ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 05:47 AM
كسوف الشمس آية الله في الكون القريب
د. مصطفى محمد عبدالفتاح
الشمس في القرآن الكريم
الشمس التي خلقها الله سبحانه وتعالى آيةً عظيمةً في هذا الكون الذي يحيط بنا ورد ذكرها في القرآن الكريم لأغراضٍ شتى؛ فقد أقسم الله تعالى بها:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (الشمس:1)
ووردت على لسان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يتحدى النمرود:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)
وورد ذكرها على لسانه أيضاً صلى الله عليه وسلم وهو يتفكر في التوحيد:
﴿فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:78)
وجعلها الله حُسْباناً:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام:96)
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5)
و هي آية مسخرة بأمر الله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54)
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (الرعد:2)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم:33)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل:12)
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (العنكبوت:61)
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:29)
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13)
وجعلها الله ضياءً وسراجاً:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5)
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ (نوح:16)
ورآها نبي الله يوسف عليه السلام في الرؤيا:
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4)
وجعلها الله لتوقيت الصلاة للناس، ولتسبيح رب العالمين:
﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ (الإسراء:78)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه:130)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (قّ:39)
وكان لها دور هام في حفظ أهل الكهف بإذن ربها:
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾ (الكهف:17)
وكانت علامةً على المدى الذي بلغه ذو القرنين في فتوحاته:
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ (الكهف:86)
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾ (الكهف:90)
وهي تسبح في فلك خاص بها لا ينبغي لها أن تجاوزه:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الانبياء:33)
﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يّـس:40)
وهي تسجد لله تعالى خاضعةً راضية:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18)
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت:37)
وقد جعلها الله تعالى دليلاً على الظل:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ (الفرقان:45)
وكان بعض الأقوام يعبدونها جهلاً وكفراً:
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل:24)
وهي - ككل المخلوقات - لها مستقر تسعى إليه:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يّس:38)
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر:5)
ولها أحوال عجيبة في يوم القيامة:
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة:9)
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (التكوير:1)
لكنها لا تزعج أهل الجنة بِحَرِّها، فهي غير موجودة:
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ (الإنسان:13)
الشمس بين الأساطير والعلم
الشمس، ذلك الجرم الكوني الذي ما تعلقت حياة البشر بجرم مثله، إنها نجم عظيم على مستوى قياساتنا البشرية، لكنها في رحاب الكون لا تشكل أكثر من ذرة غبار أو فقاعة مضيئة وسط الفراغات الهائلة التي تحوي مليارات المجرات في تركيب بديع أبدعه ربنا خالق كل شيء جل جلاله.
الشمس هي عميد أسرتنا الكوكبية، تشكل 99% من مادة المجموعة الشمسية، ويدور أتباعها حولها في انتظام عجيب، تسعة كواكب وعدد كبير من الأقمار والمذنبات والكويكبات والغبار الكوني، وتصنع هذه التوابع حولها مداراتٍ إهليلجية كل واحد منها على شكل قطع ناقص، وتقع الشمس في أحد محرقي القطع الناقص الوهمي الذي تشكله الأرض في دورتها حول الشمس، وكذلك الأمر في مدارات بقية الكواكب والتوابع، ويتطابق أحد المحارق دائماً في موقع الشمس لكل مدارات الكواكب والمذنبات وبقية الأجرام التابعة للشمس، إذاً هناك دائماً نقطة حضيض لكل جرم كوني تابع للشمس - أقرب نقطة في المدار من الشمس - ونقطة أوج لكل جرم كوني تابع للشمس - أبعد نقطة في المدار عن الشمس.
تبدأ قصة الشمس مع البشر منذ نشوء البشرية على هذه البسيطة، إنها قصة موغلة في القدم، إحدى بدايات هذه القصة تقول: إن حكماء الهنود فكروا في مشكل عظيم الحل؛ وهو أن الشمس تشغل أحد محرقي القطع الناقص للمدار فما الذي يشغل المحرق الآخر؟ ووجدوا الحل فيما يلي؛ بما أن شمسنا موجودة في أحد هذين المحرقين وهي أصل الحرارة والحياة لعالمنا، فقد تخيلوا أن ثمة شمساً أخرى في المحرق الآخر، وهي شمس غير منظورة، وهي أصل قوى الصداقة والحب في عالمنا كله.
أما عند هنود البيرو فتقول الأسطورة: إن أميرات مدينة "أينكا" الصغيرات أو بنات الشمس كُنَّ يركعن قرب الخيام أمام القناديل الخزفية التي يجب ألا تنطفئ أبداً، إنهن يحرسن هذا النور بانتظار النهار.
وتتابع الأسطورة أن " كندور الكبير" ذلك الطائر المعتبر سفيراً للسماء كان ينزل كل صباح ويأخذ بمنقاره أحد هذه القناديل ويطير بها كي يذهب خلف الأرض حيث تختبئ الشمس لكي يعطيها نورها من جديد.
أما التفكير البسيط لدى زنوج أفريقيا فقد أوحى لهم بأن ثمة موكباً من فرق الفيلة بقيادة معبودتهم "عزيزة" aziza ينزل حتى فرجة الغابة السرية حيث غابت الشمس مساءً، وتأخذ هذه الفيلة تدفع بأنيابها الكرة النارية العظيمة التي تحركها "عزيزة"، تدفعها نحو حافة التلال وتدحرجها وتعيدها مجدداً إلى السماء.
إن شمسنا هي أقرب النجوم إلينا وهي نجم عادي جداً، ندور حولها بسرعة تقرب من سبعين ألف ميل في الساعة، ولو تغيرت الكمية الإجمالية للإشعاع الشمسي بقدر قليل جداً فإن الحياة البشرية كما نعرفها ستصبح مستحيلة؛ سنتجمد أو نحترق، لكن رحمة الله جعلت الشمس نجماً مستقراً للغاية، وليست نجماً نابضاً أو متفجراً.
يبلغ قطر الشمس الاستوائي (1392000) كم تقريباً، وهو عظيم بالمقارنة مع قطر الأرض الاستوائي الذي يبلغ (12756) كم، أو قطر الأرض القطبي الذي يبلغ (12714) كم، وتبلغ درجة الحرارة على سطح الشمس (5500) درجة مئوية، بينما تبلغ الحرارة في جوف الشمس (15000000) درجة مئوية، ويبلغ حجم الشمس (1303600) مرة من حجم الأرض، وتبلغ كتلتها (332946) مرة كتلة الأرض، إذاً الشمس أقل كثافة من الأرض إذ تبلغ كثافتها (1.409) مرة من كثافة الماء بينما تبلغ كثافة الأرض (5.517) مرة من كثافة الماء.
الشمس جسم غازي، والغاز قرب المركز مضغوط جداً وكثيف جداً بينما تكون المناطق الخارجية خفيفة جداً ومنخفضة الكثافة، ولا تدور الشمس كما يدور أي جسم صلب: المناطق المختلفة تدور بسرعات مختلفة؛ فالمواد القريبة من خط الاستواء تكمل دورتها في حوالي (25) يوماً أرضياً، بينما تستغرق المواد عند خط العرض (40) شمال وجنوب خط الاستواء (27) يوماً ونصف اليوم لتكمل دورتها، في حين تبلغ هذه الدورة عند القطبين (34) يوماً أرضياً، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في حركات البقع المظلمة على السطح.
يعرف سطح الشمس كما نراه بكرة الضوء (الفوتوسفير) وعليه تظهر البقع الشمسية، وكان غاليليو غاليلي أول من شاهد البقع الشمسية بالمنظار، ومن المعروف لدينا الآن أن الصينيين قد عرفوا بوجودها منذ وقت طويل، إذ أن بعض هذه البقع كبيرة الحجم بما يسمح برؤيتها بالعين المجردة إذا كانت الشمس عاتمة - بسبب اغبرار الأفق مثلاً - وهذه البقع (و تدعى الكُلف الشمسية) غالباً ما تكون معقدة البنية، فهي ذات منطقة مركزية مظلمة تسمى الظل محاطة بمنطقة خارجية أقل ظلمةً تسمى شبه الظل، وتظهر البقع على شكل صحون، إنها في الحقيقة مناطق أبرد من السطح المحيط بها إذ تبلغ درجة حرارتها (4500) درجة مئوية، فهي تظهر مظلمةً مقارنة بالسطح المضيء، وترتبط بالكلف الشمسية حقول مغناطيسية قوية، ويتغير عدد هذه البقع الشمسية دورياً على مدى ما يسمى بالدور البقعي، والحد الأدنى لعدد مجموعات هذه البقع (50) مجموعة سنوياً، بينما يتجاوز الحد الأقصى (500) مجموعة، إن هذه الدورة تغطي فترة زمنية تعادل (11) سنة، كما أن هناك فترات تغير أطول، وثمة بعض البقع الكبيرة تظهر في أي وقت خلال الدورة، وقد شوهدت مجموعة ضخمة في عام (1947) غطت مساحة قدرها (2000) ميل مربع .
غالباً ما تتعلق بالبقع الشمسية بقع مضيئة تسمى الصياخد (السباخ)، وتظهر كأنها في مستويات أعلى، وهي تشاهد عادةً بعد اختفاء الكلف وتستمر مدة من الزمن.
من الظواهر الشمسية الأخرى الملفتة للنظر ما يدعى بالشواظ الشمسية، وهي عبارة عن بقع لامعة تبدو منطلقة بعيداً عن سطح الشمس كأنها قطع من اللهب تتجه نحو الغلاف الخارجي للشمس والذي يدعى الإكليل الشمسي.
أحياناً يبلغ ارتفاع ذلك اللهب مئات الآلاف من الأميال، وهذه الشواظات تتكون من الغازات المتكاثفة خارج الإكليل بالإضافة للمواد المقذوفة من السطح.
إن دراسة الظواهر الشمسية تحتاج إلى معدات متطورة، فهناك المراصد الشمسية المتخصصة كالمرصد الموجود في (مونت ويلسون) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرصد (أرشتري) في إيطاليا، وهي مقرابات برجية تستعمل من أجل إظهار صورة مستقرة للشمس، ونظراً لأن الفلكيين الشمسيين يقومون بمشاهداتهم خلال النهار فإن عليهم تحمل الحرارة العالية , وللتغلب على هذه المشكلة يتم عكس صورة الشمس عبر البرج إلى غرفة تحت أرضية ثابتة الحرارة، حيث يتم إسقاط الصورة على شاشة أو تحلل بواسطة مطياف ومعدات أخرى مثل مرسمة الطيف الشمسي؛ وهي أداة ذات فائدة عظيمة تمكن المشاهد من النظر إلى الشمس في طول موجي خاص، وهناك بعض الأجهزة الأخرى مثل مرشح ليوت الأحادي اللون، ومرسمة الإكليل التي تتيح دراسة الإكليل الشمسي دون انتظار كسوف الشمس الكامل.
تتكون الشمس مبدئياً من النواة وعدد من الطبقات الرئيسية، في النواة تتولد كل الحرارة الهائلة التي تطلقها الشمس، تليها طبقة عريضة تدعى الطبقة التصعيدية وظيفتها نقل الحرارة إلى السطح على شكل إشعاعات، أما السطح الذي نراه بالعين المجردة فهو الكرة الضوئية، وهناك طبقة أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة إلا عند حدوث كسوف كامل - حيث تظهر وردية اللون - ولا يزيد سمكها على (3000) ميل.
ووراء الكرة اللونية يوجد الإكليل وهو غير منظور إلا خلال الكسوف الكامل حيث يحيط القرص المظلم للقمر بهالة تتغير حجماً وبنيةً خلال دورة الـ (11) سنة للبقع الشمسية، إن الغاز في هذه المنطقة قليل الكثافة فعلاً حيث تتصادم الذرات بسرعات تنتج عنها درجات حرارة تقارب المليون درجة، ولو كانت كل الشمس تشع حرارتها بهذا المعدل لأصبحت الحرارة غير محتملة على الأرض.
تبين بالتحليل الطيفي أن الغاز الرئيسي في الشمس هو الهيدروجين حيث يشكل أكثر من (80%) من كتلة الشمس، يأتي بعده الهليوم وهو أخف الغازات بعد الهيدروجين، ومن الطريف أن نذكر أن الهليوم قد اكتشف لأول مرة في الطيف الشمسي قبل اكتشافه على الأرض، حدث ذلك عام (1868) حيث اكتشف الفلكي (نورمان لوكلير) خطاً (لفراونهوفر) - الطيف الإصداري للعناصر- لم يستطع إرجاعه لأي عنصر على سطح الأرض، وافترض أنه يعود لعنصر غير معروف أطلق عليه اسم (هليوم)، وهي كلمة إغريقية تعني الشمس، ولم يكتشف هذا العنصر على الأرض إلا بعد مرور ربع قرن، وبعد ذلك اكتشفت عناصر كثيرة في الطيف الشمسي مثل الكربون والآزوت والأوكسجين والمعدنين المتبخرين: المغنيزيوم والحديد وغيرها.
تضيء الشمس منذ آلاف الملايين من السنين، وكما تقول المعطيات العلمية فإن الشمس ستظل تفعل ذلك آلاف الملايين الأخرى من السنين إن شاء الله، ومبدأ إصدار الطاقة في الشمس هو مبدأ الاندماج النووي، حيث تندمج ذرات الهيدروجين في مركز الشمس عند درجات حرارة تتجاوز (15000000) درجة مئوية لتكون الهليوم مع انطلاق كمية كبيرة من الطاقة، إن القنبلة الهيدروجينية مؤسسة على هذا المبدأ.
يتم الاندماج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تندمج نواتا ذرتين من الهيدروجين وهو أمر يحدث كل سبعة آلاف مليون سنة حسب قوانين الاحتمالات الرياضية، وبتعبيرٍ آخر يصطدم بروتون مع بروتون آخر ويكونا الدوتريوم -نواة هيدروجين ثقيل- ونيوترينو ينطلق في الفضاء مع انطلاق جسيم يدعى البوزيترون، وهو شبيه بالإلكترون لكنه ذو شحنة موجبة، لا يلبث أن يقضي على إلكترون تائه.
وتحدث المرحلة الثانية بعد ثوانٍ قليلة، وفيها يندمج الدوتريوم مع نواة هيدروجين أخرى (بروتون آخر) ليتكون نظير للهليوم هو الهليوم3 وتنطلق كمية من الطاقة بشكل إشعاعات غاما ذات الطول الموجي القصير.
أخيراً - وذلك بعد أربعمائة ألفِ سنة - تندمج نظيرتان من هليوم3 لتعطيا نواة ذرة هليوم4 خاملة وعادية، مع انطلاق بروتونين سيشاركان في تكرار الأسلوب السابق بشكل متسلسل، ويعرف هذا الأسلوب باسم التفاعل: (بروتون - بروتون).
بعض النجوم لا تعمل بهذه الآلية لإنتاج الطاقة بل تعمل بنمط التفاعل كربون∞نيتروجين، وذلك خاص بالنجوم ذات الحرارة الداخلية التي تفوق الثلاثين مليون درجة مئوية.
لكي تكتمل دورة هذا التفاعل لا بد لها من سبعة ملايين سنة بالمقارنة بسبعة آلاف مليون سنة لدورة بروتون - بروتون.
من المعروف أن هذا النمط من إنتاج الطاقة يلزمه مليونان ونصف المليون من السنوات حتى يبدأ تفاعله حيث يصدم بروتون من البروتونات نواة الكربون12 التي تقوم بامتصاص هذا البروتون وتحوله إلى نواة نيتروجين13 وتبث طاقة على شكل أشعة غاما، ونيتروجين13غير مستقر فهو يتحول بسرعة إلى كربون13 وينتج عنه نيوترينو واحد ينطلق في الفضاء، وبوزيترون واحد يقابل في النهاية إلكتروناً تائهاً فيفني أحدهما الآخر على الفور، وخلال الدقائق العشر التالية يصدم بروتوناً من البروتونات الكربون13 الجديد ويحوله إلى نتروجين14 ويطلق أشعة غاما، وبعد أربعة ملايين سنة يصدم بروتون آخر النيتروجين14 ويحوله إلى أوكسجين1 ويطلق أشعة غاما، ويتحول الأكسجين15 الغير مستقر إلى نتروجين15 في خلال دقائق، فينطلق عنه نيوترينو واحد يضيع في الفضاء، وبوزيترون واحد يلتقي بإلكترون تائه فيفني أحدهما الآخر، وبعد حوالي عشرين سنة يصدم أحد البروتونات النتروجين15 فيشطره إلى نواة واحدة من الهليوم ونواة واحدة من الكربون12، وتترك هذه الأخيرة حرة لتبدأ الدورة من جديد.
تنبعث من الشمس إشعاعات بمختلف الأطوال الموجية بالإضافة للضوء المنظور، فهناك الأشعة السينية (x) القاسية التي يمكن رصدها بواسطة الصواريخ، وهناك الأشعة الراديوية التي يمكن دراستها من سطح الأرض.
يصطلح على تسمية الكمية الإجمالية للأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي، ووجد أنه يساوي (1.95) حريرة / دقيقة / سنتيمتر مربع - أي أن كمية الحرارة في الدقيقة تكفي لتسخين (1) غرام من الماء بمقدار (1.95) درجة مئوية - ويبقى هذا المقدار ثابتاً مما يجعل الحياة ممكنة على الأرض.
يشع سطح الشمس طاقة قدرها (1500) حريرة من كل سنتيمتر مربع، ويصل ضغط الغازات في جوف الشمس إلى (200) مليار طن / سم2، وقد عبر الفلكي البريطاني (جيمس جينز) عن مقدار الطاقة في جوف الشمس بهذا المثال: لو أخذنا قطعة من مركز الشمس بحجم رأس الدبوس فإن هذه القطعة تكون قادرة على *** إنسان يبعد عنها بمقدار (150) كم على الأرض.
يمكننا أن نتبين مقدار ضخامة الشمس إذا علمنا أنها تحول في كل ثانية (4.5) مليون طن من المادة إلى طاقة تصدرها إلى الفضاء المحيط بها، وهكذا فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في ثانية واحدة يزيد على مجموع الطاقة التي استهلكها الإنسان منذ فجر التاريخ حتى الآن، ورغم ذلك فإن مركز الشمس يطبق عليه الظلام الدامس لأن الشمس تصدر طاقتها محمولة على إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، ومن رأفة الله بنا أن الشمس تمنع هذه الإشعاعات من الوصول إلينا عن طريق تخميدها بطبقات الشمس فوق النواة، ويبلغ طول طريقها إلى السطح (600000) كم، لكن الطاقة تستغرق (20000) سنة حتى تقطع هذه المسافة، بينما لا يستغرق الضوء خلال رحلته إلينا سوى ثماني دقائق بدءاً من سطح الشمس، فما نراه من طاقة الشمس ولد أثناء العصر الحجري للأرض.
تطلق الشمس سيولاً من الجسيمات الذرية الدقيقة كالإلكترونات والنترونات والبروتونات بشكل ريح تدعى الريح الشمسية، وهي المسؤولة عن تشكيل أذيال المذنبات وتكوين الشفق القطبي، وتقع هذه الجسيمات في أسر جاذبية كوكب الأرض وتشكل أحزمة متأينة تسمى أحزمة (فان ألين) نسبة للعالم الذي اكتشفها وذلك حين وضع عدَّاداً للجسيمات على متن القمر الصناعي الأمريكي (إكسبلورر-1) في شباط / 1958/.
وقد بينت الدراسات أن الشمس تفقد في الثانية الواحدة ما يزيد عن مليون طن بشكل جسيمات، ولعل من أغرب الجسيمات التي تطلقها الشمس نتيجة تفاعلاتها جسيم عديم الشحنة وعديم الكتلة يدعى "النيوترينو"، وهذا الجسيم لا يستغرق في العبور من مركز الشمس إلى سطحها سوى ثانيتين فقط لأنه لا يعاني من التصادمات بسبب انعدام حجمه تقريباً، ولاصطياده وضع العلماء خزاناً مملوءاً بمادة (فوق كلور الإيثيلين) سعته (400000 لتر) في منجم مهجور للذهب على عمق آلاف الأمتار في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف عنه بسبب تحويله أحد النظائر المشعة للكلور الذي يبلغ وزنه الذري (37) إلى نواة النظير المشع للأرغون (37)، عندها يحصي العلماء عدد ذرات الأرغون الموجودة في الخزان وهو نفس عدد (النيوترينوات)، وبذلك يتنبئون عن نشاط الشمس.
يتبع
د. مصطفى محمد عبدالفتاح
الشمس في القرآن الكريم
الشمس التي خلقها الله سبحانه وتعالى آيةً عظيمةً في هذا الكون الذي يحيط بنا ورد ذكرها في القرآن الكريم لأغراضٍ شتى؛ فقد أقسم الله تعالى بها:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (الشمس:1)
ووردت على لسان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يتحدى النمرود:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)
وورد ذكرها على لسانه أيضاً صلى الله عليه وسلم وهو يتفكر في التوحيد:
﴿فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:78)
وجعلها الله حُسْباناً:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام:96)
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5)
و هي آية مسخرة بأمر الله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54)
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (الرعد:2)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم:33)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل:12)
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (العنكبوت:61)
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:29)
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13)
وجعلها الله ضياءً وسراجاً:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5)
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ (نوح:16)
ورآها نبي الله يوسف عليه السلام في الرؤيا:
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4)
وجعلها الله لتوقيت الصلاة للناس، ولتسبيح رب العالمين:
﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ (الإسراء:78)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه:130)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (قّ:39)
وكان لها دور هام في حفظ أهل الكهف بإذن ربها:
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾ (الكهف:17)
وكانت علامةً على المدى الذي بلغه ذو القرنين في فتوحاته:
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ (الكهف:86)
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾ (الكهف:90)
وهي تسبح في فلك خاص بها لا ينبغي لها أن تجاوزه:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الانبياء:33)
﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يّـس:40)
وهي تسجد لله تعالى خاضعةً راضية:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18)
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت:37)
وقد جعلها الله تعالى دليلاً على الظل:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ (الفرقان:45)
وكان بعض الأقوام يعبدونها جهلاً وكفراً:
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل:24)
وهي - ككل المخلوقات - لها مستقر تسعى إليه:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يّس:38)
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر:5)
ولها أحوال عجيبة في يوم القيامة:
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة:9)
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (التكوير:1)
لكنها لا تزعج أهل الجنة بِحَرِّها، فهي غير موجودة:
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ (الإنسان:13)
الشمس بين الأساطير والعلم
الشمس، ذلك الجرم الكوني الذي ما تعلقت حياة البشر بجرم مثله، إنها نجم عظيم على مستوى قياساتنا البشرية، لكنها في رحاب الكون لا تشكل أكثر من ذرة غبار أو فقاعة مضيئة وسط الفراغات الهائلة التي تحوي مليارات المجرات في تركيب بديع أبدعه ربنا خالق كل شيء جل جلاله.
الشمس هي عميد أسرتنا الكوكبية، تشكل 99% من مادة المجموعة الشمسية، ويدور أتباعها حولها في انتظام عجيب، تسعة كواكب وعدد كبير من الأقمار والمذنبات والكويكبات والغبار الكوني، وتصنع هذه التوابع حولها مداراتٍ إهليلجية كل واحد منها على شكل قطع ناقص، وتقع الشمس في أحد محرقي القطع الناقص الوهمي الذي تشكله الأرض في دورتها حول الشمس، وكذلك الأمر في مدارات بقية الكواكب والتوابع، ويتطابق أحد المحارق دائماً في موقع الشمس لكل مدارات الكواكب والمذنبات وبقية الأجرام التابعة للشمس، إذاً هناك دائماً نقطة حضيض لكل جرم كوني تابع للشمس - أقرب نقطة في المدار من الشمس - ونقطة أوج لكل جرم كوني تابع للشمس - أبعد نقطة في المدار عن الشمس.
تبدأ قصة الشمس مع البشر منذ نشوء البشرية على هذه البسيطة، إنها قصة موغلة في القدم، إحدى بدايات هذه القصة تقول: إن حكماء الهنود فكروا في مشكل عظيم الحل؛ وهو أن الشمس تشغل أحد محرقي القطع الناقص للمدار فما الذي يشغل المحرق الآخر؟ ووجدوا الحل فيما يلي؛ بما أن شمسنا موجودة في أحد هذين المحرقين وهي أصل الحرارة والحياة لعالمنا، فقد تخيلوا أن ثمة شمساً أخرى في المحرق الآخر، وهي شمس غير منظورة، وهي أصل قوى الصداقة والحب في عالمنا كله.
أما عند هنود البيرو فتقول الأسطورة: إن أميرات مدينة "أينكا" الصغيرات أو بنات الشمس كُنَّ يركعن قرب الخيام أمام القناديل الخزفية التي يجب ألا تنطفئ أبداً، إنهن يحرسن هذا النور بانتظار النهار.
وتتابع الأسطورة أن " كندور الكبير" ذلك الطائر المعتبر سفيراً للسماء كان ينزل كل صباح ويأخذ بمنقاره أحد هذه القناديل ويطير بها كي يذهب خلف الأرض حيث تختبئ الشمس لكي يعطيها نورها من جديد.
أما التفكير البسيط لدى زنوج أفريقيا فقد أوحى لهم بأن ثمة موكباً من فرق الفيلة بقيادة معبودتهم "عزيزة" aziza ينزل حتى فرجة الغابة السرية حيث غابت الشمس مساءً، وتأخذ هذه الفيلة تدفع بأنيابها الكرة النارية العظيمة التي تحركها "عزيزة"، تدفعها نحو حافة التلال وتدحرجها وتعيدها مجدداً إلى السماء.
إن شمسنا هي أقرب النجوم إلينا وهي نجم عادي جداً، ندور حولها بسرعة تقرب من سبعين ألف ميل في الساعة، ولو تغيرت الكمية الإجمالية للإشعاع الشمسي بقدر قليل جداً فإن الحياة البشرية كما نعرفها ستصبح مستحيلة؛ سنتجمد أو نحترق، لكن رحمة الله جعلت الشمس نجماً مستقراً للغاية، وليست نجماً نابضاً أو متفجراً.
يبلغ قطر الشمس الاستوائي (1392000) كم تقريباً، وهو عظيم بالمقارنة مع قطر الأرض الاستوائي الذي يبلغ (12756) كم، أو قطر الأرض القطبي الذي يبلغ (12714) كم، وتبلغ درجة الحرارة على سطح الشمس (5500) درجة مئوية، بينما تبلغ الحرارة في جوف الشمس (15000000) درجة مئوية، ويبلغ حجم الشمس (1303600) مرة من حجم الأرض، وتبلغ كتلتها (332946) مرة كتلة الأرض، إذاً الشمس أقل كثافة من الأرض إذ تبلغ كثافتها (1.409) مرة من كثافة الماء بينما تبلغ كثافة الأرض (5.517) مرة من كثافة الماء.
الشمس جسم غازي، والغاز قرب المركز مضغوط جداً وكثيف جداً بينما تكون المناطق الخارجية خفيفة جداً ومنخفضة الكثافة، ولا تدور الشمس كما يدور أي جسم صلب: المناطق المختلفة تدور بسرعات مختلفة؛ فالمواد القريبة من خط الاستواء تكمل دورتها في حوالي (25) يوماً أرضياً، بينما تستغرق المواد عند خط العرض (40) شمال وجنوب خط الاستواء (27) يوماً ونصف اليوم لتكمل دورتها، في حين تبلغ هذه الدورة عند القطبين (34) يوماً أرضياً، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في حركات البقع المظلمة على السطح.
يعرف سطح الشمس كما نراه بكرة الضوء (الفوتوسفير) وعليه تظهر البقع الشمسية، وكان غاليليو غاليلي أول من شاهد البقع الشمسية بالمنظار، ومن المعروف لدينا الآن أن الصينيين قد عرفوا بوجودها منذ وقت طويل، إذ أن بعض هذه البقع كبيرة الحجم بما يسمح برؤيتها بالعين المجردة إذا كانت الشمس عاتمة - بسبب اغبرار الأفق مثلاً - وهذه البقع (و تدعى الكُلف الشمسية) غالباً ما تكون معقدة البنية، فهي ذات منطقة مركزية مظلمة تسمى الظل محاطة بمنطقة خارجية أقل ظلمةً تسمى شبه الظل، وتظهر البقع على شكل صحون، إنها في الحقيقة مناطق أبرد من السطح المحيط بها إذ تبلغ درجة حرارتها (4500) درجة مئوية، فهي تظهر مظلمةً مقارنة بالسطح المضيء، وترتبط بالكلف الشمسية حقول مغناطيسية قوية، ويتغير عدد هذه البقع الشمسية دورياً على مدى ما يسمى بالدور البقعي، والحد الأدنى لعدد مجموعات هذه البقع (50) مجموعة سنوياً، بينما يتجاوز الحد الأقصى (500) مجموعة، إن هذه الدورة تغطي فترة زمنية تعادل (11) سنة، كما أن هناك فترات تغير أطول، وثمة بعض البقع الكبيرة تظهر في أي وقت خلال الدورة، وقد شوهدت مجموعة ضخمة في عام (1947) غطت مساحة قدرها (2000) ميل مربع .
غالباً ما تتعلق بالبقع الشمسية بقع مضيئة تسمى الصياخد (السباخ)، وتظهر كأنها في مستويات أعلى، وهي تشاهد عادةً بعد اختفاء الكلف وتستمر مدة من الزمن.
من الظواهر الشمسية الأخرى الملفتة للنظر ما يدعى بالشواظ الشمسية، وهي عبارة عن بقع لامعة تبدو منطلقة بعيداً عن سطح الشمس كأنها قطع من اللهب تتجه نحو الغلاف الخارجي للشمس والذي يدعى الإكليل الشمسي.
أحياناً يبلغ ارتفاع ذلك اللهب مئات الآلاف من الأميال، وهذه الشواظات تتكون من الغازات المتكاثفة خارج الإكليل بالإضافة للمواد المقذوفة من السطح.
إن دراسة الظواهر الشمسية تحتاج إلى معدات متطورة، فهناك المراصد الشمسية المتخصصة كالمرصد الموجود في (مونت ويلسون) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرصد (أرشتري) في إيطاليا، وهي مقرابات برجية تستعمل من أجل إظهار صورة مستقرة للشمس، ونظراً لأن الفلكيين الشمسيين يقومون بمشاهداتهم خلال النهار فإن عليهم تحمل الحرارة العالية , وللتغلب على هذه المشكلة يتم عكس صورة الشمس عبر البرج إلى غرفة تحت أرضية ثابتة الحرارة، حيث يتم إسقاط الصورة على شاشة أو تحلل بواسطة مطياف ومعدات أخرى مثل مرسمة الطيف الشمسي؛ وهي أداة ذات فائدة عظيمة تمكن المشاهد من النظر إلى الشمس في طول موجي خاص، وهناك بعض الأجهزة الأخرى مثل مرشح ليوت الأحادي اللون، ومرسمة الإكليل التي تتيح دراسة الإكليل الشمسي دون انتظار كسوف الشمس الكامل.
تتكون الشمس مبدئياً من النواة وعدد من الطبقات الرئيسية، في النواة تتولد كل الحرارة الهائلة التي تطلقها الشمس، تليها طبقة عريضة تدعى الطبقة التصعيدية وظيفتها نقل الحرارة إلى السطح على شكل إشعاعات، أما السطح الذي نراه بالعين المجردة فهو الكرة الضوئية، وهناك طبقة أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة إلا عند حدوث كسوف كامل - حيث تظهر وردية اللون - ولا يزيد سمكها على (3000) ميل.
ووراء الكرة اللونية يوجد الإكليل وهو غير منظور إلا خلال الكسوف الكامل حيث يحيط القرص المظلم للقمر بهالة تتغير حجماً وبنيةً خلال دورة الـ (11) سنة للبقع الشمسية، إن الغاز في هذه المنطقة قليل الكثافة فعلاً حيث تتصادم الذرات بسرعات تنتج عنها درجات حرارة تقارب المليون درجة، ولو كانت كل الشمس تشع حرارتها بهذا المعدل لأصبحت الحرارة غير محتملة على الأرض.
تبين بالتحليل الطيفي أن الغاز الرئيسي في الشمس هو الهيدروجين حيث يشكل أكثر من (80%) من كتلة الشمس، يأتي بعده الهليوم وهو أخف الغازات بعد الهيدروجين، ومن الطريف أن نذكر أن الهليوم قد اكتشف لأول مرة في الطيف الشمسي قبل اكتشافه على الأرض، حدث ذلك عام (1868) حيث اكتشف الفلكي (نورمان لوكلير) خطاً (لفراونهوفر) - الطيف الإصداري للعناصر- لم يستطع إرجاعه لأي عنصر على سطح الأرض، وافترض أنه يعود لعنصر غير معروف أطلق عليه اسم (هليوم)، وهي كلمة إغريقية تعني الشمس، ولم يكتشف هذا العنصر على الأرض إلا بعد مرور ربع قرن، وبعد ذلك اكتشفت عناصر كثيرة في الطيف الشمسي مثل الكربون والآزوت والأوكسجين والمعدنين المتبخرين: المغنيزيوم والحديد وغيرها.
تضيء الشمس منذ آلاف الملايين من السنين، وكما تقول المعطيات العلمية فإن الشمس ستظل تفعل ذلك آلاف الملايين الأخرى من السنين إن شاء الله، ومبدأ إصدار الطاقة في الشمس هو مبدأ الاندماج النووي، حيث تندمج ذرات الهيدروجين في مركز الشمس عند درجات حرارة تتجاوز (15000000) درجة مئوية لتكون الهليوم مع انطلاق كمية كبيرة من الطاقة، إن القنبلة الهيدروجينية مؤسسة على هذا المبدأ.
يتم الاندماج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تندمج نواتا ذرتين من الهيدروجين وهو أمر يحدث كل سبعة آلاف مليون سنة حسب قوانين الاحتمالات الرياضية، وبتعبيرٍ آخر يصطدم بروتون مع بروتون آخر ويكونا الدوتريوم -نواة هيدروجين ثقيل- ونيوترينو ينطلق في الفضاء مع انطلاق جسيم يدعى البوزيترون، وهو شبيه بالإلكترون لكنه ذو شحنة موجبة، لا يلبث أن يقضي على إلكترون تائه.
وتحدث المرحلة الثانية بعد ثوانٍ قليلة، وفيها يندمج الدوتريوم مع نواة هيدروجين أخرى (بروتون آخر) ليتكون نظير للهليوم هو الهليوم3 وتنطلق كمية من الطاقة بشكل إشعاعات غاما ذات الطول الموجي القصير.
أخيراً - وذلك بعد أربعمائة ألفِ سنة - تندمج نظيرتان من هليوم3 لتعطيا نواة ذرة هليوم4 خاملة وعادية، مع انطلاق بروتونين سيشاركان في تكرار الأسلوب السابق بشكل متسلسل، ويعرف هذا الأسلوب باسم التفاعل: (بروتون - بروتون).
بعض النجوم لا تعمل بهذه الآلية لإنتاج الطاقة بل تعمل بنمط التفاعل كربون∞نيتروجين، وذلك خاص بالنجوم ذات الحرارة الداخلية التي تفوق الثلاثين مليون درجة مئوية.
لكي تكتمل دورة هذا التفاعل لا بد لها من سبعة ملايين سنة بالمقارنة بسبعة آلاف مليون سنة لدورة بروتون - بروتون.
من المعروف أن هذا النمط من إنتاج الطاقة يلزمه مليونان ونصف المليون من السنوات حتى يبدأ تفاعله حيث يصدم بروتون من البروتونات نواة الكربون12 التي تقوم بامتصاص هذا البروتون وتحوله إلى نواة نيتروجين13 وتبث طاقة على شكل أشعة غاما، ونيتروجين13غير مستقر فهو يتحول بسرعة إلى كربون13 وينتج عنه نيوترينو واحد ينطلق في الفضاء، وبوزيترون واحد يقابل في النهاية إلكتروناً تائهاً فيفني أحدهما الآخر على الفور، وخلال الدقائق العشر التالية يصدم بروتوناً من البروتونات الكربون13 الجديد ويحوله إلى نتروجين14 ويطلق أشعة غاما، وبعد أربعة ملايين سنة يصدم بروتون آخر النيتروجين14 ويحوله إلى أوكسجين1 ويطلق أشعة غاما، ويتحول الأكسجين15 الغير مستقر إلى نتروجين15 في خلال دقائق، فينطلق عنه نيوترينو واحد يضيع في الفضاء، وبوزيترون واحد يلتقي بإلكترون تائه فيفني أحدهما الآخر، وبعد حوالي عشرين سنة يصدم أحد البروتونات النتروجين15 فيشطره إلى نواة واحدة من الهليوم ونواة واحدة من الكربون12، وتترك هذه الأخيرة حرة لتبدأ الدورة من جديد.
تنبعث من الشمس إشعاعات بمختلف الأطوال الموجية بالإضافة للضوء المنظور، فهناك الأشعة السينية (x) القاسية التي يمكن رصدها بواسطة الصواريخ، وهناك الأشعة الراديوية التي يمكن دراستها من سطح الأرض.
يصطلح على تسمية الكمية الإجمالية للأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي، ووجد أنه يساوي (1.95) حريرة / دقيقة / سنتيمتر مربع - أي أن كمية الحرارة في الدقيقة تكفي لتسخين (1) غرام من الماء بمقدار (1.95) درجة مئوية - ويبقى هذا المقدار ثابتاً مما يجعل الحياة ممكنة على الأرض.
يشع سطح الشمس طاقة قدرها (1500) حريرة من كل سنتيمتر مربع، ويصل ضغط الغازات في جوف الشمس إلى (200) مليار طن / سم2، وقد عبر الفلكي البريطاني (جيمس جينز) عن مقدار الطاقة في جوف الشمس بهذا المثال: لو أخذنا قطعة من مركز الشمس بحجم رأس الدبوس فإن هذه القطعة تكون قادرة على *** إنسان يبعد عنها بمقدار (150) كم على الأرض.
يمكننا أن نتبين مقدار ضخامة الشمس إذا علمنا أنها تحول في كل ثانية (4.5) مليون طن من المادة إلى طاقة تصدرها إلى الفضاء المحيط بها، وهكذا فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في ثانية واحدة يزيد على مجموع الطاقة التي استهلكها الإنسان منذ فجر التاريخ حتى الآن، ورغم ذلك فإن مركز الشمس يطبق عليه الظلام الدامس لأن الشمس تصدر طاقتها محمولة على إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، ومن رأفة الله بنا أن الشمس تمنع هذه الإشعاعات من الوصول إلينا عن طريق تخميدها بطبقات الشمس فوق النواة، ويبلغ طول طريقها إلى السطح (600000) كم، لكن الطاقة تستغرق (20000) سنة حتى تقطع هذه المسافة، بينما لا يستغرق الضوء خلال رحلته إلينا سوى ثماني دقائق بدءاً من سطح الشمس، فما نراه من طاقة الشمس ولد أثناء العصر الحجري للأرض.
تطلق الشمس سيولاً من الجسيمات الذرية الدقيقة كالإلكترونات والنترونات والبروتونات بشكل ريح تدعى الريح الشمسية، وهي المسؤولة عن تشكيل أذيال المذنبات وتكوين الشفق القطبي، وتقع هذه الجسيمات في أسر جاذبية كوكب الأرض وتشكل أحزمة متأينة تسمى أحزمة (فان ألين) نسبة للعالم الذي اكتشفها وذلك حين وضع عدَّاداً للجسيمات على متن القمر الصناعي الأمريكي (إكسبلورر-1) في شباط / 1958/.
وقد بينت الدراسات أن الشمس تفقد في الثانية الواحدة ما يزيد عن مليون طن بشكل جسيمات، ولعل من أغرب الجسيمات التي تطلقها الشمس نتيجة تفاعلاتها جسيم عديم الشحنة وعديم الكتلة يدعى "النيوترينو"، وهذا الجسيم لا يستغرق في العبور من مركز الشمس إلى سطحها سوى ثانيتين فقط لأنه لا يعاني من التصادمات بسبب انعدام حجمه تقريباً، ولاصطياده وضع العلماء خزاناً مملوءاً بمادة (فوق كلور الإيثيلين) سعته (400000 لتر) في منجم مهجور للذهب على عمق آلاف الأمتار في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف عنه بسبب تحويله أحد النظائر المشعة للكلور الذي يبلغ وزنه الذري (37) إلى نواة النظير المشع للأرغون (37)، عندها يحصي العلماء عدد ذرات الأرغون الموجودة في الخزان وهو نفس عدد (النيوترينوات)، وبذلك يتنبئون عن نشاط الشمس.
يتبع