مشاهدة النسخة كاملة : أهمية دراسة العقيدة


ابو وليد البحيرى
28-05-2015, 12:01 AM
أهمية دراسة العقيدة








علي محمد مقبول الأهدل







مما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو الأساس الذي تجدر العناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعالمين؛ فالعقيدة على هذا الأساس هي المقياس الذي يحدد بها مدى رقي المجتمع أو تخلفه في الميادين الإنسانية، التي تعتبر الطريق إلى التقدم في باقي الميادين الأخرى.

ولهذا كانت العقائد بهذا المنظور محور الصراعات بين الأمم منذ وجد الإنسان على وجه الخليقة، ولا سيما وأن العقيدة ترسم معالم شخصية الإنسان وتحدد سلوكه، وتثري عقله وقلبه بالقيم الروحية، لتشيع في نفسه الاطمئنان، وتضفي على حياته السعادة، وتكشف له معاني وجوده؛ إذ الإنسان المجرد من العقيدة الإسلامية إنسان فاقد لأبعاده في المجتمع الإنساني؛ ومن ثم فاقد للقيم الروحية، فهو إنسان ضائع عايش على هامش الحياة وهو أقرب إلى البهائم منه إلى الإنسان.

ومن هذا المنطلق فقد اهتم العالم الغربي النصراني بالعقيدة وأدرك أبعادها، فراح عن طريق التنصير يغزو الأمم؛ ليغرس فيها العقيدة النصرانية، هادفًا من وراء ذلك - باسم التنصير أو التبشير - تحطيم العقيدة الإسلامية، وطمس أو تحريف معالمها وتشويه معطياتها؛ نظرًا لأهميتها في تكوين القيم عند الإنسان، وتزويده بالعلم وبالعمل والقوة؛ إذ المسلم المزود بعقيدته يصمد أمام كل غزو وخاصة الغزو الصليبي[1].

ومن هنا تكمن أهمية دراسة العقيدة في الآتي:
1- هي الوظيفة الأولى لكل نبي ورسول؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

2- ولأن العقيدة حق الله أوجبها على عباده، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"[2].

3- ولأن العقيدة طريق النجاة من النار، قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإن الله حرم النار على من قال: (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله"[3].

4- ولأن العقيدة أول ما يجب الدعوة إليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله" وفي رواية: "إلى أن يوحدوا الله"[4]، وهي ملة إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151].

6- لا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وحيث إن أول هذه الأمة لم يصلح إلا بصفاء العقيدة، وخلوص القلوب لعلام الغيوب، فهذا هو العلاج الوحيد لصلاح الأمة في كل زمان ومكان.

إن العقيدة ليست أمورًا ذهنية مجردة؛ بل هي قوة فاعلة متحركة، إذا خالطت بشاشة القلب؛ غيرته في كل شؤونه سواء من ناحية التصور أم من ناحية العمل والتوجيه، أم من ناحية انطباق السلوك على ما في القلب.

وهذه العقيدة الصحيحة هي التي حولت رعاة الإبل والغنم وعباد الأحجار والأوثان إلى قادة مؤمنين، ملئوا الدنيا صلاحًا ونجاحًا، وأنقذوا البشرية من عبودية البشر، وأدخلوهم في عبودية الواحد الأحد سبحانه، وانتشلوهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة..

وهذه العقيدة الحقة هي التي من أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، وأبرار وفجار، ومن أجلها وقعت الواقعة، وحقت الحاقة، وأسست الملة، وجردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، وبها تقسم الأنوار: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40][5].

وإذا كانت العقيدة بهذه الأهمية فما هو تعريفها؟
العقيدة لغة: تدور حول مادة (عقد) وهي اللزوم والتأكد والاستيثاق، وعقد الحبل: شد بعضه ببعض نقيض حله[6].

وشرعًا: هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده[7].

وقيل: العقيدة هي الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينًا عند أصحابها، لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك[8].


[1] العقيدة في القرآن؛ عبد السلام التونجي، (ص:5).


[2] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب (1) ما جاء في دعاء النبي، ج (8/163)، ومسلم في كتاب الإيمان باب (10) الدليل على من مات، ج (1/58)، حديث رقم (31).

[3] الحديث أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب (6) العمل الذي يبتغي..، (7/172)، ومسلم في كتاب الإيمان باب (10) الدليل على من مات، (1/55)، حديث رقم (31).

[4] الحديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب (41) لا تؤخذ كرائم...، (2/125)، ومسلم في كتاب الإيمان باب (7) الدعاء إلى الشهادتين، (1/50) حديث رقم (19).

[5] انظر: مسائل هامة في توحيد العبادة، د.محمد سعيد القحطاني، (ص: 9).

[6] لسان العرب مادة (عقد).

[7] العقيدة الصافية، سيد عبدالغني، (ص: 19).

[8] العقيدة في الله، د. عمر الأشقر، (ص: 9).