه وأوضحته، ويَشرح صدره للإسلام؛ أي: يُوسِّعه له ويُوفِّقه".

ويقول البيضاوي (2 /450):
"وهذا كناية عن جعْل النفس قابلة للحق مهيَّأة لحلوله، فيها مِصفاة عما يمنعه ويُنافيه، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عنه، فقال: نور يَقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن، فيَنشرح له ويَنفسح، فقالوا: هل لذلك من أَمارةٍ يُعرف بها؟ فقال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله".

وقال صاحب روح البيان (3 /100 ):
"فمَن يُرد الله أن يهديه؛ أي: يُعرِّفه طريق الحق ويُوفِّقه للإيمان - يَشرح صدره للإسلام، فيتَّسع له وينفسح، فالمعنى: مَن أراد الله منه الإيمان، قوَّى صوارفه عن الكفر ودواعيه للإيمان، وجعَل قلبه قابلًا لحلول الإيمان لتحلِّيه به، صافيًا خاليًا عما يُنافيه ويَمنعه.

ومَن يرد أن يُضلَّه؛ أي: يَخلق فيه الضلال لصرْف اختياره إليه: ﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾؛ بحيث يَنبو عن قَبول الحق، فلا يدخله الإيمان؛ أي: مَن أراد الله منه الكفر، قوَّى صوارفه عن الإيمان، وقوَّى دواعيه إلى الكفر".

قال صاحب الظلال (3 /1203):
"ومَن يُقدِّر له الضلال وَفق سُنته الجارية من إضلال مَن يرغب عن الهدى، ويُغلق فِطرته عنه، فهو مغلق مطموس، يَجد العُسر والمشقة في قَبوله".

﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾ [الأنعام: 125]: قال الطبري (8 /28): "والحرج أشد الضيق، وهو الذي لا ي يُنفذه من شدة ضيقه، وهو ها هنا الصدر الذي لا تَصِل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان لرَيْنِ الشِّرك عليه، وأصله من الحَرَج، والحرج: جمع حَرجة، وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيءٌ لشدة التفافها بها.

قال عمر: كذلك قلب المنافق لا يَصِل إليه شيءٌ من الخير، والحرج بفتح الراء وكسرها بمعنًى واحد، وهما لغتان مشهورتان.

أما القرطبي، فقد جعل لكل قراءة معنًى، فقال: حرجًا بالكسر معناه: الضيق، كرَّر المعنى، وحَسُن ذلك لاختلاف اللفظ، أما حرَجًا بالفتح، جمع حَرجة، وهو شدة الضيق؛ قال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف، فكأن قلب الكافر لا تَصِل إليه الحكمة، كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التفَّ شجره".

"فكأنه ضيقٌ بعد ضيقٍ، وأُعيد تَكراره لاختلاف اللفظين، أو تأكيدًا للأوَّل"؛ الحجة في القراءات السبع، (ج1 /149).

ويوافق النَّسَفي القرطبي، فيقول: ﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا ﴾ ضيقًا (مكي)، وحرجًا صفة لـ﴿ ضَيِّقًا ﴾ (مدني)؛ أي: بالغًا في الضيق" (1 /344).

أما أبو السعود، فيقول: "حرجًا بكسر الراء؛ أي: شديد الضيق، والأوَّل مصدرٌ وُصِف به مبالغةً" (3 /183).

قال ابن كثير: "الصدر الضيِّق الحرج: هو الذي لا يتَّسع لشيءٍ من الهدى، ولا يَخلُص إليه شيءٌ ما يَنفعه من الإيمان، ولا ينفُذ فيه".

وقال عطاء الخراساني: "ضيقًا حرجًا؛ أي: ليس للخير فيه مَنفذٌ" (2 /176).

والحرج مصدر وُصِف به مبالغةً، وبالكسر اسم الفاعل، وهو المتزايد في الضِّيق، فهو أخصُّ من الأول، فكل حَرَجٍ ضيقٌ من غير عكس"؛ روح البيان (3 /101).

وفي قوله تعالى: ﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾، قال الطبري (8 /31) نقلًا عن السُّدي: "كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره، ثم ذكر عدة قراءات في يصَّعَّد، أولها: كأنما يَصعَد من صعِد يَصعَد (بعض المكيين)، ثانيها: يصَّاعد بمعنى يتصاعد، فأدغَم التاء في الصاد، وجعلها صادًا مُشددة (بعض الكوفيين)، ثالثها: يصَّعَّد بمعنى يتصعَّد، فأدغموا التاء في الصاد، فلذلك شدَّدوا الصاد (عامة قراء أهل المدينة والعراق)، ثم قال: وكل هذه القراءات متقاربات المعاني"، وقد اختار القراءة الأخيرة لكثرة مَن قرأ بها، ولقول عمر رضي الله عنه: "ما تصعَّدني شيءٌ ما تصعَّدتني خطبة النكاح".

ويوضِّح القرطبي (7 /82) الفروق بين معاني هذه القراءات، فيقول: يصعد من الصعود وهو الطلوع، ويتصاعد: فيه معنى شيء بعد شيء، وذلك أثقلُ على فاعله، ويتصعَّد: يتكلف ما لا يُطيق شيئًا بعد شيء؛ كقولك: يتجرَّع ويتفوَّق، وجملة ﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ - كما يقول الألوسي (8 /22) -: إما استئناف أو حال من ضمير الوصف، أو وصف آخر، وقد علَّل التشبيه بأنه للمبالغة في ضيق الصدر؛ حيث شبَّه ضيق صدر الكافر بمن يزاول ما لا يَقدِر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة؛ البيضاوي (2 /451).

وكثير من المفسرين يحملون التشبيه على هذا المعنى، فيقول القرطبي (7 /82): "شبَّه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثِقله عليه، بمنزلة مَن تكلَّف ما لا يُطيقه، كما أن صعود السماء لا يُطاق".

ويقول الطبري (8 /30):
"وهذا مَثَلٌ مِن الله تعالى ذكره، ضرَبه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه؛ مثل: امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه؛ لأن ذلك ليس في وُسعه مثله، كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء".

ويقول الألوسي (8 /23):
"وفيه تنبيهٌ على أن الإيمان يَمتنع منه كما يَمتنع منه الصعود، وما في كأنما هي المهيأة لدخول كأن على الجمل الفعلية".

وقال صاحب روح البيان (3 /10): ﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ في كيفية هذا التشبيه وجهان:
الأول: أن الإنسان إذا كُلِّف الصعود إلى السماء، ثَقُل ذلك التكليف عليه وعظُم وقْعُه عليه، وقَوِيت نَفْرته منه، فذلك الكافر يثقل عليه الإيمان، وتَعظُم نَفْرته منه، والثاني: أن قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قَبول الإيمان، فشبَّه ذلك البعد ببُعد مَن يصعد من الأرض إلى السماء".

قال صاحب الظلال (3 /1203):
﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾: وهي حالة نفسية تُجسم في حالة حسية من ضيق النفس، وكُربة الصدر، والرَّهَق الْمُضني في التصعُّد إلى السماء، وبناء اللفظ ذاته (يصَّعَّد) - كما هو في قراءة حفص - فيه هذا العسر والقبض والجَهْد، وجَرْسه يُخيل هذا كله، فيتناسق المشهد الشاخص مع الحالة الواقعة مع التعبير اللفظي في إيقاع واحدٍ".

وقوله: ﴿ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]؛ أي: مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقًا حرجًا، يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون"؛ فتح القدير (2 /161).

والرجس هو العذاب أو الخِذلان.

وعن مجاهد أنه قال: الرِّجس ما لا خيرَ فيه، وقال الزجاج: هو اللعنة في الدنيا والآخرة، وأصله من الارتجاس وهو الاضطراب"؛ روح المعاني (8 /23).

الشاهد العلمي:
معظم الطاقة التي تحتاجها خلايا الجسم تحصل عليها من خلال تفاعلات كيميائية بأكسدة الكربوهيدرات والدهون، وهذه لا تحدث إلا في وجود الأكسجين، وتكون النفاية الرئيسية في هذه التفاعلات هو ثاني أكسيد الكربون، ويقوم الجهاز التنفسي بإمداد الجسم بهذا الأكسجين من الهواء المحيط به، كما يقوم بإخراج وطرْد ثاني أكسيد الكربون خارج الجسم، وتعتبر الدماء في الجهاز الدوري هي جهاز النقل لهذه الغازات بين الرئتين وبين خلايا الجسم؛ ولذلك يقسِّم العلماء عملية التنفس إلى قسمين: التنفس الخارجي، وهو تبادل الغازات بين الدم والرئتين، والتنفس الداخلي وهو تبادل الغازات بين الدم وخلايا الجسم.

ويتكون الجهاز التنفسي من الأنف ليس من الجهاز التنفسي، والحنجرة والقصبة الهوائية التي تتفرع إلى قصبتين، تدخلان إلى الرئتين، وتتفرع كل واحدة منهما داخل الرئة إلى فروع أصغر، وتنتهي هذه الممرات الهوائية إلى الحويصلات الهوائية، والتي تُحاط بشبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة، وبجانب هذا النسيج الداخلي للرئتين تُعتبر الأغطية الخارجية للرئتين والمكونة من طبقتين من الأغشية البلورية من أجزاء الجهاز التنفسي، كما تدخل ضمن أعضاء جهاز التنفس العضلات التي تقع بين ضلوع القفص الصدري، وعضلة الحجاب الحاجز الذي يفصل بين تجويفي قفص الصدر والبطن.

تتفرع القصبات الهوائية داخل الرئتين إلى فروع عديدة، تنتهي إلى فروع أصغر وأصغر، ويُحيط بجُدُر هذه الممرات الهوائية عضلات لا إرادية تتحكم في اتساع وضيق هذه الممرات بارتخائها أو تقلُّصها؛ وذلك لتنظيم حجم الهواء الداخل إلى الرئتين، ويتحكم في عمل هذه العضلات أعصاب الجهاز العصبي الودي، ونظير الودي؛ حيث يعمل الأول على ارتخاء العضلات، فتتسع الممرات الهوائية، ويعمل الثاني على تقلُّص العضلات، فتضيق هذه الممرات.