ابو وليد البحيرى
27-05-2015, 06:44 PM
الإرضاع الوالدي.. أخطاء وأوهام
"أمُّ مُوسَى مثلاً"
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي
في سعينا - كأطباء أطفال - للتعبير عنهم؛ إذ لا ينطقون، كنا - وما زلنا - نبذل جهودًا لدعمهم في استعادة حق من أهم حقوقهم؛ هو الإرضاع الوالدي الطبيعي.
ذلك أن حليب الأم منفردًا هو - بحق - الغذاء الكامل والمثالي، وهو أفضل غذاء - على الإطلاق - للطفل، وهذه الحقائق التي كانت معروفة، ثم تَمَّ تشويشها عُقودًا من الزمان بسبب بدعة الحليب الصناعي، هي أحدث ما اتُّفق عليه عالميًّا اليوم، واعتبرتها منظمة الصحة العالمية (م ص ع)، مع عدة منظمات دولية للتغذية وطب الطفل - مثل: الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال - سببًا ملزمًا وكافيًا لاعتماد الإرضاع الوالدي دون أيِّ إضافات (ولا حتى ماء وسكر)، منذ الساعة الأولى من الولادة، وطوال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، ثم ضرورة الاستمرار به مع إضافات طعامية متوازنة ومتدرجة حتى عمر سنتين.
أطفال القناني:
مع طفرات "الحضارة المادية" التي تدخَّلت في كل شيء، كان الوجه السلبي جدًّا في طب الأطفال هو إهمال الإرضاع الوالدي، أمام مغريات الحليب الصناعي من جهة، ونتيجة لإخراج النساء إلى سوق العمل، مسوقات ببدعة المساواة، وخدعة الاستقلال الاقتصادي، من جهة أخرى، وفي مدونات تلك المنظمات الدولية يعترفون بالخطأ التاريخي، ويسلطون الضوء على حملات استعادة الاعتبار لحليب الأم، وقد بدأت هذه الحملات في بعض الدول مبكرًا، (مثل: إنشاء رابطة اللبن الوفير في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات)، واحتاج الأمر إلى عشرين عامًا؛ لتبدأ حملات مماثلة في بلادنا، عندما كثرت الأمراض والوَفَيَات المرتبطة بالاستغناء عن حليب الأم، أو خلطه بالصناعي، فيما يسمى خطأ "مساعدة"، وتؤكد الإحصاءات العالمية أن الالتزام بالرضاعة الطبيعية حصريًّا - دون مساعدة - خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، يساعد على تجنب وفاة 3 ملايين طفل سنويًّا.
أولاً: العلم بالفوائد والمضار:
كان التركيز بداية في تشجيع الإرضاع من الأم على متابعة أحدث الدراسات لفوائده، من ذلك معدلات انتشار أقل لكلٍّ من التقزم والهُزال (لدى الرُّضَّع من الثدي حصريًّا)، وتمتع هؤلاء الأطفال بصحة عقلية (mental health) أفضل في الطفولة والمراهقة، وبمقدرة عالية على الإدراك الفكري، وبالتوازن النفسي العاطفي مستقبَلًا، والوقاية من أمراض خطرة عند الأم المرضع؛ مثل: سرطان الثدي، وتلين العظام، فلم تتحسن نسب الإرضاع الوالدي كثيرًا[1]، لأسباب؛ أهمها: أن تصعيد جهود تجارة الأغذية الصناعية لحصد المزيد من الأرباح كانت أقوى من التوعية النظرية، فقوبل ذلك بالتركيز القوي على ميزات حليب الأم ومكوناته من معادن وفيتامينات، لدرجة المبالغة والخطأ أحيانًا[2]، ثم صرنا نؤكد أكثر في توعيتنا على أضرار الحليب الصناعي التي تجاوزت الضررين المشهورين لدى الجميع: اضطرابات الجهاز الهضمي، وأمراض التحسس (بما فيها الربو والأكزيما)، لتشمل زيادة حدوث وخطورة عدد كبير من الأمراض الحادة والمزمنة؛ كالتهاب القصبات، والتهاب الأذن الوسطى، والحمى الشوكية - أي: التهاب السحايا الجرثومي - والداء السكري، وغيرها، عند من يرضعون حليبًا صناعيًّا، ولكن هذا لم ينجح كثيرًا مع جيل شبابنا وشاباتنا الذي لا يثق بما يراه أفكارًا قديمة، بل ينبهر بالصناعة المبهرجة، وكل ما هو مستورد، وانطلقت أمهات المستقبل في متابعة ما يسمى "أحدث المستجدات" في الغذاء والجمال والتحرر، ثم ليدفعن أجورهن من سوق العمل "المحرر" لشراء الكثير، (وهناك أشياء تشترى، وأشياء لا تشترى):
• لشراء حليب القناني - البودرة - لأطفالهن، الذي ثبت بعد عشرات السنين من طرحه كم هو ضار (والمستخلص عادة من حليب البقر، حتى الحديث منه المسمى: مشابه لحليب الأم)[3]، ناهيك عن محاولة تعويض الطفل الذي حرم حقه في غذائه الذي سخره الله تعالى له بأغذية إضافية معلبة غالبًا، ومنزلية أحيانًا، بالوقت والشكل غير المناسبين، بل إن بعضها شديد الضرر، وهو ضرر مدفوع الثمن!
• ولشراء الأدوية لعلاج أطفالهن من الأمراض المرتبطة بالإرضاع الصناعي؛ المباشرة منها - وأخفها التحسس والإسهال - أو الآجلة التي يكشف الطب المزيدَ منها باستمرار عند كبار كانوا حُرموا حليب الأم رُضَّعًا، وهذه كلفتها عالية جدًّا، يساهم المجتمع في دفعها.
• ولدفع تكلفة مراكز الرعاية للرُّضَّع؛ حيث تودعن أطفالهن خلال العمل، لتضاف لها تكلفة علاج الأمراض المنتقلة لهم بين جدرانها.
• ثم الفاتورة الأكبر - لأنها لا تقاس بالنقد -: تكلفة تدبير الاضطرابات النفسية التي قد تظهر في مراحل الطفولة التالية، أو دفع ثمن نتائجها عندما يصبح الطفل فتى، ثم شابًّا يشق طريقه في الحياة، (مع عدم معرفة أن للحرمان من الإرضاع الوالدي دورًا في ذلك، أو عدم الاعتراف لمن علم).
وكما ترون - وعرف الناس ذلك متأخرين - الحب والحنان لا يشتريان، سلامة الأبدان لا تشترى، النمو العقلي والجسمي لا يشترى... إلخ!
ورغم أن العلم قطع شوطًا كبيرًا حتى اليوم في إعادة المكانة لحليب الأم، وبيان مزاياه التي فاقت كل التقديرات البشرية، وعبرت عن قصورها، فإن تصحيح أخطاء التغذية السابقة، وتدارك نتائجها المسيئة، لا يزال دون المرجو، لا سيما أن شركات أغذية الأطفال تكفِّر عن أخطائها القديمة بإنتاج ما يعرف بالحليب المُؤَنْسَن، أو المماثل لحليب الأم، أو هذا ما يبدو الأمر عليه، وهم لا يفعلونه دفعة واحدة، بل على مراحل، إضافة جديدة وتعديلاً هامًّا كل بضع سنوات؛ لضمان المزيد من التسويق، وتتنافس الشركات في ذلك[4]، فتعيد استقطاب أمهات وآباء هذا الجيل، لتبقى نسب الإرضاع الطبيعي الخالص أقل من النصف بالأشهر الستة الأولى، وتتراجع لقرابة الخُمس مع نهاية السنة الأولى في معظم دول منطقتنا والعالم، الذي تضع الكثير من دوله هدفًا: "أن تبلغ هذه النسبة 70 في المائة فأكثر".
ومن المؤسف أن الجهود العالمية تتضاعف في الأزمات والكوارث، وتنتشر خلالها برامج تشجيع الإرضاع الوالدي، وورش العمل، بالاستعانة بما سمي "المشافي صديقة الطفولة"، ويوضع لها ميزانيات ضخمة! فلماذا علينا أن ننتظر كارثة حتى نعود لحليب الأم؟! ولماذا لا ندرك قيمة هذه الهبة الإلهية التي لا نجد - كأطباء - مقياسًا بشريًّا نعوضها به، حتى الذهب والماس، ولِمَ لا تعي كل أم دورها وواجبها، وقد وهبها الله تعالى إيَّاها لتقدمها لوليدها الغالي؟!
ثانيًا: أوهام الحاجز النفسي، ما هي المشكلة إذًا؟
بعد كل ما سبق، تهُزُّ لي أمٌّ شابة رأسها، قائلة: "أنا معك، ولكن الله ما أكرمني، حليبي قليل، لا يشبعها"، مشيرة إلى طفلتها الأولى ذات الشهرين - وهي تعاني من اضطرابات هضمية تتعلق بالحليب الصناعي - وقد اكتشفتُ بابتئاس أنها ترضعها قنينة، رغم نصحي المبكر منذ ولادتها، وتحذيري الحازم للأم من ذلك، وهو نموذج من مجموعة كبيرة جدًّا، وشديدة التنوع والتماوج، لحجج الأمهات، والعلل الوهمية التي يَسُقْنَهَا لعدم إرضاع أبنائهن، رغم تأكيدنا لهن أنه لا يوجد شيء اسمه: "حليبي لا يكفي" إلا في حالات مرَضية شديدة ونادرة.
والحاصل هو وجود ظروف نفسية أو تغذوية قد تُفشِل الإرضاع الطبيعي، وبالتحري والتدقيق - كما في حال الأم المذكورة التي هي في الواقع على عكس ما تقول، وأكرمها الله تعالى بالعافية والحليب - يتبين أن الأمرَ يرجع لمفاهيم خاطئة متداولة:
1) موروثة.
2) أو منتشرة مجتمعيًّا بسبب البيئة والأسواق المفتوحة.
3) أو أن الأمر يرجع لقرار شخصي من الأم[5] لأسباب غطَّتها البحوث؛ منها: الاهتمام بقوامها، أو عملها، أو شعرها، أو تغذيتها.
والأغلب الثلاثة معًا! وبالتالي وجدنا أن المهم هو ا***اع قناعات خاطئة، أكثر من الحديث عن فوائد ومضارَّ.
موانع وهمية للإرضاع الوالدي: وهي تأخذ شكل مخاوف غامضة غير معلنة، وأخرى واضحة ومعلنة.
يتبع
"أمُّ مُوسَى مثلاً"
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي
في سعينا - كأطباء أطفال - للتعبير عنهم؛ إذ لا ينطقون، كنا - وما زلنا - نبذل جهودًا لدعمهم في استعادة حق من أهم حقوقهم؛ هو الإرضاع الوالدي الطبيعي.
ذلك أن حليب الأم منفردًا هو - بحق - الغذاء الكامل والمثالي، وهو أفضل غذاء - على الإطلاق - للطفل، وهذه الحقائق التي كانت معروفة، ثم تَمَّ تشويشها عُقودًا من الزمان بسبب بدعة الحليب الصناعي، هي أحدث ما اتُّفق عليه عالميًّا اليوم، واعتبرتها منظمة الصحة العالمية (م ص ع)، مع عدة منظمات دولية للتغذية وطب الطفل - مثل: الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال - سببًا ملزمًا وكافيًا لاعتماد الإرضاع الوالدي دون أيِّ إضافات (ولا حتى ماء وسكر)، منذ الساعة الأولى من الولادة، وطوال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، ثم ضرورة الاستمرار به مع إضافات طعامية متوازنة ومتدرجة حتى عمر سنتين.
أطفال القناني:
مع طفرات "الحضارة المادية" التي تدخَّلت في كل شيء، كان الوجه السلبي جدًّا في طب الأطفال هو إهمال الإرضاع الوالدي، أمام مغريات الحليب الصناعي من جهة، ونتيجة لإخراج النساء إلى سوق العمل، مسوقات ببدعة المساواة، وخدعة الاستقلال الاقتصادي، من جهة أخرى، وفي مدونات تلك المنظمات الدولية يعترفون بالخطأ التاريخي، ويسلطون الضوء على حملات استعادة الاعتبار لحليب الأم، وقد بدأت هذه الحملات في بعض الدول مبكرًا، (مثل: إنشاء رابطة اللبن الوفير في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات)، واحتاج الأمر إلى عشرين عامًا؛ لتبدأ حملات مماثلة في بلادنا، عندما كثرت الأمراض والوَفَيَات المرتبطة بالاستغناء عن حليب الأم، أو خلطه بالصناعي، فيما يسمى خطأ "مساعدة"، وتؤكد الإحصاءات العالمية أن الالتزام بالرضاعة الطبيعية حصريًّا - دون مساعدة - خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، يساعد على تجنب وفاة 3 ملايين طفل سنويًّا.
أولاً: العلم بالفوائد والمضار:
كان التركيز بداية في تشجيع الإرضاع من الأم على متابعة أحدث الدراسات لفوائده، من ذلك معدلات انتشار أقل لكلٍّ من التقزم والهُزال (لدى الرُّضَّع من الثدي حصريًّا)، وتمتع هؤلاء الأطفال بصحة عقلية (mental health) أفضل في الطفولة والمراهقة، وبمقدرة عالية على الإدراك الفكري، وبالتوازن النفسي العاطفي مستقبَلًا، والوقاية من أمراض خطرة عند الأم المرضع؛ مثل: سرطان الثدي، وتلين العظام، فلم تتحسن نسب الإرضاع الوالدي كثيرًا[1]، لأسباب؛ أهمها: أن تصعيد جهود تجارة الأغذية الصناعية لحصد المزيد من الأرباح كانت أقوى من التوعية النظرية، فقوبل ذلك بالتركيز القوي على ميزات حليب الأم ومكوناته من معادن وفيتامينات، لدرجة المبالغة والخطأ أحيانًا[2]، ثم صرنا نؤكد أكثر في توعيتنا على أضرار الحليب الصناعي التي تجاوزت الضررين المشهورين لدى الجميع: اضطرابات الجهاز الهضمي، وأمراض التحسس (بما فيها الربو والأكزيما)، لتشمل زيادة حدوث وخطورة عدد كبير من الأمراض الحادة والمزمنة؛ كالتهاب القصبات، والتهاب الأذن الوسطى، والحمى الشوكية - أي: التهاب السحايا الجرثومي - والداء السكري، وغيرها، عند من يرضعون حليبًا صناعيًّا، ولكن هذا لم ينجح كثيرًا مع جيل شبابنا وشاباتنا الذي لا يثق بما يراه أفكارًا قديمة، بل ينبهر بالصناعة المبهرجة، وكل ما هو مستورد، وانطلقت أمهات المستقبل في متابعة ما يسمى "أحدث المستجدات" في الغذاء والجمال والتحرر، ثم ليدفعن أجورهن من سوق العمل "المحرر" لشراء الكثير، (وهناك أشياء تشترى، وأشياء لا تشترى):
• لشراء حليب القناني - البودرة - لأطفالهن، الذي ثبت بعد عشرات السنين من طرحه كم هو ضار (والمستخلص عادة من حليب البقر، حتى الحديث منه المسمى: مشابه لحليب الأم)[3]، ناهيك عن محاولة تعويض الطفل الذي حرم حقه في غذائه الذي سخره الله تعالى له بأغذية إضافية معلبة غالبًا، ومنزلية أحيانًا، بالوقت والشكل غير المناسبين، بل إن بعضها شديد الضرر، وهو ضرر مدفوع الثمن!
• ولشراء الأدوية لعلاج أطفالهن من الأمراض المرتبطة بالإرضاع الصناعي؛ المباشرة منها - وأخفها التحسس والإسهال - أو الآجلة التي يكشف الطب المزيدَ منها باستمرار عند كبار كانوا حُرموا حليب الأم رُضَّعًا، وهذه كلفتها عالية جدًّا، يساهم المجتمع في دفعها.
• ولدفع تكلفة مراكز الرعاية للرُّضَّع؛ حيث تودعن أطفالهن خلال العمل، لتضاف لها تكلفة علاج الأمراض المنتقلة لهم بين جدرانها.
• ثم الفاتورة الأكبر - لأنها لا تقاس بالنقد -: تكلفة تدبير الاضطرابات النفسية التي قد تظهر في مراحل الطفولة التالية، أو دفع ثمن نتائجها عندما يصبح الطفل فتى، ثم شابًّا يشق طريقه في الحياة، (مع عدم معرفة أن للحرمان من الإرضاع الوالدي دورًا في ذلك، أو عدم الاعتراف لمن علم).
وكما ترون - وعرف الناس ذلك متأخرين - الحب والحنان لا يشتريان، سلامة الأبدان لا تشترى، النمو العقلي والجسمي لا يشترى... إلخ!
ورغم أن العلم قطع شوطًا كبيرًا حتى اليوم في إعادة المكانة لحليب الأم، وبيان مزاياه التي فاقت كل التقديرات البشرية، وعبرت عن قصورها، فإن تصحيح أخطاء التغذية السابقة، وتدارك نتائجها المسيئة، لا يزال دون المرجو، لا سيما أن شركات أغذية الأطفال تكفِّر عن أخطائها القديمة بإنتاج ما يعرف بالحليب المُؤَنْسَن، أو المماثل لحليب الأم، أو هذا ما يبدو الأمر عليه، وهم لا يفعلونه دفعة واحدة، بل على مراحل، إضافة جديدة وتعديلاً هامًّا كل بضع سنوات؛ لضمان المزيد من التسويق، وتتنافس الشركات في ذلك[4]، فتعيد استقطاب أمهات وآباء هذا الجيل، لتبقى نسب الإرضاع الطبيعي الخالص أقل من النصف بالأشهر الستة الأولى، وتتراجع لقرابة الخُمس مع نهاية السنة الأولى في معظم دول منطقتنا والعالم، الذي تضع الكثير من دوله هدفًا: "أن تبلغ هذه النسبة 70 في المائة فأكثر".
ومن المؤسف أن الجهود العالمية تتضاعف في الأزمات والكوارث، وتنتشر خلالها برامج تشجيع الإرضاع الوالدي، وورش العمل، بالاستعانة بما سمي "المشافي صديقة الطفولة"، ويوضع لها ميزانيات ضخمة! فلماذا علينا أن ننتظر كارثة حتى نعود لحليب الأم؟! ولماذا لا ندرك قيمة هذه الهبة الإلهية التي لا نجد - كأطباء - مقياسًا بشريًّا نعوضها به، حتى الذهب والماس، ولِمَ لا تعي كل أم دورها وواجبها، وقد وهبها الله تعالى إيَّاها لتقدمها لوليدها الغالي؟!
ثانيًا: أوهام الحاجز النفسي، ما هي المشكلة إذًا؟
بعد كل ما سبق، تهُزُّ لي أمٌّ شابة رأسها، قائلة: "أنا معك، ولكن الله ما أكرمني، حليبي قليل، لا يشبعها"، مشيرة إلى طفلتها الأولى ذات الشهرين - وهي تعاني من اضطرابات هضمية تتعلق بالحليب الصناعي - وقد اكتشفتُ بابتئاس أنها ترضعها قنينة، رغم نصحي المبكر منذ ولادتها، وتحذيري الحازم للأم من ذلك، وهو نموذج من مجموعة كبيرة جدًّا، وشديدة التنوع والتماوج، لحجج الأمهات، والعلل الوهمية التي يَسُقْنَهَا لعدم إرضاع أبنائهن، رغم تأكيدنا لهن أنه لا يوجد شيء اسمه: "حليبي لا يكفي" إلا في حالات مرَضية شديدة ونادرة.
والحاصل هو وجود ظروف نفسية أو تغذوية قد تُفشِل الإرضاع الطبيعي، وبالتحري والتدقيق - كما في حال الأم المذكورة التي هي في الواقع على عكس ما تقول، وأكرمها الله تعالى بالعافية والحليب - يتبين أن الأمرَ يرجع لمفاهيم خاطئة متداولة:
1) موروثة.
2) أو منتشرة مجتمعيًّا بسبب البيئة والأسواق المفتوحة.
3) أو أن الأمر يرجع لقرار شخصي من الأم[5] لأسباب غطَّتها البحوث؛ منها: الاهتمام بقوامها، أو عملها، أو شعرها، أو تغذيتها.
والأغلب الثلاثة معًا! وبالتالي وجدنا أن المهم هو ا***اع قناعات خاطئة، أكثر من الحديث عن فوائد ومضارَّ.
موانع وهمية للإرضاع الوالدي: وهي تأخذ شكل مخاوف غامضة غير معلنة، وأخرى واضحة ومعلنة.
يتبع